اذهب إلى المحتوى

مجد اسماعيل

الأعضاء
  • المساهمات

    152
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

كل منشورات العضو مجد اسماعيل

  1. في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتعرف على كيفية قيام الشركات بدخول السوق العالمية والمشاركة فيها، من خلال عرض أبرز الطرق المتاحة أمام الشركات لتدخل إلى السوق العالمية من خلالها. أسباب التوجه إلى السوق العالمية هناك عدة أهداف تسعى إلى تحقيقها الشركات التي تتجه نحو الأسواق العالمية، ولعل أبرزها، رغبتُها في جني مزيد من الأرباح، وإذا كان لدى شركةٍ ما منتجٌ مميز، أو ميزة تقنية ما، لا تملكها الشركاتُ المنافسةُ لها، فلا بد أن تحقق تلك الشركة نجاحًا كبيرًا في الخارج بفضل ذلك التفرد، وفي حالاتٍ أخرى، قد يكون لدى إدارة شركةٍ ما معلوماتٌ سوقيةٌ حصريةٌ حول الزبائن الأجانب، أوِ الأسواقِ الأجنبية، أو الظروف التي تسود تلك الأسواق، ففي هذه الحال، وبالرغم من أن حصرية تلك المعلومات قد تعطي حافزًا للانتقال نحو الأسواق العالمية -فعلى المديرين المعنيين إدراكُ أن المنافسين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سيلحقون بهم في نهاية المطاف، وأخيرًا، هناك عوامل أخرى قد تشجع شركةً ما على التوجه نحو الأسواق العالمية؛ ومنها إشباع السوق المحلية بالإنتاجية الفائضة، وإمكانية توفير التكاليف، أما كيف تدخلُ شركةٌ ما السوق العالمية، فهذا ما نشرحه فيما يأتي. طرائق الدخول إلى السوق العالمية والمشاركة فيها التصدير عندما تقرر شركةٌ ما دخول السوق العالمية، فأبسط الطرق، وأكثرها أمانًا لتحقيق ذلك هو التصدير؛ والذي يعني بيع المنتجات المصنَّعةِ محليًا إلى زبائن في بلد آخر، ويمكن للشركة أن تبيع منتجاتها للمستوردين، أو المشترين الأجانب، وليسَ التصديرُ حكرًا على الشركات العملاقة مثل: جنرال موتورز، أو آبل، بل يمكن في الواقع لشركات صغيرة دخول السوق العالمية من بوابة التصدير -أيضًا- هذا وتحتل الصينُ المرتبة الأولى، كأكبر مُصدِّرٍ في العالم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية. وتدَّعي كثير من الشركات الصغيرة أن عدم قدرتها على دخول السوق العالمية هو بسبب افتقارها إلى المال، والوقت، والمعرفة بالأسواق الأجنبية؛ وكلها من متلطبات التصدير، وتقدِّم ما تُعرَف ب إدارة المشاريع الصغيرة في الولايات المتحدة (US Small Business Administration)، واختصارًا (SBA)، رأس مالٍ تشغيليٍّ (أي أموالًا) للشركات الصغيرة، والمتوسطة، لمساعدتها على إنجاز مبيعاتها المعدة للتصدير وفقًا للبرنامج المسمى برنامج رأس المال التشغيلي الخاص بالتصدير (Export Working Capital Program)، كما توفر إدارة المشاريع المذكورة، المشورةَ والمساعدة القانونية للشركات الصغيرة، الراغبة في دخول السوق العالمية، وقدِ استفادت شركاتٌ عديدة من دخولها في مجال التصدير، مثل: شركة أميريكان بيلدينغ ريستوريشن برودكتس (American Building Restoration Products)، وتبيع هذه الشركة منتجاتها إلى شركات ترميم المباني في المكسيك، وفلسطين المحتلة، واليابان، وكوريا، وتمثل صادراتُ تلك الشركة 5% من إجمالي مبيعاتها. الترخيص والامتياز من الوسائل الفعالة الأخرى التي على الشركات اللجوء إليها لدخول السوق العالمية، والتي ليس فيها مخاطرة كبيرة -بيعُ رُخصةِ تصنيعِ منتجاتها إلى شركةٍ أخرى في دولة أجنبية، فالترخيص، أو إصدار الترخيص، هو عملية قانونية توافق بموجبها شركةٌ ما (تسمى المرخِّصة) على السماح لشركة أخرى (تسمى المرخَّص لها) باستخدام عملية تصنيع، أو علامة تجارية، أو براءة اختراع، أو سرًّا تجاريًا، أو غير ذلك من صور الملكية الفكرية الخاصة بتلك الشركة المرخِّصة، وتلتزم الشركةُ المرخَّصُ لها في المقابل بدفع رَيعٍ، أو رسمٍ يتفق عليه الطرفان. ويعد الترخيصُ على المستوى الدولي، من القطاعات المُدرَّة لمليارات الدولارات كل عام. وتأتي التراخيص الخاصة بالتسلية، والترفيه، مثل أفلام DVD، وتلك الخاصة بالشخصيات، مثل شخصية باتمان (Batman)، فئةَ الترخيص المنفردة الأضخم، ثم تأتي العلامات التجارية في المرتبة الثانية، بوصفها أكبر مصادرِ إيراداتِ الترخيص، وترخّصُ شركةُ كاتربيلر (Caterpillar) الماركة الخاصة بها للاستثمار في مجالَي الأحذية، والملابس، حيث تلاقي رواجًا كبيرًا في أوروبا. وقد تبنَّتِ الشركاتُ في الولايات المتخدة مفهوم الترخيص، فشركة لابات بروينع (Labbat Brewing Company) على سبيل المثال تحوز على رخصة تصنيع منتجها ميلر هاي لايف (Miller High Life) في كندا، وتحصل شركة سبالدينغ (Spalding) على أكثر من مليونَي دولار سنويًا من اتفاقات الترخيص لصناعة منتجاتها الرياضية، وتعير شركة فرووت أوف ذا لووم (Fruit of the Loom) اسمها عبر الترخيص لخمسة، وأربعين مُنتَجًا في اليابان وحدها، مقابل نسبةٍ بحدٍّ أدنى هو 1% من صافي مبيعات الشركات التي ترخِّص لها. وتشترط الشركة المرخِّصة ضمانًا يمكنها من ممارسةَ رقابةٍ كافية على أنشطة الشركات التي تمنحها الترخيص، حرصًا منها على الجودة، والتسعير، والتوزيع، وأمورٍ من هذا القبيل، وقد يؤدي الترخيص إلى خلقِ منافسين جدد، إذا ما قرر الطرف المرخَّص له إبطال عقد الترخيص، فلا تمتلك الدول قانونًا فعالًّا من أجل إيقاف مثل تلك التصرفات، وهناك طريقتان تُمكِّنان الطرف المرخِّص من ممارسة رقابةٍ على الطرف المرخَّص له من قبل الطرف الأول؛ الأولى: عبر شحن مكوِّنٍ أساس، أو أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية: عبر تسجيل براءاتِ الاختراع، والعلامات التجارية باسمه على الصعيد المحلي. وننتقل الآن إلى الحديث عنِ الامتياز؛ الذي يعد أحد صور الترخيص التي تطورت بسرعة في السنوات الأخيرة، ويُشغِّلُ العديد من أصحاب حقوقِ الامتياز في الولايات المتحدة آلاف منافذ البيع في الدول الأجنبية، وتتبع أكثر من نصفِ الامتيازاتِ الدولية لقطاعَي مطاعم الوجبات السريعة، وخدمات الأعمال التجارية، وقد قررت ماكدونالدز بيعَ متاجرها الصينية لمجموعة من المستثمرين الخارجيين مقابل 8.1 مليار دولار، ولكنها احتفظت بنسبة 20% من الأسهم. ولا يعني حصولُك على حق امتيازٍ من شركةٍ ذاتِ اسمٍ مشهور، أنَّ النجاح سيكون حليفكَ لا محالة، وأنَّ العمل سيكون سهلًا، ومن الأمثلة على ذلك أنَّ شركة هوم ديبوت (Home Depot) أغلقت متاجرها في الصين، حيثُ كانت قدِ افتتحت اثني عشر متجرًا، لتقدم خدماتها للشعب الصيني ذي التعداد الكبير، فلو كانت تلك الشركةُ قد أجرت بحثًا تسويقيًا لَعَلِمَت أنَّ غالبية سكان المدن يقطنون في شقق حديثة التشييد، وأن المجتمع المحلي هناك ينظر إلى أسلوب عمل تلك الشركة كنوع من الازدراء، والذي يرمز إلى الفقر هناك -أيضًا- وهو أسلوبٌ يتضمنُ بيعَ كل لوازم العمل للزبون الذي عليه إنجازُ ذلك العمل بنفسه، وهو ما يُقال فيه أنجِزِ العملَ بنفسك (DIY: Do It Yourself). وعندما افتتحت شركةُ سب واي (Subway) أول متجرِ سندويش لها في الصين، كان السكان المحليون يقفون خارج المتجر، ويكتفون بالتفرجّ، وذلك على مدى عدة أيام، إذ كان على القائمين على ذلك المحل طباعة لافتاتٍ تشرح كيفية طلب سندويش، ولم يصدِّقِ الناسُ هناك أن سلطة التونة كانت مصنوعة من السمك؛ لأنهم لم يرَوَا الرأس، ولا الذيل، ولم تَرُقْ لهم فكرةُ لمس طعامهم، ولا مسكُ السندويش بشكل عمودي، وإزالة الورق الملفوف به، وتناوُلها مثل الموزة. ففي المقام الأول، لم يُردِ الصينيون تناول السندويش. ومن المعتاد أن تقوم سلاسل المطاعم الغربية بتعديل استراتيجياتها عند البيع في الصين، فشركة ماكدونالدز أضافت برغر دجاج حار (حِرّيف) لعلمها أن الصينيين يفضلون الدجاج على لحم الأبقار، كما تخلَّت شركة كنتاكي عن سلطة الكرنب لصالح الأطباق الموسمية، مثل: الجزر المقطَّع وأغصان الخيزران. عقد التصنيع بموجب عقد التصنيع، تستطيع أي شركةٍ أجنبيةٍ أن تنتجَ سلعًا ذات علامة تجارية خاصة، تحتَ اسم علامة، أو وسم شركة محلية، ويمكن تولّي التسويق، إما من قبل الشركة المحلية، أو الشركة الأجنبية المصنّعة، فشركة ليفي شتراوس على سبيل المثال، عقدتِ اتفاقًا مع دار الأزياء الفرنسية كاشاريل (Cacharel) لإنشاء خط إنتاج جديد خاص بوسم ليفايس، يسمى سمثينغ نيو (Something New)، للتوزيع في ألمانيا. وتتمثل الفائدة من عقد التصنيع، في أنه يسمح للشركة أن تجسّ نبض الأسواق في البلد الأجنبي، كما أن سماح الشركة المحلية، لشركةٍ أجنبية بإنتاج كمية معينة من المنتجات، وفقًا للمواصفات، ووضعِ اسم الوسم، أو العلامة الخاصة بها (أي الخاصة بالشركة المحلية)على السلع التي تنتجها (الشركةُ الأجنبية)، يمكّنها من توسيع قاعة التسويق العالمية الخاصة بها، دون الحاجة إلى الاستثمار في المصانع، والمعدات في الخارج. وقد تنتقل الشركةُ المحلية إلى مشروعٍ مشترك، أو استثنارٍ مباشر، وهو ما سنشرحه فيما يأتي. المشروعات المشتركة تتشابه المشروعات المشتركة إلى حدٍّ ما مع اتفاقات الترخيص، ففي المشروع المشترك، تشتري الشركة المحلية جزءًا من شركةٍ أجنبية، أو تنضم إلى شركة أجنبية أخرى؛ لإنشاء كيانٍ جديد، ويعد المشروع المشترك طريقة سريعة، وغيرَ مكلفةٍ نسبيًا لدخول السوق العالمية، ولكنها قد تحملُ مخاطرة كبيرةً جدًا، إذ يفشلُ العديد منها، في حين يقع بعضها فريسةَ الاستيلاء عندما يشتري الشريكُ شريكَه. وتشترط الدولُ أحيانًا، وجود شركاء محليين لتأسيس شركة على أراضيها، وكان هذا مطبَّقًا في الصين على سبيل المثال، حتى وقتٍ ليس ببعيد، بالنسبة لعدد من الصناعات، وبذلك، فقد كان المشروع المشترك، السبيل الوحيد لدخول السوق، وتساعد المشروعات المشتركة في تقليل المخاطر عبر المشاركة في التكاليف، والتقنية، وغالبًا ما يجمع المشروع المشترك نقاطَ القوة التي لدى كل طرف منه؛ وهذا ما كانتِ الحالُ عليه في المشروع المشترك بين شركتي جنرال موتورز وسوزوكي في كندا، الذي ساهم كل طرف فيه بما لديه من نقاط قوة وكَسِب، وقد أُنشئ التحالف المسمى كامي أوتوموتيف (CAMI Automotive) بين الشركتين المذكورتين؛ لإنتاج سيارات بالتكلفة الدنيا موجَّهة إلى السوق الأمريكية. ويُنتجُ المصنع الذي كانت تتولى أدارتَه شركة سوزوكي، سيارات شفروليه إيكيونوكس وشيفروليه بونتياك، بالإضافة إلى سيارة سوزوكي الرياضية متعددة الأغراض الجديدة (Suzuki SUV). وقد أُتيحَ لشركة سوزوكي عبر تحالف كامي أوتوموتيف الوصولُ إلى شبكة تجار السيارات التابعة لجنرال موتورز، إلى جانب سوقٍ واسعة لقطع السيارات، ومكوناتها، أما جنرال موتورز، فقدِ استفادت من ذلك التحالف بتوفير التكاليف المترتبة على تطوير سيارات التكلفة الدنيا، كما حصلت على طرازاتٍ كانت بحاجة إليها لتنشيط التكلفة الدنيا في خط الإنتاج الخاص بها، وتصنيفِ المعدلِ الوسطي لتوفير الوقود في سياراتها، وبعد النجاح الذي حققه مشروعها المشترك مع سوزوكي، حازت جنرال موتورز على السيطرة الكاملة على عملية الإنتاج فيه، وكان ذلك في العام 2011. وقد يكون مصنع كامي أحد أكثر المصانع إنتاجيةً في أمريكا الشمالية، وقد تعلمت جنرال موتورز كيفية استخدامِ اليابانيين فرق العمل لديهم، وطريقة إدارتِهم خطوطَ تجميعٍ تتسم بالمرونة، وأسلوب مراقبة الجودة من قبلهم. الاستثمار الأجنبي المباشر تسمى الملكية الفعلية لشركة أجنبية، أو لمنشآت تصنيعٍ، أو تسويق في الخارج؛ استثمارًا أجنبيًا مباشرًا، ويمتلك المستثمرون المباشرون حصة مُسيطِرة، أو حصةَ أقلية كبيرة في الشركة، ولذلك فهم يحظون بأكبر العوائد المتوقعة من أرباح الشركة، ولكن عليهم في المقابل مواجهة أكبر المخاطر المحتملة، ويمكن لشركةٍ ما، القيام باستثمارٍ أجنبي مباشر باكتساب حصةٍ في شركةٍ قائمة، أو ببناء منشآتٍ جديدة، وقد يدفعها إلى القيام بذلك مشاكل في تحويل بعض الموارد لصالح عملية إنتاجٍ في بلد أجنبي، أو لصعوباتٍ في الحصول على تلك الموارد على الصعيد المحلي، ويبرز طاقم الموظفين كأحد الموارد المهمة للمستثمرين المباشرين، وخصوصًا المديرين منهم، فإذا كان سوق العمل محدودًا، فقد تشتري الشركةُ شركةً أخرى أجنبية، مع الاحتفاظ بموظفيها، بدلًا من دفع رواتب أعلى من التي يدفعها منافسوها. وتلجأ الشركات -أحيانًا- إلى الاستثمار الأجنبي المباشر لعدم عثورها على شريكٍ محلي مناسب، كما تُجنِّبُ الاستثمارات المباشرة مشاكل التواصل، وتعارض المصالح، التي تظهر في المشاريع المشتركة؛ فقد أصرت شركة آي بي إم في الماضي على الملكية الكاملة لاستثماراتها الأجنبية، لأنها لم تُرِد مشاركة تفضي إلى السيطرة مع أي شريك محلي. وقد أبلت شركةُ جنرال موتورز بلاءً حَسَنًا بصنعها شاحنة صغيرة يبلغ سعرها 4400 دولار أمريكي (29800 يوان صيني) والتي يكفيها غالون وقودٍ واحد لتمشيَ مسافة 43 ميلًا ضمن المدينة، أما سيارة وولينغ صن شاين (Wuling Sunshine) الصينية، فهي بربع قوة الأحصنة التي لدى السيارات الأمريكية، وتسارُعُها بطيء، ولا تتجاوز سرعتها القصوى 81 ميلًا في الساعة. كما إن سماكة مقاعد تلك السيارة الصينية لا تتجاوز ثلث سماكة مقاعد طرازات السيارات الغربية، ولكن تلك السيارة الصينية تبدو فخمةً مقارنة بالسيارات الصينية الأخرى المشابهة، وقد جعلتِ الشاحناتُ الصغيرة شركةَ جنرال موتورز أكبر بائعٍ للسيارات في السوق الصينية، كما جعلت من تلك السوق مركز ربح كبير بالنسبة جنرال موتورز. وبالحديث عن شركة وول مارت، فهي تمتلك ما يزيد على 6000 متجر خارج الولايات المتحدة، وقد بلغت مبيعاتُها على المستوى الدولي أكثر من 116 مليار دولار. وتبلغ نسبة المتاجر الجديدة المُفتتحة في الأسواق العالمية حوالي ثلث متاجر تلك الشركة الجديدة. ولم يُكتَبِ النجاحُ لجميع الاستثمارات الخارجية لشركة وول مارت، ففي ألمانيا، اشترت وول مارت سلسلة المتاجر الخاصة بسوق فياتكوف (Wertkauf) ذات الواحد والعشرين طابقًا، ثم اشترت 74 متجرًا تابعًا لشركة إنترسبار (Interspar) البالية وغير المربحة، وقد أدتِ المشاكل الناجمة عن دمجِ تلك المحلات، وترقيتها إلى خسائر بلغت 200 مليون دولار على أقل تقدير، كما هو حال المحلات الألمانية الأخرى. لقد كان على محلات وول مارت في ألمانيا الإغلاقُ عند الساعة الثامنة مساءً، وفي أيام العطل. وعند الساعة الرابعة مساءً أيام السبت؛ ولم يكن يُسمَح للمحلات بأن تفتح أيام الأحد أبدًا، وذلك وفقًا للقوانين هناك، فكانت التكلفة باهظة جدًا، مما دفع وول مارت إلى ترك سوق التجزئة الألماني. ولكن وول مارت تعافت من تلك التجربة المريرة فيما يخص استثماراتها الدولية؛ إذ باتت تلقي عبء الاضطلاع بالسلطة التشغيلية على مديرين من البلد الذي تستثمر فيه، لتستجيب بشكل أفضل للثقافة المحلية في كل بلد تطؤه أقدامها، وتفرض وول مارت مبادئ جوهريةً محددة من قبيل الأسعار اليومية المنخفضة، ولكنها تفوض مديريها في تلك البلدان بإنجاز عمليات الشراء، والأمور اللوجستية، وتصميم المباني، وسواها من القرارات المتعلقة بالتشغيل. وتغير الشركات العالمية استراتيجياتها وفقًا لتطور الظروف في الأسواق المحلية. فمثلًا، على شركات النفط العملاقة مثل شل وإكسون موبيل التكيف معَ التغيرات المتسارعة في أسعار النفط، والتي أفرزتها التطورات التقنية، ومنها إنتاجُ سياراتٍ ذات كفاءة في استهلاك الوقود، وعملياتُ استخراج النفط بالتصديع المائي، أو الهيدروليكي، وعمليات الحفر الأفقي الموجه. التجارة التبادلية قد لا تتضمن التجارة الدولية دفع أموال بالضرورة، فالتجارة التبادلية اليوم هي طريقة سريعة النمو لتنفيذ أي عملٍ تجاري على المستوى الدولي، ووفقًا للتجارة التبادلية، يكون المقابل الجزئي، أو الكلي للسلع، والخدمات سلعًا، وخدماتٍ أخرى، وهي شكلٌ من أشكال المقايضة (مبادلة سلعٍ بسلع) التي تعد ممارَسَةً مُغرِقة في القِدَم، ويدل اقتفاءُ أثرها على أنها تعود إلى عصر إنسان الكهف، ووفقًا لتصريحات وزارة التجارة في الولايات المتحدة، فإنَّ حوالي 30% من التبادلات التجارية الدولية، عبارة عن تجارةً تبادلية، وفي كل عام تنخرطُ حوالي 300 ألف شركة أمريكية في هذا النوع من التجارة، وتقايض شركاتٌ أمريكية مثل جنرال إلكتريك، وبيبسي، وجنزال موتورز، وبوينغ ملايين السلع، والخدمات كل عام. وقدِ اشترتِ الحكومة الماليزية مؤخرًا عشرين عربة قَطْرٍ تعمل بالديزل منَ الصين دفعت ثمنًا لها زيتَ نخيل. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
  2. سنتعرف في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال على مفهوم التجمعات الاقتصادية الدولية، كما سنقوم بذكر أبرز الاتفاقيات الدولية بهذا الصدد، وأهم ما جاء فيها. ما هي التجمعات الاقتصادية الدولية؟ قد تقرر الدولُ التي تمارس التجارة باستمرار فيما بينها، أن تجعلَ علاقتها التجارية تلك ذات طابعٍ رسمي، إذ تجتمعُ الحكوماتُ، وتخرج باتفاقات تضع قاعدةً لسياسةٍ اقتصادية مشتركة، وتكون النتيجة تجمُّعًا اقتصايًا أو في حالاتٍ أخرى، اتفاقيةً تجارية ثنائية (أي اتفاقية بين دولتين، تهدف إلى تخفيض القيود التجارية فيما بينهما). فمثلًا: قد تتفقُ دولتان على تعرفة تفضيلية؛ وهي التي تمنحُ مزايا لدولة ما (أو لمجموعة من الدول) دون غيرها من الدول، فعندما تمارس دولُ الكومنولث البريطاني (وهي التي شكلت جزءًا من الأراضي البريطانية سابقًا) التجارةَ معَ المملكة المتحدة، فإنها تدفع تعرفاتٍ أقل من التي تدفعها الدول الأخرى في هذه الحالة؛ فدولتا كندا، وأستراليا كانتا أراضيَ بريطانية في السابق، وهما جزء من الكومنولث البريطاني، حتى أن صورة الملكة إليزابيث لا تزال موجودة على العملة الكندية، وكذلك علم المملكة المتحدة الذي ما يزال يحتل جزءًا من علم أستراليا، وفي حالاتٍ أخرى، قد تنشئُ الدولُ اتحاداتِ تجارةٍ حرة، ففي منطقة التجارة الحرة، قليلةٌ هي الرسوم، والأنظمة التي تقيّد التجارةَ بين الشركاء التجاريين فيها، وعلى الدول غير الأطراف في تلك المنطقة الحرة، أن تدفعَ التعرفات التي يقررها كل عضو من أعضائها. أبرز التجمعات الاقتصادية الدولية اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية تمثّل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، أو المسماة اختصارًا نافتا (NAFTA)، منطقةَ التجارةِ الحرة الأكبرَ في العالم. وقد صادقَ الكونغرس الأمريكي على تلك الاتفاقية في العام 1993، وتضم الاتفاقية كلًّا من كندا، والولاياتِ المتحدة، والمكسيك؛ وهي دولٌ يبلغ تعداد سكانها مجتمعةً حوالي 450 مليون نسمة، ويُقدَّر جحمُ اقتصادها بحوالي 20.8 تريليون دولار. وكانت كندا، -وهي أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين- قد دخلت في اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة في العام 1988، وبذلك تتركز معظم الفرص طويلة الأمد المتاحة أمام الولايات المتحدة -بموجب اتفاقية نافتا- في المكسيك التي تعد ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. وقبل إبرام اتفاقية نافتا، كان متوسط التعرفات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على الصادرات المكسيكية الواردة إليها تقدر بــ 4% فقط، وكانت معظم البضائع المكسيكية تدخل السوق الأمريكية بدون رسوم، ولذلك، فقد تمثَّلَ الهدفُ الرئيس من اتفاقية نافتا في فتحِ السوق المكسيكية أمام الشركات الأمريكية، وعندما دخلت اتفاقية نافتا حيز النفاذ، أُلغيتِ التعرفاتُ على حوالي نصف السلع التي تتدفق عبر نهر ريو غراندي، وقدِ ارتفعت قيمةُ المبادلات التجارية بين المكسيك، والولايات المتحدة من 80 مليار دولار إلى 550 مليارًا، وذلك منذ دخول اتفاقية نافتا حيز النفاذ. وقد أزالتِ الاتفاقية المذكورة مجموعة واسعة من التعرفات، وحصص الاستيراد، وشروط الترخيص المكسيكية، التي قيدت -في السابق- التعاملات المالية في السلع، والخدمات الأمريكية. فمثلًا، تسمح الاتفاقية لشركات الخدمات المالية الكندية، والأمريكية بامتلاك شركاتٍ تابعة لها ضمن الأراضي المكسيكية، وذلك للمرة الأولى منذ خمسين عامًا. الصورة 3.5: يُعدّ النزاع بين الولايات المتحدة، وكندا حول الخشب اللين -والذي دفعَ الولايات المتحدة إلى فرض تعرفاتٍ على الواردات الكندية منه- أحدَ أطولِ النزاعاتِ التجارية بين الدولتين، وقد نشأ ذلك النزاعُ نتيجة الخلاف بينهما حول الإنتاج الكندي لذلك الخشب، ووارداتِ كندا منه، وأهم نقطة في ذلك الخلاف؛ هي ادعاءُ الولايات المتحدة أن الحكومةَ الكنديةَ تدعم إنتاج الخشب الليّن الكندي بشكل غير عادل، عبر تأمين وصول منتجيه إلى الأراضي العامة، في حين يقوم المنتجون الأمريكيون بجلبه من أراضيهم الخاصة فقط. أما الاختبار الحقيقي لنافتا، فسيكون من خلال قدرتها على تعزيز الازدهار الاقتصادي على ضفتي نهر ريو غراندي، ويرى المكسيكيون، أن على اتفاقية نافتا أن تساهم في زيادة الأجور، وتقديم مزايا أفضل، بحث توسع الشريحة المنتمية إلى الطبقة الوسطى، عبر توفير قوة شرائية لها، تمكنها من الاستمرار في شراء السلع من الولايات المتحدة، وكندا. ويبدو أن هذا السيناريو يتحقق فعليًا؛ ففي شركة دلفي، وهي شركة تصنيع قطع غيار سيارات واقعة في مدينة سيوداد خواريز تمامًا، وعلى امتداد الحدود مع مدينة إل باسو الأمريكية التابعة لولاية تكساس، يمثل عمالُ خط التجميع هناك عينةً من الطبقة العاملة المكسيكية، وخلال السنوات التي أعقبت تخفيضَ اتفاقية نافتا للقيودَ على التجارة، والاستثمار، وسّعت شركةُ دلفي وجودها في المكسيك، حيث تشغّل تلك الشركةُ حاليًا حوالي 70 ألف عامل مكسيكي، يأتيهم يوميًا ما يزيد على 70 مليونًا من قطع السيارات الأمريكية التي يقومون بتجميعها، وتعد الأجور -في تلك الشركة- منخفضة بالنسبة للمعايير الأمريكية؛ إذ يكسب عاملٌ في خط التجميع لديه خبرةٌ قوامها سنتان 2.30 دولارين وثلاثين سنتًا في الساعة، ولكنه أجرٌ يمثل ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور في المكسيك، وتعد فرص العمل لدى شركة دلفي من أكثر الفرص جذبًا للعمال في مدينة خواريز، وقد أبلغتِ الحكومة الأمريكية مؤخرًا نظيرتَيها الكندية، والمكسيكية برغبتها في التفاوض بشأن بنود اتفاقية نافتا. وأضخم الاتفاقيات التجارية الجديدة هي اتفاقية ميركوسور (Mercosur) وتضم البيرو، والبرازيل، والأرجنتين، وباراغواي، وأوروغواي، وقد أثمرت إزالةُ معظم التعرفات بين تلك الدول عائداتٍ تجارية تفوق حاليًا 16 مليار دولار سنويًا، وبالرغم من أن الكساد السائد في الدول الأطراف في اتفاقية ميركوسور قد حدَّ من النمو الاقتصادي لديها، لكنه لم يؤثر في نمو التجارة فيما بينها. اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الوسطى وهي أحدث اتفاقية للتجارة الحرة تبصر النور، وتعرف اختصارًا باتفاقية كافتا (CAFTA). وتضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة كلًا من كوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، والسلفادور، وغواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي بالأصل المُصدِّر الرئيس إلى تلك الدول، يرى الاقتصاديون أنه لن ينتج عن هذه الاتفاقية زيادةٌ كبيرة في صادراتها؛ ولكنها مع ذلك ستؤدي إلى تخفيض التعرفات المفروضة على الصادرات المتجهة نحو الدول الأطراف فيها، كما إنّ حوالي 80% من السلع التي تُصدَّرُ إلى الولايات المتحدة من دول هذه الاتفاقية معفاة من الرسوم الجمركية، وقد تستفيد تلك الدول من هذه الاتفاقية التجارية الدائمة في حالِ انخرطت الشركاتُ الأمريكية المتعددة الجنسيات بفعالية استثمارية في هذه المنطقة. الاتحاد الأوروبي صادقت دولُ المجموعة الأوروبية (EC) في العام 1993 على معاهدة ماستريخت التي مضت بالدول المذكورة قُدُمًا نحوَ اتحادٍ اقتصادي، ومالي، وسياسي، وبالرغم من أن الهدف الرئيس منَ المعاهدة المذكورة يُعنى بالوصول إلى سوقٍ أوروبية موحَّدة، فقد توخَّت -أيضًا- زيادةَ الاندماج بين الدول الأعضاءِ في الاتحاد الأوروبي (EU). وقد ساعدَ الاتحادُ الأوروبي في تعزيز ذلكَ الاندماج، عبر خلقِ اقتصادٍ لا تعيقه الحدود للدول الأوروبية الثمانية والعشرين، المبيَّنةِ في الخريطة أدناه، في الصورة 3.6. الدول الثماني والعشرون الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الدول المرشَّحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي النمسا بلجيكا بلغاريا كرواتيا قبرص جمهورية التشيك الدنمارك ستونيا فنلندا فرنسا ألمانيا اليونان هنغاريا إيرلندا إيطاليا لاتفيا ليتوانيا لوكسمبورغ مالطا هولندا بولندا البرتغال رومانيا سلوفاكيا سلوفينيا إسبانبا السويد المملكة المتحدة (عند كتابة المقال) ألبانيا جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة (جمهورية شمال مقدونيا حاليا). مونتينيغرو صربيا * تركيا table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center;} td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } وقد أنشأتِ الدولُ الأعضاءُ في الاتحاد الأوروبي مؤسساتٍ تنازلت لها عن شيءٍ من سيادتها بما يتيح اتخاذ قرارات حول مواضيع محددة، ذات اهتمامٍ مشترك، بشكل ديمقراطي على الصعيد الأوروبي، ويُطلق على تجمع السيادة هذا وصف التكامل الأوروبي، وفي العام 2016، صوَّت مواطنو المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي خطة عُرِفَت باسم بريكست (Brexit)، وقد تستغرق سنواتٍ قبل أن تغدوَ واقعًا. الصورة 3.6: الاتحاد الأوروبي. ويتمثل أحد أهداف الاتحاد الأوروبي الرئيسة في تعزيز التقدم الاقتصادي لدوله كافة، وتنفيذًا لذلك، فقد أزال القيود المفروضة على التجارة، ووضعَ حدًا للاختلافات في القوانين الضريبية، ومعايير الإنتاج، وأنشأ عملة موحَّدة، كما جرى تأسيس بنك أوروبي مشترك بين دول الاتحاد، وعملةٍ موحدة هي اليورو، ومن ثمراتِ السوق الواحدة التي تمخضت عنِ الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، توفيرُ أكثر من 2.5 مليون وظيفة جديدة، وأكثرُ من تريليون دولار، مثلت مالًا جديدًا لم يكن موجودًا قبل تأسيسه، وقد أدى افتتاح أسواق وطنية تابعة للاتحاد الأوروبي إلى تخفيض أسعار المكالمات الهاتفية المحلية إلى النصف منذ عام 1998، كما انخفضت أسعار تذاكر الطيران بشكل كبير نتيجة للمنافسة. أما إزالة القيود الوطنية بين دول الاتحاد الأوروبي، فقد مكَّنت أكثر من 15 مليون أوروبي من السفر إلى دول أوروبية أخرى للعمل، أو قضاء وقتٍ بعد التقاعد. والاتحاد الأوروبي مشهودٌ له بصرامته في مكافحة الاحتكار؛ ويرى بعضُ الناس أنه يتفوق على الولايات المتحدة في هذا المجال، ومن الأمثلة على ذلك: تغريمُه شركةَ غوغل بمبلغ 2.7 مليار دولار لتفضيلها بعض الخدمات التي تقدمها في نتائج البحث التي تظهر على محرّك البحث الخاص بها، وبعكس الوضع في الولايات المتحدة، يمكن لسلطاتِ الاتحاد الأوروبي أن تُغلق مكاتب شركة ما لفترة غير محددة، لمنع إتلاف الأدلة، وبوسعها كذلك دخول المنازل، والسيارات، واليخوت، وسواها من ممتلكاتٍ شخصية، عائدة لمديرين تنفيذيين مُشتَبَهٍ في إساءة استعمال سلطتهم في السوق، أو في التآمر لتحديد الأسعار. ولازالت شركة مايكروسوفت في نزاع مع المحكمة الأوروبية منذ العام 2002 دون بزوغ نهايةَ قريبة له قد تلوح في الأفق، وقد غرَّمتِ المحكمةُ الشركةَ لاحتكارها الوصول إلى الإنترنت عبر تضمين محرك البحث إنترنت إكسبلورر (Internet Explorer) في برنامج ويندوز (Windows) الخاص بها، وتستأتفُ الشركةُ -أيضًا- حُكمًا صادرًا عن تلك المحكمة، يُلزِمُها بمشاركة الأكواد (الرموز) مع الشركات "مفتوحة المصدر". والحال مشابهٌ بالنسبة لشركةٍ أمريكيةٍ أخرى كبيرة، وهي شركة كوكاكولا، التي سوَّت نزاعًا حول الاحتكار استمرَّ ست سنوات مع المحكمة الأوروبية، وذلك بموافقتها على قيودٍ صارمة على تكتيكات المبيعات، أو عمليات المبيعات التي تستخدم؛ إذ لم يعد بوسع شركة كوكاكولا توقيعُ اتفاقياتٍ حصرية مع بائعي التجزئة، من شأنها منعُ منافستها من قبل شركات مشروبات غازية أخرى، ولا منحُ حسوماتٍ لهم وفقًا لحجم المبيعات، وبالإضافة إلى ما سبق، باتَ على كوكاكولا منحُ المنافسين لها، مثل شركة بيبسي، مساحةً ضمن البرّادات الخاصة بها، حيثُ يمكنهم تخزين منتجاتهم، وفي حال خالفت كوكاكولا بنود ذلك الاتفاق، سيتحتم عليها دفعُ غرامةٍ تعادل 10% من مجموع عائداتها حول العالم (أي أكثر من 2 مليار دولار). وثمة مشكلةٌ أخرى مختلفة تمامًا تواجه الشركاتِ العالمية، وهي احتمال اتخاذ الاتحاد الأوروبي خطواتٍ حمائيةً، في مواجهة الشركات الأجنبية. فمثلًا: اقترح صانعو السيارات إبقاءَ وارداتِ السيارات اليابانية عند حدود نسبة العشرة في المئة، التي تمثل مشاركة السياراتِ اليابانية في السوق الأوروبية، ونظرًا إلى أن إيرلندا، وهولندا، والدنمارك لا تصنّع سيارات، ولديها أسواق من دون قيود، فشعوبها غير سعيدة باحتمالية تقييد واردات السيارات اليابانية مثل: هوندا وتويوتا، أما فرنسا، فلديها حصص استيرادٍ صارمة في مواجهة السيارات اليابانية هدفها حماية صناعة السيارات الوطنية مثل رينو و بيجو، وقد يتضرر صانعو السيارات الفرنسيون في حال زيادة حصص الاستيراد تلك بأي شكل من الأشكال. ومن المثير للاهتمام أن عددًا من الشركات الأمريكية الكبرى، تُعدُّ شركاتٍ "أكثرَ أوروبيّةً" من العديد من الشركات الأوروبية، ومن بينها شركتا كوكاكولا وكيللوج (Kellogg's) اللتان تعدان من السمات، أو العلامات الأوروبية التقليدية، (markes)، أما شركتا فورد وجنرال موتورز، فتتنافسان على الحصة السوقية الأكبر في القارة الأوروبية، وتسيطر شركات آبل، وآي بي إن، وديل، على أسواقها، كما تبرز شركاتُ جنرال إلكتريك، وإي تي آند تي، ووستنجغهاوس بقوة عبر أوروبا كلها، ولديها استثمارات قوية في المنشآت الصناعية هناك. وقد تقدَّم الاتحادُ الأوروبي باقتراح مرسومٍ، من شأنه تركيز السلطات على مستوى الاتحاد، على حساب سلطات الدول الأعضاء فيه منفردةً، كما سيعمل على ما من شأنه توحيد الرأي حول المسائل الدولية، عبر استحداث منصبٍ لوزير خارجية يمثل الاتحاد ككل، كما يمنح الدستور المقترح الاتحادَ الأوروبي سلطاتٍ تتعلق باللجوء السياسي، والهجرة، وحرية التعبير، والمفاوضة الجماعية بين العمال وأرباب العمل، ولا يتحول ذلك الدستور المقترح إلى قانون إلا بعد موافقة كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد صوتت أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي، وهما فرنسا وألمانيا، بـ "لا" على مشروع الدستور المذكور في صيف العام 2005، إذ كان لدى مواطني هاتين الدولتين مخاوف من أن يؤدي ذلك الدستور المقترَح إلى سحب الوظائف من أوروبا الغربية إلى دول الاتحاد الأوروبي الشرقية، بفضل ما لدى هذه الدول من أجور منخفضة، وقيودٍ تنظيمة أقل، ومن الهواجس الأخرى التي انتابتِ المصوتين الرافضين للدستور المقترح احتمالُ أن ينتج عنه إصلاحاتٌ باتجاه تحرير الأسواق، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا؛ وهي إصلاحاتٌ ستكون على حساب سياسة الحماية الاجتماعية، التي تتبناها كل من فرنسا، وألمانيا رافضتي الدستور المقترح، كما كانت المخاوف بشأن الهجرة من العوامل التي أثرت في التصويت الذي شكل مقدمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
  3. سنتعرف في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال على كيفية تعزيز التجارة العالمية، مع ذكر أبرز الوسائل القانونية ومؤسسات التجارة الدولية البينية المخصصة لذلك. المفاوضات التجارية، ومنظمة التجارة العالمية تمثّل جولةُ المفاوضات التجارية المعروفة بجولة الأوروغواي، اتفاقيةً من شأنها تخفيف القيود التجارية على مستوى العالم، وقد جرى تبنّيها في العام 1994، ووقعت عليها 148 دولة حتى تاريخه، وقد خفضتِ اتفاقيةُ الأوروغواي -التي تعد أكثر الاتفاقات التجارية طموحًا- التعرفاتِ بمقدار الثلث على مستوى العالم، وهي خطوة يُتوقَّعُ أن تزيد الدخل العالمي بمقدار 235 مليار دولار سنويًا، ولعلَّ أكثر ما يلفت الانتباه في تلك الاتفاقية هو اعترافُها بوقائع عالمية جديدة؛ فلأول مرة تشملُ اتفاقيةٌ الخدماتِ، وحقوقَ الملكية الفكرية، وإجراءات الاستثمار المتعلقة بالتجارة مثل الرقابة على سعر الصرف. واستكمالًا لجولة الأوروغواي، فقد بدأت جولة مفاوضاتٍ جديدة في العاصمة القطرية في العام 2011، وسميت جولة الدوحة التي لم تحرز سوى تقدُّمٍ طفيفٍ في دفع التجارة الدولية قُدُمًا، هذا وتعمل الدول المتقدمة على تخفيض الدعم الحكومي لقطاع الزراعة كما هو الحال في الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، وتقول الدول الفقيرة إنّ من شأن الدعم الحكومي تحفيز الإنتاج الزائد، والذي بدوره يخفّض أسعار المنتجات الزراعية على مستوى العالم، ولأن السلع الزراعية تمثل الصادراتِ الرئيسة للدول النامية، فإن انخفاض أسعارها يعني أنها غير قادرة على المنافسة في السوق العالمية، ومن جهة أخرى، ترغب الولايات المتحدة، وأوروبا في تخفيض القيود التجارية فيما يخص الخدمات، والتصنيع، وقد كانت المحادثاتُ المستمرة محل انتقادٍ من قبل المتظاهرين الذين يدَّعونَ أن منظمة التجارة العالمية (WTO) تخدم مصالح الشركات المتعددة الجنسيات، وتهتم بتعزيز التجارة على حساب الحفاظ على البيئة، وأنها تعامل الدول الفقيرة بإجحاف. وقد حلَّت منظمة التجارة العالمية محل الاتفاقية العامة للتعرفات، والتجارة (جات) التي أُبرمَت في العام 1948، والتي اشتملت على ثغراتٍ عديدة، مكَّنتِ الدولَ من الالتفاف على اتفاقات تخفيف القيود التجارية، أما اليوم، فعلى الأعضاء في منظمة التجارة العالمية الالتزام التام بجميع الاتفاقات التي عُقدت بموجب جولة الأوروغواي. كما أن لدى منظمة التجارة العالمية نظامَ تسويةِ منازعاتٍ فعالًا، يحدد الوقت الذي على يجب على الأطراف المتنازعة تسويةُ نزاعاتهم خلاله. وقد برزت منظمة التجارة العالمية بوصفها المؤسسة الدولية الأقوى لتحرير التجارة، وتخفيف القيود المفروضة عليها، وتمتاز تلك المنظمة بأن شرط العضوية فيها يحتم على الدول الأطراف تخفيف القيود التجارية فيما بينها، أما الدول غير الأطراف فيها، فعليها التفاوض لإبرام اتفاقاتٍ فردية مع كل من شركائها التجاريين، وتعد الدول غير الأطراف في منظمة التجارة العالمية، قليلة جدًّا، ومنها: كوريا الشمالية، وتركمانستان، وإريتريا. الصورة 3.4: تُعدّ شركة إيرباص، ومقرُّها مدينة تولوز الفرنسية، واحدة من الشركات الرائدة عالمًّا في مجال تصنيع طائراتٍ تجارية، ولديها منشآتُ تصميمٍ، وتصنيع في كل من أوروبا، واليابان، والصين، والولايات المتحدة، وتضمُّ تشكيلةُ الطائرات التي تملكها إيرباص اثنَي عشر طرازًا، تتراوح سعتها من 100 إلى 600 مقعد، وهي في تنافسٍ محموم مع شركة بوينغ الأمريكية الرائدة في مجال صناعة الطائرات. وبينَ الشركتين نزاعاتٌ قائمة، وتتعلق بالمساعدات الحكومية التي تتهم كل منهما الأخرى بتلقّيها. لقد تنوعتِ النتائجُ التي خرجت بها الولايات المتحدة من تقديمها دعاوى إلى منظمة التجارة الدولية، حول النزاعات التي كانت طرفًا فيها، فحتى اليوم، ربحت أقل بقليل من نصف القضايا التي تقدمت بها أمام تلك المنظمة، كما أنها ربحت حوالي ثلث القضايا التي رفعتها ضدها دولٌ أخرى، ومن القضايا التي خسرتها مؤخرًا تلك التي ادعت فيها أن سمك التونة المستورد من المكسيك لا يراعي معايير "سلامة الدولفين" والتي تعني ألا يكونَ قد جرى قتلُ دلافين أثناء عملية اصطياد أسماك التونة، وقد أصدرت منظمة التجارة قرارها لمصلحة المكسيك، ومؤخرًا، رفعتِ الولايات المتحدة قضايا ضد أوروبا، والهند، وكوريا الجنوبية، وكندا، والأرجنتين. وقد تراوحت النزاعات من الممارسات الأوروبية المتعلقة بالطيران، إلى القيود التجارية الهندية التي تؤثر في مصنّعي السيارات الأمريكيين. ومن أكبر النزاعات التي أُثيرت أمام منظمة التجارة الدولية؛ تلك التي كان طرفاها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إذِ ادعت فيه هذه الأخيرة أن أوروبا قدمت مساعدةً لشركة إيرباص بلغت 15 مليار دولار؛ لتطوير طائراتها، وادعى الاتحاد الأوروبي أن حكومة الولايات المتحدة قدمت 23 مليار دولار في شكل أبحاث عسكرية لصالح قطاع الطائرات، الخاص بشركة بوينغ، وأن ولاية واشنطن (التي تقع فيها مصانع شركة بوينغ) منحت تخفيضاتٍ ضريبية غير عادلة لتلك الشركة بلغت 3.2 مليار دولار. البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي هناك مؤسستان ماليتان دوليتان تلعبان دورًا رئيسًا في تعزيز التجارة الدولية؛ الأولى: هي البنك الدولي الذي يمنح قروضًا منخفضة الفائدة للدول النامية، وفي الأصل، كان الهدف من تلك القروض مساعدة الدول المذكورة في إعمار بنيتها التحتية مثل الطرق، ومحطات توليد الطاقة، والمدارس، ومشروعات الصرف الصحي، والمستشفيات، أما اليوم، فيقدم البنك الدولي قروضًا لمساعدة الدول النامية على تخفيف أعباء ديونها، وعلى الدول إذا ما أرادتِ الحصولَ على قروض من البنك الدولي، التعهّدُ بتخفيف القيود التجارية، ودعم المشاريع الخاصة. وإلى جانب تقديمه القروض، يعد البنك الدولي مصدرًا للمشورة، والمعلومات بالنسبة للدول النامية، وقد منحتِ الولاياتُ المتحدةُ البنكَ الدولي الملايين لإنشاء قاعدة بيانات معرفية حول التغذية، وتحديد النسل، وهندسة البرمجيات، وتقديم منتجاتٍ عالية الجودة حول الأنظمة المحاسبية الأساسية. والمؤسسة الثانية هي: صندوق النقد الدولي (IMF) الذي تأسس في العام 1945، أي بعد عام واحد من تأسيس البنك الدولي، وكان الغرض من إنشائه تعزيز التجارة عبر التعاون المالي، وتخفيف القيود التجارية بالتوازي مع ذلك، ويمنح صندوق النقد الدولي قروضًا قصيرة الأمد للدول غير القادرة على تحمل مصروفات ميزانياتها. ويمثل الصندوق بوصفه جهةً مُقرِضة، الملاذَ الأخير للدول التي تعاني من مشكلات مالية، وفي مقابل تلك القروض الإسعافية التي يقدمها الصندوق، تلتزم الدول التي تتلقى القروض، أمام الدول المُقرِضة الأعضاء في الصندوق، باتخاذ تدابير لمواجهة المشكلات التي كانتِ السببَ في أزماتها المالية، التي دفعتها إلى الاقتراض، ويمكن أن تتضمن تلك التدابيرُ تقليصًا للواردات، أو حتى تخفيضًا لقيمة عملتها. وقد لا تجد بعض المشكلات المالية الدولية حلولًا سهلة لها، وأحد الخيارات المطروحة في مثل هذه الحالة، يكون عبر ضخِّ كثير من المال إلى صندوق النقد، وتزويده بالموارد اللازمة لتقديم الإعانات المالية للدول التي تعاني من تلك المشكلات، ومساعدتها في الوقوف على قدميها، وفعليًّا، فإنه يجري تحويل صندوق النقد الدولي إلى مقرض حقيقي، يمثل الملاذ الأخير للاقتصاد العالمي. وتبرز مشكلةٌ -قد يقف خلفها الاتكالُ على صندوق النقد الدولي- تُعرَف ب مجازفة سوء النية (Moral Hazard)، إذ يَفترِضُ المستثمرون أن الصندوق سوف ينقذهم من المشكلات المالية، مما يشجعهم على المجازفة، أكثر فأكثر في الأسواق الناشئة، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في أزماتٍ مالية أكبر في المستقبل. نرجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
  4. في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتعرف على دواعي القيام بممارسة التجارة، حيث سيتم التركيز على التجارة الدولية بشكل خاص، كما سيتم التطرق إلى أهم معيقات هذا النوع من التجارة. دواعي ممارسة التجارة لماذا تمارس الدول التجارة فيما بينها؟ قد يقول قائلٌ: إنَّ أفضل سبيل لحماية العمال، والاقتصاد المحلي لبلدٍ ما، هو إيقاف التجارة مع الدول الأخرى، وبذلك تبقى دائرة المُدخَلات، والمُخرَجات ضمن حدود ذلك البلد، ولكن لو طبقنا ذلك، فكيف سنحصل على ما نحتاج إليه من كوبالت، وقهوة؟ فالولايات المتحدة ببساطة، غير قادرة على إنتاج بعض الأشياء، ولا على تصنيع منتجات أخرى، مثل الفولاذ، وبعض أنواع الملابس، بالتكاليف المنخفضة التي اعتادت عليها. وفي الواقع، فإن الدول؛ شأنها شأن الأفراد من حيث قدرتها على إنتاج أشياء مختلفة؛ فقد تكونُ أنت على سبيل المثال أبرعَ في مسك دفاتر الحسابات، من إصلاح سيارة، وفي هذه الحالة، يمكنك الاستفادة عبر "تصدير" خدمات مسك الدفاتر، و"استيراد" خدمات إصلاح السيارات، التي تحتاج إليها من ميكانيكي بارع. ويسمي الاقتصاديون ذلك (ميزة). الميزة المطلقة قد يكون لبلد ما ميزة مطلقة عندما يكون قادرًا على إنتاج منتج ما، وبيعه بتكلفةٍ أقل من أي دولة أخرى، أو عندما يكون البلدَ الوحيدَ الذي بوسعه تقديم مُنتَجٍ ما؛ فللولايات المتحدة الأمريكية -مثلًا- ميزة مطلقة في تصنيع المركبات الفضائية القابلة لإعادة الاستخدام، وغيرها من المنتجات عالية التقنية. افترض أن لدى الولايات المتحدة ميزة مطلقة في أنظمة التحكم بالحركة الجوية، ومراقبتها، بالنسبة للمطارات المزدحمة، وأنّ لدى البرازيل ميزة مطلقة في إنتاج القهوة. ولكنَّ مناخ الولايات المتحدة غير مناسبٍ لزراعة القهوة، بينما تفتقد البرازيل التقنيات التي تمكنها من تطوير أنظمة مراقبة الحركة الجوية، وفي هذه الحال، يمكن لكلتا الدولتين الاستفادة مما لدى الأخرى من مميزات، وذلك عبر تبادل أنظمة مراقبة الحركة الجوية، مع القهوة. الميزة النسبية يعني مبدأ الميزة النسبية؛ أن على كل بلد أن يتخصص في المنتجات التي بوسعه إنتاجها بأعلى جاهزية، وبأرخص تكلفة ممكنتين، والمتاجرة بتلك المنتجات مقابل الحصول على السلع التي بوسع دول أخرى إنتاجها، بأعلى جاهزية، وأقل تكلفة ممكنتين، ويضمن هذا التخصص توفرًا أكبر للمنتجات، وأسعارًا أكثر انخفاضًا في الوقت نفسه؛ وهذا يعني أن الولايات المتحدة، وإن امتلكت ميزة مطلقة في كل من أنظمة مراقبة الحركة الجوية، وإنتاج القهوة، فعليها التخصص، والانخراط في التجارة العالمية، ويعود السبب في ذلك إلى مبدأ الميزة النسبية سابق الذكر. وعلى سبيل المثال، فإن لدى الهند، وفيتنام ميزة نسبية في إنتاج الملابس؛ بسبب تكلفة العمالة المنخفضة في كلتا الدولتين، أما اليابان، فطالما كان لديها ميزة نسبية في إنتاج الأجهزة الإلكترونية؛ بفضل خبراتها التقنية الطويلة في هذا المجال. ولدى الولايات المتحدة ميزة نسبية -كذلك- في إنتاج برمجيات الحاسوب، والطائرات، وبعض المنتجات الزراعية، والمعدات الثقيلة، ومحركات الطائرات، وبذلك تمثّل الميزة النسبية حافزًا للتجارة بين الدول، وعندما تسمح الدول لمواطنيها بشراء ما يريدون من سلع، وخدمات دون قيود، نكون أمام تجارةٍ حرة، فالتجارة الحرة هي سياسةٌ تسمح للأفراد، والشركات في بلد ما، بشراء وبيع ما يريدون بلا قيود، وعلى النقيض من التجارة الحرة، تأتي سياسة الحمائية؛ التي تحمي الدولُ بموجبها صناعاتِها من المنافسة الخارجية، عبر وضع قيود معينة، مثل: التعرفات، وحصص الاستيراد، وسنطلع في القسم التالي على قيود متنوعة، بعضها طبيعي، وبعضها الآخر من صنع الحكومات، تقيّد تدفق التجارة تدفقًا حرًّا. الخوف من التجارة والعولمة يكشف استمرار المظاهرات التي تخرج خلال اجتماعات منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي (سنتحدث عن هذه المنظمات الثلاث لاحقًا في سياق هذا الفصل) أن هناك كثيرًا من الناس ممن يتوجسون خيفة من التجارة الدولية، وعلاقتها بالعولمة. فما الذي يخشونه بالتحديد؟ سنتحدث فيما يأتي عن سلبيات التجارة الدولية: خسارة ملايين الأمريكيين وظائفهم بسبب الواردات، أو بسبب تحول الإنتاج نحو الخارج، ومع أن كثيرًا منهم يجد وظائف جديدة، ولكنهم يحصلون على أجور أقل. خوف ملايين آخرين من خسارة وظائفهم، وخصوصًا موظفي الشركات التي تعمل في ظل ضغوطٍ تنافسية. تهديد أصحاب العمل بتصدير أعمالهم إلى الخارج، في حال اعتراض موظفيهم على التخفيضات التي تطال أجورهم. ازدياد احتمالية انتقال الأعمال الخدمية، وأعمال ذوي الياقات البيضاء إلى الخارج. ويسمى إرسال الأعمال المحلية إلى الخارج تعهيدًا، وهو الاستعانة بمصادر خارجية، أو التعاقد الخارجي، فقد أنشأ كثير من الشركات مثل ديل، و آي بي إم (IBM)، وإي تي آند تي (AT&T) مراكز خدمات للاتصالات الهاتفية في الهند، والفلبين، وغيرهما من الدول، كما طال التعهيد، والاستعانة بالمصادر الخارجية كلًّا من الوظائف الهندسية، ووظائف التطوير، والأبحاث. وقد احتل التعهيد و"الوظائف الأمريكية" حيزًا كبيرًا من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016 بوجود خطة لشركة كارير (Carrier) لإغلاق مصنع في إنديانابوليس، وهي عاصمة ولاية إنديانا الأمريكية، وافتتاح آخر جديد في مكسيكو. وبالرغم من أن تدخل الرئيس ترامب أدى إلى الإبقاء على 800 وظيفة في إنديانابوليس، فقد أفصحت شركةُ كارير (ولايةَ إنديانا) عن نيّتها في إلغاء 632 وظيفة من مصنعها الواقع في إنديانابوليس، وسيجري نقل الوظائف الصناعية إلى مونتيري في مكسيكو، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 3.90 دولارً. الصورة 3.3 الصورة 3.3: الجماعات المناهضة للعولمة تعارض موقف الولايات المتحدة من تحرير التجارة. وترى أن مصالح الشركات تضر بالاقتصاد الأمريكي، وتنتزع السلطة غصبًا من الشعب الأمريكي. وقد عبَّرتِ المظاهراتُ المُندِّدةُ بقمة العشرين -التي عُقِدَت مؤخرًا في هامبورغ بألمانيا- عن موقفٍ رافض لتحرير التجارة، وروَّجَتْ لفكرة أن الشركات المتعددة الجنسيات، تمارس سلطةً شبه مطلقة. هل ترى أن المخاوف التي يُعبِّرُ عنها الناشطون، وأنصار الوطنية لها ما يبررها؟ (حقوق الصورة محفوظة ل فيكشن أوف ريالتي/ فليكر). ولكن، هلِ التعهيدُ جيدٌ أم سيء؟ لو كنتَ ستفقد وظيفتك، فهو -لا شك- سيء بالنسبة إليك، غير أن بعض الاقتصاديين يرون أنه يؤدي إلى انخفاض في أسعار السلع، والخدمات بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، بسبب انخفاض تكاليفه، كما أنه يحفز التصدير إلى دول سريعة النمو، ولكن، لا أحد يعلم كم سيُفقَد من وظائف بسبب التعهيد في قادم السنوات، فوفقًا للإحصاءات، هناك 2.4 مليون وظيفة جرى تعهيدها في الولايات المتحدة. إيجابيات العولمة تكشف نظرةٌ متأنّية أن العولمة ولّادةٌ للوظائف، والثروات، وفيما يلي بعض إيجابياتها: ولعل أولى هذه الإيجابيات: النمو السريع في الإنتاج: وذلك عندما تنتج الدولُ السلعَ، والخدمات التي تتمتع فيها بميزة نسبية، كما يمكن لمستوياتِ المعيشة أن ترتفع بوتيرة أسرع، ولكن ثمة مشكلة مفادها؛ أن كبرى دول مجموعة العشرين (G20) قد أضافت أكثر من 1200 قيدٍ على الصادرات، والواردات منذ العام 2008. تحافظ المنافسة الدولية، والواردات رخيصة الثمن، على انخفاض الأسعار، ومن شأن ذلك استبعاد إيقاف التضخم في النمو الاقتصادي، وبالرغم من ذلك، فقد لا يكتب النجاح للمنافسة الدولية، وما يتوخى منها من نتائج؛ بسبب احتكار الدول لعملاتها، من أجل الحصول على أفضلية سعرية. يطلِقُ الاقتصادُ المفتوح العنانَ للابتكار، والأفكار الجديدة، الآتيين من الخارج. توفر التجارةُ الدولية للدول الفقيرة فرصَ التطور الاقتصادي عبر نشر المزيد من الازدهار، ويتحقق ذلك بالدمج بين رأس المال، والتقنية الأجنبيين. تبادلُ مزيدٍ من المعلومات بين شريكين تجاريين، قد لا يكون بينهما أشياء كثيرةٌ مشتركة في البداية، بما في ذلك الرؤى الخاصة بالثقافات، والتقاليد المحليتين، وهو ما يساعد تلكما الدولتين في توسيع معرفتهما الجماعية، وتعلُّمِ أساليب المنافسة على المستوى العالمي. معوقات التجارة ما هي معوقات التجارة الدولية؟ تُزاوَل التجارة الدولية من قبل كل من الشركات، والحكومات، طالما لا أحد منهما يضع قيودًا عليها، ولكن قد تلجم القيود التجارية بشكل عام الشركات عن البيع لغيرها في الأسواق الأجنبية، كما تمثل القيود الطبيعية أكبر العقبات في وجه التجارة الدولية، وكذا التعرفات، والقيود غير التعرفية. القيود الطبيعية قد تكون القيود الطبيعية التي تقف في طريق التجارة ماديةً، أو ثقافية، فعلى سبيل المثال: بالرغم من أن تربية الأبقار في الأرجنتين ذات المناخ الدافئ نسبيًا، قد تكون أقل تكلِفةً من تربيتها في سيبيريا ذات المناخ شديد البرودة، إلا أن تصدير لحوم الأبقار من أمريكا الجنوبية إلى سيبيريا قد يرفع أسعار تلك اللحوم عاليًا جدًا؛ وبذلك يمثل بعد المسافة أحد القيود، أوِ الحواجز الطبيعية التي تعوق التجارة الدولية. أما العوائق الثقافية فقد تتمثل في اللغة، حين تبرز كحاجزٍ طبيعي آخر، معوق للتجارة، فالأشخاص غير القادرين على التواصل بفعاليةٍ، قد لا يستطيعون التفاوض على اتفاقاتٍ تجارية، أو قد يشحنون السلع الخطأ. القيود التعرفية التعرفة هي ضريبة تفرضها دولةٌ ما على السلع الواردة إليها، وقد تفرض تلك التعرفة على كل وحدة مستوردة، مثل برميل من النفط، أو سيارة جديدة، أو على شكل نسبة مئوية من قيمة السلع مثل نسبة 5% على شحنة أحذية تبلغ قيمتها 500 ألف دولار، أو قد تكون التعرفة مزيجًا من الطريقتين السابقتين، وبغض النظر عن طريقة تخمين التعرفة، فإنها تؤدي -حُكمًا- إلى رفع أسعار السلع المستوردة، وهذا ما يضعف قدرتها على منافسة السلع المحلية، فالتعرفاتُ الحمائية تجعل السلعَ المستوردة أقل جاذبية بالنسبة للمستهلكين، مقارنة بالسلع المحلية، فلدى الولايات المتحدة على سبيل المثال تعرفات حمائية على المستوردات من الدواجن، والمنسوجات، والسكّر، وبعض أنواع الفولاذ، والألبسة، وفي العام 2018 أضافت إدارة الرئيس ترامب تعرفاتٍ شملت المستوردات من الألمنيوم، والفولاذ، القادمة من غالبية الدول، وفي المقابل، تفرض اليابان تعرفاتٍ على السجائر المستوردة من الولايات المتحدة، بحيث تجعلها أغلى بنسبة 60% من السجائر اليابانية المحلية، وتعتقد الشركات في الولايات المتحدة أن بوسعها الاستئثارُ بثلث سوق التبغ اليابانية، لولا تلك التعرفات المفروضة على السجائر، والتي بسببها لا تستطيع تلك الشركات السيطرة على سوق التبغ في اليابان بأكثر من 2%. الآراء المؤيدة للتعرفات، والرافضة لها لم يتوقفِ الكونغرس الأمريكي عن مناقشة التعرفات منذ العام 1789. وفيما يلي عرضٌ لأهم النقاط التي تستند إليها الآراء المؤيدة لفرض التعرفات: تحمي التعرفاتُ الصناعاتِ الوليدة: يمكن للتعرفات أن تمنح الصناعاتِ المحلية -التي تشق طريقها حديثًا- الوقت الكافيَ لتغدو منافسًا عالميًا فعالًا. تحمي التعرفاتُ الوظائف داخل الدولة التي تفرضها، إذ إنه من شأن التعرفات منع العمالة الأجنبية منِ انتزاع الوظائف من أيدي مواطني البلد. تساعد التعرفاتُ في الجاهزية العسكرية: تحمي التعرفاتُ الصناعاتِ التقنية خلال وقت السلم، التي تعد فائقة الأهمية للجيش في أوقات الحرب، وفي المقابل، هناك آراءٌ تعارض فرض التعرفات، وتستند إلى الأسباب الآتية: تعوق التعرفاتُ التجارةََ الحرة؛ التي تسمح بتطبيق مبدأ (الميزة) التنافسية بكل فعالية. تؤدي التعرفاتُ إلى ارتفاع الأسعار، مما يؤدي بالنتيجة إلى انخفاض القوة الشرائية، فقد فرضت الولايات المتحدة عام 2017 تعرفاتٍ تراوحت بين 63.86% و190.71% شملت طيفًا واسعًا من منتجات الفولاذ الصينية، وكان الهدف من وراء ذلك، توفيرُ سوقٍ عادلةٍ لمصنِّعِي الفولاذ الأمريكيين، وذلك بعد انتهاء وزارة التجارة الأمريكية من تحقيقاتها المتعلقة بمكافحة الإغراق، والدعم الحكومي، ولا يزال سابقًا لأوانه تحديد التأثيرات التي ستتركها تلك التعرفات، ولكن من المحتمل أن تشهد أسعارُ الفولاذ ارتفاعًا، وستعاني القطاعات التي تعتمد على الفولاذ بشكل كبير، من ارتفاعات ضخمة في تكاليف الإنتاج، ومنها قطاعاتُ البناء، وصناعة السيارات، ومن المحتمل -كذلك- أن تفرض الصين تعرفاتٍ في المقابل؛ تطالُ سلعًا، وخدماتٍ، تقدمها الشركات الأمريكية، وقد يؤدي ذلك إلى تعثُّر أي مفاوضاتٍ حولَ الملكية الفكرية، والقرصنة. القيود غير التعرفية تلجأ الحكوماتُ إلى أدواتٍ أخرى غير التعرفات لتقييد التجارة، وإحدى تلك القيود ما يسمى حصص الاستيراد، أي: القيود على الكمية التي يمكن استيرادُها من سلعةٍ معينة، ويهدف فرض حصص الاستيراد تلك، إلى تقييد الواردات ضمن حدود الكمية المحددة من منتجٍ ما. وتحمي الولايات المتحدة صناعاتها من المنسوجات، التي تشهدُ تراجعًا من خلال فرض حصة استيراد، وقد عرض الموقع الالكتروني لهيئة الجمارك، وحماية الحدود الأمريكية (US Customs and Border Protection Agency) قائمة تتضمن كافة السلع والمنتجات الخاضعة لحصص الاستيراد. أما منعُ استيراد منتجٍ ما، وتصديره، نهائيًّا، فيسمى حصارًا، وغالبًا ما يُطبَّقُ الحصار لأغراض عسكرية، فالولايات المتحدة على سبيل المثال، لا تسمح بتصدير منتجاتٍ عالية التقنية، مثل الحواسيب الفائقة الأداء، والليزر إلى دولٍ ليست حليفة لها، وبالرغم من أن هذا الحصار يفوّت على الشركات الأمريكية مبيعاتٍ بملياراتِ الدولارات كل عام، لكنه يمنع بالمقابل الأعداءَ منِ استخدام التقنيات الحديثة في ترسانتهم العسكرية. وتسمى الجهات الحكومية التي تمنح امتيازات خاصة للمصنعين المحليين، وتجار التجزئة أنظمة الشراء من المنتج الوطني. ومن الأمثلة عليها في الولايات المتحدة: منعُ استخدام الفولاذ المستورد من الخارج في إنشاء الطرق السريعة، ومن الوسائل الأكثر دهاءً، أن دولة ما، قد تُصعِّبُ على المنتجات الأجنبية دخولَ أسواقها عبر تشريع أنظمةٍ جمركية، تختلف عن تلك المعمول بها دوليًا؛ كاشتراط أن تكون الزجاجات بحجم ربع غالون بدلًا من لتر (1 غالون يساوي حوالي 3.79 لتر). أما الرقابة على سعر الصرف، فتتمثل في القوانين التي تُفرَضُ على شركة ما، حين تحصل على عملةٍ أجنبية من صادراتها؛ بحيث لا يكون لها خيار سوى بيع تلك العملة إلى هيئة الرقابة على سعر الصرف، وهي البنك المركزي غالبًا، فعلى سبيل المثال: نفترض أن شركة رولكس (Rolex) -وهي شركة ساعات سويسرية- باعت 300 ساعة لمجوهرات زيلز (Zales Jewelry)، وهي سلسلة مجوهرات أمريكية، مقابل 600 ألف دولار أمريكي، فلو كان لدى سويسرا رقابة على سعر الصرف، فعلى شركة رولكس أن تبيعَ الدولارات الأمريكية التي حصلت عليها، إلى البنك المركزي السويسري؛ لتحصل بالمقابل على ما يعادلها بالفرنك السويسري، ولو أرادت رولكس شراء سلع (أي مستلزمات صناعة الساعات) من الخارج، فعليها شراء عملة أجنبية من البنك المركزي السويسري، هذا ويمكن للحكومات أن تتحكم في كمية المنتجات، والسلع التي يمكن استيرادُها، عبر فرض رقابتها على العملة الأجنبية التي تُباع إلى الشركات؛ ويساعد تقييدُ الواردات، وتشجيع الصادرات -الحكوماتِ على جعل الميزان التجاري في صالحها. قوانين مكافحة الإغراق تمكن التجارة العالمية الدول من فرض أسعار منخفضة جدا مقارنة بالدول الأخرى، لذا نجد أن الشركات الأمريكية لم يقدر لها أن تتنافس مع الشركات الأجنبية على أسسٍ عادلة، أو منصفة، في ظل التجارة الدولية، ولتحقيق تلك المساواة المنشودة، فقد أقرَّ الكونغرس مجموعة من القوانين لمكافحة الإغراق الذي يُعَرَّفُ بأنه: فرضُ شركةٍ ما، سعرًا منخفضًا لأحد منتجاتها (ربما أقل من سعر التكلفة) في الأسواق الأجنبية، أقلَّ من السعر الذي تفرضه تلك الشركة في بلدها الأم؛ لقاء ذلك المنتج ذاته، وقد يكون هدف الشركة في ذلك؛ كسبُ زبائن أجانب، أو تصريف سلعها الفائضة. وعندما لا يمكن تبريرُ الاختلاف في السعر، بالاختلاف في تكلفة تخديم كلتا السوقين، الداخلية، والخارجية؛ نكون أمام شُبهةِ إغراق، علمًا بأن معظم الدول الصناعية تتبنى أنظمة مكافحة الإغراق من أجل حماية منتجاتها الوطنية، ولعل أكثر ما يثير قلق تلك الدول؛ هو الإغراق المفترس، أي الهادفُ إلى السيطرة على سوق أجنبية، وإقصاء المنافسين؛ عبر تخفيض الأسعار إلى حدٍّ غير معقول. وقد فرضتِ الولاياتُ المتحدة مؤخرًا تعرفات على الخشب الّليّن القادم من كندا، حيث تبين أنها متورطة في تسعير ذلك المنتج ما بين 7.72 و4.49 أقل من تكلفته الحقيقية، حيث ستفرض سلطة الجمارك في الولايات المتحدة تعرفاتٍ على صادرات الخشب الكندية، بمعدل ضرائب يتراوح بين 17.41 و 30.88 وذلك حسب الشركة. وقد يتبادر إلى البعض أن الحكومات قد تعمل، أو تساعد على تقييد التجارة الدولية، ولكن المسألة خلاف ذلك، فإن الحكومات، والمؤسسات المالية الدولية، تعمل جاهدة على تعزيز تلك التجارة، وفيما يلي إثباتٌ لذلك. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
  5. في الباب الثالث من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال، سنتطرق إلى أحد أهم المواضيع البارزة حديثا، والتي تتعلق بشكل مباشر بالمنافسة في ظل وجود الأسواق العالمية. حيث سننطلق بهذا الباب من هذا المقال بعرض أهم ما جاء في مفاهيم التجارة العالمية بالنسبة للدول. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن التجارية مايك شلاتر -دومينوز بيتزا- هناك ما يزيد على 14000 متجرٍ ل دومينوز بيتزا (Domino's Pizza) حول العالم، ويعد مايك شلاتر؛ نائب الرئيس التنفيذي للقسم الدولي في تلك المؤسسة، وقد تبوأ شلاتر منصب رئيس متجر دومينوز بيتزا في كندا، حيثُ أدار أكثر من 440 متجرًا. وينحدرُ شلاتر من ولاية أوهايو (Ohio) الأمريكية. وقدِ استهلَّ مسيرته المهنية مع دومينوز بيتزا كسائق توصيلِ طلبات، ثم ترقّى في السُلَّم الوظيفيّ، حتى بلغَ أعلى السلم الإداري. لقد احتفظ مايك شلاتر بمدخراته حتى غدا -بمساعدة أخيه- قادرًا على تنفيذِ أولِ عقدِ امتياز دوليٍّ لدومينوز بيتزا في وينيبيغ (Winnipeg)؛ وهي عاصمة ولاية مانيتوبا (Manitoba) الكندية في العام 1983. وفي غضون أسابيع -فقط- وصلت مبيعاتُ متجره مستوىً فاقَ أعلى مبيعاتٍ حققها متجرُه السابق في ولاية أوهايو، ولكنها كانت بداية محفوفة بالصعوبات؛ إذِ احتاج إلى التعرف إلى المورَّدين الدوليين، والحصول على موافقةٍ لهم لبيع منتجاتهم لدومينوز، ويمثِّلُ ذلك أحد التحديات التي تواجه الشركاتِ عند دخولها السوق الدولية، وعلى الشركات إجراءُ مراجعاتٍ مكثفةً مع المورِّدين الجدد المحتملين، والتنسيق -معًا- فيما يتعلق بنوعية المنتجات، وذلك حفاظًا على معايير الجودة التي تحمي سمعةَ العلامة التجارية. وبحلول العام 2007 كان شلاتر، وأحد شركائه، قد وحَّدا كافة الامتيازات تحت مظلة شركةٍ واحدة. وها هو اليوم يتبوأ رئاسة شركة دومينوز كندا (Domino's Canada, Ltd)؛ التي تُدير ما يزيد على 440 متجرًا، تتوزع على كافة المقاطعات الكندية، إضافة إلى إقليم يوكون، (Yukon) والأقاليم الشمالية الغربية (Northwest Territories)، في كندا. الصورة 3.2: متجر دومينوز (حقوق الصورة محفوظة للسيد بلو ماو ماو/ فليكر). وقد يُخيَّلُ لبعض الناس أن مسيرةً مهنية كهذهِ، ما هيَ إلا ضربة حظ، ولكنَّ شلاتر نجحَ بفضل تصميمه، واعتنائه بأدق التفاصيل. لقد كان شلاتر محبًّا للأعمال الخيرية، فقد ربح ذات مرة مبلغًا وقدره 250 ألف دولار في سحب اليانصيب، وبوصفه محبًّا لفعل الخير فقد تبرَّع بالمبلغ المذكور كاملًا، لصالح مدرسة كاردينال كارتر هاي سكوول (Cardinal Carter High School) الواقعة في بلدته. وعبر سنواتٍ عديدة، تبرَّع شلاتر بملايين الدولارات لصالح الجمعيات الخيرية، ومنها جمعية لندن للعلوم الصحية (London Health Sciences Foundation) والآن، وبعد توقيعه عقودًا كبيرة؛ صعد من خلالها على أعلى سُلَّم الشركة لصالح دومينوز بيتزا. وقدِ انتقل شلاتر وهو أبُ لثلاثة أطفال، من ويبينيغ الكندية، إلى مقاطعة إسكس في الولايات المتحدة، وبعدما اشترى عقدَ الامتياز الرئيس لصالح كندا، أراد العيش قرب الحدود؛ لأن إحدى بناته كانت ترتادُ مدرسةً خاصة في أوهايو، وأخرى في إحدى الجامعات هناك. وأصحابُ الامتياز المعتمدون لدومينوز بيتزا على مستوى العالم؛ هم مجموعة من الأفراد، أوِ الكيانات، تتحكم في كافة العمليات ضمن حدود بلدٍ ما، وفقًا لاتفاقات تراخيصٍ تُبرَمُ مع دومينوز بيتزا؛ حيث يديرون متاجرهمُ الخاصة، ويرسمون هيكلية التوزيع المناسبة لنقل المواد إلى داخل ذلك البلد، وضمن حدوده، بناء على عقود امتيازٍ فرعية. هذا ويتمتع أصحاب الامتياز الرئيس بشبكة واسعة من العلاقات العامة داخل محيط منطقة نفوذهم، كما يؤكد المؤلف على أن إحدى أكبر التحديات التي تواجه شركةً ما تُؤسَّسُ على أراضي دولة أجنبية؛ تلك المنصبّة على الاختلافات السياسية، والثقافية، والاقتصادية في تلك الدولة. وتتيح الامتيازات الرئيسة لدومينوز بيتزا، ولأصحاب الامتياز، الاستفادةَ مما لدى كليهما من خبرة محلية في إدارة استراتيجيات التسوق، وفي المسائل السياسية، والتنظيمية، وسوق العمل المحلية. فالأمر يحتاجُ إلى خبرةً بالأحوال المحليةً؛ مثل معرفة نسبة من يمتلكون هواتف على سبيل المثال، فإن كانت قليلة، فإن ذلك يجعل المسؤولين في دومينوز بيتزا يركزون في ذلك البلد على خدمة الزبائن الذين يأتون بأنفسهم لأخذ الطعام. وكذلك الحال بالنسبة لبعض الدول التي تغير أسماء شوارعها ثلاث مرات خلال فترات وجيزة؛ مما يضع الشركة أمام تحديات كبيرة في سبيل نجاح خدمة التوصيل، ومن تلك التحديات -أيضًا- عدم وجود مقابل لبعض المصطلحات في بعض الدول التي تعمل فيها دومينوز بيتزا، مثل كلمة ببروني (Pepperoi)، وهي واحدةً من أشهر اللحوم التي تُضاف إلى وجبات طعام معينة. تلك بعض العقبات التي كان على دومينوز بيتزا تذليلها، للمضي في سبيل تصدُر زعامة خدمات توصيل البيتزا على مستوى العالم. وبقيادةِ أناسٍ مثل شلاتر، وبمساعدة أصحاب الامتيازات الرئيسة المحليين المتفانين في عملهم؛ فقد غَدَتْ دومينوز بيتزا قادرةً ليس فقط على المنافسة في مجال البيتزا، بل باتت رائدة خدمات التوصيل حول العالم. التجارة العالمية بالنسبة للدول لِمَاذا تعد التجارة الدولية مهمةٌ لدول العالم، وكيف يتم قياسُها؟ لَم يعُدِ امتلاكُ رؤيةٍ عالميةٍ مجرد خيار؛ بل أصبح اليوم شأنًا تجاريًا لا غنى عنه، وأن تكون هناك رؤية عالمية؛ معناه التعرف على الفرص التجارية العالمية، والتفاعل معها، وإدراك التهديدات التي يمثلها المنافسون الأجانب في كافة الأسواق، والاستخدام الفعال لشبكات التوزيع؛ بغية الحصول على المواد الأولية، ونقل المنتجات في شكلها النهائي إلى الزبائن، وعلى مديري الشركاتِ -إذا رغبوا في المنافسة على صعيد السوق المحلية، أو أرادوا التعرف على الفرص التجارية العالمية، والتفاعل معها- تطوير رؤية عالمية، محكمة، ودقيقة، وغالبًا ما تكون الشركاتٌ الأجنبية سببًا في أعتى أشكال المنافسة المحلية؛ التي تواجهها شركةٌ في دولةٍ ما، وعلاوة على ذلك، تمكِّنُ الرؤية العالمية المديرين من إدراك؛ أن ثمة زبائن، وشبكات توزيع -على المستوى العالمي- باتت تلغي الحدود الجغرافية، والسياسية، بحيث لم تعد تلك الحدود ذات أهمية بالنسبة للقرارات الاقتصادية، وخلال العقود الثلاثة الماضية، قفزتِ التجارةُ الدولية من 200 مليار دولار في السنة، إلى أكثر من 1.4 تريليون دولار، وتلعب الشركات في مختلفِ الدولِ دورًا رئيسًا في هذا النمو التجاري الدولي؛ فهناك على سبيل المثال 113 شركة دولية ضمن قائمة مجلة فورتشن 500 السنوية، تحقق أكثر من 50% من أرباحها خارج موطنها الرئيس، ومن بين تلك الشركات؛ شركاتٌ معروفة مثل آبل، ومايكروسوفت، وفايزر، وإكشون موبيل، وجنرال إلكتريك. وتعد شركة ستاربكس واحدة من أسرع الشركات نموًّا على المستوى العالمي، وأحدى أكثر الشعارات الثقافية التجارية مشاهدةً خارج موطنها الأصلي، ومن بين 24000 متجر يتبع تلك الشركة؛ فهناك ما نسبته 66% منها متاجر عالمية، تسهم في إيراداتٍ كبيرة للشركة، والتي ارتفعت من 4.1 مليار دولار في عام 2003، إلى 21.3 مليار في العام 2016. وتعبيرًا عن البساطة، والتلقائية؛ فقد لا تحتاج بعض الشركات مزيدًا من الإنفاق على الشكل الخارجي لمقارها، فإذا توجهت مثلًا إلى ماكدونالدز باريس، فإنك لا تكاد تدرك شيئًا من تلك المظاهر اللافتة للنظر؛ فلا قناطر ذهبية، ولا كراسيَ، ولا طاولات، ولا غير ذلك من التجهيزات البلاستيكية؛ كتلك التي نشاهدها عادة في محلات ماكدونالدز؛ إذ تعرضُ المطاعمُ جدرانًا من الطوب، والأرضيات الخشبية، والكراسي، كما أن بعض محلات ماكدونالدز الفرنسية قد أنشأت جدران رخامٍ زائفة، ولكن، وفي المقابل، فإن معظم تلك المطاعم لديها شاشات عرض تلفزيونية، تبث من خلالها فيديوهاتٍ موسيقيةً بشكل مستمر، وفي هذه الأجواء؛ يمكنك أن تطلُبَ قهوة إسبريسو، أو دجاجًا في سندويش محضَّر من خبز فوكاشيا ليست موجودة في أمريكا. وليستِ التجارةُ الدولية طريقًا ذا اتجاهٍ واحد، تبيع فيه الشركاتُ الوطنيةُ وحدها السلع، والخدمات على امتداد العالم؛ ففي الماضي؛ كانتِ المنافسةُ الأجنبية في السوق المحلية قليلة نسبيًا؛ أما اليوم، فنكاد نلحظُها في كل المجالات تقريبًا، ومن الأمثلة الحية على ذلك، وعلى أرض الواقع، فقد بات المصنعون الأمريكيون -مثلًا- للأدوات الكهربائية، والكاميرات، والسيارات، والخزفيات، والجرارات، والسلع الجلدية، ومجموعة من المنتجات الاستهلاكية، والصناعية الأخرى -يجتهدون في الحفاظ على مراكزهم في مواجهة المنافسين الأجانب؛ فشركة تويوتا -مثلًا- تسيطر على 14% من سوق السيارات في الولايات المتحدة، تليها شركة هوندا ب 9%، ثم شركة نيسان بنسبة 8%، وجميع تلك الشركات يابانية، وبالرغم من ذلك، فقد أتاتِ السوق العالمية فرصًا جديدة، وواسعة للشركات الأمريكية خارج موطنها الأصلي. أهمية التجارة الدولية بالنسبة للولايات المتحدة هناك العديد من الدول التي تعتمد على التجارة الدولية أكثر مما تفعلُ الولايات المتحدة؛ إذ تحصل فرنسا، وبريطانيا العظمى، وألمانيا، -مثلًا- على أكثر من 55% من ناتجها المحلي الإجمالي من التجارة الدولية، بينما لا تحصل الولايات المتحدة من التجارة الدولية إلا على 28% من ناتجها الإجمالي المحلي، وبالرغم من ذلك، فللتجارة الدولية أثر عظيم على اقتصادِ الولايات المتحدة للأسباب التالية: شهدتِ الأعمالُ المعتمدة على التجارة، نموًا يعادل ثلاثة أمثال الأعمال غير المرتبطة بالتجارة داخل الولايات المتحدة. حققت جميع الولايات نموًا في مجال الأعمال ذات الصلة بالتجارة. للتجارة تأثيرٌ يطال كلًّا من الأعمال التصنيعية، والخدمية. وقد يبدو أن هذه الإحصاءات تشير -من الناحية العملية- إلى أن كل شركة في الولايات المتحدة، تبيع سلعها على المستوى العالمي، ولكن معظم تلك الشركات يمثله قطاعُ أعمالٍ كبير، إذ يجري شحن ما نسبته 85% من كافة صادرات الولايات المتحدة المصنَّعة من خلال 250 شركة، ومع ذلك، فإن نسبة 98% من كافة المصدِّرين؛ هي شركات صغيرة، أو متوسطة الحجم. تأثير ما يُسمّى الإرهاب على التجارة الدولية لقد أدَّت أحداثُ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001؛ التي استهدفتِ الولايات المتحدة، وتلك التي طالت مقر صحيفة شارلي إبدو في باريس من العام 2015 -إلى تغيير الطريقة التي يمارس العالمُ فيها التجارة، وقد كان الانكماش الدولي التجاري قصير الأمد؛ أحد التداعيات المباشرة لتلكما الحادثتين، وبالرغم من ذلك؛ فقد مضت العولمة قُدُمًا؛ لأنّ الأسواق العالمية الرئيسة؛ أخذت في الاندماج الحيوي؛ الذي جعلها عصيَّةً على التوقف؛ ولكن الإرهاب قد أدى إلى جعلِ النمو أكثر بطأً، وأكثر تكلفةً. وباتتِ الشركاتُ تدفع المزيد من الأموال للتأمين على العاملين لديها، وعلى ممتلكاتها في الخارج، كما أن التفتيشُ المشدَّد على الحدود يلعب دورًا كبيرًا في إعاقة تدفق السلع؛ مجبرًا الشركات على وضع مزيد من تلك السلع داخل مخازنها، كما أن السياسات المتشددة تجاه الهجرة؛ قد قيدت التدفَّقَاتِ الحرةَ للعاملين من ذوي الياقات الزرقاء، وذوي الكفاءات العالية. وعلى الرغم من احتمال تضاؤل التأثير الذي يحدثه الإرهاب، إلا أن تلك الشركات المتعددة الجنسيات، ستظل متيقظة على الدوام. قياس التجارة بين الدول تعزز التجارةُ الدولية العلاقاتِ بين الأصدقاء، والحلفاء، وتساعد في تخفيف التوتر بين الدول، وعلى الصعيد الاقتصادي؛ تقوي التجارة الدولية اقتصاداتِ الدول، وترفع مستويات المعيشة فيها، وتوفر فرص العمل، وترتقي بجودة الحياة، وتُقدَّرُ قيمة التجارة الدولية بأكثر من 16 تريليون دولار في السنة، وهي آخذةٌ في النمو، ومن الجدير بالذكر أن هذا القسمُ يسلط الضوء على بعض المعايير الرئيسة، المستخدمة في قياس التجارة الدولية، وهي: الصادرات والواردات، والميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وأسعار الصرف. الصادرات والواردات تعد الدول المتقدمة اللاعب الرئيس في التجارة الدولية؛ ويُقصّد بالدول المتقدمة هنا؛ تلك الدول التي تمتلك أنظمةَ اتصالاتٍ، وتوزيعٍ، ومالية، وتعليمية متطورة، وتمثل صادرات تلك الدول ووراداتُها 70% من حصة العالم، فالصادرات: هي السلع، والخدمات التي تُنتَج في دولة ما، وتُباع إلى دولٍ أخرى، أما الوارداتُ: فهي السلع والخدمات التي تتلقاها دولة ما من دول أخرى. وتحتل الولاياتُ المتحدة المرتبة الأولى على مستوى العالم؛ بوصفها أكبر مُصدِّرٍ، وأكبر مورِّد. وتُصِّدرُ الولايات المتحدة كل عام من الأطعمة، وأغذية الحيوانات، والمشروبات، أكثر من العام الذي يسبقه، ويُكرَّسُ ثلث المساحات الزراعية في الولايات المتحدة للمحاصيل التي يجري تصديرُها، كما تعد الولايات المتحدة مُصدِّرًا رئيسًا للمنتجات الهندسية، وغيرها من المنتجات عالية التقنية؛ مثل: الحواسيب، ومعدات الاتصالات. وتوفر التجارة الدولية فرصًا مثيرة للاهتمام، ومدرّة للأرباح لأكثر من 60 ألف شركة أمريكية، غالبيتها شركات صغيرة، ومن بين أكثر الشركات الأمريكية تصديرًا للسلع، والخدمات آبل، وجنرال موتورز، وفورد، وبروكتر وغامبل (Procter & Gamble)، وسيسكو سيستمز (Cisco Systems). وبالرغم من مجموعة الموارد الضخمة التي لدى الولايات المتحدة، والتنوع المذهل من المنتجات التي تقدم، فالواردات التي تتلقاها تشهدُ نموًّا، ومن بين تلك الواردات: مواد خام تعاني شُحًّا فيها مثل: المنغنيز، والكوبالت، والبوكسيت؛ التي تُستخدَم في صناعة أجزاء الطائرات، والمعادن التي تتطلب صناعتها تقنيات عالية، والعتاد العسكري. وتنظر المصانعُ المتطورة لتكاليف العمل المنخفضة في الدول الأخرى، فتفضل استيرادَ اللوازم الصناعية (مثل الصُّلب) ومعدات الإنتاج، كونها أرخصَ من تصنيعها داخل الولايات المتحدة. كما تقوم الولايات المتحدة باستيراد معظمُ المشروبات الساخنة المفضَّلة من قبل الشعب الأمريكي؛ مثل: الشاي، والقهوة، والكاكاو، كما أن انخفاض تكاليف الإنتاج، ورخصه في الدول الأخرى؛ قد أدى إلى ارتفاعٍ كبير في الواردات القادمة من الصين. الميزان التجاري يُسمى الاختلافُ بين قيمة صادراتِ دولةٍ ما، وقيمة وارداتها خلال فترة محددة، بالميزان التجاري. فالدولة التي تُصدِّر أكثرَ مما تستورد يكون لديها توازنٌ تجاري لمصلحتها، وهو ما يُسمّى بالفائض التجاري، والعكس صحيح بالنسبة للدولة التي تستورد أكثر مما تصدّر، إذ يكون الميزان التجاري في هذه الحالة في غير صالحها، وهو ما يُسمّى بالعجز التجاري؛ فعندما تفوق الوارداتُ إلى دولةٍ ما صادراتِها، يتدفق مالٌ إلى خارج تلك الدولة بسبب التجارة، أكثر من المال الذي يدخل إليها. وبالرغم من أن صادرات الولايات المتحدة تشهدُ انتعاشًا، فلا تزال تستورد أكثر مما تصدّر، فقد كان الميزان التجاري في غير صالح الولايات المتحدة في فترات التسعينات، وكذلك خلال أول عقدين من الألفية الجديدة؛ ففي العام 2016، بلغت صادراتُ الولايات المتحدة 2.2 تريليون دولار، في حين وصلت قيمة الواردات إلى 2.7 تريليون دولار؛ أي أنها قد شهدت عجزًا تجاريًا بلغ 500 مليار دولار. وتستمر صادراتُ الولايات المتحدة في النمو، ولكن ليسَ بالسرعة، ذاتها الخاصة بالواردات؛ فصادراتها من السلع، مثل الحواسيب والشاحنات، والطائرات، كبيرة جدًا. أما القطاع الأبطأ من ناحية التصدير فهو قطاع تصدير الخدمات، فبالرغم من أن الولايات المتحدة تصدّر العديد من الخدمات، مثل: رحلات الطيران، وتعليم الطلاب الأجانب، والمشورة القانونية؛ إلا أنها الأقل حظًّا في العائدات، حيث إن تلك الصادرات الخدماتية، تعاني من مشكلة القرصنة، التي تجعل الشركات إلى تحجم عن توزيع خدماتها في مناطق بعينها، ويقدّر مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) أن قيمة سرقات الملكية الفكرية من المنتجات، والكتب، والأفلام، والأدوية، تُقدَّر بالمليارات كل عام. ميزان المدفوعات هناك مقياسٌ آخر للتجارة الدولية يسمى ميزان المدفوعات؛ وهو خلاصة المعاملات المالية الدولية لبلدٍ ما، والتي تُظهِر الفرقَ بين المجموع الكلي للمدفوعات التي يدفعها ذلك البلد للدول الأخرى، وبين ما يتلقاه من مدفوعات تأتيه من تلك الدول، ويشمل ميزانُ المدفوعات الصادرات، والواردات (الميزان التجاري)، والاستثمارات طويلة الأمد في المصانع، والمعدات خارج البلد، والقروض التي تدفعها الحكومات لدول أخرى، وتلك التي تتلقاها منها، والمنح والمساعدات الخارجية، والنفقات العسكرية التي تجري في دول أخرى، والتحويلات المالية إلى المصارف الأجنبية ومنها. لقد حققت الولايات المتحدة فائضًا تجاريًّا بين عامي 1900 و1970، أما في النواحي الأخرى التي تمثّل ميزان المدفوعات، فقد تخطى ما دفعته الولايات المتحدة ما تلقته من مدفوعات؛ فقد أسهم وجودها العسكري في الخارج في جزء كبير من تلك المدفوعات. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد عانت في كل عام تقريبًا بدءًا من العام 1950 من عجز في ميزان المدفوعات في غير صالحها. ومنذ العام 1970 لم يكن لا ميزان المدفوعات، ولا الميزان التجاري في صالح الولايات المتحدة. ولكن، ماذا بوسع دولة ما أن تفعله لتقليص العجز في ميزان مدفوعاتها؟ يمكنها تحقيق ذلك بتعزيز الصادرات، وتقليل اعتمادها على الواردات، وتقليص وجودها العسكري في الخارج، أو تقليل الاستثمارات الأجنبية، وقد تجاوز العجز في ميزان مدفوعات الولايات المتحدة 504 مليار دولار في العام 2016. القيمة المتغيرة للعملات سعر الصرف هو: قيمة عملة دولة ما، مقابل عملة دولةٍ أخرى. فإذا كانت قيمة عملة دولة ما، أعلى من قيمة عملة دولة أخرى، فبوسع الدولة الأولى أن تشتريَ بعملتها مقدارًا من عملة الدولة الثانية أكثر من الذي تدفعه بعملتها، والعكس صحيح؛ فلو كانت قيمة عملة الدولة الأولى أقل من قيمة عملة الدولة الثانية، فستحتاج الأولى إلى دفع مبلغ بعملتها أكبر من المبلغ الذي تشتريه من عملة الدولة الأخرى. ولتوضيح ذلك: هب أن سعرَ دولارٍ واحد مقابل ين واحد هو 0.012 دولار، وسعرَ سيارة تويوتا هو 2 مليون ين. فوفقًا لسعر الصرف هذا، يدفع مقيمٌ أمريكي 24000 دولار لشراء سيارة تويوتا (0.012 دولار × 2 مليون ين= 24000 دولار). أما لوِ انخفضت قيمة الدولار مقابل الين فأصبحت 0.018 دولار لكل ين، فعلى ذلك الأمريكي في هذه الحال دفعُ 36000 دولار لشراء سيارة تويوتا. وفي حال انخفضت قيمة الدولار، ترتفع أسعار السلع اليابانية بالنسبة للمقيمين الأمريكيين، فيشترون بالتالي بضائع يابانية أقل، ويؤدي ذلك إلى انخفاض الواردات إلى الولايات المتحدة، وفي المقابل، يؤدي انخفاض قيمة الدولار مقابل الين إلى ارتفاع قيمته مقابل الدولار، وينتج عن ذلك انخفاض قيمة السلع الأمريكية بالنسبة لليابانيين، الذين يشترون سلعًا أمريكية أكثر في هذه الحال، فترتفع صادرات الولايات المتحدة بفعل ذلك. وتخضع أسواق العملات لما يسمى سعر الصرف العائم، الذي بموجبه ترتفع قيمة العملات، وتنخفض بحسب العرض، والطلب الخاص بكل عملة، ويحدد تجارُ العملة العالميون العرضَ، والطلب الخاص بكل عملة بناءً على الاستثمارات، والفرص التجارية، والقوة الاقتصادية ذات الصلة بتلك العملة، وفي حال قررت دولةٌ ما أن قيمة عملتها لا يجري تقديرها بشكل صحيح في أسواق العملات العالمية، يمكن لحكومة تلك الدولة التدخل، وتعديل قيمة عملتها. وبموجب ما يسمى تخفيض قيمة العملة (devaluation)، تخفض دولة ما قيمة عملتها بالنسبة لعملات الدول الأخرى، ويجعل ذلك من صادرات تلك الدولة أرخص، ويجب أن يعيد التوازن إلى ميزان مدفوعاتها. وفي حالاتٍ أخرى، قد تخفض دولة ما من قيمة عملتها؛ لإعطاء صادراتها مزايا تنافسية غير عادلة، ويعتقد كثيرون أن ذلك يقف جزئيًا وراء ضخامة الفائض التجاري الصيني مقارنة بالأمريكي، وفي العام 2017 أصدرت وزارة التجارة الأمريكية تقريرًا فصّلت فيه كيف اتهمتِ الصينَ بممارسة إغراق السوق الأمريكية بالصُّلب، إضافة إلى تقديمها مساعدات مالية للشركات الصينية لإنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل)، وتصنيعه، وتصديره إلى الولايات المتحدة من جمهورية الصين الشعبية. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
  6. ما الذي يجعل من شركةٍ ما محطَّ احترامٍ وإعجاب ويُنظَر إليها كمسؤولةٍ اجتماعيًا؟ تنطبق تلك النظرة على الشركات التي تفي بالتزاماتها تجاه أصحاب المصلحة. وأصحابُ المصلحة هم الأفراد أوِ الجماعات التي على الشركة مسؤولياتٌ تجاههم، وأصحاب المصلحة في شركةٍ ما همُ موظفوها، وزبائنها، والعامّة من الناس، والمستثمرون فيها. المسؤولية تجاه الموظفين تتجسد المسؤولية الأولى لشركةٍ ما في توفير عملٍ للموظفين؛ إذ إنَّ أجمل ما يمكن للشركة أن تقدم للمجتمع هو إبقاء الناس موظفين وإفساحُ المجال والوقت أمامهم لقطف ثمار ما يؤدونه من عمل. وإضافةً إلى تلك المسؤولية الأساسية الملقاة على عاتق الشركات، على أربابِ العمل توفير بيئةٍ سليمة وآمنة تخلو من كل أشكال التمييز. وعلى الشركات كذلك أن تسعى إلى توفير الأمن الوظيفي قدر المستطاع. وتمكِّنُ الشركاتُ الرائدة موظفيها منِ تخاذ قرارتٍ بأنفسهم، واقتراحِ حلولٍ لمشاكلها؛ إذ يعززُ ذلك التمكينُ القيمةَ الذاتية للموظف، والتي بدورها ترتقي بالإنتاجية وتقلل من التغيب عن العمل. وتُجري مجلة فورتشين مرة كل عام، بالتعاون مع منظمة غريت بليس تو وورك (Great Place to Work)، تُجري بحثًا استقصائيًا، يستهدف الموظفين، حول أفضل الأماكن للعمل فيها في الولايات المتحدة. وقد تصدَّرَ القائمة لعام 2017 الشركاتُ التالية: جوجل (Google) ويغمان فود ماركتس (Wegmans Food Markets) إدوارد جونز (Edward Jones) جين تك (Genetech) سيلز فورس (Salesforce) أكيويتي (Acuity) كويكن لونز (Quicken Loans) وتوفر بعض الشركات مزايا غير اعتيادية لموظفيها، فشركة التكنولوجيا الحيوية جين تك (Genentech)، مثلًا، تمنحُ موظفيها تعويضًا عنِ استخدامهم وسائل مواصلاتٍ بديلة للعمل في مقرها الواقع جنوب سان فرانسيسكو، إذ يمكن للموظفين هناك كسبُ اثنتي عشر دولارًا يوميًا مقابل القدوم إلى العمل مشيًا على الأقدام أو على الدراجة الهوائية. كما يكسب الموظفون الذين يأتون إلى العمل بسيارة أحد زملائهم، بدلًا من أن يستقل كلٌّ منهم سيارته الخاصة، ثمانية دولارات، أما من يأتون بشاحنة أحد زملائهم، فيكسبون اثنتي عشر دولارًا. وتوفر تلك الشركة بالإضافة إلى ذلك حافلة لنقل موظفيها ضمن سبعٍ وعشرين طريقًا حول منطقة خليج سان فرانسيسكو. المسؤولية تجاه الزبائن على الشركة لتغدوَ ناجحةً في بيئة الأعمال في يومنا هذا إرضاءُ زبائنها؛ إذ عليها أن تقدّم ما تعِدُ به، وأن تكون صادقة وصريحة في تعاملاتها اليومية مع الزبائن، والمورّدين، وغيرهم. وتكشف دراسةٌ حديثةٌ أن العديد من الزبائن، وخصوصًا المنتمينَ إلى جيل الألفية، يفضلون التعامل مع شركاتٍ وعلاماتٍ تجاريّة تتبنى مسؤوليّة اجتماعيًة في خدماتها، وتستخدم عملياتِ تصنيعٍ مستدامة (توظّف الطاقة النظيفة والمتجدّدة وتعتمد تقنيات إعادة التدوير)، وتطبق معايير عملٍ تجاري أخلاقية. المسؤولية تجاه المجتمع على الشركة أن تكون مسؤولة تجاه المجتمع كذلك؛ فهي ترفد المجتمع بالوظائف، والسلع، والخدمات، وتدفع الضرائب التي تذهب لصالح المدارس والمستشفيات وبناء الطرق وتحسينها. وقد خطَتْ بعض الشركات خطواتٍ إضافية للتعبير عنِ التزامها تجاه أصحاب المصلحة والمجتمع ككل بأن أصبحت تنتمي إلى ما يسمى سيرتيفايد بينيفت كوربوريشنز (Certified Benefit Corporations) أو بي كوربس (B Corps) اختصارًا؛ وهي الشركات التي يجري التحقق من أدائها وسياستها من قبل منظمة B Lab، وهي منظمة عالمية غير ربحية، تمنح مصدّقاتٍ تبيّن تبنّي المؤسسات لأخلاقيات العمل والتزامها بالمسؤولية الاجتماعية. وتُمنحُ تلك المصدّقة للشركاتُ التي تحقق أعلى معايير الأداء الاجتماعي والبيئي، والشفافيةِ تجاه العامّة من الناس، والمحاسبة القانونية، بالإضافة للشركات التي تجهد في توظيف مجال أعمالها وخدماتها مِن أجل حل المشكلات الاجتماعية والبيئية، وتعتمد في منحها لتلك المصدّقة على تقييمٍ للتأثير يصنِّف كلَّ شركة على مقياسٍ من 200 نقطة. ولتحصل شركةٌ ما على مُصدّقةٍ بوصفها Benefit Corporation، فعليها أن تصل إلى رقمٍ لا يقل عن 80 وأن تخضع لذلك التقييم مجددًا كل سنتين. وهناك ألفا شركة على مستوى العالم نالت هذا الترخيص بوصفها B Corps ومن بينها الشركات التالية: ميثود (Method)، ودبليو إس بادجر (W.S Badger)، وفيش بيبول سي فود (Fishpeople Seafood)، وليب أورجانيكس (LEAP Organics)، ونيو بيلجم بروينغ (New Belgium Brewing)، وبن آند جيري (Ben & Jerry)، وكابوت كريميري كو-أوب (Cabot Creamery Co-op)، وكوميت سكيتبوردس (Comet Skatboards)، وإتسي (Etsy)، وباتاغونيا (Patagonia)، وبلام أورجانيكس (Plum Organics)، و واربي باركر (Warby Parker). حماية البيئة تعد الشركاتُ مسؤولةً عن حماية بيئة العالم الهشة وتحسينها؛ إذ تتعرض غاباتُ العالم إلى تدميرٍ سريع، فمع كل ثانية تمر، تُجرّد مساحةٌ تعادل ملعب كرة قدم من الأشجار، وتنقرض أنواعٌ من النباتات والحيوانات بمعدل 17 نوعًا كل ساعة. وهناك حاليًا ثقبٌ بحجم قارّةٍ في طبقة الأوزون، التي تشكّل الغلافَ الجوي الحاميَ للأرض. وكل يوم نرمي من القمامة أكثر بثمانين بالمئة مما كنا نرمي في العام 1960؛ ونتيجة ذلك، أصبح أكثر من نصف مطامر النفايات في الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة، مملوءًا تمامًا. وبهدف إبطاء استنزاف موارد العالم الطبيعية، فقد غدتِ العديد منَ الشركات أكثرَ مسؤوليةً تجاه البيئة؛ فشركة تويوتا على سبيل المثال تستخدم حاليًا مصادر طاقة متجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الجوفية، وطاقة المياه، لتوليد الكهرباء التي تشغّل بها منشآتها. وعندما افتتحت شركة تويوتا مقرات جديدة لها تساوي مليار دولار في مدينة بلانو، التابعة لولاية تكساس في الولايات المتحدة، صرحت بأن مكان تلك المنشآت، البالغَ مساحته 2.1 مليون متر مربع، سيزوَّدُ بالطاقة النظيفة بنسبة 100%. ومن شأن ذلك مساعدة عملاق السيارات في تحقيق هدفه المتمثل في خفضِ انبعاثاتِ الكربون في عملياتها الإنتاجية كافّة. أعمال الشركات الخيرية تُظهِر الشركات مسؤوليتها الاجتماعية عبر الأعمال الخيرية أيضًا. وتتضمن الأعمالُ الخيريةُ للشركات المساهماتِ المالية، والتبرع بالتجهيزات والمنتجات، ودعم الجهود التطوعية لموظفيها. وتكشف إحصاءاتٌ حديثة أن قيمة الأعمال الخيرية للشركات في بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة تتجاوز 19 مليار دولار سنويًّا. وتبرز شركة أمريكان إكسبريس كداعمٍ رئيس لمنظمة الصليب الأحمر الأمريكي، التي تعتمد كليًّا على ما تتلقاه من عطاءات خيرية تمكّنها من تنفيذ برامجها وتقديم خدماتها، التي تتضمن عمليات الإغاثة في الكوارث وإنقاذ عناصر القوات المسلحة في حالات الطوارئ، والخدمات المتعلقة بنقل الدم والأعضاء الحيوية، والإجراءات الخاصة بالسلامة والأمان. وقد مكّنتِ الأموالُ التي قدّمتها شركة أمريكان إكسبريس لمنظمة الصليب الأحمر الأمريكي هذه الأخيرةَ من تقديم الغوث الإنساني لعدد كبير من ضحايا الكوارث حول العالم. وبعد إعصار كاترينا الذي ضرب منطقة ساحل الأمريكي، أرسلت شركة الدواء الألمانية (Bayer) خمسًا وأربعين ألف جهاز قياس مستوى سكر الدم لمرضى السكري دعمًا لجهود الإغاثة هناك. وخلال الأسابيع التي تلت كارثة الإعصار، ساهمت شركات أبوت (Abbott)، و ألكوا (Alcoa)، و ديل (Dell)، و ديزني (Disney)، و يو بي إس (UPS)، و والغرينز (Walgreens)، و وول مارت (Walmart)، وغيرها من الشركات بأكثر من 550 مليون دولار لصالح جهود الإغاثة في حالات الكوارث. الصورة 2.5: تلفتُ السياراتُ الهجينة والكهربائية بالكامل، مثل سيارات تيسلا، الأنظار نحوها وتغير من طريقة قيادة السيارات في العالم. فتلك السيارات صديقة للبيئة أكثر من السيارات التقليدية، ولكنها أعلى سعرًا منها. إذ يوضح خبراءٌ أنه بعد الانتهاء من دفع تكاليف شحن تلك السيارات الهجينة بالكهرباء، ومصاريف التأمين، والصيانة، فإنها تكلّف آلاف الدولارات زيادةً عنِ السيارات التقليدية. هل تبرر الفوائد البيئية المترتبة على السيارات الكهربائية كلفةَ امتلاكها العالية؟ (المصدر: ستيف جرفيستون/فليكر/مشاع إبداعي) مسؤوليات الشركة تجاه المستثمرين إنَّ علاقة الشركات بالمسثمرين تتضمن كذلك مسؤوليةً اجتماعية. وبالرغم من أن مسؤولية الشركة الاقتصادية المتمثلة في تحقيق الربح قد تبدو الالتزام الرئيس الملقى على عاتقها تجاه حَمَلة الأسهم فيها، إلا ان بعض المستثمرين بات يشدد أكثر على أوجهٍ أخرى للمسؤولية الاجتماعية. ويَقصُرُ بعضُ المستثمرين استثماراته حاليًا على السندات (مثل الأسهم) في الشركات التي تتوافق رسالتها وأهدافها مع عقائدهم ونظرتهم تجاه المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية؛ ويسمى هذا بالاستثمار الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قد يستثني صندوقُ استثمارٍ اجتماعي سنداتِ كل الشركات التي تصنع منتجات التبغ أو المُسكِرات أو الأسلحة، أو تلك التي لديها تاريخ منِ انعدام المسؤولية تجاه البيئة. تختلف استراتيجيات الاستثمار الاجتماعي عن بعضها البعض؛ فبعض صناديق الاستثمار الاجتماعي الأخلاقية المشتركة لن تستثمر في السندات الحكومية لأنها تساعد في تمويل الجيش. وفي المقابل يشتري بعضها الآخر سنداتٍ حكومية بعيدًا عن تلك التحفظات، إذ يرى مديروها أن الأموال الفدرالية تدعم الفنون وتموِّل الأبحاث المتعلقة بمرض الإيدز على سبيل المثال. واليوم تساوي الأصولُ المستثمرة تحت مظلة استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية في الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة أكثر من 7 تريليون دولار. وقد حاولتِ الشركاتُ خلال السنوات العديدة الأخيرة الالتزام بمسؤولياتها تجاه المستثمرين فيها وتجاه أصحاب المصلحة أيضًا، وربما يعود سبب ذلك جزئيًا إلى الركود العالمي الذي ساد بين عامَي 2007 و 2009. وتكشف دراسة حديثة أن الرؤساء التنفيذيين اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، يُطلَب منهم تحقيق معايير أعلى من قِبل مجالس الإدارة، والمستثمرين، والحكومات، ووسائل الإعلام، وحتى الموظفين، فيما يتعلق بمُساءلة الشركات والسلوك الأخلاقي. وقد كشفت دراسةٌ عالمية حديثة أجرتها شبكة بي دبليو سي (PwC) أنَّ السنوات العديدة الأخيرة قد شهدت ارتفاعًا كبيرًا في عدد المديرين التنفيذيين الذين جرى إقصاؤهم من مناصبهم بسبب بعض التصرّفات غير الأخلاقية في مؤسساتهم. ويجب أن تتضمن الاستراتيجياتُ الرامية إلى تجنُّب مثل تلك الأخطاء تكريسَ ثقافةِ نزاهةٍ لمنع أيٍّ كان من خرق القواعد، مع ضمانِ ألا تشكِّلَ أهدافُ الشركات ومعاييرها ضغطًا مُفرِطًا على الموظفين لغرض تسهيل الأمور واختصار الطريق، بالإضافة إلى ضرورة تطبيق إجراءاتٍ وقيود فعالة تقلل من احتمال الإتيانِ بسلوك غير أخلاقيّ. الاتجاهات الحديثة في الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات هناك ثلاث استراتيجيات رئيسة خاصة بالأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات، وهي: التغيرات الاستراتيجية في أعمال الشركات الخيرية، وعقد اجتماعي جديد بين الموظفين وأرباب العمل، ونمو الأخلاقيات العالمية والمسؤولية الاجتماعية للشركات. التغيرات في أعمال الشركات الخيرية فيما سبق انخرطت العديد من الشركاتُ في الأعمال الخيرية، وكان مسعاها المعتادُ العثورُ على جماعاتٍ خيرية والتبرع لها بأموال، أو منحُ بعضٍ من منتجاتها وخدماتها. أما اليوم، فقد تحوَّل التركيزُ إلى ما يُعرَف بمفهوم العطاء الاستراتيجي، الذي يربط بين الأعمال الخيرية والجهودِ التي تندرج تحت المسؤولية الاجتماعية للشركات وبين مهمة الشركة أوِ االهدف من التبرعات التي تقدمها تجاه المجتمعات التي تعمل في ظلها. ومن بين أكثر الشركات المشهودِ لها بجهودها التي تستهدف رد الجميل لتلك المجتمعات عملاقُ التكنولوجيا شركةُ سيلز فورس (Salesforce)، ونيوستار إنرجي (NuStar Energy)، وشركةُ التأمين والخدمات المالية فيتيرانز يونايتد (Veterans United) ورائد البرمجيات، شركةُ إنتويت (Intuit). عقد اجتماعي بين الموظف وربّ العمل يبرزُ اتجاهٌ حديث في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركة مفاده أن هناك جهودًا تبذلها الشركات لإعادة صياغة علاقتها بالموظفين. ولا يزال العديد من الناس ينظرون إلى المسؤولية الاجتماعية بوصفها ذات اتجاهٍ واحدٍ يركز فقط على الالتزامات الملقاة على عاتق الشركات تجاه المجتمع، والموظفين، وغيرهم من الأطراف. أما اليوم، فباتتِ الشركات تدرك أن العقد الاجتماعي بين الموظف وربّ العمل هو أحد النواحي المهمة في بيئة العمل، وأن على كليهما الالتزام بالعمل معًا لتحقيق الازدهار للشركة. إذًا، يمكن تعريف العقد الاجتماعي من أربع نواحٍ مهمة، وهي: التعويض، والإدارة، والثقافة، والتعلم والتطوير. أما فيما يخص التعويض، فعلى الشركاتِ اليومَ إدراكُ أن معظم الموظفين لا يبقون في شركةٍ واحدة لفترات طويلة. لذا، على تلك الشركات تغيير نظام التعويض لتقرّ بأهمية الأداء قصير الأمد، ولتحدَّث طرقَ تحديدِها التعويضَ الذي تمنحه لموظفيها، بما في ذلك المزايا غير التقليدية، مثل زيادة مدة الإجازة بلا راتب وتوسيع خيارات العمل عن بعد. وفي ظل بيئة العمل الحالية، التي يُرجَّحُ فيها انتقال الموظفين إلى وظائف جديدة كل عدة سنوات، على المديرين اتباع نهجٍ أكثرَ نشاطًا وملامَسَةً للواقع الحالي في الإشراف على الموظفين، وربما عليهم تغيير كيفية إدراكهم لمفهوم الولاء، وهما أمران صعبان بالنسبة للمديرين الذين يتولَّون الإشرافَ على المجموعة ذاتها من الموظفين لفترةٍ طويلة. فالتعامل والتعاون مع الموظفين باستمرار، ووضع توقعاتٍ معقولة، وتحديد مساراتِ تطويرٍ بعينها، قد يساعد في الاحتفاظ بالموظفين المهمين. وبسبب صعوبة العثور على موظفين في سوق العمل في يومنا هذا، يشعر بعضهم بأهمية ذاتية تشجعهم على طلب المزيد من الشركات التي يعملون لصالحها، وهي مَطالبُ تطال ثقافة العمل ككل ضمنها؛ مثل زيادة المرونة، والشفافية، والعدالة من قِبل تلك الشركات. ومن شأن تلك الأهمية المتزايدة للدور الذي يلعبه الموظفون، والذي يطال ثقافة الشركة، أن تساعدهم في البقاء منخرطين في مهمة الشركة، وأن تجعلهم يعزفون عنِ التفكير في الانتقال للعمل لدى شركاتٍ أخرى. وأخيرًا، لا تنفكُّ التكنولوجيا، سريعةُ التغير، والمستخدمةُ في أماكنِ العمل في يومنا هذا، تُغيِّر في عنصر التعلم والتطوير الخاص بالعقد بين الموظَّف والشركة، والتي تولّد تحدّياتٍ كبرى تواجه كُلًّا من الموظفين والشركات. وقد يغدو من الصعب تحديدُ مهاراتِ الموظفين التي ستكون الأكثر أهميةً خلال السنوات العديدة القادمة، وهو ما من شأنه دفعُ الشركات إما إلى زيادة تدريب الموظفين الحاليين أوِ البحثُ خارج الشركة عن أشخاصٍ يتمتعون مُسبقًا بالمهارات الفنية اللازمة لتنفيذ العمل. الأخلاقيات العالمية والمسؤولية الاجتماعية على شركات الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة، والتي تتوسع باتجاه السوق العالمية، أن تحمل معها مدونات الأخلاقيات والسياسات الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات حيثما حلَّت. ويقع على عاتق الشركاتِ متعددة الجنسيات مسؤولياتٌ عديدة، من بينها احترام التقاليد والعادات المحلية، وضمان وجود تناغمٍ بين فريق عمل الشركة وبين المجتمع السكاني المضيف، وتوفير قيادة إدارية، والعمل على تأهيل مجموعة يُعوَّلُ عليها من المديرين المحليين الذين يمثلون مصدر فخرٍ وثقة لمجتمعاتهم. وعندما تستثمر شركةٌ متعددة الجنسيات في بلدٍ أجنبي، فعليها بناء علاقةٍ طويلة الأمد؛ ويعني ذلك إشراكُ كافة أصحاب المصلحة في البلد المضيف في عملية صنع القرار. وأخيرًا، إنَّ من الخطوات التي تتخذها الشركات متعددة الجنسيات، التي تتمتّع بالمسؤولية الاجتماعية، هي تطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية داخل الشركة في البلد المضيف. وعبر التزامها الناجح بتلك المسؤوليات، ستعزز الشركةُ احترامَ كلٍّ من القوانين المحلية والدولية. وغالبًا ما يكون على الشركات متعددة الجنسيات تأسيس توازنٍ بين المصالح المتعارضة لأصحاب المصلحة عند اتخاذها قراراتٍ خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وخصوصاً بما يتعلق منها بحقوق الإنسان، إذ قد تمثل المسائل المتعلقة بعمالة الأطفال، والعمل القسري، وتدني الأجور، والأمان في مكان العمل، مشاكل يصعب التعامل معها. ومؤخرًا قررت شركة الألبسة غاب ( Gap, Inc). أن تنشر قائمة بالمصانع التي تتبع لها حول العالم، في مسعىً منها إلى تحقيق الشفافية حول الموردين الخاصين بها وحول الجهود التي لا تنفكّ تبذلها لغرض تحسين ظروف العمل حول العالم. وقد دخلت في شراكةٍ مع منظمة فيريتي (Verité)، وهي منظمة غير حكومية تركز على ضمان أن الناس يعملون تحت ظروفٍ آمنة، وعادلة، وقانونية. وتأمل شركة Gap، من خلال طلب تقييماتٍ ممن يعملون في مصانعها، أن ترتقيَ بظروف العمل، وأن تساعد تلك المصانع لكي يصبحوا رائدين في مجتمعاتها المحلية. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Making Ethical Decisions and Managing a Socially Responsible Business) من كتاب introduction to business
  7. يختار الناس بين الصواب والخطأ وفقًا لقوانينهم الأخلاقية الشخصية. كما يتأثرون بالبيئة الأخلاقية التي صاغها رؤساؤهم في العمل. إليك العنوانان التاليان: الحكم بالإعدام على ملياردير مصري في جريمة قتلِ مغنّية لبنانية. القصة المدهشة لانحدار كارلوس غصن من رئيسٍ تنفيذي في قمة المجد إلى مُلاحَقٍ دوليًّا في حضيض العار. تُظهِر هاتان القصتان الواقعيتان أن من شأن تدني المستوى الأخلاقي في عالم الأعمال عكسُ صورةٍ شديدة السلبية عن شركةٍ ما، وأن كلفة ثمن عدم مراعاة الجانب الأخلاقي في العمل يكون باهظًا للشركة وللمديرين التنفيذيين ذوي الصلة، أو لكِلَيهما، وأن هذا قد يوديَ بالشركة إلى الإفلاس وبمنتهكي الأخلاقيات إلى السجن. وبوسع الشركات والمؤسسات التقليلُ من احتمالية حصول ذلك النوع من المطالبات المتعلقة بالمسؤولية الأخلاقية عبر تثقيف موظفيها حول المعايير الأخلاقية، وجعلهم يقتدون بسلوك مديريهم، وتوفير برامج ذات صلة، رسمية وغير رسمية. الاقتداء يقتدي الموظفون عادةً بمديريهم؛ ويعني ذلك أن القادة والمديرين يرسخون أنماطًا سلوكية تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول ضمن المؤسسة. وكمثالٍ على ما سبق، هناك مدير يُدعى بِن كوهين شغل منصب رئيس شركة بين آند جيري للآيس كريم، وقدِ اتَّبع هذا الرجل سياسةً مفادها أنْ ليس لأحدٍ من الموظفين أن يتقاضى راتبًا يفوق سبعة أصعاف أدنى راتبٍ يتقاضاه عاملٌ في شركته، وقد سعى من خلال ذلك ‘لى تكريس شعورٍ بالمساواة بين الموظفين. وقد بلغت مبيعاتُ شركته عندما استقالَ 140 مليون دولار، وبلغ أدنى راتب كان يتقاضاه بعض العمال في شركته 19000 دولار في السنة. وكان راتبه 133000 دولار وفقًا لقاعدة "سبعة أضعاف أدنى راتب" التي وضعها. وكان من الطبيعي أن يتقاضى أي مديرٍ تنفيذي لشركةٍ تبلغ مبيعاتها 140 مليون دولار عشرة أضعاف الراتب الذي تقاضاه كوهين، ولكنه أبى إلا الالتزامَ بقاعدته تلك. وقد ساهمت إنجازات هذا الرجل في صياغة القيم الأخلاقية لشركة بين آند جيري. توفير برامج تدريب على الأخلاقيات بالإضافة إلى أن الشركات تقدم نظامًا لحل المعضلات الأخلاقية، فهي توفر تدريباً رسميًا لتعزيز وعيٍ بالأنشطة المثيرة للتساؤل في عالم الأعمال، والتدرُّبِ على ردودٍ سليمة عليها. ولدى العديد من الشركات أحدُ أنواع برامج التدريب على الأخلاقيات. وتبدأ أكثرُ تلك البرامج فاعليةً، كتلك التي أقامتها شركات ليفي شتراوس، و أمريكان إكسبريس، و كامبل سوب، تبدأ بأساليب لحلّ المعضلات الأخلاقية كتلك التي ناقشنا مُسبقًا. ثم يُعرَض أمام الموظفين سلسلةٌ من المواقف الافتراضية ويُطلَب إليهم الإتيانُ "بأفضل" الحلول الأخلاقية لها. ومن الأمثلة على إحدى تلك المعضلات الأخلاقية ما سنعرضه في الفقرة التالية. ووفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز أيثكس ريسورس سنتر (Ethics Resource Center)، فإن أكثر من 80% من الشركات في الولايات المتحدة تقدم نوعًا من التدريب الأخلاقي للموظفين والذي قد يتضمن أنشطةً عبر الإنترنت، وفيديوهاتٍ، وحتى ألعابًا. معضلة أخلاقية لتدريب الموظفين بيل جانون هو مدير متوسط لشركة تصنيع تجهيزات إضاءة كبرى في مدينة نيوآرك، التابعة لولاية نيوجيرسي. وقد ترقى بسرعة عبر المناصب في تلك الشركة، وكان واضحًا أنه في طريقه إلى تسلم مقاليد الإدارة العليا في غضون سنواتٍ قليلة. وكانت رئيسة بيل في العمل، دانا جونسون، تضغط عليه بشأن المراجعة شبه السنوية الخاصة بأحد الموظفين لديها، واسمه روبرت تالبوت. وقد بدا أن دانا لن تقبل أن يتضمن التقييم الذي سيجريه بيل أي انتقادٍ لأداء روبرت. وقد اكتشف بيل أن مديرًا سابقًا كان قد أعطى تقييمًا سيئًا لروبرت لم يعد يعمل في الشركة. وبعد أن راجع جون أداء روبرت لغرض منحه تقييمًا، وجد عدة جوانب لأداءٍ دون المعدل الوسطي المقبول. بالإضافة إلى ذلك فقد وجد أنه قدِ اتصلت مؤخرًا زبونةٌ مهمة مشتكيةً من أن روبرت كان قد لبّى طلبيةً بشكل غير سليم وتصرف بوقاحةٍ معها عندما طلبت تقديم شكوى حول ما جرى. إنشاء مدوَّنة أخلاق أصدرت معظم الشركات الكبرى وآلافٌ من تلك الصغيرة مدوناتِ أخلاقيات، وطبعتها، ووزعتها. وبنظرة عامة، توفر مدونةُ الأخلاقيات المعرفةَ للموظفين حول مسؤولياتهم وسلوكهم تجاه زملائهم في العمل، وتجاه الزبائن، والمورّدين. وتقدّم بعض تلك المدوناتُ مجموعة طويلة وتفصيلية من التوجيهات للموظفين. أما بعضها الآخر، فلا يصل إلى مستوى مدوّنات؛ بل لا يعدو كونه بياناتٍ مختصرة للأهداف والسياسات والأولويات. وتضع بعضُ الشركات تلك المدونات ضمن إطارات تُعلَّق على جدرانها، أو تُضمَّنُ كجزء أساسي من كتيّب الموظف، و/أو تُنشَر على الموقع الإلكتروني للشركة. ومن الأمثلة البارزة على مدونات أخلاقيات للشركات: ميثاق العمل الخاص بمجموعة زين للاتصالات. هل تجعل تلك المدوناتُ الموظفين يُبدون تصرّفاتٍ ومواقف عملٍ أخلاقيّةً أكثر؟ يرى بعض الناس أن الجواب هو نعم. بينما يرى آخرون أن مدونات الاخلاقيات تلك لا تعدو كونها حِيَلًا من أجل تركٍ انطباعٍ عامٍّ جيّدٍ أو إيجابي. ولكن في حال التزام من هم في مستوى الإدارة العليا بتلك المدونات وشددوا عليها بانتظامٍ أمام الموظفين، فمن المحتمل أن تترك أثرًا إيجابيًا على السلوك في الشركة. ويجري اختيار "أفضل 100 شركة من ناحية مواطَنَة الشركات"، وفقًا للتصنيف الذي أجرته به مجلة كوربوريت ريسبونسيبيليتي (Corporate Responsibility)، بناءً على معايير سبعة تتضمن علاقات الموظف، وحقوق الإنسان، وحَوكمة الشركات (متضمِّنة مدونة الأخلاقيات)، والعمل الخيري، والدعم المجتمي، والأداء المالي، والبيئة، والتغير المناخي. وقد صُنفتِ الشركاتُ العشر الأولى من ناحية مواطنة الشركات في العام 2017 على النحو التالي: هاسبرو (.Hasbro, Inc). إنتل (.Intel Corp) مايكروسوفت (Microsoft Corp) مجموعة ألتريا (Altria Group) شركة كامبل سوب (Campbell Soup) سيسكو سيستمز (Cisco Systems Inc) أدفينتشر (Adventure) هورمل فودز (Hormel Foods) لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) إيكو لاب (Ecolab Inc) اتخاذ القرار الصائب في حالات عديدة، قد يكون الأمر أعقد من أن تجيب عليه بنعم أو لا؛ ولكنّ هناك عددٌ من الأسئلة التي بوسعك طرحُها على نفسك، ومجموعة اختباراتٍ ذاتية يمكنك تجريبُها لتساعدك في اتخاذ القرار الأخلاقيّ السليم. ابدأ بالسؤال التالي: "هل هناك أي قيود قانونية، أو مخالفاتٌ قانونية ستترتب على الفعل؟" فإذا كان الجواب بالإيجاب، فلتقم بفعل آخر لا ينطبق عليه ذلك. أما إذا كان سلبيًا، فلتسأل نفسك: "هل يتعارض ذلك الفعل مع مدونة الأخلاقيات الخاصة بشركتك؟" فإن كان كذلك، فلتبحث مجددًا عن سلوكٍ آخر متّسقٍ مع تلك المدونة. وثالثًا اسأل نفسك: "هل يتفق ذلك الفعل مع فلسفتيَ الأخلاقية؟" فإذا كان الجواب على السؤال السابق "نعم"، فلا يزال عليك الخضوع لاختبارين آخرَين مهمَّين. اختبار المشاعر عليك أن تسأل هنا السؤال التالي: "بِمَ يُشعِرُني هذا الفعل؟" إذ يمكِّنُك هذا من اختبار مستوى الراحة التي تتولد لديك تجاه موقف بعينه. ويكتشف كثير من الناس بعد اتخاذهم قرارًا ما حول مسألةٍ معينة أنهم لا يشعرون بالارتياح، وهو ما ينعكس في قلة نومٍ أوِ انخفاض الشهية لديهم. ويمكن لهذه المشاعر، التي تُعزى إلى ما يُمليه الضمير، أن تعمل كموجّهٍ مستقبليّ لما يعرُض من معضلاتٍ أخلاقية في المستقبل. اختبار الصحيفة أو وسائل التواصل الاجتماعي يتعلق الاختبار الأخير هذا بصفحة الخبر الرئيس الأولى من صحيفةٍ ما، أو بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ويكون السؤال هنا: "كيف لمراسلٍ يلتزم الموضوعيةَ أن يصفَ ما قمتَ به من فعلٍ على الصفحة الأولى لتلك الصحيفة، أو على إحدى مواقع التواصل، أو منصات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر أو فيسبوك؟" ويعيد بعضُ المديرين صياغة هذا الاختبار لموظفيهم، بقولهم: "ماذا سيكون العنوان لو قمتُ بهذا الفعل، أو ماذا ستكون ردّةُ فعلِ متابعيَّ على وسائل التواصل الاجتماعي تجاهه؟" ويفيد هذا الاختبار في تحديد حالات تعارض المصالح المحتملة وحلِّها. الصورة 2.3: قد يعتمدُ اتخاذُك قراراً أخلاقيًا ما على شعورك تجاه ذلك القرار، أو على اختبار الصحيفة أو وسائل التواصل الاجتماعي. ويكون السؤال الذي تطرحه على نفسك هو: كيف لمراسلٍ يلتزم الموضوعيةَ أن يصفَ ما قمتَ به من فعلٍ على الصفحة الأولى لتلك الصحيفة، أو في منشور على إحدى مواقع التواصل مثل تويتر أو فيسبوك، والذي سيشاهده عدد كبير من الناس.وبالحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي، فهي اليوم تلعب دورًا محوريًا في عملية اتخاذ القرارات الأخلاقية عندما يستخدمها الناسُ لتوجيه انتقاداتٍ للأصدقاء والموظفين وزملاء العمل والمنافسين. هل على الشركات مشاهدة صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بموظفيها بشكل دوريّ؟ أم إن تلك المعلوماتِ يجب أن تكون خارج صلاحيات الشركات؟ (المصدر: مايك ماكينزي/فليكر/مشاع إبداعي) إدارة عمل تجاري مسؤول اجتماعيًا يُصنَّف التصرف بأسلوبٍ أخلاقي على أنه أحد العناصر المكوِّنة لهرَمِ المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي تعد محط اهتمامٍ لدى الشركات لغرض رفاه المجتمع برمّته. وتتكون تلك المسؤولية منِ التزاماتٍ تتجاوز ما يفرضه القانون أو عقود الاتحاد. وينطوي تعريف المسؤولية الاجتماعية للشركات على نقطتين مهمتين؛ الأولى: إنها طوعية؛ فالفعل المفيد الذي يفرضه القانون، مثل تنظيف المصانع التي تلوّث الهواء والماء، غيرُ طوعيّ. أما الثانية فهي أن الالتزاماتِ المترتبةَ على المسؤولية الاجتماعية للشركات واسعةُ النطاق؛ إذ تتجاوزُ المستثمرينَ لتصل إلى العمال، والمورّدين، والزبائن، والمجتمعات، والمجتمعِ ككل. وتُظهِر الصورة 2.4 المسؤوليةَ الاقتصادية كأساسٍ للثلاث الأخرى. ففي الوقت الذي تسعى فيه شركةٌ ما إلى كسب الربح (المسؤولية الاقتصادية)، فيُتوقَّعُ منها مع ذلك الالتزامُ بالقانون (المسؤولية القانونية) وأن تكون شركةَ مواطنةٍ جيدة (المسؤولية الخيرية). وتتمايز تلك العناصر الأربعة عن بعضها، ولكنها مع ذلك تكوّن وحدة واحدة. ومع ذلك، حتى لو لم تحققِ الشركةُ رِبحًا، فلا تتأثرُ المسؤوليات الثلاث الأخرى. ويستمر العديد من الشركات في العمل بجدٍّ لجعل العالم مكانًا أفضل للعيش. وتُشير بياناتٌ حديثة إلى أن الشركاتِ المُدرَجةَ على قائمة فورتشن 500 (Fortune 500) السنوية تُنفِقُ أكثر من 15 مليار دولار سنويًا على أنشطة المسؤولية الاجتماعية الخاصة بالشركات. إليك الأمثلة التالية: تبرعت شركة ستاربكس بأكثر من مليون وجبة لصالح المجتمعات المحلية عبر برنامجها المسمى فود شير (FoodShare)، ومن خلال تعاونها مع منظمة فيدينغ أميركا (Feeding America)؛ إذ منحت 100% من الطعام الزائد في المتاجر السبعة آلاف المملوكة من قبلها في الولايات المتحدة. تشجع شركة سيلز فورس (Salesforce) موظفيها على التطوع لصالح الأنشطة المجتمعية، وتدفع لهم لقاء ذلك ما يصل إلى 56 ساعة مدفوعة كل سنة. وتدفع هذه الشركة للموظفين الذين يكملون أسبوع تطوّع واحد في السنة منحةً من 1000 دولار ليتبرعوا فيها لمؤسسة غير ربحية من اختيارهم. يمكن لموظفي شركة ديلويت (Deloitte)، وهي شركة عالمية تقدم خدمات مالية، ومحاسبية، واستشارية، يمكن لموظفيها أن يتقاضَوا أجرًا مقابل ما يصل إلى 48 ساعة عملٍ تطوعي كل سنة. وخلال السنة الماضية، شارك أكثر من 27000 خبيرٍ يعملون لدى الشركة بأكثر من 353000 ساعة تطوع لصالح مجتمعاتهم حول العالم. تبرعت شركة ستاربكس بأكثر من مليون وجبة لصالح المجتمعات المحلية عبر برنامجها المسمى فود شير (FoodShare)، ومن خلال تعاونها مع منظمة فيدينغ أميركا (Feeding America)؛ إذ منحت 100% من الطعام الزائد في المتاجر السبعة آلاف المملوكة من قبلها في الولايات المتحدة. تشجع شركة سيلز فورس (Salesforce) موظفيها على التطوع لصالح الأنشطة المجتمعية، وتدفع لهم لقاء ذلك ما يصل إلى 56 ساعة مدفوعة كل سنة. وتدفع هذه الشركة للموظفين الذين يكملون أسبوع تطوّع واحد في السنة منحةً من 1000 دولار ليتبرعوا فيها لمؤسسة غير ربحية من اختيارهم. يمكن لموظفي شركة ديلويت (Deloitte)، وهي شركة عالمية تقدم خدمات مالية، ومحاسبية، واستشارية، يمكن لموظفيها أن يتقاضَوا أجرًا مقابل ما يصل إلى 48 ساعة عملٍ تطوعي كل سنة. وخلال السنة الماضية، شارك أكثر من 27000 خبيرٍ يعملون لدى الشركة بأكثر من 353000 ساعة تطوع لصالح مجتمعاتهم حول العالم. استيعاب المسؤولية الاجتماعية يقول بيتر دراكر (Peter Drucker)، خبيرُ الإدارة الراحل ذو السمعة العالمية الحسنة، يقول إنّ علينا النظر أولًا إلى ما تفعله منظمةٌ ما للمجتمع، ثم ننظر إلى ما يمكنها فعله لصالح المجتمع. وتشير هذه الفكرة إلى أن للمسؤولية الاجتماعية بُعدان؛ هما المشروعية والمسؤولية. الصورة 2.4: هرَم المسؤولية الاجتماعية للشركات، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة Rice،أوبن ستاك) السلوك غير المشروع وغير المسؤول أضحت المسؤولية الاجتماعية للشركات في وقتنا الحاضر منتشرةً انتشارًا كبيرًا، لدرجةٍ بات يصعبُ معها تصوُّر أنّ شركةً ما لا تنفكُّ ترتكب أفعالًا غير مسؤولة وغير قانونية ومن ثم تستمر في عملها دون رقابةٍ أو تأنيبٍ اجتماعي. وبالرغم من ذلك، تحدثُ بعض التصرّفات غير الأخلاقية أحيانًا، والتي يمكن أن تُودِيَ بالشركات إلى إفلاسٍ ماليٍّ، وبالعديد من الموظفين السابقين إلى ضائقاتٍ مالية، وبالمجتمعات التي تعمل ضمن نطاقها إلى معاناةٍ يعمُّ تأثيرها على أفراد تلك المجتمعات. وبكل أسف، ما يزال مديرون تنفيذيون رفيعو المستوى يهربون بالملايين، ولكنّ بعضهم سينتهي بهِ المطافُ مجبرًا على دفع غراماتٍ باهظة وقضاء وقت في السجن على ما اقترفت يداه من أفعال. وتحدد القوانينُ الفدرالية، والمحلية في بعض الدول الكُبرى، مثل الوايات المُتحدة ما إذا كانَ نشاطٌ ما قانونيًّا أم لا. وسنناقش القوانين التي تنظم مجال الأعمال التجارية لاحقًا في سياق مقالاتنا. السلوك غير المسؤول ولكن القانوني تتصرف الشركاتُ تصرّفاتٍ غير مسؤولةٍ أحيانًا، ولكنه يكون مع ذلك قانونيًا. فعلى سبيل المثال، غرَّمت ولايةُ كاليفورنيا شركةَ ماي بيلو (MyPillow)، ومقرها ولاية مينستوتا، بمبلغ مليون دولار لإطلاقها ادعاءاتٍ في منشوراتٍ دعائية تروّج للوسادات التي تصنّعها على أنها "أكثر الوسادات التي قد تمتلكها إراحةً"، وأنها تساعدك في التخفيف من المعاناة التي تقاسيها بسبب بعض الحالات المرضية مثل الشخير، والألم العضلي الليفي، والصداع النصفي، وغيرها من الأمراض. وقد ردَّ الرئيس التنفيذي للشركة المعنية إن الزبائن هم مَن أطلق تلك الادعاءاتِ فعلًا، وإنّ تلك الشهادات قد نُشرَت على موقع الشركة الإلكتروني قبل أن تُزال لاحقًا. ولم ينتهِ الأمر عند حد الغرامة؛ بل واجهتِ الشركةُ دعاوى قضائية جماعية وسُحِب الاعتمادُ الممنوح لها من قِبل مكتب الأعمال الأفضل (Better Business Bureau). السلوك القانوني والمسؤول تندرج الغالبية العظمى من أنشطة الأعمال تحت فئة السلوك القانوني والمسؤول. وتتصرف معظم الشركات بشكل قانوني، كما يحاول معظمها أن يكون مسؤولًا اجتماعيًاً. وتُظهِر الدراساتُ أن المستهلكين، وخصوصًا أولئك الذين دون سن الثلاثين، يميلون إلى الشراء من العلامات التجاريّة المعروفة بأن لديها نهجٌ عالي الأخلاق وانخراطٌ إيجابي في المجتمع. وقد صرَّحت مؤخرًا شركة التجزئة REI، المتخصصة في الأنشطة التي تُقام في الهواء الطلق، على سبيل المثال، بأنها أعادت حوالي 70% من أرباحها إلى جمعيات الأنشطة في الهواء الطلق. وبوصفها عضوًا في جمعية تعاونية، فقدِ استثمرت REI مبلغًا قياسيًّا بلغ 9.3 مليون دولار في المؤسسات غير الربحية الشريكة لها في العام 2016. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Making Ethical Decisions and Managing a Socially Responsible Business) من كتاب introduction to business
  8. سنكمل سلسلة مقالاتنا عن مدخل إلى عالم الأعمال في بابها الثاني، والذي سنخوض في رحابه مطوّلًا مستعرضين موضوعًا مهمًّا في البيئة المؤسساتيّة، ألا وهو اتخاذ القرارات الأخلاقية وتأسيس شركة ذات ناجحًا اجتماعيًّا، سنستعرض في مقالاتنا القادمة لمحةً عن الأفكار الفلسفية التي تشكّل المعايير الأخلاقيّة، وسنشرح كيف يمكن للشركات تشيجع السوكيات الأخلاقية في بيئة عملها، وسنعرّف باقتضاب المسؤوليّة الاجتماعيّة التي تقع على عاتق الشركات، وكيف يمكن لهذه الشركات أن تلتزم بمسؤولياتها تجاه أصحاب المصالح المرتبطين بها، وفي ختام مقالات هذا الباب سنسلّط الضوء على الاتجاهات الحديثة في الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن التجارية التسلُّح بهدفٍ لدى شركة هاسبرو شركة هاسبرو (Hasbro) هي إحدى شركات الألعاب والتسلية العالمية التي تأخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات على محمل الجدية. تأسست هذه الشركة منذ حوالي قرن من الزمن في ولاية رود آيلاند الأمريكية، وتدمج بين المسؤولية الاجتماعية للشركات وهدفِ المساعدة في جعل العالم مكانًا أفضل للأطفال من جميع الأعمار. في العام 2017، حققت الشركة المركز الأول ضمن ترتيب الشركات المئة الأكثر مواطَنة "100 Best Corporate Citizens" الذي تصدره مجلة كوربوريت ريسبونس بيليتي (Corporate Responsibility Magazine)، وليس هذا الإنجازُ بغريبٍ عن شركة هاسبرو؛ فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لم تغِب المراكزَ الخمسة الأولى على تلك القائمة الفخرية، ولم يأتِ ذلك بمحض الصدفة. تركّز الشركة جهودها المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات على أربعة عناصر، هي: أمان المنتَج، والاستدامة البيئية، وحقوق الإنسان والتعهيد الأخلاقي، والمجتمع. التعهيد هو هو استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة (أجنبية أو محلية)، وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والغير اقتصادية وذلك بإعطاء الجهة الثالثة المستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسؤوليات وصلاحيات وهيكليات معينة وأنشطة كانت عادة تقوم بها (ذاتياً) وتؤديها داخلياً الجهة المستعينة، وذلك عن طريق التعاقد بتوقيع عقود واتفاقيات تعاون ترتب وتنظم مدة وموضوع الاستعانة والإنجازات والواجبات والحقوق والالتزامات وسد الثغرات وتلبية مصالح وأهداف الجهة المستعينة. فمثلاً إذا كانت شركة أو مؤسسة توظف شخصاً ما من أجل حراسة مكان ما أو شيء ما مثل بناية أو معدات أو ما شابه، لكن لتوفير الجهد والمال قامت الشركة المستعينة بنقل هذه المهمة بالاستعانة بخدمات جهة ثالثة (مصدر خارجي، موارد خارجية) قادرة على القيام بمهمة الحراسة والأمن بدل الحارس الذي كان موظفاً لديها. أما التعهيد الأخلاقي، فهو ضمان أن تكون الموارد أو المنتجات أو الخدمات… إلخ التي تتلقاها شركة ما وفقًا للتعهيد مُقدَّمةً بطريقة مسؤولة ومستدامة وينعم فيها الأفراد المعنيون بالأمان والمعاملة العدالة مع أخذ التأثيرات الاجتماعية والبيئة النرتبطة بالتعهيد بالحسبان. ووفقًا للشركة، يُعامَل أمان المنتجات على أنه أولوية بالنسبة لها، كما تطبق عمليةَ تحققٍ من الجودة تمر بمراحل خمس بدءًا من التصميم، ومرورًا بالهندسة، ثم بالتصنيع، وأخيرًا بالتغليف. ومن الأجزاء الأساسية لأمان المنتَج لدى هذه الشركة الحرصُ على تلقي تقييماتٍ مستمرة من الزبائن وتجار التجزئة، وتصر على ضرورة أن تُطبَّقَ تلك المعايير العالية وعمليات ضمان الجودة من قبل جميع المعامل التي تصنّع منتجاتها حول العالم. وهي شركة ملتزمة بإيجاد طرق جديدة لتخفيف التأثير الذي تتركه على الطبيعة وكوكب الأرض، أو ما يسمى البصمة البيئية. فعلى مدى السنوات العديدة السابقة، خفضت من استهلاكها للطاقة والماء، وقللت انبعاثات الغازات الدفيئة التي تطلقها في الجو وكميات القمامة التي تنتج عن منشآتها. كما أوقفت نهائيًا استخدامها للإطارات السلكية في تغليف منتجاتها، مما وفر حوالي 34000 ميلًا من تلك الإطارات، وهي كمية تكفي للدوران بها حول محور الكرة الأرضية. ويمثل احترام حقوق الإنسان وضمان التعهيد الأخلاقي جزءًا أساسيًا من نجاح المسؤولية الاجتماعية لشركة هاسبرو، فمعاملة الأشخاص بعدالة هو قيمة أساسية من منظورها إلى جانب العمل بحرص لتحقيق تقدمٍ كبير في التنوع والاحتواء على مستويات الشركة كافة. ويواكبُ موظفوها عن كثب أنشطةَ معامل الأطراف الثالثة لضمان أن حقوق الإنسان لكافة عمال الشركة الموجودين ضمن سلاسل الإمداد العالمية التابعة لها مطبَّقة ومُعتَرَفٌ بها. الصورة 2.2: لعبة مونوبولي من شركة هاسبرو، (المصدر: بن تساي/فليكر/ملك عام) يتخذ المديرون ومالكو الشركات دائمًا قراراتٍ خاصة بالعمل التجاري وفقًا لما يرونه صوابًا أو خطأً. ومن خلال الأفعال التي يقومون بها، فإنهم يُظهِرون لموظفيهم ما هو مقبول من تصرفات وما هو غير مقبول؛ فيرسمون بذلك المعيار الأخلاقي للشركة. وكما سترى في سياق هذا الفصل، تُعد الأخلاق الشخصية والمهنية حجر الزاوية لمؤسسة ما، وترسم إطارًا لإسهاماتها الأكثر أهمية تجاه المجتمع، والتي تتبلور في شكل المسؤولية الاجتماعية للشركة. فلنناقش بدايةً كيف تتكون الأخلاق الفردية في عالم الأعمال. استيعاب أخلاقيات العمل التجاري الأخلاقيات: هي مجموعة من المعايير التي تحدد ما إذا كان أمرٌ ما صحيحًا أم خطأً. وأول خطوة في فهم أخلاقيات العمل التجاري هي تعلّم التعرّف على المسألة أوِ القضية الأخلاقية، وهي موقفٌ أو وضعٌ يكون فيه على شخصٍ ما الاختيار من بين الأفعال التي قد تكون أخلاقيةً أو غير أخلاقية. فعلى سبيل المثال، عمدَ شخصٌ يُدعى مارتن شكريلي، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة الدواء المسماة تورنيغ فارماسوتيكال (Turing Pharmaceuticals)، إلى رفع سعر دواءٍ يُعطى لمرضى حديثي الولادة ومرضى الإيدز بنسبةٍ فاقت 5000%، ودافع عن السعر الجديد بوصفه إياه بأنه "قرارٌ تجاريٌ عظيم". وترى الغالبية الساحقة من الناس أن قرارًا كهذا لا أخلاقي. لكن فكّر في ما فعله الناس في مدينة نيو أورلينز التابعة لولاية لويزيانا، الذين تقطّعت بهم السُبُل وكانوا يتضورون جوعًا بعدما فقدوا كل ما يملكون بفعل الدمار الذي خلّفه الإعصار كاترينا؛ إذِ اقتحموا المتاجرَ التي كانت تغمر المياه نصفها ثم أخذوا ما تيسر لهم من طعام وزجاجات مياه من دون دفع ثمنها. هل هذا تصرف غير أخلاقي؟ وماذا عن شركة تصنيع البلاستيك الصغيرة في ولاية تكساس والتي وَظَّفت مئة عامل ونشطت في السوق الأمريكي اللاتيني؟ وقد وقع رئيسُها في ورطة لعلمه أن الشركة كانت ستفلس في نهاية السنة ما لم تتلقَّ عقودًا أكثر؛ لقد أيقنَ أنه يخسر عمله التجاري لرفضه دفع رشاوىوالتي كانت جزءًا من الثقافة السائدة في الأسواق الرئيسة التي تنشط فيها شركتُه. ولكن إغلاق الشركة كان سيتسبب بقطع أرزاق العديد من العاملين لصالحها؛ والقضية هنا هي هل عليه دفع الرشاوى ليحافظ على شركته؟ وهل يُعَدُّ ذلك تصرفًا أخلاقيًّا أم غير أخلاقيّ؟ لننتقل معًا إلى القسم التالي حيثُ سنستعرض بعض التوجيهاتٍ حول التعرف على المواقف غير الأخلاقية. التعرف على الأنشطة غير الأخلاقية في عالم الأعمال يقول باحثون من جامعة بريجهام يونغ (Brigham Young) إنّ كافة الأنشطة غير الأخلاقية في عالم الأعمال تندرج تحت واحدةٍ من الفئات التالية: أخذُ أشياء ليست مُلكك: يُعَدُّ الاستخدامُ غير المُصرَّح به لملكية الغير، أو أخذُ تلك الملكية وفقًا لمزاعم كاذبة، استيلاءً على أشياءَ لا تعود ملكيتها إليك. وينتمي إلى هذه الفئة من الانتهاكات غير الأخلاقية حتى أبسطُ المخالفات، مثل استخدام عدَّاد البريد الموجود في مكتبك لإرسال بريدٍ شخصي، أوِ المبالغةُ في مصاريف السفر خاصتك. قولُ أشياءَ تعلم أنها كاذبة: في مسعىً منهم لنيل ترقية في العمل، غالبًا ما يكذب زملاء العمل بشأن زملائهم الآخرين. فإلقاء اللوم زورًا على الآخرين، أو نقل محادثاتٍ بشكل غير دقيق، يعد كذبًا. وهناك تبريرٌ شائع لتصرفاتٍ كهذه يقول: "هكذا يتصرف الكل في ظروفٍ كهذه"، ولكنه من الناحية الأخلاقية لا يبرر قولَ ما هو غير صحيح، والذي يعد تصرُّقًا غير أخلاقيّ. إعطاءُ انطباع كاذب أو السماح بتكوينه: فالبائع الذي يجعل المستهلكَ المحتَمل يظن أن صناديق الكرتون قادرة على حمل الطماطم لمسافة طويلة مع علمه بأن تلك الصناديق ليست قوية كفاية لتفِيَ بذلك الغرض يكون قد أعطى انطباعًا كاذبًا. وتاجر السيارات الذي يُخفي عن الزبون المحتَمَل أن السيارة قد تعرضت لحادث، يكون تاجرًا مُدلِّسًا وكاذبًا. شراءُ النفوذ أو الانخراط في تعارض مصالح: يحدث تعارض المصالح عندما تُغلَّبُ المصلحةُ والكسبُ الشخصيان على المسؤوليات الرسمية لموظف في شركةٍ خاصة، أو موظفٍ لدى جهة حكومية. هَب أن شركةً تمنح عقدَ بناءٍ لشركة أخرى مملوكةٍ من قِبل والد المدعي العام في الولاية في وقتٍ يجري التحقيق فيه مع تلك الشركة من قِبل مكتب المدعي العام المذكور. فإذا كان هناك احتمالُ أن يؤثر منحُ عقد البناء ذاك في نتيجة التحقيق مع تلك الشركة، فيكون قد حصل تعارض مصالح. إخفاءُ المعلومات أو إفشاؤها: إن تكتُّمَك على نتائج الدراسات الطبية التي تُفيد بأن الدواء الجديد الذي صنَّعتهُ شركتُك له تأثيراتٌ جانبية خطيرة هو انتهاك غير أخلاقي يتعلق بإخفاء معلوماتٍ تشير إلى أن ذلك المنتج الدوائي قد يكون خطيرًا على مشتريه. كما أن إفشاء أسرار تطوير المنتج أو أسرار التجارة الخاصة بشركتك السابقة في مكان عملك الجديد يعد انتهاكًا يتمثلّ بكشف معلوماتٍ سرية خاصة. الاستغلال غير العادل: أُقِرَّ العديد من قوانين حماية المستهلك الحالية نتيجةً للاستغلال الذي مارسته شركاتٌ كثيرة على الأشخاص غير المثقفين كفايةً، أوِ الذين لم يتمكنوا من تبيُّنِ دقائقِ العقود المعقَّدة. فأمورٌ مثل متطلبات الكشف المتعلقة بالائتمان، والنصوص ذات الصلة بتقصي الحقائق في الإقراض، والأنظمة الجديدة حول تأجير السيارات، جميعها قد جاء نتيجة التضليل الذي مارسته الشركات على المستهلكين الذين لم يتمكنوا من فهم اللغة التخصصية للعقود الطويلة والمعقدة. ارتكاب تصرفاتٍ فردية غير ملائمة: بالرغم من أن النواحي الأخلاقية المرتبطة بحق الشخص في الخصوصية لا تزال مثار جدل، فقد بات واضحًا أن سلوك الفرد خارج العمل قد يؤثر في أدائه وفي سمعة الشركة كذلك. فمثلًا، على السائق في شركةٍ ما أن يمتنع عن تعاطي المواد المخدِّرة لدواعٍ مرتبطة بالأمان. وحتى حفلات العطل ونزهات الصيف التي تجريها الشركات عادةً لم تسلم من الانتقاد والتمحيص لاحتمالية أن يتسبب موظفو تلك الشركات بعدَ تلك النزهات والعُطَل بأذىً للآخرين نتيجة الحوادث التي تقع تحت تأثير المُسْكِرات. إساءةُ استعمال السلطة والتصرف غير اللائق مع الأشخاص: مثل التحرش الجنسي الذي يقترفه مدير ضد موظفيه، أو توبيخه لهم بشكل مهين أمام الزبائن. ويحمي القانون الموظفين في بعض الحالات، ولكن العديد من المواقف تكون ذات أبعادٍ شخصية وتمثِّلُ انتهاكًا غير أخلاقي. إساءة المعاملة المؤسساتية: تُرتكَب في العديد من الشركات الأمريكية التي لها فروعٌ خارج الولايات المتحدة، مثل آبل، و نايكي، و ليفي شتراوس، حالاتٌ من الإساءة المؤسساتية. ومن الأمثلة على ذلك المعاملةُ الظالمة للعمال في العمليات التي تمارسها الشركة حول العالم كعمالة الأطفال، والأجور المُهينة، وساعات العمل الزائدة. وبالرغم من أنه ليس بوسع الشركات تغيير ثقافة بلدٍ ما، لكنها قادرة على إبقاء تلك المعاملة المسيئة مستمرة أو إيقافها. خَرْقُ القواعد: يُطبِّق العديد من الشركات قواعدَ وإجراءاتٍ ترمي إلى الحفاظ على الضوابط داخل الشركة أو إلى احترام سلطة المديرين. وبالرغم من أن الموظفين قد يضيقون بها ذَرْعًا، لكن مخالفتها قد تُعَدَّ فعلًا غير أخلاقيّ. التغاضي عنِ الأفعال غير الأخلاقية: ماذا لو شَهِدْتَ أحد زملائك في العمل يختلس أموال الشركة عبر تزوير توقيعها على أحد الشيكات؟ هل ستبلّغ عن ذلك؟ إنَّ التغاضي عن أفعال الآخرين غير الأخلاقية هو بحد ذاته تصرُّفٌ غير أخلاقيّ. بعد إدراكك أن موقفًا ما غيرُ أخلاقي، يكون السؤال التالي: ماذا تفعل؟ تستند الأفعال التي يتخذها شخصٌ ما جزئيًا إلى قناعته الأخلاقية، كما تلعب البيئةُ التي نعيش فيها وبيئة العمل دورًا في تحديد سلوكنا. يشرح القسمُ التالي الأفكارَ الفلسفيّة الشخصية والعواملَ القانونية التي تكوِّنُ الخياراتِ التي نتخذها عندما تواجهنا معضلة أخلاقية. العدالة - مسألة الإنصاف ثمة عاملٌ آخر يؤثر في الأخلاقيات الفردية في مجال العمل التجاري، وهو العدالة، أو ما هو مُنصِف وفقًا للمعايير السائدة في المجتمع. ونتوقع جميعًا أن تكون الحياةُ منصفةً بشكل معقول؛ إذ تتوقع أن تكون امتحاناتُك، ودرجاتك في الجامعة، والأجور التي تتقاضاها، منصفةً بناءً على العمل الذي تقوم به. ونعني بالعدالة اليوم توزيعًا متساويًا للأعباء والمكافآت التي يقدمها المجتمعُ، وتختلف عملية التوزيع من مجتمعٍ لآخر. إذ يؤمن أولئك الذين يعيشون في مجتمعٍ ديمقراطي في المبدأ القائل "أجرٌ منصف للعمل المقدَّم"، والذي يُثابُ فيه الأفراد بناءً على القيمة التي تضفيها السوق الحرة على الخدمات التي يقدِّمون. ولأن تلك السوق تمنحُ قيمًا مختلفة باختلاف المهن، فليس بالضرورة أن تكون المكافآت متساوية، شأنها شأن الأجور. وبالرغم من ذلك، ينظر العديد من الناس إلى المكافآت بوصفها مُنصِفة. فالسياسيُّ الذي يقترح أن يحصل المحاسب في سوبرماركت على أجرٍ مساوٍ للذي يتقاضاه طبيب، لن يحظى بكثير من الأصوات في الانتخابات. وعلى النقيض من ذلك، اقترح بعض المنظرين الشيوعيين أن العدالة تتحقق في مجتمعٍ تتوزَّع فيه الأعباء والمكافآت على الأفراد وفقًا لإمكاناتهم واحتياجاتهم. مذهب المنفعة - السعي لتحقيق الأفضل للأكثرية يبرز مذهب المنفعة بوصفه أحد التوجّهات الفلسفية التي قد تؤثر في الاختيار ما بين الخطأ والصواب، ويركز هذا المذهب على نتائجِ فعلٍ ما يقوم به فردٌ أو منظمة. وقدِ اشتُقَّت الفكرةُ القائلة إن على الناس فعلُ ما من شأنه تحقيق أفضل مصلحةٍ لأكبر عدد ممكن منهم، اشتُقّت من مذهب المنفعة. وعندما يكون فعلٌ ما مخالفًا لمصلحة الأكثرية، فهو فعلٌ غير صائب من الناحية الأخلاقية. ومن الصعوبات التي تعترض تطبيق هذا المذهب هو أنه من شبه المستحيل تحديد كيف يمكن لقرارٍ ما أن يؤثر في عدد كبير من الناس بشكل دقيق. ومن المشاكل الأخرى التي يثيرها تطبيق مبدأ المنفعة هذا أنه سيكون لدينا دائمًا رابحٌ وخاسر. فمثلًا لو كانت المبيعات في شركة ما تنخفض ثم قرر المدير طرد خمسة موظفين بدلًا من إلزام الجميع بساعاتِ عملٍ إضافية في الأسبوع، فسيكون من بقي في الشركة وحافظ على عدد الساعات التي يعمل وفقًا لها رابحًا، بينما يُصنَّف الموظفون الخمسة المطرودون خاسرين. ويوجَّه لمذهب المنفعة انتقادٌ أخير يقول إن بعض الأثمان المترتبة عليه، بالرغم من كونها هامشية قياسًا بالنفع الكبير الذي يُحتَمَل أن تحققه، سلبيةٌ لدرجةٍ لا تقبلُها فئاتٌ بعينها في المجتمع. إذ تفيد تقارير أن ظهور (العمود الفقري) الحيوانات تُكسَر عمدًا ليستخدمها العلماء في أبحاثهم حول النخاع الشوكي، والتي قد تقود يومًا ما إلى علاجٍ للإصابات التي يتعرض لها. فيرى عددٌ من الناس أن "ثمنًا" كهذا فظيعٌ بالنسبة لهذا النوع من الأبحاث الذي برأيهم يجب ألا يستمر بهذا الشكل. تنفيذ التزاماتنا وواجباتنا يُسمَّى الاتجاه الفلسفي القائل إن على الناس تنفيذ واجباتهم والتزاماتهم عند تحليل معضلة أخلاقية بمذهب الأخلاق الواجبة. ويعني ذلك أن الشخص سينفّذ واجباته تجاه شخصٍ آخر، أو مجتمع ما، لأن قيامه بذلك الواجب هو ما يُعَد صحيحًا أخلاقًيا. فمثلًا، سيفي من يعتنقون هذا الاتجاه الفلسفي بوعودهم التي قطعوها لأصدقائهم، وسيلتزمون بالقانون دائمًا. كما سيتخذون قراراتٍ ملتزمة تمامًا، لأنها ستُبني على الواجبات التي عليهم الالتزام بها. لاحِظ أن هذا الاتجاه الفلسفي لا يراعي بالضرورة مصلحة الآخرين. فمثلًا، لو رأى خبيرٌ يعمل لدى شركة Orkin Pest Control، التي تعمل في مجال مكافحة الحشرات، أنَّ واجبه الأخلاقي يحتّم عليه ألا يتأخر أبدًا عنِ الاجتماعات التي يرتّب لها مع الزبائن؛ ولكنه على وشك التأخر عن إحداها اليوم، فكيف عليه قيادة السيارة في هذه الحال؟ هل عليه القيادة بسرعةٍ منتهكًا الواجب القانوني تجاه المجتمع الذي يفرض عليه ألا يُسرِع؟ أم هل يصل إلى منزل الزبون متأخرًا فيكون بذلك قد أخلَّ بواجبه في عدم التأخر عن اجتماعه بالزبائن؟ إنَّ سيناريو لتعارض المصالح كالماثل أمامنا لا يقودنا إلى تحليلٍ أخلاقي واضح وصحيح، ولا يحمي مصالح الآخرين من القرارات التي يتخذها ذلك الخبير. الحقوق الفردية للأفراد والجماعات في مجتمعنا حقوقٌ محددة تحت شروطٍ بعينها مستقلة عن أي ظروفٍ خارجية. وتعمل تلك الحقوق كموجّهٍ عند اتخاذ القرارات الأخلاقية الفردية. وينطوي اصطلاح حقوق الإنسان على حقوق محددة، مثل الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السعي وراء السعادة، والتي تُمنَح للإنسان بمجرد ولادته، ولا يمكن سلبه إياها. ويُعدّ إنكار حقوق فردٍ أو جماعة أمرًا غير أخلاقي ومخالفًا للقانون في معظم دول العالم، وإن لم يكن في جميع تلك الدول. وهناك حقوق بعينها تكفلها الحكومة وقوانينُها؛ وتعد هذه الحقوق حقوقًا قانونية. فحقوق مواطني الولايات المتحدة الأمريكية يحددها دستورها، والتعديلات التي أجريت عليه، وكذلك القوانين الفدرالية وقوانين الولايات. ولا يمكن تجاهل تلك الحقوق سوى في الظروف الاستثنائية، كما في وقت الحرب على سبيل المثال. وتتضمن الحقوقُ القانونية حريةَ المعتقَد، وحرية التعبير، وحرية التجمُّع، والحماية ضد الاعتقال والتفتيش والمصادرة غير المشروعة، وحق الاستعانة بمحامٍ، ومواجهة الشهود، واستجوابهم، وذلك في سياق المحاكمات الجزائية. وتُطبَّق الحقوق القانونية بغضّ النظر عنِ العِرق، واللون، والعقيدة، والجنس، والإمكانات. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Making Ethical Decisions and Managing a Socially Responsible Business) من كتاب introduction to business
  9. لقد تعرفنا في المقالين السابقين، من نفس السلسلة على مفاهيم العمل التجاري، والأنظمة التجارية العالمية الأساسية، كما أشرنا إلى كل من مفهوم الاقتصاد الكلي والجزئي والفرق بينهما. وفي هذا المقال سنشير إلى مصطلح المنافسة في السوق الحرة، كما سنتعرف على أهم أنواعها، وكذا أهم التوجهات الحديثة في بيئة الأعمال والمنافسة المنافسة في سوق حرة ما هي الأنواع الأربعة لهيكلية السوق؟ من إحدى مزايا نظام السوق الحرة أن لدى الموردين الحق في التنافس مع بعضهم بحريّة، ويمثّل عددُ الموردين في سوقٍ ما هيكليةَ السوق. ووفقًا للاقتصاديين، هناك أربعة أنواع لهيكلية السوق: (1) المنافسة الكاملة، (2) الاحتكار المطلق، (3) المنافسة الاحتكارية،(4) احتكار القلة. ويلخّص الجدول 1.1 خصائص كلٍّ من هياكل السوق تلك. المنافسة الكاملة تتضمن المنافسةُ الكاملة الخصائص التالية: هناك عدد كبير من الشركات الصغيرة في السوق. تبيعُ الشركاتُ منتجاتٍ متشابهة؛ أي إن مُنتَج كل شركةٍ يشبه كثيرًا المنتجاتِ التي تبيعها شركاتٌ أخرى في السوق. لدى البائعين والمشترين معلوماتٌ جيدة حول الأسعار، ومصادر العرض، وأمورٌ من هذا القبيل. من السهل فتحُ شركة جديدة أو إغلاق واحدةٍ موجودة. المقارنة بين هياكل السوق الخصائص المنافسة الكاملة الاحتكار المطلق المنافسة الاحتكارية احتكار القلة عدد الشركات في السوق عديدة واحدة عديدة ولكن أقل من المنافسة الكاملة قليل قدرة الشركة على التحكم في السعر معدومة مرتفعة بعض الشركات بعض الشركات العوائق التي تعترض دخول السوق معدومة تبعًا للأنظمة الحكومية قليلة عديدة التمايز بين المنتجات قليل جدًا لا وجود لمنتجاتٍ تتنافس بشكل مباشر التركيز على إظهار فوارق محسوسة بين المنتجات بعض الاختلافات أمثلة المنتجات الزراعية، مثل القمح والذرة مرافق؛ مثل الوقود، والماء، وتلفزيون الكابل متاجر تجزئة متخصصة في الألبسة صلب، سيارات، خطوط جوية، مصنعو طائرات table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 1.1 وفي اقتصادٍ تسوده منافسةٌ كاملة، تبيعُ الشركات منتجاتها بأسعارٍ تحددها قوًى خارجة عن سيطرة تلك الشركات. ولأن المنتجاتِ متشابهةٌ إلى حدٍّ كبير، وكلُّ شركةٍ تسهم في جزء صغيرٍ فحسب من الكمية المعروضة، فالعرض والطلب هما اللذان يحددان السعر. وإن أقدمَت شركةٌ ما على رفع أسعارها ولو بشكلٍ طفيف فوق المعدل السائد، فستخسر زبائنها. ولو أخذنا سوق القمح مثالًا، فنجد أن مُنتَج القمح هو ذاتُه ولوِ اختلفَ المُنتِج. لذلك ليس لأيٍّ من منتجيه سيطرةٌ على سعره. إن المنافسة الكاملة نموذجٌ مثالي، ولا تُظهِر أي صناعةٍ خصائصَها كلَّها، ولكنّ سوق الأسهم، وبعض الأسواق الزراعية، مثل أسواق القمح والذرة، تظهر خصائصها كلها تقريبًا؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للمزارعين بيعُ كافة محاصيلهم عبر تبادل السلع وفقًا لأسعار السوق السائدة. الاحتكار المطلق على الطرف الآخر، هناك الاحتكار المطلق، وهو هيكليةُ سوقٍ تستأثرُ وتسيطر فيها شركةٌ واحدة على كافة المبيعات المتعلقة بسلعة أو خدمة محدَّدتين. فالشركة هنا تمثّل القطاع الصناعي الكامل لتلك السلعة أوِ الخدمة. وتتميز هيكلية السوق هذه بالعوائق التي تعترض دخول السوق- وهي عوامل تمنع شركاتٍ جديدة من التنافس بشكل متساوٍ مع الشركة الموجودة. وغالبًا ما تكون تلك العوائق ظروفًا تكنولوجيَّةً أو قانونية. فشركة بولارويد (Polaroid) على سبيل المثال امتلكت براءاتِ اختراعٍ خاصة بالتصوير الفوري لسنوات. وعندما حاولت شركة كوداك (Kodak) التسويق لكاميرتها الفورية، لجأت بولارويد إلى القضاء مدّعيةً انتهاك كوداك لبراءة الاختراع خاصتها. وقد تحصًّلت (Polaroid) على ملايين الدولارات من كوداك. ومن العوائق الأخرى التي تعترض طريق شركةٍ ما لدخول السوق هو سيطرةُ شركةٍ أخرى على الموارد الطبيعية؛ فشركة دي بيرز (DeBeers Consolidated Mines Ltd)، على سبيل المثال، تسيطر على معظم المخزون العالمي من الألماس غير المصقول. وتعد مرافق الخدمات العامة احتكاراتٍ مطلقةً، مثل شركات الغاز والماء. وبعض الاحتكارات جاءت نتيجة قوانين حكومية تُجرِّم المنافسة، مثل الخدمة البريدية للولايات المتحدة. المنافسة الاحتكارية ثمة خصائص ثلاث تحدد هيكلية السوق المعروفة بالمنافسة الاحتكارية، وهي: هناك عدة شركاتٍ في السوق. توفر الشركاتُ منتجاتٍ تصلح بدائلَ عن بعضها، ولكن كلًا منها يختلف عن الآخر. دخولُ السوق سهلٌ نسبيًا. وتستفيد الشركات في ظل المنافسة الاحتكارية من التمايز بين المنتجات. وتشمل الصناعاتُ السائدة في المنافسة الاحتكارية مجالات الأطعمة، والألبسة، وما سواها من المنتجات الاستهلاكية المشابهة. وللشركات في ظل المنافسة الاحتكارية تحكُّمٌ أكبر في الأسعار إذا ما قارنّاها بنظيراتها من الشركات في ظل المنافسة الكاملة، لأن المستهلكين لا ينظرون للمنتجات على أنها بدائل مثالية أو متساوية. ومع ذلك، على الشركات إظهار الاختلافات التي تميز منتجاتِها لتبرر التسعير المُعطى لها أمام المستهلكين. وبالنتيجة، تلجأ الشركات إلى الإعلانات لتمييز منتجاتِها عن منتجاتِ الشركات الأخرى. وقد تكون تلك المميزاتُ سطحية أو عميقة، فمثلًا، تستخدم شركة نايكي (Nike) عبارة "فقط افعلها"، في حين يروَّج لدواء تايلينول (Tylinol) على أنه ألطف على المعدة من الأسبرين. احتكار القلة لاحتكار القلة خاصيّتان أساسيّتان هما: شركاتٌ قليلةٌ هي التي تسيطر على كامل الإنتاج أو على معظمه. مستلزماتُ رأس المال الكبيرة وعوامل أخرى تقلل من عدد الشركات. فشركتا بوينغ (Boeing) وإيرباص (Airbus) (تصنعان طائرات)، وشركتا غوغل (Google) وآبل (Apple) (تصنعان أنظمة تشغيل للهواتف المحمولة) هي من اللاعبين الكبار في مختلف مجالات احتكار القلة. ومع العدد المحدود جدًا للشركات التي تمارس احتكار القلة، يكون لما تفعله واحدةّ منها تأثير في الأخرى. ولذلك، تراقب تلك الشركات بعضها بعضًا عن كثب بشأن التقنيات الجديدة، والابتكارات، والتغييرات في المنتَج، والحملات الترويجية، والأسعار، والإنتاج، وغير ذلك من تطويراتٍ تُدخلها تلك الشركات. ويصل الأمر بتلك الشركات أحيانًا إلى التنسيق مع بعضها بشأن قراراتها المتعلقة بالأسعار والإنتاج، والذي يعد مخالفًا للقانون. وفي ظل احتكار القلة، يتكرر كثير من قضايا مكافحة الاحتكار، وهي نزاعات قانونية منبثقة عنِ القوانين التي سُنَّت للسيطرة على الممارسات المانعة للمنافسة. ويمكن لهيكلية السوق الخاصة بمجالٍ تجاري ما أن تتغير عبر الزمن. خذ قطاع الاتصالاتِ مثالًا؛ ففي فترة من الفترات، كانت شركةُ الاتصالات الأمريكية إي تي آند تي (AT&T) تحتكر خدمة الاتصالات الهاتفية عبر مسافات طويلة على مستوى الولايات المتحدة إلى أن جاءَ يومٌ قسَّمَت فيه حكومة الولايات المتحدة تلك الشركة إلى سبع شركات هاتفٍ إقليمية في العام 1984، فاتحةً بذلك المجال أمام منافسةٍ أكبر بين الشركات الجديدة تلك. ودخلتِ المنافسةَ شركاتٌ أخرى مثل إم سي آي (MCI) وسبرينت (Sprint)، وأنشأت شبكاتِ ألياف ضوئية، والتي كانت واحدة من أحدث التقنيات، وذلك لانتزاع الزبائن من مزودي خدمة الهاتف التقليديين. ثم جاء قانون الاتصالات عن بعد لعام 1996 ليعيد رسم معالم البيئة التنافسية، عبر السماح لشركات الهاتف المحلية بتقديم خدمة الاتصال عن بعد مقابل السماح بدخول المنافسين إلى الأسواق المحلية لتلك الشركات. وتشهد اليوم مجالات البث، والحواسيب، والهاتف، والفيديو تقاربًا مردُّه إلى الاندماج بين الشركات، والاستحواذِ الذي تمارسه شركةٌ على أخرى. التوجهات الحديثة في بيئة الأعمال والمنافسة ما هي التوجّهات التي تعيد تشكيل عالم الأعمال، وبيئات الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي، والمجالات التنافسية؟ تطالُ التوجّهات الحديثة في بيئة الأعمال والاقتصاد نواحيَ عديدةً. وكما أشرنا سابقًا، فقد باتتِ القوى العاملة في يومنا هذا أكثر تنوّعًا من أيّ وقتٍ مضى، تزامنًا معَ ارتفاع عدد عمال الأقليات والعمال الأكبر عمرًا، فتعززتِ المنافسةُ نتيجةً لذلك. وقد سرَّعتِ التكنولوجيا الحديثةُ عجلةَ العمل وسهّلتِ التواصل بيننا. فلنتعرفِ الآن على كيفية تعامل الشركات مع التحديات التي يفرضها التغيرُ في القوى العاملة، والطلب المتصاعد على الطاقة، والمنافسةُ المُحتدِمة. تَغيُّر الخصائص السكانية للقوى العاملة ينعكس تقدُّمُ أفراد جيل طفرة المواليد في العمر على القوة العاملة في الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة. ففي العام 2010، وصل حوالي 25% من العمال هناك إلى سن التقاعد. وبالانتقال سريعًا إلى القوى العاملة في الولايات المتحدة في العام 2017، نجد أن أفراد جيل الألفية قد تصدروا سوق العمل، فمثّلوا أكثر من 40% من القوى العاملة الكلّيّة. وعلى الرغم من أن العمال الأكبر عمرًا يتقاعدون في سنٍّ أبكر من سن التقاعد التقليدي البالغ 65 عامًا، إلا أن العديد منهم يخطط للاستمرار في العمل حتى بعد بلوغ سن الخامسة والستين، وغالبًا حتى السبعينات من عمرهم. ولم يَعُدِ التقاعُدُ أمرًا محسومًا، بل إن مواقف العمال الأكبر سنًا، والمنتمين إلى جيل طفرة المواليد، باتت أكثر إيجابيًة فيما يخص سِنينهم اللاحقة. فهناك عددٌ كبيرٌ مفاجِئٌ من الأمريكيين الذي يتوقعون أن يزاولوا عملًا بدوامٍ كامل أو جزئيًا بعد التقاعد، وقد يعمل معظمهم أطول من ذلك لو توفرت برامجُ التقاعد التدريجي في الشركات التي يعملون فيها. وتحفّز الهواجسُ المالية كبارَ السن أولئك للعمل، والتي تجعلهم قلقين أنَّ عيشَ حياةٍ طويلة سيفضي في النهاية إلى استنزاف ما ادخروه من مالٍ لأنفاقه بعد التقاعد، وخصوصًا بعد الضربة الموجِعة التي تلقَّتها مدخراتُهم خلال الركود الذي ساد بين عامي 2007 و 2009. أما بالنسبة لآخرين، فيُعَدُّ الرضا الوظيفي والشعور بالإنتاجية أكثر أهميةً من المال وحده. ولا تزال هذه القوى المجتمعة تمثّل تحدّياتٍ عديدة كبرى للشركات في يومنا هذا. وبحلول العام 2020، يُتوقَّعُ حدوثُ تحوّلاتٍ إضافيةً مرتبطة بالأجيال التي ينتمي إليها الأفراد الذين يشكّلون القوى العاملة في الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تُحدِث تأثيرًا في كيفية ممارسة الشركاتِ أعمالها وفي احتفاظها بموظفيها. وتمثّل القوى العاملة اليوم أجيالًا خمسة، هي: خريجو الجامعات الجُدُد (الجيل Z)؛ والأفراد الذين في الثلاثينات والأربعينات من عمرهم (جيل الألفية والجيل X)؛ وجيل طفرة المواليد؛ وأخيرًا جيل المولودين قبل عام 1945 (الأفراد في السبعين من عمرهم). إنه لأمرٌ معتاد أن تجد عاملًا في الخمسين أو الستين من عمره، أو حتى في السبعين، ومديره في العمل لم يبلغِ الثلاثين من عمره. ويقدِّم الأشخاص ممن بلغوا الخمسينات أو الستينات من عمرهم ما في جعبتهم من خبرةٍ مرتبطة بعملهم الذي مارسوه في الماضي؛ بينما نجد من في العشرينات أو الثلاثيات أمْيّلَ إلى التجربة، وأكثر انفتاحًا على الخيارات المُتاحة، وأجرء في المخاطرة. وأنجَحُ المديرين هم أولئك الذين يُدركون الاختلافاتِ بين شتى الأجيال ويطوِّعونها لمصلحة شركاتهم. وقد طوَّرت العديدُ من الشركات برامج مثل ساعات العمل المرِنة والعمل عن بُعد لغرض الاحتفاظ بالعاملين كبار السن والاستفادة من خبرتهم العملية ومهارات حل المشكلات التي لديهم. وعلاوة على ذلك، على الشركات أن تتتبَّع باستمرار المرحلة العمرية والمهنية التي وصل إليها موظفوها، وأن تكون على اطلاعٍ على الوقت الذي يقترب فيه أولئك الموظفون من التقاعد، أو الوقت الذي يفكرون فيه بالتقاعد، وتقرر في النهاية كيفيةَ استبدالهم وتحصيل الرديف المناسب لخبراتِهم المعرفيةَ والمهنيةَ. وثمة عاملٌ آخر مرتبطٌ بالقوى العاملة المتغيرة؛ وهو ضرورة إدراك التنوع الذي يمثّله العمال من جميع الأعمار، وتعزيزِ ثقافة احتواءٍ مؤسساتيّ. ووفقًا لتقريرٍ حديثٍ أعدَّه مكتبُ تعداد سكان الولايات المتحدة، يمثّلُ جيلُ الألفية أكبر جيلٍ عرفته الولايات المتحدة عبر تاريخها، وأن 44% من السكان فيها يصنّفون أنفسهم "غيرَ بِيض". ولا تزال النساء يحرزن تقدّمًا في تبوّءِ مناصبَ إداريةٍ، وإن كان يبدو أنّ طريقهن نحو منصب الرئيس التنفيذي لا يخلو من عقباتٍ إضافية. وتُظهِرُ إحصاءاتٌ حديثة أنَّ أقل من 5% من الشركات المُدرَجةِ على قائمة فورتشن 500 السنوية (التي تصدرها مجلة فورتشن لأعلى خمسمئة شركةِ أمريكية مساهمة من ناحية الإيرادات) لديها نساء تتقلّدُ منصب رئيسٍ تنفيذي. إنّ أكثر المؤسسات نجاحًا هي تلك التي تُدرك أهمية التنوع والاحتواء كجزءٍ من استراتيجيتها المستمرة. الطلب العالمي على الطاقة يستمر الطلب على الطاقة في التصاعُد في وقتٍ ترتقعُ فيه مستوياتُ المعيشة على مستوى العالم. فأسواقٌ ناشئة مثل الصين والهند بحاجة إلى الطاقة لتنمو، وتشكّل متطلبات تلك الأسواق من الطاقة ضغطًا على الإمدادات العالمية، كما تؤثر في الأسعار، وذلك وفقًا للتوقعات المبنية على قوانين العرض والطلب. ففي السنوات الأخيرة على سبيل المثال، كانتِ الصينُ والهند مسؤولتين عن أكثر من نصف الاستهلاك العالمي للمنتجات النفطية. وستشكّل شركاتُ الطاقة المدعومةُ من الحكومات في الصين والهند وروسيا والمملكة العربية السعودية وغيرها ضغطًا إضافيًا وتنافسيًا على شركات النفط ذات الملكية الخاصة، مثل شركات** بي بي** (BP)، و شيفرون (Chevron)، و إكسون موبيل (ExxonMobil) وشل (Shell). وينتابُ دولَ العالم قلقٌ من الاعتماد الكبير على مصدرٍ واحد للطاقة، فالولايات المتحدة تستورد كمياتٍ كبيرة من النفط من كندا والمملكة العربية السعودية، كما تستورد أوروبا 39% من الغاز الطبيعي من شركة الغاز الروسية الوحيدة والمُسيطَرعليها حكوميًا؛ شركة غازبروم (Gazprom). ويسمحُ هذا الوضع للحكومات الأجنبية باستخدام النفط كأداةٍ سياسيةٍ. فمثلًا، تسبب التوتر بين روسيا وأوكرانيا في تشرين الثاني من العام 2015 في إيقاف الحكومة الروسية إمداداتِ الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا، والذي أدى كذلك إلى عرقلة وصول الغاز إلى أوروبا، لأن روسيا تستخدم خطوط نقل الغاز الواقعة في أوكرانيا لإمداد الدول الأوروبية بجزءٍ من الغاز الطبيعي الذي تصدّره. وقد أعلنت روسيا في العام 2017 عن خطط لمدّ خطوط نقل غازٍ خاصةٍ بها بالتوازي مع خط الغاز الأوكراني عبر بحر البلطيق للاستغناء عن الخط الأوكراني وإمداد أوروبا بالغاز مباشرة. وتسعى الدول والشركات إلى العثور على مصادرَ إضافيةٍ للطاقة لتجنُّب الخضوع لمزوّدٍ أو مصدرٍ واحد. فعلى سبيل المثال، ساعدتِ التكنولوجيا الحديثة في استخراج النفط من تشكيلات صخور الطَّفَل الصَّفحي في الولايات المتحدة (وتُعرف تقنية الاستخراج الحديثة هذه بتقنية التصديع أو التكسير)، في رفد صناعة النفط في البلاد بموردِ طاقةٍ مهم. ويمثّل هذا المنهج المُبتَكَر في العثور على موارد جديدة للطاقة أكثر من نصف إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وهو ما من شأنه مساعدتها في تقليل اعتمادها على النفط الأجنبي وتوفير فرص عملٍ جديدة. التعامل مع التحديات التنافسية تلجأ الشركات إلى عدد من الاستراتيجيات المتنوعة لتبقى منافِسةً في السوق العالمية. وتبرز إدارة العلاقات على أنها إحدى أهم تلك الاستراتيجيات، والتي تتضمن بناءَ صلاتٍ تفاعليةً مع الزبائن وغيرهم من الأطراف، وتعزيزهاَ، والحفاظ عليها، لتكريس رضىً وتعاونٍ طويل الأمد بين الشراكاتٍ. وتتضمن إدارةُ العلاقات كُلًّا من إدارة سلسلة الإمداد (والتي تعزز الصلات بالمورّدين) والتسويقِ بالعلاقات (والذي يُركّز على الزبائن. وبشكل عامّ، كلما بقي الزبون مع الشركة وقتًا أطول، زادتِ القيمةُ التي يمثّلُها؛ إذ يشتري أولئك الذين يقضون مع الشركة وقتًا أطول أكثر من سواهم من حديثي العهد معها، كما يأخذون وقت اهتمامٍ أقل من الشركة، وهم أقل حساسيةً تجاه الأسعار، ويستميلون زبائن جدد إليها. والأفضل من ذلك كله أن أولئك الزبائن يوفرون على الشركات نفقاتِ كسب زبائن جدد ونفقات بدء العمل التي تتكبدها الشركات الوليدة عادةً. وللزبائن ذوي الولاء الطويل قيمةٌ لا تُضاهى، بدليل أن تخفيض معدل خسارة الزبائن لصالح المنافسين (في بعض مجالات الأعمال بنسبة خمس نقاط، أي مثلًا من 15% إلى 10% في السنة) كفيلٌ بمضاعفة الأرباح. ومن الطرق الأخرى المهمة التي تساعد الشركات على البقاء في المنافسة هي التحالفات الاستراتيجية (وتسمى الشراكات الاستراتيجية أيضًا)؛ إذ يشهد هذا التوجّه ، الهادف إلى تشكيل هذه الاتفاقات (تعاونية الطابع) بين شركات الأعمال، يشهد تصاعدًا سريعًا، وخصوصًا بين شركات التقنية المتطورة. وقد أدركت هذه الشركاتُ أن الشراكاتِ الاستراتيجيةَ ليس مهمة وحسب؛ بل لا غنىً لها عنها. وتأخذ الشراكاتُ الاستراتيجية أشكالًا عديدة؛ فبعض الشركات يدخل في تحالفاتٍ استراتيجيةٍ مع المزودين الذين تتعامل معهم تلك الشركات، والذين يستحوذون على جزءٍ كبير من عملية الإنتاج والتصنيع الفعلية لتلك الشركات. فمثلًا، لا تصنع شركة نايكي، وهي أكبر مصنّع للأحذية الرياضية في العالم، حذاءً واحدًا بنفسها، بل تعتمد على مزوّدين ومُصنّعين مُعتمدين. وتتحد شركاتٌ أخرى ذاتُ نقاط قوة تكميلية مع غيرها ضمن فرق مشتركة؛ فعلى سبيل المثال، شكّلت شركة هاريز شيف كلوب (Harry's Shave Club) التي تقدم خدمة اشتراك على الإنترنت خاصة بمنتجات تزيين الرجال، شكّلت فريقًا واحدًا مع عملاق البيع بالتجزئة، شركة تارجت (Target)، بهدف تطوير مبيعاتها وتعزيز حضورها بين زبائن شركة تارجت. وتتوفر اليوم منتجات شركة هاريز ضمن المتاجر التقليدية لشركة تارجت، إضافة إلى متجرها الإلكتروني المتمثل في موقعها على الإنترنت، وذلك في إطار صفقةٍ حصرية أصبحت بموجبها تارجت شركةَ البيع بالتجزية الوحيدة التي تُعرَض فيها منتجات شركة هاريز. ويسهم مجال الأعمال الخاص بالحلاقة الرجالية بأكثر من 2.6 مليار دولار في المبيعات السنوية في بعض الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding Economic Systems and Business) من كتاب introduction to business
  10. تعرفنا في المقال السابق على مفهوم العمل التجاري، ودرسنا بيئته وما تتضمنه من مؤثرات تتحكم فيه. أما في مقالنا هذا، فسنتعرف في قسمه الأول على الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم، ثم سنتعرف على مفهومَي الاقتصاد الكلي والجزئي والفرق بينهما. عالم الأعمال وعلم الاقتصاد ما هي السماتُ الرئيسة للأنظمة الاقتصادية في العالم، وكيف ترتبط القطاعات الثلاثة لاقتصاد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة؟ يعتمد نجاحُ شركات الأعمالٍ اعتمادًا جُزئيًّا على الأنظمة الاقتصادية للدول، وعلى مكان نشاطها، وأين تبيع منتجاتها. ويُعرَّف النظام الاقتصادي لدولةٍ ما بأنه مجموع السياسات، والقوانين، والخيارات التي تتبناها حكومتها لإرساء الأنظمة التي تحدد السلعَ التي تُنتَج والخدماتِ الي تُقدَّم وكيفية توزيعها. أما علم الاقتصاد فهو دراسة كيفية استعمال مجتمعٍ ما المواردَ الشحيحة لديه لإنتاج السلع وتقديم الخدمات وتوزيعها؛ فموارد الأشخاص والشركات والدول محدودة. وانطلاقًا من ذلك، يدرس علم الاقتصاد الخياراتِ التي ينتقيها الناس، والشركات، والدول من بين الموارد المتوفرة. ويهتم كل اقتصادٍ بنوع السلع التي ينبغي أن تُنتَج، والخدمات التي تُقدَّم، وكمياتها، وبكيفية القيام بذلك، وبالجهة التي تتلقى تلك السلع والخدمات. ويقرَّر ذلك من قبل السوق أوالحكومة، أو من كلتيهما معًا. فمملًا، يقود الاقتصادَ في الولايات المتحدة طرفان، هما الحكومةُ ونظامُ السوق الحرة. وربما تعلمُ عن علم الاقتصاد أكثر مما تدرك؛ إذ يتناهى إلى مسامعك يوميًا عدد من الأخبار ذات الصلة بالاقتصاد مثل: اتحادٌ يساهم في زيادة الأجور لدى شركة جنرال موتورز، أو مجلسُ الاحتياطي الفدرالي يخفض مستويات الفائدة، أو وول ستريت يحطم رقمًا قياسيًا اليوم، أو الرئيس يقترح تخفيضًا على ضريبة الدخل، أو ارتفاعُ إنفاق المستهلكين تزامنًا مع نمو الاقتصاد، أو ارتفاعُ أسعار البيع بالتجزئة…إلخ. الأنظمة الاقتصادية العالمية تعمل الشركات والمؤسسات الأخرى وفقًا للأنظمة الاقتصادية في دولها. وتندرج الأنظمة الاقتصادية العالمية الرئيسة في يومنا هذا تحت فئتين واسعتين، هما: السوق الحرة أو الرأسمالية، والاقتصادات المخططة، التي تتضمن الشيوعية والاشتراكية. ومع ذلك فإن معظم الدول تطبق نظامَ سوقٍ مختلطًا يضم عناصر من أكثر من نظام اقتصادي واحد. ونقطة الاختلاف الرئيسة بين الأنظمة الاقتصادية هي ما إذا كان الأفراد أو الحكومة يقرون ما يلي: كيفية توزيع الموارد المحدودة والمُتاحة (عوامل الإنتاج)على الأفراد والمؤسسات لتلبية الاحتياجات المجتمعية. السلع التي تُنتَج والخدمات التي تُقدَّم وكمياتها. كيفية إنتاج تلك السلع وتقديم تلك الخدمات ومن يقوم بذلك. كيفية توزيع السلع والخدمات على المستهلكين. وعلى المديرين فهم النظام أو الأنظمة الاقتصادية التي تعمل شركاتهم في ظلها والتكيف معها. وقد تكتشف الشركات التي تمارس أعمالها التجارية على المستوى الدولي أن عليها إجراء تغييرات في طرق الإنتاج والبيع لتلائم النظام الاقتصادي لدول أخرى. ويلخص الجدول 1.1 أدناه العوامل الرئيسة للأنظمة الاقتصادية في العالم. الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم الرأسمالية الشيوعية الاشتراكية الاقتصاد المختلط ملكية الشركات أو المشاريع التجارية مملوكة ملكية خاصة مع حد أدنى من الملكية الحكومية أو التدخل الحكومي. تمتلك الحكومة كافة المشاريع أو معظمَها. تتركز الصناعات الرئيسة مثل السكك الحديدية ومؤسسات الخدمات العامة في يد الحكومة. وتكون الضرائب مرتفعة للغاية، كما تعيد الحكومة توزيع الأرباح والواردات في الشركات الخاصة ورواد الأعمال الناجحين. ملكية الأرض والشركات هي ملكية خاصة ولكن الحكومة تسيطر على بعض المشاريع. وحجم القطاع الخاص يكون في العادة كبيرًا. السيطرة على الأسواق حرية تجارية كاملة، ولا سيطرة حكومية، أو سيطرة حكومية محدودة. سيطرة حكومية مطلقة على الأسواق. بعض الأسواق مسيطَرٌ عليها، وبعضُها الآخر حر. تخطيط حكومي مركزي كبير. تُدار المشاريع الحكومية من قبل موظفي الدولة، ونادرًا ما تكون تلك المشاريع مدرّة للأرباح. بعض الأسواق، مثل تلك المتعلقة بالطاقة النووية والبريد مُسيطَر عليها من قبل الحكومة، أو خاضعة لتنظيمٍ خاص. حوافز العمال حوافز قوية تحث على العمل والابتكار لأن الأرباح تذهب للمالكين ليس هناك حوافز تشجع على العمل بجد أو على الإتيان بمنتجات ذات جودة. الحوافز في القطاع الخاص هي ذاتها في النظام الرأسمالي، والحوافز في القطاع العام هي ذاتها في الاقتصاد المخطط. الحوافز في القطاع الخاص هي ذاتها في النظام الرأسمالي، أما في القطاع العام، فالحوافز محدودة. إدارة المشاريع يُدار كل مشروع من قِبل المالكين أو مديرين ذوي كفاءة، مع مستوى تدخل حكومي منخفض. إدارة مركزية من قبل موظفي الحكومة. والمرونة محدودة أو معدومة فيما يخص عملية اتخاذ القرارات على مستوى المعمل. تخطيط وتنظيمٌ حكومي كبير. وموظفو الحكومة هم من يتولى إدارة المشاريع الحكومية. الإدارة في القطاع الخاص شبيهة بنظيرتها في النظام الرأسمالي. أما في القطاع العام، فالإدارة شبيهة بنظيرتها في النظام الاشتراكي. التوقعات للعام 2020 نموٌ ثابت ومستمر. لا نمو، أو ربما غياب النمو. نمو مستقر أو ربما نمو بسيط. نمو مستمر. أمثلة الولايات المتحدة كوبا، كوريا الشمالية فنلندا، الهند بريطانيا العظمى، فرنسا، السويد، كندا table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 1.1 الرأسمالية اتجه عدد متزايد من الدول في السنوات الأخيرة نحو الأنظمة الاقتصادية التي يسودها اقتصاد السوق الحرة، مبتعدة عن الاقتصاد المُخطط. وقد كان التحول نحو الرأسمالية مؤلمًا ومُرهقًا في بعض الأحيان ولكنه كان تحولًا سريعًا، كما في حالة ألمانيا الشرقية. أما في دول أخرى، مثل روسيا، فقد تميز ذلك التحوّل بالبدايات المخفقة والتراجع المتكرر. وتقوم الرأسمالية، التي تُعرف أيضًا بنظام المشروع الخاص، على التنافس في السوق وبالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (الموارد). وفي ظل نظام اقتصادي تنافسي، يبيع عدد كبير من الشركات والأفراد السلع والخدمات بحرّيةٍ في السوق. وفي الرأسمالية الصِّرفة، تكون كل وسائل الإنتاج مملوكةً ملكية خاصة، ولا تحاول الحكومة تحديد الأسعار أو تنسيق وضبط النشاط الاقتصادي. ويكفل النظام الرأسمالي حقوقًا اقتصادية محددة، وهي الحق في الملكية الخاصة، حق تحقيق أرباح، الحق في الاختيار الحر، والحق في المنافسة. ويعد الحق في الملكية الخاصة مركزيًا بالنسبة للرأسمالية. ويعد الربحُ الحافزَ الرئيس في هذا النظام، وهو الذي بدوره يشجع على ريادة الأعمال، والربح مهمٌ كذلك لإنتاج السلع وتقديم الخدمات، ولبناء المصانع، وتسديد الضرائب وحصص المساهمين من الأرباح التي تحققها الشركة، وتوفير المزيد من فرص العمل. أما حرية الفرد في اختيار ما إذا كان راغبًا في أن يغدوَ رائدَ أعمال أو أن يعمل لصالح شخصٍ ما، فتعني أن لدى الناس الحق في اتخاذ قراراتٍ حول ما يريدون فعله بناءً على دوافعهم الخاصة، واهتماماتهم الشخصية والتدريبِ الذي تلقَّوه، إذ لا تقر الحكومة حصصًا متعلقة بالعمل لكل مجال تجاري، ولا تُخضِع الناسَ لاختباراتٍ لتحدد ماذا سيمارسون من أعمال. وتعد المنافسة مفيدة للشركات والمستهلكين على حدٍّ سواء في النظام الرأسمالي، إذ تشجع على تقديم منتجات أفضل وأكثر تنوعًا، وتحافظ على استقرار الأسعار، وترفعُ من كفاءة المنتجين، وتحاول الشركات إنتاج السلع وتقديم الخدمات بأقل تكلفة ممكنة وبيعها بالمقابل بأعلى سعر ممكن، ولكن عندما تكون الأرباحُ عاليةً، يدخلُ السوقَ مزيدٌ من الشركات لتحظى بحصّةٍ من تلك الأرباح. وتؤدي المنافسةُ بين الشركات إلى انخفاض الأسعار، وعلى الشركات عندها البحثُ عن سُبُلٍ جديدة للعمل بفعاليةٍ أكبر إذا ما أرادتِ الاستمرارِ في جَنْيِ الأرباح والبقاءَ في مجال عملها. الصورة 1.5: ماكدونالدز الصيني: منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001، باتتِ الصينُ منفتحةً على اعتناق مبادئ الاقتصاد الرأسمالي وتنمية اقتصادها. والصين اليوم هي أكبر منتجٍ في العالم للهواتف المحمولة، والحواسيب المحمولة، والأجهزة اللوحية، ويمثّل شعبُها الذي فاق تعدادُه مليار نسمة سوقًا هائلة الضخامة. ويعطي الانتشار السريع لامتيازات ماكدونالدز وكنتاكي أنصع مثال على نجاح الرأسمالية أمريكية الطابع في الصين، كما يرمز تقديمُها عرضًا لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي ستقام في العام 2022، إلى انفتاحها الاقتصادي. ويعطي مقهى ماكدونالدز الظاهر في الصورة أعلاه مثالًا على تغييرٍ في المنتجات الغربية لتلائم الذوق الصيني، وهو بدوره مثالٌ حي على هذا النوع من التغييرات. هل تعتقد أن النزعة الرأسمالية للصين يمكن أن تزدهر في ظل حكم الحزب الشيوعي الصيني الذي يعارض منح العمال حقوقهم، وحرية التعبير، والديمقراطية؟ (حقوق الصورة محفوظة ل ماركو كودجيرسكي (Marku Kudjerski)/ فليكر) الشيوعية تقف الشيوعية على النقيض تمامًا من الرأسمالية؛ إذ تمتلك الحكومة في النظام الاقتصادي الشيوعي كافة الموارد وتسيطر على كل الأسواق تقريبًا، فعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية مركزية تمامًا، والحكومة هي التي تقرر ما الذي يُنتَج، وأين يُنتَج، وكميةَ ما سيُنتَج، ومن أين سيؤتَى بالمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج؛ وهي التي تقرر من سيحصل على المنتجات، والتي تحدد الأسعار، وليست القوى المتنافسة في السوق. ومن شأن هذا الشكل من الأنظمة الاقتصادية المركزية أن يحرم مواطني البلد الذي يسوده من الاختيار، أو يمنحَهم هامش خياراتٍ ضيقًا جدًا. وفي بداية القرن العشرين، اعتقدتِ الدول التي اختارتِ الشيوعية نظامًا، ومن بينها الاتحاد السوفييتي السابق والصين، أن تبنّيها الشيوعية سيرفع من مستوى معيشة شعوبها. وعلى أرض الواقع، أدى التضييق الذي مورس على كافة جوانب حياة الناس هناك إلى انخفاض في مستوى الإنتاجية؛ ومن الأمثلة على ذلك التضييق تحديدُ المهن التي يمكن للناس ممارستها، وأين بوسعهم العمل، وما الذي يمكنهم شراؤه. ولم يكن لدى العمال من محفز يدفعهم إلى العمل بجدٍّ، ولا تقديمِ منتجاتٍ ذات جودة عالية، وذلك لعدم إثابة المجدّ منهم على تفوقه. كما أدتِ الأخطاءُ التي اعترتِ التخطيطَ وتوزيعَ الموارد إلى نقصٍ حتى في السلع الأساسية. وقد كانتِ العوامل المذكورة أعلاه من ضمن الأسباب التي أدت في نهاية المطاف إلى تفكك الاتحاد السوفييتي إلى عدة دول مستقلة. وكان من شأن الإصلاحات الأخيرة التي أُجريت في روسيا، والصين، ومعظم دول أوروبا الشرقية أن دفعت تلك الدول نحو أنظمة اقتصادية أكثر رأسمالية وأقرب إلى نظام السوق الحرة. وبالمقابل، لا تزال كوبا وكوريا الشمالية خير مثال على المتمسكتَين بالنظام الاقتصادي الشيوعي بأمراسٍ من حديد. والوقت كفيل ببيان ما إذا كانت كوبا ستتخذ خطواتٍ صغيرةً باتجاه اقتصاد السوق، في ظل إعادة الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية معها منذ بضع سنواتٍ مَضَت. الاشتراكية هي نظامٌ اقتصادي تخضع فيه الصناعات الأساسية لملكية الحكومة، أو لملكية القطاع الخاص ولكن تحت سيطرة حكومية مُحكَمة؛ إذ تسيطر الحكومة الاشتراكية على الصناعات الأساسية وواسعة النطاق مثل وسائل النقل، والاتصالات، ومؤسسات الخدمات العامة. أما بالنسبة لقطاعات الأعمال الأقل حيوية بالنسبة للبلد، مثل قطاع البيع بالتجزئة، فيمكن أن تُملَك من قبل القطاع الخاص بدرجات متفاوتة، تحدد الدولة أهداف الشركات وقطاعات الأعمال، والأسعار، والسلع، وحقوقَ العمال. وتوفر الدول الاشتراكية عادة مستوىً عاليًا من الخدمات لمواطنيها مثل الرعاية الصحية، والإعانات التي يستفيد منها العاطلون عن العمل، وذلك بشكل أوسع من الذي نراه في الدول ذات النظام الرأسمالي. ففي العام 2017 على سبيل المثال وصل أعلى معدل لضريبة الفرد إلى 45% في فرنسا مقارنة ب 39.6% في الولايات المتحدة. ومع حصول انتخابات رئاسية في كلا البلدين في العام 2017، فقد يكون تخفيض الضريبة تلك أحد الوعود التي يقدمها كلا الرئيسين ماكرون و ترامب كجزء من أجندتهما الاقتصادية الشاملة في السنوات القادمة. ولدى العديد من الدول أنظمة اشتراكية، ومنها المملكة المتحدة، والدنمارك، والهند، ولكنها أنظمةٌ تختلف من بلد لآخر. ففي الدنمارك على سبيل المثال، معظم الشركات مملوكة ومشغّلة من قبل القطاع الخاص، ولكن ثلثي السكان هناك يستفيدون من الدعم الذي تقدمه الحكومة عبر برامج الرفاهية. الأنظمة الاقتصادية المختلطة تعد الرأسمالية والاشتراكية الصّرفتين نظامين اقتصاديين متطرفين، ومن هنا نجد أن اقتصادات العالم في الواقع ما هي سوى مزيجٍ من الاثنين. فبالرغم من نزعة اقتصاد الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة نحو الرأسمالية، ولكنه يعتمد على السياسات الحكومية لضمان تعزيز النمو والاستقرار الاقتصاديين. وإلى جانب ذلك، تمنح الحكومةُ الأموالَ للفقراء، والعاطلين عن العمل، وكبار السن، وذوي الإعاقة، وذلك عبر السياسات والقوانين ذات الصلة. وقد أنتجتِ الرأسمالية الأمريكية بعضَ المؤسسات العظمى على هيئة شركاتٍ، مثل جنرال موتورز ومايكروسوفت. وبغرض حماية فئتَي الشركات الصغيرة ورواد الأعمال المبتدئين، تبنّتِ الحكومةُ تشريعاتٍ تُلزِم بموجبها الشركاتِ العملاقةَ بالتنافس العادل مع المنافسين الصغار. ويطلق على دول مثل كندا، والسويد، والمملكة المتحدة وغيرها، تسمية الدول ذات الاقتصاد المختلط؛ أي إنها تطبق أكثر من نظامٍ اقتصادي واحد. وأحيانًا تكون الحكومة اشتراكية بشكل أساسي وتسيطر على الصناعات الرئيسة. ففي كندا على سبيل المثال، تسيطر الحكومة على وسائل الاتصال والمواصلات ومؤسسات الخدمات العامة، إلى جانب بعض الصناعات التي تقوم على الموارد الطبيعية، كما أنها توفر الرعاية الصحية لمواطنيها. ولكن معظم النشاط التجاري الباقي يجري الاضطلاع به من قبل شركات خاصة كما هو الحال في النظام الرأسمالي. وفي العام 2016 صوّتَ مواطنو المملكة المتحدة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة قد يلزمها سنتان أو أكثر لإتمامها. ومن المبكر جدًا الحديثُ عن التأثير الذي سيتركه ذلك الخروج على اقتصاد المملكة المتحدة وغيرها من الدول حول العالم. وتتضمن عوامل الإنتاج القليلة المملوكة من قبل الحكومة في الاقتصاد المختلط بعض الأراضي العامة، والخدمة البريدية وبعض الموارد المائية. ومع ذلك تكون الحكومة منخرطة بشكل مكثف في النظام الاقتصادي عبر فرض الضرائب والإنفاق وأنشطة الرفاهية. والاقتصاد مختلط كذلك من جهة أن الدولة التي تتبناه تحاول تحقيق أهداف اجتماعية عديدة، منها على سبيل المثال إعادة توزيع الدخل، والمعاشات التقاعدية، وهذا ما لا نشاهد حتى محاولاتٍ للقيام به في النظام الرأسمالي الصرف. أما الآن، فسنتحدث عن مفهومَي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والفرق بينهما. الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي تؤثر حالة الاقتصاد في الناس والشركات على حدٍّ سواءوتعد طريقة إنفاق أموالك (أو ادخارها) قرارًا اقتصاديًا شخصيًا، ومثله قرارُ متابعة دراستك أو العمل بدوامٍ جزئي. كما أن كل شركة تمارس أنشطتها تحت مظلة الاقتصاد، وبناء على التوقعات الاقتصادية خاصتها، تقرر الشركات أي منتجاتٍ ستنتج، وكيفية تسعيرها، وعدد الناس الذين توظفهم، وكم ستدفع لهم من رواتب، وإلى أي مدىً ستوسع أعمالها، وهكذا دواليك. وللاقتصاد مجالان فرعيان رئيسان هما: الاقتصاد الكلي؛ ويُعَرَّف بأنه دراسة الاقتصاد ككل؛ فينظر إلى البيانات الإجمالية الخاصة بمجموعات كبرى من الناس، والشركات، والمنتجات التي تؤخَذ بالحسبان بنظرة شاملة. وعلى العكس من ذلك؛ في حين يركز الاقتصاد الجزئي على الأجزاء الفردية للاقتصاد مثل الوحدات الأسرية أو الشركات. ويقدّم كل من الاقتصاد الكلي و الاقتصاد الجزئي نظرةً قيّمة عن الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، قد تعتمد شركة فورد على كلٍّ منهما لتقرر الشروع في خطّ تصنيعٍ جديد لسياراتها؛ إذ ستأخذ بالحسبان في هذه الحالة عوامل الاقتصاد الكلي مثل مستوى دخل الفرد على الصعيد الوطني، ومعدل البطالة، ومعدلات الفائدة، وتكلفة الوقود، ومستوى مبيعات السيارات الجديدة على المستوى الوطني. أما من ناحية الاقتصاد الجزئي، فإن شركة فورد ستدرس طلب المستهلكين على سيارات جديدة في مقابل العرض المتوفر، وستدرس كذلك الطرازات المنافِسة، وتكاليف العمل والمواد ومدى التوفر، إلى جانب الأسعار الحالية وحوافز المبيعات. الاقتصاد بوصفه تيارًا دائريًا هناك طريقةٌ أخرى للنظر إلى الطريقة التي تتفاعل فيها قطاعات الاقتصاد وهي عبر تفحّص التيار الدائري للمدخَلات والمُخرَجات بين الوحدات الأسرية، والشركات، والحكومات، كما هو مبيَّن في الصورة 1.6. لنراجع عمليات التبادل التي تجري عبر تتبع الدائرة الحمراء داخل الرسم البياني. فالوحدات الأسرية تقدم المُدخَلات (الموارد الطبيعية، والعمل، ورأس المال، وريادة الأعمال، والمعرفة) للشركات التي بدورها تحوَل تلك المدخلات إلى مخرَجات (سلع وخدمات) للمستهلكين. وفي المقابل، تتلقى الوحداتُ الأسرية الدخل من الإيجار، والأجور، والفائدة، وفوائد الملكية (الدائرة الزرقاء)، بينما تحصل الشركات على العائدات من عمليات الشراء التي يقوم بها المستهلكون للسلع والخدمات. أما عملية التبادل المهمة الأخرى في الصورة 1.6، فتجري ما بين الحكومات (فدرالية، ولايات، محلية) وبين كل من الوحدات الأسرية والشركات. في حين تُقّدم الحكوماتُ أنواعٍ عديدة من السلع والخدمات المقدَّمة للعموم (مثل الطرق السريعة، والمدارس، والشرطة، والمحاكم، والخدمات الصحية، وتأمين البطالة، والضمان) والتي يستفيد منها المستهلكون والشركات. كما أن عمليات الشراء التي تقوم بها الحكومة من الشركات تساهم في العائدات التي تتلقاها تلك الشركات؛ فمثلًا عندما تتولى شركةٌ إصلاح طريق سريع، فإن الحكومة تدفع لقاء ذلك العمل. وكما يُظهِر الرسمُ البياني، تتلقى الحكومة الضرائب من الشركات والوحدات الأسرية لتكمل التيار الدائري الذي نتحدث عنه. وتؤثر التغيرات التي تطرأ على أحد التيارات في التيارات الأخرى؛ فلو رفعتِ الحكومة الضرائب، سيقل إنقاقُ الوحدات الأسرية على السلع والخدمات، ويؤدي تدنَي إنفاق المستهلكين إلى تخفيض الشركاتِ إنتاجَها، ويقل النشاط الاقتصادي، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة. وعلى النقيض من ذلك، قد يؤدي تخفيض الضرائب إلى تحفيز النشاط الاقتصادي.ستغدو الطريقة التي تتفاعل فيها القطاعاتُ الاقتصادية أكثر وضوحًا ما إن نستكشفِ الاقتصاد الكلي والجزئي بمزيدٍ من التفصيل. الصورة 1.6: الاقتصاد كتيار دائري: (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)/ أوبن ستاك (OpenStax)) الاقتصاد الكلي: الصورة الشاملة كيف يؤشر النمو الاقتصادي، والتوظيف الكامل، واستقرار الأسعار، والتضخم، إلى التعافي الاقتصادي لبلدٍ ما؟ هل سبق لك أن شاهدت خبرًا في عناوين نشرات الأخبار على هاتفك الجوال، أو شغّلتَ المذياع فسمعتَ خبرًا مثل: "أصدرت وزارة العمل تقريرًا يفيد بانخفاض معدل البطالة للشهر الثاني على التوالي"؟ إن تصريحاتٍ كهذا تتدرج تحت الأخبار الخاصة بالاقتصاد الكلي. إن فهم الاقتصاد الوطني وكيف تؤثر تغييرات السياسات الحكومية في الوحدات الأسرية والشركات يمثل خيرَ مُستَهَلٍ لبدء دراسة علم الاقتصاد. فلنلقِ في البداية نظرةً إلى أهداف الاقتصاد الكلي وكيف يمكن تحقيقها. وللدول الاقتصادية الكُبرى مثل الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى ثلاثة أهداف رئيسة خاصة بالاقتصاد الكلي وهي: النمو الاقتصادي، والتوظيف الكامل، واستقرار الأسعار. ويعتمد الرفاه الاقتصادي لدولةٍ ما على التحديد المتأني لهذه الأهداف، وعلى انتقاء أفضل السياسات الاقتصادية الكفيلة بتحقيقها. السعي نحو النمو الاقتصادي ربما يكون النظرُ إلى إنتاج دولةٍ ما للسلع وتقديمها للخدمات أهمَّ وسيلة للحكم على مدى التعافي الاقتصادي الذي تتمتع به؛ فكلما زاد إنتاجُ دولةٍ ما، ارتفع مستوى المعيشة لديها. فالنمو الاقتصادي لدولة ما هو ارتفاع معدل السلع التي تنتج والخدمات التي تقدم. ويتجلى أهم مقياس لمستوى النمو الاقتصادي لدولة ما فيما يسمى الناتح المحلي الإجمالي (GDP) الذي يمثّل القيمة السوقية الإجمالية لجميع السلع والخدمات، المنتَجة والمقدَّمة، في مرحلتها النهائية ضمن حدود دولةٍ ما كل عام. وينشر مكتب إحصاءات العمل نِسَبًا فصلية خاصة بالناتج المحلي الإجمالي والتي يمكن استخدامها لمقارنة التوجهات في مخرجات الإنتاج على المستوى الوطني. كما أن معدل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (وهو الناتج المحلي الإجمالي المعدل على أساس التضخم) مهم أيضًا. وقد باتَ اقتصاد بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة ينمو بمعدل بطيء، ولكن ثابت، يتراوح بين 3 و 4 بالمئة سنويًا. ويعني معدلُ النمو هذا ارتفاعًا ثابتًا في إنتاج السلع والخدمات، ومستوى بطالةٍ منخفضًا نسبيًا. وعندما يصل معدل النمو إلى الصفر، يبدأ الاقتصادُ في الركود والتراجع. أما الاقتصاد الآخذ في النمو بسرعة لا نظيرَ لها في معظم اقتصادات العالم، فهو اقتصاد الصين التي ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بمعدل يتراوح بين 6 و7 بالمئة سنويًا؛ إذ قلّما نجد شيئًا في السوق العالمية لا يُصنَع في الصين، والتي يعود الفضل في نموها المتسارع إلى التكنولوجيا بشكل رئيس. فعلى سبيل المثال، تصنع الصين معظم الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة الموجودة في العالم. إن مستوى النشاط الاقتصادي في تغير مستمر، ويُطلق على تلك التغيرات المتمثلة في الصعود والهبوط الاقتصادي تسمية الدورات الاقتصادية. وتتنوع تلك الدورات الاقتصادية في طولها، وإلى أي مدى يتحرك الاقتصاد صعودًا أو هبوطًا، وإلى أي مدى يتأثر ذلك الاقتصاد. وتتبَعُ التغيراتُ في الناتج المحلي إجمالي الأنماطَ المترافقة مع اتساع النشاط الاقتصادي وتَقَلُّصِه؛ إذ تؤدي الزيادة في النشاط الاقتصادي إلى زيادة في الإنتاج، وارتفاع في الدخل، والتوظيف، والأسعار. وفي نهاية المطاف، يبلغ كل ما سبق الذروةَ، ثم يأخذ الإنتاج، والدخل، والتوظيف في الانخفاض. ويسمى الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الذي يستمر لفترتين فصليتين (يمتد كلٌّ منهما لثلاثة أشهر) ركودًا. ويعقِبُ ذلك فترةُ تعافٍ يعاود فيها النشاطُ الاقتصادي ارتفاعَه. أما آخرُ ركود حصل، فكانَ في شهر ديسمبر من عام 2007 وامتد لغاية حزيران من عام 2009. وعلى الشركات مراقبةُ الفترات التي تتخللها تغيراتٌ ضمن الدورة الاقتصادية وأن تقوم بردّة فعل تجاهها. وعندما يكون الاقتصاد في حالة نمو، غالبًا ما تواجه الشركاتُ صعوباتٍ في توظيف أشخاص ذوي كفاءة وفي العثور على مستلزمات إنتاجٍ وموادٍ خام. وعندما يضربُ الركودُ الاقتصادَ، يجد العديد من الشركات أن لديها من القدرة أو الكفاية لإنتاج سلع وتقديم خدمات تفوق الطلب الوارد عليها. وخلال الركود الأخير، عَمِلَ العديدُ من الشركاتِ بمستوىً إنتاجيِّ أقلِّ بكثير من طاقتها. وعندما تُشغِّلُ المصانعُ جزءاً واحدًا فقط من طاقتها الإنتاجية، فإنها تعمل بدون فعالية وتتكلّفُ المزيدَ منَ المصاريف على كل وحدةٍ تنتجها. فلنقُل إن شركة صناعة الشوكولا مارس لديها مصنعٌ ضخم بوسعها إنتاج مليون لوحِ شوكولا ميلكي وي (Milky Way) في اليوم الواحد، ولكن بسبب الركود، فلا يمكنها إنتاج سوى نصف مليون لوح في اليوم. ويستعمل مصنع شركة مارس آلاتٍ ضخمة وباهظة الثمن. ولذا، إن إنتاج تلك الشركة للشوكولا بنسبة النصف فقط تمنعها من الاستفادة بفعالية من استثمارها في مصنعها والآلات التي يحتويها. إبقاء الناس في العمل من أهداف الاقتصاد الكلي الأخرى هو التوظيف الكامل؛ ويعني توفيرَ العمل لكل راغبٍ وقادر على ذلك. ولا يعني التوظيفُ الكامل توفيرَ وظائف بنسبة 100% في الواقع، إذ يختار بعضُ الناس ألا يعملوا وذلك لأسباب شخصية (مثل الدوام في الجامعة أو تربية الأطفال)، أو قد يكونون لا يعملون مؤقتًا بانتظار حصولهم على عملٍ جديد. ولذلك، تُعرِّف الحكومةُ التوظيفَ الكامل بأنه الوضع الذي يكون فيه ما نسبته 94 إلى 96% من أولئك المتوفرين للعمل يعملون فعليًا. وخلال الركود الذي ساد بين عامي 2007 و2009 في الولايات المتحدة، بلغتِ البطالةُ أوجَها عند نسبة 10% في أكتوبر من العام 2009، أما اليوم فنسبة البطالة تتأرجح عند نسبة 4%. ويعد الحفاظُ على مستوى بطالةٍ متدنٍّ الشغلَ الشاغلَ ليس فقط للولايات المتحدة، بل أيضًا لباقي دول العالم. فعلى سبيل المثال، لا تزال معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الشباب (العمال من سن الخامسة والعشرين وما فوق) في إيطاليا وإسبانيا واليونان تقف وراء المظاهرات المُندّدة بنسب البطالة في تلك الدول الأوروبية، والتي يجهد فيها المسؤولون المنتخَبون لاجتراحِ حلولٍ في اقتصاداتهم ذات الصلة وإعادة الناس، وخصوصًا الشبابَ منهم، إلى العمل مجددًا. وقد يكون لخروجِ المملكة المتحدة المُرتَقَب من الاتحاد الأوروبي تأثيرًا يطالُ معدلات البطالة، مع توجُّه الشركات العالمية إلى نقلِ الأعمال خارج بريطانيا باتجاه دولٍ أوروبية مركزية، مثل بولندا. قياس البطالة تقيس الحكومةُ معدَّلَ البطالة لتحديد مدى قربها من التوظيف الكامل، ويشير ذلك المعدل إلى النسبة المئوية للقوة العاملة الكلية العاطلة عن العمل والدائبة في البحث عنه. ويُستثنى من ذلك "العمالُ مُثبَطو الهمة"؛ أي الذين لا يبحثون عن عملٍ ظنًا منهم بأن لا أحد سيوظفهم. وتصدر وزارة العمل في الولايات المتحدة إحصاءاتٍ حول البطالة مرة كل شهر؛ إذ تساعد تلك النِّسب في الاطّلاع على وضع الاقتصاد الكلي في الدولة. أنواع البطالة يُصنِّف الاقتصاديونَ البطالةَ في أنواعٍ أربعة، هي: البطالة الاحتكاكية، والبطالة الهيكلية، والبطالة الدورية، والبطالة الموسمية. وتمثل تلك الفئات عزاءً بسيطًا لعاطلٍ عن العمل، ولكنها تساعد الاقتصاديين على فهم مشكلة البطالة في بلدنا. البطالة الاحتكاكية: هي بطالة قصيرة الأمد ولا ترتبط بالدورة الاقتصادية. وتتضمن أولئك الذين لا يعملون في الوقت الراهن، بينما ينتظرون الالتحاق بعملٍ أفضل. كما تضم أولئك الذين يعاودون دخول سوق العمل، وأولئك الذين يدخلونه للمرة الأولى، مثل خريجي الجامعات الجدد. ويوجد هذا النوع من البطالة طوال الوقت، ولكن تأثيرَه على الاقتصاد ضئيلٌ. البطالة الهيكلية: وهي أيضًا غير مرتبطة بالدورة الاقتصادية، ولكنها بطالة لا يمكن التحكم بها، يسببها عدمُ التوافق بين فرص العمل المتوفرة ومهارات العمال المتاحين في مجالٍ صناعي أو منطقة ما؛ فمثلًا في حال انخفض معدل الولادات، فستقل الحاجة لعدد كبير من المدرِّسين، أو قد لا تتوفر في العمال الموجودين في منطقة معينة المهاراتُ التي يطلبها أصحاب العمل. ومن هنا تنبع الحاجة إلى برامج إعادة تدريب وبناء مهارات للتقليل من انتشار هذا النوع من البطالة. البطالة الدورية: كما يدل اسمُها، تحدث هذه البطالة عندما يؤدي هبوطٌ في الدورة الاقتصادية إلى تخفيض الطلب على العمل على مستوى الاقتصاد ككل. وفي الركود الاقتصادي الطويل، يغدو هذا النوع من البطالة واسع الانتشار لدرجةٍ يعجز معها حتى ذوو الكفاءة عن إيجاد وظائف. وبوسع الحكومة اتخاذُ إجراءاتٍ مضادة لمواجهة هذه البطالة جزئيًا عبر برامج من شأنها تعزيزُ الاقتصاد. وفي السابق، كانتِ البطالة الدورية تؤثر في العمال ذوي المهارات المتواضعة وفي أولئك العاملين في مجال الصناعات الثقيلة؛ وعادةً ما يُعاد توظيف هؤلاء حالما يرتفع النمو الاقتصادي. وفي التسعينات من القرن العشرين، أجبرتِ المنافسةُ العديدَ من الشركات الأمريكية على تقليص حجمها حتى تضمن بقاءها في السوق العالمية، وكان لتقليص عدد العمال ذاك آثارٌ طالتِ العمالَ بكافة فئاتهم بمن فيها الموظفون في مستوى الإدارة الوسطى أو التنفيذية وغيرهم من الموظفين برواتب ثابتة. ولا تتوقف الشركاتُ عن إعادة تقييم متطلبات القوى العاملة لديها ولا عن تخفيض حجمها لتُنافِس الشركات الموجودة في آسيا، وأوروبا، والشركاتِ الأخرى في الولايات المتحدة. وبعد الانتعاس القوي الذي أعقبَ الركود الذي امتد من عام 2007 حتى 2009، والذي سرَّحت خلاله شركاتُ صناعة السيارات أكثرَ من مئتَي ألف من العاملين بالساعة والعاملين بمرتب ثابت، نجد بعد تلك الفترة شركات صناعة السيارات تعيد النظر بتأنٍ في حجم القوى العاملة لديها على المستوى العالمي. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد القوى العاملة لدى شركة فورد السيارات بنسبة 25% في أمريكا الشمالية خلال السنوات الخمس الفائتة، وذلك بالتزامن مع الارتفاع الثابت في مبيعاتها من السيارات والذي أعقبَ الركود المذكور. أما بعد دخول مبيعات السيارات في مرحلة ركود في العام 2017، فقد صرّحت شركة فورد مؤخرًا عن نيَّتِها في تخفيض حجم القوى العاملة لديها بنسبة 10% في مسعىً منها لتقليل النفقات، وتعزيز الأرباح، ورفعِ قيمتها السهمية لجذب المستثمرين. أما النوع الأخير من أنواع البطالة فيُعرَف بالبطالة الموسمية؛ وهي التي تسود خلال فترات محددة من السنة في بعض القطاعات الإنتاجية. الحفاظ على ثبات الأسعار يتمثل الهدف الثالث للاقتصاد الكلي في إبقاء الأسعار الإجمالية للسلع والخدمات ثابتة نسبيًا. ويُعرَف الوضعُ الذي ترتفع خلاله الأسعار الوسطية للسلع والخدمات بالتضخم، إذ يؤدي ارتفاع الأسعار بفعل التضخم إلى انخفاض القوة الشرائية، أي قيمة ما يمكن شراؤه بالمال. وتستند القوة الشرائية إلى أمرين اثنين يحددانه، هما التضخم والدخل؛ ففي حال ارتفاع الدخل بذات المستوى الذي يرتفع فيه التضخم، فلا يطرأ على القوة الشرائية أي تغيير. أما في حال ارتفاع الأسعار مع بقاء الدخل ثابتًا، أو مع ارتفاع الدخل ولكن بمعدلٍ أدنى من التضخم الحاصل، فيصبح مبلغٌ محدد من المال قادرًا على شراء كمية منتجاتٍ أقل مما سبق ذلك التضخم، وتنخفض بفعل ذلك القوةُ الشرائية. فمثلًا لوِ ارتفع سعر سلة الخضروات من 30 إلى 40 دولارًا، ولكن راتبك بقي كما هو، فلا يمكنك عندها أن تشتريَ بثلاثين دولارًا سوى 75% من سلة الخضروات تلك (30$ ÷ 40$). وبذلك تكون قوتك الشرائية قدِ انخفضت بمعدل 25% (10$ ÷40$). أما في حال ارتفاع الدخل بمعدل أسرع من التضخم، فتزداد لديك القوة الشرائية. ولذا، يمكنك في الواقع أن تحظى بقوة شرائية مرتفعة حتى مع ارتفاع التضخم، ولكن التضخم مع ذلك عادةً ما يرتفع بمعدل أسرع من الدخل، ويسبب ذلك انخفاضًا في القوة الشرائية. وللتضخم تأثيرٌ يطال القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات؛ فعندما ترتفع الأسعار، يجنح الأفرادُ إلى إنفاق مالٍ أكثر لشراء احتياجاتهم الحالية والمستقبلية، وذلك قبل أن تنخفض القوة الشرائية لأموالهم بشكل أكبر. كما تلجأ الشركات التي تتوقع حصول تضخم إلى زيادة مستلزمات الإنتاج التي تحتاجها، وينطبق ذلك على الأفراد أيضًا والذين يسرّعون اتخاذ القرارات الخاصة بشراء سياراتٍ وأجهزة كبيرة. وفي الفترة ما بين أوائل الألفينات وشهر نيسان من عام 2017، كان التضخم في الولايات المتحدة في مستوىً متدنٍ جدًا وذلك ضمن النطاق الممتد بين 0.1 و 3.8%، بينما كانت نسبته 1.3% في العام 2016. وعلى سبيل المقارنة، شهدتِ الولاياتُ المتحدةُ في ثمانيات القرن العشرين فتراتِ تضخمٍ تراوحت نسبته ضمن نطاق 12 إلى 13%. وتشهد بعض الدول في السنوات الأخيرة مستويات تضخم مرتفعة وصلت إلى خانتين، وأحيانًا ثلاث خانات من الأرقام؛ ففي أوائل العام 2017، وصل معدل التضخم في فنزويلا إلى مستوىً صادمٍ بلغ 741%، وجاءت بعدها جمهورية جنوب السودان بمعدل تضخمٍ بلغ 273%. الصورة 1.7 نسبريسو: باتَ مشترو قهوة نسبريسو، وألواح الشوكولا كيت كات، وطعام الحيوانات الأليفة من ماركة بورينا، يدفعون المزيد من المال للحصول على تلك السلع بسبب رفع عملاق صناعة الأطعمة العالمي، نستله، أسعاره. فقد مثَّل رفعُ تكاليف المُدخَلات، كتكاليف المواد الأولية، صعوباتٍ لشركات الأطعمة، مما أدى إلى رفع أسعار الإنتاج، والتغليف، والنقل. كيف يمكن لمؤشر أسعار الإنتاج (PPI) التأثيرُ في مؤشر أسعار الاستهلاك (CPI) ولماذا؟ (حقوق الصورة محفوظة ل كارليس دامبرانس (Karlis Dambrans)/ فليكر) أنواع التضخم هناك نوعان للتضخم؛ الأول هو تضخم زيادة الطلب، ويحدث عندما يكون الطلب على السلع والخدمات أكبر من المعروض منها، إذ يكون لدى المشترين المحتَملين مبلغٌ من المال يفوق المبلغَ الذي يتطلبه شراءُ السلع والخدمات المتوفرة؛ فيؤدي طلبُهم الوارد على تلك السلع والخدمات، والذي يفوق العرضَ، إلى رفع أسعارها. ويوصف هذا الوضع أحيانًا بجملة: "كثيرٌ من المال يُطارد قليلًا من السلع". وينتج عن الأسعار المرتفعة عرضٌ كبير، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث توازنٍ بين العرض والطلب. أما النوع الثاني للتضخم، فهو تضخم ارتفاع التكاليف الذي يسببه ارتفاعُ تكاليف الإنتاج، مثل النفقات اللازمة لشراء المواد اللازمة للإنتاج ودفع أجور العاملين. ويؤدي ذلك الارتفاع إلى زيادة أسعار السلع والخدمات النهائية. وتعد الزيادة في الأجر سببًا رئيسًا لتضخم ارتفاع التكاليف هذا، والذي يولّد ما يعرف بدوّامة الأجور والأسعار. فلنفترض على سبيل المثال أن اتحاد عمال السيارات سعى لإبرام اتفاق يرفع الأجور بنسبة 3% كل سنة ويرفع كذلك مقابل العمل الإضافي. في هذه الحال، سيرفع مصنعو السيارات أسعارها لتغطية تكاليف العمل المرتفعة تلك. كما أن الأجور المرتفعة ستمنح العاملين في قطاع السيارات مزيدًا من المال الذي يمكّنهم من شراء مزيد من السلع والخدمات. ولذا، قد يؤدي العرضُ المرتفع من جراء ذلك إلى رفع أسعارٍ أخرى. كما سيطالب العمال في قطاعات صناعية أخرى بزيادة أجورهم لمواكبة ارتفاع الأسعار، وستؤدي هذه الدوامة إلى رفع الأسعار أكثر. كيف يُقاس التضخم؟ يُقاس معدل التضخم في الغالب عبر النظر إلى ما يسمى مؤشر أسعار الاستهلاك (CPA) وهو مؤشر لأسعار "سلة السوق" الخاصة بالسلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون النموذجيون في المدن. ويُنشَر هذا المؤشر شهريًا من قبل وزارة العمل في بعض الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة. وتتضمن العناصر الرئيسة لمؤشر أسعار الاستهلاك، والتي تُرجَّح حسب أهميتها، تتضمّن الأطعمةَ والمشروبات، والملابس، ووسائل النقل، والإسكان، والرعاية الصحية، والترفيه والتعليم. وهناك مؤشرات خاصة بالطعام والطاقة. وتجمع وزارة العمل حوالي 80 ألفًا من قوائم الأسعار التي يمنحها البائع للمشتري، و 5 آلاف من البيانات الخاصة بمقابل إيجار السكن، لحساب مؤشر أسعار الاستهلاك. ويحدد مؤشر أسعار الاستهلاك الأسعار في فترة أساس عند 100. ويجري اختيار فترة الأساس، والتي هي الآن 1982-1984، بسبب استقرار الأسعار فيها. ثم يُعبَّر عن الأسعار الحالية على شكل نسبة مئوية مقارنة بالأسعار في فترة الأساس. ويعني الارتفاع في مؤشر أسعار الاستهلاك أن الأسعار ترتفع، فعلى سبيل المثال كان مؤشر الاستهلاك في الولايات المتحدة 244.5 في نيسان من العام 2017، وهذا يعني أن الأسعار قدِ ارتفعت لأكثر من الضعف منذ فترة الأساس 1982-1984. كما تشكّل التغيرات في أسعار البيع بالجملة مؤشرًا مهمًّا آخر على التضخم. ويقيس مؤشر أسعار الإنتاج (PPI) الأسعارَ التي يدفعها المنتجون وتجار الجملة مقابل المستلزمات المتنوعة مثل المواد الأولية، والسلع النهائية جزئيًا، والمنتجات النهائية. ويمثل مؤشر أسعار الإنتاج، الذي يتخذ من سنة 1982 فترةَ أساس، مجموعةً من المؤشرات لفئات إنتاجٍ عديدة مختلفة، بما في ذلك السلع الأولية (المواد الخام)، والسلع الوسيطة (التي تغدو جزءًا من السلع النهائية)، والسلع النهائية. على سبيل المثال، كان مؤشر أسعار الإنتاج للسلع النهائية في الولايات المتحدة 197.7 في نيسان من العام 2017، أي بزيادةٍ بلغت 3.9 نقطة، و 105.6 للمواد الكيمائية، أي بزيادة بلغت 3.8 نقطة منذ نيسان لعام 2016. ومن الأمثلة الأخرى على مؤشرات أسعار الإنتاج: الأطعمة المعالجة، والأخشاب، والحاويات، والوقود ومواد التشحيم، والمعادن، ومواد البناء. ونظرًا إلى أن مؤشر أسعار الإنتاج يقيس الأسعار التي يدفعها المنتجون مقابل المواد الخام، والطاقة، وسواهما من مستلزمات، فيمكن له أن يتنبأ بتغيرات الأسعار اللاحقة بالنسبة للشركات والمستهلكين. تأثير التضخم للتضخم تأثيراتٌ سلبية عديدة على الناس والشركات، من بينها أنه يضر بأصحاب الدخول الثابتة. فلنفترض أن زوجين يحصلان على 2000 دولار شهريًا بعد تقاعدهما بدءًا من عام 2018، ففي حال ارتفع معدل التضخم بمقدار 10% في عام 2019، فلن يكون بوسعهما شراء سوى 91% (100! 110) مما كان يمكنهما شراؤه في العام 2018. كما أن تأثير التضخم يطال المدّخرين؛ فمع ارتفاع الأسعار ستنخفض القيمة الحقيقية، أو القوة الشرائية، للمال المدَّخَر. تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي كيف توظف الحكومات سياساتها الضريبية والمالية لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي خاصتها؟ لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، على الحكومات الاختيار من ضمن بدائل متعارضة مع بعضها؛ إذ تطغى العوامل السياسية في الأهمية على الاحتياجات الاقتصادية أحيانًا. فعلى سبيل المثال قد تؤدي محاولة السيطرة على التضخم إلى فترةٍ سياسية عصيبة تتخللها بطالة عالية وانخفاض في النمو الاقتصادي. أو قد يرفض السياسيون رفع الضرائب في عام الانتخابات لكبح جماح التضخم. ومع ذلك، على الحكومة أن تحاول توجيه الاقتصاد إلى مستوى متوازن من النمو الاقتصادي والتوظيف واستقرار الأسعار، وتعد السياستان المالية والضريبية الأداتين الرئيستين بيد الحكومة لتحقيق ذلك. السياسة المالية تشير السياسة المالية إلى البرامج الحكومية الرامية إلى السيطرة على الكتلة المالية التي يجري تداولها في السوق وعلى معدلات الفائدة كذلك. وتؤثر التغييرات في العرض النقدي في كل من مستوى النشاط الاقتصادي ومعدل التضخم. ويتولى جهاز نظام الاحتياطي الفدرالي، الذي يمثل النظام المصرفي المركزي في الولايات المتحدة، طباعة النقود وتحديد الكمية التي سيجري تداولها منها. كما يجري التحكم في العرض النقدي عبر تنظيم نشاطاتٍ بنكية محددة من قبل جهاز الاحتياطي الفدرالي. وعندما يرفع جهاز الاحتياطي الفدرالي كمية المال المتداول أو يخفضها، يؤثر ذلك في معدلات الفائدة (أي كلفة اقتراض المال وعائدات إقراضه). ويمكن للاحتياطي الفدرالي تغيير معدل الفائدة على الأموال التي يقرضها للبنوك لإخطار النظام المصرفي والأسواق المالية بأنه أجرى تغييرات في سياسته المالية. ولتلك التغييرات تؤدي إلى حدوث الأثر المتموّج (الأثر المُضاعف)؛ فالمصارف بدورها قد تنقل ذلك التغيير إلى الزبائن والشركات؛ وكلاهما يتلقى قروضًا من تلك المصارف. فإذا ارتفعت تكلفة الاقتراض، يتباطئ الاقتصاد لأن معدل الفائدة يؤثر في قرارات الأفراد والشركات المتعلقة بالإنفاق والاستثمار. وأكثر القطاعات التي تشهد ردات فعل تجاه التغيرات في معدل الفائدة هي قطاع الإسكان، وقطاع الأعمال، وقطاع الاستثمارات. ونتيجة الركود الذي ساد بين عامي 2007 و2009، والأزمة المالية العالمية التي أعقبته، خفّض الاحتياطي الفدرالي معدل الأموال الفدرالية، أي معدل الفائدة المستوفاة عن قروض الليلة الواحدة بين البنوك، إلى صفر بالمئة في كانون الأول من العام 2008، وأبقى على معدل الفائدة هذا حتى كانون الأول من العام 2015 فرفع الفائدة بنسبة 0.25%. وقد مثَّل هذا القرار أول زيادةٍ في معدل الأموال الفدرالية منذ حزيران من عام 2006 عندما كان معدل الأموال الفدرالية 5.25%. وبينما يستمر اقتصاد الولايات المتحدة في إظهار نموٍّ بطيء ولكن ثابت، قام الاحتياطي الفدرالي في نهاية المطاف بزيادة معدل الأموال الفدرالية إلى نطاقٍ يترواح بين 0.75 و 1% في آذار من العام 2017. وكما هو متوقع، فقد كان لهذا التغيير تأثير متموج (تأثيرٌ مُضاعف)؛ إذ رفعت بنوكُ الاحتياطي الفدرالي الإقليميةُ معدلَ الخصم الذي تتقاضاه من البنوك التجارية عن القروض قصيرة الأجل، وبدورها رفعتِ البنوك التجارية معدل الفائدة التي تتقاضاها من زبائنها. ولم تكن شركاتُ بطاقات الائتمان استثناءً؛ إذ رفعت معدل النسبة السنوية التي تتقاضاها من زبائنها عمّا في بطاقاتهم الائتمانية من رصيدٍ مالي. وكما ترى، بوسع الاحتياطي الفدرالي عبر السياسة المالية التي يطبقّها أن يُدخِل الاقتصاد في نموٍّ أوِ انكماش. فبتطبيقه السياسةَ المالية الانكماشية، يحد الاحتياطي الفدرالي من العرض المالي، أو يضيّقه، عبر بيع السنداتِ الحكومية أو رفع معدل الفائدة. وينتج عن هذا الوضع نمو اقتصادي بطيء ونسبة بطالةٍ أعلى. إذًا، تخفض السياسةُ الانكماشية من الإنفاق وتؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض مستوى التضخّم. وعلى العكس، يزيد الاحتياطي الفدرالي عبر السياسة المالية التوسعية من نمو العرض النقدي، أو يخفف عنه القيود التي تمنع تحقق ذلك النمو. ومن شأن السياسة التوسعية تلك أن تحفز الاقتصاد، ويشهد معدل الفائدة انخفاصًا وهذا ما يرفع معدل الإنفاق من قبل الشركات والمستهلكين، وينخفض معدل البطالة مع توسع الأعمال التجارية. ولكن لزيادة العرض النقدي جانبٌ سلبيٌّ يتمثل في أن زيادة الإنفاق يدفع بالأسعار صعودًا، فيزيد بالتزامن مع ذلك معدلُ التضخم. الصورة 1.8: جيروم باول يعد رئيس مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفدرالي، السيد جيروم باول، واجهةَ السياسة المالية في الولايات المتحدة. وقد تسلَّم منصبَه هذا خلَفًا للسيدة جانيت يلين، التي كانت أول امرأةٍ تُعيَّن كرئيس للاحتياطي الفدرالي. ما هي المسؤولياتُ الملقاة على عاتق رئيس مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفدرالي؟ (حقوق الصورة محفوظة للاحتياطي الفدرالي / فليكر/ أعمال حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) السياسة الضريبية تمثّل السياسة الضريبية الأداة الاقتصادية الأخرى التي تستعملها الحكومة، وتتعلق هذه السياسة بالبرامج الحكومية الخاصة بالإنفاق وفرض الضرائب. فيمكن للحكومة تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق. ألقِ نظرة أخرى على الصورة 1.6. فكلما ازداد شراءُ الحكومة من الشركات، ارتفع إنتاجُ هذه الأخيرة وعائداتُها. وعلى المنوال ذاته، كلما قلَّ ما على الشركات والمستهلكين دفعُه من ضرائب، زادت دخولُهم التي يمكن لهم إنفاقُها على السلع والخدمات. وبذلك، تؤثر السياساتُ الضريبيةُ في الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة في القراراتِ الاقتصادية، وقد تؤدي الضرائب التي تُفرَض على الشركات في الولايات المتحدة إلى جعل منافستها للشركات في دول أخرى ذات ضرائب منخفضة أمرًا صعبًا. ونتيجةً لوضعٍ كهذا، قد تختار تلك الشركاتُ إقامة منشآتها في دول خارج الولايات المتحدة لتخفف عن عاتقها عبء الضرائب المرتفعة. لا أحد منا يحب دفع الضرائب، ولكننا نتصالح على مضض مع فكرة أن علينا فعلّ ذلك. وبالرغم من أن معظم الأمريكيين يشتكون من ارتفاع الضرائب التي يدفعونها، ولكنهم في الواقع يدفعون ضرائب لكل فرد أقل من تلك التي يدفعها مواطنو دولٍ عديدة شبيهة بالولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تمثل الضرائب في الولايات المتحدة نسبة أقل من الدخل الصافي والناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمعظم الدول الأخرى. ولا شك في أن الضرائب تمثل مصدر عائداتٍ ضخمًا لحكومة الولايات المتحدة؛ فكل سنةٍ يجهز الرئيسُ ميزانيةً للسنة التي تليها مبنيةً على العائدات وعمليات الإنفاق المتوقعة. يتلقى الكونغرس تقرير رئيس الولايات المتحدة وتوصياته بخصوص الميزانية، ويمضي عادةً شهورًا يناقش خلالها الميزانية المقترحة ويحللها. ويجري دائمًا إدخالُ كثير من التعديلات على الاقتراح الأصلي للرئيس الخاص بالميزانية، وذلك بطرقٍ شتى. وتُظهِر الصورة أدناه مصدرَ العائدات والنفقات بالنسبة لميزانية الولايات المتحدة. الصورة 1.9: عائدات الميزانية الفدرالية ونفقاتها. المصدر: "وزارة الخزانة الأمريكية، "البيان النهائي الشهري للخزانة الأمريكية الخاص بنفقات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وإيراداتها للسنة المالية 2016". وبالرغم من أن للسياسة الضريبية تأثير كبير على قطاع الأعمال والمستهلكين، فإن الزيادات المستمرة في الإنفاق الحكومي تطرح مشكلة أخرى مهمة، فعندما تأخذ الحكومة مزيدًا من الأموال من الشركات والمستهلكين (القطاع الخاص)، تحدث ظاهرةٌ تُسمى المزاحمة الاقتصادية. وفيما يلي ثلاثة أمثلة عن هذه الظاهرة: تنفق الحكومةُ أكثر على المكتبات العامة، فيشتري الأفراد كتبًا أقل من متاجر الكتب. تنفق الحكومة أكثر على التعليم العام، فينفق الأفرادُ أقل على التعليم الخاص. تنفق الحكومة أكثر على وسائل النقل العام، فينفق الأفراد أقل على وسائل النقل الخاص. بتعبير آخر، يُزاحمُ الإنفاقُ الحكومي الإنفاقَ الخاص. وفي حال فاقَ إنفاقُ الحكومة على البرامج (مثل الخدمات العامة، والتعليم، والدفاع) ما تجمعه من ضرائب، كانتِ النتيجةُ عجزًا في الميزانية الفدرالية. ولإعادة التوازن إلى الميزانية، تعمد الحكومة إلى تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب، أو تلجأ إلى إجراء مزيجٍ من هذين الإجراءين. وعندما لا تنجح في إعادة التوازن إلى الميزانية، فعلى الحكومة سد أي عجزٍ يحدث عبر الاقتراض (تمامًا مثل أي شركةٍ أو وحدةٍ أسرية). وفي العام 1998، وللمرة الأولى خلال جيلٍ كامل في الولايات المتحدة، حدثَ فائضٌ في الميزانية الفدرالية (أي تَجَاوزُ العائداتِ للإنفاق) بمقدار بلغ حوالي 71 مليار دولار، ولكنه كان فائضًا مؤقتًا. أما في العام 2005، فقد بلغ العجز في الميزانية حوالي 318 مليار دولار. وفي السنة المالية لعام 2009، بلغَ العجز الفدرالي مستوًى لم يشهده من قبل، وذلك بأكثر من 1.413 تريليون دولار. وبعد مضيّ ست سنوات على ذلك، أي في نهاية السنة المالية للعام 2015، انخفض ذلك العجز إلى نحو 438 مليار دولار. وقد أدارتِ حكومة الولايات المتحدة عجز الموازنة لسنواتٍ عديدة. ويُعرَف المجموع التراكمي لتلك العُجوزات السابقة بالدَّين القومي، والذي يبلغ الآن حوالي 19.8 تريليون دولار، أي حوالي 61.072 ألف دولار إذا ما قُسِّمَ ذلك المبلغ على كل رَجل وامرأة وطفل في الولايات المتحدة. وتبلغ الفائدة الإجمالية المترتبة على ذلك الدَّين أكثر من 2.5 تريليون دولار كل عام. ولسدّ ذلك العجز، تقترض الحكومة الأمريكية المال من الأفراد والشركات عبر السندات وأذون الخزينة، وهي إقراراتٌ بالدَّين تمنح فوائدَ لمالكيها. ويمثّل الدَّين القومي مسألةً عاطفية، لا تُناقش في أروقة الكونغرس فحسب، بل يجري تداولها أيضًا على ألسنة العامة من الناس. ويرى البعض أن العجوزات في الميزانية تسهم في النمو الاقتصادي والتوظيف العالي واستقرار الأسعار، بينما يتحفظ آخرون على دّينٍ قومي مرتفع كهذا، وتلك التحفظات هي: ليسَ الجميعُ بحاملي سندات: تعي الجكومةُ جيدًأ من يتحمّل عبء الدَّين القومي وتتتبَّع حاملي السندات. ففي حال كان الأغنياء هم فقط حاملي السندات، فهم وحدهم من سيتلقى أموال الفوائد، وقد يصل الأمرُ إلى حصولهم على أكثر مما دفعوه من ضرائب وذلك في شكل فوائد تُدفَع لهم بفضل كونهم يحملون سنداتٍ حكومية. وفي الوقت ذاته، سينتهي الأمرُ بالفقراء، ممن ليس في جعبتهم أيُّ سنداتٍ، إلى دفع ضرائب ستُحوَّل إلى الأغنياء في شكل فوائد، ومن شأن ذلك جعلُ الدَّين عبئًا غير عادل عليهم. ولذلك، أصدرتِ الحكومة في بعض الأحيان تعليماتٍ إلى البنوك التجارية لتخفّض دَينها الإجمالي عبر التخلص من بعض السندات التي تحملها، وهذا ما دفعَ وزارة الخزانة إلى إصدار ما يُعرَف بسندات الادخار. ونظرًا إلى أن هذه السندات يجري إصدارها بفئاتٍ صغيرة نسبيًا، فيغدو مزيد من الناس قادرًا على شراء سندات الدَّين الحكومية وحملها. يُزاحمُ الدَّينُ القومي الاستثمارَ الخاص: للدين القومي تأثيرٌ يطال الاستثمار الخاص أيضًا. ففي حال رفعتِ الحكومةُ معدَّلَ الفائدة على السندات التي تصدرها لتغدوَ قادرةً على بيعها، فإنها تُجبِر الشركاتِ الخاصّةَ، التي تُنافسُ سنداتُها (وهي التزاماتُ ديونٍ طويلةُ الأجل تُصدرها الشركات) الحكومةَ على أموال المستثمرين، على رفع معدل الفائدة على ما تُصدِر من سندات لتبقى في المنافسة. بتعبيرٍ آخر، إن بيعَ الدَّينِ الحكومي لغرض تمويل الإنفاق الحكومي يجعلُ تمويلَ الشركاتِ الخاصة لاستثماراتِها أكثرَ تكلِفةً. ونتيجة لذلك، قد يؤدي الدَّينُ الحكومي إلى مزاحمةِ الاستثمار الخاص والتسبب ببطئ النمو الاقتصادي للقطاع الخاص. الاقتصاد الجزئي: التركيز على الشركات والمستهلكين ما هي المفاهيم الرئيسة للعرض والطلب الخاصة بالاقتصاد الجزئي، وكيف تؤثر في تحديد الأسعار؟ فلننتقلِ الآن من الحديث عنِ الاقتصاد الكلي، ولنركز على الاقتصاد الجزئي، ودراسة الوحدات الأسرية، والشركات والقطاعات الصناعية. يُعنى مجال علم الاقتصاد بدراسة وضع الأسعار وكميات السلع والخدمات في السوق الحرة. من البديهي أن الأفراد والشركاتِ والحكومات يحاولون الحصول على أقصى مردود ممكن من مواردهم المُتاحة والمحدودة؛ إذ يريد المستهلكون شراء أكثر السلع والخدماتِ جودةً بأقل الأسعار الممكنة، أما الشركات فتريد تكاليفَ منخفضةً وعاءداتٍ عاليةً لتحقق أعلى ربحٍ ممكن. والحكومة بدورها تريد استخدام عائداتها لتقديم أفضل السلع والخدمات الممكنة. وتنتقي الفئات الثلاث السابقة من بين البدائل المتوفرة لها مُركّزةً على أسعار السلع والخدمات. وبوصفنا مستهلكين في سوقٍ حرة، فنحن نؤثر في ما يُنتَج، فمثلًا لو كان الطعام المكسيكي هو الرائج، فسيجذب الطلبُ المرتفع روادَ الأعمال الذين يفتتحون مطاعم مكسيكيةً أكثر، إذ يريدُ أولئك الأشخاص المنافسة للحصول على أموالنا عبر تزويدنا بطعامٍ مكسيكيٍّ بسعر أقل، وأكثر جودة، أو بخصائص متنوعة. في هذا القسم من الكتاب، سنشرح كيف لخيارات المستهلكين والشركات التأثير في أسعار السلع والخدمات، وفي مدى توفُّرها. الصورة 1.10 غالاكسي نوت 7: مُنيت استراتيجيةُ شركة سامسونج الراميةُ إلى انتزاع السيطرة من شركة آبل، منتجةِ هواتف آيفون، بمأزقٍ لا تُحسَد عليه وذلك عندما اضطرت إلى سحب هواتفها من طراز نوت 7 واستبعادها. فقد تَسبَّبَ خللٌ في بطاريات ذلك الهاتف باشتعاله وإحداثِ ضرر بالغ. وانتهى المطافُ بسامسونج إلى وأدِ خط الإنتاج الخاص بنوت 7 كاملًا في مَهده، وذلك بعد أن سحبت حوالي ثلاثة ملايين ها الصورة 1.10 غالاكسي نوت 7 مُنيت استراتيجيةُ شركة سامسونج الراميةُ إلى انتزاع السيطرة من شركة آبل، منتجةِ هواتف آيفون، بمأزقٍ لا تُحسَد عليه وذلك عندما اضطرت إلى سحب هواتفها من طراز نوت 7 واستبعادها. فقد تَسبَّبَ خللٌ في بطاريات ذلك الهاتف باشتعاله وإحداثِ ضرر بالغ. وانتهى المطافُ بسامسونج إلى وأدِ خط الإنتاج الخاص بنوت 7 كاملًا في مَهده، وذلك بعد أن سحبت حوالي ثلاثة ملايين هاتف، وهو ما كلفها خسارةً فاقت خمسة مليارات دولار. كيفَ تحدد الشركاتُ الجودةَ المثلى للسلع والخدمات قبل أن توفرها للمسهتلكين؟ (حقوق الصورة محفوظة ل باول سوليفان / فليكر) طبيعة الطلب يُعرَّف الطلب بأنه كمية السلع والخدمات التي يرغب الناس في شرائها بأسعار متنوعة. فكلما ارتفعَ السعر، قلَّتِ الكمية التي يطلبها المستهلكون، والعكس صحيح. ويُسمَّى الرسم البياني الذي يوصِّف تلك العلاقة بمنحنى الطلب. لنفترض أنك مالكُ محلٍّ يبيعُ معاطف للمتزلجين، وأنك بفضل خبرتك السابقة تعلمُ أنه بوسعك بيعُ العديد من تلك المعاطف بأسعارٍ مختلفة. يصف المخطط البياني 1.11 أدناه هذه المعلومة؛ إذ يُظهِر المحور x (المحور الأفقي) كمية المعاطف، بينما يُبيّن المحورُ y (المحور العمودي) سعرَ تلك المعاطف ذا الصلة. فمثلًا، مقابل 100 دولار، سيشتري المستهلكون (سيطلبون) 600 معطف تزلج. في الرسم البياني، ينحدر منحنى الطلب هبوطًا وباتجاه اليمين، لأنه مع انخفاض السعر سيريد الناس شراء مزيد من المعاطف. وسيشتري بعض الناس، ممن كانوا لا يريدون الشراء، معاطفَ بأدنى سعر. كما سيشتري بعض المتزلجين، الذين يملكون معطف تزلجٍ، واحدًا آخر. كما يُظهِر الرسم البياني أنه في حال قمتَ بعرض عدد كبير من المعاطف في السوق، فسيكون عليك تخفيض السعر لتتمكن من بيعها جميعًا. إنَّ فهمَ الطلب أمرٌ لا غنى عنه للشركات، إذ يبيّنك لك الطلبُ الكمية التي بوسعك بيعُها وبأيّ سعر. أي بتعبيرٍ آخر، على كم من المال ستحصل شركتك، والذي سيُستخدَم لتغطية التكاليف وتأمُّلِ تحقيق ربح. إنَّ قياسَ الطلب أمرٌ بالغُ الصعوبة للشركات الكبرى، فما بالك بالصغرى! الصورة 1.11: منحنى الطلب الخاص بمعاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax)) طبيعة العرض لا يكفي الطلبُ لوحده لشرح كيف تُحدِّدُ السوقُ الأسعار، بل علينا أيضًا الاطلاع على العرض؛ وهو كمية السلع والخدمات التي توفرها الشركات مقابل أسعار متنوعة. فكلما ارتفع سعر المعاطف، زادَ عددُ المعاطف التي سيعرضها التاجر، والعكس صحيح. ويُسمّى الرسم البياني للعلاقة بين الأسعار المختلفة والكميات التي تعرضها شركةٌ ما بمنحنى العرض. ويمكننا أن نُمَثِّل مجددًا كميات المعاطف باستخدام رسمٍ بياني تكون فيه كمية المعاطف على المحور x والسعر على المحور y. وكما توضح الصورة 1.12، سيتوفر 800 معطفًا مقابل سعر 100 دولار. لاحِظ أن منحنى العرض يتجه صعودًا ونحو اليمين، أي عكس منحنى الطلب. ففي حال رغبَ المتزلجون في دفعِ أسعارٍ أعلى، فسيشتري موردو المعاطف مُدخَلاتٍ أكثر (مثلًا: قماش من ماركة جوري تيكس، صبغة، آلات، وعمل) وسينتجون معاطفَ أكثر، كما ستغدو الكميةُ المعروضة أكبر وبأسعارٍ أعلى، لأن بوسع المصنعين جَنيُ أرباحٍ أكثر. الصورة 1.12: منحنى العرض الخاص بمعاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax)) كيف يتفاعلُ العَرضُ والطلب ويساعدان في تحديد الأسعار؟ في ظل اقتصادٍ مستقر، يعتمد عددُ المعاطف التي يطلبها المتزلجون على أسعارها. والأمر مماثل بالنسبة للمعاطف التي يعرضها الموردون؛ إذ يتوقف عددُ ما يعرضوه منها على أسعارها. ولكن، عندَ أي سعرٍ سيوافق طلبُ المستهلكين على المعاطف الكميّةَ التي سيُنتجها الموردون؟ للإجابة عن السؤال هذا، علينا النظرُ إلى ما يحدثُ عندما يتفاعلُ العرضُ معَ الطلب. وإذا ما مثّلنا لمنحنى العرض ومنحنى الطلب في رسمٍ بياني واحد في الصورة رقم 1.13 أدناه، نرى أنهما يتقاطعان عندَ كميةٍ وسعرٍ محددين. وعند نقطة التقاطع تلك، المُمثُّلِ لها بالحرف E، تتساوى الكميةُ التي طُلِبَت معَ الكمية التي عُرِضَت؛ هذه هي نقطة التوازُن، والسعرُ عندها يبلغ 80 دولارًا، في حين تبلغ الكمية في نقطة التوازن تلك 700 معطف. إذًا، ثمة توازنٌ عند تلك النقطة بين الكمية التي سيشتريها المستهلكون وبين تلك التي سيوفرها الموردون. وتتحقق نقطة التوازن في السوق عبر سلسلةٍ من التعديلات في الكمية والسعر، والتي تحدثُ تلقائيًا. وفي حالِ ارتفاع السعر إلى 160 دولار، يُنتِجُ الموردون كمية معاطف تزيد عن تلك التي يريد المستهلكون شراءها، وينتج عن ذلك فائضٌ. ولبيع معاطف أكثر، فعلى الأسعار أن تنخفض، فيؤدي الفائض إلى هبوط الأسعار لحين بلوغ نقطة التوازن بين المعروض والمطلوب. وعندما ينخفض السعر إلى 60 دولارًا، ترتفع كمية المعاطف المطلوبة إلى ما فوق العرض المتوفر، ثم يُجبر العجزُ الناتجُ الأسعارَ على الارتفاع لحين بلوغها نقطة التوازن عند 80 دولارًا. الصورة 1.13: سعر نقطة التوازن وكمية معاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعى رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax)) وسيميل عددُ معاطف التزلج المعروضة والمباعة بـ 80 دولارًا إلى الاستقرار عند نقطة التوازن، ما لم يحدث تغيُّرٌ في العرض أو في الطلب. فلوِ ارتفعَ العرض، سيُشترى المزيد من المعاطف عند كل سعر، وسينحرف منحنى الطلب نحو اليمين (كما يُظهِر الخطُ D2 في الصورة رقم 1.14). وفي حال انخفضَ الطلبُ، فسيُباع عددٌ أقل من المعاطف عند كل سعر، وسينحرف منحنى الطلب نحو اليسار (D1). عندما انخفضَ الطلب، اشترى المتزلجون 500 معطفٍ عند سعر 80 دولارًا بدلًا من 700 معطف. أما عندما ارتفع الطلب، فقدِ اشتَرَوا 800 معطف. الصورة 1.14: التغيرات في الطلب على معاطف التزلج، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax)) التغيُّرات في الطلب يمكن لأمور عديدة أن تزيد من الطلب أو أن تخفِّضه. فمثلًا لوِ ارتفعَ دخلُ المتزلجين، فقد يقررون شراء معطفٍ ثانٍ. أما لوِ انخفضَ دخلُهم، فقد يرتدي الذين كانوا قد خططوا لشراءِ معطفٍ جديد واحدًا قديمًا بدلًا من ذلك. ويمكن كذلك للتغيرات في الموضة والأذواق التأثيرُ في الطلب أيضًا، فمثلًا لو باتَ التزلُّج فجأةً موضةً قديمة، فسينخفض الطلب على معاطف التزلج سريعًا. ومن العوامل التي قد تؤثر في الطلب ارتفاعُ سعر المُنتجات ذات الصلة، بمعنى لو ارتفع السعر الوسطي للوح التزلج إلى 1000 دولار، فسيعتزل المتزلجون ممارسةَ هذه الرياضة وسينخفض الطلب على المعاطف. وهناك عاملٌ آخر كفيلٌ بتغيير الطلب، وهو التوقعات بشأن الأسعار في المستقبل. فلو توقعتَ ارتفاع أسعار المعاطف بشكل كبير في المستقبل، فقد تُقرِّر شراءَ واحدٍ اليوم. أما لو توقعتَ هبوطَ أسعارها، فقد تؤجّل الشراء. وأخيرًا، يُؤثر تقلّب وتغيّر عدد المشترين في الطلب أيضًا، فالتزلج مثلًا رياضةٌ تمارسها فئةُ الشباب، وطالما أن عدد المراهقين آخذٌ في الازدياد على مدى السنوات القادمة، فسيرتفع الطلبُ على معاطف التزلج. التغيرات في العرض هناك عوامل أخرى تؤثر في العرض، إذ تقلل التكنولوجيا الحديثة من تكاليف الإنتاج عادة. فعلى سبيل المثال، اشترت شركة نورث فيس (North Face)، وهي أحد موردي معاطف التزلج، آلاتِ موجَّهة بالليزر لقص التصاميم، وأجهزة تعمل بمساعدة الحاسوب. فأدى ذلك إلى انخفاض تكاليف إنتاج المعطف الواحد، مما رفع الفائدة التي تجنيها تلك الشركة عن كل معطف تنتِجه. ومثَّلَ ذلك حافزًا لتوريد مزيد من المعاطف عند كل سعر. وفي حال ارتفاع أسعار الموارد التي تعتمد عليها الشركة المذكورة، مثل تكاليف العمل أو سعر القماش، فستجني الشركةُ فوائد أقل عن كل معطفٍ تنتجه، وسيؤدي ذلك إلى خفض كمية المعطف التي تنتجُ عند كل سعر، والعكس صحيحٌ. ويمكن أيضًا للتغيرات في أسعار السلع الأخرى أن تؤثر في العرض. فلنقُل إن رياضة التزلج على الجليد استعادت مجدها الغابر، وازداد عددُ المتزلجين بشكل متسارع رافعًا معه أسعار معاطف التزلج. عندها يمكن لشركة نورث فيس توظيف ما لديها من آلاتٍ وقماش لإنتاج معاطف تزلج. ولو تمكنتِ الشركة من تحقيق ربحٍ من صناعة معاطف المتزلجين على الثلج يفوق ذلك الذي تجنيه من إنتاج معاطف المتزلجين على ألواح، فستقلل من إنتاج هذه الأخيرة عند كل سعر. ويؤدي تغير عدد المنتجين إلى انحرافٍ في منحنى العرض أيضًا، فزيادة عدد موردي معاطف التزلج، سيؤدي إلى عرض المزيد منها في السوق عند كل سعر. أما في حال توقف أحدُ المنتجين عن عرض معاطف التزلج، فمن الطبيعي أن ينخفض العرض من تلك المعاطف. ويمكن للضرائب أيضًا أن تؤثر في العرض؛ فلو قررتِ الحكومةُ لسببٍ ما أن تفرض ضريبة على كل معطفِ تزلجٍ يُنتَج، فستقل الأرباح، وتقل معها كمية المعروض من تلك المعاطف في السوق عند كل سعر. ويلخّص الجدول 1.2 العوامل التي من شأنها تغيير منحنيي العرض والطلب. ولفهمٍ أفضلَ للعلاقة بين العرض والطلب في الاقتصاد، فلنلاحظ التأثيرَ الذي أحدثه إعصارُ كاترينا عام 2005 في أسعار الطاقة في الولايات المتحدة. فقد كانت أسعارُ النفط والغاز مرتفعةً حتى قبل أن يتسبب الإعصار في إيقاف عجلة الإنتاج في منطقة ساحل الخليج الأمريكي. ويقع معظمُ مواقع الحَفر والتنقيب التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في خليج المكسيك، كما يتركز حوالي 30% من القدرة التكريرية لها في الولايات المطلة على خليج المكسيك، والتي تأثرت بالإعصار بشدة. وقدِ ارتفعتِ الأسعارُ بشكل فوري تقريبًا من جراء الأضرار التي خلّفها الإعصار، تزامنًا مع انخفاض العرض، بينما بقي الطلب على حاله. وقد أثبت الإعصارُ هشاشةَ العرض من الطاقة الخاص بالولايات المتحدة، ليس فقط أمام الكوارث، بل أيضًا أمام الهجمات الإرهابية ورفعِ الأسعار من قبل الدول المنتجة للنفط. وقد تساءلَ عددٌ من خبراء سياسة الطاقة عن جدوى وجود ذلك التركيز العالي من المنشآت النفطية، حوالي 25% من البنية التحتية الخاصة بإنتاج النفط والغاز الطبيعي، في ولاياتٍ دائمًا ما تكونُ عُرضةً للأعاصير. كما أن مصافي النفط كانت شبهَ مملوءةٍ قبل أن يضربَ الإعصار. العوامل التي تُحدِث انحرافًا في منحنيي العرض والطلب انحراف الطلب باتجاه اليسار في حال باتجاه اليمين في حال العامل انخفضت ارتفعت دخول المشترين انخفضت ارتفعت تقضيلات/ أذواق المشترين انخفضت ارتفعت أسعار المنتجات البديلة كانت ستنخفض كانت سترتفع التوقعات بشأن الأسعار المستقبلية انخفاضه ارتفاعه عدد المشترين انحراف العرض باتجاه اليسار في حال باتجاه اليمين في حال العامل زادتِ التكلفةَ خفَّضتِ التكلفةَ التكنولوجيا ارتفعت هبطت أسعار الموارد ارتفاع ربحِ المُنتَج الآخر انخفاض ربحِ المُنتَج الآخر التغيرات في أسعار منتجات أخرى يمكن إنتاجها بالموارد ذاتها انخفض ارتفع عدد الموردين ارتفعت انخفضت الضرائب الجدول 1.2 ويؤثر ارتفاع أسعار الطاقة في الاقتصاد بطرقٍ شتى. وفي ظل سعرٍ يتراوح بين 50 و60 دولارًا للبرميل الواحد_ وهو سعرٌ يفوق ضِعفَ الذي كان سائدًا في العام 2003_ فقد تأثرَ بذلك كلٌ من الشركات والمستهلكين من الناحية المالية. فالشركات الزراعية الواقعة في وسط غرب الولايات المتحدة تصدِّر حوالي 70% من إنتاجها من الحبوب عبر المرافئ المقامة على خليج المكسيك، وفي ظل قلة المساحات المخصصة لرسوّ السفن، والقابلة للاستخدام، فلم يعد بوسع القوارب تفريغُ حمولتها والعودة لشحن مزيدٍ من المحاصيل. وبذلك، باتَ العَرضُ من خدمات وسائل النقل ومن منتجات الحبوب غير كافٍ لتلبية الطلب، وهذا ما رفع من أجور النقل وأسعار الحبوب معًا. كما أسهمت أسعارُ البنزين المرتفعة أيضًا في زيادة الأسعار، نظرًا إلى ارتباط حوالي 80% من نفقات الشحن بمشتقات الوقود. وبعد حوالي عقدٍ من إعصار كاترينا، شهدت أسعار البنزين في الولايات المتحدة تقلباتٍ دراماتيكية، بلغت خلالها تكلفة غالون واحد من البنزين العادي أوجها في العام 2014 عند سعر 3.71 دولارًا، ثم انخفض إلى سعر 1.69 في أوائل عام 2015، وبعدها عاود ارتفاعه باعتدالٍ هذه المرة، فوصل إلى سعر 2.36 دولارًا في أواسط العام 2017. وقد أظهرت دراسةٌ حديثة، أجراها بنك جي بي مورغان تشيس (JP Morgan Chase)، أن المستهلكين ينفقون حوالي 80% من مدخراتهم التي جنَوها مستغلين انخفاض أسعار البنزين، والذي بدوره يدعم الاقتصاد ككل. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding Economic Systems and Business) من كتاب introduction to business
  11. من بين السلاسل الجديدة للمقالات التي نعرضها عليكم في مجال ريادة الأعمال، السلسلة التالية بعنوان مدخل إلى عالم الأعمال والتي سنتطرق في أول باب لها من إلى أهم ما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية والأعمال التجارية. انطلاقا من طبيعة العمل التجاري، ومقوماته، ومميزاته. ثم بيئة العمل التجاري بما فيها من عوامل تؤثر فيه. لننتقل لاحقا للحديث عن الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم، لنتعرف بعدها على مفهومَي الاقتصاد الكلي والجزئي والفرق بينهما. وفي الأخير سنشير إلى مصطلح المنافسة في السوق الحرة، كما سنتعرف على أهم أنواعها، وكذا أهم التوجهات الحديثة في بيئة الأعمال والمنافسة. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن التجارية مؤسسة تيم روبيكون (Team Rubicon): الإغاثة في الكوارث والشعور بوجود الهدف تمثل المؤسسات غير الربحية قوة لا يمكن تجاهلها في عالم الأعمال كونها تشغل حيّزًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي في العديد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، وذلك بالرغم من أنها تهدف إلى تحقيقَ أهدافها أكثر من تركيزها على جني الأرباح، وهي بذلك تخرج عن النمط التقليدي لعالم الأعمال، الذي يعد الربحُ الهدفَ الأول للمنخرطين فيه. وهذا بالذات ما يتيح لها السعي نحو تنفيذ مهماتٍ تفضي إلى تطويرٍ اجتماعي وإسهاماتٍ تطالُ تأثيراتُها المجتمعَ ككل. وكي يصبح الفردُ وليكون شخصٌ مُوظّفًا مساهمًا ومؤثرًا بحقٍّ في مؤسسة غير ربحية، فعليه أن يُشارك تلك المؤسسة رؤيتها ويتبنّى أهدافها ورسالتها. وإذا ما انتقلنا إلى الحديث عن الرؤية الخاصة بمؤسسة تيم روبيكون، فقد صاغها مؤسساها؛ جيك وود ووليم مكنولتي (Jake Wood & William McNulty) بعد ما شاهدا الدمار الذي خلّفه الزلزالُ الذي ضرب دولة هايتي في العام 2010، فهرعا إلى العمل. وكِلا الرَّجُلين من جنود البحرية، وقد أدركا أن بوسعهما فعل شيءٍ للمساعدة في ذلك الوضع المأساوي. وفي غضون أربعٍ وعشرين ساعة، كانا قد أمَّنا مساعدةً من ستة رجال آخرين من الجنود السابقين والذين كانوا من أوائل المستجيبين لتلك المبادرة؛ فجمعا تبرعاتٍ وإمدادات من عائلتيهما وأصدقائهما وحملاها إلى هايتي لتقديم المساعدة الإغاثية لأهلها، وهكذا بدأت وأبصرت مؤسسة تيم روبيكون (Team Rubicon) النور. الصورة 1.2: مؤسسة تيم روبيكون(Team Rubicon): (حقوق الصورة محفوظة ل مكتب إدراة الأراضي في أوريغون وواشنطن (Bureau of Land Management Oregon and Washington/ فليكر) وقدِ اشتُقَّ اسم هذه المؤسسة من نهر روبيكون؛ وهو نهر يجري في شمال إيطاليا كان قد عبره يوليوس قيصر بجنوده خلال زحفهم الملحمي نحو روما، في وقتٍ كان يمثّلُ فيه ذلك النهر نقطة اللاعودة، إذ كان عبوره قرارًا لا يمكن الرجوع عنه. ويشير هذا الاسمُ إلى التجارب التي مر بها هذان الرجلان خلال الكارثة التي أعقبت زلزال هايتي؛ فلم يلقيا بالًا لنصائح مسؤولي الحكومة ومؤسساتٍ إغاثية أخرى حاولت ثنيهما عن المضي قُدُمًا في مسعاهما للمساعدة، إذ عبَرَ الفريقُ الصغير الذي كانا يقودانه نحو هايتي عبر جمهورية الدومينيكان حاملًا أفرادُه مسلتزماتٍ وإمداداتٍ طبيةً أساسية لآلافٍ من ضحايا الزلزال. وبعد مرور سبع سنوات، باتت مهمةُ مؤسسة تيم روبيكون ذاتَ شقين؛ وهما الجمعُ بين خبرات الجنود السابقين ومهاراتهم مع جهود أوائل المستجيبين لمهمة تلك المؤسسة من الذين يبدأون العمل لديها بحماسٍ وشغف تجاه أي نوعٍ كان من الكوارث، وإيصالُ رسالةِ الإحساس بالانتماء إلى المجتمع والشعور بالإنجاز لأولئك الجنود السابقين ممن خدموا وطنهم بفخر، ولكنهم باتوا يعانون من تبعات ما مروا به من تجارب خلال الحرب. ووفقًا للبيان الخاص بمهمة تلك المؤسسة، فإنها تسعى إلى تقديم ثلاثة أمور للجنود السابقين قد يحرمون منها أحيانًا بعد تركهم الحياة العسكرية، وهي: الهدف؛ المتمثل في الإغاثة أثناء الكوارث، والشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي يُستمَد من الخدمة مع الآخرين؛ والشعور بالقيمة الذاتية الذي يولّده الاعترافُ بالتأثير الذي يمكن للشخص أن يُحدِثهُ عند التعامل مع الكوارث الطبيعية. يتكون فريق مؤسسة تيم روبيكون، ومقرها مدينة لوس أنجلوس، من أكثر من ستين موظفًا يعملون في عشر مناطق على امتداد البلاد، ويرفدهم أكثرُ من 40 ألف متطوعٍ على أُهبة الاستعداد للانتشار خلال أربع وعشرين ساعة. وكما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الربحية، تتضمن المناصب الوظيفية في تلك المؤسسة مديرين إقليميين، وعملياتٍ ميدانية (بما في ذلك العضوية والتدريب)، وتسويقًا، ووسائل اتصال، وتواصلًا اجتماعيًا، وجمع تبرعاتٍ، وتطوير شراكاتٍ، وشؤونًا مالية ومحاسبية، وتطوير الموارد البشرية عبر الارتقاء بإنتاجية الفرد. ويوظف أفراد فريق تلك المؤسسة ما لديهم من خبراتٍ عسكرية أو مهنية، أو كليهما معًا، في أعمالهم اليومية، وتوحدهم الرؤية الخاصة بالمؤسسة. وقد بدأ العديد من أفراد تلك المؤسسة متطوعين لديها في وقتٍ كانوا يمارسون فيه مهنًا ربحية، بينما استفاد آخرون من برنامج الشراكة القوية للمؤسسة ليتعرفوا على مهمتها ويركزوا على الإغاثة في الكوارث. وفي العام 2016 دربت مؤسسةُ تيم روبيكون ثمانية آلاف من الجنود السابقين والمُسعفين المُختصين بالكوارثالأفراد الذين سارعوا إلى الانضمام إلى المهمة التي تضطلع به، كما استجابت لستٍّ وأربعين كارثة، والتي استغرق التعامل مع آثارها أكثر من 85 ألف ساعة تطوع. وإلى جانب التبرعات التي تتلقاها من الأفراد والشركات، تعتمد تلك المؤسسة على الشراكة التي تقيمها مع مؤسسات أخرى، مثل شركة الطيران ساوث ويست (Southwest)، التي توفر سنويًا لمتطوعي تلك المؤسسة مئاتٍ من رحلات الطيران المجانية بغية تأمين وصولهم إلى مناطق الكوارث. وتنخرط مؤسسة تيم روبيكون بفعالية في أنشطةٍ على الصعيد الوطني، وتشمل هذه المشاركة كافّة مستوياتها، من المتطوعين إلى أعضاء مجلس الإدارة، وتشمل كذلك كل الإمكانيّات والموارد التي توفّرها؛ من التدريب مرورًا بالتخطيط والتطبيق والسعي لجمع تبرعاتٍ واستقطاب متطوعين للمساعدة في كل ما يخص الإغاثة في الكوارث. وخلال السنوات القليلة الماضية، اعتُرف بمؤسسة تيم روبيكون على أنها إحدى أفضل المؤسسات غير الربحية للعمل لديها من قِبَل صحيفة ذا ننبروفيت تايمز (The NonProfit Times)، وذلك بناءً على استقصاءاتٍ شملت الموظفين، وعلى المعلومات والمُدخَلات حول بيئة العمل لديها والواردة من شركاء العمل. وبالرغم من أن مجال اللاربحية قد لا يعود بالنفع على الجميع، ولكن لو أخذنا نموه بالحسبان ضمن الاقتصاد ككل، فسنجده مصدر اهتمامٍ وتعاطفٍ من قبل العديد من الناس. فعزمُ مؤسسة تيم روبيكون على مساعدة من هم في حاجة إلى المساعدة، بمن فيهم ضحايا الكوارث والعسكريين الذين انتهت خدمتُهم، يتيح فرصًا للمهتمين بالمهن غير الربحية إضافة إلى الشغوفين بمساعدة الآخرين. يستشكف هذا المقالُ ماهية العمل التجاري، لتمييزه عن سواه من أنشطة تتشابه معه في نواحٍ، وتختلف في أخرى، ثم ينتقل إلى الإضاءة على البيئة التي تسود العملَ التجاري، والعوامل الذي تؤثّر فيه. طبيعة العمل التجاري كيف تساعد الشركات التجارية والمؤسسات غير الربحية في تحديد مستوى معيشتنا؟ هل فكرتَ للحظةٍ في العدد الكبير من المؤسسات التجارية المختلفة التي تحتك بها خلال يوم عادي. فمثلًا، وأنت في طريقك إلى الجامعة، تقف عند محطة وقود لتملأ خزان سيارتك، وتلك المحطة ما هي إلا جزءٌ من شركة وقود كبرى على مستوى البلد. ثم تشتري طعام الغداء من أحد متاجر سلسلة وجبات سريعة، مثل تاكو بل، أو ماكدونالدز، أو من أحد متاجر البيتزا الموجودة القريبة منك. وفي كثير من الأوقات قد لا تملك نقودًا ورقيّة للدفع، عندها يمكنك الدفع من رصيدك المصرفي باستخدام هاتفك الذكي أو تطبيقٍ على أي جهازٍ آخر يتيح ذلك. كما أنك لم تعُد بحاجة إلى زيارة المتجر؛ فمن شأن التسوق على الإنترنت أن يجلب المتجر إليك ويوفر لك كل ما تحتاج من ملابس، أو طعام، أو فرش منزل، أو بطاقات حضور الحفلات…إلخ. فالشركة التجارية (Business) هي مؤسسة تسعى إلى الربح عبر توفير السلع والخدمات التي يرغب بها زبائنها. وتلبي تلك الشركات احتياجاتِ زبائنها بتوفير الرعاية الطبية لهم ووسائل النقل وغيرها من السلع والخدمات التي لا حصر لها. أما السلع (Goods)، فهي المُنتجات الملموسة التي تُصنّعها الشركات، مثل الحواسيب المحمولة. بينما تُعرَّف الخدمات (Services) بأنها ما تقدمه الشركات من أمورٍ غير ملموسة، لا تُمسَك باليد، ولا تُلمَس، ولا تُخزَّن؛ فما يقدمه الأطبّاء والمحامون ومصففو الشعر وغاسلو السيارات وشركات الطيران يُعرَف بالخدمات. كما توفر الشركاتُ التجارية ما تحتاجه مؤسساتٌ أخرى، مثل المستشفيات ومحلات البيع بالتجزئة والحكومات، وذلك عبر إمدادها بالآلات، والسلع، والحواسيب، وآلاف السلع الأخرى. وبذلك نرى أن الشركات تنتج السلع وتوفر الخدمات التي تشكّل أساسَ مستوى المعيشة (Standard of Living) خاصتنا؛ إذ يُقاس مستوى المعيشة لأي بلد بحصيلة السلع والخدمات التي يمكن للأفراد شراؤها بالمال الذي يملكون. ومستوى المعيشة في بعض الدول ذات الاقتصادات القويّة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية يُعد واحدًا من أعلى مستويات المعيشة في العالم؛ فالبرغم من أن دولًا عديدة أخرى، مثل سويسرا وألمانيا، لديها متوسط أجورٍ أعلى من مثيله في الولايات المتحدة، إلا أن مستوى المعيشة لديها أدنى مقارنة بالولايات المتحدة، لأن الأسعار فيها أعلى بكثير من تلك السائدة في الولايات المتحدة؛ بمعنىً آخر، إن كمية الأموال ذاتها تشتري في تلك الدول أقل مما يمكنها شراؤه في الولايات المتحدة؛ فمثلًا يمكنك شراء وجبة إضافية من ماكدونالدز بخمسة دولارات في الولايات المتحدة، بينما ستضطر إلى دفع عشرة دولارات للحصول على وجبة مماثلة في دول أخرى. وتلعب الشركات التجارية دورًا أساسيًا في تحديد جودة حياتنا عبر توفير الوظائف والسلع والخدمات للمجتمع. ويشير اصطلاح جودة الحياة (Quality of Life) إلى المستوى العام لسعادة الفرد الذي يقوم على أمورٍ مثل متوسط الأعمار، ومعايير مستويات التعليم، والنظافة، والصحة، ووقت الفراغ. ويقتضي تكريسُ مستوى جودة حياةٍ عالٍ تضافرَ جهود الشركات والحكومات والمؤسسات غير الربحية. في العام 2017، صُنِّفَت مدينة فيينا النمساوية الأعلى من ناحية جودة المعيشة في العالم، بينما حلَّت مدينة زيوريخ السويسرية ثانيًا، وبعدها مدينة أوكلاند في نيوزيلندا، ثم ميونيخ في ألمانيا. وقد يبدو مفاجئًا أنْ ليس من ضمن الدول العشر الأولى أي مدينة من مدن الولايات المتحدة الأمريكية. فسبعٌ من أول عشر دول من ناحية جودة الحياة واقعةٌ في أوروبا الغربية؛ واثنتان في أستراليا ونيوزيلندا، وواحدة في كندا. وعلى الطرف الآخر من ذلك المقياس، جاءت مدينة بغداد العراقية متذيلة الترتيب كأسوأ مدينة من ناحية جودة الحياة. ولكن تحقيق جودة حياة لا يخلو من مخاطر؛ والمخاطر (Risks) هي احتمال وقوع خسارةٍ في المال أو الوقت أو عدم القدرة على تحقيق أهداف المؤسسة. فعدمُ وجود عدد كافٍ من المتبرعين بالدم، سيجعل الصليب الأحمر الأمريكي، على سبيل المثال، عاجزًا عن تلبية الطلب على الدم الناجم عن بعض الكوارث. وتواجه شركاتٌ، مثل مايكروسوفت، خطر عدم تحقيق العائدات المرجوة والأهدافِ الربحية؛ فالعائدات (Revenues) هي المال الذي تتحصل عليه الشركات من بيع السلع وتقديم الخدمات للزبائن. أما التكاليف (Costs)، فهي ما تنفقه شركةٌ ما من أموال على الإيجار، والرواتب، والمستلزمات، ووسائل النقل، وغيرها من المواد التي تستخدمها لإنتاج السلع وتقديم الخدمات. فعلى سبيل المثال، تشمل بعضُ النفقات التي تتكبدها شركة مايكروسوفت في تطوير برمجيات الحاسوب الخاصة بها، نفقات الرواتب والمنشآت والإعلانات. وفي حال تبقّى لدى مايكروسوفت مالٌ بعد دفعها كافة نفقاتها، فتكون قد حققت ربحًا (Profit)، وبذلك فإن أي شركة تزيدُ نفقاتُها على عائداتها تكون قد وقعت في خسارة. وعندما تستخدم شركةٌ ما مثل مايكروسوفت مواردها بذكاء، فيمكنها زيادة مبيعاتها، وتقليل نفقاتها، وتحقيق ربح، ولكن لا تحقق كل الشركات ربحًا، وهذا هو الخطر الأكبر عند الدخول في عالم الأعمال. ففي عالم الأعمال في الدول الكُبرى مثل في الولايات المتحدة اليوم، ثمة عمومًا علاقة مباشرة بين المخاطر والأرباح، فكلما زادتِ المخاطر، يزداد احتمال تحقيق أرباح (أو تكبُّدُ خسائر). فالشركات التي تتخذ مواقف وقرارات حذرة وخطوات بطيئة قد تجد نفسها خلف الرَّكب وتخسر لصالح منافسين أكثر براعة ممن يتكيفون بسرعةٍ مع التغير في بيئة الأعمال التي لا تستقر على حال. خذ شركة سوني على سبيل المثال، عملاقَ الإلكترونيات الياباني، والتي كانت ذات يومٍ رائدة صناعة مشغلات الموسيقى المعروفة بلقب ووكمان إلى جانب تلفزيونات ترينتونترينيترون. فقد خرجت من المنافسة رويدًا رويدًا وخسرت الأرباح على مدى عقدين من الزمن لصالح شركات أخرى منافسة، وكان مردُّ ذلك إلى عدم توظيفها التقنيات الحديثة، مثل الصيغة الموسيقية الرقمية وشاشات التلفاز المسطحة، إذ أخطأت تلك الشركة في الحكم على ما يرغب به المستهلكون وتتطلبه السوق المُعاصرة فأبقت على التقنيات التي كانت تملكها بدلًا من أن تقدم لهم خياراتٍ تقنيةً قابلة للتشغيل على أجهزة مختلفة. وفي المقابل، حازت شركة آبل، التي سطع نجمُها في تلك الفترة في مجال أجهزة الموسيقى الشخصية، على حصة الأسد في سوق الموسيقى الرقمية، بعد تقديمها خدمة البث الموسيقي عبر مشغّل الموسيقى آي بود وتطبيق آي تيونز. وبحلول العام 2016، أعادت شركة سوني هيكلة محفظة الأعمال (الميزانية العامة ) خاصتها وشهدت نجاحًا باهرًا بفضل أجهزة الألعاب بلي ستيشن 4 ومحتوى الألعاب الأصلية. المؤسسات غير الربحية لا تسعى كل المؤسسات إلى الربح؛ فالمؤسسة غير الربحية (Non-for-Profit Organization) تسعى إلى تحقيق هدفٍ يختلف عن الهدف المعتاد للأعمال التجارية (تحقيق الأرباح). فالمؤسسات الخيرية، مثل هابيتات فور هيومانيتي (Habitat for Humanity) ويونايتد واي (United Way) وذي أميريكان كانسر سوسايتي (The American Cancer Society) وذا وورلد وايلدلايف فاند (The World Wildlife Fund)، كلها مؤسسات غير ربحية، كما هو الحال بالنسبة للمستشفيات، وحدائق الحيوان، ومؤسسات الفنون، والمجموعات المدنية، والمؤسسات الدينية. وعلى مدار الأعوام العشرين الماضية، ازداد عدد المؤسسات غير الربحية، إلى جانب عدد الموظفين والمتطوعين لديها، بشكل ملحوظ. وتعد الحكومة المجموعة غير الربحية الأكبر والأكثر هيمنة، وبالإضافة إلى ذلك؛ ينشط أكثر من مليون ونصف المليون من الهيئات اللاربحية غير الحكومية في دول كُبرى، مثل الولايات المتحدة حاليًا، والتي تساهم بأكثر من 900 مليار دولارٍ أمريكي سنويًا في اقتصاد الولايات المتحدة. وكمثيلاتها من المؤسسات الربحية، تحدد المؤسسات غير الربحية أهدافًا وتحتاج إلى موارد لتحقيق تلك الأهداف. ولكن أهدافها تلك لا تركز على جني الأرباح، فمثلًا قد يكون هدف مؤسسة غير ربحية هو توفير الطعام للفقراء، أو حماية البيئة، أو زيادة الحضور في حفلات الباليه، أو منع القيادة تحت تأثير الكحول. ولا تتنافس المؤسسات غير الربحية مباشرة مع بعضها بالطريقة ذاتها التي تتنافس فيها شركتا صناعة السيارات فورد (Ford) وهوندا (Honda) مثلًا، ولكنها تتنافس على أمورٍ مثل جمع التبرعات، واجتذاب الموظفين الموهوبين، والمتطوعين، الذين ليس لديهم عادةً سوى وقت قصير يمكنهم المساعدة خلاله. الصورة 1.3: قارب الإنقاذ: عقب إعصار إيرما الذي ضرب جزيرة بورتوريكو، قدّم خفر السواحل التابع لولايتي كنتاكي وهاواي المساعدة للضحايا عبر التبرعات لصالح جهود الإغاثة. وقد وجهت بعض الجمعيات الخيرية غير الربحية جهود المساعدة نحو سكان المنطقة المنكوبة. بينما قدمت جمعيات أخرى مماثلة الرعاية لمجموعة أخرى من الناجين وهي الحيوانات بنوعيها البرية والأليفة. وبالرغم من أن مستشفيات الحيوانات لا تُستخدم عادة بوصفها ملجأً لها، ولكن العديد منها فتح أبوابه أمام مالكي الحيوانات الأليفة ممن تأثروا بالأمطار الغزيرة. لماذا يجري التعامل مع مهام من قبيل إنقاذ الحيوانات بشكل رئيس من قبل المؤسسات غير الحكومية؟ (حقوق الصورة محفوظة ل خفر السواحل التابع لولايَتَي هاواي وكنتاكي ((Credit: Hawaii and Kentucky National Guard)/ فليكر) ولم تعُدِ الحدود التي ميزت سابقًا بين المؤسسات الربحية وغير الربحية بذلك الوضوح الذي كانت عليه فيما مضى، وقد أدى ذلك إلى تبادلٍ في الأفكار بين القطاعات كافة. وكما سنناقش في الفصل المتعلق بالأخلاق، فقد باتتِ المؤسساتُ الربحية تنخرط في مسائل اجتماعية أكثر فأكثر. كما بدأت المؤسسات غير الربحية الناجحةُ تطبّق المبادئَ السائدة في مجال الأعمال التجارية للعمل بفعالية أكبر، كما يُعنى مديرو المؤسسات غير الربحية بالمفاهيم ذاتها التي يعتمد عليها نظراؤهم في المؤسسات الربحية، ومنها تطوير الاستراتيجية، وإعداد الميزانية بتأنٍّ، وقياس الأداء، والتشجيع على الابتكار، والارتقاء بالانتاجية، وتعزيز الأخلاق التي تسود بيئة العمل ومكانه. وعلى سبيل المثال، إلى جانب السعي نحو تحقيق الأهداف الفنية لمتحفٍ ما، يتولى كبار المديرين التنفيذيين لذلك المتحف تسيير الجانب الإداري والتجاري له من ناحية الموارد البشرية، والمالية، والشؤون القانونية. فَعائدات المتحف التي تأتيه من بيع التذاكر تغطي جزءًا يسيرًا من نفقات تشغيله، وهذا ما يحدو المديرين إلى تكريس وقتٍ كبير سعيًا منهم وراء الحصول على تبرعات ضخمة واشتراكات عضوية فيه. واليوم نجد أن من ضمن أعضاء مجلس الإدارة في المتاحف رُعاةً فنيين ومديرين تنفيذيين ممن يودون رؤية عمليةِ اتخاذ قراراتٍ مالية سليمة ضمن بيئة هذه المؤسسة غير الربحية. ولذا، على مدير المتحف أن يحقق توازنًاً بين الهدف الفني لهذه المؤسسة وبين سياساتها المالية. وبحسب دراسةٍ أجرتها مجلة ذي إيكونوميست (The Economist)، ستضطر متاحف كبرى إلى البحث عن مديرين جدد مع اقتراب حوالي ثلث الحاليين من سن التقاعد. عوامل الإنتاج: لَبِناتُ بناء العمل التجاري لتغدوَ المؤسساتُ قادرةً على إنتاج سلع وتقديم خدمات، وسواء كانت تعمل في قطاعٍ ربحي أم غير ربحي، فهي تحتاج إلى موارد تُسمى عوامل الإنتاج (Factors of Production). وثمة أربعة عوامل إنتاجٍ تقليدية مشتركة بالنسبة للنشاطات الإنتاجية، وهي: الموارد الطبيعية، والقوى العاملة (الموارد البشرية)، ورأس المال، وريادة الأعمال. ويُدخِل العديد من الخبراء المعرفة على أنها العامل الخامس؛ من باب الاعتراف بدورها في نجاح العمل التجاري. وباستخدام عوامل الإنتاج تلك بفعالية، يمكن للشركة إنتاج سلعٍ وتقديم خدمات أكثر بالموارد ذاتها. وتُعرَف المواد التي تمثل مُدخَلاتٍ مفيدة بالموارد الطبيعية كالأراضي الزراعية، والغابات، ومناجم المعادن وآبار النفط، والمياه. وأحيانًا تُطلَق على الموارد الطبيعية تسميةُ الأرض فقط، بالرغم من أن ذلك يعني أكثر من مجرد أرض، كما هو واضح. وتستخدمُ الشركاتُ المواردَ الطبيعية بطرقٍ مختلفة؛ فشركة صناعة الورق إنترناشنال بيبر كومباني (International Paper Company) تستخدم لباب الخشب لتصنّع منه الورق. وشركة باسيفيك غاز & إليكتريك (Pacific Gas & Electric) قد تستخدم الماء، والوقود، أوِ الفحم لتوليد الكهرباء. ولكن، وبسبب التمدد العمراني، والتلوث، ومحدودية الموارد، بات استخدام الموارد تلك يثير علاماتِ استفهام، وتتعالى الآن أصوات مناصري الحفاظ على البيئة وداخل الهيئات الحكومية مطالبةً بسنّ قوانين تنظم استخدام الموارد الطبيعة وتحافظ عليها. أما القوى العاملة، أوِ ما يُعرَف بالموارد البشرية، فتعني الإسهامات الاقتصادية للناس العاملين بعقولهم وعضلاتهم. ويتضمن هذا العامل مواهب الجميع؛ بدءًا من الطباخ في مطعم حتى عالم الفيزياء النووية، والذين يضطلعون بمهام التصنيع وإنتاج السلع وتقديم الخدمات. أما الأدوات، والآلات، والتجهيزات، والمباني المستخدمة في إنتاج السلع وتقديم الخدمات وإيصالها إلى المستهلكين، فتُسمى رأس المال. كما يُشار أحيانًا بهذه التسمية إلى المال الذي تُشترى فيه الآلاتُ والمصانع وغيرها من منشآت الإنتاج والتوزيع. ولكن، طالما أن المال وحدَه لا يُنتج شيئًا، فلا يُعد بوضعه هذا واحدًا من عوامل الإنتاج الرئيسة؛ بل هو بالأحرى وسيلة للحصول على المُدخلات التي تحتاجها الشركات. ولذا، ليس المال بهذا المعنى جزءًا من رأس المال الذي نتحدث عنه. أما رواد الأعمال فهُم الذين يدمجون مُدخَلات الإنتاج من موارد طبيعية، وقوى عاملة، ورأس مال لإنتاج سلعٍ وتقديم خدمات بقصد جني أرباح أو بلوغ هدف غير ربحي. وهم بذلك يتخذون القراراتِ التي ترسمُ الطريق لشركاتهم؛ فيصنعون منتجاتٍ أو يأتون بعمليات إنتاج أو يطورون خدمات. ولكون الربح غير مضمونٍ الحصولُ عليه في مقابل الوقت والجهد الذَين يبذلان، فلا بد أن يكون روّادُ الأعمال أولئك مجازفين، وفي حال نجحت شركاتهم، فقد يحصلون على مكافآت عظيمة. ويرغب العديد من الناس في يومنا هذا في تأسيس شركات خاصة بهم، يحدوهم في ذلك فرصةُ أن يكونوا أسيادَ أنفسِهم وأن يحصدوا العائداتِ المالية لشركاتهم الناجحة. ويبدأ العديد منهم أعمالهم الخاصة من غرف نومهم كحال مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك، أو في وقتٍ مايزالون خلاله يسكنون في منازلهم حيث التكلفة تكاد تكون معدومة. ومن الأمثلة على رواد الأعمال نذكر بيل غيتس (Bill Gates)، مؤسسَ مايكروسوفت (Microsoft)، الذي حاز لقب أغنى رجل في العالم عام 2017، ومنهم أيضًا مؤسسا غوغل (Google)، سيرجي برين (Sergey Brin) و لاري بايج (Larry Page). وهناك آلاف الشركات التي أسسها أفراد، والتي بالرغم من أنها لا تزال صغيرة، لكنّ مساهمتها في اقتصاد الولايات المتحدة كبيرة جدًا. أما الآن، فننتقل إلى الحديث عن بيئة العمل التجاري. استيعاب بيئة العمل التجاري ما هي قطاعات بيئة الأعمال التجارية، وكيف تؤثر التغييرات التي تطرأ عليها في القرارات الخاصة بتلك الأعمال؟ لا تمارس الشركاتُ أعمالها ضمن فراغ، بل تحيطُ بها بيئة تسودها الديناميكية، والتي تؤثر مباشرة على طريقة عملها وعلى ما إذا كانت ستحقق أهدافها أم لا. وتتكون بيئةُ الأعمالِ التجارية الخارجيةُ تلك من عدد هائل من المؤسسات، وكمٍّ كبير من القوى، والتي يمكننا تجميعها في سبع بيئاتٍ فرعية، وهي كما هو مبيَّن في الصورة رقم (1.4): اقتصادية، وسياسية، وقانونية، وديموغرافية، واجتماعية، وتنافسية، وعالمية، وتكنولوجيّة. ومن شأن كل واحدة من تلك البيئات أن تولّد مجموعة فريدة من التحديات والفرص للشركات. ويمتلك أصحابُ الشركات ومديروها سيطرة واسعة على البيئة الداخلية للشركة، والتي تشمل القرارات التي تُتَّخَذ يوميًا؛ فهُم من يختار المواد التي يشترون، والأشخاص الذين يوظفون، والمنتجات التي يبيعون ومكانَ بيعها. كما يوظفون مهاراتهم وما لديهم من موارد لإنتاج السلع وتقديم الخدمات التي تُرضي زبائنهم الحاليين والزبائن المتوقَّعين. ولكنّ الظروف الخارجية، التي تشكل جزءًا من البيئة المؤثرة في الشركة، تكون خارج سيطرة إدارتها، كما أنها تتغير باستمرار. وعلى أصحاب الشركات ومديريها دراسة تلك البيئة باستمرار والتكيف مع تغيراتها حسب مصالحها. ويمكن لقوىً أخرى، مثل الكوارث الطبيعية، أن تكون ذات تأثير كبير على الشركات؛ فشركة النفط الأمريكية غالف كوست (Gulf Coast)، التي كانت في مرحلة إعادة البناء بعدما دمّرها إعصارُ كاترينا في العام 2005، قد مُنيَت بكارثة أخرى في نيسان من العام 2010، بعد وقوع انفجار في منصة استخراج النفط ديبووتر هورايزن (Deepwater Horizon) تسبّب بمقتل أحد عشر عاملًا وتسرُّبِ أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفظ في خليج المكسيك. وكان لهذا الحادث، الذي استمرت تبعاتُه الكارثيةُ لأكثر من سبعة وثمانين يومًا، كان له تأثير بالغُ الشدة على البيئة والشركات والسياحة ومعيشة الناس الموجودين في نطاقه. وقد أنفق تكتل النفط العالمي بي بي (BP)، المسؤولُ عنِ التسرب الحاصل، أكثر من ستين مليار دولار تعويضًا عما تسببت به الكارثة ومقابل أعمال التنظيف الذي نُفّذت في مكان الكارثة. واليوم، وبعد سبع سنوات على الكارثة، بدأت تتعافى السياحة وتنشط الشركات، ولكنه تعافٍ بطيءٌ في ظل عدم تأكُّدِ العلماء من العواقب البيئية طويلة الأمد جرّاء ذلك التسرب النفطي. الصورة 1.4: بيئة الأعمال الديناميكية: (حقوق الصورة محفوظة ل جامعة رايس (Rice) / أوبن ستاك (OpenStax)) ولا توجد شركة تمتلك من القوة ما يمكّنها من إحداث تغييرات كبرى في البيئة الخارجية المحيطة بها. إذًا، ليسَ المديرون سوى مُتكيفين مع التغيير، وليسوا هم من يقودونه، كما أن المنافسة العالمية هي أساسًا عاملٌ في البيئة الخارجية لأي شركة، والذي لا يمكن السيطرة عليه. ولكن بوسع شركة ما أن تؤثر في الأحداث الخارجية أحيانًا بفضل الاستراتيجيات التي تتبناها. فقد نجحت شركاتُ دواءٍ أمريكيةٌ كبرى في حثّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إف. دي. إي (FDA) على تسريع عملية منح الموافقة لها على أنواع دواءٍ جديدة. وفي السنوات الأخيرة، أنفقت أكبرُ الشركات على مؤشر إس و بي (S&P)، وهي غوغل، وفيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت، وآبل، حوالي 50 مليون دولار لصالح أنشطةِ ضغطٍ على صُنّاع القرار في العاصمة واشنطن، وذلك في مسعىً منها إلى مساعدة السّاسة على فهم الصناعة التقنية، وإدراك أهمية الابتكار، والإنترنت المفتوح في مجال الأعمال هذه. فلنلقِ الآن نظرة موجزة على العوامل المتنوّعة المؤثّرة في بيئة العمل. المؤثرات الاقتصادية يمثل هذا النوع واحدًا من أهم المؤثرات الخارجية التي تطال الشركات. إذ تنتج التقلباتُ في مستوى النشاط الاقتصادي دوراتٍ تجاريةً تؤثر في الأفراد والشركات بطرقٍ شتى. فمثلًا عندما يكون الاقتصاد في نموٍّ مستمر، ينخفض مستوى البطالة، وترتفع مستويات الدخل، كما يمثل التصخم ومعدلات الفائدة جوانبَ أخرى تتغير وفقًا للنشاط الاقتصادي. وتحاول الحكومات عبر السياسات التي تتبعها، مثل السياسات المتعلقة بالضرائب ومعدلات الفائدة، أن تحفّز عجلة النشاط الاقتصادي أو تبطّئها. وإلى جانب ذلك، تحدد قوى العرض والطلب الأسعارَ وكمية السلع والخدمات في سوق حرة. المؤثرات السياسية والقانونية يشكّل المناخ السياسي لبلدٍ ما عاملًا آخر على المديرين أخذه بالحسبان بخصوص ما يؤدونه في شركاتهم من عمليات تجارية. ويتكون المناخ السياسي من عناصر ثلاثة، هي حجم النشاط الحكومي، ونوع القوانين التي تصدر، والاستقرار السياسي العام الذي يسود الحكومة. فشركةٌ متعددة الجنسيات مثل شركة جنرال إلكتريك (General Electric) لا تُقدِم على إنشاء مصنع في بلد ما إلا بعد تقييم الوضع السياسي فيه؛ ويتضمن ذلك دراسة عدد من المسائل وطرحَ مجموعة من الأسئلة مثل: هل الحكومة مستقرة أم إن انقلابًا قد يُطيحُ بها ويُدخِل البلاد في حالة من اللاستقرار؟ وإلى أي مدىً تعد الأنظمة السائدة في ذلك البلد مُقيِّدةً للشركات الأجنبية، بما في ذلك ملكيّة الأجانب لوسائل الإنتاج ومستويات الضرائب؟ ويجب أن تؤخذ أمور أخرى بالحسبان في هذا السياق، ومنها تعريفات الاستيراد، والحصص المسموح باستيرادها أو تصديرها، والقيود المفروضة على التصدير. في الولايات المتحدة، تغطي القوانين التي يمررها الكونغرس وغيره من الهيئات التنظيمية جوانب عديدة، مثل المنافسة، والحد الأدنى للأجور، وحماية البيئة، وسلامة العمال، وحقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع. فمثلًا أصدر الكونغرس الأمريكي قانون الاتصالات لعام 1996 بهدف تخفيض مستوى التدخل الحكومي في قطاع الاتصالات. ونتيجة لذلك، ازادتِ المنافسة وظهرت فرص جديدة مع تلاشي القيود التقليدية التي كانت تُفرض على مزودي الخدمة. وحاليًا، أدى النمو الدراماتيكي في تقنية الهواتف المحمولة إلى تغيير وجهة تركيز قطاع الاتصالات، الذي يواجه اليومَ تحدياتٍ متعلقة بالسرعة والوصول ضمن النطاق العريض لنقل الإشارات متعددة التردد، وبث المحتوى، والتطوير المُلحّ في البنية التحتية لشبكة الاتصالات للتعامل مع عمليات نقل البيانات المتزايدة. وتلعب الهيئات الفدرالية دورًا محوريًا في العمليات الخاصة بالشركات التجارية؛ فعندما تريد شركة الدواء فايزر (Pfizer) إصدار دواءٍ جديد لأمراض القلب في السوق، فعليها اتباع الإجراءات التي تفرضها إدارة الغذاء والدواء إف. دي. إي من فحصٍ وتجارب سريرية، ثم عليها بعد ذلك الحصول على موافقة الإدارة المذكورة. وفي حال قررت إصدار أسهم، فعلى شركة فايزر أن تسجل أوراقها المالية لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. كما تُعاقب هيئة التجارة الفدرالية شركةَ فايزر في حال استخدمت معلوماتٍ مضلِّلةً حول فوائد دواءٍ جديد تصدره في إعلاناتها المروِّجة له. وليس ما سبق ذِكرُه سوى غيضٍ من فيض حول التأثير الذي يطال القرارات التي تصدرها الشركات بسبب البيئة السياسية والقانونية المحيطة بها. كما تمارس الولاياتُ والحكومات المحلية سطوةً على الشركات؛ فتفرض الضرائب، وتصدر النظام الأساسي للشركات، وتمنح تصاريح السماح لها بالعمل، وأنظمة استخدام الملكية ضمن منطقة ما، وسواها من الأنظمة المشابهة. وسنتحدث عنِ البيئة القانونية بمزيد من التفصيل في مُلحَق خاص. العوامل الديموغرافية تتّصف العوامل الديموغرافية بأنه لا يمكنُ السيطرة عليها، وذات أهمية كبرى بالنسبة لمديري الشركات. وتُعرَّف الديموغرافيا بأنها دراسة الإحصاءات الحيوية للناس، مثل عمرهم، وجنسهم، وعِرقهم، وإثنيتهم، وأماكن انتشارهم. وتساعد الديموغرافية، أو الخصائص السكانية، المديرين في تحديد حجم القوى العاملة وتركيبها. وستصادف موادَ متعلقة بدراسة الخصائص السكانية في حال تابعتَ دراستك في مجال الأعمال. وتلعب الخصائص السكانية دورًا محوريًا في عديد من القرارات التي تتخذها الشركات؛ فعلى هذه الشركات اليوم أن تتعامل مع التفضيلات التسوّقية التي لدى الأجيال والأذواق المختلفة لهم، والتي يتطلب كلٌّ منها اتباع منهجيةً تسويقية وإنتاج سلع وتقديم خدماتٍ تلبّي احتياجات الزبائن. فعلى سبيل المثال، في أحد أبرز الاقتصادات العالمية، الولايات المتّحدة، وُلِد ما يزيد على 75 مليون شخص، والذين يمثلون جيل الألفية بين عامَي 1981 و 1997. وفي العام 2017، تجاوز عددُ أفراد جيل الألفية الأفرادَ المولودين في فترة طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا بين عامي 1946 و 1964، فمثَّلوا بذلك أكبر جيلٍ عرفته أمريكا. ولا يزال التأثيرُ التسويقي الذي يُحدِثُه جيلُ الألفية مستمرًّا وفي تزايد؛ فأفرداه شبابٌ ناجحون وحذِقون تكنولوجيًَّا ومستعدّون لإنفاق مئات مليارات الدولارات على اهتماماتهم. كما إنهم ينفقون أموالهم بحرية، بالرغم من عدم وصولهم بعدُ إلى العمر الذي يكون فيه دخلُهم وإنفاقهم في ذروته. وهناك فئات عمرية أخرى مثل الجيل X، وهم المولودون بين عامي 1965 و 1980، وكذلك المولودون في فترة طفرة المواليد بين عامي 1946 و 1964؛ ولدى أفراد ذلك الجيل أنماط إنقاقٍ خاصة بهم، ومعظم أفراد طفرة المواليد لديهم المال والرغبة في إنفاقه على صحتهم، ووسائل الراحة، والسعي وراء الترفيه، وعلى شراء السيارات. ومع تقدم السكان في العمر، نجد الشركات توفر مزيدًا من المنتجات التي تروق للمستهلكين الذين في متوسط أعمارهم، ولأولئك الذين تجاوزا الستين. وإلى جانب ذلك، تمثّل الأقليات أكثر من 38% من تعداد السكان، إذ جاءتِ الهجرةُ بملايين السكان الجدد على مدى العقود العديدة الماضية. ويتوقع مكتب تعداد سكان الولايات المتحدة (United States Census Bureau) ازدياد أعداد الأقليات إلى 56% من مجموع التعداد السكاني للولايات المتحدة بحلول العام 2060. وتقر الشركات بأهمية توظيف قوى عاملة متنوعة. وقدِ ازدادت القوة الشرائية للأقليات بشكل ملحوظ أيضًا، كما أن الشركات أضحت تطور منتجاتٍ وحملاتٍ تسويقية تستهدف الجماعات الإثنية المختلفة. العوامل الاجتماعية تؤثر مواقفُنا، وقيمنا، وأخلاقنا، ونمط حياتنا، والتي تمثل معًا المؤثراتِ الاجتماعيةَ، في ما نشتري من سلعٍ وخدمات، وفي طريقة الشراء، ومكانه، وزمانه. وهي عوامل يصعبُ التنبؤ بها، وتحديدها، وقياسها لكونها تأخذ طابعًا شخصيًّا. كما أنها تختلف مع اختلاف مراحل حياة الأفراد. ولدى الناس من مختلف الأعمار طيفٌ واسعٌ من الاهتمامات التي لا تطابق مواصفات المستهلك التقليديةَ، كما يعاني أولئك الناس من "ضيقٍ في الوقت"، فتجدهم يسعَون إلى سُبُلٍ تُكسِبهم سيطرة أكبر على وقتهم. وقد ساهمت الظروف المتغيّرة في استجلاب المزيدٍ من النساء إلى صفوف القوى العاملة، فكان هذا تطورًا زاد من مداخيل الأُسَر، مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات التي من شأنها توفير الوقت، وتغيير أنماط التسوق الأُسَرية، والتأثير في قدرة الأفراد على تحقيق توازنٍ بين العمل والحياة. وبفضل التشديد المستمر والمتزايد حول موضوع السلوك الأخلاقي ضمن المؤسسات، على كافة المستويات، بفضل ذلك بات المديرون والموظفون في بحث دائب عن المنهج الصحيح للتعامل مع بعض العوائق والنقاط الأخلاقيّة الحسّاسة مثل التمييز علىه أساس الجنس، والتحرش الجنسي، وما سوى ذلك من السلوكيات الاجتماعية التي تؤثر في إمكانية تحقيق نجاح مستدام في الشركة. التكنولوجيا من شأن الاستعانة بالتكنولوجيا أن يحفّز النمو في النظام الرأسمالي أو في أي نظام اقتصاديٍّ آخر. فالتكنولوجيا (Technology) هي تطبيق المعرفة والمهارات العلمية والهندسية بغرض حل المشاكل المتعلقة بالإنتاج وبالمسائل التنظيمية ضمن المؤسسة؛ فالمعدات والبرمجيات الجديدة، التي تعزز الإنتاجية وتخفّض التكاليف، من ضمن أكثر الوسائل الإنتاجية قيمةً لأي شركة. وتُعرَّف الإنتاجبة (Productivity) بأنها كميةُ السلع التي يمكن للعامل أن يُنتجها، وعددُ الخدمات التي بوسعه أن يقدِّمها. وإلى جانب ذلك، تعتمد قدرتنا على بناء ثروةٍ والحفاظِ عليها بشكل كبير على السرعة والإنتاجية اللتين نستخدم التكنولوجيا في ظلهما بغرض ابتكارِ معدات أكثر فعالية والتكيف معها للارتقاء بالإنتاجية التصنيعية، وتقديم منتجاتٍ جديدة، ومعالجة البيانات بجعلها متاحة بشكل آني ضمن المؤسسة، وللمورّدين والمستهلكين كذلك. ويستخدم العديدُ من الشركات الكبيرة والصغيرة في الولايات المتحدة التكنولوجيا للتغيير، وتطوير الكفاءات، وضمان انسيابية عمليات الإنتاج. فمثلًا، يمنح التقدمُ المُنجَز في تقنية التخزين السحابي الشركاتِ القدرة على الوصول إلى البيانات وتخزينها من دون تكلُّف عناء تشغيل تطبيقاتٍ أو برامج تُخزَّن على مخدّماتٍ أو أجهزة حاسوب تَشغُل حيّزًا ضمن مكاتبها، إذ يمكن حاليًا الوصول إلى تلك البرامج والتطبيفات عبر الإنترنت. وتسمح التقنيات المُستخدَمة في الهواتف الذكية للشركات بالتواصل مع الموظفين والزبائن والمورّدين عبر شاشة الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية. كما تساعد الروبوتاتُ الشركاتِ في أتمتة المهام المتكررة بما يخفف الحِملَ عن الموظفين ويتيح لهم التركيز على المهام المبنية على المعرفة، والتي لا غنىً للشركات عنها في سياق عملياتها الإنتاجية. سنتحدث في المقال التالي عن الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم التي تتنوع بتنوع البلدان، إلى جانب الحديث عن الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والمسائل المرتبطة بكل منهما. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding Economic Systems and Business) من كتاب introduction to business
  12. عندما نُسدي نصائح حول العمل عن بُعد، فإننا ننطلق من منظورنا الخاص بوصفنا فريق عمل مكونًا مئة بالمئة من موظفين يعملون عن بعد. وعلى أي حال، لم يكن هذا النوع من التفكير هو القاعدة ولا المعيار حتى. وقد تبين للمعنيين في Bufferخلال أول دراسةٍ أجروها حول وضع العمل عن بعد أن غالبية الشركات التي توفر العمل عن بعد ليست كذلك مئة بالمئة؛ بل إن 65 بالمئة منها تجمع ما بين موظفين يعملون ضمن مكاتب تابعة لها وبين آخرين يعملون عن بعد. ويتعامل هذا النوع من الشركات "المركّبة"، وهي واحدة من أنواع متعددة على مقياس العمل عن بعد، مع مجموعة فريدة من التحديات: كيف للمؤسسات أن تحتويَ الموظفين عن بُعد؟ ما هي المزايا التي يحققها وجود بعض الموظفين عن بُعد على صعيد العمل؟ كيف للمؤسسات أن تتعامل مع وجود موظفيها في مناطق زمنية مختلفة؟ بماذا تردُّ على المشككين في أن بوسع الموظفين العملُ أثناء السفر وأن يكونوا مُنتجِين في آنٍ معًا؟ ما النصيحة التي توجّه إلى مؤسسةٍ لها مقرٌ ومكاتب بدأت للتو العملَ عن بُعد؟ كيف تبني ثقافةً خاصة بشركةٍ لها يتبعُ لها موظفون يعملون ضمن مكاتبها بالتوازي مع آخرين يعملون عن بعد. وقد لجأ المعنيون في Buffer إلى أصدقائهم في شركة RemoteYear للحصول على إجاباتٍ على ما سبق طرحه من أسئلة، إذ تتيح تلك الشركة المجال لموظفيها العاملين عن بُعد العملَ من موقعهم الجغرافي المنفصل عن مقرها وكذلك السفرَ حول العالم أثناء عملهم لمدة سنة واحدة أو أربعة أشهر فيقضون شهرًا واحدًا في كل مدينة. وتوفر هذه الشركةُ وسائل النقل والإقامة ومساحات العمل وخدمة WiFi تُلبّي حاجات العمل. وقد تكرَّمَ السيد غريغ كابلان (Greg Caplan) بمنح فرصة إجراء مقابلة تمخّض عنها هذا المقال، ليتحدث عن أفضل ممارسات العمل عن بعد والأفكار المتعلقة بمستقبل مكان العمل. 1.- كيف للمؤسسات أن تحتويَ الموظفين عن بُعد؟ عند بدء الحديث مع فريق العمل في شركة RemoteYear، كان واضحًا أنهم على دراية بهذا التحدي: كيف للمؤسسات التي لديها موظفون يعملون ضمن مكاتبها، وآخرون يعملون عن بُعد، أن تُدير العمل اليومي بالنسبة لكل من أولئك الموظفين؟ وتُمثل قوة العمل المنقسمةُ هذه تحولًا كبيرًا بالنسبة للعديد من المؤسسات والقطاعات التي عليها الآن أن تكون مسؤولة عن موظفين "غير مرئيين وجهًا لوجه" وأن تقدم لهم الدعم اللازم للمرة الأولى. وإليكَ ما أجاب به غريغ حول تلك الخطوة الأولى المتعلقة باستقطاب العمل عن بُعد إلى المؤسسة: يتجلى الفرق بين الموظفين عن بعد والموظفين العاديين في طريقة التواصل فقط. والسبيل إلى احتواءٍ أكبر لأولئك الموظفين عمومًا هو عبر اللجوء إلى أفضل الممارسات الطبيعية من قبيل تحديد الأهداف والحصول على نتائج واضحة، بدلًا من التعويل على تفاعل عشوائي ضمن المكاتب. عليك أن تكون أكثر جدية في الطريقة التي تتواصل فيها. ولدى الحديث عن الكيفية التي يبدو عليها ذلك التواصل الجدّي، فقد حرِص غريغ على التركيز على تحديد الأهداف. يختلف الأمر بالنسبة لكل شخص، ولكنك بحاجة إلى بلوغ أهداف محددة. وبالنسبة للقائمين على Buffer، فإنهم يبنون تلك الأهداف على الأهداف السنوية التي يقسّمُون إلى أرباعٍ (يمثل كل منها ثلاثة أشهر في السنة) وإلى أشهر كذلك، ويكون لديهم أولوياتٌ خاصة بكل أسبوع يسعى موظفوهم إلى بلوغها. وتتحقق معظم نقاط التواصل خلال الاجتماع الأسبوعي الذي يُجرى مع كل موظف على حدة. وهناك اعقتادٌ أن كلًا منهم بحاجة إلى عقد اجتماعات من ذاك النوع مرة كل أسبوع مع كافة موظفيه الذين يأتون بعده مباشرةً في الترتيب الوظيفي، والذين يوافونه بتقارير مباشرة. ومن بين الأمور الرئيسة التي شدّد عليها غريغ هي أنه بوجود الموظفين عن بعد، فمن المهم قياس أدائهم على أساس النتائج التي حققوا وليس على أساس وجودهم جسديًا من عدمه. ووفقاً لما قاله غريغ فإنه بوسعك استخدامُ أي نظام ناجحٍ بالنسبة لفريق العمل لديك مادمتَ تعمل مع موظفيك على تحديد أهدافٍ واضحة، وجادًّا حول الهدف المتوخى من ذلك النظام. 2. ما هي المزايا التي يحققها وجود بعض الموظفين عن بُعد على صعيد العمل؟ بيَّنَ غريغ (ونوافقه الرأي) أن هناك مزايا كثيرة ترتبط بالعمل عن بُعد. وفيما يخص الشركات التي ترسل موظفيها عن طريق شركة RemoteYear لأربعة أشهر أو سنة واحدة، استطرد غريغ في الحديث عن أربع مزايا رئيسة تحققها تلك الشركات. 1. استقطاب المواهب بدأنا نلاحظ كثيرًا من الشركات التي شرعت في اللجوء إلى شركة RemoteYear ومثيلاتها من الشركات التي توفر خياراتٍ مرِنة للوصول إلى ذوي المواهب. وثمة أنواعٌ من المواهب التي بات صعبًا العثور عليها وتوظيفها، فكان العملُ عن بعدٍ خير فرصةٍ لتحقيق ذلك. وقد طرح غريغ هذا المثال: عندما بدأت منصة Fiverr السماح للموظفين بالاستفادة من خدمات شركة RemoteYear، ارتفع عدد طلبات العمل التي وردتها إلى ما يزيد عن 200% بما في ذلك ارتفاعُ نسبة الطلبات المقدمة من مرشحين مؤهلين بمقدارٍ أعلى بمرتين. 2. الحفاظ على المواهب لولا العملُ عن بُعد لشاهدنا كثيرًا من الموظفين يتركون وظائفهم لكونهم قد يرغبون في السفر أو كسب مزيد من المرونة في نمط حياتهم، ولذلك يُعَدُّ توفير مزيد من المرونة سبيلًا ناجعًا للحفاظ على ذوي المواهب. 3. الاندماج الوظيفي والتقدير بالنسبة لهذه النقطة بالذات، كان لدى غريغ بيانات مثيرة للاهتمام ليشاركنا إياها: تبيَّن أن لدى الشركات التي يحظى موظفوها بخياراتٍ مرنة مؤشرُ ترويج صافٍ بمعدلٍ يبلغ +48. 4. التعلم والتطور لو فكرتَ في ما تقوم به شركة RemoteYear من إتاحة المجال للموظفين لخوض تجربة عالمية الطابع، لعلمتَ أن من شأن ذلك بناءُ كافة أنواع المواهب من قبيل ما يُعرف بالمنظور العالمي، إذ تتصاعدُ أهمية تلك التجربة مع اهتمام مزيد من الشركات ببناء قاعدة زبائن على المستوى العالمي. 3. كيف للمؤسسات أن تتعامل مع وجود موظفيها في مناطق زمنية مختلفة؟ كثيرًا ما يواجه المعنيون في Buffer التحديَ المتمثل في اختلاف المناطق الزمنية؛ فوحده فريق التسويق التابع لهم يعمل في سبع مناطق زمنية مختلفة. وقد أسدى غريغ نصيحتين رئيستين: 1. اجعل التواصل لاتزامنيًا. 2. شكِّل فِرَقَ عملٍ يُراعى فيها اختلافُ المناطق الزمنية. ينطوي المنهج الذي نسجهُ غريغ بحنكةٍ على تفهٌّمٍ عميق لاحتياجاتِ كل فريق عمل. عليك التفكير بكل فريقٍ وتحديدًا بما من شأنه جعل الأمور منطقية بالنسبة له. وإذا ما احتجتَ إلى تواصلٍ آنيّ، عليك عندها تشكيل فِرَقِ عملٍ بشكل يكون أكثر مراعاةً للمناطق الزمنية. ويشرح غريغ قائلًا إن هذا لا يؤثر بالضرورة على الميزة المتمثلة في مَجمَع المواهب، وهي الميزة التي يوفرها العمل عن بُعد، وإن فِرَق العمل لا يزال بوسعها مع ذلك التوظيفُ على المستوى العالمي. بل كل ما عليهم فعله هو البقاء متيقظين إلى الحالات التي يكون التواصلُ الآنيُّ فيها ضروريًا مقابل إمكانية التواصل بشكل لامتزامن. وكما هو الحال في Buffer، فقد تفاعلَ غريغ مع شركاتٍ كانت جادّة في نشر أعضاءٍ في فِرق عمل عبر مختلف المناطق الزمنية. 4. بماذا تردُّ على المشككين في أن بوسع الموظفين العملُ أثناء السفر وأن يكونوا مُنتجِين في آنٍ معًا؟ كثيرًا ما يرِدُ هذا السؤال في Buffer ويتفقون كليًّا مع الجواب الذي أعطاه غريغ إذ يقول: يتعلق الأمرُ بثقتك في موظفيك. وقد تبيَّن أنه من المستحيل بناء تلك الثقة في أول بداية العلاقة مع الموظفين، بالرغم من أن غريغ كان قد ذكرَ أن تحقيق ذلك قد يكون أسهلَ مع الموظفين الذين كانوا على تماس شخصي مع الشركة لبعض الوقت. يقول غريغ: ويجيب غريغ على هذا السؤال بطريقة أخرى بالتأكيد على أهمية توفير الخيارات المرتبطة بالعمل عن بُعد وعلى ضرورة أن يكون ذلك محوريًا بالنسبة للشركات، فيقول: وعندما سألتُ غريغ عن حروب استقطاب المواهب، فقد وسّع ذلك المفهوم بقوله: 5. ما النصيحة التي توجّه إلى مؤسسةٍ لها مقرٌ ومكاتب بدأت للتو العملَ عن بُعد؟ في حال كُنتَ عازِمًا على البدء في توفير عملٍ عن بُعد، إليك بعض الطرق التي تُساعدك على إنجاز ذلك. إن أفضل ما تقوم به هُنا هو البدءُ رويدًا رويدًا؛ فمن الصعب إنجازُ نقلةٍ نوعية من اليوم الأول. وتبدأ كثير من الشركات التي أتواصلُ معها بإتاحة يوم عملٍ واحدٍ من المنزل وذلك لمرةٍ واحدة في الأسبوع. وأعتقد أنّ إتاحة المجال للموظفين للابتعاد عن المكتب تترافق مع شعور بالراحة والاعتياد على ذلك، كما تجبر المؤسسةَ على تكييف ذلك بما يتلاءم وظروف الموظفين الآخرين. أما عن فكرته الأخرى حول الكيفية التي تبدأ فيها المؤسسات بإتاحة العمل عن بُعد، فهي تنطوي على اختيار شخصٍ واحد لدفعِ المشروع قُدُمًا. يقول غريغ: ويضيف غريغ قائلًا: 6. كيف تبني ثقافةً خاصة بشركةٍ لها يتبعُ لها موظفون يعملون ضمن مكاتبها بالتوازي مع آخرين يعملون عن بعد يبرزُ هذا السؤال كواحد من أكثر الأسئلة شيوعًا حول دعم الموظفين عن بُعد، ويقول غريغ ردًّا على ذلك: ما الحلُّ إذًا؟ وفقًا لوجهة نظرغريغ: وقد بلغت به اللطافة أن سمّى الفعاليات التي تقيمها Buffer على سبيل المثال. فالقائمون على Buffer يأخذون فريق العمل كاملًا في رحلةٍ تتضمن فعاليةً واحدة كبرى مرة كل سنة، كما أنهم بدؤوا تنظيم فعالياتٍ سنوية صغيرة يُتاحُ فيها المجالُ لفرق العمل في Buffer أن تجتمع معًا لمدة أسبوعٍ في مكان آخر خلال السنة. ويقول غريغ إنّ السبب الكامنَ وراء النجاح الباهر لهذا النوع من الاجتماعاتِ خارج أسوار الشركة في خلقِ ثقافة شركةٍ يتمثل في > "أنّ من شأنها بناءُ علاقاتٍ وتفاعلاتٍ وثقة مع الموظفين الآخرين بالنطر إلى أنك تخوضُ تجربة سفرٍ وبوسعك التواصل مع الآخرين بشكلٍ حقيقي". وأضاف غريغ: ترجمة -وبتصرف- للمقال How to Run a Workplace with Office and Remote Workers: An Interview with the CEO of RemoteYear لصاحبته [Hailley Griffis].
  13. رغم أن العمل المستقل في مجال التصميم قد يبدو ممتعًا ومُرضِيًا إلى حدٍّ بعيد، لكنه لا يخلو من سلبيات تعتريه؛ ومن أبرزها أن من شأنه جعلُ أشخاصٍ لا خبرة لديهم في عالم الأعمال في موقع يتخذون فيه قرارتٍ حاسمةً. وما يزيد الطين بلّة هو أن هناك احتمالًا كبيرًا لاتخاذك الخيارَ الخطأ تمامًا في أي موقف تمرُّ فيه. وقد لا يكون لاتخاذ القرار الخطأ ضررٌ يُذكَر؛ كأن تطلُب الورق الخطأ لطباعة بطاقات العمل الجديدة خاصتك، ولكنه من جهة أخرى قد يكون خطأً فادحًا يكلّفك مبلغًا لا بأس به من المال أو يسيء إلى سمعتك، أوِ الأمرين معًا. والحق يُقال، فقد سبقَ لي أنِ ارتكبتُ من الأخطاء الفادحة خلال مسيرتي في عالم الأعمال ما لا يتسع المقامُ للخوض فيه. وأؤكدُ لك أن الأمرَ ليس بمزحة، ولكن ولحسن الحظ، كان كلُّ خطأٍ ارتكبتُه بمثابةِ درسٍ تعلمتُ منه. وأنا هُنا لأشاركك الدروسَ التي علمتني إياها أخطائي والتي آمل أن تُجنِّبكَ تَجَرُّعَ الكأس المرة التي تجرَّعتْ. الاستخدام غير المصرح به للصور المحمية بموجب حقوق الطبع والنشر كان استخدام الصور على شبكة الإنترنت من السهولة لدرجة أنه لم يكن يعدو حفظ صورة ما وعملَ ما تريد فيها، فعلى الأرجح لم يكن الأمر وقتها قد وصل إلى التطور الذي نشهده اليوم، أما حاليًا، فالموضوع اختلف كليًا ولم يعدِ استخدامُ الصور بتلك الحرية فكرة جيدة إطلاقًا. فمع وجود متصيدي منتهكي حقوق الطبع والنشر ممن يلهثون وراء أي عُذرٍ كان ليرسلوا لك فاتورة ضخمة بسبب استخدامك غير المصرح به لصورة ما، بالتالي، حريٌّ بك أن تتأكد من امتلاكك حقوقًا لا لبس فيها تخولك استخدام صورة ما (بما في ذلك الصورَ التي يزوّدك بها الزبائن). ولو حدث معك ذلك على موقعك الخاص، فسيكون الأمر سيئًأ حتمًا. ولكن المصيبة الكبرى أن يحدث على موقعٍ عائد لأحد زبائنك وأن تكون أنت من نشرَ تلك الصورة، إذ سيضعك ذلك في موقف لا تُحسد عليه ويُظهِرُك بمظهر المفغّل (لا أود التعليق على أي تورطٍ شخصي في هذه النقطة). الحل تحقق من أي صورة تحمّل من على الإنترنت، فإذا كان مصدرها موقعًا يحتوي على كثير من الصور (سواء أكان مجانيًا أم ربحيًّا)، فتأكد من أن رُخصته تخوّلك استخدام الصورة لغرضك المقصود (الغرض التجاري مثلًا). فبعض اتفاقيات الترخيص تتضمن قيودًا حول حجم الصورة عندما يجري استخدامُها على موقعٍ ما. وبالنسبة للصور المجانية، ابحث عن التراخيص من نوع CC0 أو رُخَص المشاع الإبداعي التي تمنحك حرية استخدام الصور في المشاريع الشخصية والتجارية. ## عدمُ توثيق الاتفاق كتابةً إذا كنت مدركًا أنك تزاول عملًا ولا تقدم على توثيقه كتابةً، فاعلم أنك بذلك تجعل من نفسك فريسة سهلة للنصب. وإليك هذه النادرة لعلها تعطيك درسًا: لطالما عوّلتُ على حُسن نية الآخرين عندما كنتُ أستلم مشاريع جديدة بصفتي مصممًا، والمثير للعجب أن ذلك مرَّ دون مشاكل لسنوات عديدة. ولكني ما لبثتُ أن خُدعت بعد ذلك؛ فقد بدأتُ العمل على مشروع كلفني به أحدهم من دون أن أستوفيَ منه المبلغ الذي يمثل ضمانة بالحد الأدنى كوديعة، بالرغم من أني لم أكن غافلًا عن أهمية القيام بذلك. وما إن ساءت العلاقة معه حتى فشلتُ في استيفاء حقي من المال. وبالرغم من أنه كان بوسعي سلوك السبيل القانوني لإصلاح الأمر، فحسبيَ أنني استطعتُ الخروج من موقف سيء كهذا. الحل عندما يطلب إليك أحد الزبائن العمل على مشروعٍ ما، فلتتفق معه على الشروط كتابةً. وإذا كنتَ تشترطُ عادةً طلبَ إيداع مبلغٍ في حسابك، فعليك التأكد من أن صاحب المشروع يعلم مسبقًا أنك لن تبدأ العمل حتى يصبح ذلك المبلغ بحوزتك. ولا يعني قيامك بذلك أنك لن تواجه مشاكل تتعلق بدفع مستحقاتك وغيرها من المشاكل ذات الصلة، ولكنك على الأقل ستضمن توثيق حقك على الورق. تحمّل مسؤولية أمور أنت بغنى عنها سيقضّ هذا مضجعك مرارًا وتكرارًا. والمزعج جدًا في الأمر أننا غالبًا ما نوافق على الأمور (جهرًا أو سرًّا) في المرحلة الأولى من عملنا كمستقلين. ولكن عادةً ما تكون المعاناة متربصةً بنا فندركها لاحقًا، والمثير للعجب هنا أننا نفعل ذلك بعد أن نكون قد قطعنا عهدًا على أنفسنا بأننا لم نعد نرغب في أداء عملٍ بذاته. وسأضرب لك مثالًا حول موقف مماثل مررتُ به؛ فمنذ حوالي عقد من الزمن، وافقتُ على إدارة تطبيقٍ ترويجي على الموقع الإلكتروني لأحد زبائني. وكانت الغاية الرئيسة من وراء ذلك التطبيق هي إرسالُ قسيمةِ عيد ميلاد للأشخاص الذين أنشؤوا حسابات في قائمة البريد الخاصة بذلك الموقع. يبدو الأمرُ بسيطًا للغاية، أليس كذلك؟ لا تستغربوا، فلم يكن ما قمتُ به كذلك. وبما أنه لم يكن لديّ ما يوصلني مباشرة إلى قائمة البريد الخاصة بذلك الموقع والذي سيطلق عملية إرسال الرسائل، تلاعبتُ بذاك النظام السخيف عبر إضافة المستخدمين يدويًا إلى تطبيقٍ سيرسل تلك القسائم. وبسبب حماقتي، فقد تفقدتُ قائمة البريد بحثًا عن مشتركين جدد وأضفتهم إلى تطبيق قسائم منفصل، واستمر ذلك لسنوات تلت ذلك. وإلى جانب اتخاذي قراراتٍ أخرى تنمُّ عن قصر نظر، فقد كلفني ذلك وقتًا طويلًا جدًا كان يمكن استغلاله بأفضل مما جرى. وقدِ اقترنَ الإحباطُ الذي ألمَّ بي بنتيجة عملٍ دون المستوى المأمول. الحل فكّر مليًّا وخذ وقتك قبل أن تتولى القيام بما لا ترغب في فعله قبل أن تتورط في الموافقة عليه، فقد يكون عليك التعايش مع نتائج ذلك لوقت طويل بعد ذلك. وحاول أن تجعل كل شيء أوتوماتيكيًا ما استطعتَ إلى ذلك سبيلًا! الفشل في الاضطلاع بوظيفتك وصلنا في جولتنا إلى الخطأ الأخير الذي يمكن أن يكلفك الكثير من الوقت والعوائد الضائعة، إذ يتمثل ذلك الخطأ في عدم قيامك ببحثٍ كافٍ يخولك تحديد تقدير تكلفة دقيقٍ لمشروعٍ ما. والطامة الكبرى هنا أنه سهلٌ الوقوعُ في ذلك الخطأ أثناء تقديرك للمقابل الذي ستتقاضاه لقاء إنشاء موقع إلكتروني من الصفر أو اقتباس إعادة تصميم. لذلك غالبًا ما نرى حالات من "تمدد النطاق" تشق طريقها نحو المشاريع. وهذه الأمور الصغيرة هي بالذات ما يتحول إلى فوضى عارمة، وقد يكون أحد أسباب حصول ذلك أننا لم نطرح أسئلة استقصائية كافية في بداية العملية. فإذا لم ننسق مع الزبون الذي نعمل معه، فقد نواجه مفاجآت. وفيما يخص إعادة التصميم، فقد نقوم بمسحٍ خاطف لموقع قديم ظنًّا منّا أن لا شيء مهمًا يوجد داخله (خاصة في حال لم يذكر ذلك زبون محتمل). لذلك، وبدلًا من النقر على كل ما يمكننا الولوج إليه ضمن محتوى كبير، فإننا نفترضُ أنه كله متشابه، ولا ندرك أننا قد فقدنا العنصر الأساسي إلا بعد البدء في العملَ فعلًا، وعندها من المرجح أن يكون قد فات الأوان على العودة إلى العميل لطلب مزيد من المال (أو على الأقل سيكون ذلك محرجًا). الحل يتمثل الحل هنا في أن تكون متأنيًا قدر الإمكان عند مراجعة موقع موجود مسبقًا أو أثناء اتفاقك مع الزبون على شروط المشروع. وتكون مراجعة موقعٍ ما بسيطة كفايةً وتتلخص في النقر على كل رابطٍ لترى ماذا يخفي وراءه، وإذا عثرتَ على ما لم تستطع فهمه، فلتستفسِر عنه. وعند الاتفاق مع الزبون على شروط العمل، فلا يكفي أن تعلمَ ما هي الوظيفة التي يرد العميل الحصول عليها لموقعه، بل من المهم أن تعلمَ كيف يتوقع ذلك الزبون طريقة العمل الكلية، وأيَّ إمكانيةٍ لنقل البيانات قد تكون بحوزته. فكلما جمعتَ معلوماتٍ أكثر، كانت تقديراتك دقيقةً أكثر. التعلم التتابعي إذا كنتَ جديدًا على مجال عملٍ ما، ورأيت نفسك فجأةً تضطلع بواحد، فلا مناص من المرور ببعض العثرات؛ فهذا جزءٌ طبيعي من العملية. وبصفتنا مصممين أو مطوِّرين، تجدُنا نركّزُ على أفضل ما نُحسِن القيامَ به. وأحيانًا لا تتضح شروط العمل الأخرى إلا عندما يحدث خطأٌ ما. والجيّدُ في الأمر أن معظم الأخطاء قابلةٌ للتصحيح، هذا إن لم يكن ممكنًا تجنُّبُها مباشرةً. وأفضل سبيل إلى تجنُّب تلك المواقف هو عبر التفكير مليًّا في الأمور؛ خُذ وقتك وراجع السلبيات والإيجابيات. فكر في حقيقة كيف أنَّ لقرارٍ ما تتخذه أن يؤثر عليك لسنة أو سنتين مستقبلًا. وبمرور الوقت، قد تجدُ أن القيام بالأشياء على هذا النحو غدا أسهل، وأن حسابك المصرفيَّ قد كبُر وسلامتك العقلية قد تعززت. ترجمة -وبتصرف- للمقال Avoiding Costly Freelance Design Mistakes لصاحبه [Eric Karkovack]
  14. ثمة أمور متعلقة بعافية الموظف تتجاوز الحدود التي ترسمها الإدارة لذلك، ومنها على سبيل المثال الطريقة الواقعية التي "نعمل وفقًا لها". وباعتقادي، فقد عفا الزمنُ على تلك الطريقة، وبتنا نواجهُ عبء عملٍ "نفسيًّا" أثقل من ذي قبل والذي يقتضي منّا التسمُّرَ أمام شاشة الكمبيوتر من الصباح حتى المساء. وهذا فضلًا عن حقيقةِ أننا نعيشُ في جيلٍ باتت فيها الإدارة تطالب بتحقيق النفعية مع كل مهمة توكلنا إلينا. ومن شأن ذلك أن يضرّ بصحة الموظف وعافيته (النفسية منها والجسدية) وبمعنوياته كذلك. وبالتوازي مع الإرهاق النفسي الذي نتجرَّعُ، يزداد الأمر سوءًا بحقيقةِ أننا نقضي يومنا جالسين؛ فلا نتحرك إلا نادرًا. وبالرغم من أننا قد لا نلاحظ ذلك، فالجلوس يقتلنا ببطئ. ولذلك فقد جمّعنا قائمةً تحتوي على تمارينِ تمدُّد من شأنها تخفيف التوتر عنك، ومساعدتك في العمل بصورة أفضل، وفي تحسين صحتك نسبيًا. إليك تمارين التمدد المكتبية السبعة عشر التي قد تنقذ حياتك: وكما تلاحظ، فالقيام بتلك التمارين بسيط للغاية ولا يتطلب سوى جهدٍ قليل، إذ يمكنك فعلُ ذلك وأنت جالس على مكتبك. وفيما يلي شرحٌ أوفى لتمارين التمدد التي أخبرناك عنها. وسأنفذ تلك التمارين وأنا أكتبُ عنها لأعطيَك وصفًا مباشرًا إلى حدٍّ ما عن كيفية القيام بتلك التمارين. 1. مضخة الكوع إنها حركة بسيطة تمامًا تتطلب منك جعل كوعك بموازاة أذنك ومن ثم ضغطه باتجاه الأسفل لتحظى ببعض المرونة. ولوِ استطعتَ سحبه نحو الأسفل لبضع ثوانٍ في كل يد، فستشعر بالاسترخاء وزوال التوتر حالما تنتهي من تمرين التمدد هذا. Download now! 2. نفضة الركبة سأكون صريحًا معك، فقد واجهتُ صعوبةً في أداء هذا التمرين، وتحديدًا لأني كنتُ أرتدي سروالًا غير مريح. وبالرغم من ذلك، بوسعيَ القولُ إني شعرتُ بالتأثير الذي خلّفه ذلك التمرين. وإذا كان لديك المرونة الكافية للقيام به على مكتبك، فلا تتردد في جعل دمك ينساب متدفقًا بفضل هذا التمرين. 3. ملامسة أصابع الرجل هذا التمرين مناسب لتحسين مرونتك بشكل عام وخصوصك وركيك. فمن شأن هذا التمرين البسيط الذي تصل فيه إلى أسفل جسمك لتلامس أصابع قدميك وأنت جالس على طاولة مكتبك أن يجعلك تحظى بتدفق رائعٍ للدم عبر جسمك وبنمط حياة أكثر صحة. 4. راقصة الباليه صدق أو لا تصدق، وجدتُ أن هذا التمرين هو الأصعب من باقي التمارين في القائمة خصوصًا لأني أقضى غالبية يومي جالسًا. وبالرغم من صعوبته، فقد اعتراني بعد الانتهاء منه شعورٌ لطيف لم يسبق لي أنِ اختبرتُه وأحسست بارتياح عارمٍ في ظهري. مارس تمرين "راقصة الباليه" برفع ذراعك فوق رأسك ودفعها نحو الجهة الأخرى. 5. التصفيق الخلفي إنه تمرينٌ صعبٌ نوعًا ما في حال لم يكن لديك مرونة كافية في كتفيك لبدء القيام به. وإذا لم تستطع فعله، كل ما عليك هو سحب ذراعيك إلى الخلف ثم مددهما. ولحسن الحظ، فقد نجحتُ في القيام به رغم صعوبة ذلك. في الحقيقة لقد مدّدتُ ذراعيَّ لدرجة جعلتني أشعر وكأن ظهري قد تكسَّر، وكأني كنتُ أدفع ثمن الضرر الذي سببتُه لظهري على طول سنواتٍ اعتدتُ فيها على الجلوس طوال الوقت. 6. تمرين "لا أعلم" بودّي لو أعلم منِ الذي سمّى هذا التمرين بهذا الاسم، لأني أضحكُ كلما أدّيتُهُ. إنه كهزّ الكتفين ولكن في حالة الجلوس، وتحتاجه لتخفيف ذلك التوتر الجاثم على كتفيك. جرب القيام به لخمس ثوانٍ لتشعر فعلًا بالفوائد الكامنة وراءه. 7. الرأس الهزاز إنه تمرينٌ غريب بعض الشيء ومتأكد من أنك لن تشعر بالارتياح فيه بداية الأمر. حرك رأسك بطريقة دائرية لتخفف من التوتر في رقبتك. ولن تصدّق كم أنك متوتر فعلًا، ولكن كن واثقًا في أن شعورًا عظيمًا سينتابك بعد أداء هذا التمرين. 8. المسِ السماء شابك يديك ببعضهما ليبدوَ الأمر وكأنك تُمسِك بيديك وتحاول ملامسة السماء بكل ما للكلمة من معنى. وقد شعرتُ بعموديَ الفقري يتمدد قليلًا وأنا أمارس هذا التمرين، وكان شعورًا جميلًا. وهو أحد أسهل تمارين التمدد التي أدّيتُ وأفضلها كذلك. ولم يستغرقِ القيامُ به سوى ثانيتين. 9. مضخة الركبة إنه تمرينُ تمدُّدٍ آخر سهل وبوسعك القيام به وأنت جالس على كرسيك. اسند كاحلك على رُكبة الرِّجل المقابلة له، ثم اضغط ببطء على الركبة العمودية باتجاه الأسفل لتحظى ببعض التمدد اللطيف. إنه تمرين آخر جيد لجعل الدم ينساب متدفقًا عبر جسمك كله. 10. كاسر الرقبة يتضمن هذا التمرين سحب رقبتك باتجاه رأسك. وبوصفي لاعبَ كرة قدمٍ سابق كنتُ أمارس هذا التمرين، ولم يكن الصوتُ الناجم عنه لطيفًا جدًّا. ومع ذلك، أنصحُك بلا شك بأن تجرّبه وأن تتعامل مع رقبتك بلطف. فلا نريد إطلاقًا أن تؤذي نفسك وأنتَ تحاول ممارسة هذه التمارين. 11. وضعية طالب الزواج رجاءً لا تؤدي هذا التمرين أمام السيدات لما قد يسببه من ردة فعل محرجة. وتتلخص وضعية طالب الزواج ببساطة في أن تجثوَ على ركبة واحدة وتحظى بتمدد جيد نحو الداخل. فعندما مِلتُ نحو الخلف شعرتُ بتمدد لطيف جدًا في وركيَّ وفخذي، حتى إني قد دفعتُ نفسيَ نحو الأمام لأزيل بعض التوتر من أسفل ظهري. 12. طاوِل أعنان السماء يختلف هذا التمرين عن ذاك المسمى "المسِ السماء" لكونها تقتضي منك حركةً اندفاع قوي بينما توجّه يديك في الهواء. وسيكون هذا التمرين صعبًا عليك قليلًا إذا لم تكن في حالة نشاط عالية. ولكنك بالتأكيد ستشعر باسترخاء عظيم. وهو أحد وضعيات اليوغا القديمة الموجهة للأشخاص كي يتخلصوا من سموم الجسم ويريحوا أذهانهم بشكل طبيعي. 13. فنجان الشاي إذا رغبتَ في ترديد أغنيتك المفضلة التي تتناسب وهذا التمرين، فلن نحكُمَ عليك. وهو تمرين مشابه جدًا لتمرين "طاول أعنان السماء"، ومع ذلك سنطلب منك أن تفتل جسدك أيضًا. حاول القيام بهذا التمرين على كِلا الجانبين لكونه مفيدًا للتوازن. 14. الإمساك باليدين يندرج هذا التمرين تحت فئة المصارعة الذراعية الذاتية ويهدف إلى جعل الدم يتدفق إلى راحتَي يديك وساعِدَيك. كان هذا التمرينُ الأشدَّ في قائمة تمارين التمدد هذه لأنك ما إن تبدأ بالشعور بالحرقة التي يسببها حتى يبدأ ألمٌ خفيف يصيبك. حاول فقط أن تجعل ذراعيك مستقيمتين خلال أداءه! 15. معانقة إحدى اليدين إنه أفضل ما يمكنك القيام به من تمارين التمدد وخصوصًا إذا كنت بصدد الذهاب إلى التدريب. ويتمثل في معانقة نفسك بيدٍ واحدة. وستشعر بالتمدد عندما تصل يداك إلى خلف ظهرك (اذا كانت لديك المرونة الكافية لبلوغ ذلك)، كما سيخفف من التوتر في منطقة الجذع لديك. 16. ادفع الحائط منحني هذا التمرين شعورًا لطيفًا لم أعهده قبلًا. فقد فتلتُ جسمي ببطء وضغطت باتجاه الحائط فأحسستُ بالتوتر يغادر جسميَ كله حالما انتهيتُ من التمدد. وكنتُ على الأرجح لِأبدأ بهذا التمرين قبل التمارين الأخرى لكونه يحتاج إلى الجسم كله ليدفع الحائط. 17. الركلة العالية يحتاج هذا التمرين إلى كرة تدريب أو إلى منطقة تمدد صغيرة إن أمكن. أمارس هذا التمرين دائمًا قبل الخروج للجري ويساعدني في عمل تمددٍ لعضلات الورك القابضة. وإذا كان بالإمكان، فلتعثر على ما تتمسك به وترفع ساقيك إلى نقطة يبدو معها هذا التمرين وكأنك تقوم بأداء ركلة عالية. والأكيد أن قيامك بهذا التمرين سيسمح للدم بالتدفق عبر جسمك لكونه تمرينًا يتطلب جهدًا كبيرًا سيشكل بمثابة صدمة لجسدك (مع الأخذ بالحسبان أنك أمضيتَ يومك جالسًا). وتذكّكر أن بوسعك تحويل تمارين التمدد تلك إلى أنشطة بناء فريق في مكتبك عبر تطبيق التلعيب على العملية برمّتها. اجعل منها تجربة ممتعة لتكسب صحةً بهدف إشراك الجميع فيها. ترجمة -وبتصرف- للمقال ‎17 Desk Stretches That Might Save Your Life لموقع [officevibe].
  15. يبدو الاندماج الوظيفي لغزًا محيّرًا إلى حدٍّ بعيد. فهو عملية معقدة ذاتُ أجزاء كثيرة، وتحتاجُ إلى أن تتوافق مع بعضها بعضًا كي تنجليَ لديك الصورةُ بوضوح. ولا يمكنك ببساطة أن تحظى بامتيازات جيدة في عملك ما لم يرتبط ذلك بأهدافٍ أو مهمة كامنة وراءها. والعكس صحيح، فلن يُكتَب للاندماج الوظيفي النجاحُ في حال كانت لديك مهمة هادفة من دون توفير الحوافز الصحيحة للموظفين والتي تستهدف تشجيعهم. وقد استُخدم اصطلاح "الاندماج" كثيرًا وفي مواقف مختلفة لدرجةٍ باتَ معها من الصعب تعريفُه. ويعتقد كثير من الناس أنه يعني السعادة أوِ الرضا، ولكنك سرعان ما ستدرك أنه أوسع من ذلك بكثير. ووفقًا لمؤسسة غالوب التي اضطلعت وما تزال بجمع البيانات الخاصة بالاندماج الوظيفي وقياسها على مدى عشرين عامًا: ملايين الناس غيرُ سعداء، وقليلو الإنتاجية، ولا يقدمون لشركاتهم كل الجهد الذي بوسعهم تقديمُه. وبقدر ما يبدو ذلك أمرًا سيئًا، يُمكن بالمقابل النظر إليه بوصفه فرصةً للشركات تحدوها إلى تسريع الخطى التي تصل بها إلى تحقيق اندماج وظيفي تسبق به منافسيها. سيعلّمك هذا الدليل: أهمية الاندماج الوظيفي بالنسبة لشركتك عناصر الاندماج العشرة الخفيّة وسرّ أهميته مواطن تركيز جهودك لبلوغ أقصى استفادة ممكنة ما هو الاندماج الوظيفي؟ كان الأستاذ في جامعة بوسطن، وليم خان، أول من جاء بتعريفٍ للاندماج الوظيفي وذلك في ورقةٍ بحثية قدمها في العام 1990 بعنوان "الظروف السيكولوجية للاندماج وعدم الاندماج الشخصي في العمل". وفي تلك الورقة البحثية، عرَّف الأستاذ وليم خان الاندماج بأنه: وتعرَّف مؤسسة "غالوب" الموظفين المندمجين بأنهم: وعلى نحوٍ مماثل، تعرِّف شركة الخدمات المهنية "ديلويت" الاندماج الوظيفي بأنه: لاحِظِ النقاط المشتركة بين التعريفات الثلاثة السابقة: الالتزام والارتباط العاطفيَّين من قِبل الموظفين. عندما يكون الموظفون مندمجين، تجد أنَّهم جميعًا منخرطون في عملهم ولديهم نيةٌ صادقة في رؤية المؤسسة تحقق النجاح. ولا يحدوهم في وجودهم حيث هُم رغبتُهم في الحصول على المال أو حقيقة أنهم ملزمون بذلك، بل رغبتهم في أن يكونوا هناك فعلاَ. وتجدهم يحلّون المشاكل من دون أن تطلب منهم ذلك. ويبحثون عن حلولٍ جديدة للعمليات والإجراءات التي تحكم عملهم. يبتكرون ويتعاونون ويشكّلون مصدر إلهامٍ للمحيطين بهم. وتعرِّف شركة Officevibe الاندماج بأنه: وعندما يكون الموظف مندمجًا، تراه موظِّفًا جهدَه الذاتي الذي يمضي به أبعد مما هو محدد له في عمله من دون أن يطلب أحدٌ منه ذلك؛ ويحدوه في ذلك عاطفتُه التي تجعله يكترثُ بصدقٍ للشركة التي يعمل لصالحها. ومن شأن ذلك أن يجعل الزبائن سعداء، ويحسن من نتائج العمل، ويقوّي سمعة علامتك التجارية. دعنا نُعيدُ تعريفَ الاندماج الوظيفي: "هو الالتزام العاطفي المكنون في نفس الموظف تجاه المؤسسة التي يعمل لصالحها". لِمَ يُعَد الاندماج الوظيفي مهمًا؟ هَب لو كان كل موظف شغوفًا برؤية الشركة وزبائنها ناجحين. يتجلى السبيل الوحيد الصحيح لضمان إحاطة الزبائن بالعناية اللازمة بتحقيق ذلك لموظفيك. ويُعرَف ذلك بسلسلة المنفعة الخدمية وهو مفهوم جرى تقديمه للمرة الأولى في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو في العام 1998. ولا يزال هذا المفهوم منطبقًا حتى يومنا هذا كما كان الحال عند بداية ظهوره. ويمكن تشبيه سلسلة المنفعة الخدمية بالمجرى الذي يبدأ بالثقافة التي تكوِّن وينتهي بالنفع الذي تُحقِّق مع كل خطوةٍ تنحصر بينهما. ويبدأ النجاح من داخل المؤسسة؛ فعندما تهيئ جوًا يشعر معه الموظفون بالسعادة ويكونون منتجين، ومستقلين، وشغوفين بالعمل الذي يؤدون، فمن الطبيعي أنهم سيقدمون خدماتٍ أفضل لزبائنك. ومن شأن تلك الخدمة المميزة أن تكرَّس زبائنَ ذوي ولاء؛ مما يؤدي إلى نموٍّ وأرباحٍ مستدامَين. ومن هنا تنبع أهمية أن يفهم كلُّ رئيس مؤسسةٍ سلسلة المنفعة الخدمية وكيف تؤثر كل خطوة فيها على الأخرى. ويأتي وجود موظفين مندمجين ومتحفزين بمنافع أخرى هائلة في مجال العمل، من قبيل: علامة تجارية ذات سمعة قوية، مما يساعدك في توظيف الأشخاص ذوي الكفاءة القصوى والحفاظ على وجودهم في شركتك. مستوى ضغوطات منخفض أثناء العمل، وإتاحة المجال للموظفين بأن يتصرفوا على طبيعتهم ويمرحوا؛ فالسلامة النفسية أمرٌ بالغ الأهمية. معدلُ تبديلِ موظفين منخفضٌ من شأنه تجنيبُك التكاليف المادية المرتبطة بتغيير الأشخاص وكذلك الوقت الضائع من جراء ذلك. مستوى إنتاجيةٍ أعلى؛ لأن الموظفين المندمجين يتعاونون مع بعضهم بعضًا أفضل من غير المندمجين. إحصائيات متعلقة باندماج الموظفين إذا لم تكن قدِ اقتنعتَ بأهمية اندماج الموظفين بعدُ، إليكَ بعض الإحصائيات المتعلقة به والتي لا تدع مجالًا للشك بتلك الأهمية: يُكلّف الموظفون غير المندمجين الشركاتِ ما بين 450 إلى 550 مليار دولار (المصدر). تحقق وحداتُ الأعمال عالِيةُ الاندماج نسبةَ ربحيَّةٍ تقدَّر ب 21 % أعلى من نظيراتها غيرِ المندمجة(المصدر). تشهد وحداتُ الأعمال عالية الاندماج انخفاضًا في معدل غياب الموظفين بنسبة 41 % و 17 % زيادةً في الإنتاجية. تحقق وحدات الأعمال عالية الاندماج زيادةً بنسبة 10% في تقييمات الزبائن و 20 % زيادةً في المبيعات (المصدر) تفوقُ الشركاتُ ذات الموظفين المندمجين الشركاتِ غيرَ المندمجة في الأداء بنسبةٍ تبلغ 202 % (المصدر). يزداد معدل الاحتفاظ بالزبائن بنسبةٍ تبلغ 18 % لدى الشركات ذات الموظفين المندمجين (المصدر). وبحسب مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة، "يمثل العمل والأنشطة المرتبطة به الجزءَ الأكبر من يومنا بمعدل يبلغ 8.8 ساعة (بينما يحلّ النومُ ثانيًا بمعدل ساعاتٍ يبلغ 7.8 ساعة)". وعندما تفكر في طول الوقت الذي نقضيه في العمل (بحوالي ثماني مراتٍ زيادةً عن الوقت الذي نقضيه في "الاعتناء بالآخرين")، فمن الإنصاف أن ننشد قضاءَه بسعادة. ولا أحدَ مضطرٌ إلى قضاء ذلك الوقت الطويل من حياته في متوترًا أو كئيبًا أو يعمل زيادة عن الحد المقبول أو لا يلقى التقدير اللازم. ومن موقعنا كرؤساء في العمل، علينا أن نقدم المزيد للموظفين ولأنفسنا لنضمن جميعًا عيشَ حياةٍ سعيدة وصحية ومنتِجة. وكونك قدِ استوعبتَ معنى الاندماج ومدى أهميتِه، فقد حان الوقتُ للتعمق أكثر في كل عنصر من عناصر هذا اللغز. 1- التطور الشخصي: عنصر حاسم وقد أظهر بحثٌ أجرته مؤسسة "غالوب" أن 87 % من الألفيين يصنفون "التطوير الوظيفي وفرصه" كعنصر لا يقل أهمية عن العمل ذاته بالنسبة لهم. كما وجد البحثُ أن "فرص التعلم والتطوير" هي واحدة من بين أهم ثلاثة عوامل تتعلق بالحفاظ على الموظفين الألفيين، والجانب الوحيد لذلك الاحتفاظ الذي يميز احتياجات الألفيين عن سواهم. يقول ألبرت أينشتاين: يتكون التطور الشخصي من عناصر ثلاثة: الاستقلالية الإتقان الهدف يتحدث دانيال بينك في كتابه Drive عن هذه العناصر الثلاثة بوصفها الأشياء التي تحفزنا بصدقٍ لنبذل أقصى جهدنا في العمل. الاستقلالية في داخل كلٍّ منا دافعٌ داخليٌّ يجعلنا فضوليين لاكتشاف أشياء جديدة وتعلُّمها، إذ يمثل التوجيه الذاتي جزءًا من كياننا. ونحتاج خلال العمل إلى أن نشعر بأننا نمسك بزمام السيطرة والتحكم بعملنا وحياتنا اليومية. وهذا أساسيٌّ للاندماج الوظيفي، وعلى الشركات أن تجهد باحثةً عن سبلٍ تتيح إعطاءَ موظفيها استقلاليةً على عملهم سواء تعلَّق الأمرُ بتحديد ما الذي سيعملون عليه أو بتوقيت قيامهم بذلك العمل. الإتقان الإتقانُ مفهومٌ يعني التحسُّن في القيام بأمرٍ ما وبالشعور الذي يتأتى عن التقدم الذي نُنجِز. والكلام أسهل من التنفيذ؛ فمن الهيّن أن نجد أنفسنا غارقين أثناء قيامنا بعملٍ بالغ الصعوبة. ومن جانب آخر، نَمَلُّ العملَ السهل جدًا. ويوصي دانيال بينك بالعمل على ما أسماها المهام الوسطية أو المهام معتدلة الصعوبة، وهي مهامٌ مناسبة تمامًا. وكي تكون مهمةٌ ما محفزة لك، لا بد من أن تشكل لك تحدّيًا وتدفعك خارج دائرة الراحة خاصتك، ولكن ليس إلى حدٍّ مبالغ فيه. ينخفض الأداء عندما تكون المهمة شاقةً جدًا، ويُعرَف هذا بقانون يركيس- دودسون القائل: من المهم للرؤساء في العمل الخوضُ في نقاشاتٍ متكررة ومفتوحة مع موظفيهم حول صعوبة عملهم، وإيجادُ سبُلٍ لدعم عملية التعلُّم والتطوير لأولئك الموظفين. الهدف يتمثل عنصرُ الهدف في ارتباطك بمهمة المؤسسة والهدف منها والإيمان بتلك المهمة. ووفقًا لدانيال بينك، فهذا هو أقصى مستوىً من التحفيز الذي يمكنك الوصول إليه والذي لا يمكن تزييفه؛ فعندما تكون شغوفًا حقًا في ما تقوم به المؤسسة، فستأتي إليها يوميًا متقدًا حماسةً وتحفُّزًا. ويمكن للمديرين أن يساعدوا الموظفين في بلوغ الهدف عبر إدماج عملهم بالصورة الأوسع. وبدلًا من التركيز حصريًا على الأرقام والمقاييس، ركّز على التغيير الحقيقي الذي تُحدِثُه في حيوات الزبائن من خلال التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم. ومن الأمثلة على ما سبق دراسةٌ كشفت أن إظهار صورٍ مرضى لأخصائيي الأشعة (الذين لا يرون المرضى إلا نادرًا) ساعدهم في تحسين أدائهم لأنهم باتوا بفضل ذلك أكثر قدرة على تقدير الهدف الذي يسعون إلى تحقيقه. وثمة مثال آخر على مؤسسةٍ تقوم بذلك جيدًا وهي شركة Southwest Airlines (التي بقيت تحصد الأرباح لأربعين سنةً على التوالي). ويكمنُ السرُّ في أنهم مركزون على نحوٍ لا يصدق على موظفيهم وثقافتهم وكذلك على خدمة زبائنهم. ومن الأمور التي يقومون بها لتعزيز هدفهم هو تقدير موظفيهم بطرق متنوعة: تكريسُ لقبٍ شهري تحت مسمى موظف الشهر يُذكر فيه اسم ذلك الموظف النجمِ على موقعهم الإلكتروني. مشاركة قصةٍ في المجلة التابعة لهم لموظف متفانٍ يقدم أفضل بكثيرٍ مما هو مطلوب منه وذلك بمعدلٍ شهري. فيديوهات موجهة للشركة من الداخل يعجُّ محتواها بقصصٍ مأخوذة عن زبائن، وتدور حول التجارب العظيمة التي خاضوها. ثلاثُ نصائح بسيطة لتعزيز التطور الشخصي استثمر في التعلم عبرَ إتاحة الفرصة للموظفين كي يطوروا أنفسهم على نحوٍ دائم وتشجيعِهم على التعلم. عزز من استقلالية موظفيك عبر منحهم المساحة التي يحتاجون وتجنّب إرهاقهم بالتدقيقَ على الشاردة والواردة. فلتكن لديك مهمةٌ واضحة بوسع كل موظفٍ دعم تحقيقها و اسعَ نحو الارتقاء بها. احرص على القيام بكل ما بوسعك لمساعدة موظفيك على تحقيق الهدف المنشود. 2- التقييم: تواصل مستمر ومن شأن أيّ غموضٍ كان أن يؤدّيَ إلى إرباك الموظف، ويعد ذلك معرقلًا للأداء. بيدَ أن الطريقة التي يجري فيها التعامل مع التقييم في معظم المؤسسات ليست بالمستوى المطلوب (المصدر)؛ فنرى المديرين مترددين في إبداء ذلك التقييم البنّاء، كما أنهم غير مدرَّبين على القيام بذلك كما يجب، وينتهي الأمر بالموظفين لا فكرة لديهم عن مستوى أدائهم، ويُضطرون إلى انتظار صدور التقييم السنوي ليحظوا بفكرةٍ ما حول مستوى أدائهم، وهذا وقت ليس بالقصير. وبقدر ما يُحجِم المديرون عن إعطاء تقييم لموظفيهم، إلا أن عليك فعلُ ذلك؛ فالموظفون تواقون إلى سماعه. وفي الواقع، أظهر بحثٌ أجرته شركة Zenger/Folkman أن الموظفين يفضلون الحصول على نصائح عملية حول كيفية تطوير أنفسهم بدلًا من تلقي عبارات التقدير والإطراء. ومع ذلك، يعد التقييم أمرًا بالغ التعقيد، وليس سهلًا الاضطلاع به كما يجب. وحتى أصغر الأخطاء قد يتسبب في تعطيل الموظف عن عمله تمامًا. فالكلمات التي تستخدِم، ونبرة صوتك، وحتى لغة جسدك، لها جميعًا تأثير على الطريقة التي تعطي بموجبها التقييم. وقد أظهر البحث الذي أجرته شركة Zenger/Folkman أن كيفية إيصال التقييم كان لها تأثير على ما إذا كان موظفٌ ما يريد تقييمًا بنّاءً أم لا. وهنا يُطرح سؤالٌ على المديرين مفاده: كيف تقدمون التقييم؟ فيما يلي بعضُ النصائح التي ستساعدك: قدّم تقييمًا بشكل متكرر عندما يرتكبُ لاعبُ كرة سلة خطأً ما، هل تظن أن مدربه سينتظر حتى انتهاء الموسم ليتناقش معه في الأمر؟ بالتأكيد لا، فلا يصح أن تنتظر حتى نهاية العام لتقييم شخصٍ ما؛ لأنها مدة كفيلة بنسيان الموضوع الذي تقدم بشأنه ذلك التقييم. وتُظهِر الأبحاث أن الشركات التي تقدم تقييمًا بشكل منتظم تشهد معدلات تبديل موظفين أخفض بنسبة 14.9 % موازنةً بتلك التي لا تفعل ذلك. ويرتبط التقييم كليًا بتغيير السلوك؛ وبالتالي كلما أسرعتَ في تقديمه مباشرةً بعد الإتيان بالسلوك الذي تريد أن يتغير، كلما زاد احتمالُ أن يغيره الشخص المقصود. قدَّم التقييم في أقرب وقت ممكن بالنسية للفعل المؤدى موضوعِ ذلك التقييم، واحرص على عقد اجتماعاتٍ دورية مع موظفيك (كالاجتماعات التي تُعقد مع الموظفين على الصعيد الشخصي). حدد هدفًا للتقييم الذي تقدّم تتمثل الطريقة الفضلى لضمان أن يؤتيَ التقييم أُكله في ربطه بهدفٍ ما. وبذلك يمكنك قياسُ التقدم الذي يحرزه الموظفون في أدائهم، كما يمكن لأولئك الموظفين استخدامُ ذلك المقياس ذاته لقياس تطورهم الشخصي في مجال العمل الذي به يضطلعون، ودون وجود نتيجة محددة تتطلع إلى تحقيقها، يغدو صعبًا تلمُّس الأثر الذي يحدثه التقييم. 2- ركّز على السلوك وليس على الشخص قد تكون التقييم موضوعاُ بالغ الحساسية بالنسبة للموظفين، ولذلك عليك جعله حياديًا قدر الإمكان، فلا تود أن يبدوَ التقييم وكأنه مهاجمةٌ شخصية للموظف الذي يتلقاه، بالتالي من الأفضل أن يكون موجهًا نحو السلوك الذي يصدر عن الموظف وليس نحو شخصه. فمثلًا، بدلًا من شخصنة التقييم بقولك للموظف ("إنك تتأخر دائمًا")، اجعله منصبًّا على سلوكه بقولك ("وصلولك متأخرًا أدى إلى إبطاء عمل الفريق برمّته…"). إليك نصيحة أخرى مهمة… مهم: _ لا تستخدم طريقة التقييم المستتر (أي الذي تُخفيه بين عبارتين إيجابيتين، إنها لا تنجح. ويُظهِرُ البحث أن التقييم لا يُسمَعُ حتى، لأن "التقييم السلبي غالبًا ما يكون مخفيًّا وغير محدد تمامًا"_. ثلاث نصائح بسيطة لتطوير التقييم فلتضطلع بتقديم تقييم مستمر يتضمن أمورًا من قبيل الاجتماعات التي تُعقد مع الموظفين على الصعيد الشخصي، وآلية الأهداف والنتائج الرئيسة (OKRs) والتقييم متعدد المصادر (أو برنامج التقييم بدرجة 360)، …إلخ. استأذِنِ الموظفَ قبل تقديم تقييم له، فمن شأن ذلك أن يسهّل عليه التعامل معه. كن صادقًا ومباشرًا في الإفصاح عن التقييم التي تقدّم بدلًا من محاولة إخفائه. 3- التقدير: قوة الشكر ونعتقد أنّ هناك سببان رئيسان يفسران لماذا يخطئ كثيرٌ من الناس في ذلك: انشغال المديرين في عملهم لدرجةٍ تمنعهم من ملاحظة ما يجري. يعقّد المديرون مسألة الكيفية التي يجب وفقًا لها أن يجريَ إبداءُ التقدير. وكِلا النقطتين السابقتين مهمّتان. وعلى الرئيس في العمل استيعاب قيمة التقدير كخطوةٍ أولى. ووفقًا لكتاب How Full is your Bucket يأتي عدم شعور الموظفين بالتقدير في رأس قائمة الأسباب التي تدفعهم إلى ترك العمل. ويساعد تقديرُك لخيرة موظفيك على إدماجهم والحفاظ على وجودهم في العمل. وقد خلصت شركة ديلويت إلى النتيجة التالية: وما إن تدرك قيمة التقدير حتى تنتقل إلى الخطوة التالية وهي فهمُ مدى بساطته. وغالبًا ما يلتبس الأمر على الرؤساء في العمل وذلك بخلطهم بين التقدير والمكافآت، في حين أن الأمرين مختلفان عن بعضهما أيما اختلاف. وكما ذكرنا سابقًا، فالتقدير ببساطةٍ هو الإقرار بأن إنجاز عملٍ ما كان جيدًا. ومن موقعك كرئيس في العمل، فلتتخذ خطوة إلى الوراء، ولتكن أكثر إدراكًا لما يقوم به موظفوك من عمل، وأخبرهم ببساطة بأنك تلاحظ ذلك، فهذا كل ما يودون سماعه. ومن أشد الأمور إحباطًا للموظف هو ألا يلقى التقدير الذي يشعر بأنه يستحق. كل متى عليك تقدير موظفيك؟ وفقًا لمؤسسة غالوب، عليك تقدير موظفيك مرة واحدة على الأقل خلال الاسبوع، وذلك هو الحد الأدنى المقبول. وإن مرت مدة أطول من ذلك لم تقدّر فيها موظفيك، فسينخفض لديهم هرمون السعادة ويغدون مثبَطي العزيمة. وقد أظهرَ بحثُنا، بعد تحليل مليون إجابةٍ لموظفين مأخوذة من إحدى الدراسات الاستقصائية، أن ما نسبته 65 % من الموظفين يشعرون بأنهم لا يحظون بتقدير كافٍ؛ فالتقدير هو أحد السبل الأبسط والأسرع في تحفيز الموظفين. ثلاث نصائح بسيطة لتعزيز التقدير كرَّس وقتًا في بداية الاجتماع القادم للإضاءة على حُسن أداء أحد الموظفين على المَلأ. أنشر رسالة عامة عبر السحابة الإلكترونية Slack أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة تواصل أخرى تستخدم. قدّم شيئًا يتضمن عنصرًا شخصيًا (كأن تقدم بطاقة مكتوبًا عليها عبارةٌ بخط يدك) لتُظهِر بأنك كلّفتَ نفسك عناءَ القيام بذلك. 4- العلاقة بالمديرين: بناءُ الثقة فمن سلطات المديرين فصلُ الموظفين من العمل، وإسناد المهام إليهم، والتأثير في ترفيعهم، والموافقة على إجازاتهم، وغير ذلك من أمور. فلك أن تتخيَّل مستوى الخوف الذي يعتملُ في نفس الموظف من علاقة على هذا النحو. ولا بد أن أكثرية الموظفين يعيشون حالةً مستدامة من الخوف في محاولة يائسة منهم لإبهار مديريهم. وإليك السبب؛ فوفقًا لمؤسسة "غالوب"، يعد المديرون مسؤولين عن 70 % من التباين في نقاط الرضا الذي يشعر فيه الموظفون. وعندما تمعنِ النطرَ في التأثير الكبير الذي يحدثه المدير على الموظف، تتضح لديك الفكرة بجلاء. يعد عنصر "العلاقة مع المدير" بالغ الأهمية من ضمن العناصر الأخرى الخاصة بلغز الاندماج، إذ يترك معظم الناس العمل لدى الشركات بسبب رؤسائهم في العمل. وقد أظهرت إحدى الدراسات التي قامت بها مؤسسة "غالوب" أن حوالي 50 % من سبعة آلاف ومئتي بالغٍ خضعوا للدراسة قد تركوا العمل "للخلاص من مديريهم". وفي تقرير بحثيّ أجرته مؤسسة "غالوب" بعنوان وضع المدير الأمريكي: تحليلٌ ونصائح للرؤساء في العمل، طُلِبَ من الموظفين تقييم مديريهم وفقًا لسلوكيات معينة مرتبطة بسعادة الموظف. فقد ركّزوا تحديدًا على ثلاث سلوكيات: التواصل إدارة الأداء التركيز على الإيجابيات ويوصون الرؤساء في العمل بالتواصل دوريًا مع موظفيهم وخلقِ جوٍّ لهم يسود فيه الأمان النفسي والانفتاح. فيجب أن يشعر الجميع بارتياح كافٍ يتيح لهم التقرب من مديريهم وإيصال مخاوفهم إليهم. ويجب الاضطلاع دوريًا بإدارة الأداء، إذ يضيّع الرؤساءُ في العمل الذين يكتفون بإعداد تقييماتٍ سنوية فرصةً للارتقاء بأداء موظفيهم. ويرى أولئك الموظفون أن كثيرًا من المديرين يركزون على السلبيات. فلو ركزت على مساعدة الموظفين في التعرف إلى النقاط الإيجابية لديهم وتطويرها، فستحظى ببيئة عملٍ تضم موظفين أكثر اندماجًا وأعلى إنتاجية. ثلاث نصائح بسيطة لتطوير العلاقة بالمديرين احصل على التقييم من موظفيك. إذ تُظهِر عقلية التطور وتحديد مكامن الضعف من قبل الموظفين محاولة تطور لديهم. اعقد اجتماعات فردية مع موظفيك على سبيل التواصل معهم على الصعيد الشخصي. نظّم (واحضر) لقاءاتٍ غير رسمية كما في ساعات التخفيض على المشروبات في المطاعم والمقاهي أو خلال وجبات الغداء التي يجتمع فيها الموظفون على مائدة واحدة. 5- العلاقة مع الأقران: الأصدقاء مهمون وعلى المؤسسات أن تقوم بما في وسعها في مسعى منها إلى تعزيز الصداقات أثناء العمل، وخلقُ تلك الصلات بين الموظفين أسهل مما تظن. ويمكن للقاءات التي تجري في ساعات التخفيضات على المشروبات في المطاعم والمقاهي، وكذلك خلال وجبات الغداء في العمل، أن توثّق أواصر الروابط بين الزملاء في العمل. وقد وجدت دراسة أجراها حساب لينكد إن Relationships@Work أن 46 % من أصحاب المهن يعتقدون أن أصدقاء العمل مهمون لسعادتهم عمومًا. وهدفت دراسة قامت بها مجلة Personality and Social Psychology إلى الوقوف على الآثار التي تتركها الصداقات في العمل على أداء فريق الموظفين. وقسّم الباحثون المشاركين إلى مجموعات متكونة من ثلاثة؛ ثلاثة من الأصدقاء أو ثلاثة من المعارف، وكلفتهم بمشاريع للعمل عليها. فكان أداءُ المجموعات المتكونة من أصدقاء أفضل في كل مشروع نفذوه وذلك لأنهم قد تواصلوا بشكل أفضل، وكانوا أكثر صدقًا مع بعضهم بعضًا، كما تحلَّوا بالالتزام تجاه الفريق ككل. أما المجموعات المتكونة من أشخاص لا يوجد بينهم سوى معرفةٍ سطحية فقط، فقد كانوا ميالين إلى العمل منفردين، ولم يقدموا تقييمًا لبعضهم بعضًا، كما لم يشعروا بارتياحٍ تجاه بعضهم يجعلهم يطلبون المساعدة. وهذا درس مهم لجميع الرؤساء في العمل. احرص على أن يكون كل واحد ضمن الفريق صديقًا للآخرين، وألا يشعر أحدٌ بأنه معزول، إذ يفوق ذلك الشعورُ بالعزلة أو بالتجاهل التعرضَ للتنمّر سوءًا. ثلاث نصائح بسيطة تعزز الصداقة بين الأقران الأحداث الاجتماعية مناسبة عظيمة لتكوين الروابط بين الأقران في العمل، ولا حاجة إلى أن تكون ذات طابع رسمي مبالغ فيه. شجع على المشاريع الجماعية وهيئ وقتًا للموظفين يعملون فيه سويًا. وجبات الغداء التي يجتمع خلالها فريق العمل على مائدة واحدة هي وسيلة لطيفة لجمع الأقران، وخصوصًا الخجولين منهم. 6- السعادة: مفتاح الإنتاجية ويقع العديد من الناس في خطأ الاعتقاد بأن اندماج الموظفين وسعادتهم يمثلان الأمرُ ذاته، لكنهما ليسا كذلك؛ فالاندماج ليس هو السعادة. فقد يكون لديك موظف سعيدٌ غيرُ منتِج، أو سعيد ولكنه يضيع وقته في غير العمل أو في اللعب على هاتفه الذكي. أما الموظف المندمج، فهو المكرس نفسَه للمؤسسة التي يعمل لصالحها وفي سبيل تحقيق أهدافها. أعني أنهم أحيانًا يرزحون تحت بعض الضغوط، فهم مندمجون، ويجهدون لمصلحة الشركة التي يعملون لصالحها، ويعيرونها جُلَ اهتمامهم. ويمثّلُ هذا الاقتباسُ لصاحبهِ كيفين كروز تمييزًا مهمًا بين السعادة والاندماج. فقد تكون سعيدًا في عملك ولكنك غير مندمج في حال عدم وجود فرص للتطور أو في حال غياب التقييم، على سبيل المثال. وتذكَّر أن الموظفين المندمجين هم موظفون مشغولون. وقد وجد الباحثون أن الموظفين السعداء أعلى إنتاجيةً بنسبة 12 % مقارنة بغيرهم. ومن موقعك كرئيسٍ في العمل، تحتاج إلى عمل ما بوسعك لجعل موظفيك أكثر سعادةً. ومع ذلك، لست مضطرًا إلى القيام بذلك بمفردك، إذ يجدِ الموظفون السعادةَ المنشودة بطرقٍ عديدة تتأتى من جهودهم الذاتية من قبيل التأمل، وممارسة التمارين الرياضية، وإظهار الامتنان، إلخ. وكل ما تحتاج إلى فعله هو التشجيع على أنشطةٍ كتلك ومنحهم التسهيلات في سبيلها (كتقديم دعمٍ مالي للاشتراك في عضوية النوادي الرياضية). ثلاث نصائح بسيطة لتعزيز السعادة شجع جوَّ المرح في مكان العمل. فلتكُن خيرَ مثالٍ يُحتذى، ولْتخلق بيئةً يسودها الاسترخاء. عامِل فريق الموظفين لديك بمرونة. أخبرهم ألا يقلقوا بشأن العمل من المنزل أو فما يتعلق بالإجازات ما داموا يحققون النتائج المطلوبة منهم في العمل. ركّز على الإنجازات الصغيرة، وذكِّر الفريق دائمًا بالأمور الجيدة التي يقدِّمُ أفرادُه. 7- الترويج: تنشئة السُّفراء ثمّة أسئلةٌ ممتعة بوسعك أن تسألها لنفسك، والترويجُ مهم جدًا كأحد عناصر لغز الاندماج. باتَ استقطابُ الموظفين والحفاظ على بقائهم في العمل أصعبَ من أي وقتٍ مضى. وعلى المؤسسات أن تضاعف جهودها في يومنا هذا لتكوينِ علامة تجارية هادفة والحفاظ عليها. وخيرُ سبيل يمكن للمؤسسات سلوكه للارتقاء بعلامة تجارية حسنِة السمعة يكون بالبدء من داخل المؤسسة وتطوير الثقافة الخاصة بالشركة. ويبرزُ ما يُسمى مؤشر صافي المروجين أو مؤشر الترويج الصافي كأحد أكثر الطرق شيوعًا لتحديد ما إذا كان موظفوك سفراء أو مروجين لشركتك أم لا، وهو مفهومٌ طورته في الأساس شركة Bain & Co. كمقياسٍ يُحدَّد من خلال مدى ولاء الزبائن. أما آلية عمل ذلك المؤشر فتتلخص في سؤالٍ توجهه للموظفين مفاده "ما مدى احتمالية أن توصيَ بهذه المؤسسة كمكانٍ جيدٍ للعمل فيه؟" وبعدها تُتْبعه بسؤالهم "لماذا؟" لكون الجواب على هذا السؤال "لماذا" هو الجواب النوعي الأكثر قيمة. ويمكنك بفضل ذلك أن تتحرى بدقة عن المشاكل التي تعاني منها. فالهدف هو العمل باستمرار على تطوير نتيجة مؤسستك، والوصول إلى مؤسسة ملآى بالسفراء، ونشر رسالة مهمتك لما فيه صالحُك. فالأمر أشبه بتكبير فريقك بمعدل 10 أو 20 أو 100 مرة. ثلاث نصائح بسيطة للارتقاء بالترويج تولَّ القياس باستخدام مؤشر صافي المروجين واستحوذ على ذلك المقياس. تَحَرَّ لمَ يترددُ الناس في الترويج لعلامتك التجارية. قم بأمور مثل المقابلات أو مجموعات التركيز للحصول على تقييم. أشْرك الموظفين قدر الإمكان في تحديد كيفية تطوير سمعة علامتك التجارية. 8- الرفاه: الصحة الجسدية والنفسية عندما يحظى الموظفون بحياة عملٍ يسودها التوازن، يغدون أكثر إنتاجية. وقد أظهرَ بحثُنا حول اندماج الموظفين أنَّ: 60 % من الموظفين حول العالم يلاحظون بأن عملهم يسبب لهم المعاناة على صعيد الحياة الشخصية. فالموظفون بحاجة إلى حياة عملٍ متوازنة للبقاء منتجين ومندمجين. ولدى العديد من المؤسسات توقعاتٌ غير واقعية حول ما يمكن لموظفيها عمله وما يجب عليهم عمله. ومن الإجحاف افتراض أن الموظفين سيكونون دائمًا متوفرين للعمل، ومن غير العادل كذلك ألا تؤخذ حيواتهم الشخصية خارج العمل بالحسبان. فكلٌّ بحاجة إلى إعادة شحن طاقته وتجديدها. ومن موقعنا كرؤساء في العمل، نحتاج إلى وعيٍ أكبر بهذه الناحية. ويعاني الموظفون حول العالم من الضغوط، وتبعات العمل الزائد، وعدم التقدير الكافي، ويواجهون صعوباتٍ في ترتيب الرفاه خاصتهم. وهناك جانبان لرفاه الموظف: الرفاه الجسدي الرفاه النفسي ولا يحظى الرفاه النفسي باهتمام كافٍ، كما أن الرفاه الجسدي غالبًا ما يُعامَل كأمرٍ ثانوي. فعندما تقدم امتيازاتٍ من قبيل توفير الفواكه في المطبخ أو تقديم الدعم المالي للاشتراك في عضوية النوادي الرياضية، فمن شأن ذلك أن يسهّل الحياة على الموظفين وإظهار أنك مهتم بهم فعلًا. وقد تكون المصاريف المترتبة على ذلك منخفضة، في حين أن العائد على الاستثمار قد يكون عظيمًا. وستحظى بموظفين سعداء وأصحاء ومنتجين. ثلاث نصائح بسيطة للارتقاء بالرفاه: وفّر فواكه طازجة في المطبخ. إنها من أكثر الأمور التي ترفع المعنويات حصولًا على تقدير، وأرخصها تكلفةً. قدم الدعم المالي للاشتراك في عضوية النوادي الرياضية أو غيرها من الأنشطة الرياضية لمساعدة الموظفين على التمرُّن. طوّر الصفاء الذهني واخلق بيئة عمل يسودها الهدوء لتخفيض الضغوط قدر الإمكان. 9- الاتساق: الارتباط بالقيم وكي يشعر الموظفون بأنهم مرتبطون بالمؤسسة، فيجب أن تتسق قيمهم الشخصية مع قيم تلك المؤسسة. والسبيل إلى إنجاح هذه العملية يكون عبر الصدق والنزاهة تجاه القيم التي تنشد. وعند إرساء قيمك الأساسية، عليك صياغة الأمور التي تؤمن بها حقًا والتي ستستخدم لإدارة مؤسسة. ويبدأ ذلك عبر تبنّي مهمة هادفة بوسع الموظفين دعم تحقيقها. وبعدها احرص على أن كل شخص في المنظمة يساهم في نشر تلك الرسالة قدر الإمكان. إنك بحاجة إلى جعل موظفيك مرتبطين بتلك المهمة على نحوٍ دائم. ويتمثل أفضل السبل نحو النجاح في مؤسستك بعمل الجميع يدًا واحدة لتحقيق الهدف المشترك. حاول أن تدمج قيمك الأساسية في مختلف النواحي ضمن مؤسستك وذلك من خلال تقييمك للأداء أو عبر تقدير فريق العمل لديك. فكلما استطعتَ ربط السلوكيات التي يأتونها بقيمك الأساسية، كلما زاد احتمالُ أن يتشرّبوا تلك القيم يوميًا. ثلاث نصائح بسيطة للارتقاء بالاتساق استفد من فعاليات الاجتماع مع الموظفين من قبيل مؤتمرات Town Halls كسبيل إلى إطْلاعِ الجميع على ما يجري داخل المنظمة. ارتقِ قدر الإمكان بقيمك الأساسية. علق لوحاتٍ تتضمن تلك القيم على جدران مؤسستك في حال احتجت لذلك؛ المهم أن تعثر على طريقة لتكرار تلك القيم. استفد من فترة وجود الموظفين قيد التعيين لغرس مهمة علامتك التجارية وقيمها وهدفها في أذهانهم. 10- الرضا: أكثر من مجرّد مال حتى يشعر الموظف بالرضا في عمله، فهناك عاملان رئيسان التفكير فيهما: الأجر الكلي (الراتب + المزايا) خبرة عملٍ مُرضية. عندما يتعلق الأمر بالأجر، تذكّر أن المال ليس الشيء الوحيد الذي يحفّز الناس في العمل. فعندما لا يكون الراتب مطروحًا، يمكنك صنعُ فارقٍ حقيقي عبر تقديم المزايا. إذ يريد الناسُ حياة عملٍ متوازنة وأن يكون متاحًا لهم العملُ عن بُعد. وكرؤساء في العمل، ينبغي لنا أن نعيَ ذلك. أما فيما يتعلق بالخبرة وليدة العمل، فعليك التأكد من أن الموظفين راضون عن عملهم. ويشمل ذلك أمورًا من قبيل: حيّز عملٍ مريح. وضوحُ الأدوار المطلوبِ منهم تنفيذُها في العمل. الأدوات التي تمكّنهم من العمل على نحوٍ سليم. الموارد والدعم اللازمَين لتقديم عملٍ حسَن. أشعِرهم بالراحة خلال العمل، إذ ثمة خوفٌ كبير تشهده معظم الثقافات. وعليك كرئيس في العمل أن تُبدد ذلك الخوف بهدف إبقائهم راضين وذلك بوجودهم ضمن بيئة عملٍ سليمةٍ تراعي فيها الصحة النفسية لموظفيك. ويجب توضيح الأدوار المطلوبة من الموظفين والمتوقَّع منهم كذلك؛ حددِ الأهدافَ بالاشتراك مع موظفيك لضمان أنكم معًا على الموجة ذاتها، ثم تولَّ قياس النجاح المتحقق بناءً على الأهداف تلك. ويُقاس العملُ في أغلب الأوقات بناء على الوقت الذي المُستغرَق في المكتب، ولكن يجب كذلك قياسه بالنظر إلى النتائج المتحققة (وهذا يفسر أهمية تحديد الأهداف). وعليك البحثُ باستمرارٍ عن سُبُلٍ تمكّنك من تطوير ذلك (تلميح: اسأل موظفيك) لضمان بقاء موظفيك في حالة رضًا. ثلاث نصائح بسيطة ترتقي من خلالها برضا الموظفين تأكد من وضوح أدوار موظفيك في العمل بالنسبة لهم، فمن شأن أي ارتيابٍ في تلك الأدوار أن يخلق عدم رضًا. إلى جانب وجود مرتبٍ مُنصِف، احرص على تقديم مزايا جيدة من قبيل جداول العمل المرنة. استمِع إلى موظفيك، واطلب منهم تقييمًا باستمرار، وتأكد من حصولهم على ما يحتاجون لتقديم عملٍ جيد. قياس الاندماج وتطويره تتمثل الخطوة الأولى لقياس الاندماج وتطويره في استخدام الدراسات الاستقصائية وسيلةً. إنك بحاجة إلى قاعدةٍ تفهمُ انطلاقًا منها أين أنت بالتحديد وما هي النقاط التي تقتضي التطوير. وثمة بعض الأمور التي تحتاج أن تؤخَذ بالحسبان عند إعداد الدراسة الاستقصائية الخاصة بك. اجعلها قصيرة إن ضُعفَ الدراسة الاستقصائية أمرٌ واقعي؛ فكلما كانت طويلةً، زادت معها فرصةُ أن تغدوَ البيانات التي لديك ناقصة أو غير شفافة. استغلَّ الوقتَ لضمان أنك تسأل الأسئلة المهمة فعلًا. اطرح الأسئلة الصحيحة إن طرحَ الأسئلة التي تتضمنها الدراسة الاستقصائية أمر صعبٌ. إذ عليك فهمُ كيفية صياغة أسئلتك، وأيّ كلمات تستخدم وأيّها تستبعِد، وكيفية ترتيب تلك الأسئلة. إذا رغبتَ في تعلُّمِ المزيد حول كيفية القيام بذلك كما يجب، انقر هنا. اعمل وفق عقليّةٍ صحيحة قبل أن تبدأ بدراستك، احرص على أن تكون ضمن إطار عقليةٍ صحيحة؛ فلا أسوأ من طلبِ تقييم من موظفيك دون البناء عليه لاحقًا. عليك الامتنان لذلك التقييم الذي يقدمون لك وتلقّي أي شيءٍ برحابة صدر (بما في ذلك الملاحظات السلبية)، وعليك كذلك أن تكون مستعدًا للتصرف حيال ذلك. ومن المهم ملاحظة أن القياس هو الخطوة الأولى. يلخّصُ هذا الاقتباس المأخوذ عن مؤسسة غالوب ما عليك القيام به. ولو كان عليك اختيارُ أمرين تركّز عليهما بغية الارتقاء باندماج الموظفين، سيكونان التاليَين: تعليم المديرين التطوير المهني وكما أسلفنا في بداية هذا الدليل، يتمتع المديرون بأعظم تأثيرٍ ممكن على عملية اندماج الموظفين، ومن هنا تنبعُ مسؤوليتهم المتمثلة في تطوير أنفسهم الذي ينعكس إيجابًا على موظفيهم. ويعد التدريبُ في مجال الذكاء العاطفي خيرَ بداية ينطلق منها المديرون، لأن كثيرًا من تلك المهارات الشخصية التي تؤهل رؤساءَ عملٍ أفضل نابعةٌ من كونهم ذوي ذكاءٍ عاطفي عالٍ. وعليك دون أدنى شك أن تحرص على مُساءلة المديرين عبر تحديد أهداف واضحة حول الكيفية التي سيتطورون وفقًا لها. وعندما تكون المؤسسة برمّتها ملتزمةً بتطوير الاندماج الوظيفي، يغدو لزامًا عليك تركيزُ اهتمامك على مساعدة المديرين في أن يكونوا رؤساءً أفضل وأكثر تعاطفًا. وثمة ناحيةٌ أخرى مهمٌ التركيزُ عليها وهي التطور الشخصي والمهني، إذ يمكن القولُ إنها الأكثرُ أهميةً من بين جميع عناصر لعز الاندماج الوظيفي الأخرى، لأنها أكثر ما يجذب الموظفين في صميم رضاهم. واحرص على وضوح الأهداف المحدَّدَة للموظفين وعلى أنَّ لديهم فرصٌ للتطور. أفكارٌ حول اندماج الموظفين تحتل الثقة والاحترامُ الصَّميمَ من ذلك؛ فبدون ذلك الاحترام الذي لا زيفَ فيه ولا رياء، لن تغدوَ قادرًا على التواصل مع موظفيك ولا على الارتقاء باندماجهم الوظيفي. إليكَ بعضُ الأفكار التي بوسعك توظيفها الآن للبدء في إدماج فريق الموظفين لديك: أَضْفِ جوًّا من المرح في العمل يقضي الناس كثيرًا من الوقت في العمل بحيث يغدو مملًا وجادًّا. ومع أن العمل والإنتاجية أمران مهمان، فلا يمنَعَنَّك ذلك من تكريس وقتٍ تفاعليٍّ مع قليل من المرح. وقد يكون ذلك بسيطًا كأن تخطط لتناول الغداء مع فريق العمل خارجًا في أحد المطاعم بين الفينة والأخرى، وتساعد أمورٌ كهذه في بناء روحِ فريق جماعية. شجع على المرونة أن تكونَ مرنًا مع موظفيك هو أحدُ أفضل الأمور التي بوسعك فعلُها من موقعك كرئيس في العمل. فالسماح لهم بالعمل من المنزل في بعض الأحيان أو تشجيعهم على ألا يتأخروا في دوامهم مهمٌ لخلقِ بيئة عملٍ صحية ومستدامة. ولا تقيّم إنتاجية الموظف بناءً على الوقت الذي استغرقه جالسًا في مكتبه، فالأمر ليس مرهونًا بهذه الناحية. حدد أهدافًا واقعية وواضحة هناك نقطتان مهمتان في هذا السياق؛ إذ عليك أن تحدد أهدافًا واضحة من جهة وأن تكون واقعية من جهة أخرى. فغالبًا ما يضع أفراد الفريق أهدافًا غير واقعية تقود في نهاية المطاف إلى ضغوطٍ هم بغنىً عنها. إذًا، فلتكن واقعيًا فيما يتعلق بتوقعاتك وذلك لصالح رفاه فريق العمل لديك وصحة أفراده بالمجمل. شجع موظفيك على التعبير عما يعتمل في نفوسهم في حال شعروا بأنهم يعملون فوق طاقتهم. فمن المهم أن تحرص على وضوح الأهداف بالنسبة لفريق العمل لديك. ولا تخجل من التحقق من ذلك كل فترةٍ لتوضيح الأمور. هل ترغب في مزيد من الأفكار حول كيفية إدماج فريق العمل لديك؟ فلتطّلع إذًا على هذا المقال الزاخر بأفكار الاندماج الوظيفي. لا تُغرق نفسك. ابدأ بأمور صغيرة وبعدها توسع انطلاقًا من ذلك ما إن تتمكن من إثبات نجاعة ما تقوم به. يحتاج التطوير إلى وقتٍ ليؤتيَ أُكُله، لذلك تحلَّ بالصبر، وكلما نجحت في إدماج موظفين أكثر، كان ذلك أفضل. وكلما كانوا منخرطين في رسم تلك الاستراتيجية، زاد احتمال نجاحهاK إذ سيتعاملون معها بجدية أكبر وسيغدون مُستثمَرين أكثر عاطفيًّا فيها لأنهم اشتركوا في صياغتها. فإشراك الموظفين في رسم الاستراتيجية يزيل عنك حِملًا ثقيلًا ويسهِّلُ عليك البدء في تنفيذها. أنت بحاجة إلى استراتيجية اندماجٍ محددة من قبل العديد من أعضاء مؤسستك تتضمن عناصر اللغز العشرة التي خضنا في تفصيلها في هذا الدليل. ومع مرور الوقت، ستخلِقُ نخبةَ موظفين سعداء وأصحاء ومنتِجين يعملون كيدٍ واحدة ترتقي بمؤسستك نحو العلاء وتطاول بها أعنان السماء. ترجمة -وبتصرف- للمقال Employee Engagement: Seeing the Bigger Picture لصاحبه Alison Robins
  16. قد تنشأ لدى زبائنك رغبةٌ حقيقيّة في استخدام الميّزة أو المنتَج خاصّتك، ولكنّهم ببساطة يريدون، بالإضافة إلى ما ذُكِر، شيئًا لا يتعارض مع تلك الميّزة أوِ المنتَج، إذ يرغب النّاس في أن يصبحوا نحيلين وأصحّاء، ولكنهم بالمقابل لا يودّون التوقّف عن تناول الوجبات السّريعة والمشروبات الغازيّة. فشركتا McDonald's و Weight Watchers تبيعان منتجاتٍ مختلفةً عن بعضها إلى حدّ كبير، ولكنّهما تتنافسان لكسب الزّبائن ذاتهم؛ هذا ما نسمّيه المنافسة غير المباشرة. ويستهدف منافسوك المباشرون إنجازَ العمل ذاته الذي تقدّمه أنت وكذلك تحقيقَ النّتيجة ذاتها. فلو رغبَ شخصٌ ما في تناول البرغر، فسيجد أن كُلًّا من شركتَي McDonald's و Burger King تقدّم له ما يرغب به، وبالتالي سيحصل من كلّ منهما على النّتيجة ذاتها. وخلافًا للمنافسين غير المباشرين، يتنافس ما يسمى بالمنافسين الثّانويين على النّتائج، فعلى سبيل المثال يتنافس مجالا مؤتمرات الفيديو ورحلات الطيران من درجة رجال الأعمال على النّتائج لكونهما يُقصَدان لتحقيق العمل ذاته؛ وهو توفير الّلقاءات بين رجال الأعمال، ولكنّهما يقدّمان الحلّ ذاته بطريقتين مختلفتين. وهناك في المنافسة غير المباشرة عملان مختلفان يرغب الزبون في القيام بهما، ولكنّ هذين العملين في حالة تنافسٍ فيما بينهما. ويُلاحَظ هذا النوع من التنافس دائمًا في مجال المنتجات الخاصّة بالبرمجيات. "أودُّ السّماح بعمليات دفعٍ في منتجي، ولكني أريد تخفيض مستوى إشراك الطرف الثالث التي نعتمد عليه". "أودّ إضافة أداة التّحليل هذه، ولكنّي أرغب أيضًا في تحسين زمن الاستجابة على الوجه الأمثل". "أودّ معرفة كيف يقضي أفرادُ الفريق التّابع لي وقتهم، ولكني أرغبُ في إظهار أنّنا نثق في بيئة العمل". قد يبدو هذا منافيًا للمنطق، ولكنّ البشر متصالحون مع فكرة الجمع بين مختلف الآراء والرّغبات المتناقضة، فنحن نريد الاحتفاظ بكعكتنا وأكلها في آنٍ معًا. تتصارع قوّتان هنا، وهما جاذبية النّتيجة التي يقدّمها منتَجُك مقابل تلك التي يقدّمها منتجٌ آخر. وعليك تركيزُ التسويق الذي تضطلعُ به على جعلِ النّتيجة التي يقدّمها المنتج الآخر أقلَّ جاذبية وبريقًا، أو أن تغيّر تموضع منتجك في مسعىً منك إلى إزالة التّنافس بين النّتائج الخاصّة بمُنتَجك من جهة والمنتَج الآخر من جهة أخرى. تولَّ إدارة المنافسة غير المباشرة وقعَ أحدُ زبائن شركة Intercom في حيرة من أمره. فقدِ اشتركت مئات الشركات في منتجه الخاص باختبار A/B، ولكنَّ قلة منها فقط التي ذهبت أبعد من مرحلة الاختبارات عديمة الأهمية. وقد أراد جميعُ الزبائن استخدام المنتج فعلًا، وتعرّفوا إلى طريقة استخدامه، واستوعبوا القيمة التي يمثّلها. وقد أرسل ذلك الزّبون رسائل عبر شركة Intercom إلى أولئك المستخدِمين وتعرّف إلى الخطأ الكامن وراء ما حدث. فما المشكلة إذًا؟ بقدر ما أعجبتهم فكرةُ إخضاع التطبيقات الخاصّة بهم لاختبار A/B، بقدر ما كانوا يفضّلون شيفرة نظيفة، مقروءة بسهولة، وقابلة للحفاظ عليها. فهم لا يفضّلون إضافة لغة البرمجة "جافا" في التطبيقات الخاصة بهم لإنشاء اختباراتٍ مفيدة وذات معنى، ولذلك فلم يستخدموا المنتَج. ولمواجهة تلك المخاوف، أضاف مخطّطًا خاصًّا بالرّسائل مقلّلًا من أهميّة الشّيفرة النّظيفة وساعيًا نحوَ الارتقاء بمبيعات منتجه. وقد أرسل الرّسالة التّالية لغير مستخدمِي منتجه في اليوم الثالث: وفي اليوم السّابع أرسل رسالة أخرى متحيّنًا توقيتًا مناسبًا: وقد أثبتت تلك الرسائلُ فعالية، فالعديد منها نجح في إقناع الآخرين بتنصيب منتجه، بينما أثارَ بعضُها الآخر نقاشاتٍ تقنيّة محتدِمة. ولكنّ الأهمّ هو أنّ جميع تلك الرّسائل قدّمت رؤىً إضافيّة حول مجال العمل ذي الصّلة بها، وهو جُلُّ ما تحتاجُ عندما تكون في بداية طريقك. اعرف منافسيك الحقيقيين سبقَ للرّئيس السّابق لشبكة CNN، وهو جوناثان كلين، أن قدّم تعريفًا بالمنافس غير المباشر لشبكته الإخبارية قائلًا: فالفكرة مفادُها أن الزبائن لا يختبرون منتجك بمعزل عن سياقه، بل في وسطٍ يعجُّ بمنتجاتٍ وخدمات وأفكار أخرى تلهث جاهدةً وراء استمالتهم إليها؛ وبعضها يتنافس مع العلامة التجارية الخاصة بك، في حين أن بعضها الآخر يتناقض معها. ويساعدك فهم كل تلك القوى في مواجهتها عبر الجهود التي تبذلها في التّسويق لمنتجك أو الخدمة الخاصّة بك. ترجمة -وبتصرف- للمقال Understanding direct and indirect competition لصاحبه Des Traynor
×
×
  • أضف...