اذهب إلى المحتوى

اتخاذ قرارات أخلاقية وإدارة عمل تجاري مسؤول اجتماعيًا


مجد اسماعيل

سنكمل سلسلة مقالاتنا عن مدخل إلى عالم الأعمال في بابها الثاني، والذي سنخوض في رحابه مطوّلًا مستعرضين موضوعًا مهمًّا في البيئة المؤسساتيّة، ألا وهو اتخاذ القرارات الأخلاقية وتأسيس شركة ذات ناجحًا اجتماعيًّا، سنستعرض في مقالاتنا القادمة لمحةً عن الأفكار الفلسفية التي تشكّل المعايير الأخلاقيّة، وسنشرح كيف يمكن للشركات تشيجع السوكيات الأخلاقية في بيئة عملها، وسنعرّف باقتضاب المسؤوليّة الاجتماعيّة التي تقع على عاتق الشركات، وكيف يمكن لهذه الشركات أن تلتزم بمسؤولياتها تجاه أصحاب المصالح المرتبطين بها، وفي ختام مقالات هذا الباب سنسلّط الضوء على الاتجاهات الحديثة في الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات.

استكشاف المهن التجارية

التسلُّح بهدفٍ لدى شركة هاسبرو

شركة هاسبرو (Hasbro) هي إحدى شركات الألعاب والتسلية العالمية التي تأخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات على محمل الجدية. تأسست هذه الشركة منذ حوالي قرن من الزمن في ولاية رود آيلاند الأمريكية، وتدمج بين المسؤولية الاجتماعية للشركات وهدفِ المساعدة في جعل العالم مكانًا أفضل للأطفال من جميع الأعمار.

في العام 2017، حققت الشركة المركز الأول ضمن ترتيب الشركات المئة الأكثر مواطَنة "100 Best Corporate Citizens" الذي تصدره مجلة كوربوريت ريسبونس بيليتي (Corporate Responsibility Magazine)، وليس هذا الإنجازُ بغريبٍ عن شركة هاسبرو؛ فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لم تغِب المراكزَ الخمسة الأولى على تلك القائمة الفخرية، ولم يأتِ ذلك بمحض الصدفة.

تركّز الشركة جهودها المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات على أربعة عناصر، هي: أمان المنتَج، والاستدامة البيئية، وحقوق الإنسان والتعهيد الأخلاقي، والمجتمع.

التعهيد هو هو استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة (أجنبية أو محلية)، وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والغير اقتصادية وذلك بإعطاء الجهة الثالثة المستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسؤوليات وصلاحيات وهيكليات معينة وأنشطة كانت عادة تقوم بها (ذاتياً) وتؤديها داخلياً الجهة المستعينة، وذلك عن طريق التعاقد بتوقيع عقود واتفاقيات تعاون ترتب وتنظم مدة وموضوع الاستعانة والإنجازات والواجبات والحقوق والالتزامات وسد الثغرات وتلبية مصالح وأهداف الجهة المستعينة.

فمثلاً إذا كانت شركة أو مؤسسة توظف شخصاً ما من أجل حراسة مكان ما أو شيء ما مثل بناية أو معدات أو ما شابه، لكن لتوفير الجهد والمال قامت الشركة المستعينة بنقل هذه المهمة بالاستعانة بخدمات جهة ثالثة (مصدر خارجي، موارد خارجية) قادرة على القيام بمهمة الحراسة والأمن بدل الحارس الذي كان موظفاً لديها.

أما التعهيد الأخلاقي، فهو ضمان أن تكون الموارد أو المنتجات أو الخدمات… إلخ التي تتلقاها شركة ما وفقًا للتعهيد مُقدَّمةً بطريقة مسؤولة ومستدامة وينعم فيها الأفراد المعنيون بالأمان والمعاملة العدالة مع أخذ التأثيرات الاجتماعية والبيئة النرتبطة بالتعهيد بالحسبان.

ووفقًا للشركة، يُعامَل أمان المنتجات على أنه أولوية بالنسبة لها، كما تطبق عمليةَ تحققٍ من الجودة تمر بمراحل خمس بدءًا من التصميم، ومرورًا بالهندسة، ثم بالتصنيع، وأخيرًا بالتغليف. ومن الأجزاء الأساسية لأمان المنتَج لدى هذه الشركة الحرصُ على تلقي تقييماتٍ مستمرة من الزبائن وتجار التجزئة، وتصر على ضرورة أن تُطبَّقَ تلك المعايير العالية وعمليات ضمان الجودة من قبل جميع المعامل التي تصنّع منتجاتها حول العالم.

وهي شركة ملتزمة بإيجاد طرق جديدة لتخفيف التأثير الذي تتركه على الطبيعة وكوكب الأرض، أو ما يسمى البصمة البيئية. فعلى مدى السنوات العديدة السابقة، خفضت من استهلاكها للطاقة والماء، وقللت انبعاثات الغازات الدفيئة التي تطلقها في الجو وكميات القمامة التي تنتج عن منشآتها. كما أوقفت نهائيًا استخدامها للإطارات السلكية في تغليف منتجاتها، مما وفر حوالي 34000 ميلًا من تلك الإطارات، وهي كمية تكفي للدوران بها حول محور الكرة الأرضية.

ويمثل احترام حقوق الإنسان وضمان التعهيد الأخلاقي جزءًا أساسيًا من نجاح المسؤولية الاجتماعية لشركة هاسبرو، فمعاملة الأشخاص بعدالة هو قيمة أساسية من منظورها إلى جانب العمل بحرص لتحقيق تقدمٍ كبير في التنوع والاحتواء على مستويات الشركة كافة. ويواكبُ موظفوها عن كثب أنشطةَ معامل الأطراف الثالثة لضمان أن حقوق الإنسان لكافة عمال الشركة الموجودين ضمن سلاسل الإمداد العالمية التابعة لها مطبَّقة ومُعتَرَفٌ بها.

صورة 2.2 فصل 2.png

الصورة 2.2: لعبة مونوبولي من شركة هاسبرو، (المصدر: بن تساي/فليكر/ملك عام)

يتخذ المديرون ومالكو الشركات دائمًا قراراتٍ خاصة بالعمل التجاري وفقًا لما يرونه صوابًا أو خطأً. ومن خلال الأفعال التي يقومون بها، فإنهم يُظهِرون لموظفيهم ما هو مقبول من تصرفات وما هو غير مقبول؛ فيرسمون بذلك المعيار الأخلاقي للشركة. وكما سترى في سياق هذا الفصل، تُعد الأخلاق الشخصية والمهنية حجر الزاوية لمؤسسة ما، وترسم إطارًا لإسهاماتها الأكثر أهمية تجاه المجتمع، والتي تتبلور في شكل المسؤولية الاجتماعية للشركة. فلنناقش بدايةً كيف تتكون الأخلاق الفردية في عالم الأعمال.

استيعاب أخلاقيات العمل التجاري

الأخلاقيات: هي مجموعة من المعايير التي تحدد ما إذا كان أمرٌ ما صحيحًا أم خطأً. وأول خطوة في فهم أخلاقيات العمل التجاري هي تعلّم التعرّف على المسألة أوِ القضية الأخلاقية، وهي موقفٌ أو وضعٌ يكون فيه على شخصٍ ما الاختيار من بين الأفعال التي قد تكون أخلاقيةً أو غير أخلاقية. فعلى سبيل المثال، عمدَ شخصٌ يُدعى مارتن شكريلي، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة الدواء المسماة تورنيغ فارماسوتيكال (Turing Pharmaceuticals)، إلى رفع سعر دواءٍ يُعطى لمرضى حديثي الولادة ومرضى الإيدز بنسبةٍ فاقت 5000%، ودافع عن السعر الجديد بوصفه إياه بأنه "قرارٌ تجاريٌ عظيم".

وترى الغالبية الساحقة من الناس أن قرارًا كهذا لا أخلاقي. لكن فكّر في ما فعله الناس في مدينة نيو أورلينز التابعة لولاية لويزيانا، الذين تقطّعت بهم السُبُل وكانوا يتضورون جوعًا بعدما فقدوا كل ما يملكون بفعل الدمار الذي خلّفه الإعصار كاترينا؛ إذِ اقتحموا المتاجرَ التي كانت تغمر المياه نصفها ثم أخذوا ما تيسر لهم من طعام وزجاجات مياه من دون دفع ثمنها. هل هذا تصرف غير أخلاقي؟ وماذا عن شركة تصنيع البلاستيك الصغيرة في ولاية تكساس والتي وَظَّفت مئة عامل ونشطت في السوق الأمريكي اللاتيني؟ وقد وقع رئيسُها في ورطة لعلمه أن الشركة كانت ستفلس في نهاية السنة ما لم تتلقَّ عقودًا أكثر؛ لقد أيقنَ أنه يخسر عمله التجاري لرفضه دفع رشاوىوالتي كانت جزءًا من الثقافة السائدة في الأسواق الرئيسة التي تنشط فيها شركتُه. ولكن إغلاق الشركة كان سيتسبب بقطع أرزاق العديد من العاملين لصالحها؛ والقضية هنا هي هل عليه دفع الرشاوى ليحافظ على شركته؟ وهل يُعَدُّ ذلك تصرفًا أخلاقيًّا أم غير أخلاقيّ؟

لننتقل معًا إلى القسم التالي حيثُ سنستعرض بعض التوجيهاتٍ حول التعرف على المواقف غير الأخلاقية.

التعرف على الأنشطة غير الأخلاقية في عالم الأعمال

يقول باحثون من جامعة بريجهام يونغ (Brigham Young) إنّ كافة الأنشطة غير الأخلاقية في عالم الأعمال تندرج تحت واحدةٍ من الفئات التالية:

  1. أخذُ أشياء ليست مُلكك: يُعَدُّ الاستخدامُ غير المُصرَّح به لملكية الغير، أو أخذُ تلك الملكية وفقًا لمزاعم كاذبة، استيلاءً على أشياءَ لا تعود ملكيتها إليك. وينتمي إلى هذه الفئة من الانتهاكات غير الأخلاقية حتى أبسطُ المخالفات، مثل استخدام عدَّاد البريد الموجود في مكتبك لإرسال بريدٍ شخصي، أوِ المبالغةُ في مصاريف السفر خاصتك.
  2. قولُ أشياءَ تعلم أنها كاذبة: في مسعىً منهم لنيل ترقية في العمل، غالبًا ما يكذب زملاء العمل بشأن زملائهم الآخرين. فإلقاء اللوم زورًا على الآخرين، أو نقل محادثاتٍ بشكل غير دقيق، يعد كذبًا. وهناك تبريرٌ شائع لتصرفاتٍ كهذه يقول: "هكذا يتصرف الكل في ظروفٍ كهذه"، ولكنه من الناحية الأخلاقية لا يبرر قولَ ما هو غير صحيح، والذي يعد تصرُّقًا غير أخلاقيّ.
  3. إعطاءُ انطباع كاذب أو السماح بتكوينه: فالبائع الذي يجعل المستهلكَ المحتَمل يظن أن صناديق الكرتون قادرة على حمل الطماطم لمسافة طويلة مع علمه بأن تلك الصناديق ليست قوية كفاية لتفِيَ بذلك الغرض يكون قد أعطى انطباعًا كاذبًا. وتاجر السيارات الذي يُخفي عن الزبون المحتَمَل أن السيارة قد تعرضت لحادث، يكون تاجرًا مُدلِّسًا وكاذبًا.
  4. شراءُ النفوذ أو الانخراط في تعارض مصالح: يحدث تعارض المصالح عندما تُغلَّبُ المصلحةُ والكسبُ الشخصيان على المسؤوليات الرسمية لموظف في شركةٍ خاصة، أو موظفٍ لدى جهة حكومية. هَب أن شركةً تمنح عقدَ بناءٍ لشركة أخرى مملوكةٍ من قِبل والد المدعي العام في الولاية في وقتٍ يجري التحقيق فيه مع تلك الشركة من قِبل مكتب المدعي العام المذكور. فإذا كان هناك احتمالُ أن يؤثر منحُ عقد البناء ذاك في نتيجة التحقيق مع تلك الشركة، فيكون قد حصل تعارض مصالح.
  5. إخفاءُ المعلومات أو إفشاؤها: إن تكتُّمَك على نتائج الدراسات الطبية التي تُفيد بأن الدواء الجديد الذي صنَّعتهُ شركتُك له تأثيراتٌ جانبية خطيرة هو انتهاك غير أخلاقي يتعلق بإخفاء معلوماتٍ تشير إلى أن ذلك المنتج الدوائي قد يكون خطيرًا على مشتريه. كما أن إفشاء أسرار تطوير المنتج أو أسرار التجارة الخاصة بشركتك السابقة في مكان عملك الجديد يعد انتهاكًا يتمثلّ بكشف معلوماتٍ سرية خاصة.
  6. الاستغلال غير العادل: أُقِرَّ العديد من قوانين حماية المستهلك الحالية نتيجةً للاستغلال الذي مارسته شركاتٌ كثيرة على الأشخاص غير المثقفين كفايةً، أوِ الذين لم يتمكنوا من تبيُّنِ دقائقِ العقود المعقَّدة. فأمورٌ مثل متطلبات الكشف المتعلقة بالائتمان، والنصوص ذات الصلة بتقصي الحقائق في الإقراض، والأنظمة الجديدة حول تأجير السيارات، جميعها قد جاء نتيجة التضليل الذي مارسته الشركات على المستهلكين الذين لم يتمكنوا من فهم اللغة التخصصية للعقود الطويلة والمعقدة.
  7. ارتكاب تصرفاتٍ فردية غير ملائمة: بالرغم من أن النواحي الأخلاقية المرتبطة بحق الشخص في الخصوصية لا تزال مثار جدل، فقد بات واضحًا أن سلوك الفرد خارج العمل قد يؤثر في أدائه وفي سمعة الشركة كذلك. فمثلًا، على السائق في شركةٍ ما أن يمتنع عن تعاطي المواد المخدِّرة لدواعٍ مرتبطة بالأمان. وحتى حفلات العطل ونزهات الصيف التي تجريها الشركات عادةً لم تسلم من الانتقاد والتمحيص لاحتمالية أن يتسبب موظفو تلك الشركات بعدَ تلك النزهات والعُطَل بأذىً للآخرين نتيجة الحوادث التي تقع تحت تأثير المُسْكِرات.
  8. إساءةُ استعمال السلطة والتصرف غير اللائق مع الأشخاص: مثل التحرش الجنسي الذي يقترفه مدير ضد موظفيه، أو توبيخه لهم بشكل مهين أمام الزبائن. ويحمي القانون الموظفين في بعض الحالات، ولكن العديد من المواقف تكون ذات أبعادٍ شخصية وتمثِّلُ انتهاكًا غير أخلاقي.
  9. إساءة المعاملة المؤسساتية: تُرتكَب في العديد من الشركات الأمريكية التي لها فروعٌ خارج الولايات المتحدة، مثل آبل، و نايكي، و ليفي شتراوس، حالاتٌ من الإساءة المؤسساتية. ومن الأمثلة على ذلك المعاملةُ الظالمة للعمال في العمليات التي تمارسها الشركة حول العالم كعمالة الأطفال، والأجور المُهينة، وساعات العمل الزائدة. وبالرغم من أنه ليس بوسع الشركات تغيير ثقافة بلدٍ ما، لكنها قادرة على إبقاء تلك المعاملة المسيئة مستمرة أو إيقافها.
  10. خَرْقُ القواعد: يُطبِّق العديد من الشركات قواعدَ وإجراءاتٍ ترمي إلى الحفاظ على الضوابط داخل الشركة أو إلى احترام سلطة المديرين. وبالرغم من أن الموظفين قد يضيقون بها ذَرْعًا، لكن مخالفتها قد تُعَدَّ فعلًا غير أخلاقيّ.
  11. التغاضي عنِ الأفعال غير الأخلاقية: ماذا لو شَهِدْتَ أحد زملائك في العمل يختلس أموال الشركة عبر تزوير توقيعها على أحد الشيكات؟ هل ستبلّغ عن ذلك؟ إنَّ التغاضي عن أفعال الآخرين غير الأخلاقية هو بحد ذاته تصرُّفٌ غير أخلاقيّ.

بعد إدراكك أن موقفًا ما غيرُ أخلاقي، يكون السؤال التالي: ماذا تفعل؟ تستند الأفعال التي يتخذها شخصٌ ما جزئيًا إلى قناعته الأخلاقية، كما تلعب البيئةُ التي نعيش فيها وبيئة العمل دورًا في تحديد سلوكنا. يشرح القسمُ التالي الأفكارَ الفلسفيّة الشخصية والعواملَ القانونية التي تكوِّنُ الخياراتِ التي نتخذها عندما تواجهنا معضلة أخلاقية.

العدالة - مسألة الإنصاف

ثمة عاملٌ آخر يؤثر في الأخلاقيات الفردية في مجال العمل التجاري، وهو العدالة، أو ما هو مُنصِف وفقًا للمعايير السائدة في المجتمع. ونتوقع جميعًا أن تكون الحياةُ منصفةً بشكل معقول؛ إذ تتوقع أن تكون امتحاناتُك، ودرجاتك في الجامعة، والأجور التي تتقاضاها، منصفةً بناءً على العمل الذي تقوم به.

ونعني بالعدالة اليوم توزيعًا متساويًا للأعباء والمكافآت التي يقدمها المجتمعُ، وتختلف عملية التوزيع من مجتمعٍ لآخر. إذ يؤمن أولئك الذين يعيشون في مجتمعٍ ديمقراطي في المبدأ القائل "أجرٌ منصف للعمل المقدَّم"، والذي يُثابُ فيه الأفراد بناءً على القيمة التي تضفيها السوق الحرة على الخدمات التي يقدِّمون. ولأن تلك السوق تمنحُ قيمًا مختلفة باختلاف المهن، فليس بالضرورة أن تكون المكافآت متساوية، شأنها شأن الأجور. وبالرغم من ذلك، ينظر العديد من الناس إلى المكافآت بوصفها مُنصِفة. فالسياسيُّ الذي يقترح أن يحصل المحاسب في سوبرماركت على أجرٍ مساوٍ للذي يتقاضاه طبيب، لن يحظى بكثير من الأصوات في الانتخابات. وعلى النقيض من ذلك، اقترح بعض المنظرين الشيوعيين أن العدالة تتحقق في مجتمعٍ تتوزَّع فيه الأعباء والمكافآت على الأفراد وفقًا لإمكاناتهم واحتياجاتهم.

مذهب المنفعة - السعي لتحقيق الأفضل للأكثرية

يبرز مذهب المنفعة بوصفه أحد التوجّهات الفلسفية التي قد تؤثر في الاختيار ما بين الخطأ والصواب، ويركز هذا المذهب على نتائجِ فعلٍ ما يقوم به فردٌ أو منظمة. وقدِ اشتُقَّت الفكرةُ القائلة إن على الناس فعلُ ما من شأنه تحقيق أفضل مصلحةٍ لأكبر عدد ممكن منهم، اشتُقّت من مذهب المنفعة. وعندما يكون فعلٌ ما مخالفًا لمصلحة الأكثرية، فهو فعلٌ غير صائب من الناحية الأخلاقية. ومن الصعوبات التي تعترض تطبيق هذا المذهب هو أنه من شبه المستحيل تحديد كيف يمكن لقرارٍ ما أن يؤثر في عدد كبير من الناس بشكل دقيق.

ومن المشاكل الأخرى التي يثيرها تطبيق مبدأ المنفعة هذا أنه سيكون لدينا دائمًا رابحٌ وخاسر. فمثلًا لو كانت المبيعات في شركة ما تنخفض ثم قرر المدير طرد خمسة موظفين بدلًا من إلزام الجميع بساعاتِ عملٍ إضافية في الأسبوع، فسيكون من بقي في الشركة وحافظ على عدد الساعات التي يعمل وفقًا لها رابحًا، بينما يُصنَّف الموظفون الخمسة المطرودون خاسرين.

ويوجَّه لمذهب المنفعة انتقادٌ أخير يقول إن بعض الأثمان المترتبة عليه، بالرغم من كونها هامشية قياسًا بالنفع الكبير الذي يُحتَمَل أن تحققه، سلبيةٌ لدرجةٍ لا تقبلُها فئاتٌ بعينها في المجتمع. إذ تفيد تقارير أن ظهور (العمود الفقري) الحيوانات تُكسَر عمدًا ليستخدمها العلماء في أبحاثهم حول النخاع الشوكي، والتي قد تقود يومًا ما إلى علاجٍ للإصابات التي يتعرض لها. فيرى عددٌ من الناس أن "ثمنًا" كهذا فظيعٌ بالنسبة لهذا النوع من الأبحاث الذي برأيهم يجب ألا يستمر بهذا الشكل.

تنفيذ التزاماتنا وواجباتنا

يُسمَّى الاتجاه الفلسفي القائل إن على الناس تنفيذ واجباتهم والتزاماتهم عند تحليل معضلة أخلاقية بمذهب الأخلاق الواجبة. ويعني ذلك أن الشخص سينفّذ واجباته تجاه شخصٍ آخر، أو مجتمع ما، لأن قيامه بذلك الواجب هو ما يُعَد صحيحًا أخلاقًيا. فمثلًا، سيفي من يعتنقون هذا الاتجاه الفلسفي بوعودهم التي قطعوها لأصدقائهم، وسيلتزمون بالقانون دائمًا. كما سيتخذون قراراتٍ ملتزمة تمامًا، لأنها ستُبني على الواجبات التي عليهم الالتزام بها. لاحِظ أن هذا الاتجاه الفلسفي لا يراعي بالضرورة مصلحة الآخرين.

فمثلًا، لو رأى خبيرٌ يعمل لدى شركة Orkin Pest Control، التي تعمل في مجال مكافحة الحشرات، أنَّ واجبه الأخلاقي يحتّم عليه ألا يتأخر أبدًا عنِ الاجتماعات التي يرتّب لها مع الزبائن؛ ولكنه على وشك التأخر عن إحداها اليوم، فكيف عليه قيادة السيارة في هذه الحال؟ هل عليه القيادة بسرعةٍ منتهكًا الواجب القانوني تجاه المجتمع الذي يفرض عليه ألا يُسرِع؟ أم هل يصل إلى منزل الزبون متأخرًا فيكون بذلك قد أخلَّ بواجبه في عدم التأخر عن اجتماعه بالزبائن؟ إنَّ سيناريو لتعارض المصالح كالماثل أمامنا لا يقودنا إلى تحليلٍ أخلاقي واضح وصحيح، ولا يحمي مصالح الآخرين من القرارات التي يتخذها ذلك الخبير.

الحقوق الفردية

للأفراد والجماعات في مجتمعنا حقوقٌ محددة تحت شروطٍ بعينها مستقلة عن أي ظروفٍ خارجية. وتعمل تلك الحقوق كموجّهٍ عند اتخاذ القرارات الأخلاقية الفردية. وينطوي اصطلاح حقوق الإنسان على حقوق محددة، مثل الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السعي وراء السعادة، والتي تُمنَح للإنسان بمجرد ولادته، ولا يمكن سلبه إياها.

ويُعدّ إنكار حقوق فردٍ أو جماعة أمرًا غير أخلاقي ومخالفًا للقانون في معظم دول العالم، وإن لم يكن في جميع تلك الدول. وهناك حقوق بعينها تكفلها الحكومة وقوانينُها؛ وتعد هذه الحقوق حقوقًا قانونية. فحقوق مواطني الولايات المتحدة الأمريكية يحددها دستورها، والتعديلات التي أجريت عليه، وكذلك القوانين الفدرالية وقوانين الولايات. ولا يمكن تجاهل تلك الحقوق سوى في الظروف الاستثنائية، كما في وقت الحرب على سبيل المثال.

وتتضمن الحقوقُ القانونية حريةَ المعتقَد، وحرية التعبير، وحرية التجمُّع، والحماية ضد الاعتقال والتفتيش والمصادرة غير المشروعة، وحق الاستعانة بمحامٍ، ومواجهة الشهود، واستجوابهم، وذلك في سياق المحاكمات الجزائية. وتُطبَّق الحقوق القانونية بغضّ النظر عنِ العِرق، واللون، والعقيدة، والجنس، والإمكانات.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Making Ethical Decisions and Managing a Socially Responsible Business) من كتاب introduction to business


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...