اذهب إلى المحتوى

نظرة على الأنظمة العالمية والإقتصاد الكلي والجزئي


مجد اسماعيل

تعرفنا في المقال السابق على مفهوم العمل التجاري، ودرسنا بيئته وما تتضمنه من مؤثرات تتحكم فيه. أما في مقالنا هذا، فسنتعرف في قسمه الأول على الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم، ثم سنتعرف على مفهومَي الاقتصاد الكلي والجزئي والفرق بينهما.

عالم الأعمال وعلم الاقتصاد

ما هي السماتُ الرئيسة للأنظمة الاقتصادية في العالم، وكيف ترتبط القطاعات الثلاثة لاقتصاد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة؟

يعتمد نجاحُ شركات الأعمالٍ اعتمادًا جُزئيًّا على الأنظمة الاقتصادية للدول، وعلى مكان نشاطها، وأين تبيع منتجاتها.

ويُعرَّف النظام الاقتصادي لدولةٍ ما بأنه مجموع السياسات، والقوانين، والخيارات التي تتبناها حكومتها لإرساء الأنظمة التي تحدد السلعَ التي تُنتَج والخدماتِ الي تُقدَّم وكيفية توزيعها. أما علم الاقتصاد فهو دراسة كيفية استعمال مجتمعٍ ما المواردَ الشحيحة لديه لإنتاج السلع وتقديم الخدمات وتوزيعها؛ فموارد الأشخاص والشركات والدول محدودة. وانطلاقًا من ذلك، يدرس علم الاقتصاد الخياراتِ التي ينتقيها الناس، والشركات، والدول من بين الموارد المتوفرة. ويهتم كل اقتصادٍ بنوع السلع التي ينبغي أن تُنتَج، والخدمات التي تُقدَّم، وكمياتها، وبكيفية القيام بذلك، وبالجهة التي تتلقى تلك السلع والخدمات. ويقرَّر ذلك من قبل السوق أوالحكومة، أو من كلتيهما معًا. فمملًا، يقود الاقتصادَ في الولايات المتحدة طرفان، هما الحكومةُ ونظامُ السوق الحرة.

وربما تعلمُ عن علم الاقتصاد أكثر مما تدرك؛ إذ يتناهى إلى مسامعك يوميًا عدد من الأخبار ذات الصلة بالاقتصاد مثل: اتحادٌ يساهم في زيادة الأجور لدى شركة جنرال موتورز، أو مجلسُ الاحتياطي الفدرالي يخفض مستويات الفائدة، أو وول ستريت يحطم رقمًا قياسيًا اليوم، أو الرئيس يقترح تخفيضًا على ضريبة الدخل، أو ارتفاعُ إنفاق المستهلكين تزامنًا مع نمو الاقتصاد، أو ارتفاعُ أسعار البيع بالتجزئة…إلخ.

الأنظمة الاقتصادية العالمية

تعمل الشركات والمؤسسات الأخرى وفقًا للأنظمة الاقتصادية في دولها. وتندرج الأنظمة الاقتصادية العالمية الرئيسة في يومنا هذا تحت فئتين واسعتين، هما: السوق الحرة أو الرأسمالية، والاقتصادات المخططة، التي تتضمن الشيوعية والاشتراكية. ومع ذلك فإن معظم الدول تطبق نظامَ سوقٍ مختلطًا يضم عناصر من أكثر من نظام اقتصادي واحد. ونقطة الاختلاف الرئيسة بين الأنظمة الاقتصادية هي ما إذا كان الأفراد أو الحكومة يقرون ما يلي:

  • كيفية توزيع الموارد المحدودة والمُتاحة (عوامل الإنتاج)على الأفراد والمؤسسات لتلبية الاحتياجات المجتمعية.

  • السلع التي تُنتَج والخدمات التي تُقدَّم وكمياتها.

  • كيفية إنتاج تلك السلع وتقديم تلك الخدمات ومن يقوم بذلك.

  • كيفية توزيع السلع والخدمات على المستهلكين.

وعلى المديرين فهم النظام أو الأنظمة الاقتصادية التي تعمل شركاتهم في ظلها والتكيف معها. وقد تكتشف الشركات التي تمارس أعمالها التجارية على المستوى الدولي أن عليها إجراء تغييرات في طرق الإنتاج والبيع لتلائم النظام الاقتصادي لدول أخرى. ويلخص الجدول 1.1 أدناه العوامل الرئيسة للأنظمة الاقتصادية في العالم.

الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم
  الرأسمالية الشيوعية الاشتراكية الاقتصاد المختلط
ملكية الشركات أو المشاريع التجارية مملوكة ملكية خاصة مع حد أدنى من الملكية الحكومية أو التدخل الحكومي. تمتلك الحكومة كافة المشاريع أو معظمَها. تتركز الصناعات الرئيسة مثل السكك الحديدية ومؤسسات الخدمات العامة في يد الحكومة. وتكون الضرائب مرتفعة للغاية، كما تعيد الحكومة توزيع الأرباح والواردات في الشركات الخاصة ورواد الأعمال الناجحين. ملكية الأرض والشركات هي ملكية خاصة ولكن الحكومة تسيطر على بعض المشاريع. وحجم القطاع الخاص يكون في العادة كبيرًا.
السيطرة على الأسواق حرية تجارية كاملة، ولا سيطرة حكومية، أو سيطرة حكومية محدودة. سيطرة حكومية مطلقة على الأسواق. بعض الأسواق مسيطَرٌ عليها، وبعضُها الآخر حر. تخطيط حكومي مركزي كبير. تُدار المشاريع الحكومية من قبل موظفي الدولة، ونادرًا ما تكون تلك المشاريع مدرّة للأرباح. بعض الأسواق، مثل تلك المتعلقة بالطاقة النووية والبريد مُسيطَر عليها من قبل الحكومة، أو خاضعة لتنظيمٍ خاص.
حوافز العمال حوافز قوية تحث على العمل والابتكار لأن الأرباح تذهب للمالكين ليس هناك حوافز تشجع على العمل بجد أو على الإتيان بمنتجات ذات جودة. الحوافز في القطاع الخاص هي ذاتها في النظام الرأسمالي، والحوافز في القطاع العام هي ذاتها في الاقتصاد المخطط. الحوافز في القطاع الخاص هي ذاتها في النظام الرأسمالي، أما في القطاع العام، فالحوافز محدودة.
إدارة المشاريع يُدار كل مشروع من قِبل المالكين أو مديرين ذوي كفاءة، مع مستوى تدخل حكومي منخفض. إدارة مركزية من قبل موظفي الحكومة. والمرونة محدودة أو معدومة فيما يخص عملية اتخاذ القرارات على مستوى المعمل. تخطيط وتنظيمٌ حكومي كبير. وموظفو الحكومة هم من يتولى إدارة المشاريع الحكومية. الإدارة في القطاع الخاص شبيهة بنظيرتها في النظام الرأسمالي. أما في القطاع العام، فالإدارة شبيهة بنظيرتها في النظام الاشتراكي.
التوقعات للعام 2020 نموٌ ثابت ومستمر. لا نمو، أو ربما غياب النمو. نمو مستقر أو ربما نمو بسيط. نمو مستمر.
أمثلة الولايات المتحدة كوبا، كوريا الشمالية فنلندا، الهند بريطانيا العظمى، فرنسا، السويد، كندا

الجدول 1.1

الرأسمالية

اتجه عدد متزايد من الدول في السنوات الأخيرة نحو الأنظمة الاقتصادية التي يسودها اقتصاد السوق الحرة، مبتعدة عن الاقتصاد المُخطط. وقد كان التحول نحو الرأسمالية مؤلمًا ومُرهقًا في بعض الأحيان ولكنه كان تحولًا سريعًا، كما في حالة ألمانيا الشرقية. أما في دول أخرى، مثل روسيا، فقد تميز ذلك التحوّل بالبدايات المخفقة والتراجع المتكرر. وتقوم الرأسمالية، التي تُعرف أيضًا بنظام المشروع الخاص، على التنافس في السوق وبالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (الموارد). وفي ظل نظام اقتصادي تنافسي، يبيع عدد كبير من الشركات والأفراد السلع والخدمات بحرّيةٍ في السوق. وفي الرأسمالية الصِّرفة، تكون كل وسائل الإنتاج مملوكةً ملكية خاصة، ولا تحاول الحكومة تحديد الأسعار أو تنسيق وضبط النشاط الاقتصادي.

ويكفل النظام الرأسمالي حقوقًا اقتصادية محددة، وهي الحق في الملكية الخاصة، حق تحقيق أرباح، الحق في الاختيار الحر، والحق في المنافسة. ويعد الحق في الملكية الخاصة مركزيًا بالنسبة للرأسمالية. ويعد الربحُ الحافزَ الرئيس في هذا النظام، وهو الذي بدوره يشجع على ريادة الأعمال، والربح مهمٌ كذلك لإنتاج السلع وتقديم الخدمات، ولبناء المصانع، وتسديد الضرائب وحصص المساهمين من الأرباح التي تحققها الشركة، وتوفير المزيد من فرص العمل. أما حرية الفرد في اختيار ما إذا كان راغبًا في أن يغدوَ رائدَ أعمال أو أن يعمل لصالح شخصٍ ما، فتعني أن لدى الناس الحق في اتخاذ قراراتٍ حول ما يريدون فعله بناءً على دوافعهم الخاصة، واهتماماتهم الشخصية والتدريبِ الذي تلقَّوه، إذ لا تقر الحكومة حصصًا متعلقة بالعمل لكل مجال تجاري، ولا تُخضِع الناسَ لاختباراتٍ لتحدد ماذا سيمارسون من أعمال.

وتعد المنافسة مفيدة للشركات والمستهلكين على حدٍّ سواء في النظام الرأسمالي، إذ تشجع على تقديم منتجات أفضل وأكثر تنوعًا، وتحافظ على استقرار الأسعار، وترفعُ من كفاءة المنتجين، وتحاول الشركات إنتاج السلع وتقديم الخدمات بأقل تكلفة ممكنة وبيعها بالمقابل بأعلى سعر ممكن، ولكن عندما تكون الأرباحُ عاليةً، يدخلُ السوقَ مزيدٌ من الشركات لتحظى بحصّةٍ من تلك الأرباح. وتؤدي المنافسةُ بين الشركات إلى انخفاض الأسعار، وعلى الشركات عندها البحثُ عن سُبُلٍ جديدة للعمل بفعاليةٍ أكبر إذا ما أرادتِ الاستمرارِ في جَنْيِ الأرباح والبقاءَ في مجال عملها.

الصورة 1.5 من الفصل 1.jpg

الصورة 1.5: ماكدونالدز الصيني: منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001، باتتِ الصينُ منفتحةً على اعتناق مبادئ الاقتصاد الرأسمالي وتنمية اقتصادها. والصين اليوم هي أكبر منتجٍ في العالم للهواتف المحمولة، والحواسيب المحمولة، والأجهزة اللوحية، ويمثّل شعبُها الذي فاق تعدادُه مليار نسمة سوقًا هائلة الضخامة. ويعطي الانتشار السريع لامتيازات ماكدونالدز وكنتاكي أنصع مثال على نجاح الرأسمالية أمريكية الطابع في الصين، كما يرمز تقديمُها عرضًا لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي ستقام في العام 2022، إلى انفتاحها الاقتصادي. ويعطي مقهى ماكدونالدز الظاهر في الصورة أعلاه مثالًا على تغييرٍ في المنتجات الغربية لتلائم الذوق الصيني، وهو بدوره مثالٌ حي على هذا النوع من التغييرات. هل تعتقد أن النزعة الرأسمالية للصين يمكن أن تزدهر في ظل حكم الحزب الشيوعي الصيني الذي يعارض منح العمال حقوقهم، وحرية التعبير، والديمقراطية؟ (حقوق الصورة محفوظة ل ماركو كودجيرسكي (Marku Kudjerski)/ فليكر)

الشيوعية

تقف الشيوعية على النقيض تمامًا من الرأسمالية؛ إذ تمتلك الحكومة في النظام الاقتصادي الشيوعي كافة الموارد وتسيطر على كل الأسواق تقريبًا، فعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية مركزية تمامًا، والحكومة هي التي تقرر ما الذي يُنتَج، وأين يُنتَج، وكميةَ ما سيُنتَج، ومن أين سيؤتَى بالمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج؛ وهي التي تقرر من سيحصل على المنتجات، والتي تحدد الأسعار، وليست القوى المتنافسة في السوق. ومن شأن هذا الشكل من الأنظمة الاقتصادية المركزية أن يحرم مواطني البلد الذي يسوده من الاختيار، أو يمنحَهم هامش خياراتٍ ضيقًا جدًا. وفي بداية القرن العشرين، اعتقدتِ الدول التي اختارتِ الشيوعية نظامًا، ومن بينها الاتحاد السوفييتي السابق والصين، أن تبنّيها الشيوعية سيرفع من مستوى معيشة شعوبها. وعلى أرض الواقع، أدى التضييق الذي مورس على كافة جوانب حياة الناس هناك إلى انخفاض في مستوى الإنتاجية؛ ومن الأمثلة على ذلك التضييق تحديدُ المهن التي يمكن للناس ممارستها، وأين بوسعهم العمل، وما الذي يمكنهم شراؤه. ولم يكن لدى العمال من محفز يدفعهم إلى العمل بجدٍّ، ولا تقديمِ منتجاتٍ ذات جودة عالية، وذلك لعدم إثابة المجدّ منهم على تفوقه. كما أدتِ الأخطاءُ التي اعترتِ التخطيطَ وتوزيعَ الموارد إلى نقصٍ حتى في السلع الأساسية.

وقد كانتِ العوامل المذكورة أعلاه من ضمن الأسباب التي أدت في نهاية المطاف إلى تفكك الاتحاد السوفييتي إلى عدة دول مستقلة. وكان من شأن الإصلاحات الأخيرة التي أُجريت في روسيا، والصين، ومعظم دول أوروبا الشرقية أن دفعت تلك الدول نحو أنظمة اقتصادية أكثر رأسمالية وأقرب إلى نظام السوق الحرة. وبالمقابل، لا تزال كوبا وكوريا الشمالية خير مثال على المتمسكتَين بالنظام الاقتصادي الشيوعي بأمراسٍ من حديد. والوقت كفيل ببيان ما إذا كانت كوبا ستتخذ خطواتٍ صغيرةً باتجاه اقتصاد السوق، في ظل إعادة الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية معها منذ بضع سنواتٍ مَضَت.

الاشتراكية

هي نظامٌ اقتصادي تخضع فيه الصناعات الأساسية لملكية الحكومة، أو لملكية القطاع الخاص ولكن تحت سيطرة حكومية مُحكَمة؛ إذ تسيطر الحكومة الاشتراكية على الصناعات الأساسية وواسعة النطاق مثل وسائل النقل، والاتصالات، ومؤسسات الخدمات العامة. أما بالنسبة لقطاعات الأعمال الأقل حيوية بالنسبة للبلد، مثل قطاع البيع بالتجزئة، فيمكن أن تُملَك من قبل القطاع الخاص بدرجات متفاوتة، تحدد الدولة أهداف الشركات وقطاعات الأعمال، والأسعار، والسلع، وحقوقَ العمال. وتوفر الدول الاشتراكية عادة مستوىً عاليًا من الخدمات لمواطنيها مثل الرعاية الصحية، والإعانات التي يستفيد منها العاطلون عن العمل، وذلك بشكل أوسع من الذي نراه في الدول ذات النظام الرأسمالي. ففي العام 2017 على سبيل المثال وصل أعلى معدل لضريبة الفرد إلى 45% في فرنسا مقارنة ب 39.6% في الولايات المتحدة. ومع حصول انتخابات رئاسية في كلا البلدين في العام 2017، فقد يكون تخفيض الضريبة تلك أحد الوعود التي يقدمها كلا الرئيسين ماكرون و ترامب كجزء من أجندتهما الاقتصادية الشاملة في السنوات القادمة.

ولدى العديد من الدول أنظمة اشتراكية، ومنها المملكة المتحدة، والدنمارك، والهند، ولكنها أنظمةٌ تختلف من بلد لآخر. ففي الدنمارك على سبيل المثال، معظم الشركات مملوكة ومشغّلة من قبل القطاع الخاص، ولكن ثلثي السكان هناك يستفيدون من الدعم الذي تقدمه الحكومة عبر برامج الرفاهية.

الأنظمة الاقتصادية المختلطة

تعد الرأسمالية والاشتراكية الصّرفتين نظامين اقتصاديين متطرفين، ومن هنا نجد أن اقتصادات العالم في الواقع ما هي سوى مزيجٍ من الاثنين. فبالرغم من نزعة اقتصاد الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة نحو الرأسمالية، ولكنه يعتمد على السياسات الحكومية لضمان تعزيز النمو والاستقرار الاقتصاديين. وإلى جانب ذلك، تمنح الحكومةُ الأموالَ للفقراء، والعاطلين عن العمل، وكبار السن، وذوي الإعاقة، وذلك عبر السياسات والقوانين ذات الصلة. وقد أنتجتِ الرأسمالية الأمريكية بعضَ المؤسسات العظمى على هيئة شركاتٍ، مثل جنرال موتورز ومايكروسوفت. وبغرض حماية فئتَي الشركات الصغيرة ورواد الأعمال المبتدئين، تبنّتِ الحكومةُ تشريعاتٍ تُلزِم بموجبها الشركاتِ العملاقةَ بالتنافس العادل مع المنافسين الصغار.

ويطلق على دول مثل كندا، والسويد، والمملكة المتحدة وغيرها، تسمية الدول ذات الاقتصاد المختلط؛ أي إنها تطبق أكثر من نظامٍ اقتصادي واحد. وأحيانًا تكون الحكومة اشتراكية بشكل أساسي وتسيطر على الصناعات الرئيسة. ففي كندا على سبيل المثال، تسيطر الحكومة على وسائل الاتصال والمواصلات ومؤسسات الخدمات العامة، إلى جانب بعض الصناعات التي تقوم على الموارد الطبيعية، كما أنها توفر الرعاية الصحية لمواطنيها. ولكن معظم النشاط التجاري الباقي يجري الاضطلاع به من قبل شركات خاصة كما هو الحال في النظام الرأسمالي. وفي العام 2016 صوّتَ مواطنو المملكة المتحدة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة قد يلزمها سنتان أو أكثر لإتمامها. ومن المبكر جدًا الحديثُ عن التأثير الذي سيتركه ذلك الخروج على اقتصاد المملكة المتحدة وغيرها من الدول حول العالم.

وتتضمن عوامل الإنتاج القليلة المملوكة من قبل الحكومة في الاقتصاد المختلط بعض الأراضي العامة، والخدمة البريدية وبعض الموارد المائية. ومع ذلك تكون الحكومة منخرطة بشكل مكثف في النظام الاقتصادي عبر فرض الضرائب والإنفاق وأنشطة الرفاهية. والاقتصاد مختلط كذلك من جهة أن الدولة التي تتبناه تحاول تحقيق أهداف اجتماعية عديدة، منها على سبيل المثال إعادة توزيع الدخل، والمعاشات التقاعدية، وهذا ما لا نشاهد حتى محاولاتٍ للقيام به في النظام الرأسمالي الصرف.

أما الآن، فسنتحدث عن مفهومَي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والفرق بينهما.

الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي

تؤثر حالة الاقتصاد في الناس والشركات على حدٍّ سواءوتعد طريقة إنفاق أموالك (أو ادخارها) قرارًا اقتصاديًا شخصيًا، ومثله قرارُ متابعة دراستك أو العمل بدوامٍ جزئي. كما أن كل شركة تمارس أنشطتها تحت مظلة الاقتصاد، وبناء على التوقعات الاقتصادية خاصتها، تقرر الشركات أي منتجاتٍ ستنتج، وكيفية تسعيرها، وعدد الناس الذين توظفهم، وكم ستدفع لهم من رواتب، وإلى أي مدىً ستوسع أعمالها، وهكذا دواليك.

وللاقتصاد مجالان فرعيان رئيسان هما: الاقتصاد الكلي؛ ويُعَرَّف بأنه دراسة الاقتصاد ككل؛ فينظر إلى البيانات الإجمالية الخاصة بمجموعات كبرى من الناس، والشركات، والمنتجات التي تؤخَذ بالحسبان بنظرة شاملة. وعلى العكس من ذلك؛ في حين يركز الاقتصاد الجزئي على الأجزاء الفردية للاقتصاد مثل الوحدات الأسرية أو الشركات.

ويقدّم كل من الاقتصاد الكلي و الاقتصاد الجزئي نظرةً قيّمة عن الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، قد تعتمد شركة فورد على كلٍّ منهما لتقرر الشروع في خطّ تصنيعٍ جديد لسياراتها؛ إذ ستأخذ بالحسبان في هذه الحالة عوامل الاقتصاد الكلي مثل مستوى دخل الفرد على الصعيد الوطني، ومعدل البطالة، ومعدلات الفائدة، وتكلفة الوقود، ومستوى مبيعات السيارات الجديدة على المستوى الوطني. أما من ناحية الاقتصاد الجزئي، فإن شركة فورد ستدرس طلب المستهلكين على سيارات جديدة في مقابل العرض المتوفر، وستدرس كذلك الطرازات المنافِسة، وتكاليف العمل والمواد ومدى التوفر، إلى جانب الأسعار الحالية وحوافز المبيعات.

الاقتصاد بوصفه تيارًا دائريًا

هناك طريقةٌ أخرى للنظر إلى الطريقة التي تتفاعل فيها قطاعات الاقتصاد وهي عبر تفحّص التيار الدائري للمدخَلات والمُخرَجات بين الوحدات الأسرية، والشركات، والحكومات، كما هو مبيَّن في الصورة 1.6. لنراجع عمليات التبادل التي تجري عبر تتبع الدائرة الحمراء داخل الرسم البياني. فالوحدات الأسرية تقدم المُدخَلات (الموارد الطبيعية، والعمل، ورأس المال، وريادة الأعمال، والمعرفة) للشركات التي بدورها تحوَل تلك المدخلات إلى مخرَجات (سلع وخدمات) للمستهلكين. وفي المقابل، تتلقى الوحداتُ الأسرية الدخل من الإيجار، والأجور، والفائدة، وفوائد الملكية (الدائرة الزرقاء)، بينما تحصل الشركات على العائدات من عمليات الشراء التي يقوم بها المستهلكون للسلع والخدمات.

أما عملية التبادل المهمة الأخرى في الصورة 1.6، فتجري ما بين الحكومات (فدرالية، ولايات، محلية) وبين كل من الوحدات الأسرية والشركات. في حين تُقّدم الحكوماتُ أنواعٍ عديدة من السلع والخدمات المقدَّمة للعموم (مثل الطرق السريعة، والمدارس، والشرطة، والمحاكم، والخدمات الصحية، وتأمين البطالة، والضمان) والتي يستفيد منها المستهلكون والشركات. كما أن عمليات الشراء التي تقوم بها الحكومة من الشركات تساهم في العائدات التي تتلقاها تلك الشركات؛ فمثلًا عندما تتولى شركةٌ إصلاح طريق سريع، فإن الحكومة تدفع لقاء ذلك العمل. وكما يُظهِر الرسمُ البياني، تتلقى الحكومة الضرائب من الشركات والوحدات الأسرية لتكمل التيار الدائري الذي نتحدث عنه.

وتؤثر التغيرات التي تطرأ على أحد التيارات في التيارات الأخرى؛ فلو رفعتِ الحكومة الضرائب، سيقل إنقاقُ الوحدات الأسرية على السلع والخدمات، ويؤدي تدنَي إنفاق المستهلكين إلى تخفيض الشركاتِ إنتاجَها، ويقل النشاط الاقتصادي، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة. وعلى النقيض من ذلك، قد يؤدي تخفيض الضرائب إلى تحفيز النشاط الاقتصادي.ستغدو الطريقة التي تتفاعل فيها القطاعاتُ الاقتصادية أكثر وضوحًا ما إن نستكشفِ الاقتصاد الكلي والجزئي بمزيدٍ من التفصيل.

الصورة 1.6 من الفصل 1.png

الصورة 1.6: الاقتصاد كتيار دائري: (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)/ أوبن ستاك (OpenStax))

الاقتصاد الكلي: الصورة الشاملة

كيف يؤشر النمو الاقتصادي، والتوظيف الكامل، واستقرار الأسعار، والتضخم، إلى التعافي الاقتصادي لبلدٍ ما؟

هل سبق لك أن شاهدت خبرًا في عناوين نشرات الأخبار على هاتفك الجوال، أو شغّلتَ المذياع فسمعتَ خبرًا مثل: "أصدرت وزارة العمل تقريرًا يفيد بانخفاض معدل البطالة للشهر الثاني على التوالي"؟

إن تصريحاتٍ كهذا تتدرج تحت الأخبار الخاصة بالاقتصاد الكلي. إن فهم الاقتصاد الوطني وكيف تؤثر تغييرات السياسات الحكومية في الوحدات الأسرية والشركات يمثل خيرَ مُستَهَلٍ لبدء دراسة علم الاقتصاد.

فلنلقِ في البداية نظرةً إلى أهداف الاقتصاد الكلي وكيف يمكن تحقيقها. وللدول الاقتصادية الكُبرى مثل الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى ثلاثة أهداف رئيسة خاصة بالاقتصاد الكلي وهي: النمو الاقتصادي، والتوظيف الكامل، واستقرار الأسعار. ويعتمد الرفاه الاقتصادي لدولةٍ ما على التحديد المتأني لهذه الأهداف، وعلى انتقاء أفضل السياسات الاقتصادية الكفيلة بتحقيقها.

السعي نحو النمو الاقتصادي

ربما يكون النظرُ إلى إنتاج دولةٍ ما للسلع وتقديمها للخدمات أهمَّ وسيلة للحكم على مدى التعافي الاقتصادي الذي تتمتع به؛ فكلما زاد إنتاجُ دولةٍ ما، ارتفع مستوى المعيشة لديها. فالنمو الاقتصادي لدولة ما هو ارتفاع معدل السلع التي تنتج والخدمات التي تقدم.

ويتجلى أهم مقياس لمستوى النمو الاقتصادي لدولة ما فيما يسمى الناتح المحلي الإجمالي (GDP) الذي يمثّل القيمة السوقية الإجمالية لجميع السلع والخدمات، المنتَجة والمقدَّمة، في مرحلتها النهائية ضمن حدود دولةٍ ما كل عام. وينشر مكتب إحصاءات العمل نِسَبًا فصلية خاصة بالناتج المحلي الإجمالي والتي يمكن استخدامها لمقارنة التوجهات في مخرجات الإنتاج على المستوى الوطني. كما أن معدل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (وهو الناتج المحلي الإجمالي المعدل على أساس التضخم) مهم أيضًا. وقد باتَ اقتصاد بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة ينمو بمعدل بطيء، ولكن ثابت، يتراوح بين 3 و 4 بالمئة سنويًا. ويعني معدلُ النمو هذا ارتفاعًا ثابتًا في إنتاج السلع والخدمات، ومستوى بطالةٍ منخفضًا نسبيًا. وعندما يصل معدل النمو إلى الصفر، يبدأ الاقتصادُ في الركود والتراجع.

أما الاقتصاد الآخذ في النمو بسرعة لا نظيرَ لها في معظم اقتصادات العالم، فهو اقتصاد الصين التي ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بمعدل يتراوح بين 6 و7 بالمئة سنويًا؛ إذ قلّما نجد شيئًا في السوق العالمية لا يُصنَع في الصين، والتي يعود الفضل في نموها المتسارع إلى التكنولوجيا بشكل رئيس. فعلى سبيل المثال، تصنع الصين معظم الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة الموجودة في العالم.

إن مستوى النشاط الاقتصادي في تغير مستمر، ويُطلق على تلك التغيرات المتمثلة في الصعود والهبوط الاقتصادي تسمية الدورات الاقتصادية. وتتنوع تلك الدورات الاقتصادية في طولها، وإلى أي مدى يتحرك الاقتصاد صعودًا أو هبوطًا، وإلى أي مدى يتأثر ذلك الاقتصاد. وتتبَعُ التغيراتُ في الناتج المحلي إجمالي الأنماطَ المترافقة مع اتساع النشاط الاقتصادي وتَقَلُّصِه؛ إذ تؤدي الزيادة في النشاط الاقتصادي إلى زيادة في الإنتاج، وارتفاع في الدخل، والتوظيف، والأسعار. وفي نهاية المطاف، يبلغ كل ما سبق الذروةَ، ثم يأخذ الإنتاج، والدخل، والتوظيف في الانخفاض. ويسمى الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الذي يستمر لفترتين فصليتين (يمتد كلٌّ منهما لثلاثة أشهر) ركودًا. ويعقِبُ ذلك فترةُ تعافٍ يعاود فيها النشاطُ الاقتصادي ارتفاعَه. أما آخرُ ركود حصل، فكانَ في شهر ديسمبر من عام 2007 وامتد لغاية حزيران من عام 2009.

وعلى الشركات مراقبةُ الفترات التي تتخللها تغيراتٌ ضمن الدورة الاقتصادية وأن تقوم بردّة فعل تجاهها. وعندما يكون الاقتصاد في حالة نمو، غالبًا ما تواجه الشركاتُ صعوباتٍ في توظيف أشخاص ذوي كفاءة وفي العثور على مستلزمات إنتاجٍ وموادٍ خام. وعندما يضربُ الركودُ الاقتصادَ، يجد العديد من الشركات أن لديها من القدرة أو الكفاية لإنتاج سلع وتقديم خدمات تفوق الطلب الوارد عليها. وخلال الركود الأخير، عَمِلَ العديدُ من الشركاتِ بمستوىً إنتاجيِّ أقلِّ بكثير من طاقتها. وعندما تُشغِّلُ المصانعُ جزءاً واحدًا فقط من طاقتها الإنتاجية، فإنها تعمل بدون فعالية وتتكلّفُ المزيدَ منَ المصاريف على كل وحدةٍ تنتجها. فلنقُل إن شركة صناعة الشوكولا مارس لديها مصنعٌ ضخم بوسعها إنتاج مليون لوحِ شوكولا ميلكي وي (Milky Way) في اليوم الواحد، ولكن بسبب الركود، فلا يمكنها إنتاج سوى نصف مليون لوح في اليوم. ويستعمل مصنع شركة مارس آلاتٍ ضخمة وباهظة الثمن. ولذا، إن إنتاج تلك الشركة للشوكولا بنسبة النصف فقط تمنعها من الاستفادة بفعالية من استثمارها في مصنعها والآلات التي يحتويها.

إبقاء الناس في العمل

من أهداف الاقتصاد الكلي الأخرى هو التوظيف الكامل؛ ويعني توفيرَ العمل لكل راغبٍ وقادر على ذلك. ولا يعني التوظيفُ الكامل توفيرَ وظائف بنسبة 100% في الواقع، إذ يختار بعضُ الناس ألا يعملوا وذلك لأسباب شخصية (مثل الدوام في الجامعة أو تربية الأطفال)، أو قد يكونون لا يعملون مؤقتًا بانتظار حصولهم على عملٍ جديد. ولذلك، تُعرِّف الحكومةُ التوظيفَ الكامل بأنه الوضع الذي يكون فيه ما نسبته 94 إلى 96% من أولئك المتوفرين للعمل يعملون فعليًا. وخلال الركود الذي ساد بين عامي 2007 و2009 في الولايات المتحدة، بلغتِ البطالةُ أوجَها عند نسبة 10% في أكتوبر من العام 2009، أما اليوم فنسبة البطالة تتأرجح عند نسبة 4%.

ويعد الحفاظُ على مستوى بطالةٍ متدنٍّ الشغلَ الشاغلَ ليس فقط للولايات المتحدة، بل أيضًا لباقي دول العالم. فعلى سبيل المثال، لا تزال معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الشباب (العمال من سن الخامسة والعشرين وما فوق) في إيطاليا وإسبانيا واليونان تقف وراء المظاهرات المُندّدة بنسب البطالة في تلك الدول الأوروبية، والتي يجهد فيها المسؤولون المنتخَبون لاجتراحِ حلولٍ في اقتصاداتهم ذات الصلة وإعادة الناس، وخصوصًا الشبابَ منهم، إلى العمل مجددًا. وقد يكون لخروجِ المملكة المتحدة المُرتَقَب من الاتحاد الأوروبي تأثيرًا يطالُ معدلات البطالة، مع توجُّه الشركات العالمية إلى نقلِ الأعمال خارج بريطانيا باتجاه دولٍ أوروبية مركزية، مثل بولندا.

قياس البطالة

تقيس الحكومةُ معدَّلَ البطالة لتحديد مدى قربها من التوظيف الكامل، ويشير ذلك المعدل إلى النسبة المئوية للقوة العاملة الكلية العاطلة عن العمل والدائبة في البحث عنه. ويُستثنى من ذلك "العمالُ مُثبَطو الهمة"؛ أي الذين لا يبحثون عن عملٍ ظنًا منهم بأن لا أحد سيوظفهم. وتصدر وزارة العمل في الولايات المتحدة إحصاءاتٍ حول البطالة مرة كل شهر؛ إذ تساعد تلك النِّسب في الاطّلاع على وضع الاقتصاد الكلي في الدولة.

أنواع البطالة

يُصنِّف الاقتصاديونَ البطالةَ في أنواعٍ أربعة، هي: البطالة الاحتكاكية، والبطالة الهيكلية، والبطالة الدورية، والبطالة الموسمية. وتمثل تلك الفئات عزاءً بسيطًا لعاطلٍ عن العمل، ولكنها تساعد الاقتصاديين على فهم مشكلة البطالة في بلدنا.

البطالة الاحتكاكية: هي بطالة قصيرة الأمد ولا ترتبط بالدورة الاقتصادية. وتتضمن أولئك الذين لا يعملون في الوقت الراهن، بينما ينتظرون الالتحاق بعملٍ أفضل. كما تضم أولئك الذين يعاودون دخول سوق العمل، وأولئك الذين يدخلونه للمرة الأولى، مثل خريجي الجامعات الجدد. ويوجد هذا النوع من البطالة طوال الوقت، ولكن تأثيرَه على الاقتصاد ضئيلٌ.

البطالة الهيكلية: وهي أيضًا غير مرتبطة بالدورة الاقتصادية، ولكنها بطالة لا يمكن التحكم بها، يسببها عدمُ التوافق بين فرص العمل المتوفرة ومهارات العمال المتاحين في مجالٍ صناعي أو منطقة ما؛ فمثلًا في حال انخفض معدل الولادات، فستقل الحاجة لعدد كبير من المدرِّسين، أو قد لا تتوفر في العمال الموجودين في منطقة معينة المهاراتُ التي يطلبها أصحاب العمل. ومن هنا تنبع الحاجة إلى برامج إعادة تدريب وبناء مهارات للتقليل من انتشار هذا النوع من البطالة.

البطالة الدورية: كما يدل اسمُها، تحدث هذه البطالة عندما يؤدي هبوطٌ في الدورة الاقتصادية إلى تخفيض الطلب على العمل على مستوى الاقتصاد ككل. وفي الركود الاقتصادي الطويل، يغدو هذا النوع من البطالة واسع الانتشار لدرجةٍ يعجز معها حتى ذوو الكفاءة عن إيجاد وظائف. وبوسع الحكومة اتخاذُ إجراءاتٍ مضادة لمواجهة هذه البطالة جزئيًا عبر برامج من شأنها تعزيزُ الاقتصاد.

وفي السابق، كانتِ البطالة الدورية تؤثر في العمال ذوي المهارات المتواضعة وفي أولئك العاملين في مجال الصناعات الثقيلة؛ وعادةً ما يُعاد توظيف هؤلاء حالما يرتفع النمو الاقتصادي. وفي التسعينات من القرن العشرين، أجبرتِ المنافسةُ العديدَ من الشركات الأمريكية على تقليص حجمها حتى تضمن بقاءها في السوق العالمية، وكان لتقليص عدد العمال ذاك آثارٌ طالتِ العمالَ بكافة فئاتهم بمن فيها الموظفون في مستوى الإدارة الوسطى أو التنفيذية وغيرهم من الموظفين برواتب ثابتة.

ولا تتوقف الشركاتُ عن إعادة تقييم متطلبات القوى العاملة لديها ولا عن تخفيض حجمها لتُنافِس الشركات الموجودة في آسيا، وأوروبا، والشركاتِ الأخرى في الولايات المتحدة. وبعد الانتعاس القوي الذي أعقبَ الركود الذي امتد من عام 2007 حتى 2009، والذي سرَّحت خلاله شركاتُ صناعة السيارات أكثرَ من مئتَي ألف من العاملين بالساعة والعاملين بمرتب ثابت، نجد بعد تلك الفترة شركات صناعة السيارات تعيد النظر بتأنٍ في حجم القوى العاملة لديها على المستوى العالمي. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد القوى العاملة لدى شركة فورد السيارات بنسبة 25% في أمريكا الشمالية خلال السنوات الخمس الفائتة، وذلك بالتزامن مع الارتفاع الثابت في مبيعاتها من السيارات والذي أعقبَ الركود المذكور.

أما بعد دخول مبيعات السيارات في مرحلة ركود في العام 2017، فقد صرّحت شركة فورد مؤخرًا عن نيَّتِها في تخفيض حجم القوى العاملة لديها بنسبة 10% في مسعىً منها لتقليل النفقات، وتعزيز الأرباح، ورفعِ قيمتها السهمية لجذب المستثمرين.

أما النوع الأخير من أنواع البطالة فيُعرَف بالبطالة الموسمية؛ وهي التي تسود خلال فترات محددة من السنة في بعض القطاعات الإنتاجية.

الحفاظ على ثبات الأسعار

يتمثل الهدف الثالث للاقتصاد الكلي في إبقاء الأسعار الإجمالية للسلع والخدمات ثابتة نسبيًا. ويُعرَف الوضعُ الذي ترتفع خلاله الأسعار الوسطية للسلع والخدمات بالتضخم، إذ يؤدي ارتفاع الأسعار بفعل التضخم إلى انخفاض القوة الشرائية، أي قيمة ما يمكن شراؤه بالمال. وتستند القوة الشرائية إلى أمرين اثنين يحددانه، هما التضخم والدخل؛ ففي حال ارتفاع الدخل بذات المستوى الذي يرتفع فيه التضخم، فلا يطرأ على القوة الشرائية أي تغيير. أما في حال ارتفاع الأسعار مع بقاء الدخل ثابتًا، أو مع ارتفاع الدخل ولكن بمعدلٍ أدنى من التضخم الحاصل، فيصبح مبلغٌ محدد من المال قادرًا على شراء كمية منتجاتٍ أقل مما سبق ذلك التضخم، وتنخفض بفعل ذلك القوةُ الشرائية. فمثلًا لوِ ارتفع سعر سلة الخضروات من 30 إلى 40 دولارًا، ولكن راتبك بقي كما هو، فلا يمكنك عندها أن تشتريَ بثلاثين دولارًا سوى 75% من سلة الخضروات تلك (30$ ÷ 40$). وبذلك تكون قوتك الشرائية قدِ انخفضت بمعدل 25% (10$ ÷40$). أما في حال ارتفاع الدخل بمعدل أسرع من التضخم، فتزداد لديك القوة الشرائية. ولذا، يمكنك في الواقع أن تحظى بقوة شرائية مرتفعة حتى مع ارتفاع التضخم، ولكن التضخم مع ذلك عادةً ما يرتفع بمعدل أسرع من الدخل، ويسبب ذلك انخفاضًا في القوة الشرائية.

وللتضخم تأثيرٌ يطال القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات؛ فعندما ترتفع الأسعار، يجنح الأفرادُ إلى إنفاق مالٍ أكثر لشراء احتياجاتهم الحالية والمستقبلية، وذلك قبل أن تنخفض القوة الشرائية لأموالهم بشكل أكبر. كما تلجأ الشركات التي تتوقع حصول تضخم إلى زيادة مستلزمات الإنتاج التي تحتاجها، وينطبق ذلك على الأفراد أيضًا والذين يسرّعون اتخاذ القرارات الخاصة بشراء سياراتٍ وأجهزة كبيرة.

وفي الفترة ما بين أوائل الألفينات وشهر نيسان من عام 2017، كان التضخم في الولايات المتحدة في مستوىً متدنٍ جدًا وذلك ضمن النطاق الممتد بين 0.1 و 3.8%، بينما كانت نسبته 1.3% في العام 2016. وعلى سبيل المقارنة، شهدتِ الولاياتُ المتحدةُ في ثمانيات القرن العشرين فتراتِ تضخمٍ تراوحت نسبته ضمن نطاق 12 إلى 13%. وتشهد بعض الدول في السنوات الأخيرة مستويات تضخم مرتفعة وصلت إلى خانتين، وأحيانًا ثلاث خانات من الأرقام؛ ففي أوائل العام 2017، وصل معدل التضخم في فنزويلا إلى مستوىً صادمٍ بلغ 741%، وجاءت بعدها جمهورية جنوب السودان بمعدل تضخمٍ بلغ 273%.

الصورة_1.7_من_الفصل_1.jpg

الصورة 1.7 نسبريسو: باتَ مشترو قهوة نسبريسو، وألواح الشوكولا كيت كات، وطعام الحيوانات الأليفة من ماركة بورينا، يدفعون المزيد من المال للحصول على تلك السلع بسبب رفع عملاق صناعة الأطعمة العالمي، نستله، أسعاره. فقد مثَّل رفعُ تكاليف المُدخَلات، كتكاليف المواد الأولية، صعوباتٍ لشركات الأطعمة، مما أدى إلى رفع أسعار الإنتاج، والتغليف، والنقل. كيف يمكن لمؤشر أسعار الإنتاج (PPI) التأثيرُ في مؤشر أسعار الاستهلاك (CPI) ولماذا؟ (حقوق الصورة محفوظة ل كارليس دامبرانس (Karlis Dambrans)/ فليكر)

أنواع التضخم

هناك نوعان للتضخم؛ الأول هو تضخم زيادة الطلب، ويحدث عندما يكون الطلب على السلع والخدمات أكبر من المعروض منها، إذ يكون لدى المشترين المحتَملين مبلغٌ من المال يفوق المبلغَ الذي يتطلبه شراءُ السلع والخدمات المتوفرة؛ فيؤدي طلبُهم الوارد على تلك السلع والخدمات، والذي يفوق العرضَ، إلى رفع أسعارها. ويوصف هذا الوضع أحيانًا بجملة: "كثيرٌ من المال يُطارد قليلًا من السلع". وينتج عن الأسعار المرتفعة عرضٌ كبير، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث توازنٍ بين العرض والطلب.

أما النوع الثاني للتضخم، فهو تضخم ارتفاع التكاليف الذي يسببه ارتفاعُ تكاليف الإنتاج، مثل النفقات اللازمة لشراء المواد اللازمة للإنتاج ودفع أجور العاملين. ويؤدي ذلك الارتفاع إلى زيادة أسعار السلع والخدمات النهائية. وتعد الزيادة في الأجر سببًا رئيسًا لتضخم ارتفاع التكاليف هذا، والذي يولّد ما يعرف بدوّامة الأجور والأسعار. فلنفترض على سبيل المثال أن اتحاد عمال السيارات سعى لإبرام اتفاق يرفع الأجور بنسبة 3% كل سنة ويرفع كذلك مقابل العمل الإضافي. في هذه الحال، سيرفع مصنعو السيارات أسعارها لتغطية تكاليف العمل المرتفعة تلك. كما أن الأجور المرتفعة ستمنح العاملين في قطاع السيارات مزيدًا من المال الذي يمكّنهم من شراء مزيد من السلع والخدمات. ولذا، قد يؤدي العرضُ المرتفع من جراء ذلك إلى رفع أسعارٍ أخرى. كما سيطالب العمال في قطاعات صناعية أخرى بزيادة أجورهم لمواكبة ارتفاع الأسعار، وستؤدي هذه الدوامة إلى رفع الأسعار أكثر.

كيف يُقاس التضخم؟

يُقاس معدل التضخم في الغالب عبر النظر إلى ما يسمى مؤشر أسعار الاستهلاك (CPA) وهو مؤشر لأسعار "سلة السوق" الخاصة بالسلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون النموذجيون في المدن. ويُنشَر هذا المؤشر شهريًا من قبل وزارة العمل في بعض الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة. وتتضمن العناصر الرئيسة لمؤشر أسعار الاستهلاك، والتي تُرجَّح حسب أهميتها، تتضمّن الأطعمةَ والمشروبات، والملابس، ووسائل النقل، والإسكان، والرعاية الصحية، والترفيه والتعليم. وهناك مؤشرات خاصة بالطعام والطاقة. وتجمع وزارة العمل حوالي 80 ألفًا من قوائم الأسعار التي يمنحها البائع للمشتري، و 5 آلاف من البيانات الخاصة بمقابل إيجار السكن، لحساب مؤشر أسعار الاستهلاك.

ويحدد مؤشر أسعار الاستهلاك الأسعار في فترة أساس عند 100. ويجري اختيار فترة الأساس، والتي هي الآن 1982-1984، بسبب استقرار الأسعار فيها. ثم يُعبَّر عن الأسعار الحالية على شكل نسبة مئوية مقارنة بالأسعار في فترة الأساس. ويعني الارتفاع في مؤشر أسعار الاستهلاك أن الأسعار ترتفع، فعلى سبيل المثال كان مؤشر الاستهلاك في الولايات المتحدة 244.5 في نيسان من العام 2017، وهذا يعني أن الأسعار قدِ ارتفعت لأكثر من الضعف منذ فترة الأساس 1982-1984.

كما تشكّل التغيرات في أسعار البيع بالجملة مؤشرًا مهمًّا آخر على التضخم. ويقيس مؤشر أسعار الإنتاج (PPI) الأسعارَ التي يدفعها المنتجون وتجار الجملة مقابل المستلزمات المتنوعة مثل المواد الأولية، والسلع النهائية جزئيًا، والمنتجات النهائية. ويمثل مؤشر أسعار الإنتاج، الذي يتخذ من سنة 1982 فترةَ أساس، مجموعةً من المؤشرات لفئات إنتاجٍ عديدة مختلفة، بما في ذلك السلع الأولية (المواد الخام)، والسلع الوسيطة (التي تغدو جزءًا من السلع النهائية)، والسلع النهائية. على سبيل المثال، كان مؤشر أسعار الإنتاج للسلع النهائية في الولايات المتحدة 197.7 في نيسان من العام 2017، أي بزيادةٍ بلغت 3.9 نقطة، و 105.6 للمواد الكيمائية، أي بزيادة بلغت 3.8 نقطة منذ نيسان لعام 2016. ومن الأمثلة الأخرى على مؤشرات أسعار الإنتاج: الأطعمة المعالجة، والأخشاب، والحاويات، والوقود ومواد التشحيم، والمعادن، ومواد البناء. ونظرًا إلى أن مؤشر أسعار الإنتاج يقيس الأسعار التي يدفعها المنتجون مقابل المواد الخام، والطاقة، وسواهما من مستلزمات، فيمكن له أن يتنبأ بتغيرات الأسعار اللاحقة بالنسبة للشركات والمستهلكين.

تأثير التضخم

للتضخم تأثيراتٌ سلبية عديدة على الناس والشركات، من بينها أنه يضر بأصحاب الدخول الثابتة. فلنفترض أن زوجين يحصلان على 2000 دولار شهريًا بعد تقاعدهما بدءًا من عام 2018، ففي حال ارتفع معدل التضخم بمقدار 10% في عام 2019، فلن يكون بوسعهما شراء سوى 91% (100! 110) مما كان يمكنهما شراؤه في العام 2018. كما أن تأثير التضخم يطال المدّخرين؛ فمع ارتفاع الأسعار ستنخفض القيمة الحقيقية، أو القوة الشرائية، للمال المدَّخَر.

تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي

كيف توظف الحكومات سياساتها الضريبية والمالية لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي خاصتها؟

لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، على الحكومات الاختيار من ضمن بدائل متعارضة مع بعضها؛ إذ تطغى العوامل السياسية في الأهمية على الاحتياجات الاقتصادية أحيانًا. فعلى سبيل المثال قد تؤدي محاولة السيطرة على التضخم إلى فترةٍ سياسية عصيبة تتخللها بطالة عالية وانخفاض في النمو الاقتصادي. أو قد يرفض السياسيون رفع الضرائب في عام الانتخابات لكبح جماح التضخم. ومع ذلك، على الحكومة أن تحاول توجيه الاقتصاد إلى مستوى متوازن من النمو الاقتصادي والتوظيف واستقرار الأسعار، وتعد السياستان المالية والضريبية الأداتين الرئيستين بيد الحكومة لتحقيق ذلك.

السياسة المالية

تشير السياسة المالية إلى البرامج الحكومية الرامية إلى السيطرة على الكتلة المالية التي يجري تداولها في السوق وعلى معدلات الفائدة كذلك. وتؤثر التغييرات في العرض النقدي في كل من مستوى النشاط الاقتصادي ومعدل التضخم. ويتولى جهاز نظام الاحتياطي الفدرالي، الذي يمثل النظام المصرفي المركزي في الولايات المتحدة، طباعة النقود وتحديد الكمية التي سيجري تداولها منها. كما يجري التحكم في العرض النقدي عبر تنظيم نشاطاتٍ بنكية محددة من قبل جهاز الاحتياطي الفدرالي.

وعندما يرفع جهاز الاحتياطي الفدرالي كمية المال المتداول أو يخفضها، يؤثر ذلك في معدلات الفائدة (أي كلفة اقتراض المال وعائدات إقراضه). ويمكن للاحتياطي الفدرالي تغيير معدل الفائدة على الأموال التي يقرضها للبنوك لإخطار النظام المصرفي والأسواق المالية بأنه أجرى تغييرات في سياسته المالية. ولتلك التغييرات تؤدي إلى حدوث الأثر المتموّج (الأثر المُضاعف)؛ فالمصارف بدورها قد تنقل ذلك التغيير إلى الزبائن والشركات؛ وكلاهما يتلقى قروضًا من تلك المصارف. فإذا ارتفعت تكلفة الاقتراض، يتباطئ الاقتصاد لأن معدل الفائدة يؤثر في قرارات الأفراد والشركات المتعلقة بالإنفاق والاستثمار. وأكثر القطاعات التي تشهد ردات فعل تجاه التغيرات في معدل الفائدة هي قطاع الإسكان، وقطاع الأعمال، وقطاع الاستثمارات.

ونتيجة الركود الذي ساد بين عامي 2007 و2009، والأزمة المالية العالمية التي أعقبته، خفّض الاحتياطي الفدرالي معدل الأموال الفدرالية، أي معدل الفائدة المستوفاة عن قروض الليلة الواحدة بين البنوك، إلى صفر بالمئة في كانون الأول من العام 2008، وأبقى على معدل الفائدة هذا حتى كانون الأول من العام 2015 فرفع الفائدة بنسبة 0.25%. وقد مثَّل هذا القرار أول زيادةٍ في معدل الأموال الفدرالية منذ حزيران من عام 2006 عندما كان معدل الأموال الفدرالية 5.25%. وبينما يستمر اقتصاد الولايات المتحدة في إظهار نموٍّ بطيء ولكن ثابت، قام الاحتياطي الفدرالي في نهاية المطاف بزيادة معدل الأموال الفدرالية إلى نطاقٍ يترواح بين 0.75 و 1% في آذار من العام 2017. وكما هو متوقع، فقد كان لهذا التغيير تأثير متموج (تأثيرٌ مُضاعف)؛ إذ رفعت بنوكُ الاحتياطي الفدرالي الإقليميةُ معدلَ الخصم الذي تتقاضاه من البنوك التجارية عن القروض قصيرة الأجل، وبدورها رفعتِ البنوك التجارية معدل الفائدة التي تتقاضاها من زبائنها. ولم تكن شركاتُ بطاقات الائتمان استثناءً؛ إذ رفعت معدل النسبة السنوية التي تتقاضاها من زبائنها عمّا في بطاقاتهم الائتمانية من رصيدٍ مالي.

وكما ترى، بوسع الاحتياطي الفدرالي عبر السياسة المالية التي يطبقّها أن يُدخِل الاقتصاد في نموٍّ أوِ انكماش. فبتطبيقه السياسةَ المالية الانكماشية، يحد الاحتياطي الفدرالي من العرض المالي، أو يضيّقه، عبر بيع السنداتِ الحكومية أو رفع معدل الفائدة. وينتج عن هذا الوضع نمو اقتصادي بطيء ونسبة بطالةٍ أعلى. إذًا، تخفض السياسةُ الانكماشية من الإنفاق وتؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض مستوى التضخّم. وعلى العكس، يزيد الاحتياطي الفدرالي عبر السياسة المالية التوسعية من نمو العرض النقدي، أو يخفف عنه القيود التي تمنع تحقق ذلك النمو. ومن شأن السياسة التوسعية تلك أن تحفز الاقتصاد، ويشهد معدل الفائدة انخفاصًا وهذا ما يرفع معدل الإنفاق من قبل الشركات والمستهلكين، وينخفض معدل البطالة مع توسع الأعمال التجارية. ولكن لزيادة العرض النقدي جانبٌ سلبيٌّ يتمثل في أن زيادة الإنفاق يدفع بالأسعار صعودًا، فيزيد بالتزامن مع ذلك معدلُ التضخم.

الصورة_1.8_من_الفصل_1.jpg

الصورة 1.8: جيروم باول يعد رئيس مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفدرالي، السيد جيروم باول، واجهةَ السياسة المالية في الولايات المتحدة. وقد تسلَّم منصبَه هذا خلَفًا للسيدة جانيت يلين، التي كانت أول امرأةٍ تُعيَّن كرئيس للاحتياطي الفدرالي. ما هي المسؤولياتُ الملقاة على عاتق رئيس مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفدرالي؟ (حقوق الصورة محفوظة للاحتياطي الفدرالي / فليكر/ أعمال حكومة الولايات المتحدة الأمريكية)

السياسة الضريبية

تمثّل السياسة الضريبية الأداة الاقتصادية الأخرى التي تستعملها الحكومة، وتتعلق هذه السياسة بالبرامج الحكومية الخاصة بالإنفاق وفرض الضرائب. فيمكن للحكومة تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق. ألقِ نظرة أخرى على الصورة 1.6. فكلما ازداد شراءُ الحكومة من الشركات، ارتفع إنتاجُ هذه الأخيرة وعائداتُها. وعلى المنوال ذاته، كلما قلَّ ما على الشركات والمستهلكين دفعُه من ضرائب، زادت دخولُهم التي يمكن لهم إنفاقُها على السلع والخدمات. وبذلك، تؤثر السياساتُ الضريبيةُ في الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة في القراراتِ الاقتصادية، وقد تؤدي الضرائب التي تُفرَض على الشركات في الولايات المتحدة إلى جعل منافستها للشركات في دول أخرى ذات ضرائب منخفضة أمرًا صعبًا. ونتيجةً لوضعٍ كهذا، قد تختار تلك الشركاتُ إقامة منشآتها في دول خارج الولايات المتحدة لتخفف عن عاتقها عبء الضرائب المرتفعة.

لا أحد منا يحب دفع الضرائب، ولكننا نتصالح على مضض مع فكرة أن علينا فعلّ ذلك. وبالرغم من أن معظم الأمريكيين يشتكون من ارتفاع الضرائب التي يدفعونها، ولكنهم في الواقع يدفعون ضرائب لكل فرد أقل من تلك التي يدفعها مواطنو دولٍ عديدة شبيهة بالولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تمثل الضرائب في الولايات المتحدة نسبة أقل من الدخل الصافي والناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمعظم الدول الأخرى.

ولا شك في أن الضرائب تمثل مصدر عائداتٍ ضخمًا لحكومة الولايات المتحدة؛ فكل سنةٍ يجهز الرئيسُ ميزانيةً للسنة التي تليها مبنيةً على العائدات وعمليات الإنفاق المتوقعة. يتلقى الكونغرس تقرير رئيس الولايات المتحدة وتوصياته بخصوص الميزانية، ويمضي عادةً شهورًا يناقش خلالها الميزانية المقترحة ويحللها. ويجري دائمًا إدخالُ كثير من التعديلات على الاقتراح الأصلي للرئيس الخاص بالميزانية، وذلك بطرقٍ شتى. وتُظهِر الصورة أدناه مصدرَ العائدات والنفقات بالنسبة لميزانية الولايات المتحدة.

الصورة 1.9 من الفصل 1.png

الصورة 1.9: عائدات الميزانية الفدرالية ونفقاتها. المصدر: "وزارة الخزانة الأمريكية، "البيان النهائي الشهري للخزانة الأمريكية الخاص بنفقات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وإيراداتها للسنة المالية 2016".

وبالرغم من أن للسياسة الضريبية تأثير كبير على قطاع الأعمال والمستهلكين، فإن الزيادات المستمرة في الإنفاق الحكومي تطرح مشكلة أخرى مهمة، فعندما تأخذ الحكومة مزيدًا من الأموال من الشركات والمستهلكين (القطاع الخاص)، تحدث ظاهرةٌ تُسمى المزاحمة الاقتصادية. وفيما يلي ثلاثة أمثلة عن هذه الظاهرة:

  1. تنفق الحكومةُ أكثر على المكتبات العامة، فيشتري الأفراد كتبًا أقل من متاجر الكتب.

  2. تنفق الحكومة أكثر على التعليم العام، فينفق الأفرادُ أقل على التعليم الخاص.

  3. تنفق الحكومة أكثر على وسائل النقل العام، فينفق الأفراد أقل على وسائل النقل الخاص.

بتعبير آخر، يُزاحمُ الإنفاقُ الحكومي الإنفاقَ الخاص. وفي حال فاقَ إنفاقُ الحكومة على البرامج (مثل الخدمات العامة، والتعليم، والدفاع) ما تجمعه من ضرائب، كانتِ النتيجةُ عجزًا في الميزانية الفدرالية. ولإعادة التوازن إلى الميزانية، تعمد الحكومة إلى تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب، أو تلجأ إلى إجراء مزيجٍ من هذين الإجراءين. وعندما لا تنجح في إعادة التوازن إلى الميزانية، فعلى الحكومة سد أي عجزٍ يحدث عبر الاقتراض (تمامًا مثل أي شركةٍ أو وحدةٍ أسرية).

وفي العام 1998، وللمرة الأولى خلال جيلٍ كامل في الولايات المتحدة، حدثَ فائضٌ في الميزانية الفدرالية (أي تَجَاوزُ العائداتِ للإنفاق) بمقدار بلغ حوالي 71 مليار دولار، ولكنه كان فائضًا مؤقتًا. أما في العام 2005، فقد بلغ العجز في الميزانية حوالي 318 مليار دولار. وفي السنة المالية لعام 2009، بلغَ العجز الفدرالي مستوًى لم يشهده من قبل، وذلك بأكثر من 1.413 تريليون دولار. وبعد مضيّ ست سنوات على ذلك، أي في نهاية السنة المالية للعام 2015، انخفض ذلك العجز إلى نحو 438 مليار دولار. وقد أدارتِ حكومة الولايات المتحدة عجز الموازنة لسنواتٍ عديدة. ويُعرَف المجموع التراكمي لتلك العُجوزات السابقة بالدَّين القومي، والذي يبلغ الآن حوالي 19.8 تريليون دولار، أي حوالي 61.072 ألف دولار إذا ما قُسِّمَ ذلك المبلغ على كل رَجل وامرأة وطفل في الولايات المتحدة. وتبلغ الفائدة الإجمالية المترتبة على ذلك الدَّين أكثر من 2.5 تريليون دولار كل عام. ولسدّ ذلك العجز، تقترض الحكومة الأمريكية المال من الأفراد والشركات عبر السندات وأذون الخزينة، وهي إقراراتٌ بالدَّين تمنح فوائدَ لمالكيها.

ويمثّل الدَّين القومي مسألةً عاطفية، لا تُناقش في أروقة الكونغرس فحسب، بل يجري تداولها أيضًا على ألسنة العامة من الناس. ويرى البعض أن العجوزات في الميزانية تسهم في النمو الاقتصادي والتوظيف العالي واستقرار الأسعار، بينما يتحفظ آخرون على دّينٍ قومي مرتفع كهذا، وتلك التحفظات هي:

  • ليسَ الجميعُ بحاملي سندات: تعي الجكومةُ جيدًأ من يتحمّل عبء الدَّين القومي وتتتبَّع حاملي السندات. ففي حال كان الأغنياء هم فقط حاملي السندات، فهم وحدهم من سيتلقى أموال الفوائد، وقد يصل الأمرُ إلى حصولهم على أكثر مما دفعوه من ضرائب وذلك في شكل فوائد تُدفَع لهم بفضل كونهم يحملون سنداتٍ حكومية. وفي الوقت ذاته، سينتهي الأمرُ بالفقراء، ممن ليس في جعبتهم أيُّ سنداتٍ، إلى دفع ضرائب ستُحوَّل إلى الأغنياء في شكل فوائد، ومن شأن ذلك جعلُ الدَّين عبئًا غير عادل عليهم. ولذلك، أصدرتِ الحكومة في بعض الأحيان تعليماتٍ إلى البنوك التجارية لتخفّض دَينها الإجمالي عبر التخلص من بعض السندات التي تحملها، وهذا ما دفعَ وزارة الخزانة إلى إصدار ما يُعرَف بسندات الادخار. ونظرًا إلى أن هذه السندات يجري إصدارها بفئاتٍ صغيرة نسبيًا، فيغدو مزيد من الناس قادرًا على شراء سندات الدَّين الحكومية وحملها.

  • يُزاحمُ الدَّينُ القومي الاستثمارَ الخاص: للدين القومي تأثيرٌ يطال الاستثمار الخاص أيضًا. ففي حال رفعتِ الحكومةُ معدَّلَ الفائدة على السندات التي تصدرها لتغدوَ قادرةً على بيعها، فإنها تُجبِر الشركاتِ الخاصّةَ، التي تُنافسُ سنداتُها (وهي التزاماتُ ديونٍ طويلةُ الأجل تُصدرها الشركات) الحكومةَ على أموال المستثمرين، على رفع معدل الفائدة على ما تُصدِر من سندات لتبقى في المنافسة. بتعبيرٍ آخر، إن بيعَ الدَّينِ الحكومي لغرض تمويل الإنفاق الحكومي يجعلُ تمويلَ الشركاتِ الخاصة لاستثماراتِها أكثرَ تكلِفةً. ونتيجة لذلك، قد يؤدي الدَّينُ الحكومي إلى مزاحمةِ الاستثمار الخاص والتسبب ببطئ النمو الاقتصادي للقطاع الخاص.

الاقتصاد الجزئي: التركيز على الشركات والمستهلكين

ما هي المفاهيم الرئيسة للعرض والطلب الخاصة بالاقتصاد الجزئي، وكيف تؤثر في تحديد الأسعار؟

فلننتقلِ الآن من الحديث عنِ الاقتصاد الكلي، ولنركز على الاقتصاد الجزئي، ودراسة الوحدات الأسرية، والشركات والقطاعات الصناعية. يُعنى مجال علم الاقتصاد بدراسة وضع الأسعار وكميات السلع والخدمات في السوق الحرة. من البديهي أن الأفراد والشركاتِ والحكومات يحاولون الحصول على أقصى مردود ممكن من مواردهم المُتاحة والمحدودة؛ إذ يريد المستهلكون شراء أكثر السلع والخدماتِ جودةً بأقل الأسعار الممكنة، أما الشركات فتريد تكاليفَ منخفضةً وعاءداتٍ عاليةً لتحقق أعلى ربحٍ ممكن. والحكومة بدورها تريد استخدام عائداتها لتقديم أفضل السلع والخدمات الممكنة. وتنتقي الفئات الثلاث السابقة من بين البدائل المتوفرة لها مُركّزةً على أسعار السلع والخدمات.

وبوصفنا مستهلكين في سوقٍ حرة، فنحن نؤثر في ما يُنتَج، فمثلًا لو كان الطعام المكسيكي هو الرائج، فسيجذب الطلبُ المرتفع روادَ الأعمال الذين يفتتحون مطاعم مكسيكيةً أكثر، إذ يريدُ أولئك الأشخاص المنافسة للحصول على أموالنا عبر تزويدنا بطعامٍ مكسيكيٍّ بسعر أقل، وأكثر جودة، أو بخصائص متنوعة. في هذا القسم من الكتاب، سنشرح كيف لخيارات المستهلكين والشركات التأثير في أسعار السلع والخدمات، وفي مدى توفُّرها.

الصورة 1.10 من الفصل 1.jpg

الصورة 1.10 غالاكسي نوت 7: مُنيت استراتيجيةُ شركة سامسونج الراميةُ إلى انتزاع السيطرة من شركة آبل، منتجةِ هواتف آيفون، بمأزقٍ لا تُحسَد عليه وذلك عندما اضطرت إلى سحب هواتفها من طراز نوت 7 واستبعادها. فقد تَسبَّبَ خللٌ في بطاريات ذلك الهاتف باشتعاله وإحداثِ ضرر بالغ. وانتهى المطافُ بسامسونج إلى وأدِ خط الإنتاج الخاص بنوت 7 كاملًا في مَهده، وذلك بعد أن سحبت حوالي ثلاثة ملايين ها الصورة 1.10 غالاكسي نوت 7 مُنيت استراتيجيةُ شركة سامسونج الراميةُ إلى انتزاع السيطرة من شركة آبل، منتجةِ هواتف آيفون، بمأزقٍ لا تُحسَد عليه وذلك عندما اضطرت إلى سحب هواتفها من طراز نوت 7 واستبعادها. فقد تَسبَّبَ خللٌ في بطاريات ذلك الهاتف باشتعاله وإحداثِ ضرر بالغ. وانتهى المطافُ بسامسونج إلى وأدِ خط الإنتاج الخاص بنوت 7 كاملًا في مَهده، وذلك بعد أن سحبت حوالي ثلاثة ملايين هاتف، وهو ما كلفها خسارةً فاقت خمسة مليارات دولار. كيفَ تحدد الشركاتُ الجودةَ المثلى للسلع والخدمات قبل أن توفرها للمسهتلكين؟ (حقوق الصورة محفوظة ل باول سوليفان / فليكر)

طبيعة الطلب

يُعرَّف الطلب بأنه كمية السلع والخدمات التي يرغب الناس في شرائها بأسعار متنوعة. فكلما ارتفعَ السعر، قلَّتِ الكمية التي يطلبها المستهلكون، والعكس صحيح. ويُسمَّى الرسم البياني الذي يوصِّف تلك العلاقة بمنحنى الطلب.

لنفترض أنك مالكُ محلٍّ يبيعُ معاطف للمتزلجين، وأنك بفضل خبرتك السابقة تعلمُ أنه بوسعك بيعُ العديد من تلك المعاطف بأسعارٍ مختلفة. يصف المخطط البياني 1.11 أدناه هذه المعلومة؛ إذ يُظهِر المحور x (المحور الأفقي) كمية المعاطف، بينما يُبيّن المحورُ y (المحور العمودي) سعرَ تلك المعاطف ذا الصلة. فمثلًا، مقابل 100 دولار، سيشتري المستهلكون (سيطلبون) 600 معطف تزلج.

في الرسم البياني، ينحدر منحنى الطلب هبوطًا وباتجاه اليمين، لأنه مع انخفاض السعر سيريد الناس شراء مزيد من المعاطف. وسيشتري بعض الناس، ممن كانوا لا يريدون الشراء، معاطفَ بأدنى سعر. كما سيشتري بعض المتزلجين، الذين يملكون معطف تزلجٍ، واحدًا آخر. كما يُظهِر الرسم البياني أنه في حال قمتَ بعرض عدد كبير من المعاطف في السوق، فسيكون عليك تخفيض السعر لتتمكن من بيعها جميعًا.

إنَّ فهمَ الطلب أمرٌ لا غنى عنه للشركات، إذ يبيّنك لك الطلبُ الكمية التي بوسعك بيعُها وبأيّ سعر. أي بتعبيرٍ آخر، على كم من المال ستحصل شركتك، والذي سيُستخدَم لتغطية التكاليف وتأمُّلِ تحقيق ربح. إنَّ قياسَ الطلب أمرٌ بالغُ الصعوبة للشركات الكبرى، فما بالك بالصغرى!

الصورة 1.11 من الفصل 1.png

الصورة 1.11: منحنى الطلب الخاص بمعاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax))

طبيعة العرض

لا يكفي الطلبُ لوحده لشرح كيف تُحدِّدُ السوقُ الأسعار، بل علينا أيضًا الاطلاع على العرض؛ وهو كمية السلع والخدمات التي توفرها الشركات مقابل أسعار متنوعة. فكلما ارتفع سعر المعاطف، زادَ عددُ المعاطف التي سيعرضها التاجر، والعكس صحيح. ويُسمّى الرسم البياني للعلاقة بين الأسعار المختلفة والكميات التي تعرضها شركةٌ ما بمنحنى العرض.

ويمكننا أن نُمَثِّل مجددًا كميات المعاطف باستخدام رسمٍ بياني تكون فيه كمية المعاطف على المحور x والسعر على المحور y. وكما توضح الصورة 1.12، سيتوفر 800 معطفًا مقابل سعر 100 دولار. لاحِظ أن منحنى العرض يتجه صعودًا ونحو اليمين، أي عكس منحنى الطلب. ففي حال رغبَ المتزلجون في دفعِ أسعارٍ أعلى، فسيشتري موردو المعاطف مُدخَلاتٍ أكثر (مثلًا: قماش من ماركة جوري تيكس، صبغة، آلات، وعمل) وسينتجون معاطفَ أكثر، كما ستغدو الكميةُ المعروضة أكبر وبأسعارٍ أعلى، لأن بوسع المصنعين جَنيُ أرباحٍ أكثر.

الصورة 1.12 من الفصل 1.png

الصورة 1.12: منحنى العرض الخاص بمعاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax))

كيف يتفاعلُ العَرضُ والطلب ويساعدان في تحديد الأسعار؟

في ظل اقتصادٍ مستقر، يعتمد عددُ المعاطف التي يطلبها المتزلجون على أسعارها. والأمر مماثل بالنسبة للمعاطف التي يعرضها الموردون؛ إذ يتوقف عددُ ما يعرضوه منها على أسعارها. ولكن، عندَ أي سعرٍ سيوافق طلبُ المستهلكين على المعاطف الكميّةَ التي سيُنتجها الموردون؟

للإجابة عن السؤال هذا، علينا النظرُ إلى ما يحدثُ عندما يتفاعلُ العرضُ معَ الطلب. وإذا ما مثّلنا لمنحنى العرض ومنحنى الطلب في رسمٍ بياني واحد في الصورة رقم 1.13 أدناه، نرى أنهما يتقاطعان عندَ كميةٍ وسعرٍ محددين. وعند نقطة التقاطع تلك، المُمثُّلِ لها بالحرف E، تتساوى الكميةُ التي طُلِبَت معَ الكمية التي عُرِضَت؛ هذه هي نقطة التوازُن، والسعرُ عندها يبلغ 80 دولارًا، في حين تبلغ الكمية في نقطة التوازن تلك 700 معطف. إذًا، ثمة توازنٌ عند تلك النقطة بين الكمية التي سيشتريها المستهلكون وبين تلك التي سيوفرها الموردون.

وتتحقق نقطة التوازن في السوق عبر سلسلةٍ من التعديلات في الكمية والسعر، والتي تحدثُ تلقائيًا. وفي حالِ ارتفاع السعر إلى 160 دولار، يُنتِجُ الموردون كمية معاطف تزيد عن تلك التي يريد المستهلكون شراءها، وينتج عن ذلك فائضٌ. ولبيع معاطف أكثر، فعلى الأسعار أن تنخفض، فيؤدي الفائض إلى هبوط الأسعار لحين بلوغ نقطة التوازن بين المعروض والمطلوب. وعندما ينخفض السعر إلى 60 دولارًا، ترتفع كمية المعاطف المطلوبة إلى ما فوق العرض المتوفر، ثم يُجبر العجزُ الناتجُ الأسعارَ على الارتفاع لحين بلوغها نقطة التوازن عند 80 دولارًا.

الصورة 1.13 من الفصل 1.png

الصورة 1.13: سعر نقطة التوازن وكمية معاطف المتزلجين، (حقوق الصورة محفوظة لجامعى رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax))

وسيميل عددُ معاطف التزلج المعروضة والمباعة بـ 80 دولارًا إلى الاستقرار عند نقطة التوازن، ما لم يحدث تغيُّرٌ في العرض أو في الطلب. فلوِ ارتفعَ العرض، سيُشترى المزيد من المعاطف عند كل سعر، وسينحرف منحنى الطلب نحو اليمين (كما يُظهِر الخطُ D2 في الصورة رقم 1.14). وفي حال انخفضَ الطلبُ، فسيُباع عددٌ أقل من المعاطف عند كل سعر، وسينحرف منحنى الطلب نحو اليسار (D1). عندما انخفضَ الطلب، اشترى المتزلجون 500 معطفٍ عند سعر 80 دولارًا بدلًا من 700 معطف. أما عندما ارتفع الطلب، فقدِ اشتَرَوا 800 معطف.

الصورة 1.14 من الفصل 1.png

الصورة 1.14: التغيرات في الطلب على معاطف التزلج، (حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس (Rice)، أوبن ستاك (OpenStax))

التغيُّرات في الطلب

يمكن لأمور عديدة أن تزيد من الطلب أو أن تخفِّضه. فمثلًا لوِ ارتفعَ دخلُ المتزلجين، فقد يقررون شراء معطفٍ ثانٍ. أما لوِ انخفضَ دخلُهم، فقد يرتدي الذين كانوا قد خططوا لشراءِ معطفٍ جديد واحدًا قديمًا بدلًا من ذلك. ويمكن كذلك للتغيرات في الموضة والأذواق التأثيرُ في الطلب أيضًا، فمثلًا لو باتَ التزلُّج فجأةً موضةً قديمة، فسينخفض الطلب على معاطف التزلج سريعًا. ومن العوامل التي قد تؤثر في الطلب ارتفاعُ سعر المُنتجات ذات الصلة، بمعنى لو ارتفع السعر الوسطي للوح التزلج إلى 1000 دولار، فسيعتزل المتزلجون ممارسةَ هذه الرياضة وسينخفض الطلب على المعاطف.

وهناك عاملٌ آخر كفيلٌ بتغيير الطلب، وهو التوقعات بشأن الأسعار في المستقبل. فلو توقعتَ ارتفاع أسعار المعاطف بشكل كبير في المستقبل، فقد تُقرِّر شراءَ واحدٍ اليوم. أما لو توقعتَ هبوطَ أسعارها، فقد تؤجّل الشراء. وأخيرًا، يُؤثر تقلّب وتغيّر عدد المشترين في الطلب أيضًا، فالتزلج مثلًا رياضةٌ تمارسها فئةُ الشباب، وطالما أن عدد المراهقين آخذٌ في الازدياد على مدى السنوات القادمة، فسيرتفع الطلبُ على معاطف التزلج.

التغيرات في العرض

هناك عوامل أخرى تؤثر في العرض، إذ تقلل التكنولوجيا الحديثة من تكاليف الإنتاج عادة. فعلى سبيل المثال، اشترت شركة نورث فيس (North Face)، وهي أحد موردي معاطف التزلج، آلاتِ موجَّهة بالليزر لقص التصاميم، وأجهزة تعمل بمساعدة الحاسوب. فأدى ذلك إلى انخفاض تكاليف إنتاج المعطف الواحد، مما رفع الفائدة التي تجنيها تلك الشركة عن كل معطف تنتِجه. ومثَّلَ ذلك حافزًا لتوريد مزيد من المعاطف عند كل سعر. وفي حال ارتفاع أسعار الموارد التي تعتمد عليها الشركة المذكورة، مثل تكاليف العمل أو سعر القماش، فستجني الشركةُ فوائد أقل عن كل معطفٍ تنتجه، وسيؤدي ذلك إلى خفض كمية المعطف التي تنتجُ عند كل سعر، والعكس صحيحٌ. ويمكن أيضًا للتغيرات في أسعار السلع الأخرى أن تؤثر في العرض.

فلنقُل إن رياضة التزلج على الجليد استعادت مجدها الغابر، وازداد عددُ المتزلجين بشكل متسارع رافعًا معه أسعار معاطف التزلج. عندها يمكن لشركة نورث فيس توظيف ما لديها من آلاتٍ وقماش لإنتاج معاطف تزلج. ولو تمكنتِ الشركة من تحقيق ربحٍ من صناعة معاطف المتزلجين على الثلج يفوق ذلك الذي تجنيه من إنتاج معاطف المتزلجين على ألواح، فستقلل من إنتاج هذه الأخيرة عند كل سعر. ويؤدي تغير عدد المنتجين إلى انحرافٍ في منحنى العرض أيضًا، فزيادة عدد موردي معاطف التزلج، سيؤدي إلى عرض المزيد منها في السوق عند كل سعر. أما في حال توقف أحدُ المنتجين عن عرض معاطف التزلج، فمن الطبيعي أن ينخفض العرض من تلك المعاطف. ويمكن للضرائب أيضًا أن تؤثر في العرض؛ فلو قررتِ الحكومةُ لسببٍ ما أن تفرض ضريبة على كل معطفِ تزلجٍ يُنتَج، فستقل الأرباح، وتقل معها كمية المعروض من تلك المعاطف في السوق عند كل سعر.

ويلخّص الجدول 1.2 العوامل التي من شأنها تغيير منحنيي العرض والطلب.

ولفهمٍ أفضلَ للعلاقة بين العرض والطلب في الاقتصاد، فلنلاحظ التأثيرَ الذي أحدثه إعصارُ كاترينا عام 2005 في أسعار الطاقة في الولايات المتحدة. فقد كانت أسعارُ النفط والغاز مرتفعةً حتى قبل أن يتسبب الإعصار في إيقاف عجلة الإنتاج في منطقة ساحل الخليج الأمريكي. ويقع معظمُ مواقع الحَفر والتنقيب التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في خليج المكسيك، كما يتركز حوالي 30% من القدرة التكريرية لها في الولايات المطلة على خليج المكسيك، والتي تأثرت بالإعصار بشدة. وقدِ ارتفعتِ الأسعارُ بشكل فوري تقريبًا من جراء الأضرار التي خلّفها الإعصار، تزامنًا مع انخفاض العرض، بينما بقي الطلب على حاله.

وقد أثبت الإعصارُ هشاشةَ العرض من الطاقة الخاص بالولايات المتحدة، ليس فقط أمام الكوارث، بل أيضًا أمام الهجمات الإرهابية ورفعِ الأسعار من قبل الدول المنتجة للنفط. وقد تساءلَ عددٌ من خبراء سياسة الطاقة عن جدوى وجود ذلك التركيز العالي من المنشآت النفطية، حوالي 25% من البنية التحتية الخاصة بإنتاج النفط والغاز الطبيعي، في ولاياتٍ دائمًا ما تكونُ عُرضةً للأعاصير. كما أن مصافي النفط كانت شبهَ مملوءةٍ قبل أن يضربَ الإعصار.

العوامل التي تُحدِث انحرافًا في منحنيي العرض والطلب
انحراف الطلب
باتجاه اليسار في حال باتجاه اليمين في حال العامل
انخفضت ارتفعت دخول المشترين
انخفضت ارتفعت تقضيلات/ أذواق المشترين
انخفضت ارتفعت أسعار المنتجات البديلة
كانت ستنخفض كانت سترتفع التوقعات بشأن الأسعار المستقبلية
انخفاضه ارتفاعه عدد المشترين
انحراف العرض
باتجاه اليسار في حال باتجاه اليمين في حال العامل
زادتِ التكلفةَ خفَّضتِ التكلفةَ التكنولوجيا
ارتفعت هبطت أسعار الموارد
ارتفاع ربحِ المُنتَج الآخر انخفاض ربحِ المُنتَج الآخر التغيرات في أسعار منتجات أخرى يمكن إنتاجها بالموارد ذاتها
انخفض ارتفع عدد الموردين
ارتفعت انخفضت الضرائب

الجدول 1.2

ويؤثر ارتفاع أسعار الطاقة في الاقتصاد بطرقٍ شتى. وفي ظل سعرٍ يتراوح بين 50 و60 دولارًا للبرميل الواحد_ وهو سعرٌ يفوق ضِعفَ الذي كان سائدًا في العام 2003_ فقد تأثرَ بذلك كلٌ من الشركات والمستهلكين من الناحية المالية. فالشركات الزراعية الواقعة في وسط غرب الولايات المتحدة تصدِّر حوالي 70% من إنتاجها من الحبوب عبر المرافئ المقامة على خليج المكسيك، وفي ظل قلة المساحات المخصصة لرسوّ السفن، والقابلة للاستخدام، فلم يعد بوسع القوارب تفريغُ حمولتها والعودة لشحن مزيدٍ من المحاصيل. وبذلك، باتَ العَرضُ من خدمات وسائل النقل ومن منتجات الحبوب غير كافٍ لتلبية الطلب، وهذا ما رفع من أجور النقل وأسعار الحبوب معًا. كما أسهمت أسعارُ البنزين المرتفعة أيضًا في زيادة الأسعار، نظرًا إلى ارتباط حوالي 80% من نفقات الشحن بمشتقات الوقود.

وبعد حوالي عقدٍ من إعصار كاترينا، شهدت أسعار البنزين في الولايات المتحدة تقلباتٍ دراماتيكية، بلغت خلالها تكلفة غالون واحد من البنزين العادي أوجها في العام 2014 عند سعر 3.71 دولارًا، ثم انخفض إلى سعر 1.69 في أوائل عام 2015، وبعدها عاود ارتفاعه باعتدالٍ هذه المرة، فوصل إلى سعر 2.36 دولارًا في أواسط العام 2017. وقد أظهرت دراسةٌ حديثة، أجراها بنك جي بي مورغان تشيس (JP Morgan Chase)، أن المستهلكين ينفقون حوالي 80% من مدخراتهم التي جنَوها مستغلين انخفاض أسعار البنزين، والذي بدوره يدعم الاقتصاد ككل.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding Economic Systems and Business) من كتاب introduction to business


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...