اذهب إلى المحتوى

يمان نعساني

الأعضاء
  • المساهمات

    56
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

كل منشورات العضو يمان نعساني

  1. في هذا المقال سنسلّط الضوء على آثار كلٍّ من السلطة والمكانة والأهداف ومهارات التواصل على عمليّة التواصل داخل البيئة المؤسساتيّة. دور المدير وجد مينتزبرغ (Mintzberg) في دراسة أجراها حول جمهرةٍ من المديرين أنّ معظم أدوارهم الوظيفيّة تدور حول ثلاثة وظائف إداريّة أساسيّة. هي كما يلي: الأدوار الشخصية تتطلّب طبيعة عمل المديرين التفاعل مع عدد كبير من الأشخاص خلال أسبوع العمل. يستضيفون حفلات الاستقبال ويصطحبون العملاء والزبائن لتناول العشاء ويلتقون مع الشركاء ويجرون مقابلات التوظيف ويكوّنون تحالفات وصداقات وعلاقات شخصيّة مع العديد من الأشخاص. أظهرت العديد من الدراسات أنّ مثل هذه العلاقات هي المصدر الأساسي للمعلومات وفرص العمل والصفقات للمديرين بسبب طبيعة التعامل المباشرة والشخصيّة مع الشركاء والوُسطاء. تنشأ ثلاثة أدوار للمديرين مباشرةً من السلطة الرسميّة التي يتمتّعون بها، وتنطوي هذه الأدوار على العلاقات الشخصيّة الأساسيّة. الدور الأوّل هو الدور الصُوَريّ (figurehead role). يجب على كل مدير أداء بعض المهام الاحتفاليّة بصفته رئيسًا. أمضى الرؤساء التنفيذيّون في دراسة مينتزبرغ 12% من وقت التواصل في واجبات احتفاليّة وحفلات الاستقبالات. وخُصّص 17% من بريدهم الوارد للقرارات والطلبات المتعلقة بمنصبهم. أحد الأمثلة على ذلك هو أن يطلب رئيس شركة توفير بضائع مجانيّة لمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصّة. المديرون مسؤولون أيضًا عن عمل الأفراد في وحدتهم أو فريق عملهم الخاص، وترتبط أفعالهم في هذا الصدد ارتباطًا مباشرًا بدورهم القيادي. يظهر تأثير المديرين بشكل واضح في دور القائد وفقًا لمينتزبرغ. تمنحهم السلطة الرسميّة قوّة كبيرة، وتحدّد القيادة إلى حدّ كبير مقدار القوّة والسلطة التي يمتلكها الإداريون. هل دور القائد مهم؟ اسأل موظفي شركة كرايسلر (Chrysler) (المسمّاة الآن فيات كرايسلر (Fiat Chrysler)). عندما تولّى سيرجيو مارتشيوني (Sergio Marchionne) -الّذي وافته المنية في عام 2018- إدارة الشركة في أعقاب الأزمة الماليّة التي عصفت بها وكانت تودي بصانع السيارات العظيم إلى حالة إفلاس كاملة وعلى وشك الانقراض. أقام سيرجيو علاقات جديدة مع عمال السيارات النقابيّين وأعاد تنظيم الإدارة العليا للشركة كما أقنع الحكومة الفيدراليّة الأمريكيّة بضمان سلسلة من القروض المصرفيّة الّتي من شأنها أن تجعل الشركة قادرة على الوفاء بها مرة أخرى. يعود فضل تحصيل ضمانات القروض واستجابة النقابة وردّ فعل السوق -خاصّة بالنسبة لعلامة جيب (Jeep) التجاريّة- يعود فضل هذه الإنجازات إلى حد كبير إلى أسلوب قيادة مارتشيوني وجاذبيته الشخصيّة. ومن الأمثلة الأكثر حداثة عودة مؤسس ستاربكس (Starbucks) هوارد شولتز (Howard Schultz) لإعادة تنشيط وتوجيه شركته، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذيّ لشركة أمازون (Amazon) جيف بيزوس (Jeff Bezos) وقدرته على الابتكار أثناء الأزمات الاقتصاديّة. لم تتطرّق الكتب الإداريّة المنتشرة إلى دور التواصل بالتفصيل والوضوح الكافيين إلّا مؤخّرًا. تزداد أهميّة دور المديرين بإنشاء جهات اتّصال والحفاظ عليها خارج سلسلة للقيادة مع كلّ دراسة تقريبًا للعمل الإداري، والمثير للدهشة أنهم يقضون القليل من الوقت مع رؤسائهم. في دراسة روزماري ستيوارت (Rosemary Stewart) عام 1967؛ قضى 160 مديرًا بريطانيًا 47% من وقتهم مع أقرانهم و 41% من وقتهم مع أشخاص داخل وحدة عملهم و12% فقط مع رؤسائهم. كما أظهرت دراسة (Guest) عام 1956 حول مشرفي التصنيع الأمريكيّين نتائج مماثلة. أدوار إخبارية يُطلب من المديرين جمع العديد من أنواع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وتخزينها ونشرها. ويصبحون بذلك مراكز للمعلومات، وغالبًا ما يخزّنون كمّيّات هائلة من المعلومات في رؤوسهم وينتقلون بسرعة من دور الجامع إلى دور الناشر في دقائق. على الرغم من أنّ العديد من مؤسّسات الأعمال تثبّت أنظمة معلومات إداريّة كبيرة ومُكلفة لأداء العديد من هذه الوظائف، إلا أن هذه الأنظمة لا يمكن أن تضاهي السرعة وقوة البديهة لعقل المدير المدرّب جيدًا في خضمّ معالجة المعلومات. لذلك ليس من المُستغرب أن يفضّل معظم المديرون هذه الطريقة. يُمحّص المديرون باستمرار بيئة العمل بحثًا عن المعلومات، ويتحدّثون بدأبٍ مع جهات الاتّصال والمرؤوسين وقد يتلقَّون معلومات غير مرغوب فيها تأتي معظمها من شبكة جهات الاتصال الشخصيّة الخاصة بهم. يصل جزء كبير من هذه المعلومات شفهيًّا على شكل ثرثرة وإشاعات وتكهنات غالبًا. يُمرّرُ المديرون في دور الناشر المعلومات المميّزة مباشرة إلى المرؤوسين الّذين قد لا يتمكّنون من الوصول إليها. يجب على المديرين أن يقرّروا من يجب أن يتلقّى هذه المعلومات وأيضًا مقدارها وبأيّ شكل. يُطلب من المديرين أن يقرّروا حاجة المرؤوسين والأقران والعملاء وشركاء الأعمال وغيرهم إلى الوصول المباشر للمعلومات على مدار 24 ساعة في اليوم دون الحاجة إلى الاتّصال بالمدير مباشرة. يرسل المديرون في دور المتحدّث الرسميّ معلومات إلى أشخاص من خارج مؤسساتهم: يُلقي المدير التنفيذيّ خطابًا للضغط من أجل قضية تخصّ المؤسّسة أو يقترح المشرف على المورد تعديل المنتج. يُطلب من المديرين أيضًا التعامل مع ممُثّلي وسائل الإعلام الإخباريّة وتقديم الردود الواقعيّة والّتي ستُطبع أو تُبثّ إلى جماهير واسعة مباشرةً أو بعد القليل من التحرير. تُعدُّ المخاطر في مثل هذه الظروف كبيرة وذات وقعٍ قوي، لكن المكافآت المُحتملة كبيرة أيضًا، مثل التعرّف وإشهار العلامة التجاريّة والصورة العامّة والرؤية المؤسّساتيّة. أدوار اتخاذ القرار الاداري يتحمل المديرون مسؤوليّة اتخاذ القرارات نيابة عن كلّ من المنظّمة وأصحاب المصلحة المهتمّين بها. غالبًا ما تُتّخذ مثل هذه القرارات في ظلّ ظروف شديدة الغموض ومع معلومات غير كافية. تساعد الأدوار الإداريّة الأخرى المدير في كثير من الأحيان على اتّخاذ قرارات صعبة تكون فيها النتائج غير واضحة أو مبهمة وتتضارب فيها المصالح غالبًا. يسعى المديرون في دور رائد الأعمال باستمرار إلى تحسين أعمالهم والتكيّف مع ظروف السوق المتغيّرة والاستجابة للفرص. يدرك المديرون الّذين يتمتّعون بنظرة طويلة بعيدة وبصيرة جيّدة يدركون مسؤولياتهم وحاجتهم إلى إعادة تكييف أنفسهم وخطوط منتجاتهم وخدماتهم واستراتيجياتهم التسويقيّة وطرقهم في ممارسة الأعمال التجاريّة حيث تصبح الأساليب القديمة غير مناسبة مع تقدّم عجلة التطوّر واحتداد سوق المنافسة العالميّة. وفي حين يتمثّل دور رائد الأعمال بالمديرين الّذين يشرعون في التغيير، فإنّ دور التعامل مع الاضطرابات أو الأزمات يصف المديرين الّذين يجب أن يتفاعلوا بشكل لا إراديّ مع الظروف. يمكن أن تنشأ الأزمات لأنّ المديرين السيّئين يفشلون في التكيّف مع الظروف الطارئة أو أنها تخرج عن نطاق السيطرة، ولكن في كثير من الأحيان يجد المديرون الجيّدون أنفسهم في خضمّ أزمة لم يكن بإمكانهم توقّعها ولكن يجب أن يتفاعلوا معها بسرعة وحذر. الدور الثالث هو دور مُتخصّص الموارد ويشمل اتّخاذ قرارات بشأن مَن مِن الأشخاص يحصل على ماذا وبأيّ قدر ومتى وما الهدف. موارد المؤسسات تكون محدودة عادةً وتشمل التمويل والمعدّات والعمالة البشرية والمكتب أو مساحة الإنتاج وحتّى وقت المدير، والطلب عليها يفوق العرض حتمًا. يجب على المديرين اتّخاذ قرارات عقلانيّة بشأن هذه الأمور مع الاستمرار بالاحتفاظ بأفضل موظّفيهم وتحفيزهم وتطويرهم. الدور النهائيّ لاتّخاذ القرار هو دور المُفاوِض. يقضي المديرون وقتًا طويلاً في المفاوضات: حول مخصّصات الميزانية واتّفاقيات العمل والمفاوضة الجماعيّة وحلّ النزاعات الرسميّة الأخرى. غالبًا ما يتّخذ المديرون خلال الأسبوع الواحد عشرات القرارات الناتجة فيما يتعلّق بمفاوضات موجزة ومهمّة بين الموظّفين والعملاء والمورّدين وغيرهم ممّن يجب على المديرين التعامل معهم. التواصل الإداري وسمعة الشركة التواصل الإداريّ هو تخصص رئيسيّ في دراسة التواصل وسمعة الشركة. إنّ فهم أسلوب اللغة وملكاتها المتأصّلة -جنبًا إلى جنب مع مهارة التحدث والكتابة والاستماع وتكوين العلاقات الشخصيّة- سيحدد ما إذا كانت الشركة ستنجح أو تفشل وما إذا كانت سترقى أم تنحدر سمعتها. كتب بيتر دراكر (Peter Drucker) في منتصف القرن العشرين: "على المديرين أن يتعلّموا معرفة اللغة لفهم ماهيّة الكلمات وما تعنيه. وربما الأهمّ من ذلك أنّ عليهم اكتساب الاحترام للّغة باعتبارها أثمن هدية وتراث [لنا]. يجب أن يفهم المدير معنى التعريف القديم للبلاغة على أنّه الفن الذي يجذب قلوب الرجال إلى حب المعرفة الحقيقية". أعاد إيكلس (Eccles) ونوريا (Nohria) لاحقًا صياغة وجهة نظر دراكر لتقديم منظور للإدارة لم يره سوى قلّة من قبل، وهو: "لرؤية الإدارة في منظورها الصحيح ، يجب على المديرين أوّلاً التعامل مع اللغة بجدّيّة." يجب التركيز على ثلاث قضايا: استخدام البلاغة لتحقيق أهداف المدير وتشكيل الهويّة الإداريّة واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة الّتي توظّفنا. كما يقولون: "جوهر ما تعنيه الإدارة [هو] الاستخدام الفعّال للغة لإنجاز الأمور". من الأشياء الّتي ينجزها المديرون إنشاء سمعة الشركة وإدارتها ومراقبتها. تصبح بالتالي مهمّة المدير الكفؤ والفعّال عبارة في جوهرها فهم اللغة و أسلوب العمل، كما تتضمّن أيضًا تشكيل رؤية الآخرين لك ونظرتهم لدورك الإداري. درس العديد من الباحثين العلاقة المهمّة بين التواصل والعمل داخل المنظّمات الكبيرة والمعقدّة و استنتجوا أن الاثنين يرتبطان مع بعضهما ارتباطًا وثيقًا، فبدون الكلمات الصحيحة المُستخدمة بصواب؛ من غير المحتمل أن تتشكّل السمعة الصحيحة. يقول إكليس ونوريا أنّ "الكلمات مهمّة للغاية. بدون كلمات ليس لدينا طريقة للتعبير عن المفاهيم الاستراتيجيّة أو الأشكال الهيكليّة أو التصاميم لأنظمة قياس الأداء". وخلَصُوا إلى أنّ اللغة "مهمّة للغاية بالنسبة للمديرين ولا يمكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه ولا يمكن السماح إطلاقًا بإساءة استخدامها." فإذا كانت اللغة هي مفتاح المدير لإدارة سمعة الشركة، فإنّ السؤال التالي واضح: ما مدى جودة المديرين في استخدام اللغة؟ تعتمد قدرة المديرين على التصرف كلّيًّا على مدى فعالية استخدامهم للتواصل الإداريّ اللفظي، سواءً لتوظيف القوى العاملة الموهوبة أم لتغيير سمعة المؤسّسة أو لإطلاق خط إنتاج جديد. ستحدّد فعاليّة المديرين في حديثهم وكتابتهم مدى قدرتهم على إدارة سمعة الشركة إدارةً جيّدة وستحدّد قدرتهم على الاستماع مدى فهمهم للآخرين ومدى استجابتهم وقدرتهم على تغيير المنظمة استجابةً لتعليقاتهم. سنستعرض الآن الدور الّذي يلعبه التواصل الإداريّ في تكوين سمعة الشركة وإدارتها وتغييرها والدور الذي يلعبه الخطاب في المنظّمات. سنركّز في مقالاتنا القادمة على الرغم من ذلك على مهارات وقدرات وكفاءات استخدام اللغة ومحاولة التأثير على الآخرين والاستجابة لمتطلبات الأقران والرؤساء وأصحاب المصلحة والمنظّمة الّتي يعمل فيها المديرون والموظفون. يتعلّق التواصل الإداريّ بحركة المعلومات والمهارات الّتي يمهّد لها أسلوب التحدث والكتابة والاستماع وعمليات التفكير النقديّ. يتعلّق الأمر أيضًا بفهم ماهيّة مؤسّستك (الهوية) وما يعتقده الآخرون عن مؤسّستك (السمعة) والمساهمات التي يمكن للأفراد تقديمها في نجاح أعمالهم مع مراعاة السمعة الحالية لمنظمتهم. يتعلّق الأمر أيضًا بالثقة؛ أي معرفة الفرد وثقته بمدى اتقانه لأسلوب التحدّث والكتابة والاستماع بمهارة كبيرة لما يقوله الآخرون والبحث عن التعليقات الأساسيّة وتقديمها لبناء سُمعة المؤسسة أو إدارتها أو تغييرها. سينصب تركيزنا في مقالات سلسلتنا القادمة على أن التواصل هو أساس ولُبُّ عمل المديرين من نواحٍ عدّة. سنفصّل أدوار الكتابة والتحدث في الإدارة بالإضافة إلى التطبيقات والتحديات الأخرى الّتي يواجهها المديرون أثناء تأديتهم لدورهم الإداري في بناء سمعة الشركة وصيانتها وتغييرها. ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Communication) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: قنوات التواصل الإداري الأساسية: التحدث والاستماع والقراءة والكتابة المقال السابق: أشكال التواصل في المؤسسات
  2. يمكن استخدام ثلاثة أشكال للتواصل، إمّا بواسطة المُتّصِل في مرحلة الإرسال الأوليّة أو المتلقّي في مرحلة الردّ. سنناقش هذه الأشكال الثلاثة بشيءٍ من التفصيل في هذا المقال. أشكال التواصل الثلاث في المؤسسات التواصل الشفوي يتضمّن هذا التواصل جميع الرسائل أو عمليّات تبادل المعلومات المنطوقة. وهو أكثر أشكال التواصل انتشارًا. التواصل الكتابي ويتضمّن البريد الإلكترونيّ والرسائل والورقيّات والتقارير والكُتيّبات والملاحظات على القصاصات اللاصقة. على الرغم من تفضيل المديرين للتواصل الشفويّ؛ لكفاءته وسرعته، إلّا أّنّه لا يمكن إنكار تزايد التواصل الإلكترونيّ. يفضل بعض المديرين كذلك التواصل الكتابيّ للرسائل المهمّة، مثل تغيير سياسة الشركة لأهمّيّة الدقّة في العبارات المستخدمة وأهميّة توثيق الرسالة. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } القيادة الإدارية التعامل مع المعلومات الزائدة أحد التحدّيات الكبيرة في العديد من المؤسّسات هو التعامل مع السيل الكبير من رسائل البريد الإلكترونيّ والرسائل النصيّة والبريد الصوتيّ وغيرها من وسائل التواصل. استعانت المنظّمات بالعديد من الوظائف والتقنية المتعدّدة لتسريع التواصل عبر برامج تواصل متكاملة، مثل (Slack)، والّذي يتيح للمستخدمين إدارة جميع اتّصالاتهم والوصول إلى الموارد المشتركة في مكان واحد. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤدّي الكمُّ الكبير من الرسائل إلى زيادة في حمل المعلومات وقد تتلاشى الرسائل المهمّة وتضيع في خضمّ . أضف إلى ذلك ممارسة "الرد على الكلّ" الّتي يستخدمها العديد من زملاء العمل والّتي تُلقي كمًّا إضافيًّا وعبئًا زائدًا إلى الرسائل المتبادلة، وهذا يعني أنّك قد تتلقّى خمسة أو ستّة إصدارات من رسالة بريد إلكترونيّ أولية وعليك أن تفهم جميع الردود بالإضافة إلى الرسالة الأصليّة قبل الردّ أو اتّخاذ قرار بأنّ المشكلة قد حُلّت ولا داعي للردّ. فيما يلي اقتراحات للتعامل مع الحمل الزائد للبريد الإلكترونيّ داخل المؤسسات وخارجها. إحدى طرق تقليل الحجم والوقت الّذي تقضيه في تصفّح البريد الإلكتروني والرد عليه هي إغلاق منبع الرسائل الواردة. هناك ممارسات واضحة تساعد على ذلك، مثل إلغاء الاشتراك في الرسائل الإخباريّة الإلكترونيّة أو إيقاف تشغيل الإشعارات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. ضع في حسبانك أيضًا الرسائل التي يُرسلها لك زملاؤك ومرؤوسوك في العمل لإطلاعك على أمر مُستجد أو حدثٍ واقع، قد لا يكون ذا أهمية بالنسبة لك، ولكن من باب العلم تُرسل لك. إن كان ذلك صحيحًا اشرح لهم أنّك تحتاج فقط إلى المعلومات في أوقات معيّنة أو عند اتّخاذ القرار النهائيّ. قد تحتاج أيضًا إلى إعداد نظام ينظّم الصندوق الوارد الخاصّ بك في "مجلدات" يسمح لك بإدارة تدفّق الرسائل في مجموعات. تُتيح لك هذه الاستراتيجية معالجة الرسائل معالجةً مناسبة وهادئة. قد يبدو نظامك مثل هذا: البريد الوارد: تعامل معه على أنه مُجمِّع مؤقّت. لا يجب أن تبقى الرسائل فيه لمدّة أطول ممّا تستغرقه لحفظها في مجلد آخر إلّا إن استجبت فورًا وكنت تنتظر ردًّا فوريًّا. اليوم: هذه الرسائل التي تحتاج إلى ردّ اليوم. هذا الأسبوع: هذه الرسائل التي تتطلب الردّ قبل نهاية الأسبوع. هذا الشهر/الربع: هذا مخصص لكلّ ما يحتاج إلى استجابة طويلة المدى. قد تحتاج إلى مجلد شهريّ أو ربع سنويّ وفقًا لطبيعة عملك. لأخذ العِلم: مخصّص لأيّ رسائل لأخذ العلم فقط والّتي قد تحتاج للرجوع إليها مستقبلًا. يعطي هذا النظام الأولويّة لرسائل البريد الإلكتروني بناءً على الجداول الزمنية بدلاً من مرسلي البريد الإلكترونيّ. مما يتيح لك جدولة العمل جدولةً أفضل وتحديد المواعيد النهائيّة. يجب أيضًا مراعاة بريدك الإلكترونيّ الصادر. إذا كانت رسائلك الصادرة غير محدّدة أو طويلة جدًّا أو غير واضحة أو منسوخة على نطاق واسع فمن المحتمل أن يتّبع زملاؤك نفس الممارسة عند التواصل معك. أبقِ اتّصالك واضحًا ومباشرًا وسوف تساعدك إدارة صندوق الصادر الخاصّ بك على جعل رسائل البريد الإلكترونيّ الواردة قابلة للإدارة. التواصل غير اللفظي يمكن أيضًا تبادل المعلومات دون التحدّث أو الكتابة، مثل إشارات المرور وصافرات الإنذار، بالإضافة إلى حجم المكتب والمنصب والذي يُشير ضمنيًّا إلى أهميّة شيء أو شخصٍ ما. يمكن كذلك لأشياء مثل لغة الجسد وتعبيرات الوجه أن تنقل رسائل واعية أو غير واعية للآخرين. الشكل 11.3 لغة الجسد ضمن اجتماع يمكن أن ترسل لغة جسدك رسائل معيّنة خلال الاجتماعات (حقوق الصورة: Amtec Photos/ Flickr/Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) المؤثرات الرئيسية على التواصل بين الأشخاص يمكن أن تتأثر طبيعة عمليات التواصل بين الأشخاص واتّجاهها وجودتها بعدّة عوامل، بغضّ النظر عن شكل التواصل. نذكر من هذه المؤثّرات: التأثيرات الاجتماعيّة التواصل عمليّة اجتماعيّة، فيتطلّب الأمر شخصين على الأقلّ لتحدث عمليّة التواصل. يمكن أن تؤثّر مجموعة من العوامل الاجتماعيّة على دقّة الرسالة المقصودة. يمكن مثلًا أن تؤثّر المناصب بين موظّفين من مستويات إداريّة مختلفة على طريقة وأسلوب التواصل، مثل مخاطبة المدير بصفة "السيّد" أو "السيّدة" ومخاطبة زميل عمل بنفس مستوى باسمه مباشرةً. يمكن للمعايير والأدوار السائدة أن تُملي من يتحدّث إلى من وكيف يجب أن يكون الردّ على الأشخاص. يُظهِر الشكل 11.4 مجموعة متنوّعة من الاتّصالات لتوضيح التأثيرات الاجتماعيّة في مكان العمل. الشكل 11.4 أنماط التواصل الإداريّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الإدراك كما تتأثّر عمليّة الاتّصال بشدّة بالعمليات الإدراكيّة. قد تتأثّر دقّة تلقّي الموظّف للتعليمات من مديره بنظرته للمدير، خاصةً إذا كانت تعليمات الوظيفة تتعارض مع اهتمام الموظّف، أو إذا كانت مثيرة للجدل أو غير واضحة ومُبهمة. إذا تصوّر الموظّف المدير على أنه غير كفء فمن المحتمل ألّا يأخذ تعليماته أو طلباته على محمل الجدّ، أما إذا كان يُنظر للمدير باحترام أو يُنظر إليه على أنه صاحب تأثير ومكانة في الشركة، فتُعطى كلمته وأوامره الأولويّة لدى الموظّفين. المشاركة التفاعلية تتأثّر فعاليّة التواصل بمدى مشاركة أحد الطرفين أو كلاهما في المحادثة. يسمى هذا العامل بتأثير الانتباه التفاعليّ (interaction attentiveness) أو المشاركة التفاعليّة (interaction involvement). إذا كان متلقّي الرسالة منشغلاً بقضايا أخرى فقد تتضاءل فعاليّة الرسالة. يتكوّن التفاعل من ثلاثة أبعاد مترابطة: الاستجابة والإدراك والانتباه. تصميم المؤسسة قد تتأثّر عملية التواصل أيضًا بتصميم المؤسّسة. غالبًا ما تُفضَّل اللامركزيّة في المنظّمات لأنّها تؤدّي إلى هيكل تشاركيّ أكثر وإلى تحسين التواصل ضمن المنظّمة. عندما تنتقل الرسائل عبر مستويات إدارية متعدّدة من المؤسّسة قبل أن تصل إلى وجهتها يمكن أن تتشوّه، ويمكن تقليل فرص حدوث بدعم وتحفيز التواصل المباشر واعتماده أسلوبًا أساسيًّا في سلسلة التواصل المطلوبة. الشكل 11.5 الاتصالات غير الرسميّة في المؤسّسات. يدرك المديرون الأذكياء عدم ظهور جميع العلاقات المؤثّرة للشركة ضمن المخطط المؤسّساتيّ. توجد شبكة من الاتصالات الشخصيّة غير الرسميّة بين العمال وتمرّ المعلومات الحيويّة عبر هذه الشبكة باستمرار. يمكن للمديرين باستخدام برنامج تحليل الوسائط الاجتماعيّة وأدوات التتبّع الأخرى تعيين وتحديد العلاقات غير المرئيّة الّتي تتشكّل بين الموظّفين على جميع المستويات الإدارية للمؤسّسة. كيف يمكن أن يساعد تحديد الشبكات غير الرسميّة ضمن الشركة المديرين على تعزيز العمل الجماعيّ وتحفيز الموظّفين وزيادة الإنتاجيّة؟ (حقوق الصورة: Exeter/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Communication) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: العوامل المؤثرة على التواصل في المؤسسات ودور المديرين فيها المقال السابق: التواصل الإداري في البيئة المؤسساتية
  3. سنتابع سلسلة مقالاتنا الفريدة عن السلوك التنظيمي في بابها الحادي عشر "التواصل"، في هذا الباب سنسرُد الكثير من التفاصيل المهمّة لبناء نسيجٍ اجتماعي وإداري قوي في بيئة عمل المؤسسة، سواءً داخليًّا أم خارجيًّا. سنسلّط الضوء خلال المقالات التالية على عمليّة التواصل ونشرها شرحًا وافيًا، كما سنذكر أشكال التواصل في المنظمات وآثار السلطة والمكانة والأهداف على عمليّة التواصل، سنخوض أيضًا في كيفية تأثير آلية تواصل المنظمة مع أصحاب المصالح على سمعتها وسوف نختتم في المقال الأخير بذكر وتفصيل أهمية كلٍّ من التحدث والاستماع والقراءة والكتابة على كفاءة الإدارة في المؤسسات. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهام الإدارية جون ليجير (John Legre) من شركة (T-Mobile) عادةً يمثّل الرئيس التنفيذيّ واجهة الشركة، وغالبًا ما يكون نجمها وموجّهها. يتّبع الرؤساء التنفيذيّون أساليب أكثر تحفّظًا وتنظيمًا مع أصحاب المصلحة الآخرين (المساهمين والمورّدين والهيئات التنظيميّة والعملاء). أحد الرؤساء التنفيذيين المتميّزين بحقّ هو جون ليجير الرئيس التنفيذيّ لشركة (T-Mobile). يستضيف الرئيس غير التقليدي للشركة بثًّا صوتيًّا (بودكاست) صباح يوم الأحد بعنوان "Slow Cooker Sunday" على منصّة (فيسبوك Live)، وعلى نقيض معظم الرؤساء التنفيذييّن الذي يظهرون في المقابلات التلفزيونيّة مرتدين زيًّا رسميًّا، يظهر ليجير بشعر طويل وقميص أرجوانيّ وسترة سوداء وحذاء رياضي ورديّ. وفي حين يستخدم معظم الرؤساء التنفيذيّين لغة فصيحة ومنمّقة لمعالجة قضايا الأعمال والمنافسين، يشير ليجر إلى أكبر منافسي (T-Mobile) وهم (AT&T) و(Verizon) بوصف "الغبيّ والأغبى". تُعدُّ شركة (T-Mobile) في سوق الهاتف المحمول اللاعب الثالث في المنافسة مع العملاقين (AT&T) و(Verizon) كما توصّلت مؤخّرًا إلى اتّفاق اندماج مع (Sprint). تعدّ هذه عمليّة دمج حاصلة بين أكثر شركتين متنافستين من بين جميع عمليات الدمج الّتي تجتاح مجال الإعلام والاتصالات. سيؤدّي اندماجهم إلى تقليل عدد شركات الاتّصالات اللاسلكيّة في الولايات المتّحّدة من أربع إلى ثلاث وهي خطوة عارضتها لجنة الاتصالات الفدراليّة بشدّة في الماضي، لكن يبدو سوق الاتّصالات اللاسلكيّة مختلفًا بعض الشيء الآن كما هو الحال بالنسبة لإدارات الشركة. يظهر جون ليجير وغيره من الرؤساء التنفيذيّين مثل مارك كوبان وإيلون ماسك وريتشارد برانسون للعموم أكثر من المديرين التنفيذيّين في الشركات الأخرى الّذين لا يظهرون كثيرًا ويحذرون أكثر في تعليقاتهم العامّة، وغالبًا لا يخاطبون سوى المستثمرين في الاجتماعات. قد تكون شخصيّة وأسلوب تواصل المديرين التنفيذيّين في الأماكن العامة هي ذاتها الطريقة الّتي يتعاملون بها مع موظّفيهم. ستحفّز الشخصية المُنفتحة لشخص ما، مثل جون ليجير، بعض الموظّفين، ولكن قد يرى موظّفون آخرون أنّ هذا الأمر مُبالغ به. يمكن أن تسبّب التعليقات غير المضبوطة واللغة الّتي يستخدمها ليجير مشاكل مع الموظّفين في بعض الأحيان. وجّه بعض موظفي (T-Mobile) على سبيل المثال في مركز الاتّصال الخاص بهم، وجّهو اللوم إلى ليجير لتعليق في حدث صحفيّ قال فيه أنّ (Verizon) و(AT&T) "يغتصبون" العملاء لأجل كل قرش يمتلكونه. تسبّبت تعليقات ليجير بمناقشات مطوّلة في منتديات الإنترنت، مثل (Reddit) حول اختياره للكلمات. يُعرف عن ليجير التحدّث عن رأيه في الأماكن العامّة وغالبًا ما يستخدم الألفاظ النابيّة، لكن يعتقد الكثيرون أنّ هذا التعليق تجاوز الحدّ. على الرغم من أن التواصل المفتوح والصريح قد يكون موضع تقدير ويؤدّي إلى وضوح الرسالة، إلا أنه يجب على الأشخاص التفكير دائمًا في عواقب كلماتهم، سواء كان ذلك في منتدى عامّ أم في مقابلة داخلية أم حتى في رسالة نصيّة. سوف نستعرض مقارنة مفصّلة في سياق التواصل بين شخصين والتواصل بين عدّة أفراد (مجموعات) والتواصل خارج المنظّمة. كما سوف نظهر أنّ المديرين يقضون معظم وقتهم في التواصل مع الآخرين. سوف ندرس أيضًا أسباب التواصل ونناقش النموذج الأساسيّ للتواصل بين الأشخاص وأنواع التواصل بين الأشخاص والتأثيرات الرئيسيّة على عمليّة التواصل. أخيرًا سنستعرض كيفيّة يُساهم التواصل مع أصحاب المصلحة في بناء السمعة التنظيميّة للمؤسسة. عملية التواصل الإداري يعدّ التواصل بين الأشخاص جزءًا مهمًا من كونك مديرًا فعالًا فهو: يؤثّر على آراء الآخرين ومواقفهم ودوافعهم وسلوكيّاتهم. يعبّر عن مشاعرنا وعواطفنا ونوايانا للآخرين. وسيلة لتوفير واستلام وتبادل المعلومات المتعلّقة بالأحداث أو القضايا الّتي تهمّنا. يعزّز الهيكل الرسميّ للمنظّمة بوسائل مثل الاستفادة من قنوات الاتصال الرسميّة. يتيح التواصل بين الأشخاص للموظّفين التفاعل مع الآخرين في جميع المستويات الإدارية ضمن المؤسّسة وتأمين النتائج المرجوُّة وطلب أو تقديم المساعدة والاستفادة من التصميم الرسميّ للمنظمة وتعزيزه. لا تخدم هذه الأغراض الأفراد المعنيّين فحسب بل الهدف الأكبر المتمثّل في تحسين جودة الكفاءة المؤسّساتيّة. النموذج المُقَدّم هنا هو تبسيط للواقع ولكنّه يفيد في إنشاء رسم تخطيطيّ لاستخدامه في مناقشة الموضوع. يوضح الشكل 11.2 حلقة تواصل بسيطة حيث يُشفّرُالمُتّصل (communicator) رسالة ويفكُّ المتلقّي (receiver) بدوره تشفير هذه الرسالة. الشكل 11.2 نموذج التواصل الأساسيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). التشفير وفك التشفير جانبان مهمان لهذا النموذج هما التشفير (encoding) وفك التشفير (decoding). التشفير هو عملية ترجمة الأفراد لأفكارهم عند بدء التواصل إلى مجموعة منهجيّة من الرموز (اللغة) سواءً كانت مكتوبة أم منطوقة. يتأثّر التشفير بتجارب المُرسِل السابقة مع الموضوع أو القضيّة وحالته العاطفيّة في وقت إرسال الرسالة وأهميّة الرسالة والأشخاص المعنيين. فكّ التشفير هو عمليّة تفسير المستلم للرسالة، ويستنتجُ المتلقّي معنى للرسالة ويحاول الكشف عن نيّتها الأساسية. يتأثّر فكّ التشفير أيضًا بالخبرات السابقة للمتلقّي وسياق استلام الرسالة. الردود تحدث عدة أنواع من الردود بعد إرسال رسالة من المُتّصل إلى المتلقّي. تُعدُّ الردود الخطوة الأخيرة في إكمال حلقة التواصل وقد تتّخذ عدّة أشكال، مثل الردّ اللفظيّ أو إيماءة بالرأس أو طلب المزيد من المعلومات أو عدم الردّ على الإطلاق. يتضمّن الردّ أيضًا التشفير والوسيط وفكّ التشفير، كما هو الحال مع الرسالة الأوليّة. هناك ثلاثة أنواع أساسيّة من الردود. وهي إخباريّة وتصحيحيّة ومعزِّزة. يُقدّم المتلقّي في الردود الإخباريّة معلومات غير تقييميّة إلى المُتصِّل، مثل كميّة المواد المخزّنة في نهاية الشهر. يستجيب المتلقّي في الردود التصحيحيّة بتحدّي الرسالة الأصليّة، قد يردّ المتلقّي بأنّه ليس من مسؤوليته مراقبة المواد المخزّنة. يبلغ المتلقّي في الردود المُعزِّزة أنّه تلقّى الرسالة بوضوح وفهم مقصدها. على سبيل المثال، إنّ الدرجة التي تحصل عليها في ورقة امتحان ما (سواءً كانت إيجابية أم سلبية) هي ردّ مُعزِّز على ورقة إجابتك (اتّصالك الأصليّ). الضوضاء هناك مجموعة متنوعة من الطرق التي قد تشوّه الرسالة المقصودة. الضوضاء (noise) هي العوامل التي تشوّش وضوح الرسالة. يمكن أن تحدث الضوضاء في أيّ مرحلة على طول النموذج الموضّح في الشكل 11.2، بما في ذلك عمليّة فكّ التشفير. قد يكون المدير مثلًا تحت الضغط ويصدر توجيهًا بالتالي: "أريد الانتهاء هذه المهمّة اليوم مهما كلّف الأمر"، ولكن في الواقع يكون المدير مهتمًّا حقيقةً بالتكاليف والثمن الذي سيُبذل لإنجاز هذه المهمّة. ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Communication) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: أشكال التواصل في المؤسسات المقال السابق: تنوع فريق العمل وتحدياته
  4. ممكن أن يصبح اتّخاذ القرار وحلّ المشاكل أكثر نجاحًا وسلاسةً إن كانا يُجريان في فريق متنوّع. قد تُحسِّن منظورات التنوّع المتعدّدة من فهم المشكلة ومن جودة الحل المطروح. ويوجّه العديد من الخبراء في القيادة إلى أنّ الأنشطة والمشاريع المصمّمة لجمع الأفراد المتنوّعين معًا أوجدت البيئة الأمثل لحلّ المشاكل. يؤدّي جمع المديرين المتنوّعين من وظائف عديدة ومن حول العالم والّذين يمرّون بمراحل مختلفة من مسيرة عملهم وتجاربهم ضمن الشركة وخارجها، يؤدي إلى إيجاد أفضل النقاشات والمنظورات الممكنة. التنوّع (Diversity) كلمة شائعة الاستخدام في يومنا هذا، ولكن يمكن أن تضيع أهمية الفرق المتنوّعة في سياق العمل المعتاد. سوف نناقش هنا أسباب الحاجة إلى أخذ عُنصر التنوّع بالحسبان وضمان تواجد هذا العنصر في مجموعات العمل. في مقالة "لمَ الفرق المتنوّعة أذكى؟" المنشورة في (Harvard Business Review Nov. 2016) لكاتبيها ديفيد روك (David Rock) وهايدي غرانت (Heidi Grant) نوّه الكاتبان إلى أنّ زيادة التنوّع في مكان العمل قرار جيّد. وجد تقرير نشرته شركة (McKinsey) الاستشارية عام 2015 حول 366 شركة عامّة أن الشركات الّتي تُصنّف ضمن أفضل الشركات من حيث التنوّع العرقي والإثنيّ في الإدارة هي أكثر احتمالًا بنسبة 35% لأن تحقّق مردوداً ماليًّا أعلى من المردود الوسطيّ، وأنّ الشركات الّتي تُصنّف ضمن أفضل الشركات من حيث التنوّع الجنسي هي أكثر احتمالًا بنسبة 15% لأن تحقّق مردوداً ماليًّا أعلى من المردود الوسطيّ أيضًا. كما أظهرت دراسة عالميّة أجرتها شركة (Creddit Suisse) للخدمات الماليّة أنّ المؤسّسات الّتي تمتلك عضوًا واحدًا على الأقل أنثى ضمن مجلس إدارتها تجني دخلًا صافيًا أكبر من الشركات الّتي لا تمتلك أيّ أنثى ضمن مجلس إدارتها. أظهرت دراسات أخرى حول التنوّع أنّ الفرق المتنوّعة أفضل في اتّخاذ القرارات وحل المشاكل؛ بسبب ميلها للتركيز أكثر على الحقائق، وذلك حسب مقالة "لمَ الفرق المتنوّعة أذكى" المذكورة في الفقرة السابقة. أظهرت دراسة نشرة في مجلّة (Journal of Personality and Social Psychology) أنّ الأشخاص القادمين من خلفيّات متنوّعة "قد يغيّرون من سلوك أعضاء المجموعة القادمين من الأغلبيّات المجتمعيّة عبر طرق تؤدّي لتفكير جماعيّ أفضل وأدقّ". تُظهر الدراسة أنّ المجموعات المتنوعة قدّمت حقائق وأفكار أفضل متعلّقة بالقضيّة المطروحة للاختبار وارتكبت أخطاء أقلّ عند مناقشة الأدلّة الموجودة، وذلك بالمقارنة مع المجموعات المتجانسة ذات التنوّع الضئيل. كما أظهرت دراسة أخرى مذكورة في المقال أنّ الفرق المتنوّعة "أكثر احتمالاُ لإعادة فحص الحقائق ولأن تكون موضوعيّة في ذلك، كما أنّها قد تحفّز انتقاءً أفضل لأفعال الأعضاء، ما يبقى وعي المجموعة حادًّا ومتيقّظًا. كما يمكنك أن توعّي موظّفيك وتُعالج تحيّزاتهم الشخصيّة عبر وضعهم ضمن فرق عمل متنوّعة، وذلك لتجنّب تراجع قدرتهم على قراءة المعلومات واتّخاذهم قرارات خاطئة أكثر إن بقوا عاملين في بيئة غير متنوّعة." بعبارةٍ أخرى، عندما يكون الفرد محاطًا بأشخاص مشابهين له وغير متنوّعين سيكون معرّضًا للتفكير الجماعيّ النمطي وقد يمتنع عن التفكير بوجهات نظر أخرى، لكون جميع زملائه يملكون رأيًا واحدًا. أمّا في فريق أكثر تنوّعًا تُطرح وجهات النظر المختلفة أكثر ويشعر الأعضاء بوجوب البحث والحديث عن المواضيع المطروحة. وهذا ما يعزّز حدوث نقاش بنّاء كما ذكرنا ويحفّز حصول تعمّق أكبر في الأفكار ووجهات النظر المختلفة من أجل حلّ المشكلات المطروحة. يؤدّي التنوّع الأكبر في الفرق لإبداع أكثر. يشرح مقال نشرته "مجموعة بوسطن الاستشاريّة (Boston Consulting Group)" تحت عنوان "The Mix That Matters: Innovation through Diversity" دراسةً أجرتها المجموعة بالتشارك مع جامعة ميونخ التقنيّة (Technical University of Munich) أُجريَ فيها تحليل تجريبيّ لفهم العلاقة بين التنوّع في الإدارة (في كلّ مستويات الإدارة) وبين الإبداع. وكانت الموجودات الرئيسيّة للدراسة كما يلي: علاقة إيجابيّة طرديّة بين التنوّع في الإدارة وبين الإبداع، أي أنّ الشركات الأكثر تنوّعًا تحصد عائدًا أكبر من منتجاتها وخدماتها. الفائدة الإبداعيّة لا تنحصر بنوع معيّن من التنوّع، فهي تزداد بوجود مديرين من دول أخرى أو شركات أخرى أو حتى عند وجود مديرات إناث. يبدو أنّ تنوّع الإدارة يمتلك أثرًا إيجابيًّا على الإبداع لدى الشركات المعقّدة خاصّةً (أي الشركات الّتي تمتلك عدّة خطوط إنتاج أو الّتي تعمل في أكثر من قطّاع صناعيّ). ليصلَ التنوّع الجنسيّ للنتائج المتوقّعة يجب أن يتخطّى حدود الرمزيّة. ازدادت نسبة الإبداع في الدراسة بشكل ملحوظ فقط لدى الشركات الّتي ضمّنت في فرق إدارتها نساءً بنسبة أكثر من 20%. فامتلاك الشركة لنسبة عالية من الموظّفات الإناث لا يعني ازدياد الإبداع إن كان عدد النساء في فرق الإدارة قليلًا. في الشركات ذات فرق الإدارة المتنوّعة من الضروريّ وجود انفتاح للمساهمات من عمّال المستويات الأدنى بالإضافة لوجود بيئة تُشعِر الموظّفين بالحريّة في قول ما يرغبون به وذلك من أجل حصد فائدة التنوّع في الإبداع. لا تشكّل نتائج هذه الدراسة مفاجئة إن أخذت في الحسبان أثر تنوّع الفريق على اتّخاذ القرارات وحلّ المشاكل عبر النقاش وإدخال وجهات نظر وأفكار وبيانات مختلفة. يجب على قادة الفرق أن يُبقوا هذه الحقائق في بالهم خلال المراحل الباكرة لاختيار الفريق لكي يتمكّنوا من حصد فوائد التنوّع في الفريق. الفرق متعددة الثقافات تغيّرت أساليب العمل واستراتيجيّاته ضمن المؤسسات متعدّدة الثقافات تغيّرًا كبيرًا في خضمّ انتشار وسيطرة العولمة خلال العقود الماضية. وضّح فيما سبق عن التنوّع في الفرق بعض النقاط المهمّة وفوائد العمل في فرق متنوّعة، وبالتأكيد فإنّ الفرق متعدّدة الثقافات تصنّف على أنّها فرق متنوّعة. هناك على أيّة حال بعض الممارسات الرئيسيّة الّتي يمكن أن يتّخذها قادة الفرق متعدّدة الثقافات ليستغلّوا إيجابيّات تنوّع الثقافات ويتفادوا سلبيّاته في الوقت نفسه. قد يفترض بعض الأشخاص أنّ التواصل هو العامل الرئيسيّ الّذي قد يؤثّر سلبًا على الفرق متعدّدة الثقافات بسبب امتلاك الأشخاص للغات وأساليب تواصل مختلفة. في مقالة "إدارة الفرق متعدّدة الثقافات Managing Multicultural Teams" المنشورة في (Harvard Business Review) يشير الكُتّاب إلى أربع فروقات ثقافيّة أساسيّة يمكن أن تُحدث خلافات هادمة في الفريق. الفرق الأوّل هو** التواصل المباشر والتواصل غير المباشر**. تمتلك بعض الثقافات أسلوب تواصل مباشرًا جدًّا في حين تمتلك ثقافات أخرى أسلوبًا للتواصل غير مباشر وتعتمد على طرح الأسئلة بدلًا من الإشارة للمشكلة. قد يسبّب هذا الاختلاف نزاعًا -في حالات الفرق الشديد- لإمكانيّة إساءة الأسلوب المباشر للبعض أو تفكير البعض الآخر بأن الأسلوب غير المباشر غير مُنتج وغير مناسب للتعامل معه في الفريق. الاختلاف الثاني هو احتمال مواجهة الفرق متعدّدة الثقافات** مشاكل في اللهجات واللغات. فإن لم يتكلّم الأعضاء لغة مشتركة قد تصبح هناك لغة مهيمنة على تفاعلات المجموعة، ما يُشعِر مَن لا ينطق بها بالإقصاء. قد يشعر ناطقوا اللغة المسيطرة أنّ الأعضاء غير الناطقين بها هم أعضاء غير فعّالين أو مساهمين في المجموعة. يكمن التحدّي الثالث في السلوكيّات المختلفة تجاه الهرميّة. تحترم بعض الثقافات الهرميّة احترامًا كبيرًا وتُعامل أعضاء الفريق على أساسها، في حين لا تراعي ثقافات أخرى الهرميّة بالشكل ذاته وتكون أكثر ميلًا للمساواة. قد يؤدي هذا للصدام إن شعر بعض الأشخاص بأنّ أحدًا قلّل من احترامهم أو لم يعاملهم وفقًا لمكانتهم. الاختلاف الأخير هو اختلاف المعايير حول اتّخاذ القرارات**. تتّخذ الثقافات المختلفة قراراتها بطرق مختلفة وتطبّق بعضها كمًّا كبيرًا من التحليل والتحضير قبل اتّخاذه. فقد ينزعج ويرفضُ الأشخاص القادمين من ثقافات معتادة على اتّخاذ القرارات السريع (بناءً على كمّ قليل كافٍ من المعلومات) الاستجابة البطيئة وعمليّة التفكير المطوّلة. تطرح هذه الاختلافات الثقافيّة مثالا جيّدًا على تحوّل الأنشطة اليوميّة للفريق (مثل اتّخاذ القرارات والتواصل والتفاعل بين الأعضاء) لنقاط خلاف ضمن الفريق متعدّد الثقافات إن لم يكن هناك مناخ من التفهّم لثقافات الآخرين. يقترح خبراء بعض التدخّلات التي يمكن القيام بها لكلّ من هذه الاختلافات. التكيّف (adaptation) هو إحدى التدخّلات البسيطة وهو العمل بوجود الاختلافات أو بالالتفاف عليها، ويُستخدم هذا التدخّل استخدامًا أمثل عندما يكون الموظّفون مستعدّين للتعرّف على الاختلافات الثقافيّة وتعلّم كيفيّة التعامل معها. آليّة التدخّل الثانية هي التدخّل البنيويّ (structural intervention) أو إعادة تنظيم الفريق للتقليل من الاحتكاك الحاصل. تُستخدم هذه الآليّة استخدامًا أمثل إن كان هنالك مجموعات فرعيّة ضمن المجموعات تعاني من هذه المشاكل فيُعاد توزيعها. التدخّل الإداريّ (managerial intervention) هو آليّة اتّخاذ قرارات من قبل الإدارة دون تدخّل الفريق. يجب اللجوء لهذه التقنيّة في الحالات الشديدة فقط لأنّها تُظهر أنّ الفريق لا يمكنه أن يتجاوز المشاكل دون تدخّل إداريّ مباشر. أخيرًا الخروج (exit) هو الملجأ الأخير عند فشل التدّخلات الأخرى وهو خروج عضو من الفريق بشكل طَوعيّ أو إخراجه منه. قد يصبح هذا الخيار ضروريًّا إن أثبتت الخلافات أنّ الفريق لن يستطيع إكمال عمله دون القيام بذلك. يبدي بعض الأشخاص مقدرةً فطريّةً على العمل بوجود الاختلافات الثقافيّة ضمن الفرق والمؤسّسات. يُمكن تسميّة ما يمتلكه هؤلاء بالذكاء الثقافيّ (cultural intelligence). الذكاء الثقافيّ هو كفاءة ومهارة تمكّن الفرد من العمل بكفاءة في أمكنة العمل متعدّدة الثقافات. يتطوّر الذكاء الثقافيّ عند يَعض الأشخاص أكثر بتأثير الثقافة، ويتمكّنون من تكييف سلوكيّاتهم بما يتوافق مع معايير الثقافات الأخرى. تذكر مقالة "الكفاءة الثقافيّة: ما أهميّتها وكيف يمكن اكتسابها Cultural Competence: Why It Matters and How You Can Acquire It" المنشورة في مجلّة جامعة نافارا للأعمال الإسبانيّة (IESE Insight 2015) لصاحبيها (لي Lee و لياو Liao) تذكر ما يلي: "يستطيع القادة متعدّدو الثقافات أن يرتبطوا بأعضاء فريقهم من خلفيّات متعدّدة الثقافات ارتباطًا أفضل وأن يحلّوا الخلافات بسهولة أكبر. يمكن استخدام مهاراتهم المتعدّدة أيضًا في المفاوضات الدوليّة." لا يمتلك القادة متعدّدو الثقافات أيّ "عبء" كبير من ثقافة معيّنة لذا يُصنّفون أحيانًا على أنّهم محايدون ثقافيًّا. يحسن هؤلاء القادة التعامل مع التنوّع ويعطيهم ذلك أفضليّة في علاقاتهم مع زملائهم. من أجل مساعدة الموظّفين لكي يصبحوا أعضاء فريق أفضل في عالم يزداد فيه تنوّع الثقافات هنالك بضع الممارسات التي اقترحها كاتبا المقال السابق لشحذ المهارات متعدّدة الثقافات. الأولى هي "وسّع آفاقك" وسّع قنواتك الثقافيّة (عبر السفر أو القراءة أو مشاهدة الأفلام) وأحِط نفسك بأشخاص من ثقافات مغايرة عنك. يساعدك ذلك على رفع وعيك حول الاختلافات الثقافيّة الّتي يمكن أن تواجهها. ممارسة أخرى هي "طوّر مهارات تعاملك مع الثقافات عبر التدريب" والتعلّم عبر التجربة. ربّما تستطيع أن تعمل أو تسافر إلى بلد آخر لكن إن لم تكن تستطيع فعل ذلك يمكنك أن تتعرّف على زملائك في العمل من ثقافات أخرى أو زوّار أجانب ليساعدوك في التدرّب على مهاراتك. العمل في فريق متعدّد الثقافات أو التعرّف وبناء العلاقات مع الزملاء من ثقافات أخرى هي طرق رائعة لتطوير مهاراتك. يذكر أحد الخبراء أنّه قاد مؤسّسة موارد بشريّة عالميّة وتضمّن فريقه فيها موظّفين من الهند والصين والبرازيل والمجر وهولندا والولايات المتّحدة الأمريكية. كانوا يعقدون اجتماعات سنويّةً لفريق الموارد البشريّة العالميّ، وكان حدثًا مناسبًا للمشاركة والتعلّم من الثقافات الأخرى. كانوا يبدؤون الأسبوع بمبادلة ثقافيّة بين البلدان المختلفة ليتعلّم الجميع القليل عن ثقافات زملائهم الآخرين. يمثّل هذا النوع من التفاعل ضمن الفرق العالمية طريقة رائعة لتسهيل الفهم عبر الثقافات والتواصل وتمرين الذكاء الثقافيّ للأفراد. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير فهم التحديات العالمية إن كُنت عضوًا في فريق عالميّ ستواجهك العديد من التحدّيات قبل أن تصل حتّى للفروقات الثقافيّة وتفاعل الأشخاص مع بعضهم. ستعاني في البدء من الفروق الزمنيّة لإيجاد وقت ملائم لعقد اجتماع بين كلّ الأعضاء. يمكن أن تواجهك تحدّيات في اللغة أيضًا، في العديد من الدول بدأ الأشخاص بتعلّم الإنجليزيّة لاتّخاذها لغة أساسيّة في عالم الأعمال. على أيّة حال حتّى لو تعلّمت لغة دولة ما فقد لا تجد الأشخاص في هذه الدولة يتحدّثون بها بالطريقة الّتي تعلّمتها، فهناك لهجات عاميّة ومصطلحات واختصارات لا تتعلّمها في دروس اللغة، بل يجب عليك أن تتعرّف عليها عند حديثك مع الناطقين بها. عليك أيضًا أن تنفتح وأن ترى المواقف بأعين زملائك الآتين من ثقافات أخرى بنفس الطريقة الّتي ترغب أن يرى زميلك المواقف من منظورك. يُدعى هذا الذكاء الثقافيّ. عند زيارتك لزملائك في دول أخرى سترى طعامًا وتقاليد ومواقف وسلوكيّات "أجنبيّة" بالنسبة لك. وبالرغم من أنّ أوّل ما يخطر في بالك عند ذلك هو غرابة هذه الأشياء، إلّا أنّ عليك أن تقدّر موقف زميلك الأجنبيّ لو كان هو من يزورك أنت في بلدك. من المهمّ للغاية أن تلاحظ نفسك وثقافتك الخاصّة بتكرار وأن تفكّر بما سيرى زميلك الأجنبيّ تجاه ما تعتبره أنت أمر مفروغًا منه. يجعلنا كلّ هذا أذكى حقًّا وشركاء أفضل لزملائنا من حول العالم. في مقالة "إتقان العمل في فرق متعدّدة الثقافات Getting Cross-Cultural Teamwork Right" التي نشرتها جامعة هارفرد يحدّد الكاتب ثلاثة عوامل أساسيّة (التعلّم المتبادل والتفاهم المتبادل والتعليم المتبادل) تبني الثقة مع الزملاء من ثقافات مغايرة عندما تحاول بناء الجسور للتواصل معهم. يُعزز الزملاء من بلدان مختلفة ذكائهم الثقافي عبر التعلّم المتبادل عن ثقافة وسلوكيّات جديدة عن طريق الاستماع والملاحظة. كما يمكنك عبر التفاهم المتبادل أن تفهم المنطق والسلوك الثقافيّ لثقافة جديدة وذلك لفهمٍ أفضل لأفعال الناس. يتطلبّ هذا بالطبع إيقاف الأحكام المسبقة والآراء المُتعصّبة تجاه جنسٍ أو عِرق معيّن ومحاولة فهم وتقبّل الاختلافات. وفي النهاية يتضمّن التعليم المتبادل التوجيه والتبسيط. يعني هذا محاولة ردم هوّة الخلافات بين الثقافتين ومحاولة مساعدة الذات والآخرين على رؤية مصدر الثقافات الأخرى بهدف تعزيز التفاهم و التناغم ضمن الفريق الواحد. ليس من السهل إيجاد الانسجام وتأسيس أرضية مشتركة للتعامل مع زملائك من حول العالم، ويتطلّب ذلك الصبر والتحسّن المستمرّ. وفي النهاية يجب أن تدرك أنّك ستجد هذه التجربة مُرضية للغاية ومفيدة لك. كلّما بذلك جهدًا أكبر في تقليص "المسافات" الثقافيّة وكسب الاختلافات كلّما كان أداؤك أفضل وعملك احترافيًّا وإنسانيًّا. عندما تشعر باختلاف الثقافات وتبدأ بتطوير مهاراتك الثقافيّة سوف تتمكّن من تطوير وعيك الثقافيّ ومن أن تراقب سلوكك في المواقف متعدّدة الثقافات. إن كنت في موقف تتعامل فيه مع أشخاص من ثقافات أخرى عليك أن تختبر نفسك وأن تَعيَ تصرفاتك وشعورك. راقب التفاعلات السلبيّة كما الإيجابيّة مع الآخرين وتعّلم منها. الممارسة الأخيرة لتطوير مهاراتك متعدّدة الثقافات هي "التعقيد الإدراكيّ cognitive complexity". هذه الممارسة هي الأكثر تقدّمًا بين الممارسات المذكورة. وتتطلّب القدرة على النظر إلى المواقف من أكثر من منطلق ثقافيّ. ولفعل ذلك يجب أن تمتلك ذكاءَ عاطفيًّا قويًّا وأن تمتلك أيضًا التعاطف والانسجام والرغبة في التواصل الصريح مع الآخرين. في مقالة "الذكاء الثقافيّ Cultural Intelligence" التي نشرتها جامعة هارفرد للأعمال يصف الكاتب ثلاثة مصادر للذكاء الثقافيّ يجب أن يفكّر فيها الفريق إن كان جادًّا في رغبته في تطوير فهمه ومهاراته للتعامل مع تعدّد الثقافات. هذه المصادر ببساطة هي الرأس (head) والجسم (body) والقلب (heart). يتعلّم المرء في البداية عن معتقدات وتقاليد ومحرّمات الثقافة الأجنبيّة عبر الرأس. برامج التدريب مبنيّة على تزويد المتدرّبين بمعلومات من هذا النوع، وهو أمر مفيد لكنّه غير عمليّ بالطبع. هذا هو العنصر المعرفيّ من الذكاء الثقافيّ. يتضمّن المصدر الثاني (الجسم) المزيد من الالتزام والتجربة ضمن الثقافة الجديدة. يُظهِر الجانب الماديّ الملموس (التصرّفات وتلاقي الأعين والوضعيّة واللكنة) مستوى أعمق من فهم الثقافة وتظاهراتها الملموسة. يتعامل المصدر الأخير (القلب) مع ثقة الشخص بقدرته على التكيّف والتعامل الصحيح مع الثقافات المغايرة. يعني هذه المصدر المستوى الحقيقيّ للالتزام والتحفيز لفهم الثقافة الجديدة. أوجَدَ الخبراء مقياسًا تقييميًّا سريعًا لتشخيص الذكاء الثقافيّ بناء على القياسات الإدراكيّة والماديّة والعاطفيّة/التحفيزيّة (أي الرأس والجسم والقلب). يُظهر الجدول 10.1 تقييمًا سريعًا لتشخيص ذكائك الثقافيّ. تقييم ذكائك الثقافيّ رقّم إجاباتك وفق مقياس من 1 إلى 5 حيث 1 تعني أنّك لا توافق بشدّة و5 تعني أنّك توافق بشدّة مع كلّ مقولة. أسأل نفسي ما الّذي أرغب بتحقيقه قبل أن أتعامل مع أشخاص من ثقافة أخرى. إن واجهتُ شيئًا غير متوقّع خلال العمل ضمن ثقافة جديدة سوف استفيد من هذه التجربة لتطوير مقاربتي للثقافات الجديدة في المستقبل. أخطّط لطريقة التواصل مع الأشخاص من ثقافات مختلفة قبل اللقاء بهم. عند دخولي في موقف ثقافيّ جديد أشعر على الفور إن كانت الأمور تسير على ما يرام أم بالعكس. اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل المعرفيّ الثقافيّ (Cognitive Cultural Quotient) الخاصّ بك. من السهل عليّ أن أغيّر لغة جسدي (الوضعيّة أو تعابير الوجه) لملائمة الأشخاص من ثقافات مغايرة. أستطيع تغيير تعابيري عندما يتطلّب الموقف الثقافيّ ذلك. أستطيع تغيير طريقة حديثي عبر تغيير لكنتي أو نبرة صوتي لملائمة الأشخاص من ثقافات مغايرة. أستطيع بسهولة تغيير طريقة تصرّفي عندما يتطلّب الموقف الثقافيّ ذلك. اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل المعرفيّ المادّيّ (Cognitive Physical Quotient) الخاصّ بك. أثق بقدرتي على التعامل الجيّد مع الأشخاص من ثقافات مختلفة عنّي. أنا متأكّد من قدرتي على مصادقة أشخاص من ثقافات مختلفة عنّي. أستطيع أن أتكيّف مع أسلوب الحياة في ثقافة مخلفة بسهولة نسبيًّا. أثق بقدرتي على التعامل مع موقف ثقافيّ جديد بالنسبة لي. اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل الشعوريّ/التحفيزيّ المعرفيّ (Emotional/Motivational Cognitive Quotient) الخاصّ بك. بشكل عامّ، تشير نتيجة أقل من 3 في أي قسم من الأقسام الثلاثة السابقة إلى وجوب العمل على تحسين هذا المنحى. في حين تدلّ نتائج أعلى من 4 على قوّة في الذكاء الثقافيّ. مقتبسة من مقالة "الذكاء الثقافيّ Cultural Intelligence" المنشورة ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال (أكتوبر 2004) لكاتبيها إيرلي (Early) وموسكاوسكي (Moskaowski). table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 10.1 الذكاء الثقافيّ هو امتداد للذكاء العاطفيّ. يجب أن يمتلك المرء مستوىً من الوعي والفهم للثقافة الجديد ليتكيّف مع أسلوبها وسرعتها ولغتها وسُبل تواصلها وما إلى ذلك وليعمل مع الأشخاص القادمين منها بنجاح. ينجح الفريق متعدّد الثقافات فقط إن أخذ أعضاؤه الوقت الكافي لفهم بعضهم وضمان شعور الجميع بالانخراط. تعدّد الثقافات والذكاء هما سِمَتان مهمّتان في عالم الأعمال في يومنا هذا.14 وعبر اتّباع الممارسات الأمثل وتجنّب التحدّيات والعقبات الّتي قد تسيء لأداء الفريق متعدّد الثقافات؛ يمكن للفريق أن يلقى نجاحًا كبيرًا ورضًا شخصيًّا يتخطّى حدود العمل. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and Managing Work Teams) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: التواصل الإداري في البيئة المؤسساتية المقال السابق: ما يجب أخذه في الحسبان عند إدارة الفرق
  5. يُدرك كلّ من قاد أو أدار فريقًا من قبل كيف يكون هذا المنصب مميّزًا ومخادعًا في ذات الوقت. تشعرنا قيادة الفريق بالرضا وخاصّةً إن كانت مهمّة هذا الفريق أساسيّة ومهمّة للمؤسّسة ويُسعد أعضاء الفريق أن يكونوا مؤثّرين في سير العمل. كما يمكن أن يكون من المرهق قيادة مجموعة من الأشخاص المختلفين والّذين سيتصرّفون حينًا تصرّفات جماعيّة وحينًا تصرّفات فرديّة. إدارة الفرق هي أيضًا نجاح مهمّ، والمديرون الخبيرون يدركون حقًّا أنّ نجاحهم يعتمد على قدرتهم على بناء فريق قويّ وجيّد الأداء. كما ذكر (J.J. Gabarro) في مقالته "أليّات القيادة" (المنشورة في منشورات جامعة هارفرد للأعمال عام 1987 ص85-87) اقتباسًا عن مدير نجح في تغيير عدد من المؤسّسات نحو الأفضل يقول فيه: هذا الاقتباس جميل حقًّا لأنّه مؤشّر على حال أغلب المؤسّسات الآن، حيث ينصبّ تركيز المؤسّسات على أهداف الفرق وأولويّاتها -القائمة على المهامّ والنتائج- في حين يكمن النجاح الحقيقي في ديناميكيّة العمل بين الأشخاص في الشركة وفي الفرق. القيادة الإدارية: من أدير؟ ليس من السهل على الإطلاق الانتقال من الوظائف الفرديّة إلى المراتب اللإدارية، ولن يطول الأمر قبل أن تدرك أنّ ما أوصلك لهذا المنصب ليس كافيًا لتنجح فيه مستقبلًا. سيقول الموظّف المنفرد الّذي رُقّيَ حديثًا أنّه يمتلك مهارات تقنيّة جيّدة في مجاله وأنّه يجيد القيام بعمله. في حين يقول الموظّف المنفرد في شركات أخرى أكثر تنافسيّة على الإدارة أنّه يمتلك مهارات تقنيّة جيّدة بالإضافة إلى سلوكيّاتهم وقدرتهم على قيادة الآخرين. عندما يستلم المديرون الجدد مهامهم يتوقّعون أن تنحصر هذه المهام في إدارة الأشخاص ضمن فريقهم، لكن ما يدركه قلّة من المديرين أنّ التحدّي الحقيقيّ لا يكمن في إدارة الأشخاص فحسب بل في إدارة كل أصحاب المصلحة واهتماماتهم. تكمن إحدى العوائق الرئيسيّة للمديرين الجدد في اكتشاف طريقة الموازنة بين طلبات الفريق ورغباتهم وأهواء أصحاب المصالح (الموظفين والمستثمرين) في الشركة أيضًا. تقول ليندا هِل (Linda A. Hill) -أستاذة إدارة الأعمال في جامعة هارفرد للأعمال-: "بين كلّ التحدّيات الّتي تواجه المديرين الجدد، التحدّي الأصعب هو التوافق مع توقّعات أصحاب المصالح واهتماماتهم المختلفة." كما تقول أنّ الطلبات الواقعة على كاهل المدير الجديد من قبل المسؤول عنه وزملائه وموظّفيه وزبائن شركته ستسبب الخلافات دائمًا. قد يظن المديرون الجدد أنّ أهمّ دور بالنسبة لهم هو إدارة الموظفين المباشرين لديهم عند إدارتهم لفريقهم الخاص حتّى لو كان ذلك على حساب إقصاء اهتمامات أصحاب المصلحة. هذا الاعتقاد خطأ في الحقيق، فعلى المدير الجديد أن "يدير التوافقات الأخرى بذات الأهميّة" (مقتبس من مقالة "مساعدة المديرين الجدد على النجاح" لصاحبتها (Lauren Keller Johnson) المنشورة ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال 2008). من الممكن أن يصنع المدير لنفسه عند بدء منصب جديد قائمة بأصحاب المصالح الّذين عليه أن يبنيَ معهم علاقات جيّدة لتكون طريقة لتذكير نفسه بأهميّة فعل ذلك، لأنّ كلّ واحد من هؤلاء يمتلك أثرًا على نجاح المدير، وكلّما أسرع المدير في جعلهم ينخرطون في أداء الفريق كلّما ازدادت حظوظ الفريق بالنجاح. بعض الأسئلة الّتي يجب أن يتساءل عنها المدير عند صنع هذه القائمة: من الذي أحتاج لدعمٍ منه؟ من الّذي يحتاج لدعمي له؟ ما الّذي يحتاج إليه منّي أو من فريقي؟ من يمكنه أن يبعدني أنا وفريقي عن النجاح؟ ما الّذي سيؤثّر على استراتيجيّتي؟ سيشعر بعض المديرين الجدد أنّ آليّة اكتساب دعم أصحاب المصلحة هذه "مُسَيَّسَة" للغاية أو أنّها لا تبدو صحيحة. لكن عليك أن تثق بكون ذلك جزءًا مهمًّا من المنصب الإداريّ الجديد؛ بسبب حاجة المنصب والعمل الجديد لبناء علاقات تبادليّة أكبر من أجل النجاح. لم تعد المهارات التقنيّة تكفي بل أًصبحت بحاجة لبناء وإدارة العلاقات مع الأشخاص الداعمين لك ولفريقك لإتمام عملك. لذا فإن كنت مديرًا جديدًا وتتساءل "من أُدير؟" فالجواب هو… الجميع. ناقشت ليندا هِل في مقالتها "إدارة فريقك" (ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال 1995) المعضلة الإداريّة الّتي تعنيها إدارة الفرق. تكمن المعضلة (Paradox) في امتلاك الفرق لهويّات وأهداف جماعيّة وفرديّة في آنٍ معًا. لكلِّ فردٍ أهدافه الخاصّة وأفكاره التي يرسمها بهدف النجاح، سواءً في المشروع الحاليّ أم في مسيرته المهنيّة أم حياته عمومًا. كما يمتلك الفريق بحدّ ذاته أهدافه ومعايير نجاحه الّتي ينبغي السعي إلى تحقيقها من أجل النجاح. قد تتضارب الأهداف الفرديّة مع أهداف المجموعة أحيانًا، وقد ينموّ نزاع بين أفراد الفريق كما قد يطغى السلوك الربحيّ على السلوك التعاونيّ والحالّ للمشاكل في الفريق. قد يحتاج المدير لأن يتدخّل لتوفيق الخلافات الفرديّة وإعادة تركيز الفريق على تحقيق الهدف المطلوب. وهنا تكمن المعضلة الأساسيّة: الموازنة بين الاختلافات والأهداف الفرديّة وبين هويّة الفريق وأهدافه. كما توجد معضلات أخرى مثل: إدارة الدعم و المواجهات (أو الخلافات) بين أعضاء الفريق. التركيز على الأداء والتعلّم والتطوّر. الموازنة بين السلطة الإداريّة وبين خصوصيّة أعضاء الفريق واستقلاليّتهم. موازنة مثلّث العلاقات: المدير والفريق والفرد. الشكل 10.6 مثلث العلاقات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تعني إدارة فريق ما إدارة حدوده أيضًا. إدارة **حدود (Boundaries) **الفريق -أو المساحة بين الفريق وبين القوى الخارجيّة وأصحاب المصالح والضغوطات الإدارية- هي توازن حسّاس من التخطيط والاستراتيجيّة الجيّدة والتوفيق بين أصحاب المصالح وإدارة السلوك التنظيمي أو المؤسساتي. يجب أن يؤمّن مدير الفريق -ولو جزئيًّا- عزلًا لفريقه عن هذه العوامل الخارجيّة لئلّا تحيد بالفريق عن أهدافه أو تشتّته. وعلى المدير أيضًا أن يتفهّم هذه العوامل الخارجيّة وأن يمتلك ذكاءً عاطفيًّا كافيًا ليختار العوامل أو المواقف الخارجيّة الّتي يجب دمجها ضمن عمل الفريق لتؤثّر عليه إيجابًا. تذكّر أي مبادرة تغيير متوسطة أو كبيرة شاركت بها في حياتك، سيكون هناك عادةً تصوّر للتغيير ولمستوى الدعم والرعاية المطلوبَين من المستويات العليا لجعل هذا التغيير حقيقةً. فريق المشروع هذا يمتلك "الموافقة" على إطلاقه وتحديد الأعمال المطلوبة لإنجاح المبادرة. الديناميكيّة الّتي تنشأ بعد انطلاق الفريق هي ما سيحدّد نجاح الفريق من عدمه. هناك العديد من أصحاب المصلحة في أي مؤسّسة، والعديد منهم سيؤيّدون مبادرة التغيير خاصتك في حين سيعارضها آخرون بسبب عدم الفهم الكامل لها أو بسبب الخوف من فقدان السلطة. قد لا تكون البيئة الخارجيّة واستراتيجيّة العمل ملائمة لأن تحدث مبادرة للتغيير؛ لذا قد يكون هناك شعور بقوى تعاكس مجهودات الفريق. يجب على المدير القويّ أن يدير هذه "الحدود" مع المؤسّسة ليساعد الفريق على الخوض عبر التعقيدات والأهداف والفروقات المؤسّساتيّة الّتي لا بدّ من وجودها. ولفعل ذلك يجب أن يفهم المدير ديناميكيّات القوى في المؤسّسة وأن يستثمر الوقت والجهد في بناء والمحافظة على العلاقات مع من يحتاجهم الفريق ليستمرّ في عمله. "مهمّة المدير -على أقلّ تقدير- أن يثقّف الآخرين حول البنى والأنظمة والسياسات المؤسّساتيّة الّتي قد تتداخل مع أداء الفريق." وفي ظلّ كلّ التأثيرات الخارجيّة المحتملة على الفريق، قد تكون إدارة حدود الفريق وعلاقاته مع القوى الخارجيّة بكفاءة هي الحدّ الفاصل بين النجاح والفشل. العنصر الأخير في إدارة الفريق هو عمليّة إدارة الفريق بحدّ ذاته، بمكوّنيه، الأشخاص والعمليّات أو المهام. تتضمّن العناصر المركّزة على المهام إدارة خطّة العمل للوصول للهدف الأشمل، بالإضافة إلى الاجتماعات التراكميّة الّتي هي جزء من رحلة الفريق نحو الهدف طويل المدى. وضع أجندات لخطوات العمل وإدارة المشاريع والمهام والاحتفال بالإنجازات تؤدّي جميعًا لإبقاء تركيز الفريق منصبًّا على أهدافه، وهذا ما يضمن بقاء الفريق على مسار العمل الصحيح. تتنوّع المشاريع والمبادرات في الحجم والتعقيد والمنظور؛ لذا لا يجب تحديد الأدوات الإداريّة للمشاريع بشكل عامّ. المغزى هنا هو اختيار مقاربة وأداة إداريّة تلائم ثقافة الفريق والمؤسّسة وتساعد الفريق على فهم مكانه الحاليّ والمكان الّذي عليه الوصول إليه والموارد المتاحة لهذه العمليّة. نجد في إدارة أعضاء الفريق والتفاعلات بين الأشخاص عنصرًا مهمًّا يتمثّل في اختيار أعضاء الفريق المناسبين وتشكيل معايير وثقافة الفريق (كيف يُتّخذ القرار وما هي مهام كلّ شخص وكيف يتمّ التعامل مع النزاعات… وغير ذلك) وتدريب الفريق كذلك. يشكّل تحديد المهارات والوظائف والخبرات الأساسيّة للفريق أساسًا صلبًا لبناء أي فريق عملٍ ناجح. تفيد مساعدة الفريق على تحديد وتشكيل القواعد الرئيسيّة للمشاركات ضمن الفريق، تُساعد إدارة أيَّ مواجهات أو خلافات قد تنشأ مستقبلًا. أخيرًا، يساعد لعب دور المدرّب الداعمِ الأعضاءَ والفريقَ على التفكير لتجاوز القضايا الّتي تواجه الفريق وإحراز تقدّم نحو الهدف. لا يحلّ المدرّب مشاكل الفريق أو الفرد بنفسه بصورةٍ مباشرة، بل يساعدهم على التفكير في حلّ ملائم والمضيّ قُدُمًا. قد تحتاج الفرق لإرشادٍ ودعمٍ لحلّ أمر ما ضمن الفريق، ويجب على المدير حينها أن يقدّم رأيه لهم وأن يحمّل كلّ عضوٍ في الفريق مسؤوليّة سلوكه ومساهمته. الهدف الأهمّ هو التطوّر المستمر. قد لا يصل الفريق إلى مستوى أداءٍ مرتفع بسهولة أو بسرعة، لكنه بالتأكيد يستطيع أن يحقّق ذلك إن ركّز الجميع على التحسينات المتراكمة في التواصل والتعاون والأداء. فرص وتحديات بناء الفريق هنالك عدّة أسباب للخلاف (conflict) في الفريق سواء كان ذلك مشكلة في التواصل أم تضارب في الأهداف والآراء أم صراع قوي أم اختلافًا في الشخصيّات. يقول الاعتقاد السائد أنّ الخلاف والنزاع مضرّ للفريق عمومًا وأنّه سيؤثّر سلبًا على الفريق ويحيد به عن المسار. تُحدِث الخلافات بعض الضرر بالفعل إن لم تُحسن التعامل معها ويمكنها أن تُضعف من الثقة بين أعضاء الفريق، كما قد تعرقل تقدّم الفريق وتثبّط معنويّاته، ويمكن أيضًا أن تؤثّر سلبًا على بناء العلاقات بين الأعضاء. يُنظَر إلى الخلافات عمومًا على أنّها أمر سلبيّ بالرغم من أنّ اختلاف الآراء ووجهات النظر البنّاءة قد تكون مهمّة في سبيل تطوّر الفريق. بعض الفوائد الممكنة للخلاف هي توفير تنوّع أكبر في الأفكار والمنظورات وفهم أفضل لوجهات النظر المختلفة. كما يمكنه أن يحسّن مقدرة الفريق على حلّ المشكلات وأن يسلّط الضوء على نقاط نقاش أساسيّة من الواجب إعطاؤها اهتمامًا أكبر. من الفوائد الأخرى للخلاف الّتي نراها في الفرق الّتي تمتلك مستوى مرتفعًا من الثقة -الثقة بالأعضاء ونواياهم- هي أنّ هذه الفرق تخرج من الخلاف أقوى ممّا كانت عليه وأعلى أداءً. يقول (Patrick Lencioni) في كتابه الأكثر مبيعًا ** المعطّلات الخمس للفرق** (The Five Dysfunction of a Team) (2002، ص188): يقول الكاتب أيضًا أنّ الفريق إن لم يتجاوز خلافه ويطلق آراء أعضائه ضمن نقاشات بنّاءة فلن يتمكّن الأعضاء أبدًا من الثقة والالتزام بالقرارات. (ضعف الالتزام هذا هو المُعطّل الثالث). تملك الفرق عادةً خوفًا من الخلاف لكيلا تجرح مشاعر أيّ عضوٍ فيها. ولكن التجنّب هذا يعني أنّ الخلاف لا يزال قائمًا بشكل مخفيّ ولم يُحلّ، ويمكن أن يظهر من جديد بطرق خفيّة تؤذي الفريق أكثر. إذًا كيف يمكن للفريق أن يتغلّب على خوفه من الخلافات وأن يمضي قدمًا؟ يمكن اقتراح بضع استراتيجيّات تجعل الخلافات بنّاءةً أكثر. التنقيب (mining) هو آليّة تُستخدم في الفرق الّتي تميل لتجنّب الخلاف. تتطلّب هذه التقنيّة أن "يأخذ أحد أعضاء الفريق دور ’منقّب الخلافات’ الذي يستخرّج الاختلافات المخفيّة في الفريق ويسلّط الضوء عليها. كما يجب أن يمتلك الشجاعة والثقة لأن يطرح مواضيع حسّاسة وأن يجبر الفريق على العمل من أجل تجاوزها." التدخّل الآنيّ (real-time permission) هي آليّة أخرى تقوم فيها "بتمييز المواقف التي يشعر فيها المتخالفون بعدم الراحة بسبب النزاع بينهم والتدخّل وتذكير هؤلاء الأعضاء بأنّ ما يقوم به أمر ضروريّ." يمكن أن تساعد هذه الآليّة المجموعة في التركيز على نقاط الخلاف لكيلا تتجاهل الأمور فحسب. يلعب قائد الفريق دورًا مهمًّا للغاية في قدرة الفريق على مواجهة الخلافات وتجاوزها بنجاح. قد يشعر قائد الفريق بأن خلافًا ما سيبعد الفريق عن تركيزه الأساسيّ فيحاول أن يثبّطه بشتّى السُبُل، لكنّ هذا يؤدّي إلى نشوء ثقافة إخفاء للخلافات في الفريق تسمح للمشاعر السلبية الحبيسة بالتراكم دون الإفصاح عنها. يجب على القائد حقيقةً أن يكون قدوة للسلوك الملائم عبر مواجهة الخلاف بشكل بنّاء وأن يُظهر القضايا المخفيّة ليصلّ الفريق إلى حلّ لها. هذا الأمر أساسيّ في بناء فريق فعّال وناجح. يمكنك أن تشاهد عدّة استجابات فرديّة للخلافات عندما تكون عضوًا في فريق ما. يسلك بعض الأشخاص السبيل البنّاء في مواجهة الخلافات، في حين يقفز آخرون إلى سلوك هادم على الفور. في كتاب* إدارة ديناميكيّات النزاع: مقاربة عمليّة "Managing Conflict Dynamics: A Practical Approach"* لكتّابه (كابوبيانكو Capobianco ودافيس Davis وكراوس Kraus) يوضّح الكتاب وجود استجابات للخلاف بنّاءة وأخرى هادمة، بالإضافة لوجود تصنيفات فاعلة ومنفعلة للاستجابة. والهدف من ذلك في حال حدوث خلاف ضمن الفريق هو الوصول لاستجابة بنّاءة من أجل تشجيع الحوار والتعلّم والتوصّل لحلّ. من الاستجابات البنّاءة والفاعلة للخلاف: تبادل المنظور وإيجاد الحلول والتعبير عن المشاعر والتواصل مع الغير. في حين يكون التفكير التأمليّ وتأخير الإجابة والتأقلم استجابات بنّاءة ومنفعلة. يُظهر الشكل 10.7 أشكال الاستجابات للخلاف. الشكل 10.7 الاستجابات للخلاف (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). والخلاصة أنّ الخلاف ليس سهلًا أبدًا على الفرد أو الفريق ولكن من الممكن -ومن الواجب- التعاملُ معه وتخطّيه. قد يمتلك تثقيف الفريق حول نقاط الخلاف وتضارب وجهات النظر أثرًا إيجابيًّا على نموّ الفريق وأدائه المستقبليّ ويجب إدارة ذلك إدارةً بنّاءة. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and Managing Work Teams) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: تنوع فريق العمل وتحدياته المقال السابق: فهم فرق العمل وإدارتها
  6. سنتابع في سلسلة مقالاتنا الفريدة في جُزءها العاشر في موضوع جوهريّ آخر متمّمٍ للجُزء السابق، فقد تحدّثنا وفصّلنا عن طبيعة المجموعات والعلاقات التي تسودها داخل المؤسسة، وسنكمل هذا الموضوع في هذا الجُزء، حيث سنتطرّق إلى فهم فرق العمل وكيفيّة وإدارتها إدارةً مُثلى ضمن المؤسسة. سنخوض في رحاب مقالاتنا في فوائد العمل على شكل فرق عمل، وسوف نستعرض كيف تتطور الفرق مع مرور الوقت والاعتبارات الأساسية في إدارة هذه الفرق، وسنبحث في فوائد التنوّع والاختلاف ضمن الفريق الواحد وكيف لهذا التنوّع أن يحسّن عمليّة اتخاذ القرار وحل المشاكل، وسوف نُنهي هذا الباب من السلسلة بذكر بعض التحدّيات وأفضل الاستراتيجيات في إدارة الفرق متعدّدة الثقافات والعمل معها. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية إيفا هارتمان (Eva Hartmann) من شركة ترِليس ذ.م.م. (Trellis LLC) تمتلك إيفا هارتمان قرابة العشرين عامّة من الخبرة في كونها قائدة استراتيجيّة وإبداعيّة مع خبرة عريضة في استراتيجيّات الموارد البشريّة وتطوير الموهبة والقيادة والكفاءة الإداريّة. عملت إيفا في مجالات عدّة من التصنيع إلى الاستشارة في (Fortune 500). إيفا هي مُختصّة في التغيير تحويليّ قامت بتطوير وقيادة برامج استراتيجيّة رأس المال البشريّ ومبادرات المواهب في العديد من بيئات العمل المُتحدّية حول العالم. إيفا شغوفة بتحسين كلّ من الأداء الفرديّ والأداء الوظيفيّ. بدأت إيفا مسيرتها في إحدى شركات الاستشارة الإداريّة "الستّ الكبرى" حينها وعادت بسرور إليها بعد عدّة سنوات للاستشارة. هي مديرة ومؤسّسة شركة (Trellis LLC) وهي شركة استشارة وتوظيف في رأس المال البشريّ في ولاية فرجينيا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. قبل تأسيسها لشركتها كانت إيفا مسؤولة الموارد البشريّة لمصنع عالميّ كبير لمنتجات بلاستيكيّة وكانت مسؤولة عن استراتيجيّات الموارد البشريّة والعمليّات للقسم العالميّ من الشركة، والبالغ قيمته 600$ مليون. في هذا الدور قادت إيفا فريقًا عالميًّا من مديري الموارد البشريّة في الأمريكيّتين وأوروبّا وآسيا لدعم مبادرات الموارد البشريّة حول العالم ورفع سقف النتائج وبناء رأس المال البشريّ والأداء في هذا القسم. كما تولّت إيفا العديد من المناصب القياديّة والإداريّة في كلّ من الموارد البشريّة ووظائف الجودة في عدّة شركات أمريكيّة أو عالميّة منها (Wachovia Securities) و(Genworth Financial) و(Sun Microsystems) و(Anderson Consulting). إيفا حاصلة على ماجستير إدارة الأعمال (MBA) من جامعة ويليام وماري (College of William and Mary) في ويليامزبرغ في ولاية فرجينيا الأمريكيّة وعلى إجازة البكالوريوس في العلوم الإنسانية من جامعة فرجينيا (University of Virginia) في ولاية فرجينيا الأمريكيّة. وهي أيضًا أستاذ مساعد في جامعة (Richmond Robins School of Business). وهي حاليًا في هيئة جمعيّة إدارة الموارد البشريّة في ريتشموند في فيرجينيا الأمريكيّة. تتطلّب أغلب الأعمال المُنجزة في المنظّمات في يومنا هذا التركيز على عمل الفريق. القدرة على العمل ضمن فريق، كما القدرة على قيادة الفرق، هي ميّزة مهمّة جدًّا ضمن القوى العاملة. بالإضافة إلى إدارة الأفراد، يجب إدارة الفرق بحدّ ذاتها للنجاح. نعرف جميعًا اقتباس أرسطو الّذي يقول فيه "الكل أكبر من مجموع الأجزاء". تلخّص هذه المقولة طبيعة الفريق تلخيصًا مثاليّا؛ هناك طاقة تآزريّة تأتي من العمل بفريق لا يمكن للأفراد منفردين أن يحقّقوها. نستطلع في مقالاتنا القادمة تفاصيل أهميّة العمل في فرق والفوائد الّتي يمكن جنيها من ذلك، كما نناقش بعض الطرق الّتي تزيد من نجاح فرقنا. عمل الفريق في مكان العمل لم يكن عمل الفريق أهمّ ممّا هو عليه اليوم أبدًا. سواءً كنت تعمل في بيئة تصنيع وتستخدم فرق عمل موجّهة نحو الفرد أم كنت تعمل في "اقتصاد المعرفة (Knowledge economy)" وتستمدّ الفوائد من التعاون بين أعضاء الفريق، ففي الحالتين أنت تحصد قوّة الفريق. يُعرّف الفريق وفقًا لكاتزنباخ (Katzenbach) وسميث (Smith) في مقالتهما "انضباط الفرق" في مجلّة (Harvard Business Review) كما يلي: "هم أشخاص منظّمون مُهيّئون ومستعدون للعمل بتعاون ضمن مجموعة واحدة". العناصر الخمسة الّتي تجعل الفريق يعمل هي: الالتزام والهدف المشترك. أهداف أداء محدّدة. الالتزام بكيفيّة إنجاز العمل. المحاسبة المشتركة. حسب كتاب (Wisdom of teams) "لدى الفريق هدف محدّد يعمل لأجله ويمتلك أدوار قيادة واضحة ولديه محاسبة فرديّة ومشتركة. الفريق يتناقش معًا ويتّخذ القرارات معًا ويؤدّي العمل المطلوب معًا ويقيس أداءه عبر تقييم إنتاج الأعضاء المشترك." هذا مختلف جدًّا عن مجموعة العمل (working group) الاعتياديّة في المؤسّسات، والّتي تتكون من قائد موجّه ومحاسبة فرديّة ومنتجات عمل ويكون هدف المجموعة هو نفسه هدف المؤسّسة العامّ. خذ مثالًا على ذلك منظّمة ماليّة أو وحدة عمل محدّدة في شركتك، هؤلاء حقيقةً هم مجموعات عمل كبيرة تأخذ على عاتقها جُزءًا من مهمّة المنظّمة الأساسيّة. هذه المجموعات منظّمة تحت قيادة قائد محدّد وتُقاس كفاءتها عبر تأثيرها على الآخرين ضمن العمل (مثل الأداء الماليّ للعمل). إذًا ما الّذي يجعل الفريق يعمل بكفاءة حقًّا؟ وفقًا لمقال "انضباط الفرق" المذكورة هناك عدّة إجراءات لاحظها الكاتبان في الفرق الناجحة وتتضمّن: أسِّس معايير واتجّاه أداء ملحًّا ومطلوبًا من الجميع. تعمل الفرق بشكل أفضل عندما تمتلك سببًا مقنعًا لذلك، وهذا ما يؤدّي عادةً إلى نجاح الفرق أكثر وتحقيقها لتوقّعاتها. شاهدنا جميعًا فرق تُشكّل لمناقشة "مبادرة مهمّة" للشركة لكنّها تفقد اندفاعها فتفشل بدون سبب مقنع وراء تشكيلها أو اتجّاه واضحٍ لعملها. اختر الأعضاء وفقًا لمهاراتهم وإمكانيّاتهم لا وفقًا لشخصيّاتهم. هذا الأمر ليس بالسهولة الّتي يبدو عليها في بادئ الأمر وذلك لعدّة أسباب. أوّلًا، معظم الأشخاص يفضّلون كون أصحاب الشخصيّة الجيّدة والسلوك الإيجابيّ في فرقهم لتكوين بيئة عمل اجتماعية مريحة. هذا طبيعيّ ولكن احرص على أن يمتلك هؤلاء الأفراد المهارات المطلوبة (أو إمكانيّة تعلّم أو اكتساب هذه المهارات) للجزء المطلوب منهم من المشروع. السبب الثاني هو أنّك لا تعلم دائمًا ما هي المهارات المطلوبة لمشروع معيّن قبل أن تباشر فيه. فكّر لبعض الوقت في هدف المشروع والأهداف المطلوب منك تحقيقها وفكّر مليًّا في المهارات المحدّدة الّتي تحتاجها في فريقك. أعِر اهتمامًا للاجتماعات والأفعال الأولى. بمعنى أنّ الانطباع الأوّل مؤثّر جدًّا وهو مهمّ للفريق كما للأفراد. سيتفاعل الفريق مع الجميع بدءًا من الخبراء الوظيفيّين وصولًا للقيادة العليا ويجب على الفريق أن يبدو مؤهّلًا وأن يراه الآخرون كذلك. راقب مستويات الذكاء العاطفيّ (emotional intelligence) لدى أعضاء فريقك، ذلك مهمّ للغاية سيحسّن من سمعة فريقك وقدرته على التعامل مع أصحاب المصلحة في المؤسّسة. حدّد قواعد سلوك واضحة. مررنا جميعًا بالعديد من الاجتماعات والمواقف الّتي لم يقف فيها الفريق عند "القواعد الأساسيّة (ground rules)" كما يجب وذلك بسبب افتراضنا أنّها بديهيّة وأنّ الجميع سيكتب نفس القواعد. من المهمّ جدًّا أن يأخذ الفريق وقته لتحديد القواعد الأساسيّة الخاصّة من أجل الحفاظ عليها. القواعد الّتي تخصّ مجالات الحضور والنقاش والسرّيّة ومقاربة المشروع والنزاع هي قواعد أساسيّة لإبقاء أعضاء الفريق منخرطين وعلى صفّ واحد. حدّد بعض الأهداف ومهام الأداء الفوريّة. لماذا؟ لأن تحقيق بعض الأهداف بسرعة يُشعر الفريق بأنّهم ينجزون شيئًا وأنّهم يعملون جيّدًا سويًّا. هذا الأمر مهمٌّ جدًّا لثقة الفريق بنفسه، كما هو أساسي لكي يعتاد الفريق على العمل معًا. النجاح في المهامّ الأكبر سيأتي في الوقت المناسب، فالمهام الكبيرة هذه في الحقيقة هي عبارة عن مجموعة من المهامّ الصغيرة المجتمعة معًا. تحدّى المجموعة باستمرار بمعلومات وحقائق جديدة. أي استمرّ بالبحث وجمع المعلومات لتأكيد ما تعرفه عن مشروعك أو التحدّيات التي تحيط به. لا تفترض أنّ كلّ الحقائق ثابتة وأتّك تمتلك ما يكفي من المعلومات والبيانات منذ بداية المشروع. كما ذكرنا لا تستطيع أن تعرف جميع تفصيلات المشروع قبل أن تبدأ بالعمل في المشروع. إنّ سرعة التغيير في العالم الآن كبيرة جدًّا ما يطرح معلومات جديدةً يجب أخذها بالحسبان في السياق العامّ للمشروع. دع الفريق يمضي الكثير من الوقت معًا. هذه الفكرة واضحة لكن عادةً يتمّ تجاهلها. الأشخاص مشغولون جدًّا لدرجة تنسيهم أنّ جزءًا مهمًّ من تكوين الفريق هو قضاء الوقت معًا والتفكير معًا وتشكيل الروابط. الوقت الّذي يمضيه الفريق معًا وجهًا لوجه أو على الهاتف أو ضمن اجتماع كلّه مهمّ لبناء الترابط والثقة فيما بينهم. استغلّ قوّة تبادل الآراء والاعتراف والمكافآت. التعزيز الإيجابيّ هو دافع يساعد الأعضاء على الشعور براحة أكبر عند المشاركة كمّا يعزّز السلوكيّات والتوقّعات الّتي تسعى لتعميمها ضمن الفريق. بالرغم من كون العديد من المكافآت الخارجيّة قادرة على دفع الأعضاء إلّا أنّ بدء الفريق بالشعور بنجاحه وأدائه الخاصّ (المكافآت الداخلية) أكثر فعاليّة من المكافآت الخارحيّة. التشارك (collaboration) هو مفهوم أساسيّ آخر وآليّة يمكن من خلالها أن تعمل الفرق بنجاح شديد. يبدو جمع فريق من الخبراء من أنحاء الشركة للعمل على مشروع واحد فكرةً لامعةً في أيّ موقف. تطرّق غراتان (Gratton) وإريكسون (Erickson) في مقالتهما "ثمانية طرق لبناء فرق تشاركيّة" (Eight Ways to Build Collaborative Teams) إلى أنّ التشاركيّة تنقص بشدّة عندما يعمل الفريق على مبادرة مشروع معقّدة. اختبر الباحثان في دراستهم 55 فريقًا كبيرًا وحدّدوا الفرق الّتي تمتلك تشاركيّة عالية بالرغم من التعقيد. ولاحظوا ثمانية عوامل نجاح لامتلاك مهارات تشاركيّة قويّة: ممارسات "مميّزة" في العلاقات بين الأشخاص. نماذج للتشارك بين المديرين. تأسيس ثقافة "إهداء" يشرف فيها المديرون على الموظّفين. التدريب في مهارات العلاقات. شعور بالمجتمع. قادة بارعين ماهرين في قيادة المهامّ والأشخاص. استغلال جيّد للعلاقات السابقة. وضوح الدور والتعليمات. عندما تنمو الفرق في الحجم والتعقيد لا تعود الإجراءات الّتي كانت معتمدة مع الفرق الصغيرة تعمل معها. يجب أن تفكّر المنظّمات في كيفيّة بناء التشارك ضمن الفرق وكيف تستفيد من الممارسات المذكورة أعلاه في يناء العلاقات والثقة. تطور الفريق مع مرور الوقت إن كُنتَ جزءًا من فريق ما من قبل فلا بدّ أنّك قد استشعرت ـ"المراحل" المختلفة الّتي يمرّ بها تطوّر الفريق. تنطلق الفرق والأعضاء عادةً بُجرعةٍ عاليةٍ من الودّ المتبادل والحماس حول مشروعٍ ما أو طموحٍ ما، لكن يمكن أن يتعكّر صفو العلاقات ضمن الفريق بسرعة شديدة حالما يبدأ العمل الحقيقيّ. في عام 1965، طوّر عالم النفس التربويّ بروس تاكمان (Bruce Tuckman) من جامعة أوهايو نموذجًا من أربعة مراحل يشرح التعقيدات الحاصلة في تطوّر الفرق. سُمِّيَ النموذج الأصليّ "مراحل تاكمان لتطوّر المجموعات" وأضاف إليه مرحلة خامسة "الفضّ" في عام 1977 لشرح تفكّك الفريق بعد الانتهاء من المشروع. المراحل الأربعة لنموذج تاكمان هي: التشكيل التصارع التوافق الأداء الفضّ الشكل 10.3 نموذج تاكمان لتطوّر المجموعات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تبدأ مرحلة التشكل (Forming) عادةً بتقديم وتعارف الأعضاء. تُدعى هذه المرحلة "المرحلة المهذّبة" ويركّز الفريق فيها بشكلٍ أساسيّ على إيجاد التشابهات ونقاط التوافق مع الأعضاء الآخرين، كما ترجع المجموعة للقائد بحثًا عن البنيّة والتوجّه العام لسير العمل. يكون الأعضاء متحمّسين في هذه المرحلة ويكون النقاش حول قضايا عموميّة وعالميّة. يبدأ هنا تشكّل النظام الهرمي للمجموعة بشكل غر رسميّ لكن الأعضاء لا يزالون ودودين مع بعضهم. تبدأ مرحلة التصارع (Storming) عندما يبدأ الأعضاء بالتنافس على القيادة وبتجربة عمليّات المجموعة. تُعرف هذه المرحلة باسم "مرحلة الربح-الخسارة" ففيها يتصادم الأعضاء للحصول على قيادة المجموعة ويبدأ الأعضاء بالتحزّب. يبدأ السلوك العام للفريق والمشروع بالانحدار ويسود الجوّ الإحباط حول الأهداف والمهامّ والأداء. يمكن لمرحلة التوافق (Norming) أن تبدأ بعد عمليّة التصارع الطويلة والمؤلمة. يبدأ أعضاء الفريق خلال هذه المرحلة بتحسين أدائهم المشترك وبالإيمان بأهداف الفريق. يشكّل الفريق القواعد والحدود الأساسيّة ويحافظ عليها في جوّ من المسؤوليّة. يبدأ الأعضاء في هذه المرحلة بتقدير بعضهم واحترام الأعضاء الآخرين ومساهماتهم. أخيرًا يدخل الفريق في مرحلة الأداء (Performing) حينما يبني زخمه ويبدأ بحصد النتائج. يكون الفريق في هذا المرحلة قائمًا بذاته ويتطلّب تدخّلًا محدودًا من الإدارة لا أكثر. يمتلك الفريق هنا الثقة والكبرياء والحماس ويحدث انسجام بين الفرد والفريق ورؤية الفريق. كما يمكن أن ينجح الفريق في أن يصبح فريقًا عاليَ الأداء. الفريق عالي الأداء هو الفريق الّذي حسّن أداء مهمّته والعلاقات بين أفراده بأفضل شكل؛ أي أنّه يرفع الأداء والكفاءة لأقصى حدّ. بيّن الباحثان (Katzenberg) و(Smith) في دراستهما حول الفرق "منحنى أداء الفريق"، وهو شكل بيانيّ يعبّر عن رحلة الفريق منذ بدئه على شكل مجموعة عمل أوليّة وصولًا إلى الفريق عالي الأداء. يظهر منحنى أداء الفريق في الشكل 10.5. الشكل 10.5 منحنى أداء الفريق (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). عمليّة الوصول للفريق عالي الأداء ليست عمليّة مباشرة، وكذلك الأمر فيما يخصّ المراحل الأربع لنموذج تاكمان لتطوّر الفريق، فهي ليست مباشرة أيضًا، كما توجد عوامل قد تؤدّي لنكس أو تراجع أداء الفريق في مرحلة ما. وقد يحدث ذلك أيضًا إن كانت مهمّة المشروع غير واضحة أو مُقلِقة للفريق. تذكّر تجاربك الشخصيّة ضمن الفرق والتراجعات الّتي تعرّضت لها عند انضمام عضو جديد. من الممكن أيضًا أنّك شاهدت نفس هذه التراجعات عندما يحرّف قائد الفريق أو راعي المشروع المهمّة قليلًا أو عند إضافة مهمّة جديدة. يجب على الفريق أن يمرّ بالمراحل من جديد ويعيد التشكيل والتصارع قبل أن يعود لمرحلة الأداء. اكتساب الروح المؤسساتية إطلاق الفرق المبتدئة لا شيء أكثر إثارةً من الشركات المبتدئة حيث يكون الحماس عاليًا والأشخاص المشاركون متشوّقون للمغامرة والآفاق الجديدة. وتبعًا لوضع الشركة فقد تتلقّى تمويلًا من مستثمرين أو قد تنمو وتموّل نفسها ذاتيًّا في المراحل الأولى. وفي جميع الأحوال تواجه الشركة المبتدئة تساؤلات مختلفة، في البداية تمتلك أثرًا كبيرًا على نموّها وأدائها المستقبليّين. ومن أهمّ هذه الأسئلة الّتي قد تواجه أي شركة مبتدئة -أو غير مبتدئة- هي من سيقود الفريق؟ رأس المال البشريّ هو أهمّ المقوّمات الّتي قد تمتلكها الشركة، وقرار تحديد القائد مهمّ للغاية ضمن الشركات المبتدئة على وجه الخصوص؛ بسبب امتلاكها لموارد محدودة وبسبب أهميّة هذه الموارد من أجل بناء الشركة من الصفر. يقول (Noam Wasserman) في مقالته "تشكيل فريق الشركة المبتدئة Assembling the Startup Team" المنشورة ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال (HBSP) في يناير عام 2012: هذه الإحصائيّات مبنيّة على مشاكل الأشخاص في الشركات الناشئة، وبالتالي من غير الواضح ما هي نسبة الفشل في الشركات الكبيرة التي يمكن أن نعزوها إلى المشاكل بين الفرق والأشخاص. لكن في معظم الأحيان تلعب الإضطرابات ضمن مجموعات وفرق العمل في أي مؤسسة (كبيرةً رائدة كانت أم صغيرة ناشئة) دورًا أساسيًا في تراجع أداء الشركة. أثر مشاكل الأشخاص والفرق مهمّ للغاية في المنظّمات الناشئة الّتي لا تزال في بداية انطلاقتها وتسعى لتكوين العلاقات الصحيحة واتّخاذ القرارات المناسبة. إن كان أحد أصدقائك يدير شركةً ناشئة فلا بدّ أنّك لاحظت اختياره لأفراد العائلة والأصدقاء المقرّبين وزملاء العمل السابقين ليشاركوه في الفريق الناشئ في مرحلة البداية. وحالما تنمو الشركة الناشئة إلى حدّ معيّن؛ تصبح بحاجة لمدير تنفيذيّ خبير ليستلم قيادتها. وفي أيّ حال، تواجه الشركات الناشئة باكرًا أسئلة مهمّة حول بناء الفريق بالشكل الأمثل والأضمن للنجاح. وفي المقالة المذكورة، يشير الكاتب إلى عناصر ثلاث أساسيّة يجب إدارتها بكفاءة لتجنّب المشكلات على المدى الطويل وهي: العلاقات والأدوار والمكافآت (3 Rs: Relationships, Roles and Rewards). تعني العلاقات الأفراد المُختارين للفريق، وهنا يجب الحذر من عدّة أمور. قد يبدو اختيار الأقارب أو الأصدقاء المقرّبين فكرةً سديدة في بادئ الأمر ولكنّ المخاطر بعيدة المدى لمثل هذا القرار (حسب البحث المذكور) تتخطّى الفوائد المكتسبة منه. قد يتشابه تفكير الأقارب والأصدقاء مع تفكير المؤسّس بشكل كبير، وهو ما يفقد الفريق فوائد تنوّع وجهات النظر وتنوّع العلاقات. الأدوار مهمّة أيضًا بسبب أهميّة توزيع العمل والمهام وتخصيص الدور المناسب للشخص المناسب. يجب أن يفكّر الفريق الناشئ مليًّا في تبعات تعيين الأشخاص لأدوار محدّدة؛ لأنّ ذلك قد يُملي على الشخص مدى سلطة قراراته. أخيرًا، قد يكون من الصعب تحديد مكافآت وتعويضات الفريق الناشئ على المدى الطويل والقصير. هذا القرار صعب خاصّةً لدى مؤسّسي الشركات الناشئة؛ لحاجتهم إلى الموازنة بين توزيع المكافآت وبين المحافظة على الموارد البشريّة الضروريّة لنجاح الشركة. من الضروريّ بالنسبة للشركات الناشئة التفكيرُ مليًّا في الحفاظ على التوازن بين المقوّمات الثلاثة السابقة وبين تعاملاتها، وخاصّةً في قراراتها الباكرة. من السهل جلب أفراد العائلة والأصدقاء للشركات الناشئة بسبب الثقة فيهم ولكن يجب أخذ العوامل الثلاثة بالحسبان لاتّخاذ قرارات مجدية على المدى الطويل. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and Managing Work Teams) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: ما يجب أخذه في الحسبان عند إدارة الفرق المقال السابق: نظرية التوقع وتأثيرها على الدافعية في العمل
  7. درسنا بالتفصيل طبيعة وبنية مجموعات العمل ووجدنا اختلافها حسب الحجم والمعايير والأدوار. بعض المجموعات مترابطة أكثر من غيرها. وفي ضوء هذه الاختلافات يتبادر لأذهاننا السؤال التالي: كيف يزيد المديرون من كفاءة مجموعات العمل. للإجابة عن هذا السؤال سنستخدم نموذج هاكمان (Hackman) لكفاءة المجموعات. ووفقًا لهذا النموذج المعروض في الشكل 9.9 تتأثّر كفاءة مجموعة العمل بعوامل بيئيّة وتصميميّة وبالعمليّات بين الأشخاص المتعلّقة بمهمّة المجموعة. تندمج هذه العوامل الثلاثة لتؤثّر على ما يسمّى المعايير الوسيطة، والّتي تندمج بدورها مع طبيعة تقنيّات العمل لتحديد الكفاءة النهائيّة للمجموعة. الشكل 9.9 تحديد كفاءة مجموعة العمل. (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). ما هي كفاءة مجموعة العمل أوّل ما يطرأ على بالنا بخصوص كفاء مجموعة العمل هو ما الّذي يعنيه هذا المفهوم؟ وفقًا لنموذج هاكمان تعرّف الكفاءة في ضوء المعايير الثلاثة التالية: مُخرجات مُنتِجة. يجب أن تلاقي مخرجات المجموعة المنتجة المعايير الكمّيّة أو النوعيّة المحدّدة من المنظّمة أو تتخطّاها. إشباع الحاجات الشخصيّة. تعمل المجموعات بكفاءة إن كانت عضويّتها تسهّل إشباع حاجات الموظّف. فرص التعاون المستقبلي. تطبّق المجموعات ذات الكفاءة عمليّات اجتماعيّة تحافظ أو تحسّن من فرصة عمل الأعضاء سويّة على مهام لاحقة. تتجنّب هذه المجموعة العمليّات الاجتماعيّة التخريبيّة لكي يحافظ أعضاؤها على تكوين ترابط وكفاءة طويلَي المدى. محددات كفاءة مجموعة العمل تُحدّد كفاءة مجموعة العمل بشكل أساسيّ بالمعايير الثلاثة التاليّة والّتي سُمّيَت المعايير الوسيطة: جهد المجموعة. مقدار الجهد المبذول من أعضاء المجموعة بهدف إنجاز المهمّة. معرفة ومهارة المجموعة. وهي تمثّل مقدار المعرفة والمهارة الّتي يمتلكها أعضاء المجموعة، والّتي تكون متاحة لكي تستثمرها المجموعة في عملها وأدائها. آليّات أداء المهام. مدى ملائمة آليّات المجموعة لأداء المهمّة (أي كيف تحلّل وتحاول حلّ المشاكل الموجودة). وبالرغم من أهميّة كل معيار تختلف عن الآخر، إلا أن جميعها يُعد عنصرًا أساسيًّا في هيكلية مجموعة العمل وأدائها. فلن تعمل المجموعة بكفاءة بدون جهد ملحوظ ومهارات ومعرفة مناسبة وآليّة واضحة لإتمام المهمّة. طبيعة تقنيّة العمل (work technology) هي عامل آخر مهم ويؤثر على الأهميّة النسبيّة للمعايير الثلاث السابقة. يتضمّن هذا الموادّ والتجهيزات المُستخدمة في التصنيع وإجراءات العمل وترتيب وتنسيق مكان العمل. على سبيل المثال، إن كان العمل روتينيًّا للغاية يمكن أن تكون المهارة والمعرفة الفرديّة أقلّ أهميّة من الجهد المبذول. في حين أنه في المهامّ الأعقد، مثل البحث والتطوير، لن يكون المجهود كافيًا لوحده دون أن تصاحبه المعرفة والمهارة. لذا وبالرغم من اختلاف الأهميّة النسبيّة لكلّ عامل من العوامل الثلاثة هذه باختلاف تقنيّة العمل، إلا أنه يجب أخذها جميعًا بالحسبان عند محاولة فهم محدّدات كفاءة مجموعة العمل في موقف معيّن. أخيرًا، يجب الانتباه إلى أنّ هذه المحدّدات تتأثّر بثلاث مجموعات من العوامل (الظاهرة على الجانب الأيسر من الشكل 9.9). أولًا يجب أن نميّز سلسلة من عوامل العمل المحيطة، مثل نظام المكافآت في المنظّمة وبرامج التدريب وتوصيفات المهام الوظيفيّة وغيرها. المجموعة الثانية هي عوامل التصميم الّتي تتضمّن بنية المجموعة وتركيبة الأعضاء ومعايير الأداء. ,أخيرًا يجب الانتباه إلى دور العمليّات بين الأشخاص، مثل المجهود المبذول بين الأعضاء والإدارة لتقليل النزاعات وتبنّي الالتزام وتشارك المعرفة. إذًا مجموعات المعايير هذه مسؤولة بشكل كبير عن تحديد ما تُسمّى بالمعايير الوسيطة والّتي بدورها -مع تقنيّات العمل الملائمة- تحدّد كفاءة مجموعة العمل. تطبيقات لإدارة المجموعات على أساس تحليلنا هذا لعمليّات مجموعات العمل في المنظّمات يمكننا تحديد عدّة أفعال يمكن للمديرين فعلها للإرتقاء بأداء المجموعات إلى مستوى وتصبح كفاءة عاليين. زيادة الوعي الإداريّ. بدايةً يمكن أن يرفع المديرون من وعيهم حول طبيعة المجموعات ووظائفها للأفراد. وعند فهم السبب أو الأسباب الكامنة التي تدفع الأفراد للانضمام إلى المجموعات فسيمتلك المديرون فهمًا أفضل للتطبيقات التحفيزيّة لآليّات عمل المجموعات. هل الترابط العالي في مجموعة معيّنة ناتج عن الالتزام العالي بالمنظّمة وأهدافها أم أنّه ناتج عن الشعور بالانفصال عن المنظّمة؟ الحساسيّة لمعايير المجموعة. يجب أن يكون المديرون حسّاسين لمعايير المجموعة وللمدى الّتي تؤثّر فيه على أداء المجموعة أو المنظّمة سلبًا أو إيجابًا. ناقشنا بوضوح مدى تأثير معايير المجموعة على فعاليتها وكفاءتها ، وأظهرنا أيضًا كيف يمكن لقرارات وأفعال الشركة أن تزيد أو تنقص من احتماليّة كون هذه المعايير مفيدة لعمل المنظّمة. قسم كبير من الجهد المبذول حاليًّا في تطوير المنظّمات هو في سبيل استخدام آليّات استشاريّة لتطوير معايير مجموعة تتوافق مع أهداف الشركة. فهم الضغوط حول الالتزام بالمعايير. ذكرت الكثير من الأبحاث آثار المجموعات على التزام الأعضاء بالمعايير أو حيادهم عنها. تضغط المجموعات عادةً بشدّة على الأفراد لكي يلتزموا، كما تعاقب من يحيد عن قواعدها بطرق عديدة، مثل المقاطعة. من وجهة نظر إداريّة يمكن أن يشكّل الالتزام فُرصةً مضاعفة، فمن الناحية الأولى يرغب المديرون في العديد من المواقف أن يلتزم الموظّفون بإجراءات العمل المعتمدة (ما يُسمّى موثوقيّة أداء الدور)، ومن الناحية الأخرى يجب أن يمتلك الموظّفون حريّة في اقتناص الفرص الّتي يرونها فريدة أو مهمّة نيابة عن المؤسّسة (السلوك المُبادر والعفويّ). إن كان الضغط على الالتزام شديدًا ربّما تُفقد هذه العفويّة وتضييع الفرص الفريدة الّتي قد تكون موجودة للمنظّمة. حصد ثمار ترابط المجموعات. عندما يغدو تكوين ترابط عالي في المجموعات أمرًا ضروريًا وأساسيًا ي نجاح مشروع ما في الشركة عندها يجب على المديرين أن يوجّهوا الموظّفين إلى التساعد والتكاتف ضمن المجموعة ويكيف يعملون معًا بتناغم وانسجام. ولكن من المهمّ الانتباه إلى أنّ ترابط المجموعة لوحده ليس كافيًا لضمان زيادة كفاءة المجموعة، بل على المديرين أن يأخذوا زمام المبادرة في إظهار كيفيّة الاستفادة من السعي نحو أهداف المؤسّسة. إحدى طرق فعل ذلك هي نظام المكافآت الّذي تستخدمه العديد من المنظّمات. باختصار، هناك العديد من الدروس المستفادة للمديرين فيما يخصّ تأثير آليّات عمل المجموعات على الأداء والكفاءة. العبرة واضحة: يجب على المديرين أن يكونوا حسّاسين لعمليّات المجموعات في مكان العمل وأن يتعاملوا معها بطريقة مناسبة، من دون ضبط المديرين لتناغم عمل المجموعات داخل الشركة فسيبقى أداء المدير والشركة ضمن المجال المتوسط دون أي يرقى إلى مراتب التميّز والرياديّة في سوق العمل. السلوك والأداء بين المجموعات نستطيع الآن أن ننتقل لفحص السلوك بين المجموعات، أي ما الّذي يحدث عندما يجب على مجموعة في المنظّمة أن تتعامل مع مجموعة أخرى؟ من الواضح أنّه في أيّ مؤسّسة تكون درجة التفاعل بين المجموعات أمرًا حيويًّا للنجاح المؤسّساتيّ، حتّى في الشركات الصغيرة يجب أن يتفاعل فريق الإنتاج مع فريق المبيعات ويجب أن يتفّق كلاهما مع فرق المحاسبة والفرق الماليّة. بدون علاقات متوازنة ومتناسقة بين المجموعات تصبح الكفاءة المؤسّساتيّة والمنافسة التجاريّة أمرًا مستحيلًا. محددات الأداء بين المجموعات لنفهم كيف تتعامل المجموعات مع بعضها من المهمّ أن نحدّد المتغيرّات الأساسيّة الّتي تميّز السلوك بين المجموعات. يمكننا فعل ذلك عبر اقتراح نموذج للأداء بين المجموعات. يظهر الشكل 9.10 هذا النموذج. وكما نشاهد تحدث السلوكيّات بين المجموعات عندما تتقاطع مجموعتان. على الرغم من أن كل مجموعة تمتلك خصائص ومعالم مميّزة عن الأخرى إلا أنها تتشارك قالب عملٍ واحدًا ضمن سياسات المنظّمة وثقافتها وأنظمتها. ضمن هذا السياق يتأثّر الأداء تأثّرًا كبيرًا بثلاثة أنواع من متطلّبات التفاعل: متطلّبات الاعتماد المتبادل ومتطلّبات سير المعلومات ومتطلّبات الاندماج. يتأثّر الأداء بين المجموعات بمدى التزام كل الأطراف بهذه المتطلّبات. الشكل 9.10 نموذج للسلوك والأداء بين المجموعات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). متطلبات الاعتماد المتبادل (interdependence requirements). تعتمد متطلّبات الاعتماد المتبادل على جودة وتكرار التفاعلات بين المجموعات؛ التفاعل عالي الجودة مطلوب لأداء المهمّة بنجاح. ولتحقيق أهداف المؤسّسة بنجاح يجب أن تحقّق المؤسّسة تفاعلًا كافيًا بين المجموعات لتنسيق توزيع واستغلال الموارد المتاحة. مدى التفاعل المطلوب يُحدّد بمدى وطبيعة الاعتماد المتبادل للمجموعات. يأخذ الاعتماد المتبادل بين المجموعات ثلاثة أشكال رئيسيّة (راجع الشكل 9.11): الشكل 9.11 الأشكال الثلاثة للاعتماد المتبادل بين المجموعات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الاعتماد المتبادل الجمعيّ. يحدث الاعتماد المتبادل الجمعي (pooled interdependence) عندما تكون عدّة مجموعات مستقلّة عن بعضها، بالرغم من أن كلًّا منها يُساهم في المؤسّسة ومدعومٌ منها. على سبيل المثال بالرغم من كون قسمي الفيزياء والموسيقى لا يتفاعلان بشكلٍ مباشرٍ مع بعضهما، إلا أن كلا هاتين المادّتين يساهمان في تحقيق الأهداف الأكبر للجامعة وكلاهما يستخدمان موارد الجامعة نفسها (الغُرف والتجهيزات والكادر التدريسي). في سياق مصنع مثلًا يمكن رؤية الاعتماد الجمعيّ في قسمي تصنيع منفصلين، كأن يكون قسم بتصنيع منتجات المستهلك والآخر بإعداد المنتجات الصناعيّة. بالرغم من أنّ المُنتَجَين يُنتجان بشكل منفصل فكلاهما يصلان معًا لقسم الشحن وكلاهما يمثّلان منتجات شركة واحدة. الاعتماد المتبادل التسلسليّ. يبرُز الاعتماد المتبادل التسلسليّ (sequential interdependence) عندما تُشكّل مخرجات إحدى المجموعات أو الوحدات مدخلاتٍ لمجموعة أخرى. على سبيل المثال يعتمد قسم التصنيع في شركة ما اعتمادًا واضحًا على قسم المشتريات لكي ينجح في عمله، في حين يكون اعتماد قسم المشتريات على قسم التصنيع أقلّ. الاعتماد المتبادل العكسيّ. يحدث الاعتماد المتبادل العكسيّ (reciprocal interdependence) عندما تكون مجموعتان أو أكثر تعتمدان في مدخلاتها على مخرجات الأخرى. على سبيل المثال بدون هندسة الإنتاج لن يمتلك قسم التسويق شيئًا ليسوّقه. وعلى الجانب الآخر لن يعرف قسم الهندسة الإنتاجيّة ما عليه تصنيعه دون المعلومات الآتية من المستهلكين عبر قسم التسويق. الوحدتان معتمدتان على بعضهما بشكل شديد ولذلك تتطلّبان درجة عالية من التفاعل بينهما. بالنتيجة، يحدّد نمط الاعتماد المتبادل بدرجة كبيرة درجة العلاقات المتبادلة بين مجموعتين أو أكثر. يتطلّب الاعتماد المتبادل العاليّ عادةً تفاعلًا عاليًا بين المجموعات، في حين يتطلّب الاعتماد المتبادل الأقلّ تفاعلًا بين المجموعات أقلّ. متطلّبات سير المعلومات. ثاني متطلّبات نجاح الأداء بين المجموعات هو سير المعلومات (information flow) المثالي. تحتاج المجموعات إلى الكمّ المناسب من المعلومات لتنجح. يتأثر سير المعلومات بدرجة كبيرة بمدى إبهام المهمّة (task uncertainty). عندما تعمل المجموعات على مهمّة مبهمة (مثل منتج أو تجربة جديدة أو منتج قديم لكن في بيئة جديدة) تزداد حاجة المجموعات للتواصل. عندما تكون المهمّة أقل إبهامًا تقلّ الحاجة للمعلومات. يتأثّر إبهام المهمّة بدوره بعاملين. الأول هو وضوح المهمّة؛ وهو مدى الفهم الواضح لمسؤوليّات المجموعة وما هو مطلوب منها. الإجراءات والقواعد المُعتمدة في المنظّمة هو مثال على متطلّبات المجموعة. العامل الثاني هو بيئة المهمّة وهي العوامل داخل وخارج المنظّمة التي تؤثّر على أداء المجموعة. تمتلك بيئة المجموعة سياقين اثنين، هما: عدد المجموعات الّتي يجب التعامل معها ومدى استقرار بيئة العمل. بطبيعة الحال كلّما ازداد عدد المجموعات الّتي يجب أن تتفاعل وكلّما زادت ديناميكيّة بيئة العمل كلّما زاد إبهام المهمّة. في بيئة ديناميكيّة تميل المجموعات إلى توسيع جمعها للمعلومات لكي تتأقلم مع التغيّرات في بيئة العمل. لذا كلّما زاد إبهام المهمّة كلّما زادت الحاجة لأنظمة سير معلومات واضحة. متطلّبات الاندماج. المتطلّبات الأخيرة لنجاح الأداء بين المجموعات هي الاندماج. تركّز متطلّبات الاندماج على المدى المطلوب من التعاون والتشارك والعلاقات البنيويّة بين المجموعات لضمان النجاح. تمتلك الأقسام المختلفة في المنظّمة عادةً توجّهًا مختلفًا للوقت والأهداف. على سبيل المثال يركّز قسم التسويق أهدافه على اعتبارات السوق، في حيين يمتلك توجّهًا زمنيًّا قصيرًا (أي جدولًا زمنيًّا ذا مجالٍ واسع نسبيًّا). أمّا قسم الإنتاج المعنيّ بالأهداف التقنيّة فسيحاول غالبًا أن يحافظ على توجه زمنيّ معتدل ليستغلّ الربح الناجم عن الإنتاج المُتزايد. تجد المنظّمة الناجحة طرقًا لدمج المجموعات لينسّقوا جهودهم على أساس أهداف الشركة. يكمن السرّ في إيجاد آليّة تنسيق مقبولة لدى الجميع وليس في توحيد الأهداف والتوجّهات الزمنيّة لكلّ الفرق. على سبيل المثال، ستكون التداعيات كارثيّةً بحق إن ركّز فريق الأبحاث جُهده في مشروع أو مُنتجٍ ناجحٍ على المدى القصير، أو إن تجاهل قسم التسويق التغييرات قصيرة المدى في السوق. يمكن للوحدات المختلفة عبر الدمج أن تسُدَّ حاجات بعضها وأن تحافظ على فرديّتها في نفس الوقت. وبهذه الطريقة يمكن استخدام نقاط قوّة المجموعات كافّة في مواجهة مشاكل المنظّمة العامّة. عندما نجمع المتطلّبات المتنوّعة هذه وشروطها الخاصّة يمكننا حينها رؤية مدى الصعوبة في ضبط الأداء والتنسيق بين المجموعات، يبيّن الجدول 9.3 الخصائص الأساسيّة لأربع وحدات نموذجيّة في منظّمة معيّنة، وهي: البحث والتطوير والمبيعات والتصنيع. يُظهر الجدول كلًّا من الاعتماد المتبادل وإبهام المهمّة والتوجّه للوقت والهدف. لاحظ التعقيدات الّتي يواجهها المديرون في سبيل قيادة منظّمة مثل هذه بكفاءة ونجاح. في الحقيقة إنّ مجلات الأعمال مليئة بأمثلة على شركات فاشلة يمكن إرجاع سبب فشلها إلى سوء التنسيق بين وحداتها ومجموعات العمل فيها. فتطرح هذه الأمثلة مصادر عديدة جدًّا ممكنة للنزاع تقلّل من مقدرة الشركة على المنافسة الناجحة في سوق العمل المتغيّر دائمًا. الخصائص بين المجموعات في أربع وحدات ضمن شركة واحدة المجموعة أمثلة على الاعتماد المتبادل إبهام المهمّة التوجّه للوقت والهدف البحث عكسيّ مع التطوير عالي الوقت: طويل الأمد تسلسليّ مع أبحاث السوق الهدف: العلم جمعيّ مع الشحن التطوير عكسيّ مع أبحاث السوق متوسّط إلى عالي الوقت: طويل الأمد تسلسليّ مع التصنيع الهدف: العلم والاقتصاد التقنيّ جمعيّ مع الشحن المبيعات عكسيّ مع أبحاث السوق متوسّط الوقت: متوسط الأمد تسلسليّ مع التصنيع الهدف: السوق جمعيّ مع شؤون العمّال التصنيع عكسيّ مع المحاسبة منخفض الوقت: قصير الأمد تسلسليّ مع الشحن الهدف: الاقتصاد التقنيّ جمعيّ مع الأبحاث table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 9.3 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). إدارة الأداء والسلوك بين المجموعات عندما نحلّل تحدّيات الأداء والسلوك بين المجموعات فإنّ المشكلة الرئيسيّة الّتي تواجه المديرين هي التنسيق. تمتلك جميع الوحدات والأقسام المتعدّدة في المؤسّسات المهارة المطلوبة لضمان إنجاز المهمّة، ولكن تمتلك كلّ وحدة ثقافتها وأهدافها ومعاييرها الخاصّة. لذا فإنّ التحدّي الّذي يواجه المديرين هو حصد هذه المواهب والتنسيق بينها بطريقة تحافظ على تناغم المجموعات وتحقّق أهداف المؤسّسة في الوقت ذاته. هناك آليّات عدّة لإدارة الأداء والعلاقات بين المجموعات وتتضمّن استخدام القوانين والإجراءات وتبادل الأعضاء وربط الأدوار وتشكيل فرق العمل والفصل بين الثنائيّات. سنناقش باختصار كلًّا من هذه الآليّات وعلاقتها بالأداء والتنسيق بين المجموعات. القوانين والإجراءات. تأسيس القوانين والإجراءات من قبل الإدارة لحكم العلاقات بين قسمين أو وحدتين أو أكثر هي طريقة شائعة لإدارة العلاقات بين المجموعات. فإن كانت الوحدات تفشل باستمرار مثلًا في التواصل مع بعضها -ما يؤدّي لسوء تنسيق بينها- يمكن أن تطبّق المؤسّسة سياسة جديدة تتطلّب من كل المجموعات أن تنشر معلومات معيّنة في أوقات ثابته أو أن تخبر مديري الأقسام الأخرى بالأنشطة أو التغييرات الجديدة المقترحة. يمكن لزيادة التواصل بين المجموعات ببساطة أن تزيد من التنسيق بين المجموعات. تبادل الأعضاء. في بعض الظروف يكون من المفضّل للمؤسّسة أن تنقل عضوًا من مجموعة إلى أخرى. توفّر التبادلات هذه فرصة للموظّف لكي يفهم بشكل أفضل مشاكل وإجراءات المجموعة الأخرى. وعند عودته لمجموعته الأصليّة يمكنه أن يشارك المعلومات الّتي حصل عليها. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الموظّف المنقول يطوّر عادةً علاقات شخصيّة أفضل مع القسم الآخر ما يحسّن من التواصل والتنسيق بين القسمين. يمكننا أن نرى مثالًا على ذلك في نقل الشركة لمهندس إنتاج إلى قسم ضمان الجودة ليأخذ المعرفة الّتي يكتسبها معه عند عودته إلى قسم الهندسة الإنتاجيّة. ربط الأدوار. دور الربط (linking role) هو منصب أو وحدة ضمن المنظّمة يكون مسؤولًا عن الإشراف على نشاطات مجموعتين أو أكثر والتنسيق بينهما. مثال جيّد على هذا هو مدير منتج ما يكون مسؤولًا عن تنسيق التصنيع والمبيعات وضمان الجودة وأبحاث الإنتاج الّتي تخصّ خطّ إنتاج معيّن (راجع الشكل 9.12). أدوار الربط هذه مصمَّمة في جوهرها لتحسين التواصل بين الوحدات المختلفة وضمان تصميم المنتج الأفضل وتصنيعه وتسويقه. سنناقش دور مدير المنتج أكثر في المقالات القادمة. الشكل 9.12 الدور الرابط لمدير المنتج (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الشكل 9.13 فريق المبيعات اجتماع فريق المبيعات في (Dynamic Signal) لمراجعة الأهداف. ما رأيك بالتنوّع في هذا الفريق؟ (حقوق الصورة: Jim Larisson/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) فرق العمل. يخدم فريق العمل (task force) الهدف نفسه الّذي تخدمه الأدوار الرابطة عدا عن أنّ دور الفريق مؤقّت وليس دائم. يتم جمع أفراد من وحدات مختلفة في فريق العمل لحلّ مشكلة محدّدة وفي وقت قصير غالبًا. فكلّ وحدة لديها خبرة يمكن أن تساهم بها، وعند تنسيق هذه الجهود معًا يمكن الوصول لحلٍّ أمثل لأي مشكلة تواجهها المشركة. يمكن رؤية تنسيق نموذجيّ لفريق عمل في الشكل 9.14. يمكن لشركة تواجه أزمات ماليّة كبيرة على سبيل المثال أن تشكّل فريق عمل مؤلّف من أعضاء من مختلف الأقسام لتحديد طرق لمواجهة هذه الأزمة. أو يمكن أن تؤسس الشركة فريق عمل لمناقشة اقتراح دمج مع شركة أجنبيّة. المشكلة في كلا الحالتين تتطلّب مهارات متنوّعة ومباشرة للوصول للحلّ الأمثل. الشكل 9.14 مثال على فريق عمل نموذجيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). فصل الثنائيّات. أخيرًا هناك مواقف تكون فيها مجموعتا عمل أو أكثر متعلّقتان ببعضهما لكنّهما ببساطة لا تعملان سويةً بكفاءة. في مثل هذه الحالات قد يكون فصل الثنائيّات (decoupling) هو الحل الأمثل. تتضمّن العمليّة هذه فصل مجموعتين -إداريًّا أو على أرض الواقع- بطريقة تضمن إنجاز مهام المؤسّسة بأقلّ قدر من التفاعل بين المجموعتين. من الطبيعي مثلًا أن تعمل مجموعة البرمجيّات مع مجموعة الأجهزة بارتباطٍ وثيق لتصميم نظام حاسوبيّ جديد. لكن يرى هؤلاء الأشخاص أحيانًا المشاكل والحلول بطرق مختلفة؛ ما قد يؤدّي لعدائيّة علنيّة وسلوك غير متعاون بين هاتين المجموعتين. يكون الحل الأفضل هو فصل المجموعتين عمليًّا وجعل مجموعة منهما (مهندسو البرمجيّات مثلًا) مسؤولةً عن تحدّد مواصفات المنتج المطلوب. ويمكن حينها لمهندسي البرمجيّات أن يعملوا بمفردهم لتصميم برامج تلائم هذه المواصفات. لا يزال الأمر يتطلّب بعض التنسيق بالتأكيد، ولكن بالرغم من ذلك تحافظ مقاربة المشكلة بهذه الطريقة على خدمات المجموعتين القيّمتين من المهندسين الّذين يرون المشكلة بطرق ومن زوايا مختلفة، وهذا أسلوب مساومة جيّد بالنسبة للشركات التقنيّة. بالنتيجة توجد عدّة آليّات لمساعدة المديرين على التنسيق بين المواهب المتنوّعة في المجموعات بطرق تساعد على تحقيق أهداف المؤسّسة. طُبّقت مقاربة شبيهة للتنسيق بين المجموعات في شركة جنرال@ موتورز (General Motors) عندما قاربت تصميم وتصنيع مركبة (Saturn). .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } التوسع حول العالم (جدول) الإنخراط في فرق عمل عالمية: IBM منذ عام 2008 زادت شركة (IBM) من تركيزها في تحقيق هدفها بأن تصبح مؤسّسة عالميّة متكاملة. وبوجود أكثر من 200,000 موظّف من مختلف الدول والخلفيّات، تواجه الشركة تحدّيات كبيرة عند إدارة فرق العمل لديها على هذا السياق العالميّ الضخم. إحدى المكوّنات الرئيسيّة كانت إدارة الفروقات الزمنيّة. فبدلًا من أن تكون صارمة في مواعيد العمل لديها وأن تُلزم الموظّفين بأن يكونوا على رأس عملهم وفي فرقهم على مدار الساعة. قرّرت (IBM) أنّها تودّ تطبيق بيئة عمل مبنيّة على النتائج (results-oriented work environment ROWE). تسمح هذه الآليّة للموظّفين بالعمل من مكان سكنهم في فرق افتراضيّة وأن يحدّدوا ساعات عملهم بناء على مواعيدهم الخاصّة. وتسمح هذه الآليّة للموظّفين بأن يعملوا في الساعات الّتي يشعرون بأنّهم أكثر إنتاجًا فيها. عنصر مهمّ آخر في إدارة فرق العمل العالميّة مثل هذه هو التواصل. بنت (IBM) قيادة فرق العمل لديها على أربع أو خمس قادة من الموظّفين الإداريّين الكبار من مختلف الجنسيات. يجب عليهم العمل جنبًا إلى جنب لفهم الفروقات الثقافيّة بينهم، كما عليهم أن يزوّدوا بعضهم البعض بفكرة عن الأهداف العامّة لفرقهم الّتي تمكّن الشركة من النموّ في هذا البلد. هؤلاء الموظّفون قادرون على التأقلم مع الاختلافات المحليّة والتعلّم من اختلافات بعضهم والوصول لأهداف مشتركة تؤدّي لنتائج أفضل. بالإضافة إلى ذلك فهؤلاء القادة هم أكثر قدرةً على فهم الفروق والعوامل المحليّة بسبب فهمهم العميق وخبرتهم السابقة للفروقات العالميّة والثقافيّة في أعضاء فريقهم. تستمرّ IBM في تركيزها على تنمية "موظّفي (IBM) العالميّين" عبر إتاحة الفرصة لخبرات القيادة العالميّة وأيضًا عبر إتاحة الفرص لاكتساب مهارات جديدة. تركّز الشركة على ثلاثة أفعال رئيسيّة: النموّ محليًّا وعالميًّا عبر منهجيّة ثابتة. توجيه آليّات العمل وفق الأولويّات المحليّة وأهداف المجتمع وبناء الخبرات المحليّة وتوسيع سوق العمل. تطوير الإدارة. إتاحة فرص أكثر لموظّفين لتحسين مهاراتهم وتوفير برامج تدريب لهم بهدف اكتساب خبرات عالميّة متنوّعة. تمكين رؤيّة المؤسّسة العالميّة المتكاملة. تسريع التعاون عبر المؤسّسة وتأسيس ثقافة مؤسّساتيّة مبنيّة على القيم المشتركة. تظهر (IBM) هذه الأفعال بوضوح عبر قياداتها لمساعدة الموظّفين على اتباع هذه المناهج. يمكن لاستخدام أفضل تقنيّات تحسين التعاون أن يؤدّي إلى رفع الإنتاجيّة وتمكين الموظّفين. إن كانت الإدارة منخرطة في العمل فهذا بدوره سيدفع ويحفّز العاملين إلى الانخراط في العمل اقتداءً برؤسائهم، الأمر الذي سيثمر تناغمًا أكبر في عمل الفريق ونجاح المؤسسة على المدى الطويل. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Group and Intergroup Relations) من كتاب Organizational Behavior
  8. يمكن وصف بنية مجموعة العمل بعدّة طرق مختلفة. هنا نفحص عدّة خصائص تفيدنا في وصف وفهم طُرق اختلاف كلّ مجموعة عن الأخرى. ترسم لنا شبكة المتغيّرات هذه -عند وضعها معًا- صورةً لمجموعات العمل من ناحية خصائصها الثابتة نسبيًّا. النواحي الّتي سنأخذها في الحُسبان هي (1) أدوار العمل (2) حجم مجموعة العمل (3) معايير مجموعة العمل (4) علاقة المراتب (5) ترابط مجموعة العمل. يُظهر الشكل 9.3 أنّ كلًّا من هذه العوامل تؤثّر على عمليّات المجموعات. لذا ستكون الأفكار المطروحة هنا ذات أهميّة بالغة لفهم عمليّات المجموعات وكيفية ترابطها مع بعضها عندما سنتطرّق إليها لاحقًا في سلسلة مقالاتنا. الشكل 9.3 بنية وعمليّات المجموعة (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أدوار العمل يجب على المجموعة أن تميّز بين أنشطة كلّ من أعضائها من أجل تحقيق أهدافها والحفاظ على معاييرها. يأخذ عضو أو اثنان دور القيادة، في حين يُناط آخرون بالأعمال الأساسية في المجموعة، ويؤدّي الأعضاء المتبّقون أدوارًا مُساعدة. يدعى تخصيص الأنشطة هذا عادةً تمييز الأدوار، ويُطلق عليه مصطلح دور العمل (work role)، هو نمط سلوك متوقّع منسوبٍ لمنصب معيّن في المنظّمة ويحدّد المسؤوليّات الفرديّة بالنسبة للمجموعة. يُقترح تقسيم أدوار العمل ضمن النظام المؤسّساتي إلى ثلاثة أنواع على أساس طبيعة النشاط الّذي يحدّد هذا الدور. الأنواع الثلاث هي كما يلي: أدوار موجّهة للمهمّة: تركّز هذه الأدوار على الأنشطة المتعلّقة بالمهمّة بهدف تحقيق الأداء المنشود للمجموعة. أدوار موجّهة للعلاقات: تركّز هذه الأدوار على تطوير المجموعة المستمرّ، ويتضمّن ذلك بناء ترابط وإجماع المجموعة والحفاظ على التناغم بين أعضائها والاهتمام براحة الأعضاء وغيرها. أدوار موجّهة للذات: تركّز هذه الأدوار على حاجات وأهداف الأعضاء تركيزًا خاصًّا، وذلك على حساب المجموعة غالبًا. كما يمكن أن نتوقّع أن يؤدّي بعض أعضاء المجموعة عدّة أدوار من هذه الأدوار في آنٍ معًا. على سبيل المثال يجب على مجموعة من القادة أن تركّز انتباهها على أداء المهمّة، وتحافظ في الوقت ذاته على تناغم المجموعة وترابطها. لرؤية هذا عليك أن تنظر إلى تجربتك الشخصيّة. قد تتمكّن من تمييز الأدوار الّتي لعبتها في المجموعات الّتي كنت بها. تبعًا لتجربتك، هل كنت تلعب دورًا واحدًا أم عدّة أدوار؟ لربّما تكون الطريقة الأفضل لفهم أدوار العمل هي دراسة حلقة الأدوار (role episode) وهي محاولة لفهم كيف يتعلّم الشخص دورًا ما ويتصرّف على أساسه. ويمكننا أن نرى في الشكل 9.4 كيف تبدأ حلقة الدور بتوقّعات الأعضاء حول ما يجب على الفرد أن يقوم به في منصب معيّن (المرحلة 1). ثمّ تصل هذه التوقّعات إلى الفرد ذاته (المرحلة 2)، ما يجعل الفرد يدرك التوقّعات حول هذا الدور (المرحلة 3). وأخيرًا يقرّر الفرد أن يتصرّف في هذا الدور في سلوك الدور الحقيقيّ (المرحلة 4). وبعبارة أخرى يمكن القول أنّ المرحلة 1 و2 تدوران حول الدور المتوقّع، في حين تركّز المرحلة 3 على الدور المُدرك، أمّا المرحلة الرابعة فتركّز على الدور المفعّل. فلنأخذ المثال البسيط التالي: يمكن أن تقرّر مجموعة ما أنّ العضو الأحدث فيها مسؤول عن جلب القهوة لباقي الأعضاء خلال استراحات العمل (المرحلة 1). يُشرح الدور لهذا للعضو الجديد بعد ذلك (المرحلة 3)، وحينها يعي العضو هذا مهامه المتوقّعة (المرحلة 3). وعلى أساس كلّ هذا (وبتعزيز من المعايير والنصائح من أعضاء المجموعة أيضًا) يقوم العضو الجديد بالمهمّة الموكلة إليه (المرحلة 4). يجب الانتباه على عدّة جوانب في هذا النموذج. أوّلًا، المرحلتان 1 و2 تبدآن من أعضاء المجموعة وتتوجّهان إلى الفرد. أمّا المرحلتان 3 و4 فتمثّلان أفكار وأفعال الفرد عند استجابته للمنبّه. كما تمثّل المرحلتان 1 و3 تقييمات إدراكيّة، في حين تمثّل المرحلتان 2 و4 تصرّفات حقيقيّة. تُدعى محصّلة الأدوار المخصّصة لفرد ما بمجموعة الدور (role set). الشكل 9.4 نموذج مُبسّط لحلقة دور المصدر: مُقتبس من D. G. Myers وJ. M. Twenge من كتابهما (Social Psychology 13th edition) (New York: McGraw Hill) 2018، (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). وبالرغم من أن حلقة الدور هنا تبدو بشكل بسيط ومباشر فالأمر بالطبع أكثر تعقيدًا على أرض الواقع. على سبيل المثال يتلقّى الأفراد عادةً رسائل مختلفة، وحتّى متضاربة، من عدّة مجموعات (قيادات) تحاول أن تكلّفهم بدور محدّد. قد يسبّب هذا تضارب الأدوار (role conflict). كما يمكن أن تكون الرسائل المرسلة حول دور ما غير واضحة؛ ما يسبّب حدوث التباس الدور (role ambiguity). وأخيرًا يمكن أن يتلقّى الأفراد ببساطة رسائل كثيرة ً جدًّا حول دورهم؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث ضغوط الدور المفرطة (role overload). سنترك النقاش في هذه المواضيع حتّى دراسة نواحٍ عدّة من التعديلات النفسيّة للعمل. حجم مجموعة العمل توجد مجموعات العمل بأحجام متنوّعة. قضى الباحثون الإداريّون السابقون وقتًا طويلًا وبذلوا جهدًا ملحوظًا في محاولة تحديد الحجم المثاليّ لأنواع المجموعات المختلفة، ولكن بلا جدوى. ببساطة لا يوجد عدد صحيح مثالي للأشخاص لأغلب أنشطة المجموعات، لكنّ الباحثين هؤلاء اكتشفوا ما يحدث عند زيادة حجم المجموعة. يلخّص الجدول 9.2 عددًا من العلاقات بين حجم المجموعة وإنتاجيّتها. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } تأثيرات حجم المجموعة على طبيعة عملها وفعّاليّتها العامل حجم المجموعة صغير كبيرة تفاعل المجموعة يزداد ينقص ترابط المجموعة أعلى أخفض الرضا الوظيفيّ أعلى أخفض التغيّب عن العمل أخفض أعلى التبدّل الوظيفيّ أخفض أعلى التسكّع الاجتماعيّ أخفض أعلى الإنتاجيّة لا توجد علاقة واضحة لا توجد علاقة واضحة الجدول 9.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أنماط تفاعل المجموعات (group interaction patterns). سنناقش في البدء تأثيرات تنوّع حجم المجموعة على أنماط تفاعل المجموعة. تناولت سلسلة من الدراسات الّتي أُجريت من قبل بيلز (Bales) وبورغاتا (Borgatta) هذا الموضوع باستخدام آليّة تُعرف باسم تحليل عمليّة التفاعل (interaction process analysis). تُسجّل هذه الآليّة الأحاديث المتبادلة ضمن المجموعة، ضمن سياق من الّذي تحدّث ومع من وماذا قال، باستخدام هذه الآليّة وجد الباحثان أنّ المجموعات الأصغر (المؤلّفة من شخصين إلى 4 أشخاص) أظهرت درجةً أعلى من التوتّر والاتّفاق وأخذ الرأي، في حين أظهرت المجموعات الأكبر (13-16 شخص) درجةً أكبر من إفراغ التوتّر وإبداء الاقتراحات ومشاركة المعلومات. تقترح هذه النتائج أهميّة التناغم الكبيرة في المجموعات الصغيرة، كما تقترح امتلاك الأشخاص في هذه المجموعات وقتًا أكبر لتطوير أفكارهم وآرائهم. على الجانب الآخر يجب على الأفراد في المجموعات الأكبر أن يكونوا مُنتجين ويتميّزوا أكثر بسبب ازدياد المنافسة على جذب الانتباه في هذه المجموعات. مواقف العمل (job attitudes). أثبتت الدراسات وجود ارتباطٍ عكسي بين تزايد حجم مجموعة العمل والرضا الوظيفيّ، إلا أن هذا الرابط غير قويّ. أي أنّ الأشخاص العاملين في وحدات عمل أو أقسام أصغر يسجّلون مستويات أعلى من الرضا الوظيفيّ بالمقارنة مع نظرائهم في المجموعات الأكبر. لا تشكّل هذه النتيجة مفاجأة في ضوء الاهتمام المتزايد الّذي يتلقّاه الفرد في المجموعات الأصغر والأهميّة الأكبر لمجموعات الأدوار في هذه المجموعات. التغيّب والدوران الوظيفيّ (absenteeism and turnover). تشير الأبحاث المتوفّرة إلى وجود علاقة بين زيادة حجم مجموعة العمل وزيادة معدّل التغيّب، وذلك بين العمّال اليدويّين (blue-collar workers) في حين لا توجد علاقة مشابهة بين العمّال غير اليدويّين (white-collar workers). أحد التفسيرات لهذه النتائج هو أنّ ازدياد حجم مجموعة العمل يسبّب انخفاضًا في مستوى الترابط والتواصل ضمنها وتخصّصًا أكثر في المهام؛ ما يؤدّي لصعوبة تلبية حاجات الأفراد الأسمى (في القسم الأعلى من الهرم) ويسبّب انخفاض رغبة الفرد في الذهاب للعمل. قد يكون هذا التفسير منطقيًّا أكثر في حالة العمّال اليدويّين بسبّب امتلاكهم لاستقلال وتحكّم وظيفيّ أقلّ، في حين يجد العمّال غير اليدويّين سبلًا أكثر لإشباع حاجاتهم، توجد نتائج مشابهة فيما يخصّ الدوران الوظيفيّ. فالدوران الوظيفيّ أعلى في المجموعات الأكبر. ويمكن أن يكون السبب هو صعوبة إشباع الحاجات في المجموعات الأكبر؛ ما يعطي الأفراد دافعًا أقلّ للبقاء في نفس المنظّمة. الإنتاجيّة (productivity). لم توجد أيّ علاقة واضحة بين الإنتاجيّة وحجم المجموعة. وهنالك غالبًا سبب وجيه لذلك، فعندما لا نضع في الحسبان نوع المهمّة المؤدّاة لا يمكننا أن نرى علاقة واضحةً أو مباشرة. يشرح ميتشل (Mitchell) هذه العلاقة كما يلي : تخيّل مهمّة يمكن فيها لكلّ عضوٍ جديد أن يضيف كمًّا مستقلًّا إلى إنتاجيّة المجموعة (مثل بعض الوظائف المتعلّقة بعدد القطع المباعة). هنا إن أضفنا المزيد من أعضاء المجموعة سيزداد الإنتاج… على الجانب الآخر هناك مهامّ تستدعي من الجميع أن يعمل معًا وأن يجمعوا مصادرهم سويّةً، في هذه المجموعات ومع كلّ عضو جديد ستنقص الإضافة الّتي يقدّمها لمهارة ومعرفة المجموعة، بسبب عدم الانسجام بين أعضاء المجموعة. وبعد فترة ستفشل زيادة الأعضاء بإضافة أيّ شيء للمجموعة سوى المشاكل في التنسيق والتحفيز. في مثل هذا المثال ستؤدّي المجموعات الأكبر أداءً أقلّ من المجموعات الأصغر. وبالتالي تتعلّق طبيعة العلاقة بين حجم المجموعة وإنتاجيّتها بنوع المهمّة المطلوبة منها. على أيّة حال، من المهم أن نلاحظ وجود عامل إضافي يسمّى التلكّؤ الاجتماعيّ (social loafing) وهو ميل الأفراد لبذل جهد أقلّ على المهمّة المطلوبة عند أدائها ضمن مجموعة. تحدث هذه الظاهرة عندما (1) يرى الأشخاص مهمّتهم على أنّها غير مهمّة أو بسيطة أو (2) يظنّ أعضاء المجموعة أنّ مجهودهم الفرديّ لن يُلاحظ أو (3) يتوقّع أعضاء المجموعة أنّ زملائهم يمارسون هذا السلوك أيضًا. يظهر التسكّع الاجتماعيّ في المجموعات الأكبر أكثر وذلك غالبًا بسبب بروز العوامل الثلاثة أعلاه في المجموعات الكبيرة. ومن وجهة نظر إداريّة يمكن أن تُخفّض هذه الظاهرة عبر تزويد الموظّفين بمهامّ أكثر تحدّيًا وبمسؤوليّة أكبر حول إنجازها. ستُناقَش هذه المسألة في مقالات لاحقة حول تصميم العمل. معايير مجموعة العمل يمثّل مفهوم معايير مجموعة العمل موضوعًا معقّدًا ويعود تاريخ الأبحاث النفسيّة الاجتماعيّة حوله إلى عدّة عقود ماضية. سنسّلط الضوء في هذا القسم على بعض النقاط الأساسيّة في معايير المجموعات وكيف تتعلّق بالأشخاص في العمل. سنناقش خصائص ووظائف معايير مجموعة العمل كما سنناقش نتائج الالتزام بها والحياد عنها. خصائص معايير مجموعة العمل (characteristics of work group norms). يمكن تعريف معاير مجموعة العمل على أنّها أُسس مشتركة بين أعضاء المجموعة تنظّم سلوك العضو ضمن المنظّمة. يمكن أخذ صفّ مدرسيّ مثالًا على ذلك حيث يطوّر التلاميذ معيارًا يثبّط المشاركة المُفرطة في الفصل. فهم يعتقدون أنّ التلميذ الّذي يشارك كثيرًا ينال علامات على حساب زملائه في الفصل. فيتشكّل معيار بين التلاميذ لتحديد السلوك المقبول ضمن الفصل. يمكن رؤية أمثلة مشابهة في بيئة العمل. قد يوجد معيار ضدّ الإنتاج العالي جدًّا أو المنخفض جدًّا أو ضدّ التقرّب الشديد من المشرف أو ضدّ التأخر عن العمل وغيرها. يمكن وصف خصائص معايير مجموعة العمل وفق خمسة عوامل كما يلي: تلخّص المعايير عمليّات التأثير في المجموعة وتبسّطها. فهي تدلّ على العمليّات الّتي تنظّم سلوك الأعضاء ضمن المجموعة. تُطبّق المعايير على السلوك فحسب، أي أنّها لا تُطبّق على مشاعر الفرد وأفكاره. وبالرغم من أنّها قد تكون مبنيّة على المشاعر والأفكار إلّا أنّها لا تحكمها. أي أن التقبّل الخاصّ لمعايير المجموعة غير ضروريّ بل يكفي التقيّد العلنيّ بها. تُطّور المعايير عمومًا فقط للسلوكيّات الّتي تكون ذات أهميّة من قبل أغلب الأعضاء. تُطوّر المعايير عمومًا بالتدريج، ولكن يمكن تسريع العمليّة إن رغب الأعضاء بذلك. تُطوّر المعايير عادةً من قبل الأعضاء عندما تقتضي الحاجة، كما هو الحال عندما يحدث موقفٌ ما يتطلّب قواعد جديدة للأعضاء من أجل الحفاظ على نزاهة واستمرار المجموعة. لا تنطبق جميع المعايير على جميع الأعضاء. فبعض المعايير مثلًا تنطبق فقط على الأعضاء الجدد (مثل جلب القهوة) في حين قد تُبنى معايير أخرى على أساس الجنس أو العرق أو الطبقة الاجتماعيّة. وظائف معايير مجموعات العمل (functions of work group norms): تمتلك أغلب المجموعات معايير خاصّة بها وقد تكون بعضها أكثر شدّة من غيرها. تخدم معايير مجموعات العمل عمومًا أربع وظائف في البيئة المؤسّساتيّة، وهي كما يلي: المعايير تخدم بقاء المجموعة. عندما تتعرّض المجموعة لخطر ما، توفّر المعايير أساسًا لتأمين بقاء سلوك الأفراد موجّهًا نحو أهداف المجموعة ورفض انحراف السلوك بعيدًا عن هذه الأهداف. هذه فعليًّا ظاهرة "إدارة البقاء" (وتعني تعاضد وتعاون الأفراد داخل المجموعة بهدف الدفاع والحفاظ على الوجود الكليّ للأفراد والمجموعة، حيث يعمل الأفراد بكل طاقاتهم ويقدّمون تنازلات عديدة في سبيل الحفاظ على بقاءالمجموعة). تبسّط المعاييرُ السلوكيّات المتوقّعة. تخبر المعايير الأفراد ما المتوقّع منهم (ما هو مقبول وما هو غير مقبول) كما تسمح للأعضاء بتوقّع سلوكيّات زملائهم في المجموعة وتوقّع النتائج السلبيّة أو الإيجابيّة للسلوكيّات الّتي يريدون اتّخاذها. تساعد المعايير على تجنّب المواقف المحرجة. توضّح المعايير لأعضاء الفريق متى يكون سلوك معيّن أو موضوع معيّن مؤذيًا لعضو آخر، وذلك عبر تحديدها للسلوكيّات المقبولة وغير المقبولة. على سبيل المثال يوضّح معيارٌ حول رفض الشتائم أنّ سلوكًا مثل هذا سيسبّب الأذى لشخص ما في المجموعة ويجب تجنبّه. تساعد المعايير على تعريف المجموعة والتعبير عن قيمها الأساسيّة للآخرين. تساعد المعايير الّتي تخصّ الملابس واللغة والآداب وغيرها على إخبار الآخرين من ينتمي إلى المجموعة، وتمثّل جوهر المجموعة ذاتها. تمثّل المعايير أيضًا نقطة التقاط تجمع أعضاء المجموعة مع بعضهم عند تفرّقهم. الالتزام والحياد (conformity and deviance): يتساءل المديرون عادة لم يمتثل الموظّفون لمعايير مجموعة عملهم حتّى لو كانت تبدو متعارضة مع مصلحتهم الخاصّة. هذا القلق قويّ تحديدًا عندما يمتنع العاملون عن الإنتاج الأعلى عن قصد. تكمن إجابة هذا التساؤل في مفهوم الالتزام بمعايير المجموعة. تظهر مواقف ينجرّ فيها الفرد مع تيّار مجموعته ويتصرّف بشكلٍ قد لا يفضّله شخصيًّا. لرؤية هذه الظاهرة لننظر إلى نتائج دراسة كلاسيكيّة حول الالتزام الفرديّ بضغوط المجموعات والّتي أجراها سولومون آش (Solomon Asch). أجرى آش تجربة مخبريّة وضع فيها الشخص الأساسيّ في غرفة مع ثلاثة أشخاص آخرين شركاء للباحث. طُلب من كلّ شخص في الغرفة أن يجد الخطّ المساوي لطول خطّ (س) من بين 3 خطوط أخرى غير متساوية (أ) و(ب) و(جـ) كما في الشكل 9.5. وأُخبر الشركاء الثلاثة قبل بدء التجربة أن يختاروا الخط (جـ) على أنّه الأقرب بالرغم من أن (أ) هو الإجابة الواضحة. وأجاب الشركاء قبل أن يجيب الشخص الأساسيّ في التجربة وكانت النتائج مذهلة. في أكثر من ثلث التجارب الّتي أُجريت اختار الشخص الأساسيّ أن ينساق وراء ما قاله الأشخاص الثلاثة المجهولين بالنسبة له وإنكار ما تدركه حواسه. بعبارة أخرى، نسبة عالية من الأشخاص الّذين يرون إجابات الآخرين في المجموعة سيختارون أن يجيبوا مثلهم بدلًا من أن يقدّموا رأيًا متعارضًا، حتّى لو كان هذا الشخص متأكّدًا من صحّة إجابته. ما الّذي يسبّب الالتزام بمعايير المجموعة هذا؟ وتحت أيّ ظرف يحيد الفرد عنها؟ يُعزى سبب الالتزام بمعايير المجموعة إلى ثلاثة عوامل. أولًا، تلعب الشخصية دورًا مهمًّا. وُجدت علاقة عكسيّة بين الالتزام وبين الذكاء والقدرة على التحمّل وقوّة الأنا، في حين كانت العلاقة طرديّة مع الملتزمين بالسلطة. الأشخاص الّذين يمتلكون هويّة ذاتيّة قويّة من المرجّح أن يلتزموا بمعاييرهم الخاصّة ويحيدوا عن معايير المجموعة عندما يتعارضان. ثانيًا، قد يؤثّر المنبّه الأساسيّ الّذي يثير الاستجابة على مدى الالتزام. فكلّما كان المنبّه مُبهمًا (مثل أمر إداريّ جديد ومُربك) كانت النزعة للالتزام بمعايير المجموعة أقوى (لست متأكدًا ما يعنيه الأمر الجديد فسألتزم بما يفعله الآخرون فحسب). في هذا السياق يزوّد الالتزام الأفراد بشعور بالحماية والأمان في موقف جديد أو حتّى مخيف. أخيرًا، يمكن أن تؤثّر خصائص المجموعة ذاتها على الالتزام بمعاييرها. قد تؤثّر عوامل مختلفة على الالتزام بالمعايير، مثل: مدى الضغط المُطبّق على أعضاء المجموعة للالتزام ومدى شعور الشخص بالانتماء للمجموعة ومدى نجاح معايير المجموعة في تحقيق الأهداف السابقة. الشكل 9.5 تجربة آش في ضغط المجموعة والحكم الفرديّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). ماذا يحدث عندما يحيد شخص ما عن معايير المجموعة؟ تشير الأبحاث إلى أنّ المجموعات تستجيب عادة عبر زيادة التواصل الموجّه نحو العضو الّذي يحيد عن المعايير.يهدف هذا التواصل إلى إعادة العضو هذا إلى النطاق المقبول ضمن المجموعة. يطرح جانيس (Janis) مثالًا جيدًا على هذه العمليّة في دراسته الكلاسيكيّة حول العمليّات المؤديّة لإيقاف غزو خليج الخنازير في كوبا. ففي أحد الاجتماعات طرح آرثر شليزنجر (Arthur Shlesinger) -أحد مستشاري الرئيس الأمريكيّ حينها جون كينيدي- رأيًا معترضًا على خطّة الغزو بالرغم من عدم إبداء أيّ شخص آخر لمثل هذه المخاوف. بعد الاستماع لاعتراضه لبرهة أخذه روبرت كينيدي (Robert Kenedy) (أخو الرئيس جون كينيدي والنائب العامّ للولايات المتّحد حينها) للحديث على انفراد، وقال له: "قد يكون رأيك صائبًا وقد يكون خطأً، لكن الرئيس قد حزم أمره. لا تدفع بالأمر أكثر من ذلك. هذا الوقت يستدعي من الجميع أن يدعم الرئيس قدر ما يستطيعون". توسّع جانيس في عمليّة اتّخاذ القرار هذه وأسماها "التفكير الجمعيّ". عندما يرفض العضو الّذي حاد عن معايير المجموعة أن يكترث لرسائل أو نصائح باقي الأعضاء ويصرّ على كسر المعايير؛ يستجيب الأعضاء عادةً برفض وعزل هذا العضو الحائد، ويقولون له ما يعني أنّهم لن يحتملوا مثل هذا السلوك ويفضّلون أن يعيدوا المجموعة إلى التزامها. إن لم يُطرد العضو الحائد فسيكون على المجموعة أن تستمرّ في مواجهة سلوك يتعارض مع ما تؤمن بصحّته. فبدلًا من أن تتساءل أو تفحص ما يطرحه هذا العضو؛ تجد المجموعة أنّه من الأسهل -والآمَن- أن تتخلّص من التأثير الخطير له. نظام المراتب رابع ميّزة -أو خاصّيّة بنيويّة- لمجموعات العمل هي نظام المراتب، يهدف نظام المراتب (status system) إلى تمييز الأفراد وفقًا لبعض الأسس أو مجموعة من الأسس. يمكن تمييز المراتب في المجموعات وفق خمس أسس رئيسيّة هي: الحَسب والخصائص الشخصيّة والإنجاز والملكيّة والسلطة الرسميّة. جميع هذه الأسس الخمسة يمكنها تأسيس مرتبة للفرد ضمن مجموعات العمل. على سبيل المثال قد يمتلك موظّف ما مرتبة عالية لأنه ابن المدير (الحَسب) أو لأنّه الأذكى أو الأقوى (خصائص الشخصيّة) أو لأنّه الأعلى أداءً (الإنجاز) أو لأنّه الأغنى أو الأعلى أجرًا (الملكيّة) أو لأنّه المشرف أو المسؤول (سلطة رسميّة). أسباب نظام المراتب (reasons for status system). يمكن رؤية أنظمة المراتب في أغلب المنظّمات. فنحن نفرّق بين العمّال اليدويّين وغير اليدويّين وبين الحرفيّين وغير الحرفيّين وبين المديرين الأعلى والأدنى وبين المؤدّين أداءً جيّدًا وبين من يؤدّون أداءً ضعيفًا وبين الموظّفين المحبوبين وغير المحبوبين. لِمَ نفعل ذلك؟ في الحقيقة، يخدم تفريق المراتب أربعة أهداف في المنظّمات: التحفيز. ننسب المرتبة لشخص ما مكافأةً له أو حافزًا له للأداء والإنجاز. إن نُظِر إلى الإنجاز من قبل المنظّمة على أنّه سلوك إيجابيّ فسوف يسعى الأفراد لبذل جهد أكبر. التعريف. تعطي المراتب وأنظمة المراتب أدلّة مهمّة على السلوك المقبول في المواقف الجديدة. تعطي الرتب على كتف الأفراد في الجيش -على السبيل المثال- فكرة سريعة عمّن يمتلك السلطة الأعلى ومن يجب اتّباع أوامره. والألقاب في مجال العمل تخدم الهدف ذاته. التشريف. ننسب المرتبة للأشخاص عادةً لتوضيح الاحترام الواجب تقديمه لهم، فالعباءة الدينيّة على سبيل المثال تمثّل رمزًا بحدّ ذاتها لأنّ الشخص الّذي يرتديها ذو مكانة دينيّة. الاستقرار. أخيرًا، تسهّل المراتب وأنظمتها الاستقرار في البيئة المضطربة عبر إعطائها قوّة للاستمراريّة. أنماط السلطة وعلاقات الأدوار والتفاعلات بين الأشخاص، كلّ هذا يتأثّر ويُعرّف بنظام المراتب الموجود. ونتيجة لذلك يزول الكثير من الالتباس الّذي قد يكون موجودًا. يمكن تداول مرتبة فرد ما بعدّة طرق مختلفة. إحدى الطرق الشائعة في المنظّمات هي المكتب المخصّص لهذا الفرد والتصميم الخاص بهذا المكتب. يقول جون دين (John Dean) -مستشار سابق للرئيس الأمريكيّ نيكسون- حول كيفيّة إظهار مراتب الأفراد في البيت الأبيض: تسابق الجميع من موظّفي البيت الأبيض إلى منصب قريب من الرئيس، ويمكن حتّى للعين غير الخبيرة أن تلاحظ التبدّلات الحاصلة في المراتب. فيمكن رؤية النجاح والفشل في حجم ومدى فخامة تصميم وموقع مكتب الشخص. الشخص الّذي يُنقل إلى مكتب أصغر هو في طريقه نحو الفشل. في حين يدلّ انشغال النجّارين وعمّال السجّدات واللوحات الفنيّة في مكتب شخص ما على أنّه في طريقه نحو النجاح. يجتاح العمّال كل يوم البيت الأبيض مثل النمل منهمكين في نقل وتغيير أماكن الأثاث باستمرار من مكتب لمكتب عندما تتغيّر مراتب الأشخاص إلى الأعلى أو الأسفل. تعلّمنا أن نرى تغيير المكاتب على أنّه صراع بين القوى البيروقراطيّة. لم تكن النفقات تعني شيئًا لهالدمان (Haldeman) -كبير موظّفي البيت الأبيض حينها- حتّى أنّه أجابني ذات مرّة عندما كنّا نناقش إن كان يجب الكشف عن نفقات كهذه وقال "هذا المكان هو صرح وطنيّ ولا يسعني فعل شيء إن كان الرؤساء السابقون تركوه ينهار". في الحقيقة، لم تكن النفقات تخصّ أناقة البيت الأبيض بقدر ما كانت تخصّ حاجة قاطنيه لإظهار مستواهم ومرتبتهم. لا تحوي الشركات الحديثة الّتي ترغب بجذب موظّفين ماهرين مساحات عمل صغيرة يُحشر العاملون فيها ضمن مكاتب خلف أبواب عمرها عشرون سنة. إحدى الشركات في أورلاندو في الولايات المتّحدة على سبيل المثال أنفقت حوالي 330,000$ على تصميم مكان العمل الخاصّ بها. عدم توافق المرتبة (status incongruence). عدم توافق المرتبة هو جانب مثير من جوانب أنظمة المراتب في المنظّمات. تحدث هذه الحالة عندما يكون شخص ما يمتلك قيمةً مرتفعةً في منحى ما وقيمة منخفضة في مناحٍ أخرى، أو عندما تبدو سمات الشخص غير ملائمة لوظيفة معيّنة. أمثلة على ذلك: طالب جامعيّ يعمل عامل تنظيفات في الإجازة الصيفيّة أو ابن رئيس الجمهوريّة الّذي يبدأ العمل في شركة ما من الوظائف الأدنى أو مدير صغير في السنّ تتمّ ترقيّته إلى مناصب يشغلها عادةً موظّفون أكبر عمرًا. تحدث ظاهرة عدم التوافق هذه مشاكل لكلّ المعنيّين بهذه الحالة. قد يصبح الفرد معرّضًا للعدوانيّة والغيرة والرفض من زملائه في العمل، الّذين يظنّون أنّه ينال أكثر ممّا يستحق. وفي المقابل قد يُجبر الزملاء في العمل على أن يروا أنفسهم كمخفقين أو فاشلين في الإنجاز. قد يسأل الفرد نفسه مثلًا: "لم ترقّى هذا الموظف الجديد الصغير في حين امتلك أنا الأقدميّة؟" توجد طريقتان يمكن للمديرين من خلالهما أن يتجنّبوا هذه الحالة. يمكن للمنظّمة (1) أن يختاروا ترقّي فقط الأفراد الّذين تتوافق صفاتهم مع العمل ومجموعة العمل أو (2) أن يحاولوا تغيير أفكار وقيم المجموعة. لا يبدو أيّ من هذين الحلّين واقعًا أو عادلًا. لذا يجب على المنظّمات الّتي تقدّر الإنجاز العالي حقًّا (وليس الأقدميّة) أن تتقبّل احتماليّة حدوث نزاع أحيانًا بسبب عدم التوافق هذا. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } التوسع حول العالم (جدول) أنظمة المراتب في سوق العمل الياباني الإتيكيت في اليابان ليس مجرّد وصفة للاستجابة الاجتماعيّة الملائمة بل هو دليل كامل لممارسات الشخص في كلّ التفاعلات الاجتماعيّة. ومن جذور نظام التفاعل الاجتماعيّ هذا هي مرتبة الشخص ضمن المنظّمة والمجتمع. يمكن رؤية أثر مرتبة الأفراد في اليابان بعدّة طرق. فعندما يلتقي رجلا أعمال مثلًا للمرّة الأولى يتبادلان بطاقات العمل خاصّتهم قبل أن يلقوا التحيّة حتّى. وبعد قراء البطاقة بعناية يصبح كلّ منهما على معرفة بمرتبة ومنصب الشخص الآخر في الهرميّة المؤسّساتيّة وبالتالي يعرف كيف عليه أن يتصرّف. على الشخص ذو المرتبة الأدنى أن ينحني انحناءً أدنى من الشخص ذو المرتبة الأعلى. أيضًا عندما يركب أربعة مديرين سيّارة ما، تحدّد المراتب خاصّتهم أين سيجلس كلّ منهم. يظهر هذا في الشكل 9.6 حيث نرى أن المدير الأهمّ (الأعلى مرتبةً) يجلس في المقعد الخلفيّ مباشرةً خلف السائق. وبشكل مشابه يقف المدير الأدنى مرتبة بالقرب من لوحة الأزرار عند صعود أربعة مديرين إلى المصعد. في المطعم أو في غرفة الاجتماعات يجلس الأعلى مرتبةً في المكان الأبعد عن الباب في حين يجلس الأدنى مرتبةً في المكان الأقرب إلى الباب. حتّى ضمن غرفة الاجتماعات نفسها تعتبر الأريكة أعلى مرتبةً من الكرسيّ التقليديّ. الشكل 9.6 أماكن الشرف في اليابان (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). من الواضح أن المرتبة تلعب دورًا مهمًّا في المجتمع اليابانيّ (وعدّة دول شرق آسيويّة أخرى). تعتمد المرتبة أيضًا على السنّ (عامل مهمّ في ثقافة هذه المجتمعات) وهو من العوامل التي تحدّد طبيعة التصرّف والتعامل بين الأشخاص. وبالرغم من أنّ بعض هذه الممارسات قد تبدو غريبة للعالم الغربيّ فهي طبيعيّة للغاية في اليابان. يؤمن اليابانيّون في الحقيقة أن هذه الإرشادات مفيدة وتساعد على تحديد العلاقات الاجتماعيّة وتجنّب المواقف المحرجة وجعل التعاملات المهنيّة أكثر راحةً. وسواء كان هذا صحيحًا أم لا، فأنظمة المراتب هي حقيقة حياتيّة يجب أن يعلمها المديرون الغربيّون إن أرادوا أن يقوموا بعملٍ في آسيا. الفشل في فهم الأنماط الاجتماعيّة كهذه تشكّل ضررًا للمديرين الغربيّين. ترابط المجموعة الترابط هو الخاصّة الخامسة من خصائص مجموعات العمل. نعرف جميعنا مجموعات يشعر أعضاؤها بدرجة عالية من المودّة وروح الفريق والوحدة. يبدو الفرد في هذه المجموعات مهتمًّا بسلامة ورفاه المجموعة وباقي أعضاء المجموعة. يكون هناك شعور "نحن ضدّهم هم" أي يوجد نوع من التقارب والتآلف بين أعضاء الفريق الواحد. تدعى هذه الظاهرة بظاهرة ترابط المجموعة. يشير ترابط المجموعة (group cohesiveness) إلى مدى اندفاع الفرد من المجموعة للبقاء فيها. ووفقًا لشو (Shaw): " يمتلك أعضاء المجموعات ذات الترابط العالي طاقة أكبر في أنشطة المجموعات، وهم أقلّ احتمالًا لأن يتغيّبوا عن اجتماعات الفريق، كما يكونون سعيدين عند نجاح المجموعة وحزينين عند فشلها، في حين يكون أعضاء المجموعات الأقلّ ترابطًا أقلّ اهتمامًا بأنشطتها." سوف ننظر إلى منحَيَين في ترابط المجموعة. أولًّا سنلقي نظرةً على الأسباب الأساسيّة للترابط. وبعدها سنستطلع نتائجه. محدّدات ترابط المجموعة. لِم تطوّر بعض مجموعات العمل درجةً أعلى من الترابط دون غيرها؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نفحص مكوّنات المجموعة بالإضافة إلى بعض المتغيرات الّتي تلعب دورًا في تحديد مدى الترابط. يُظهر الشكل 9.7 العوامل الأساسيّة الّتي تؤثّر على الترابط وتتضمّن التالي: الشكل 9.7 محدّدات ونتائج ترابط المجموعات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تماثل المجموعة. كلّما كانت المجموعة أكثر تماثلًا بين أعضائها (أي أنّ أعضاءها يتشاركون خصائص وخلفيّات متشابهة) كلّما ازداد الترابط في هذه المجموعة. نضج المجموعة. تميل المجموعات لأن تصبح أكثر ترابطًا مع مرور الوقت. يساعد التفاعل المستمرّ بين الأعضاء على تطوير الشعور بالقرب والتجربة المشتركة. حجم المجموعة. من الأسهل على المجموعات الأصغر أن تكوّن ترابطًا أعلى وذلك قد يكون بسبب أنماط التفاعلات بين الأشخاص والتي تكون أقل تعقيدًا لديها. مدى التفاعل. تميل المجموعات الّتي تمتلك فرصةً أعلى للتفاعل بشكل منتظم لأن تصبح أكثر ترابطًا من المجموعات الّتي تجتمع أقلّ أو الّتي يكون أفرادها منعزلين أكثر. وضوح أهداف المجموعة. تستطيع المجموعات الّتي تعرِفُ تحديدًا ما الّذي تحاول إنجازه أن تطوّر ترابطًا أعلى. يعود ذلك بشكل جزئيّ إلى تشارك الإحساس بالمهمّة بين أعضاء الفريق وغياب التضارب حول المهمّة. المنافسة أو الأخطار الخارجيّة. تميل المجموعات لأن تتكاتف مع بعضها عندما تشعر بتهديد خارجيّ "فالاتّحاد قوّة". النجاح. يسهّل نجاح المجموعة في مهمّة سابقة على حدوث الترابط وانتشار شعور "لقد أنجزناها سويّةً". بعبارة أخرى، يمكن أن تؤثّر العديد من العوامل على ترابط مجموعة العمل. من غير المعروف الطريقة الّتي تحدث فيها هذه العمليّة بالتحديد، ولكن بالرغم من ذلك يجب أن يدرك المديرون وجود عوامل معيّنة لترابط المجموعات إن أرادوا أن يفهموا طبيعة عمل المجموعات في المنظّمات. الجانب الآخر من ترابط المجموعات والّذي يجب أن يفهمه المديرون هو نتائج هذا الترابط. نتائج ترابط المجموعات. كما يظهر في الشكل 9.7، يمكن تحديد عدّة نتائج لترابط المجموعة. النتيجة الأولى والأوضح هي الحفاظ على العضويّة. إن كانت جاذبيّة المجموعة أقوى من جاذبيّة المجموعات الأخرى يمكننا حينها أن نتوقّع بقاء الأفراد ضمن هذه المجموعة. أي أنّ معدّل الدوران سيكون أقلّ. بالإضافة إلى ذلك، يزوّد الترابط العالي المجموعة بسلطة واضحة على أعضاء المجموعة. تعتمد سلطة مجموعة ما على أعضائها على المردود الّذي يتوقّع الأعضاء أن يتلقّوه من هذه المجموعة بالمقارنة مع المردود المتوقّع الحصول عليه بطرق أخرى. فعندما يرى الفرد المجموعة على أنّها أساسيّة لتحقيق أهدافه الشخصيّة سيخضع حينها الأفراد لرغبة المجموعة. ثالثًا، يميل أعضاء المجموعات عالية الترابط إلى إظهار مشاركة وولاء أعلى. أظهرت عدّة دراسات أنّه كلّما ازداد الترابط في المجموعة كلّما ازداد التواصل بين أعضائها وازدادت درجة المشاركة في نشاطاتها كما انخفضت نسبة التغيّب. بالإضافة إلى ذلك يميل أعضاء المجموعات عالية الترابط إلى أن يكونوا أكثر تعاونًا وودًّا وأن يتصرّفوا بطريقة تُحسّن مستوى التكامل والتكاتف بين الأعضاء. أخيرًا، ما هو أثر ترابط المجموعة على الإنتاجيّة؟ لا يوجد علاقة واضحة هنا، بل تُظهر الأبحاث أن درجة علاقة الترابط والإنتاجيّة مرتبطة بدرجة تقبّل أعضاء المجموعة لأهداف المنظّمة، يظهر هذا في الشكل 9.8، أي عندما يرتفع الترابط وتقبّل أهداف المؤسّسة ترتفع معها الإنتاجيّة، وعندما يرتفع التقبّل وينخفض الترابط ستكون الإنتاجيّة وسطيّة، في حين تنخفض الإنتاجيّة بشكل عامّ عندما ينخفض تقبّل الأفراد لها. بعبارة أخرى من المرجّح أن ينتُجَ أداءٌ أعلى عندما يتقبّل أعضاء الفرق عالية الترابط أهداف المنظّمة. وفي هذه الحالة كلا العاملَينِ مهمّان للأداء. الشكل 9.8 ترابط المجموعة وتقبّل الهدف والأداء. (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). إدارة التغيير ترابط المجموعة في عالم صناعة السيّارات الإبداعيّ والمتغيّر بسرعة من المهمّ التفكير في التطوير والتقدّم في خضم المنافسة الكبيرة في سوق العمل. وبالنسبة لفورد (Ford) وشيفروليه (Chevrolet) اللتان كانتا تمتلكان سيّارات شهيرة جدًّا -F-150 وhybrid Volt على الترتيب- كان إيجاد طرق لتحسين سياراتهما دون أن تتأثّر مزاياها أمرًا أساسيًّا. كانت سيّارة فورد (F-150) واحدة من أكثر السيّارات مبيعًا لأكثر من 30 سنة، لكنّ تطوير الشركة لسيارتها الأكثر شعبيّةً شكّل تحدّيًا كبيرًا. في عام 2015 رغب فريق من الشركة بتصميم السيارة مع محرّك اقتصاديّ بستّة أسطوانات (EcoBoost) وهيكل كامل من الألومنيوم. كان الفريق قلقًا من أثر هذه التغييرات على السوق وأمل أن يتقبّل المستهلكون هذه التغييرات في سيّارتهم المحبوبة. بدأ التخطيط لهذا قبل 18 شهرًا وعملت عدّة فرق عمل بالتزامن مع بعضها على عدّة جوانب من المشروع. كان كلّ فريق مسؤولًا عن جزء من المشروع الكلّيّ، وكانت الفرق تجتمع بشكلٍ مستمرّ لضمان أنّهم يعملون بشكل متناسق ليصنعوا سيّارة ناجحة. أنجع الاستراتيجيات التي عادت بفائدة كبيرة في هذه الآليّة الّتي استخدمتها فورد كانت قدرة الفرق على تشارك الآراء. يعبّر بيت رايز (Pete Reyes) عن عقليّة الفريق فيقول: "تخطّى الجميع الحدود، وعادوا جميعًا بالآراء الّتي شكّلت ما نعمل عليه الآن". امتلاك فورد لترابط الفريق كان العنصر الّذي أوصلها لخطّ النهاية. ومع أكثر من ألف عضوّ في كامل الفريق استطاع الموظّفون أن ينجزوا سيّارة ناجحة حقًّا كان وزنها أقلّ من سابقاتها بـ 317 كيلوغرامًا تقريبًا، كما أضافوا عددًا كبيرًا من التحديثات الّتي جعلت السيّارة أكثر توفيرًا للوقود بمقدار 29%. "التزمنا بالهدف المشترك…. لا أظنّ أنّني سأعمل أبدًا في فريق متقارب مثل هذا الفريق مجدّدًا" هذا ما قاله رايز حول فريق مديري التطوير في هذا المشروع. ونتيجة لعملهم المترابط هذا أعلنت فورد عن أرباح بمقدار 1.9 مليار دولار في الربع الثالث بزيادةٍ بلغت 1.1 مليار دولار عند نفس الفترة من عام 2014. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Group and Intergroup Relations) من كتاب Organizational Behavior
  9. سنكمل سلسلة مقالاتنا عن السلوك التنظيمي في جُزءها التاسع في مبحثٍ مهمٍّ آخر في عالم إدارة الأعمال، ألا وهو مجموعات العمل وتنظيمها، كما نعلم فإن العمل ضمن المؤسسة يكون على هيئة مجموعات عملٍ عديدة، تتشارك مع بعضها وتتعاضد في سبيل تحقيق أهداف المؤسسة المشتركة. في خضمّ المقالات التالية في هذا الباب سنسلّط الضوء على كيفيّة إدارة العمليّات ضمن وبين المجموعات، وكيف تؤثر معايير المجموعة وأدوارها على سلوك الوظّف وأداءه، وسنستعرض كيفيّة تطوير تماسك المجموعات بما يخدم مصلحة المؤسسة العامة، وسنختتم مقالات هذا الباب بتفصيل العوائق التي تقف أمام التعاون بين المجموعات وما هي أفضل الاستراتيجيات للحد وتجاوز عقبات التعاون هذه. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية شركة EA للهندسة والعلوم والتقنيّة (EA Engineering, Science, and Technology, Inc) في عالم الأعمال الحديث من الشائع أن يُكلّف موظّف ما بدور في أكثر من فريق عمل، كما قد يُطلب من الأفراد القيام بأدوار متعدّدة تسمح لهم بالعمل ضمن عدّة فرق وعدّة مشاريع. تُقدّر الأبحاث المُجراة أنّ 81% إلى 95% من الموظّفين حول العالم يشتركون في عدّة فرق عمل في ذات الوقت. في بعض الحالات، يمتلك هذا النهج بحدّ ذاته أثرًا سلبيًّا على قدرة الموظّفين على التركيز في عملٍ مُحدّد بسبب مستوى التوتّر الكبير المُرافق لتعدّد المهام المُرهق المنوط بهم. تلعب القيادة دورًا مهمًّا في محاربة الأثر السلبيّ لهذه الظاهرة والمسمّاة عضويّة الفرق متعدّدة (multiple team memberships MTM). توظّف شركة EA للهندسة والعلوم والتقنيّة ظاهرة عضويّة الفرق المتعدّدة يوميًّا، حيث يعمل موظّفوها على ما يقارب 6 مشاريع مختلفة في آنٍ واحد. على شركة الاستشارات البيئيّة هذه (الّتي مقرّها بالتيمور، ماري لاند، الولايات المتّحدة الأمريكيّة) أن تعمل في بيئة عمل معتمدة على الفرق من أجل موازنة إدارة ومنافع أصحاب المصالح. يمكن أن يكون العمل على ستّة مشاريع سويّةً أمرًا مُرهقًا لأيّ موظّف، ولكن بنية العمل ضمن فرق مختلفة تعطي الموظّفين إحساسًا بالاستقلاليّة، سيّما إن علموا بالضبط ما الجزء المطلوب منهم من كلّ مشروع وعلامَ يجب أن يركّزوا معرفتهم ومهاراتهم في سبيل إفادة المجموعة. يتشكّل القادة طبيعيًّا ضمن المجموعات ويتولّون مهامّ متعدّدة، وهذا أيضًا مساعد جدًّا لنجاح الفريق والرضا الفرديّ للموظّف. أظهرت الأبحاث المجراة على هذه المجموعة وغيرها أنّ الموظّفين يصبحون أكثر فعاليّةً عندما يظهر القادة صفات تمكينيّة فيهم. وبالرغم من عمل الأفراد ضمن أكثر من فريق وتحت قيادة أكثر من قائد، فهم يحملون معهم هذه الصفات التمكينيّة من ذاك القائد إلى باقي المجموعات الّتي يكون فيها القائد فيها أضعف. يساعد كون الموظّف جزءًا من عدّة فرق على الرضا الوظيفيّ وبعطيهم فرصة لرؤية عدّة أنماط قياديّة ضمن المنظَمة. من المهم فهم كون هذه الآليّة الّتي تستخدمها شركة EA لمقاربة المهامّ بشكل أفضل في نهج الفرق المتعدّدة هي آليّة إيجابيّة جدًّا تساعد على تحقيق العائد الأفضل لعمل الشركة. بناءً على تحليلنا السابق للسلوك الفرديّ يمكننا الآن النظر إلى ما يحدث عندما يُوضع الفرد ضمن مجموعات لأداء المهام. سندرس هذا في الفصول الأربعة التالية. سنناقش في مقالاتنا التالية طبيعة العلاقات بين وضمن المجموعات. كما سنناقش مواضيع تصميم العمل والمؤسّسة والإنتاجيّة والكفاءة لاحقًا في سلسلة مقالاتنا. ستُقدّم لنا هذه الفصول فهمًا أوضح لبنية المؤسّسات؛ أي كيف يُؤسّسُ نظام العمل التعاوني في كلٍّ من الأفراد والفرق معًا من أجل تحقيق هدف معيّن. مجموعات العمل: نقاط أساسية تظهر البحوث الموجودة حول آليّة عمل المجموعات نتائج شبه حاسمة تدلّ على أنّ زملاء العمل يؤثّرون على سلوك الفرد تأثيرًا كبيرًا. نرى مثلًا العديد من الأفراد الّذين يقبلون بسقفٍ مُحدّد لمدخولهم عندما يعملون ضمن مجموعة لكيلا يتجاوز مدخول باقي أعضاء المجموعة؛ الأمر . كما نرى حالات أخرى يفضّل فيها الأفراد البقاء في وظيفة لا يحبّونها لمجرّد وجود أصدقائهم فيها، بالرغم من توفّر وظائف أخرى ذات دخلٍ أفضل أو ظروف عملٍ أفضل. استنتج هاكمان (Hackman) وموريس (Morris) ما يلي، ملخصّين بذلك العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع: هنالك اتفاق جوهريّ بين الباحثين وبين المراقبين لمجموعات العمل الصغيرة بأنّ أمرًا مهمًّا يحدث في تفاعل أعضاء المجموعة، وهو يؤثّر على مُخرجات الأداء. وهناك اتفاق جزئيّ حول ماهيّة هذا "الأمر": إن كان يؤثّر على الأداء سلبًا أم إيجابًا وكيف يمكن مراقبته وتحليله وقياسه. لفهم هذا "الأمر" فهمًا أوضح علينا في البدء أن نفكّر مليًّا في معنى المجموعة (group) وكيف تتشكّل وكيف تختلف المجموعات فيما بينها. ما هي المجموعة؟ إنّ مجال آليّة عمل المجموعات هو مجال غنيّ بالأبحاث والدراسات ويتضمّن تعاريف عدّة لمجموعات العمل. يمكننا على سبيل المثال أن نعرّف المجموعة وفق عدّة اعتبارات منها الإدراك، أي أنّ المجموعة توجد عندما يعُدُّ الأفراد أنفسهم مجموعة واحدة. ومن هذه الاعتبارات أيضًا البنية، ويكون هذا حسب تعريف ماك ديفيد (McDavid) وهَراري (Harari)، الّذي يقول "المجموعة هي آليّة منظّمة من فردين أو أكثر يكونان مرتبطين بما يخدم أداء وظيفة ما، ولدى هذه المجموعة جُملة من العلاقات المحدّدة بين أعضائها، ولديها أيضًا مجموعة من المعايير (norms) الّتي تنظّم عمل المجموعة وأعضائها". كما يمكن تعريف المجموعة أيضًا ضمن إطار مفهوم الدوافع بكونها "عدد من الأفراد الذي يخدم وجودهم معًا ضمن فريقٍ واحد مصالح الجميع". أخيرًا، يمكن أن نعرّف المجموعة أيضًا في سياق مفهوم التفاعلات بين الأشخاص؛ أي درجة التواصل والتفاعل بين الأعضاء على مرّ الوقت. ويمكننا أن نستنتج تعريفنا الشامل عبر دمج هذه الاعتبارات معًا فتكون المجموعة هي عدد من الأفراد الّذين يتشاركون جُملةً من المعايير ويمتلكون أدوارًا مختلفة فيما بينهم ويتفاعلون مع بعضهم سعيًا للوصول إلى هدفهم المشترك. (سنعرّف المعايير والأدوار لاحقًا في مقالاتنا). يقترح هذا التعريف منظورًا ديناميكيّا ويقودنا للتركيز على منحَيَين مهمّين في دراسة المجموعات، وهما: بنيّة المجموعة وعمليّات المجموعة. بنية المجموعة هي موضوع مقالات الباب التاسع من سلسلتنا، فين حين سنناقش عمليّات المجموعات في أجزاء لاحقة من السلسلة. أنواع المجموعات هناك نوعان أساسيّات من المجموعات: رسميّة وغير رسميّة، كما يمكن أيضًا تمييز المجموعات ضمن هذين النوعين على أساس استمراريّتها، فينتج لدينا أربعة أنواع من الموجوعات موضّحة في الجدول 9.1. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } أنواع المجموعات دائمة نسبيًّا مؤقّتة نسبيًّا رسميّة مجموعة قيادة مجموعة مهمّة غير رسميّة مجموعة صداقة مجموعة اهتمام الجدول 9.1 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). المجموعات الرسميّة (formal groups). المجموعات الرسميّة هي وحدات عمل محدّدة من قبل المنظّمة. ومن الأمثلة عليها مجموعات الأقسام (مثل مجموعة حسابات العملاء ضمن قسم المحاسبة) واللجان وفرق العمل الخاصّة بمشاريع محدّدة. هذه المجموعات تنظّمها الإدارة على أساسٍ دائم أو مؤقّت، وذلك لتحقيق مهمّة محدّدة. عندما تكون المجموعة دائمةً تُسمّى عادةً مجموعة القيادة (command group) أو مجموعة وظيفيّة، ومثال على ذلك هو قسم المبيعات ضمن شركة ما. أمّا عندما تكون المجموعة غير دائمة، فتُسمّى عادةً مجموعة المهمّات (task group)، ومثال على هذه المجموعات هو فريق عمل ترعاه الشركة بهدف تحسين تنوّع التوظيف بناءً على ما يُعرف بمصطلح "affirmative action" وهي سياسة حكوميّة في بعض الدول الكبيرة، مثل الولايات المتّحدة، تهدف لتعزيز تواجد الأقليّات والنساء ضمن القوى العاملة، وتحدّثنا عنها في مقالات سابقة. المجموعة رسميّة في كلا الحالتين، أيّ أنّ الشركة أسّستها رسميًّا لأداء وظيفة ما في إحدى مناحي العمل. المجموعات غير الرسميّة (informal groups). لدى المنظمّات عدد كبير من المجموعات غير الرسميّة بالإضافة إلى مجموعاتها الرسميّة. تظهر هذه المجموعات عادةً بسبب الاهتمامات الفرديّة والمشتركة بين أعضاء المنظّمة، وليست نتيجةً لتأسيس مؤسّساتيّ مباشر. ينضمّ الأشخاص إلى مثل هذه المجموعات بسبب الاهتمامات المشتركة أو الحاجات المشتركة أو بسبب روابط الصداقة ببساطة. تطوّر المجموعات غير الرسميّة عادةً معاييرها وأدوارها الخاصّة، كما تؤسّس قواعد غير مكتوبة لأعضائها. وثّقت دراسات علم النفس الاجتماعيّ بوضوح أهميّة دور هذه المجموعات غير الرسميّة في تقدّم أو تراجع الكفاءة المؤسّساتيّة. يمكن أيضًا تقسيم المجموعات غير الرسميّة على أساس استمراريّتها إلى مجموعات الصداقة (friendship groups) (أشخاص تحبُّ أن تكون حولهم) ومجموعات الاهتمام (interest group) (مثل شبكة النساء العاملات أو المديرين من الأقليّات). تميل مجموعات الصداقة لأن تكون طويلة الأمد في حين تتفكّك مجموعات الاهتمام عند تغيّر اهتمامات الأفراد ضمنها. أسباب الانضمام إلى المجموعات ينضمّ الأشخاص إلى المجموعات لأسباب عديدة. تخدم المجموعة عادّة عدّة أهداف في آنٍ معًا. عمومًا يمكن تمييز ستّة أسباب على الأقل للانضمام إلى المجموعات: الأمان: لدى أغلب الأشخاص حاجة أساسيّة للحماية من المخاطر الخارجيّة الحقيقيّة أو المُتَخَيّلة. تتضمّن هذه المخاطر إمكانيّة الطرد من العمل أو الشعور بالتهديد من قبل المدير أو الإحراج في موقف جديد، أو ببساطة الخوف من أن نبقى وحيدين. يمكن أن تكون المجموعات مصدرًا أساسيًّا للأمان تجاه هذه المخاطر. فكما يُقال عادةً أنّ "الأمان في الكثرة". الحاجات الاجتماعيّة: تؤكّد النظريّات الأساسيّة في الدوافع والشخصيّة -كما ذكرنا في فصول سابقة- على امتلاك أغلب الأشخاص حاجات اجتماعيّة قويّة. فهم بحاجة للتفاعل مع الآخرين وتطوير علاقات ذات معنى. فالبشر كائنات اجتماعيّة بالمُجمل. تزوّد المجموعات الأفراد ببيئة منظّمة تمكّنهم من بناء وتكوين صداقات مختلفة. تقدير الذات: يمكن أيضًا للمجموعات أن تساعد في تطوير تقدير الأفراد لذواتهم. عادةً ما يفتخر الأشخاص بانتمائهم لمجموعات اعتباريّة رفيعة المستوى (مثل مندوبي المبيعات المُختارين للعمل مع الزبائن الأعلى مستوىً، بسبب أدائهم الوظيفيّ أو أساتذة الجامعات المدعوّون لتمثيل جامعتهم في الاجتماعات الوطنيّة أو الدوليّة). مصلحة الفرد الاقتصاديّة: ينخرط الأشخاص عادةً في مجموعات سعيًا وراء مصلحتهم الاقتصاديّة. تُعدُّ نقابات العمّال والوكالات المهنيّة والمفوضيًات مثالًا حيًّا على هذه الظاهرة. تحاول هذه المنظّمات عادةً أن تحدّ من توافر المهنيّين بهدف الحفاظ على الوظائف والرواتب. الاهتمامات المشتركة: تُشكّل بعض المجموعات من أجل ممارسة اهتمامات مشتركة لأعضاء هذه المجموعة، مثل الفرق الرياضيّة للشركات ونوادي القراءة. يمكن للأفراد عبر انضمامهم لهذه المجموعات أن يحقّقوا أهدافًا ضمن هذه المجالات لا يستطيعون تحقيقها منفردين. القرب على أرض الواقع: أخيرًا، تتشكّل العديد من المجموعات لأن أماكن تواجد الأشخاص ضمن هذه المجموعة قريبة بكل بساطة. وفي الحقيقة يلعب التقسيم المعماريّ للمكاتب وترتيبها دورًا مهمًّا في ذلك. فلنفترض مثلًا طابقين من شركة ما، في الطابق الأول يمتلك كل من المديرين مكتبًا منفصلًا على شكل صف طويل من الغرف، ومقابل هذا الصفّ يوجد صفّ آخر من غرف مساعدي المديرين، هذا التقسيم سيُبطئ من تشكّل أيّ مجموعات بين المديرين أو المساعدين وذلك بسبب صعوبة التفاعل المستمرّ بين الأشخاص. أمّا في الطابق الثاني رُتِّبَت مكاتب المديرين على شكل كُتل تليها كُتل للمساعدين. سيُتيح ذلك التقسيم تفاعلًا أكبر بين الموظّفين. لا نقول هنا أنّ ترتيبًا ما أفضل من الآخر، لكننا نوضّح فحسب تأثير ترتيب المكاتب على تشكّل المجموعات فحسب. مراحل تطور المجموعات قبل أن نخوض في تفاصيل بنية المجموعات، سنتوقّف قليلًا عند مراحل تطوّر المجموعات. كيف تنمو المجموعات وتتطوّر مع مرور الوقت؟ اقترح تاكمان (Tuckman) نموذجًا لتطوّر المجموعات يتألّف من أربع مراحل تمرّ بها المجموعات عمومًّا. تسمّى هذه المراحل الأربع بأسماء مبسّطة هي التشكيل، والعصف، وتحديد المعايير، والأداء (راجع الشكل 9.2). التشكيل: في المرحلة الأولى -حين يجتمع الأفراد مع بعضهم للمرّة الأولى- يكون التركيز عادةً على تعارف الأشخاص مع بعضهم وتبادلهم المعلومات واختبار بعضهم. تسمّى هذه المرحلة بالتشكيل. يسعى أعضاء المجموعة لاكتشاف أيّ السلوكيّات بين الأشخاص مقبولة وأيّها غير مقبولة في هذه المجموعة. وفي هذه العمليّة يعتمد الأعضاء الجدد على توجيهات الآخرين لهم حول السلوكيّات المقبولة ضمن المجموعة. العصف: يمكن أن نتوقّع مستوى عالٍ من النزاع بين المجموعات (العصف) في المرحلة الثانية من تطوّر المجموعات؛ وذلك بسبب محاولة الأعضاء لترسيخ مكانتهم الخاصّة والتأثير على تطوير المعايير والأدوار في المجموعة. تُناقش هنا المشاكل مناقشةً مباشرة وتُبذل جهود لتوضيح أهداف المجموعة. تحديد المعايير: مع مرور الوقت تبدأ المجموعة بإدراك ذاتها. هنا تظهر معايير المجموعة (تشكيل المعايير) لتدلّ على السلوكيّات المقبولة. يبدأ أعضاء المجموعة بتقبّل الأعضاء الآخرين وتطوير حزمة من الأهداف الموحّدة التي تربطهم سويةً. الأداء: حالما يوافق أعضاء المجموعة على الأهداف الأساسيّة يحدّدون أدوار محدّدة للأفراد. في هذه المرحلة النهائيّة يظهر تحديد الأدوار ليخصّصوا مهمّة المجموعة بهدف تسهيل الوصول لهدفها. تركّز المجموعة انتباهها على المهمّة (الأداء). وعندما نناقش هذا النموذج من المهمّ أن نوضّح أن (تاكمان) لم يدّعي أنّ جميع المجموعات تمرّ بسلسلة المراحل هذه، بل إنّ هذا النموذج يشكّل مخطّطًا افتراضيًّا عامًّا لمساعدتنا على فهم عمليّة تشكّل وتطوّر المجموعات مع مرور الوقت. الشكل 9.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). ترجمة -وبتصرف- للفصل (Group and Intergroup Relations) من كتاب Organizational Behavior
  10. ننتقل الآن إلى فحص برامج حوافز عدّة مستخدمة في المنظّمات. بدايةً، سنناقش جدارة الأفراد النسبيّة مقابل برامج الحوافز الجماعيّة. ومن ثمّ نركّز على عدد من المقاربات الجديدة للدوافع والتعويضات. وأخيرًا نقترح عددًا من الدلائل لنظام حوافز فعّال. الحوافز الجماعية مقابل الفردية تمتلك الشركات عادةً الخيار بين العديد من خطط التعويضات وعليها أن تتخّذ القرار أيّها أنسب لوضعها. تٌقسّم أنظمة الحوافز في المنظّمات عادةً إلى قسمين، على أساس واحدة التحليل وتلقّي المكافأة، فردًا أو مجموعةً. ضمن خطط الحوافز الفرديّة يمكن تحديد عدّة مقاربات، من ضمنها التعويض المبنيّ على الجدارة (أو تعويض الجدارة) وأنظمة العلاوات المتعدّدة وأنظمة الحوافز الكميّة (يكافأ الأفراد بناءً على كمّيّة مخرجاتهم) والعمولات. وفي كلّ حالة ترتبط المكافأة ارتباطًا وثيقًا بأداء الفرد. بالرغم من أنّ أنظمة الحوافز الفرديّة تؤدّي غالبًا إلى رفع الأداء إلّا أنّ هنالك بعض التحفّظات عليها. بالتحديد كون هذه البرامج قد يؤدّي أحيانًا إلى تنافس الموظّفين بين بعضهم، ما يؤدّي لنتائج غير مرغوبة. على سبيل المثال فإنّ مسؤولي المبيعات في متجر للتسوّق والذين يعملون وفقًا لمبدأ العمولة قد يتنازعون على الزبائن ما قد يجعل الزبائن تهرب منهم. فبطبيعة الحال لا يهتمّ الزبائن مع من سيتعاملون بل كلّ ما يهمهمّ أن تكون الخدمة جيّدة. ثانيًا، النقابات عادةً تقاوم هذه الخطط لأنّهم يفضلّون أنظمة التعويضات وفقًا للمسمّى الوظيفيّ أو الأقدميّة. ثالثًا، عندما تكون أنظمة مراقبة الجودة متراخيةً؛ قد تؤدّي الأنظمّة الفرديّة مثل الأنظمة الكميّة إلى جعل الموظّفين يصبّون اهتمامهم على كميّة العمل وإهمال نوعيّته. وأخيرًا، من الضروري أن يسود مناخ من الثقة والتعاون في المنظّمة لكي تنجح هذه الأنظمة. ممارسات إبداعية في الأجور رأينا مؤخرًا عددًا من المبادرات في كيفيّة مقاربة المنظّمة لأنظمة المكافأة. هذه الجهود مصمّمة لتسهيل الدمج بين مصالح الموظّف ومصالح الشركة بطريقة ترفع من الإنتاجيّة والجودة في العمل. يمكن ملاحظة خمس ممارسات إبداعيّة في مجال الأجور: (1) خطط مشاركة الربح (2) الحوافز على أساس المواهب (3) تجميع العلاوات (4) قرارات الأجور التشاركيّة (5) برامج الحوافز المرنة. يلخّص الجدول 8.7 هذه المقاربات مع أكبر محاسنها ومساوئها: محاسن ومساوئ الممارسات الجديدة في الأجور الممارسة المحاسن المساوئ مشاركة الأرباح تربط الأجر بالأداء - تشجّع تعاون المجموعة الخطط الّتي تركّز حصرًا على الإنتاجيّة قد تؤدّي إلى تجاهل الموظّفين أهدافًا مهمّة أخرى مثل النوعيّة الحوافز على أساس المهارات قوّة عاملة أكثر مرونة ومهارة - زيادة الرضا تكاليف أعلى للتدريب والأجور تجميع الزيادات رؤية أفضل لزيادات الأجور - زيادة الرضا على الأجور تكلفة التطبيق قرارات الأجور التشاركيّة زيادة الثقة في الرضا عن قرارات الأجور - قرارات أجور أفضل مستهلكة للوقت الحوافز المرنة زيادة الرضا عن الأجور والحوافز تكلفة التطبيق الجدول 8.7 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). خطط مشاركة الأرباح (gain-sharing plans). من الشائع إعطاء المديرين والموظّفين ذوي المراتب العالية حوافز تعكس مساهمتهم في الكفاءة المؤسّساتيّة. في الحقيقة إنّ حوافز بعض مديري الشركات أكبر من رواتبهم. مؤخرًا طبقت شركات أكثرهذا المبدأ على كلّ موظّفيها على شكل خطط مشاركة أرباح (مشاركة الفوائد). يُعطى الموظّفون هنا فرصة للمشاركة في إنتاجيّة الشركة والاستفادة من زيادة الربح. وكلّما ازدادت انتاجيّة الشركة كلّما ازداد الربح. يمكن إيجاد عدّة تطبيقات لهذه الفكرة ومن ضمنها (the Sanclon Plan) و(IMPROSHARE) و(the Ruker Plan) و(Lincoln Electric Plan). وبغض النظر عن المسميّات تبقى الخطط الأساسيّة متشابهة. على سبيل المثال في خطّة (Sanclon Plan) (ربّما تكون أقدم برنامج من هذا النوع) استُخدمت ثلاث معايير استخدام: (1) كلّ قسم أو برنامج يعامل على أنه واحدة أعمال لأجل قياس الأداء (2) قياسات التكاليف المحدّدة المترافقة مع عمليّة الإنتاج محدّدة ومُوَافقٌ عليها من جميع الأطراف (3) العلاوات تُدفع لكلّ الموظّفين بناء على معادلة محدّدة مسبقًا تربط كميّة العلاوة بحقيقة اختصار النفقات خلال الفترة الزمنيّة. وتحت خطّة مثل هذه، من الواضح أنّه من المصلحة الفُضلى للموظّفين أن يساهموا في خفض التكاليف وزيادة حصّتهم من الأرباح بذلك. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } التوسع حول العالم تقديم آراء المرؤوسين في بلدان مختلفة تزداد أماكن العمل حول العالم داخل دنيا الأعمال وقد أصبح من الشائع وجود مديرين من بلد واحد يكون غالبًا بلد المقرّ الرئيسيّ والّذي يُدار منه الموظفون عن بعد. والأمر الذي يجب أن يُؤخذ في الحسبان عند الإدارة على الصعيد العالميّ هو كيف أنَّ اختلاف الثقافة له تأثير عميق على تقييمات الأداء والتفاوض والانتقاد. على سبيل المثال وفي كثير من الأحيان في الولايات المتَّحدة تعدُّ "طريقة الشطيرة (Hamburger method)" لإعطاء الآراء الناقدة مقبولة (الخطوة الأولى: تحديد المهام. وعلى هيئة مجموعة نقوم بتحديد الخطوات التقنيَّة التي ستكون مشمولة في عمليَّة التنفيذ. الخطوة الثانية: تحديد خيارات المهام. تجزئة الفريق لعدة مجموعات صغيرة. الخطوة الثالثة: دمج النتائج.) بينما تطرح البلدان الأخرى طريقة مختلفة للآراء والانتقادات. هذه الاستراتيجيَّة في هولندا وألمانيا قد تكون مُزعجة للثقافات الأخرى وعندما تطَّلع على تقنيّات البلدان الأخرى بحسب منظورك الشخصي قد تجدها غير صحيحة. الإدارة على الصعيد العالميّ تعني بأنَّك تحتاج أن تجري أبحاثًا لإيجاد الأسلوب المناسب لتقديم الآراء الّتي ستتلقَّاها واختلافات الموظَّفين الثقافية بالطريقة المثلى. على سبيل المثال كونك مباشرًا هو أمر أساسيّ عندما تتواصل مع شخص هولندي، وعلى النقيض من ذلك في إنجلترا أو الولايات المتَّحدة فتقديم النقد لا يكون مباشرًا وإنَّما بأسلوبٍ إيجابيَّ يغلّف السلبيَّ. في الدول الآسيويَّة غالبًا يتمُّ تجنُّب إعطاء الآراء من المرؤوسين أو تُقَدّم رسائل غير واضحة والهدف من ذلك هو "حفظ ماء الوجه". ومع كل هذه التعقيدات يبقى الأهمُّ هو الفهم التام للثقافة أكثر والاستيعاب الثقافيّ للموظَّفين الذين يرسلون التقارير المباشرة وأيضًا التفكير بوجهة النظر التي ستطَّلع على الآراء. الحوافز على أساس المهارات (skills-based incentives). ترتبط برامج التعويضات النموذجيّة بتقييمات العمل. وفي هذه التقييمات تُحلّل الأعمال لتقييم خصائصها ومن ثمّ يُحدّد مستوى الأجر لكل وظيفة بناءً على عوامل مثل صعوبة الوظيفة وشحّ سوق العمل. بعبارة أخرى، يحدّد مستوى الدخل بناءً على الوظيفة وليس الفرد. تفشل هذه المقاربة في تشجيع الموظّفين على تحسين مهاراتهم في العمل بسبب عدم وجود مكافأة للتحسّن. يؤدّي هذا التفكير أيضًا إلى بقاء كلّ الموظّفين في مكانهم والتقليل من إمكانيّة تنقّلهم داخليًّا بين الوظائف. ضمن برنامج حوافز على أساس المهارات (skill-based incentives) يتلقّى العمال أجرًا تبعًا لمستوى مهارتهم (أي عدد المهام الّتي يمكنهم أداؤها) بغضّ النظر عن المهام الّتي عليهم تأديتها حقًّا. أثبتت هذه المقاربة جدارتها في عدد من المؤسّسات مثل (Procter & Gamble) و(General Foods). يُشجّع الموظّفون هنا على اكتساب مهارات جديدة كما يُكافَؤون على ذلك. ما يزوّد المنظّمة بقوّة عاملة أكثر تدريبًا ومرونةً. على أيّة حال، تزداد تكاليف التعويض والتدريب ازديادًا تلقائيًّا؛ لذا فالبرنامج ملائم في حالات محدّدة فقط. تُشاهد هذه الآليّة في أغلب الأحيان على أنها جزء من برنامج جودة حياة العمل، حيث تترافق مع مجهودات إعادة تصميم الوظائف. تجميع الزيادات (lump-sum pay increases). آليّة أخرى تتلقّى بعض الاهتمام هي السماح للموظّفين بأن يقرّروا كيف (أي بأيّ كميّات) يتمنّون أن يتلقّوا زياداتهم في العام القادم. ضمن برنامج تقليديّ يتلقّى العاملون زياداتهم بمبالغ متساوية مع كلّ راتب على مدار السنة. ولكن ضمن هذه الخطة البديلة يمكن للموظّف أن يبقى على هذا الخيار أو أن يختار أن يتلقّى الزيادة كلّها في مرّة واحدة على شكل تجميع الزيادات . تسمح هذه الخطّة للموظّفين بحريّة أكبر في التصرّف في أمورهم الماليّة. فإن أراد موظّفٌ ما أن يستخدم كامل زيادات السنة لأجل إجازة في الصيف فيمكنه أن يتلقّى الزيادات كاملةً في يونيو. وإن قرّر أن يترك العمل قبل نهاية العام فسيُقتطع الجزء غير المُستحَقّ من الزيادات المقبوضة من راتبه الأخير. بهذه الطريقة يرى الموظّفون زياداتها بشكل أوضح. فيتلقّى الموظّف مثلًا زيادةً بمقدار 600$ (وهو رقم كبير) بدلًا من أن يأخذها على شكل 50$ خلال 12 شهرًا. على أيّة حال كما هو الحال مع أنظمة المكافأة المرنة التالية، التكلفة التطبيقيّة لهذه الخطّة أكبر من الطريقة التقليديّة. قرارات الأجور التشاركيّة (participative pay decisions). من المخاوف الموجودة لدى العديد من المديرين هي المدى الّذي يجب أن ينخرط فيه الموظّفون في قرارات علاوات الأجور. هذه هي مشكلة قرارات الأجور التشاركيّة. اختبرت عدّة منظّمات مؤخّرًا ضمّ موظّفين لقرارات علاوات الأجور وتبدو النتائج إيجابيّة. عبر السماح للموظّفين بالمشاركة، سواء في تصميم نظام المكافآت أو في قرارات الأجور الأساسيّة (ربّما من خلال لجنة)، عبر ذلك الأسلوب ستُتاح فُرصة الحصول على الجودة بناءً على المعلومات الأكثر. كما يمتلك الموظّفون حينها أسبابًا أقوى للثقة في عدالة القرارات. أما الجانب السلبيّ لهذا المنهج، فتتطلّب هذه المقاربة وقتًا أطول من كلّ من المدير والمرؤوسين المشاركين. يمكن الموازنة بين التكلفة والفائدة لاتّخاذ قرار حول المقاربة الّتي ستتبّعها الشركة والأنسب لها ولأهدافها. أنظمة الحوافز المرنة (flexible benefits system). حزمة الحوافز التقليديّة تزوّد جميع الموظّفين بنفس الحوافز ونفس عدد الحوافز. ونتيجة لذلك، تتَجاهل الفروقات أو التفضيلات الفرديّة تجاهلًا كبيرًا. تشير دراسة أجراها لولر إلى التنوّع في تفضيلات الحوافز. فقد يفضل الرجال الشبّان غير المتزوّجين مثلًا إجازة أطول في حين يفضّل الشبّان المتزوّجون الأجر الأعلى على الإجازات. يرغب الموظفون الأكبر سنًّا بالمزيد من الحوافز التقاعديّة في حين يفضّل الموظّفون الأصغر سنًّا المزيد من الأجر. عبر نظام الحوافز المرن (يسمّى أيضًا "نظام المقهى للحوافز") يُسمح للموظّفين ببعض الحريّة في تحديد حزمتهم الخاصّة ويمكنهم حتّى المبادلة مع بعض الضوابط. تستخدم منظّمات مثل (PepsiCo) و(TRW) و(Educational Testing Service) أنظمة مرنة. وبالرغم من وجود بعض المشاكل عند تطبيقه، فإنّ المجهود تجاهه يزيد من الرضا بين الموظّفين. لقد رأينا هنا عددًا من الحلول الإبداعيّة لمعضلة التعويضات. أيّ المقاربات هو الأكفأ لتحفيز الموظّفين؟ يصعب الإجابة عن هذا السؤال طبعًا. على أيّة حال، إحدى طرق البحث عن إجابة لهذا السؤال هو البحث عن النظام الّتي تستخدمه المؤسّسات. سألت إحدى الدراسات مديرًا مهمًّا حول أيّ من هذه النظريّات تحمل أعلى مستوى من النجاح. يعرض الجدول 8.8 الإجابات. وكما يمكننا أن نرى، التعويض على أساس المهارات والإجازات المستحقّة ومشاركة الربح كلّها تلقّت تقييمات عالية من المديرين بالرغم من كون البرامج الأخرى مدعومة أيضًا. يبدو من هذه النتائج أنّ العديد من المقاربات يمكن أن تكون مفيدة، ويعود اختيار أيّ منها هو المناسب للظروف والأهداف لكلّ منظّمة. دلائل لنظام حوافز فعال مهما كانت خطّة الحوافز الّتي اختيرت، يجب الانتباه إلى كونها مناسبة للمنظّمة هذه تحديدًا بالإضافة إلى مراعاة القوّة العاملة فيها. في الحقيقة، هنالك اختبار بسيط لتحديد كفاءة خطّة الحوافز كما يلي: هل تلفت هذه الخطّة الانتباه؟ هل يناقش الموظّفون هذه الخطّة ويفخرون بنجاحاتهم الباكرة؟ هل يفهم الموظّفون الخطّة؟ هل يمكن للموظّفين شرح آليّة عمل الخطّة وهل يفهمون ما عليهم فعله للحصول على الحوافز؟ هل تحسّن الخطّة التواصل؟ نتيجة للخطّة، هل يفهم الموظّفون مهمّة المنظّمة وأهدافها وطموحها بشكل أفضل؟ هل تُثمر الخطة عندما يجب أن تُثمر؟ هل تُدفع الحوافز لقاء النتائج المرغوبة؟ وهل تُسحب لقاء النتائج غير المرغوبة؟ هل تؤدّي المنظّمة أداءً أفضل كنتيجة لتطبيق الخطّة؟ هل ارتفعت الأرباح أو الحصّة السوقيّة أم انخفضت؟ هل نتجت أيّ أرباح بشكل جزئيّ بسبب خطّة الحوافز؟ محاسن ومساوئ الممارسات الجديدة في الأجور الممارسة المحاسن المساوئ مشاركة الأرباح تربط الأجر بالأداء - تشجّع تعاون المجموعة الخطط الّتي تركّز حصرًا على الإنتاجيّة قد تؤدّي إلى تجاهل الموظّفين أهدافًا مهمّة أخرى مثل النوعيّة الحوافز على أساس المهارات قوّة عاملة أكثر مرونة ومهارة - زيادة الرضا تكاليف أعلى للتدريب والأجور تجميع الزيادات رؤية أفضل لزيادات الأجور - زيادة الرضا على الأجور تكلفة التطبيق قرارات الأجور التشاركيّة زيادة الثقة في الرضا عن قرارات الأجور - قرارات أجور أفضل مستهلكة للوقت الحوافز المرنة زيادة الرضا عن الأجور والحوافز تكلفة التطبيق الجدول 8.8 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). إن تمكّنت خطّة جديدة أو موجودة من تخطّي هذه الاختبارات فهي غالبًا فعّالة في دفع أداء الموظّفين ويجب أن تستخدمها المنظّمة. إن لم تتخطّاها فلربّما يجب تجريب مقاربة أخرى. وعلى أساس اختبارات كهذه يمكن تحديد دلائل معيّنة لرفع كفاءة البرامج. وتتضمّن الآتي: يجب أن يكون أي نظام مكافأة أو خطّة حوافز مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالأداء قدر الإمكان. ناقشنا هذه النقطة سابقًا في مقالاتنا. يجب على برامج الحوافز أن تسمح بالاختلافات الفرديّة. يجب أن تعرف أنّ الأشخاص المختلفين يريدون مُخرجات عمل مختلفة. تبذل برامج الحوافز المرنة (مثل الّتي ناقشناها) جهدًا في سبيل ذلك. يجب على برامج الحوافز أن تعكس طبيعة العمل الّذي يتمّ وبنية المنظّمة. يعني هذا ببساطة أنّ البرنامج يجب أن يُصمّم لاحتياجات المنظّمة وبنيتها وأهدافها المحدّدة. قد تكون برامج الحوافز الفرديّة مثلًا أقلّ نجاحًا لدى العمّال النقابيّين من نجاح البرامج الجماعيّة مثل (Scanlon Plan). وُضّحت هذه النقطة في بحث لولر الّذي أشار إلى أنّ المنظّمات ذات الإدارة التقليديّة قد تُقارب نظام المكافآت بشكل مختلف عن الشركات ذات الإدارة التشاركيّة وذلك لتحافظ على فعاليّتها. وكما يُظهر الجدول 8.9 فكلا نوعي الشركات يبقى فعّالًا طالما بقي النظام المستخدم لديهم متماشيًا مع مقاربتها العامّة للإدارة. يجب أن تكون أنظمة الحوافز متماشية مع ثقافة وتقييدات المنظّمة. فعندما تكون مستويات الثقة منخفضةً مثلًا سيكون من الصعب جعل أي برنامج يعمل بكفاءة مناسبة. وفي صناعة مبنيّة على أساس الكفاءة، لن يكون لنظام المكافآت المبنيّ على الكفاءة أثر كبير على زيادة الكفاءة أكثر لأنّ ذلك قد يكون يقارب المستحيل بالنسبة للموظّفين. أخيرًا، يجب أن تكون أنظمة الحوافز مُراقبةً بحذر لضمان تطبيقها العادل ولضمان عكسها الدقيق للظروف التقنيّة والمؤسّساتيّة الحاليّة. على سبيل المثال، قد يكون من الملائم أن يُعرض على موظّفي مبيعات في متجر تسوّق حافز لبيع السلع القديمة وذلك لأنّ السلع الحديثة تبيع نفسها دون الحاجة لتسويقها. يقع على عاتق المديرين مسؤوليّة عدم اختيار نظام الحوافز الرائج أو المستخدم "في الجوار" بل الأخذ بالحسبان أوضاع وحاجات المنظّمة المميّزة عن غيرها. ومن ثمّ عبر هذا الفهم يمكن تطوير نظام مناسب وتطبيقه ليسهّل الأداء المتوجّه نحو الهدف. توفيق أنظمة المكافأة مع الأسلوب الإداري نظام المكافأة الأسلوب التقليدي الأسلوب التشاركي حوافز هامشيّة يختلف بحسب المستوى المؤسّساتيّ "نظام المقهى" - نفسه لكلّ المستويات الترقيات كلّ القرارات تتّخذها الإدارة العليا توظيف مفتوح لكلّ الوظائف - انخراط مجموعات الأقران في عمليّات القرار رموز الحالة الكثير من الرموز المخصّصة بدقّة حسب المسمّى الوظيفيّ القليل مع تركيز قليل على المستوى المؤسّساتيّ طبيعة الأجر ساعيّ أو رواتب شهريّة الكلّ رواتب شهريّة المعدل البدئيّ مبنيّ على الأداء - مرتفع بما يكفي لجذب المتقدّمين مبنيّ على المهارة - مرتفع بما يكفي لتأمين الموظّفين وجذب المتقدّمين خطة الحوافز كميّة حوافز جماعيّة وعلى مستوى المنظّمة - تجميع الزيادات سياسة التواصل انتشار المعلومات محدود بشدّة معدّلات فرديّة - بيانات إحصائيّات الأجور - كلّ باقي المعلومات معمّمة موضع اختيار القرار الإدارة العليا قريب من موضع الفرد الّذي يُحدّد أجره table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 8.9 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). ترجمة -وبتصرف- للفصل (Performance Appraisal and Rewards) من كتاب Organizational Behavior
  11. مقياس التقييم المعتمد على السلوك (behaviorally anchored rating scale اختصارًا BARS) هو مقياس حصل على اهتمام متزايد في السنوات الأخيرة. يتطلّب هذا المقياس عملًا ملحوظًا قبل التقييم لكنّه -إن تمّ بنجاح- يؤدّي لنتائج تقييميّة عالية مع موثوقيّة مرتفعة. تبدأ آليّات BARS تحديدًا عبر اختيار عمل يُوصف بسلوكيّات يمكن ملاحظتها. من ثمّ يحدّد المديرون هذه السلوكيّات حسب علاقتها بأداء أعلى أو أخفض. يظهر الشكل 8.4 مثالًا على ذلك حيث طُبّقت هذه الآليّة على أستاذ جامعيّ. وكما نرى، عند الانتقال من الأداء السيّء للغاية إلى الأداء الجيّد للغاية تزداد أوصاف الأداء أو المرتكزات السلوكيّة. عادة تُستخدم ستّة إلى ثمانية مقاييس لوصف الأداء في عمل ما. يقيّم الشكل 8.4 مهارات الأستاذ المؤسّساتيّة. يمكن أن يتعلّق مقياسنا بكفاءة تعليم الأستاذ ومعرفته بمواده ومدى إنصافه في منح العلامات. وعندما تحدّد هذه الدرجات يكون على المُقيّم فقط أن يتأكد من أنّ الفئة التي تصف ما يراه في العمل متوافقة مع تقييمات الموظّف. تمتلك هذه الآليّة عدّة فوائد مزعومة. تحديدًا، يجب أن تقلّل هذه الآليّة من الكثير من مصادر الخطأ الّتي ناقشناها سابقًا (النزعة المركزيّة والتساهل والهالة) بسبب تفكير المقيّمين بوصف كلاميّ للسلوكيّات بدلًا من فئات واسعة من السلوك، كما هو الحال في مقياس التقييم. كما تركز هذه الآليّة على السلوكيّات المتعلّقة بالعمل وتتجاهل الأقلّ تعلّقًا، مثل شخصيّة المرؤوس وعرقة وجنسه. كما قد تؤدّي هذه الآليّة إلى كون الموظّفين أقلّ اعتراضًا خلال تقييم أدائهم. أخيرًا يمكن أن تساعد BARS في تدريب الموظّفين وتطويرهم عبر تحديد المجالات التي تستدعي اهتمامًا أكبر نحوها. الشكل 8.4 مقياس معتمد على السلوك لتقييم أستاذ جامعي. المصدر: إعادة طبع مع إذن H. John Bernardin. (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أّمّا الجانب السلبيّ لهذه الآليّة فهي أنّها -كما ذكرنا- تستوجب وقتًا وجهدًا لتصميم الاستمارات قبل البدء بالتقييم الفعليّ. ولأنّ استمارة BARS تصلح لعمل واحد فقط فهي تستحقّ العناء في الوظائف الشائعة فقط. أخيرًا وبسبب كون الآليّة هذه تعتمد على الملاحظة المباشرة، فقد تملك تطبيقات قليلة في بعض الوظائف كالعلوم البحثيّة (وبعض الأحيان الإدارة) حيث يكون أغلب العمل ذهنيًّا ومن الصعب ملاحظة سلوكيّات فيه. مقاييس ملاحظة السلوك يشبه مقياس ملاحظة السلوك (Behavioral Observation Scale BOS) مقياس BARS حيث أنّ كليهما يركّز على تحديد السلوكيّات المرئيّة المتعلّقة بالأداء. لكنّه على أيّة حال أقلّ اعتمادًا على المُقيّم. يُطلب من المُقيّم عادةً أن يقيّم كلّ سلوك على مقياس من 1 إلى 5 لتحديد مدى تكرار الموظّف لهذا السلوك. ويمكن حساب تقييم أداء الموظّف في منحى معيّن عن طريق مجموع عدّد مرّات تكراره لسلوكيّات هذا المنحى. على سبيل المثال نرى في الجدول 8.3 مثالًا على استمارة تقييم قدرة مدير على تجاوز مقاومة التغيير. يجب على المُقيّم ببساطة أن يضع دائرة حول الأرقام الملائمة لوصف السلوكيّات الّتي يلاحظها ويحصل على النتيجة عبر جمع الأرقام سويّةً. إنّ آليّة BOS أسهل إعدادًا من BARS، كما أنها تسهّل قليلًا من عمل المُقيّم. رغم ذلك لا تزال هذه الآليّة حديثةً بعض الشيء ولم تلقى رواجًا كافيًا. مثال على مقياس ملاحظة السلوك للمديرين: التغلّب على مقاومة التغيير تقريبًا أبدًا تقريبًا دائمًا 1. يصف تفاصيل التغيير للمرؤوسين 1 2 3 4 5 2. يشرح ضرورة التغيير 1 2 3 4 5 1. يناقش كيف سيؤثّر التغيير على الموظّف 1 2 3 4 5 2. يستمع لمخاوف الموظّف 1 2 3 4 5 3. يطلب من الموظّف المساعدة لتحقيق التغيير 1 2 3 4 5 4. عند الضرورة، يحدّد تاريخًا لاجتماع آخر ليستجيب لمخاوف الموظّف 1 2 3 4 5 المجموع: 10-Jun 15-Nov 16-20 21-25 26-30 تحت المقبول مقبول كامل ممتاز رائع table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 8.3 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الإدارة عبر الأهداف الإدارة عبر الأهداف (management by objectives MBO) هي آليّة شائعة لتقيم الموظّفين في أعمال تمتلك مخرجات كميّة واضحة. وبالرغم من أنّ مفهوم MBO يُعد أكثر من مجرّد عمليّة تقييم (تضمين دوافع شاملة للمنظّمة والأداء وأنظمة التحكّم)، إلا أننا سنركّز هنا على تطبيقها الأضيق في تقييم أداء الموظّفين؟ تتعلّق MBO بشدّة بنظريّة الهدف للدوافع. ضمن MBO يعمل الموّظفون كلّ على حدة مع مشرفيهم لتحديد أهداف سيكونون مسؤولين عنها خلال السنة القادمة. هذا الأهداف تتعلّق وتبيّن بلغة واضحة المهام ضمن نطاق عمل الموظّف. يعرض الجدول 8.4 مثالًا على هذه الأهداف لمندوب مبيعات. وبعد فترة محدّدة من الزمن يُقارَن أداء الموظّف مع الأهداف المحدّدة مسبقًا لتحديد مدى تحقيق هذه الأهداف أو تخطّيها. تقرير تقييم MBO لمندوب مبيعات فئة الهدف الهدف الأداء الفعليّ النسبة 1. عدد مكالمات المبيعات 40 38 95% 2. عدد الزبائن الجدد الّذين تمّ التواصل معهم 10 10 100% 3. عدد شكاوى الزبائن 5 10 50% 4. مبيعات المنتج #1 10,000 قطعة 11,000 قطعة 110% 5. مبيعات المنتج #2 15,000 قطعة 14,000 قطعة 93% 6. مبيعات المنتج #3 25,000 قطعة 30,000 قطعة 120% الجدول 8.4 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). لنظام MBO عدّة محاسن. ومنها القدرة على تحسين التخطيط ورفع الدوافع بسبب القدرة على معرفة النتائج والتقييمات الأكثر عدلًا لأنّها مبنيّة على أساس النتائج وليس الشخصيّة وتحسين التزام الموظّفين عبر إشراكهم في العمليّة وتحسين مهارات الإشراف في مناحي مختلفة، مثل الإصغاء والاستشارة والتقييم، ومع ذلك فقد اُنتُقِدت MBO بسبب تركيزها على الأهداف الكميّة على حساب النوعيّة وأيضًا على إحداث الكثير من العمل الورقيّ. من الصعب مقارنة أداء الموظّفين المختلفين لأنّهم غالبًا يمتلكون أهدافًا مختلفًا. أحيانًا يكون تطبيق MBO استبداديًّا ويكون بذلك غير نافع أو حتّى مؤذيًّا. وكما نوقش في دراسة الدوافع يجب أن يتقبّل الموظّف الأهداف حتى تصبح فعّالة. وأخيرًا لينجح تطبيق MBO يجب أن يُعطى اهتمام دائم ودعم مستمر من أعلى هرم الإدارة فنظام MBO لا يدير نفسه. وبغياب هذا الدعم تفقد الآليّة شرعيّتها وتفشل في هدفها. مراكز التقييم مراكز التقييم (assessment centers) هي آليّة تقييم حديثة نسبيًّا، تتميّز مراكز التقييم من بين آليّات التقييم بأنّها تركّز على تقييم قدرات الموظّف طويلة المدى أكثر من أدائهم على مدى العام الأخير فحسب. كما تتميز بكونها تُستخدم -بشكل حصريّ تقريبًا- لدى الإداريّين. يتألف مركز التقيّيم من سلسلة من تقييمات السلوك المعياريّة المبنيّة على عدّة معطيات. وخلال فترة يومين أو 3 (بعيدًا عن العمل) يبدي مُشرفون مُدرّبون ملاحظاتهم على سلوك المدير في تجاوبهم مع تمارين مطوّرة بعناية. قد تتألّف هذه التمارين من تمارين لعب الدور أو تحليل الحالات، كما تتضمّن العمليّة مقابلات شخصيّة واختبارات نفسيّة. يعرض الجدول 8.5 مثالًا على برنامج مركز تقييم. مثال على جدول مركز تقييم من يومين اليوم الأوّل اليوم الثاني 8:00-9:00 صباحًا جلسة توجّه 8:00-10:30 صباحًا تمرين محاكاة 9:00-10:30 صباحًا اختبار نفسيّ 10:30-10:45 صباحًا استراحة قهوة 10:30-10:45 صباحًا استراحة قهوة 10:45-12:30 مساءً تمرين لعب أدوار 10:45-12:30 مساءً لعبة محاكاة إداريّة 12:30-1:30 مساءً استراحة غداء 12:30-1:30 مساءً استراحة غداء 1:30-3:15 مساءً تمرين حلّ مشاكل جماعيّ 1:30-3:15 مساءً تمرين اتّخاذ قرار فرديّ 3:15-3:30 مساءً استراحة قهوة 3:15-3:30 مساءً استراحة قهوة 3:30-4:30 مساءً خلاصة من المقيّمين 3:30-4:30 مساءً مقابلة مع المُقيّمين الجدول 8.5 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). وعلى أساس هذه التمارين يعطي المُقيّمون حكمًا على إمكانيّة الموظّف المستقبليّة في مهامه في المنظّمة. تُجمع معلومات تخصّ مهارات الموظّفين وقدرتهم على التواصل وإبداعهم ومهاراتهم في حلّ المشكلات وتحمّلهم للضغط والالتباس وقدرتهم على التخطيط. تُستخدم هذه الآليّة بنجاح بوساطة بعض من أكبر الشركات في الولايات المتّحدة مثل AT&T وIBM وGeneral Electric. تبدو النتائج من سلسلة من برامج مراكز التقييم واعدة وتحمل في طيّاتها مستقبلًا مُختلفًا في فنّ الإدارة، كما تنمو شعبيّة هذه الآليّة على أنها الطريقة الأفضل لتحديد الإمكانيّات الإداريّة المستقبليّة. على سبيل المثال، اختبرت شركة كوكا كولا في الولايات المتّحدة مراكز التقييم لاختيار إداريّيها، وبعد دراسة مفصّلة وجدت الشركة أنّ المُعيّنين بهذه الطريقة احتمال تركهم للعمل أو طردهم أقلّ بالثلث من غيرهم. وبالرغم من أنّ مراكز التقييم رفعت تكلفة التوظيف بحوالي 6% فإنّ معدل الدوران الوظيفيّ الأقل أدّى إلى توفير أكبر من تلك التكلفة. لوحظت بعض المشاكل في هذه الآليّة. وبالتحديد بسبب البيئة المتوتّرة الّتي تُوجد في مراكز التقييم، حيث يمكن أن لا يؤدّي بعض المديرون الجيّدين بالجودة التي كانوا سيؤدّون بها خارج هذه المراكز. أيضًا قد تكون التقييمات الضعيفة في هذه المراكز مُضرّة بصورة من تلقّاها، فقد يحمل الأفراد انطباع "الخاسر" لمدّة طويلة بعد ذلك التقييم السلبي. وأخيرًا هنالك بعض التساؤلات الّتي تخصّ مدى صلاحيّة وموثوقيّة مراكز التقييم حقًّا في توقع النجاح الماليّ المستقبليّ. وبالرغم من هذه المشاكل، تبقى مراكز التقييم آليّة منتشرة في بعض الشركة لأجل التطوير وتقييم الإمكانيّات الإداريّة. تطبيق الأخلاقيات مراجعة الأداء في تيسلا (Tesla) وُضعت في تيسلا -شركة السيَّارات العملاقة- معايير عالية جدًّا للموظفين. أجرت تيسلا عام 2017 مراجعة أدائها السنويَّة كما تفعل كل عام. بسبب عمليَّة المراجعة تلك تشهد الشركة مغادرات طوعيَّة وغير طوعيَّة للموظَّفين. خلال عمليَّة المراجعة يناقش المديرون مع الموظَّفين " النتائج التي أُنجزت، بالإضافة إلى كيفيَّة تحقيق تلك النتائج". تمتلك تيسلا أيضًا برنامج تقدير وتعويضات للأداء يتضمَّن مكافآت ماليَّة بالإضافة لترقيات في بعض الحالات بالتماشي مع ردود الفعل البنَّاءة. مغادرة الموظَّفين خلال فترة المراجعة ليس غريبًا على تيسلا. بأيَّة حال كان هناك عام 2017 رحيل كبير لما يقارب 700موظف ناجمة عن مراجعات الموظَّفين. إيلون ماسك (Elon Musk) الّذي عُزِل مؤخرًا من منصب رئيس ووُضِع قيد التدقيق بسبب سلوكه، *وصف التغطية الإعلاميَّة لهذه الأخبار بـ "السخيفة". قال ماسك في تصريح له "لديك صندوقين لهما نفس الكفاءة والفائدة العمليّة ولكن أحدهما أصغر من الآخر، الصندوق الأكبر سيسحق الأصغر بكل وضوح، وهذا ما يحدث مع الأفراد، لذلك يجب على الشخص الأصغر أن يتمتع بكثير من المهارة وإلَّا سيُدَمّر. وهذا سبب المعايير العالية لدينا… إن لم تكن كفاءتك عالية سوف نموت." وبالإجمال فإنَّ ما يقارب 17 بالمئة من موظفيهم قد حصلو على ترقية، نصفهم تقريبًا في مجال التصنيع. وباستمرار تيسلا في النمو وتطوير مركبات جديدة فيجب عليها أن توافق ذلك مع دفع إمكانيّاتها ودفع موظّفيها إلى حدود جديدة. مراجعات الأداء لها الأهمية القصوى في نجاح تيسلا في العمل. تحتاج الشركة الأشخاص الأفضل الذي يمتلكون المهارات الأفضل. وتستمرُّ بالنمو ومحاولة "امتصاص بركة العمل حتى تجف" لملء الشواغر في جميع مواقعها ومصانعها. مقارنة بين آليات التقييم من المهمّ التفكير في أيّ آليّات التقييم أو أي مجموعة من الآليّات ستكون الأنسب لوضع ما. وبالرغم من عدم وجود إجابة بسيطة على هذا السؤال، إلا أنه يمكننا أن نفكّر في نقاط القوّة والضعف المتعدّدة لكلّ آليّة. وهذا ما يقدّمه الجدول 8.6. من المهم أن نُبقي في بالنا أن توافق وفعاليّة آليّة تقييم معيّنة هي جزء من هدف التقييم بحدّ ذاته. على سبيل المال، إن كان هدف التقييم هو تحديد المديرين التنفيذيّين المُرشّحين فستكون مراكز التقييم أنسب لهدفنا من مقاييس التقييم مثلًا. نقاط القوة والضعف الأساسيّة لآليّات التقييم مقاييس التقييم الحالات الحرجة مقاييس التقييم المعتمدة على السلوك مقاييس ملاحظة السلوك الإدارة عبر الأهداف مراكز التقييم أبعاد ذات معنى أحيانًا أحيانًا غالبًا غالبًا غالبًا غالبًا الوقت المطلوب منخفض متوسط مرتفع متوسط مرتفع مرتفع تكاليف التطوير منخفضة منخفضة مرتفعة متوسطة متوسطة مرتفعة احتماليّة أخطاء التقييم مرتفعة متوسطة منخفضة منخفضة منخفضة منخفضة مقبوليّتها لدى المرؤوسين منخفضة متوسطة مرتفعة مرتفعة مرتفعة مرتفعة مقبوليّتها لدى المشرفين منخفضة متوسطة مرتفعة مرتفعة مرتفعة مرتفعة فائدتها في توزيع المكافآت قليلة مقبولة جيّدة جيّدة جيّدة مقبولة فائدتها في استشارات الموظّفين قليلة مقبولة جيّدة جيّدة جيّدة جيّدة فائدتها في تحديد المرشحّين للترقية قليلة مقبولة مقبولة مقبولة مقبولة جيّدة الشكل 8.6 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). وكما هو متوقّع فإنّ الطرق الأسهل والأقلّ تكلفة هي الأقلّ دقة. كما أنّها الأقل فائدة للقرارات الشخصيّة وتطوير الموظّفين. يبدو مجدّدًا أن المديرين والمنظّمات عمومًا تجني ثمار تعبها على قدر ما تبذل من جُهد وثمن. وإن كانت تقييمات الأداء تمثّل جانبًا مهمًّا من العمل المؤسّساتي، فلا بدّ أن تكون الآليّات الأكثر تعقيدًا -والأكثر استهلاكًا للوقت- مفضّلةً. زبالمقابل إن كان من الضروريّ تقييم الموظّفين بسرعة وبموارد قليلة فستكون آليّات مثل مقياس التقييم البيانيّ مناسبةً حينها. يجب أن يتخّذ المديرون قراراتهم بتوافق مع الميزانية المرصودة (من المال والوقت) والتي ينوون بذلها لأجل نظام تقييم الأداء. الآراء كما لاحظنا سابقًا، تمثّل الآراء مُتغيّرًا مهمًّا في تحديد نجاح عمليّة تحديد الهدف أو فشلها. ينطبق الأمر ذاته على عمليّة تقييم الأداء. بدون معرفة كافية للنتائج يضيع الأثر التحفيزيّ لعمليّة التقييم، ولفهم تأثير الآراء على سلوك الموظّفين في مكان العمال بشكلٍ أفضل ألقِ نظرةً إلى النموذج المطروح في الشكل 8.5. الشكل 8.5 آثار الآراء على الأداء الوظيفيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تأتي الآراء من مصادر عدّة، مثل المشرفين والزملاء ومن الفرد بحدّ ذاته. يجري بعد ذلك تقييم واعٍ لهذه المعطيات من قبل الموظّف واضعًا بالحسبان عدّة عوامل، مثل إدراكه لدقّة الآراء (مثلًا هل يعدُّ الموظّف هذه المعلومات صحيحة؟) وموثوقيّة مصدر هذه الآراء (مثلًا هل يثق الموظّف في رأي المشرف عليه؟) ورأي الموظّف في عدالة عمليّة التقييم وهل ترقى هذه الآراء لتوقّعات الموظّف (مثلًا هل يظنّ الموظّف أنّ عليه أن يؤدّي بشكل أفضل؟) بالإضافة إلى عقلانيّة معايير التقييم. إن كان واحدٌ أو أكثر من هذه المعايير سلبيًّا (مثلًا يظنّ الموظّف أنّ لم يُقيَّم بعدالة) فسيفقد التقييم مصداقيّته وقد تزيد مقاومة الموظّف لأداء المهمّة. على الجانب الآخر، عندما يتقبّل الفرد الآراء سوف يتعزّز توجّه الموظّف ومجهوده ومثابرته. لذا وبالرغم من ضرورة الآراء؛ فطبيعةُ وجودةُ الآراء هي التي تحدّد في النهاية استجابة الموظّف. أنظمة المكافأة في المنظمات بعد أن تصمّم المؤسّسة نظام تقييم الأداء وتطبقّه وتزوّد موظّفيها بآراء ملائمة تكون الخطوة التالية هي ربط النتائج الإداريّة بالمكافآت المؤسّساتيّة. تظهر الأبحاث السلوكيّة باستمرار أنّ الأداء يكون بأعلى مستوى عندما ترتبط المكافآت بالأداء. لذا وفي هذا المقال سنلقي نظرة على خمسة مناحي لأنظمة المكافأة في المؤسّسات: (1) الوظائف الّتي يخدمها نظام المكافآت (2) أسس توزيع المكافآت (3) المكافآت الداخليّة والخارجيّة (4) العلاقة بين المال والدافعيّة (5) سريّة الأجور. وظائف نظام المكافأة تُستخدم أنظمة المكافأة في المنظّمات لعدّة أسباب، كما أنها تؤثّر في العديد من الجوانب والنواحي الإدارية والعمل داخل المؤسسة مثل: جهد وأداء العمال. وفقًا لنظريّة التوقّع، من المتوقّع أن يزداد أداء ومجهود الموظّفين عندا يشعرون بأنّ المكافآت مرتبطة بالأداء الجيّد. وهكذا تخدم أنظمة المكافأة وظيفة تحفيزيّة أساسيّة. الحضور والاحتفاظ بالموظّفين. تُظهر أنظمة المكافأة أيضًا أنّها تؤثّر على قرار الموظّف في الحضور إلى العمل والبقاء في المنظّمة. ناقشنا هذا في مقالات سابقة. التزام الموظّف بالمنظّمة. وُجد أنّ نظام المكافأة يؤثّر على التزام الموظّف بالمنظّمة، وخاصّةً عبر عمليّة التبادل.#9 أي أنّ الموظّفين يطوّرون علاقات مع المنظّمات الّتي يشعرون بأنّها تهتم بهم وأنّها مُستعدة لحمايتهم. عملية التبادل هذه معروضة في الشكل 8.6. وعندما تكون حاجات الموظّف مُلبّاة وأهدافه محقّقة ضمن المؤسّسة، سنتوقّع أن يزداد الالتزام. الرضا عن العمل. وُجد أيضًا أنّ الرضا عن العمل مرتبط بالمكافآت، وذلك كما ناقشنا في الباب السابق من سلسلة مقالاتنا. حدّد الباحث المعروف في التعويضات الوظيفيّة إدوارد لولر (Edward E. Lawler) أربع نتائج تخصّ العلاقة بين المكافأة والرضا: (1) الرضا مع المكافأة هو العلاقة بين ما تلقّاه الفرد وبين ما يظنّ أنّه يجب أن يتلقّاه. (2) الرضا متأثّر بالمقارنات مع الآخرين وخاصّة زملاءنا في العمل. (3) اختلاف الموظّفين في تقديرهم للمكافآت. (4) بعض المكافآت مرضية لأنّها تؤدّي لمكافآت أخرى. الخيار المؤسّساتيّ والمهنيّ. أخيرًا، اختيار الفرد لمهنة معيّنة أو قراره بالإنضمام لمؤسّسة بعينها ضمن هذه المهنة؛ كلّ هذا يتأثر بالمكافأة الّتي يظنّ أنّها متوفّرة في المهنة أو المؤسّسة. ولإثبات ذلك ألقِ نظرة ببساطة على الإعلانات المبوّبة في صحيفتك المحليّة ولاحظ كم من إعلانات الشواغر الوظيفيّة تحدّد الأجر البدئيّ. الشكل 8.6 عمليّة التبادل بين الموظّف والمنظّمة (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). لأنظمة المكافأة في المؤسّسات نتائج عديدة على كلّ من رضا الأفراد والكفاءة المؤسّساتيّة. ولكن لسوء الحظّ يمكن بسهولة الاستشهاد بحالات حدث فيها تشويش نظام المكافأة ممّا أدّى لعقاب أداء جيّد أو تثبيط الإبداع. خذ مثلًا حالة سائق شركة (Greyhound Bus) والذي أُوقف عن العمل لمدّة 10 أيّام غير مأجورة بسبب كسر قاعدة الشركة بعدم استخدام جهاز الراديو للاتصال في الحافلة. وقد كان السائق قد استخدم الراديو لتنبيه الشرطة المحليّة بعمليّة اختطاف الحافلة مع 32 من ركّابها من قبل رجل مسلّح. اعتقلت الشرطة الخاطف وأُوقف سائق الحافلة عن العمل لكسره قواعد الشركة.#11 هذه الحوادث لن تشجّع الموظّفين على تركيز جهودهم على رفع الأداء. أسس توزيع المكافآت عدم الإنصاف الموجود في توزيع المكافآت هو واقع منتشر في العديد من المؤسّسات المعاصرة. غالبًا ما يرى الشخص علاقة قليلة بين الأشخاص الّذين يؤدّون أداءً جيّدًا مع الأشخاص الّذين يتلقّون المكافآت الأكبر. فمن الصعب الفهم كيف تعطي شركة ما لرئيسها ما بين 10$ و20$ مليون سنويًّا (كما تفعل العديد من الشركات في الولايات المتّحدة في مثالنا هذا) في حين تعطي السكرتيرات والمستخدمين أقلّ من 15,000$. كلاهما يعمل حوالي 40 ساعة أسبوعيًّا وكلاهما مهمّ لأداء المؤسّسة. هل الرئيس مهمّ أكثر من السكرتيرات بألف مرّة حقًّا كما يقترح فرق الأجور بينهما؟ كيف تقرّر المؤسّسة توزيع المكافآت المتوفّرة؟ يمكن تحديد أربع آليّات على الأقلّ. تذهب المكافآت للّذين يمتلكون سلطة أكبر في معظم الحالات (سلطة سوقيّة أو سلطة شخصيّة) إلا أننا نتجاهل هذه الحقيقة. في العديد من الشركات التي يحصل رئيسها على دخلٍ مؤلّفٍ من ثمان خانات نجد أنّ هؤلاء الأشخاص نفسهم هم إمّا ملّاك أسهم كبار في الشركة نفسها أو يمتلكون قدرات معيّنة أو معارف أو حالة معيّنة ترغب بها الشركة. وأيضًا يمكن للتهديد بالاستقالة من المديرين المهمّين أو ذوي الأداء العالي أن يؤدّي إلى ازدياد المكافآت لهم. من أشكال الانحياز الأخرى في توزيع المكافآت هو عدم الإنصاف. هنا يتلقّى كل الأفراد بنفس المسمّى الوظيفيّ نفس المكافآت (أو مشابهة على الأٌقل). المثال الأشيع هنا هو العمال المنتسبون للنقابات، حيث تكون الأجور موّحدة ومثبتّة مع علاقة صغيرة أو معدومة بالأداء الذي يقدّمونه، وبدلًا من القدرة أو الأداء تعترف هذه الأنظمة حقيقةً بالأقدميّة في علاواتها أو ترقياتها. المكافآت المبنيَّة على الفريق تزوِّد تقييمات الأداء سواء كانت مع الفريق أم فرديَّة العاملين أم الفرق المؤسّساتيَّة بمختلف الآراء. وعلى نحو تقليديّ فإنَّ تقييمات الأداء تعطينا المعلومات للمساعدة على تطوير الأفراد وزيادة الكفاءة وتحديد توقُّعات الإدارة. إنَّ تقييمات الأداء تقارن العمل المُنجز مع أهداف مُقاسة وُضعت بالاتفاق بين الموظفين والمشرفين عند بداية فترة التدريب. وعندما أصبح العمل أكثر توجُّهًا نحو الفريق أصبحت تقييمات الأداء تُقاس بكيفيَّة أداء فريق من العاملين بدلًا من كيفيَّة أداء شخص واحد لعمله. إنّ أساس نظام مكافآت التأمينات الاجتماعيّة في الولايات المتّحدة هو الاحتياج. كلّما ازداد الاحتياج ازداد مستوى الدعم. ليس من النادر أن نرى مواقف في شركات الأعمال حيث تُؤخذ الحاجة بالحسبان عند اتّخاذ قرارات الطرد من العمل؛ أي يمكن أن لا يُطرد موظّف إذا كان المُعيلَ الوحيد لعائلته. الآليّة الرابعة المستخدمة في المؤسسات هي العدالة التوزيعيّة (distributive justice). وفي هذه المقاربة يحصّل الموظّفون على مكافآتهم (أو جزء منها على الأقلّ) نتيجةً لمساهمتهم في المؤسّسة. كلّما زادت مساهمتهم (الأداء مثلًا) زادت مكافأتهم. تبرز هذه الآليّة في أنظمة الحوافز المبنيّة على الجدارة، حيث تُحَدّد الأجور والحوافز عبر مستوى الأداء. المكافآت الداخلية والخارجية يمكن تصنيف المكافآت المتنوّعة الّتي قد يحصل عليها الموظّف لقاء مساهمته من وقت وجهد إلى مكافآت داخليّة أو خارجيّة. المكافآت الخارجيّة (extrinsic rewards) هي خارج العمل نفسه وتُعطى من الخارج، أي من قبل شخص آخر (الإدارة عادةً). أمثلة على هذا النوع من المكافآت هي الأجور والحوافز والترقيات والاعتراف والمدح من الآخرين. على الجانب الآخر المكافآت الداخليّة (intrinsic rewards) تمثّل المكافآت الّتي تتعلّق بالعمل نفسه مباشرةً. وتسمّى لذلك عادةً بالمكافآت "المقدّمة ذاتيًّا" لأنّ الانخراط في المهمّة بحدّ ذاته يعطينا إيّاها. أمثلة على هذه المكافآت الداخليّة هي شعور الإنجاز والاستقلاليّة والنموّ الشخصيّ والتطور الوظيفيّ. في كتب الدافعيّة الوظيفيّة هناك جدل كبير حول إمكانيّة وجود علاقة متبادلة بين نوعي المكافآت هذين، فقد قيل في بعض الأبحاث أنّ المكافآت الخارجيّة تميل لأن تُزيح جانبًا بعض آثار المكافآت الداخليّة الإيجابيّة، الأمر الذي قد يقود لسلوك غير أخلاقيّ. فلنفترض مثالًا أن أحد الأطفال من جيرانك يترجّاك بشكل مستمر لكي تسمح له بأن يغسل سيّارتك، فهذه المهمّة تحمل تشويقًا بالنسبة لطفل صغير. الآن تخيّل أنّك كنت يومًا بحاجة ماسّة لغسيل السيّارة لكنّ الطفل كان مشغولًا حينها، ماذا ستفعل؟ ستعرض عليه بعض المال لقاء الغسيل هذه المرّة. ماذا تظنّ سيحدث الآن عندما تطلب منه أن يساعدك المرّة القادمة في غسيل السيّارة مجّانًا؟ بعبارة أخرى، ترتبط المكافآت الخارجيّة مثل الأجر ارتباطًا وثيقًا بالأداء (ما يسمّى بعلاقة الأداء-المكافأة) ويمكن أن تنخفض الدافعيّة الداخليّة (intrinsic motivation)، وهي الرغبة لأداء مهمّة ما، لأنّك تستمتع بها. أيضًا من المهمّ أن تُبقي في بالك أنّ تطبيق المكافآت الخارجيّة من مصادر خارجيّة يعني اعتماد كفاءة هذه المكافآت على دقّة وعدالة المراقبة وتقييم والإدارة. قد يكون التطبيق مُكلفًا وقد لا يكون توقيت الأداء متقاربًا مع توقيت المكافأة. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدّي جيّدًا في مهمّة ما، ولكن لا تترك المكافأة الخارجيّة أثرًا كبيرًا وذلك إن لم يكن هناك طريقة لأن يُلاحظ هذا الأداء ويقيّم ويسجّل ويُكافئ ضمن فترة منطقيّة. أمّا المكافآت الداخليّة فهي نتيجة لمراقبة الذات وتقييمها وبالنتيجة تكون هذه المكافآت أقلّ تكلفةً وأكثر كفاءةً عند التطبيق. على سبيل المثال، إن لم يلاحظ أحد آخر أداءك الاستثنائيّ أو لم يكافِئه أحد، لا يزال بإمكانك أن تُكافئ نفسك عبر إطراء ذاتك أو عبر إحساس الرضا لتخطّيك ذلك التحدّي. تطبيقات هذه المفاهيم ستتوضّح عند استكشاف طرق إغناء أعمال الموظّفين. المال والدافعيّة: نظرة عن قرب يركّز جدل متكرّر بين المديرين على قضيّة ما إذا كان المال دافعًا أساسيًّا. يقول البعض أنّ معظم السلوكيّات في المنظّمات مدفوعة بالمال (أو على الأقلّ عوامل ماليّة). في حين يقترح آخرون أن المال هو عامل واحد فحسب من عدّة عوامل تدفع الأداء. وأيًّا كان الجواب الصحيح فمعظمنا يعرف أنّ المال يمتلك نواحي تحفيزيّة مهمّة على العديد من الأشخاص وفي العديد من المواقف. في الحقيقة، يخدم المال وظائف مهمّة عدّة في العمل. وهذا يتضمّن كونه (1) هدفًا أو حافزًا (2) مصدرًا للرضا (3) أداة للحصول على مخرجات مرغوبة أخرى (4) معيارًا للمقارنة لتحديد المكانة أو القيمة النسبيّة (5) معزّزًا شَرطيًّا يرتبط تلقّيه بمستوى معيّن من الأداء. ورغم ذلك تخبرنا التجربة أنّ كفاءة الأجر عل أنّه دافع تختلف في الحقيقة. لدى البعض الأحيان تكون هناك علاقة مباشرة بين الأجر والجهد، في حين لا نجد هذه العلاقة في حالات أخرى. لم ذلك؟ يقترح لولر أنّ ظروفًا محدّدة يجب أن تتواجد ليكون الأجر دافعًا قويًّا: يجب أن تكون مستويات الثقة بين المديرين والمرؤوسين عالية. يجب أن يكون الأداء الفرديّ قابلًا للقياس بدقّة. يجب أن تكون مكافآت الأجور لذوي الأداء العالي أعلى بشكل ملحوظ من ذوي الأداء السيّء. يجب أن تكون النتائج السلبيّة للأداء الجيّد أقل ما يمكن أو حتى معدومة. تحت هذه الشروط يُوجَد مناخ أو ثقافة يؤمن فيها الموظّفون أنّ العلاقة الحقيقيّة بين الأداء والمكافأة موجودة حقًّا. وعند وجود هذا الإدراك (وبفرض أن المكافأة ذات قيمة للعاملين) نستطيع أن نتوقّع ارتفاع الأداء. سريّة الأجور تبدو سريّة الأجور أمرًا متّفقًا عليه في المنظّمات وخاصّة بين الإداريّين. حيث يُقال أنّ الأجر هو أمر شخصيّ وأنّنا يجب علينا أن نحترم خصوصيّة الآخرين. على أيّة حال توجد بعض الأدلّة الّتي تقترح وجود بعض التأثيرات السلبيّة للسريّة هذه. في البداية، لطالما وُجد أنّ غياب المعرفة الحقيقيّة يجعل الأشخاص يميلون للمبالغة في تقدير أجور زملائهم والموظّفين الأعلى منهم في الهرميّة الوظيفيّة، ونتيجةً لذلك يُفقد الكثير من القدرة التحفيزيّة لنظام المكافأة. حتّى لو كان الموظّف يتلقّى زيادة كبيرة في أجره، فقد يشعر بعدم الإنصاف بمقارنته مع ما تلقّاه الآخرون. هذه المشكلة مطروحة في نتائج دراسة أجراها لولر، فيقول فيما يخصّ أثر سريّة الأجور على الدافعيّة: "بغض النظر عن الأداء الفردي الجيّد للفرد شعر أنّه تلقّى أقلّ من متوسط العلاوات الممنوحة. هذه المشكلة كانت شديدةً بالتحديد مع الأشخاص ذوي الأداء العالي لأنّهم يعتقدون أنّ أدائهم الجيّد لا يتلقّى ما يستحقه من مكافأة. لم يعتقدوا بأنّ الأجر كان حقيقةً مبنيًّا على الجدارة. وهذا الأمر مثير للسخريّة لأنّ أجرهم كان يعكس حقًّا أداءهم…. لذا حتّى لو كان الأجر مرتبطًا بالأداء، لم يكن هؤلاء الأفراد مُحفّزين لأنّه لم يستطيعوا رؤية هذا الارتباط بسبب عدم قدرتهم على مقارنة مكافآتهم بزملائهم في العمل. تؤثّر سريّة الرواتب على الدافعيّة عبر الآراء المأخوذة من المرؤوسين. أظهرت عدّة دراسات قِيمة هذه الآراء في رفع الأداء (راجع الباب السابق من السلسلة). المشكلة للمديرين هي أنّ المال يمثّل أحد أهمّ أشكال هذه الآراء، وسريّة الأجور تُلغي هذه الآراء تمامًا. عندما تكون المعلومة حول الأجور متاحة للجميع (أو على الأقلّ عندما يُعرف مجال النسب المئويّة للزيادات لكلّ مسمّىً وظيفيّ) يشعر الموظّفون باعتراف أكبر لقاء أدائهم المُرضيّ ويتحمّسون أكثر لإكمال مهامهم. من الأسهل إرساء شعور بالإنصاف في الأجور والثقة في نظام تطبيق الأجور. على الجانب الآخر، يمكن لنشر الأجور والعلاوات أن تُحدِث الغيرة بين الموظّفين والضغط على المديرين لتخفيف الشعور بعدم الإنصاف في النظام. لا يوجد جواب صحيح فيما يخصّ ما إذا كانت الأجور يجب أن تبقى سريّة أم لا. تكمن الفكرة في أن لا يقتنع المديرون بصحّة أحد هذين الاحتمالين فحسب. وبدلًا من ذلك يجب أن تُعطى النتائج الممكنة عن كل خيار فكرةً كافية في كل موقف في المنظّمة. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Performance Appraisal and Rewards) من كتاب Organizational Behavior
  12. سنتابع رحلتنا الفريد في سلسلة مقالاتنا عن التنظيم السلوكي ونخوض في الباب الثامن منها وفي عنوان عريضٍ مهم وهو مدح الأداء والمكافآت، في خضم المقالات التالية في هذا الباب سنتحدّث عن كيفية استخدام تقييمات الأداء بكفاءة وما هي الممارسات التي تُستخدم في عملية التقييم، كما سنتطرّق إلى كيفية إعطاء المديرون الآراء لمرؤوسيهم وكيف تختار المؤسسات أفضل نظام تقييم بالنسبة لهم، أخيرًا سنُعرّج على مفهوم الحوافز والمكافآت وكيفية توظيفها بشكل فعّال من قبل الإداريين. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } استكشاف المهن الإدارية مقابلان لتقييم الأداء "شكرًا لقدومك جانيت. كما تعلمين إنَّه هذا الوقت من السنة مجدّدًا. لقد كنت أراجع استمارة تقييم الأداء هذه وقد كتبت تقييمي فيها. أودُّ منك أن تلقي نظرًة عليها ثمَّ توقِّيعها". ألقت جانيت نظرة على تقييماتها، والتي كانت جميعها تقريبًا ضمن المجال "المُرضي". حتى فئة الجدارة مُيّيزت بعلامة "مُرضية"، رغم أنَّ جانيت كانت تأتي لدوامٍ إضافي في ثلاث مناسبات مختلفة لتغطّي غياب عاملين في مجموعتها كانوا غائبينلأسباب مختلفة. ذكرت جانيت هذه القضيَّة لرئيسها كين. "حسنًا جانيت، أنت محقَّة وهذا تحديدًا ما كنت أتوقَّعه من الموظّفين لدي. كما تعلمين إنَّها سنتك الأولى هنا ولا تستطيعين الوصول للقمَّة بقفزة واحدة. ولكنَّني معجب بأسلوبك وإذا حافظت عليه من يدري مالترقيات التي قد تحصلين عليها". غادرت جانيت بعد أربعة وعشرين دقيقة من بداية المقابلة محتارةً ومحبطةً. لقد عملت بجدّ خلال سنتها الأولى. في الواقع لقد عملت فوق طاقتها في عدة مناسبات، لكنَّها الآن مرتبكة أكثر من أيِّ وقت مضى حول الشيء المتوقَّع منها وما الذي يُعدُّ أداءً جيِّدًا. "ربّما العمل بجدّ لا يأتي بثماره". قبل أسبوعين من الموعد المقرّر للمقابلة طلبت ماري من رون أن يراجع أهدافه وإنجازاته في الشهور الستِّ الأخيرة، وأن ينتبه لأي تغييرات كبيرة في عمله قد حدثت خلال تلك الفترة. وفي الوقت الحالي سحبت ماري الملف الذي سجّلت فيه بشكل دوري حوادث معيَّنة، إيجابيَّة وسلبيَّة، متعلّقة بعمل رون خلال الشهور الستِّ الأخيرة. كما راجعت أيضًا الأهداف التي كانوا قد وضعوها معًا في نهاية المراجعة الأخيرة. وفكرت مليًّا ليس فقط بالأهداف المحتملة للشهور الستِّ المقبلة وإنَّما أيضًا بالاحتياجات التطويريَّة والأهداف على المدى البعيد التي قد تكون ملائمة لرون. في يوم المقابلة جاء كلٌّ من ماري ورون بتحضيرٍ جيِّد لمراجعة الشهور الستَّة الأخيرة وللتفكير ووضع الخطط المتعلِّقة بفترة الأداء المقبلة وما بعدها. استغرقت المقابلة ما يقارب الساعتين. وبعد النقاش الصريح حول أداء رون السابق ورأي الطرفين حول الأهداف التي حقَّقها أو لم يحقِّقها رون في تلك الفترة بدؤوا بالتركيز على ما يجب تحقيقه في المستقبل. دفعت المقابلة كلا الطرفين لإحداث تغييرات في تقييماتهم الأصليَّة، وأعطتهم أفكارًا حول الأهداف المستقبليَّة. وعندما انتهت المقابلة غادر رون بدافع وثقةٍ أكبر من السابق، على الرغم من وجود بعض نقاط الضعف في عمله والتي كان بإمكانه تحسينها، إلا أنه كان واثقًا بأنه سيمتلك مستقبلًا باهرًا أمامه إذا تابع الاندفاع والعمل بجد. أنظمة تقييم الأداء تقييمات الأداء (performance appraisals) هي إحدى أهمّ نواحي الإدارة وإحدى أكثر الأدوات التي يُساء استخدامها. لدى معظمنا انطباعٌ ضيّق مُسبق حول مفهوم تقييم الأداء والذي يقتصر على أن هنالك مدير يقيّم مرؤوسيه وموظّفيه بأسلوب معيّن. ولكن بدأت التقييمات تتضمّن -بشكل متزايد- تقييم المرؤوسين لمديرهم على شكل استطلاعات أو ما بات يُعرف باسم (360 feedback). وسواء كان التقييم يُجرى من قبل المرؤوسين أم الزملاء أم المديرين، فإنّ العمليّة بذات نفسها ضروريّة لمجرى الحياة فيأي مؤسسة. تزوّد أنظمة تقييم الأداء المؤسّسات بطرقٍ للتقييم الممنهج للموظّفين عبر عدّة مناحٍ للأداء لضمان حصول الشركة على ما تريده (وتدفع ثمنه). فهذه الأنظمة تزوّد المديرين والموظّفين بآراء قيّمة وتساعد في تحديد من يستحق الترقية، كما تساعد في تحديد المشاكل الموجودة. على أيّة حال تبقى هذه التقييمات بلا جدوى إن لم تترافق مع نظام إبداء آراء فعّال يضمن للموظّفين الحقّ في إيصال رسائلهم حول الأداء. تمثّل أنظمة المكافأة قوّة دافعة مهمّة في المؤسّسات، ولكن هذا لا يكون صحيحًا إلّا في حال كون هذه الأنظمة عادلة ومرتبطة بالأداء. ولأنّ هناك العديد من المقاربات لتقييم الأداء؛ ويجب أن يكون المديرين واعين لمحاسن ومساوئ كلّ منها. وفي المقابل سيساعد فهم المديرين لأنظمة المكافأة فهمًا صحيحًا على اختيار النظام الأنسب لأهداف وحاجات المؤسّسة. تخدم أنظمة تقييم الأداء عدّة وظائف بالغة الأهميّة للمديرين. ولكنّ آليّات التقييم المتبّعة اليوم ليست بلا أخطاء. يجب على المديرين أن يستمروا بالاطّلاع على التطوّرات الحديثة في أنظمة المكافأة والتعويض لكي يتمكّنوا من تعديل أنظمتهم الحاليّة عند وجود بديل ملائم. من المسؤوليّات الرئيسيّة للمدير أن يرعى ويطوّر مرؤوسيه. في الحقيقة، يُقال أحيانًا أنّ كلّ مدير هو في الواقع مدير موارد بشريّة بشكلٍ أو بآخر. وهذا صحيح سيّما في ما يتعلّق تقييم ومكافأة المرؤوسين. ينخرط المديرون دائمًا في تدريب وتطوير الموظّفين ومراقبة أدائهم وتزويدهم بالآراء وإعطاء المكافآت. في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا ستفحص ثلاثة مناظير منفصلة لعمليّة تقييم الأداء والمكافأة. كما يظهر الشكل 8.2 تنتقل هذه العمليّة من تقييم أداء الموظّف إلى تزويده بالآراء الملائمة والبنّاءة إلى تحديد المكافآت التقديريّة. فعندما يتم تقييم الجهد والأداء بدقّة ومكافأتهما بالشكل المناسب، من المتوقّع أن نرى أداءً أفضل وأكثر ثباتًا. في المقابل، عندما يحدث تقييم الأداء بشكل متقطّع، أو عندما يكون نظام المكافآت سيّء التطبيق، سنرى أداءً أقلّ. سنبدأ النقاش بإلقاء نظرة على طبيعة التقييمات. سنبدأ بفحص ثلاثة مناظير لأنظمة تقييم الأداء: (1) استخدامات تقييم الأداء (2) مشاكل في تقييمات الأداء (3) طرق لتخفيف الأخطاء في نظام التقييم. ستقدّم هذه النظرة العامّة أساسًا لدراسة آليّات محدّدة لتقييم الأداء. يمكن للمهتمّين بمعلومات تفصيليّة أكثر حول أنظمة تقييم الأداء أن يطّلعوا على الكتب الخاصّة بالإدارة الفرديّة أو التعويضات. الشكل 8.2 عمليّة المكافأة وتقييم الأداء (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). استخدامات تقييمات الأداء تستخدم تقييمات الأداء لأسباب متعدّدة في أغلب المؤسّسات. تتنوّع هذه الأسباب من تحسين الإنتاجيّة للموظّفين إلى تطوير الموظّفين أنفسهم. هذه الاستخدامات موثّقة بشكل جيّد في دراسة أُجريت حول سبب استخدام الشركات لتقييمات الأداء. والسبب الأبرز لاستخدام المؤسّسات لتقييمات الأداء هو التعويضات والآراء حول الأداء. الاستطلاع المباشر مع الموظفين (feedback to employees). تزوّد تقييمات الأداء الموظّفين بآراء مديريهم حول كمّ ونوعيّة أدائهم في العمل. بدون هذه المعلومات سيمتلك الموظّفون معرفة قليلة عن جودة أدائهم في عملهم وعن كيفيّة تحسينه إن أمكن. تطوير الذات (self-development). يمكن أن تساعد تقييمات الأداء التطوير الذاتيّ للموظّفين. يطّلع الأفراد من خلالها على نقاط قوّتهم وضعفهم كما يراها الآخرون ويمكنهم أن يُطلقوا برامج تطوير الذات (راجع النقاش حول برامج تطوير الذات السلوكيّة). أنظمة المكافأة (reward systems). يمكن أيضًا للتقييمات أن تشكّل أساسًا لأنظمة المكافأة في المؤسّسات: بالتحديد خطط التعويضات المبنيّة على الجدارة. القرارات الفرديّة (personnel decisions). قد تخدم تقييمات الأداء أيضًا الجوانب الفرديّة. فيمكن أن تكون مفيدة في اتّخاذ القرارات الشخصيّة مثل الترقية والنقل والفصل. يمكن للمديرين أن يتّخذوا قرارات بناء على المعطيات حول المواهب الفرديّة والتقصيرات الموجودة. كما تساعد أنظمة التقييم الإدارة على تقييم كفاءة اختياراتها. إن أدّى الموظّفون المعيّنون حديثًا أداءً سيّئًا فعلى المديرين أن يشكّكوا فيما إذا تمّ توظيف أشخاص مناسبين منذ البداية. التدريب والتطوير (training and development). أخيرًا، يساعد التقييم المديرين على تحديد المجالات التي تعاني من نقص المهارة أو الأداء الحالي (أو المستقبلي) لدى الموظفين فيها. وفي هذه الحالات، يمكن تأسيس برامج تدريب جديدة أو معدّلة لتطوير موارد الشركة البشريّة. من الواضح أنّ أنظمة التقييم تخدم العديد من الوظائف في المؤسّسات. وفي ضوء أهميّة هذه الوظائف فمن المهمّ ضمان الدقّة والعدل في نظام التقييم. توجد العديد من أنظمة التقييم. وهي من مهمّة المدير أن يختار الآليّة أو مجموعة الآليّات الّتي تخدم حاجات المؤسّسة (ومحدّداتها) بأفضل شكل. وقبل الحديث عن هذه الآليّات المتعدّدة فلنلقي نظرة على بعض من أهمّ المشاكل والأخطاء الشائعة لعدد من هذه الآليّات. مشاكل في تقييمات الأداء يمكن تحديد عدد من المشاكل التي تشكّل تهديدًا على قيمة آليّات التقييم. تخصّ معظم هذه المشاكل مسائل الصلاحيّة والموثوقيّة للأدوات أو الآليّات بحدّ ذاتها. الصلاحيّة (validity) هي مدى قياس الأداة الفعليّ لما يجب عليها قياسه. أمّا الموثوقيّة (reliability) فهي مدى إنتاج الأداة لنفس النتيجة في كلّ مرّة تُستخدم فيها. يمتلك نظام تقييم أداء جيّد عادةً مستويات مرتفعة من الصلاحيّة والموثوقيّة، وإن لم يكن كذلك فقد ينتج عددًا من المشاكل في استخدامه (وحتّى في قانونيّته). من الممكن تحديد مصادر شائعة للأخطاء في أنظمة تقييم الأداء، منها: (1) خطأ النزعة المركزية (2) خطأ الصرامة أو التساهل (3) تأثير الهالة (4) خطأ الماضي القريب (5) التحيّزات الشخصيّة. خطأ النزعة المركزيّة (central tendency error). لطالما وُجد أنّ المشرفين يقيّمون أغلب موظّفيهم ضمن نطاق ضيّق واحد. بغض النظر عن أدائهم الحقيقيّ فيفشل المُقيّم في تمييز الفروقات المهمّة بين أعضاء المجموعة ويجمع الكلّ في فئة "متوسّطة". يسمّى هذا خطأ النزعة المركزيّة وهو ظاهر في الشكل 8.3. باختصار، خطأ النزعة المركزيّة هو الفشل في تمييز الأداء الجيّد جدًّا أو السيّء جدًّا. الشكل 8.3 أمثلة على خطأ النزعة المركزيّة وخطأ الصرامة وخطأ التساهل (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). خطأ الصرامة أو التساهل (strictness or leniency error). توجد مشكلة مماثلة في التقييم عندما يكون المشرف مُفرطًا في الصرامة أو في التساهل أثناء التقييم (راجع الشكل 8.3) نسمع في قاعات الجامعات مصطلح "مصحّح صعب" وصارم أكثر من بعض أساتذة، أو نسمع بالعكس "علامة ممتاز للجميع". قد يحدث وضع مماثل في مكان العمل حيث يرى بعض المشرفين أنّ أغلب المرؤوسين لا يحقّقون معاييرهم المرتفعة أو بالعكس يرون الأغلبيّة تستحقّ تقييمًا مرتفعًا. وكما هو الحال في خطأ النزعة المركزيّة فإنّ خطأ الصرامة (strictness error) وخطأ التساهل (leniency error) يؤدّيان للفشل في التمييز الصحيح بين الأداء الجيّد والأداء السيّء وبدلًا من ذلك يُقيّم الجميع ضمن فئة واحدة. تأثير الهالة (halo effect)، يظهر تأثير الهالة عندما يعطي المشرف نفس التقييم للجوانب والمهارات المختلفة للفرد نفسه. على سبيل المثال، الموظّف الّذي يُقيّم على أنّه فوق المتوسط في كمّية الأداء قد يُعطى نفس التقييم في نوعيّة الأداء والكفاءة والحضور والجاهزيّة للترقية. بعبارة أخرى، لا يمكن للمشرف أن يفرّق بين الفئات المختلفة من جوانب التقييم ويعطي عوضًا عن ذلك علامة واحدة شاملة. أنواع الانحياز هذه مبنيّة على كيفيّة إدراكنا للآخرين. فيحدث تأثير الهالة عندما يمتلك المدير نظرةً إيجابيّة للغاية عن موظّف ما. ويمكن أن يؤثّر هذا على حياديّة الآراء، حيث يمنح المديرون الموظّفين تقييمًا عاليًا ويفشلون في تمييز المجالات الواجب تحسينها. كما نميل عادةً لتأكيد اعتقاداتنا المسبقة عن الأشخاص -إيجابيّةً كانت أم سلبيّة- وذلك في كيفيّة تفسيرنا أو تذكّرنا لأدائهم، وهو ما يعرف بالانحياز التأكيديّ. على سبيل المثال، قد تمتلك المديرة اعتقادًا مسبقًا أنّ موظّفا ذكرًا هو أكثر حزمًا. قد يسبّب هذا استرجاعها للمواقف الّتي كان فيها حازمًا، في اجتماع ما مثلًا. ومن الناحية الأخرى تمتلك اعتقادًا مسبقًا أنّ موظّفة أنثى تفتقد الحزم فتتناسى مواقفها الحازمة في اقتراحاتها ومفاوضاتها. إنّ تأثير الهالة عادة ما يكون نتيجة لامتلاك الأشخاص انحياز التشابه لفئات معيّنة. فنحن نميل عادة لأنّ نفضل الأشخاص الشبيهين بنا ولأن نثق بهم. قد يمتلك هؤلاء المشابهون ميلًا مماثلًا لنا في رياضة معيّنة أو قد يذكّروننا ببدايات مسيرتنا المهنيّة، والتفضيل الناتج عن هذا الانحياز قد يعطي بعض الموظّفين أفضليّة غير مستحقّة على الآخرين. قد يؤثّر هذا على الفريق لدرجة تجعل هؤلاء الموظّفين المفضّلين يحصلون على تدريب أكثر ونصائح أكثر وبالتالي فُرصًا أكبر للتقدّم. خطأ الماضي القريب (recency error)، يركّز المُقيّمون أحيانًا على أحدث سلوك للموظّف أثناء عمليّة التقييم. يعرف هذا باسم خطأ الماضي القريب (recency error). أي أنّ المدير قد يعطي أداءً معيّنًا جرى خلال الأشهر أو الأسابيع الماضية تأثيرًا إيجابيًّا ضاغيًا في غير وقته وذلك أثناء عمليّة تقييم عن العام بأكمله ويتجاهل باقي السلوكيّات قبله. وإن لاحظ الموظّف حدوث هذا التصرّف فقد يتراخون في الأشهر الأولى من عمليّة التقييم ومن ثمّ يبذلون جهدًا إضافيًا في الفترة السابقة للتقييم. تؤدّي هذه السلوكيّات إلى أداء غير متوازن وتساهم في سلوك سنُطلق عليه مصطلح "التلاعب". الانحيازات الشخصيّة (personal biases). أخيرًا، من غير النادر أن نجد موقفًا يسمح فيه المسؤول لتحيّزاته الشخصّية أن تؤثّر على تقييماته. تتضمّن هذه الانحيازات الإعجاب أو عدم الإعجاب بشخص ما، وحتّى انحيازات عرقيّة. يمكن أن تتداخل الانحيازات الشخصيّة مع عدالة ودقّة عمليّة التقييم وقد تكون غير قانونيّة في الكثير من الحالات. تخفيف الأخطاء في تقييمات الأداء طُوّر عدد من المقترحات حديثًا لتقليل أثر الانحيازات المتعدّدة والأخطاء الممكنة على عمليّة تقييم الأداء. عندما تُخفّض الأخطاء تتوفّر معلومات أدقّ للقرارات الشخصيّة وتطوير الذات. تتضمّن طرق تقليل الأخطاء ما يلي: التأكد من أنّ كلّ بعد أو عامل في استمارة التقييم يمثّل نشاطًا منفصلًا بدلًا من مجموعة أنشطة. تجنّب استعمال مصطلحات مثل "متوسّط" لأنّ المُقيّمين المختلفين يعرّفون المصطلحات هذه بشكل مختلف. تأكّد من أنّ المُقيّمين يراقبون المرؤوسين بشكل منتظم خلال فترة التقييم. ولا ضير في تدوين الملاحظات أثناء فترة التقييم حتى تتسنى فُرصة دراستها دراسة شاملة أثناء التقييم النهائي. ابقِ عدد الأشخاص الّذين يقيّمهم شخص واحد منطقيًّا. فعندما يكون على الشخص أن يقيّم مرؤوسين كُثر يصبح التمييز بينهم أصعب. يزيد إرهاق المُقيّمين بازدياد عدد من يتمّ تقييمهم. تأكد من أنّ أبعاد التقييم واضحة وذات معنى ومفهومة وتتعلّق بأداء العمل الجيّد. درّب المُقيّمين على تمييز مصادر خطأ عدّة وفهم المنطق خلف عمليّة التقييم. يمكن باستخدام آليّات كهذه أن تحدث تقييمات أفضل للموظّفين وتحمل معنىً أكبر لكلّ من الموظّفين والمؤسّسة. آليات تقييم الأداء تستخدم المنظّمات طرق متعدّدة لتقييم الأشخاص. سنلخّص فيما يلي عدّة آليّات شائعة. بالرغم من وجود أعداد كبيرة من هذه الآليّات إلّا أنّ الطرق الأساسيّة التي نحن بصدد استعراضها تعطي ملخصًّا جيّدًا عن الآليّات الموجودة والشائعة. بعد عرض التقنيّات سنناقش نقاط قوّتها وضعفها. سنستعرض هاهنا ستّ آليّات، هي: (1) مقياس التقييم البيانيّ (2) آليّة المواقف الحرجة (3) مقياس التقييم المبنيّ على السلوك (4) مقياس ملاحظة السلوك (5) الإدارة عبر الأهداف (6) مراكز التقييم. مقياس التقييم البياني مقياس التقييم البيانيّ (graphic rating scale) هو بالتأكيد أشيع أسلوب تقييم مُستخدم اليوم في المؤسّسات. وجدت إحدى الدراسات أنّ 57% من المنظمات المشمولة في الدراسة استخدمت مقاييس تقييم، كما وجدت دراسة أخرى أن الرقم يصل إلى 65%. وبالرغم من ظهور هذه الآليّة بأشكال عدّة فإنّ المشرف أو المقيّم عادة يتلقّى نسخة ورقيّة أو إلكترونيّة تتضمّن اسم الموظّف وعدّة جوانب للتقييم (كمّ العمل ونوعيّته والخبرة والحضور). يُطلب من المُقيّم بعدها أن يضع رقمًا لكلّ بُعد. يوضّح الجدول 8.1 مثالًا على هذا المقياس. نموذج عن مقياس تقييم بيانيّ الاسم ــــــــــــــــــــــ القسم ــــــــــــــــــــ التاريخ ـــــــــــــــــــ كمّ العمل استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي حجم العمل المقبول في الظروف العاديّة تعليقات: نوعيّة العمل استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي الدقّة والكمال والترتيب في العمل تعليقات: الخبرة في العمل استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي الفهم الواضح للحقائق والعوامل المتعلّقة بالعمل تعليقات: الخصائص الشخصيّة استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي الشخصيّة - المظهر - الاجتماعيّة - القيادة - النزاهة تعليقات: التعاون استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي القدرة والرغبة بالعمل مع شركاء أو مُشرفين أو مرؤوسين لتحقيق هدف مشترك تعليقات: الاعتماديّة استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي واعي - دقيق - يمكن الاعتماد عليه - إلخ تعليقات: المبادرة استثنائيّ جيّد مُرضي معقول غير مُرضي السعي للحصول على مسؤوليّات إضافيّة وعدم الخوف من الإقدام منفردًا تعليقات: الجدول 8.1 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). باستخدام هذه الطريقة -وبافتراض تجنّب المُقيّم لانحيازاته الشخصيّة قدر الإمكان- يمكن مقارنة الموظّفين بحيادية. من الممكن أيضُا فحص نقاط القوّة والضعف النسبيّة لكل موظّف على حدة عبر مقارنة نتائجهم من خلال أبعاد مختلفة. على أيّة حال، من أهمّ سلبيّات هذه الطريقة هي احتماليّة وقوعها في فخّ أخطاء النزعة المركزيّة والصرامة والتساهل. من الممكن أن يُقيَّم الجميع في وسط المقياس أو على أطرافه. وللحدّ من ذلك، تملك بعض الشركات توزيعًا إلزاميًّا للعلامات المختلفة في المقياس، أي قد يكون من المسموح للمشرفين أن يعطوا تقييم "استثنائيّ" فقط لنسبة 10% من الأشخاص وفقط 10% "غير مرضي والسماح بنسب 20% 40% 20% للفئات المتوسطة. وعبر ذلك يكون التوزيع ضمن جميع الأقسام إجباريًّا. على أيّة حال قد يؤدّي ذلك إلى عقاب مجموعة من الأفراد عاليي الأداء أو مكافأة بعض الأشخاص سيئي الأداء. آليّة المواقف الحرجة عبر آليّة المواقف الحرجة (critical incident technique) لتقييم الأداء، يُسجّل المشرفون المواقف أو الأمثلة لسلوك أدّى لنجاح غير متوقّع أو فشل غير متوقّع من قبل كل موظّف. تُسجّل هذه المواقف في سجل يوميّ أو أسبوعيّ مقسّم مسبقًا (تخطيط - اتّخاذ القرار - العلاقات - كتابة التقارير). تقييم الأداء الأخير يتألف من سلسلة من الفقرات الوصفيّة أو الملاحظات حول جوانب عدّة من أداء الموظّف (راجع الجدول 8.2). مثال على تقييم مواقف حرجة مجالات الأداء الآتية مصمّمة لتساعدك في تحضير هذا التقييم عبر مناقشة أداء الفرد معه. من المقترح أن تقوم بتوثيق جوانب الأداء الّتي تراها جيّدةً أو سيّئةً بشكلّ خاصّ، وذلك مع أمثلة أو أفعال محدّدة. النقاط المعروضة هنا اُقتُرِحَت نقاطًا نموذجيّةً وليست حصريّة بأيّة حال. الأمثلة المتعلّقة بهذه النقطة قد تكون إيجابيّة أو سلبيّة. الأداء في تقنيّة العمل فعاليّة الأمان اعتبارات ممكنة: يمثّل قدوة للآخرين في القسم بكلامه وأفعاله حول الأمان يدرّب الناس تدريبًا جيدًا حول الأمان يحصل على التعاون ممّن حوله حول الأمان يصرّ على إدخال الأمان ضمن جميع العمليّات عنصر أساسيّ في المبادرة في برامج الأمان في القسم يتقبّل الأمان كمسؤوليّة أساسيّة العنصر المثال الملائم الخبرة بالعمل التقنيّة أو التخصّصاعتبارات ممكنة: يظهر معرفة استثنائيّة في الوسائل والمواد والتقنيّات ويطبقّها بطريقة عمليّة يواكب التطوّرات في مجاله ويطبّقها في عمله يواكب أحذ المواد في مجاله الخاصّ يشارك في المنظّمات ذات الصلة بأنشطته العنصر المثال الملائم الأداء في العلاقات البشريّة القدرة على التواصل اعتبارات ممكنة: يعطي تعليمات واضحة ومنطقيّة حول مشاكل معقّدة يستخدم لغة واضحة ومباشرة في التقارير المكتوبة والشفهيّة ينظّم عروضه التقديميّة بترتيب منطقيّ وحسب الأهميّة يزوّد المشرف والمرؤوسين بمعلومات ذات صلة وملائمة يخصّص مقاربته للتواصل حسب المجموعة أو الفرد يبقى على اطّلاعٍ دائمٍ على تفكير وأحاسيس المرؤوسين العنصر المثال الملائم النتائج المُحقّقة عبر الآخرين اعتبارات ممكنة: يولّد الحماس لتنفيذ العمل لدى الآخرين يمتلك احترامًا وثقةً بالآخرين يعرف ويمدح مهارات الآخرين ينسّق جيّدًا مع المجموعات الأخرى لإتمام العمل العنصر المثال الملائم الجدول 8.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تزوّدنا آليّة الحالات الحرجة بمعلومات مفيدة للقاءات التقييم ويمكن للمديرين والمرؤوسين أن يناقشوا أحداثًا محدّدة ويولّدوا معلومات جيّدة وقيّمة. على أيّة حال وبسبب المعلومات والبيانات القليلة حول مدى فعاليّة هذه الآلية؛ يصعب استخدامها لقرارات الترقيّة أو الأجور. فالمخرجات الكميّة هذه دفعت بعض الشركات لأن تدمج هذه الآليّة مع إحدى الآليّات الكمّيّة مثل مقياس التقييم لتزويد الموظّفين بأنواع مختلفة من الآراء. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Performance Appraisal and Rewards) من كتاب Organizational Behavior
  13. تفترض نظرية التوقع (expectancy theory) أنّنا سنبذل مجهودًا كبيرًا لنؤدّي أداءً على أعلى مستوى لنحصل على مخرجات قيّمة لنا. هذه هي النظريّة الدافعيّة الأكثر تشويقًا تبعًا للكثير من الباحثين في السلوك المؤسّساتي، ومن أهمّ أسباب ذلك أنّها أكثر نظريّة مفهومة حاليًا. تربط هذه النظريّة العديد من المفاهيم والافتراضات من النظريّات الأخرى المذكورة في هذا الفصل. بالإضافة إلى ذلك تشير هذه النظريّة إلى العوامل الّتي قد تكون أسقطتها النظريّات الأخرى. لدى هذه النظريّة الكثير لتقدمه لطلاب الإدارة والسلوك المؤسّساتي. إنّ نظريّة التوقّع عامّة، ويمكن استخدامها في العديد من المواقف، في الاختيار بين عروض العمل وبين العمل بجدّ أو عكس ذلك وبين الذهاب للعمل أو عدم الذهاب وغيرها. نظريًّا يمكن التفكير في أي مجموعة من الاحتمالات عبر نظريّة التوقّع. بشكل أساسيّ تركّز النظريّة على مسألتين مترابطتين: عندما نواجه احتمالين أو أكثر، أيّهما نختار؟ عندما نختار احتمالًا ما، كم سنكون مدفوعين للسعي خلفه؟ تركّز هنا نظريّة التوقّع على عاملي الدافعيّة الأساسيّين، وهما: الاتّجاه (أيّ احتمال؟) والشدّة (كم سنبذل جهدًا لتحقيق هذا الاحتمال؟). تتحدّد جاذبيّة احتمال ما عبر "توقّعاتنا" لما سيحدث إن اخترناه. كلّما ازدادت قناعتنا أنّ الاختيار سيقود لنتائج إيجابيّة كلّما ازداد انجذابنا له. تنص نظريّة التوقع على أنّنا سنختار الاحتمال الأكثر جاذبيّة عندما نواجه اختيارًا بين احتمالين أو أكثر. وكلّما كان انجذابنا لاحتمال ما أكبر كلّما دُفعنا أكثر للسعي خلفه. تلعب ميولنا الشخصيّة دورًا في هذه العمليّة -كما ذُكر سابقًا في هذا الفصل-. فنحن مدفوعون لأن نسعى باتّجاه المخرجات المرغوبة (علاوة على الراتب مثلًا) وأن نتجنب تلك غير المرغوبة (التأديب أو التوبيخ). تنصّ نظريّة التوقّع أيضًا على أنّنا منطقيّون في قراراتنا حول الاختيارات، فهي ترى البشر عقلانيّين. يقيّم الأشخاص اختياراتهم من مبدأ "الإيجابيّات والسلبيّات" ويسعون بعدها لاختيار "الإيجابيّات" الأكثر "والسلبيّات" الأقلّ. نموذج التوقع الأساسي هنالك ثلاثة مكوّنات رئيسيّة لنظريّة التوقّع تعكس افتراضاتها للميول والعقلانيّة، وهي: توقّع (الجهد - الأداء) وَتوقّع (الأداء - المخرجات) وَالتكافؤ. توقّع الجهد-الأداء (effort-performance expectancy) باختصاره (جـ1) (E1) هو الاحتمال المُتوقّع للأداء الناجم عن الجهد المبذول (ج←د). قد يعني الأداء أي شيء من نيل علامة 100 في امتحان ما حتّى تجميع 100 جهاز في اليوم. بعض الأشخاص يعتقدون أنّهم مهما بذلوا من جهد فلن يصلوا إلى أداءٍ عالٍ مناسب. هؤلاء لديهم جـ1 ضعيفة. أناس آخرون يمتلكون E1 قويّة ويظنّون العكس، أي أنّهم سيؤدّون أداءً عاليًا إن بذلوا الجهد الكافي. جميعكم تعرفون طلابًا يمتلكون جـ1 متفاوتة من الطالب الّذي يرى أنّه سيؤدّي جيّدًا لو درس بجدّ إلى الطالب الّذي يرى أنّه مهما درس لن يصل إلى ما يريد. يكوّن الناس هذه القناعات بناءً على التجارب السابقة مع العمل ذاته وبناءً على إدراكهم لقدراتهم الذاتيّة. إن لبّ مفهوم E1 يكمن في أنّ الأناس لا يدركون دومًا بالعلاقة المباشرة بين مستوى جهدهم ومستوى أدائهم. توقّع الأداء-المخرجات (performance outcome expectance) أو (ج2) (E2) وهو العلاقة المُدركة بين الأداء والمخرجات (د←خ). العديد من الأشياء في الحياة تحدث بناء على جودة أدائنا لمهام مختلفة. فيسأل جـ2 "ماذا سيحدث إن أدّيت جيّدًا؟" فلنقل أنّك حصلت على علامة كاملة في موادك الجامعيّة. ستكون مسرورًا للغاية وسيحسدك زملاؤك كما ستنفتح أمامك آفاق العمل. فلنقل الآن أنك حصلت على علامة "مقبول"، الآن ها الامتحان كان فُرصتك الأخيرة، سيطردك العميد من القسم وسوف تعود لمنزلك خائبًا. بنفس هذه الطريقة تتشكّل توقّعات جـ2 ضمن المؤسّسات. يعتقد الأشخاص ذوي جـ2 مرتفع أنّهم إن أدّوا جيّدًا سيتلقّون مخرجات مرغوبة (علاوات جيّدة ومدح المسؤولين عنهم وشعورهم بالمساهمة في نجاح المؤسّسة). في المقابل يمتلك الأشخاص ذوو جـ2 ضعيفة الإحساس المعاكس (لن تحصل على المخرجات التي ترغب بها ولا يهم كم بذلت من جهد طالما أنّهم لم يطردوك من عملك بعد). التكافؤات (valences) هي أسهل مفاهيم نظريّة التوقّع وصفًا. فهي الدرجة الّتي نرى فيها مخرجًا ما مرغوبًا أو محايدًا أو غير مرغوب. فتكون المخرجات المرغوبة (مثل علاوة 25%) تكافؤًا إيجابيًّا. أمّا المخرجات غير المرغوبة (كالتأديب) تكون تكافؤًا سلبيًّا. أمّا المخرجات غير المهمّة لنا (أين ستركن سيارتك) تكون تكافؤًا محايدًا. تكثر التكافؤات الإيجابيّة والسلبيّة في بيئة العمل، ومن أمثلتها: العلاوات والخصومات والمدح والانتقاد والاعتراف والرفض والترقية والتخفيض. وكما تتوقّع فإنّ إدراك الأشخاص لهذه المخرجات يختلف اختلافًا كبيرًا. تؤثّر حاجاتنا وقيمنا وأهدافنا وشخصيّاتنا على التكافؤ الذي نعطيه لمُخرج ما. قد نعتبر أنّ علاوة 10% مرغوبة إلى أن نكتشف أنّها أقلّ علاوة ممنوحة في الشركة. يلخّص الشكل 7.13 المفاهيم الثلاثة الرئيسيّة لنظريّة التوقع. تنصّ النظريّة على أنّ إدراكنا للمحيط هو شيء أساسيّ لتوقّع "ماذا يؤدّي لماذا". فنحن ندرك أنّ مجهودًا معيّنًا يعطي أداءً معيّنًا. ونحن ندرك أنّ أداءً معيّنًا يعطي مخرجات معيّنة. قد تكون المخرجات خارجيّة (extrinsic outcomes) أيّ أنّ الآخرين (مثل المدير) هم من يقرّرون إن كنّا سنتلقّاها. وقد تكون المخرجات داخليّة (intrinsic outcomes) أي أنّنا نحن من نقرر إن كنّا سنتلقّاها (مثل الإحساس بالإنجاز). كلّ مُخرج لديه تكافؤٌ مقترن به (للمخرج أ التكافؤ تأ). تفترض نظريّة التوقّع أنّنا سنبذل مجهودًا يجلب لنا أكبر قدر ممكن من المخرجات الإيجابية.إن كان جـ1 أو جـ2 ضعيفين أو إن كان المخرج غير مرغوب بما يكفي فسيكون دافعنا لبذل جهدٍ ما منخفضًا، وبعبارة أخرى، يمتلك الفرد دافعًا لكي يحاول تحقيق مستوى الأداء الذي يجلب له المكافآت الأكثر. الشكل 7.13 نظريّة التوقّع للدافعيّة (حقوق الصورة: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). تعبّر تخ عن تكافؤ المخرج. سيختار الفرد المجهود المترافق مع أعلى طاقة. تطبيقات نظرية التوقع لنظريّة التوقّع تطبيقات مهمّة في مكان العمل. تفترض نظريّة التوقّع بشكل رئيسيّ أن الموظفّين سيُدفعون لتقديم أداءٍ جيّدٍ بشرطين اثنين، الأوّل هو عندما يعتقد الموظّفون أنّ قدرًا معقولًا من الجهد سينتج أداءً جيّدًا، أمّا الثاني فهو عندما يكون الأداء الجيّد مرتبطًا بالنتائج الجيّدة والأداء السيّء مرتبطًا بالنتائج السيّئة. إن لم يتواجد أيّ من الشرطين في إدراك الموظّفين فسيكون دافعهم للإنتاج منخفضًا. لم قد يدرك موظّف ما أنّ النتائج الجيّدة ليست مرتبطة مع الأداء العالي؟ أو أنّ المخرجات السيّئة ليست مرتبطة مع الأداء السيّء؟ بمعنى آخر، لِمَ يمتلك موظّفون جـ2 منخفضة؟ يحدث هذا لعدّة أسباب. السبب الرئيسيّ هو أنّ العديد من المنظّمات تلتزم بشكل كبير بالمساواة (وليس الإنصاف)، فتعطي جميع الموظّفين نفس الأجر لقاء نفس العمل ومع نفس العلاوات السنويّة (العلاوات العامّة) ومعاملة متساوية متى أمكن. حيث تعتقد هذه الشركات أنّ الموظّفين الذين "يأخذون أكثر" يسبّبون تعكّرًا في جوّ الشركة وإحساسًا بعدم الإنصاف لدى الموظفين الآخرين. لكن في ذات الوقت فالموظّفون في مثل تلك الشركات يصبح لديهم جـ2 منخفضة لأنّه لا يوجد تمييز في المخرجات. فإن تلقّى أفضل وأسوأ الموظفين الأجرَ نفسه، فمع الوقت سيقرّر الاثنان أنّه لا مغزى من بذل أيّ جهد إضافيّ. ومن البديهيّ أنّ هذا ليس هدف أيّ منظّمة تنافسيّة وأنّه قد يسبّب تأخّر الشركة في سباقها مع نظيراتها في سوق العمل العالميّ. تنصّ نظريّة التوقّع أن على المنظّمات -لرفع الدافعيّة لأقصى حدّ- أنّ تربط المخرجات والنتائج بالأداء. هذا هو التطبيق الرئيسيّ لنظريّة التوقّع؛ إذ تجعلنا نفكّر كيف يجب أن توزّع الشركة مُخرجاتها. فإن آمنت منظّمة أو مدير ما بأن معاملة الكل "سواسية" ستجلب الرضا والدافعيّة للموظّفين فهم مخطئون. فنحن نعلم بفضل نظريّة الإنصاف أنّ بعض الموظفّين -غالبًا الأفضل من بين الموظّفين- سيشعرون بعدم الإنصاف على إثر نقص المكافأة. وتنصُّ نظريّة التوقّع أنّ الموظّفين عندما لا يرون فارقًا في النتائج بين الأداء الضعيف والقويّ فلن يعملوا بجهد يكفي للوصول إلى الأداء العالي. يجب على المنظّمات الناجحة أن تشجّع شعور مكافأة الأداء الجيّد (حوافز أو ترقيات) ومعاقبة الأداء السيّء (تأديب أو فصل). تذكّر أنّ هنالك فرق كبير بين معاملة الموظّفين بتساوٍ وبين معاملتهم بإنصاف. ماذا لو ربطت مؤسّسة ما الأداء العالي بنتائج جيّدة والأداء المنخفض بنتائج سلبيّة؟ سوف يقوى جـ2 لدى الموظّفين. لكن هل سيثمر هذا الأسلوب موظّفين مع دافعيّة عالية؟ الجواب هو ربّما. لكننا لم نناقش حتى الآن جـ1 للموظّفين. إن كان ضعيفًا فسيشعر الموظّفون أنّ الجهد المرتفع (أو المنخفض) لن يؤدي لأداء أفضل ولذا لن يبذلوا مجهودًا إضافيًّا. من المهمّ أن يفهم المديرون احتماليّة حدوث هذا بالرغم من مكافأتهم للأداء المرتفع. المهام المتعلّقة بالمهارات هي ربّما السبب الأكبر لامتلاك بعض الموظّفين جـ1 ضعيفًا. الكفاءة الذاتيّة (self-efficacy) هي اعتقادنا بإمكانية تنفيذ بعض المهام المستقبليّة أو تحقيق نتيجة ما. يعتقد الموظّفون ذوو الكفاءة الذاتيّة العالية أنّهم سينجحون غالبًا في تحقيق كل أهداف عملهم ومسؤوليّاتهم. وكما توقّعت، الموظّفون ذوو الكفاءة الذاتيّة المنخفضة يعتقدون العكس. يعكس مستوى الكفاءة الذاتيّة إيماننا بقدرتنا على تنفيذ مهمّة معيّنة بمستوى معيّن من الأداء. فإن اعتقدنا أنّ احتماليّة بيعنا لبضاعة بسعر 30,000$ خلال شهر واحد هو 0.90 (90%) فستكون كفاءتنا الذاتيّة لهذه المهمّة مرتفعة. الكفاءة الذاتيّة المحدّدة هي حكمنا حول احتمال نجاحنا في مهمّة ما وذلك مباشرة قبل قيامنا بها. ونتيجة لذلك، تكون الكفاءة الذاتيّة متنوّع أكثر بكثير من غيرها من الأفكار الشخصيّة. لكن لا يزال هناك شكّ في كون معتقداتنا هذه هي بعض من أهمّ دوافع سلوكنا. لا تُحدّد توقّعاتنا للكفاءة قرارنا الأوليّ في تنفيذ المهمّة من عدمه فحسب، بل تحدّد أيضًا كم سنبذل من مجهود وما إن كنا سنكافح لأجل هذه المهمّة. للكفاءة الذاتيّة أثر كبير على العامل جـ1. وبالنتيجة، الكفاءة الذاتيّة هي واحدة من أهمّ محدّدات السلوك في أيّ مهمّة أو موقف. يطوّر الموظّفون جـ1 ضعيف لسببين اثنين. الأوّل هو أنّهم لا يمتلكون موارد كافية لتأدية وظيفتهم، ويمكن أن تكون الموارد داخليّة أو خارجيّة. تتضمّن الموارد الداخليّة ما يضيفه الموظّف للعمل (مثل التدريبات السابقة وخبرة العمل والتعليم والقدرات وغيرها) وما يفهمونه عن مهامهم وكيف يصبح أداؤهم جيّدًا، العامل الأخير يسمّى إدراك الدور، أي كيف يعتقد الموظّف أنّ وظيفته يجب أن تُؤدّى وكيف يرون أنفسهم ضمن المؤسّسة. إن لم يكن الموظّفون يعلمون كيف يصبح أداؤهم عاليًا فهم يملكون جـ1 ضعيفًا. الموارد الخارجيّة تتضمّن الأدوات والمعدّات والعمّال اللازمين لإتمام المهمّة. يمكن لشحّ الموارد الخارجيّة أيضًا أن تُضعِف جـ1. السبب الثانيّ لضعف جـ1 هو فشل المؤسّسة في قياس الأداء بالشكل الصحيح. أي أنّ تقييمات الأداء لا تترابط بالشكل السليم مع مستويات الأداء الحقيقيّة. كيف يحدث هذا؟ هل تلقّيت من قبل نتيجة امتحان ما وشعرت بأنّها لا تعكس ما درسته وتعلّمته حقًّا؟ يحدث هذا أيضًا في المؤسّسات. لم تكون التقييمات أحيانًا غير دقيقة؟ لأنّ المشرفين الذين يجرون التقييم عادةً هم بشر في نهاية الأمر. ربّما كانوا يعملون تحت الاعتقاد الخطأ بأنّ التقييم المماثل لكلّ الموظّفين سيجعل الفريق سعيدًا. ولربما يمارسون التفضيل في اللاوعي لديهم، أو ربّما لا يعلمون أساسًا ما هي مستويات الأداء الجيّد والسيّئ. ربّما كانت المعايير التي عليهم استخدامها لا تتلاءم مع منتجهم/فريقهم. تقييم الأشخاص ليس بالأمر السهل أبدًا. مهما كان سبب ارتكاب الأخطاء، سيعتقد بعض الموظّفين أنّهم لن يتلقّوا تقييمًا مرتفعًا مهما بذلوا من جهد. قد يؤمن هؤلاء بأنّ أداءهم في الحقيقة ممتاز لكن نظام التقييم هو المَعيب. تختلف نظريّة التوقّع عن أغلب النظريّات الأخرى لأنّها توضّح الحاجة للقياس الدقيق للأداء. لا يمكن أن تدفع المنظّمات موظّفيها للأداء العالي إن لم يستطيعوا تحديد ما هو الأداء العالي في بادئ الأمر. تمارس المنظّمات تأثيرًا كبيرًأ على اختيارات الموظّفين لمستوى أدائهم. أي أنّ المؤسّسات لديها أثرٌ كبير على شدّة واتّجاه مستويات الدافعيّة لدى الموظّفين. بعض التطبيقات العمليّة لنظريّة التوقّع هي: تقويّة الجهد ← توقّع الأداء من موظّفين مختارين يمتلكون القدرات الضروريّة وتوفير تدريب ملائم وتجارب النجاح وتوضيح مهام العمل… إلخ. تقويّة الأداء ← توقّع المخرجات مع سياسات تحدّد السلوك المرغوب الذي يؤدّي للنتائج المرغوبة والسلوك غير المرغوب الذي يؤدي لنتائج غير مرغوبة أو محايدة. التعزيز المستمر لهذه السياسات أساسيّ ويجب أن يبقى العاملون مؤمنين بها. التقييم الممنهج الذي يقيس قيمة العمل الذي يقدّمه الموظّفون. كلّما كان تكافؤ النتائج المعروضة لقاء سلوك ما أكبر، كلّما ازداد احتمال التزام الموظّفين بهذا السلوك. التمييز بين القيم المختلفة وجودة الأداء المتباينة بين الموظفين من شأنه أن يساعد المؤسسة على تحديد قيمٍ واضحة ونتائج تتناسب مع قيمة الأداء لدى كل موظّف، فتضع مثلًا قيمًا عالية للأداء الجيّد وقيّمًا منخفضة للأداء السيء. ضمان ترجمة الجهود المبذولة إلى أداء عبر توضيح إلام تقود الأفعال وعبر التدريبات الملائمة. تأمين نتائج مناسبة لأداء الموظّفين عبر جدول مكافآت (نتائج خارجيّة) وتصميم عمل ملائم (ليكون العمل بحدّ ذاته نتيجة داخليّة). فحص مستويات النتائج المقدّمة للموظّفين. هل هي منصفة بالنظر لمدخلات العاملين؟ هل هي منصفة بالنظر كيف يُعامل الآخرون؟ قياس مستويات الأداء بأكبر دقّة ممكنة والتأكد من أنّ العاملين قادرين حقًّا على بذل أفضل ما لديهم والوصول إلى مستوى مرتفع من الأداء. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير الاختلافات في الدوافع بين الثقافات الموظّف المستاء هو حالة عالميّة منتشرة في عالم الأعمال بغضّ النظر عن البلد. إنَّ الإشارات الثقافيّة، والأعراف الاجتماعيّة، والحواجز اللغويّة البسيطة قد تجعل مهمة تحفيز الموظفين بالنسبة لمدير مؤسسة عالميّة أمرًا مربكًا وعسيرًا حقًّا. إيصال الشغف للرؤية العامة، وتدريب الموظفين لرؤية أنفسهم ملَّاك ومسؤولين عن أعمالهم، أو محاولة إيجاد "نظام بيئي تحفيزيّ" كلّ هذه الإجراءات قد تسقط بمجرد تفويت إشارة بسيطة، أو ترجمة سيئة، أو اتباع طريقة اللهجة الصمَّاء لحضارةٍ قد تبلغ من العمر ألف سنة. إبقاء الموظفين متحمّسين عن طريق جعلهم يشعرون بأنَّهم قيِّمون وجديرون بالتقدير ليس مجرد فكرة "غربية". المدوّنة المميّز (Starrfmonline) تؤكّد بأنَّ تحفيز الموظف وجودة العمل المرتبطة به يتعزَّز عندما يشعر الموظفون بأنَّهم قيمون ومحل للثقة وقادرون على التحدّي ومدعومون في عملهم. والعكس بالعكس فعندما يشعر الموظفون أنهم أدوات أكثر من كونهم أشخاص، أو عندما يشعرون بأنّهم غير منخرطين في عملهم عندها ستتدهور الإنتاجيّة. وستبدأ حينها حلقة مفرغة عندما يعامل المدير الموظف على أنَّه عاجز وغير كفؤ، حينها سيُحبط الموظف وتظهر لديه الاستجابة السلبيّة المتوقَّعة. تستشهد المدوَّنة بمثال من أوربا الشرقيَّة حيث يهمِّش المديرُ الموظَّف ويعامله على أنَّه غير فعال ولا يمتلك الكفاءة. وبعد تدريب الإدارة أعاد المدير النظر في تقييمه وبدأ بالعمل مع الموظف. وعندما بدأ المدير العمل على تعزيز كفاءة ودافعيّة الموظف، انتقل الموظف حينها من كونه المؤدّي الأدنى ليصبح عضوًا قيِّمًا في الفريق. وتقول المدوَّنة في النهاية "إنَّ مصطلح 'الموارد البشرية' بحد ذاته يصوِّر الموظَّفين على أنّهم مواد يجب استثمارها لأهداف المنظمة. وبينما تشمل الطبيعة الأساسية لعقود الموظفين مظاهر عمالة تجارية مقابل أجر مادي، لا نجب أن نفشل برؤية وتقدير موظفينا كما نرى باقي الأشخاص، وإلَّا ستواجه حينها جميع محاولاتنا لتحفيزهم معدلات نجاح محدودة" (Starrfmonline 2017 n.p.). بافل فوسك (Pavel Vosk)، مستشار في الأعمال والإدارة في (Puyallup) في واشنطن، يقول بأنَّه في كثير من الأحيان يتحّول الموظفون الأكفاء الذين يمتلكون القدرة لتحقيق إنجازات كبيرة، يتحوّلون إلى أشخاص ليس لديهم أي دافع. وخلال بحثه عن إجابة وجد بأنَّ المصدر الأشيع والأكبر لذلك هو نقص الاعتراف بجهد الموظف أو أدائه الاستثنائي. وفي الحقيقة وجد فوسك بأنَّ معظم الموظفين يبذلون جهدًا إضافيَّاً في محاولة تحقيق هدفهم ليس أكثر من ثلاث مرات قبل أن يستسلموا. تتمثل نصيحة فوسك بإظهار الامتنان لعمل الموظفين، خصوصًا عندما يقدِّم الموظفون إنجازات أكثر من المطلوب منهم. وقال أيضًا بأنَّ هذا التقدير لعملهم ليس من الضروري أن يكون مبالغًا به، حيث يكفي تصرُّف بسيط يُشعِر الموظَّفين بالتقدير، من تقديم وجبة غداء لفريق يعمل لساعات إضافيَّة لإنجاز العمل قبل الوقت المحدد أو حتى كلمة شكر بسيطة وجهًا لوجه (Human 2017). ريتشارد فرازاو (Richard Frazao) رئيس (Quaketek) في مونتريال، كيبيك، يشدِّد على التحدُّث مع الموظفين والتأكُّد من انخراطهم في عملهم، وأشار إلى الملل في العمل على أنه عامل محبط مهم (Human 2017). ولكن تحفيز الموظفين ليس "مقاس واحد يصلح للجميع" عالميًا. فمكافأة وتقدير الأفراد وإنجازاتهم أمر جيِّد في الحضارات الغربيَّة ولكنَّه أمر غير مرغوب في الحضارات الآسيويَّة التي تقدِّر عمل الفريق والتشاركيَّة أكثر من العمل الفردي. ويعود الأمر لتأثير الثقافة فيما إذا كانوا سيكافئونهم بزيادة في الأجر أو بمنصب وظيفي أو بمكتب أكبر. تخفيض رتبة موظف لضعف أداءه هي طريقة فعَّالة للتحفيز في الدول الآسيوية ولكنَّها غالبًا ما تؤدي لخسارة الموظَّف كليًا في الحضارات الغربيَّة. يقول ماثيو ماك لاكلان (Matthew MacLachlan) من شركة Communicaid "إنَّ افتراض أنَّ القوى العاملة العالميَّة لديك ستتحفَّز بالطرق ذاتها هو افتراض خطأ وله تأثير كبير على تقييد المواهب" (2016 n.p.). نظرية التوقع: نظرية شاملة للدافعية يمكن ربط نظريّة التوقّع مع مفاهيم الدافعيّة البشريّة أكثر من أيّ نظريّة أخرى. انظر إلى الأمثلة التالية: تنصّ نظريات الاحتياج على أنّنا مدفوعون لتلبية حاجاتنا. فنقيّم ما يشبع حاجاتنا غير المُلبّاة بشكل إيجابيّ والعكس بالعكس. كما نعطي قيمًا محايدة للنتائج الّتي لا تؤثّر على حاجاتنا. فعليًّا، تشرح نظريّات الحاجات كيف تشكّلت التكافؤات. تنصّ نظريّات الإشراط الاستثابي على أنّنا غالبًا نكرّر استجابة (سلوك) في المستقبل في حال كوفِئ هذا السلوك من قبل (أي أن يُتبع السلوك بنتيجة إيجابيّة أو بإزالة نتيجة سلبيّة). هذه العمليّة الأساسيّة في تشكيل الأداء ← توقّعات المخرجات. تقترح كلّ من نظريّة الإشراط الاستثابي ونظريّة التوقّع أن تفاعلاتنا مع محيطنا تؤثّر على سلوكنا المستقبليّ. الاختلاف الأساسيّ هو شرح نظريّة التوقّع لهذه العمليّة بمصطلحات إدراكيّة (عقلانيّة). تنصّ نظريّة الإنصاف على أنّ رضانا على مجموعة من النتائج لا يعتمد على تقييمنا لها فحسب، بل أيضًا على الظروف المحيطة بها. لذا تشرح نظريّة الإنصاف جزءًا من العمليّة المعروضة في الشكل 7.1 إن لم نشعر بأنّ نتيجة ما منصفة بالمقارنة مع الشخص المرجعيّ فسنعطيها تكافؤًا أقلّ أو تكافؤًا سلبيًّا. يمكن دمج نظريّة الهدف مع النموذج التوقعيّ الموسّع بعدّة طرق. لاحظ (Locke) أنّ نظريّة التوقّع تشرح كيف نختار هدفًا محدّدًا. إلقاء نظرة أخرى على الشكل 7.11 يكشف تشابهات جديدة بين النظريّتين. استخدام (Locke) لمصطلح "تقبّل الهدف" لتعريف تبنّي الفرد للهدف يشابه مفهوم "خيار البديل" في نموذج نظريّة التوقّع، كما يشبه مفهوم "الالتزام بالهدف" من نظريّة الهدف وصف نظريّة التوقّع لمستويات الجهد. يقترح (Locke) أنّ صعوبة وتحديد الهدف هي محدّدات رئيسيّة لمستوى الأداء (الجهد المنصبّ على الهدف) ويبدو أنّ نظريّة التوقّع تتوافق مع هذا، بالرغم من كونها لم تفصّل في هذه النقطة. يمكننا أن نستنتج بمنطقيّة أن العمليّات الباطنيّة التي تستكشفها النظريّتان متشابهتان بشدّة وتشيران إلى توصيات متشابهة. دراسات حديثة على نظريات الدافعية لا تزال الدوافع لدى الموظّفين عاملًا مهمًّا تركّز عليه أبحاث السلوك المؤسّساتيّ. سنلخّص بعضها هنا: نظريات المحتوى هناك بعض الاهتمام في اختبار نظريّات المحتوى (بما فيها نظريّة العوامل الثنائيّة) خاصّة في البحوث الدوليّة. لا تزال نظريّات الحاجات مدعومة بشكل عامّ مع تحديد أغلب الأشخاص عوامل بيئة العمل (الاعتراف والتقدّم وفرص التعلّم) على أنّها الدافع الرئيسيّ لهم. يتماشى هذا مع نظريّات إشباع الحاجات. على أيّة حال، أغلب هذه الأبحاث لا تتضمّن قياسات حقيقيّة لأداء الموظّفين. لذا يبقى السؤال عمّا إذا كانت العوامل الّتي يدّعي الموظّفون أنّها تدفعهم… تدفعهم حقًّا. نظريّة الإشراط الاستثابي هنالك اهتمام ملحوظ في هذه النظريّة وخاصّة ضمن سياق ما بات يعرف باسم تعديل السلوك المؤسّساتي. وما يثير الاستغراب أنّه لم يكن هنالك العديد من الدراسات الّتي تستخدم هذه النظريّة لتصميم نظام مكافآت بالرغم من التطبيقات الواضحة لها في هذا المجال. وبدلًا من ذلك ركّزت العديد من الأبحاث الحديثة على الإشراط الاستثابيّ لكلٍّ من العقاب والإخماد. تسعى هذه الدراسات إلى تحديد كيفيّة استخدام العقاب بشكل ملائم. لا تزال الدراسات الحديثة تؤكّد أنّ العقاب يجب أن يستخدم باعتدال وفقط بعد أن لا يفيد الإخماد، كما يجب أن لا يكون مدمّرًا أو مديدًا. نظرية الإنصاف لا تزال نظريّة الإنصاف تحظى بدعم كبير من الأبحاث. لكن النقد الأساسيّ لها لا يزال قائمًا وهو أنّ المدخلات والمخرجات الّتي يستخدمها الأشخاص لتقييم الإنصاف غير محدّدة بدقّة، فهنالك تعريف مميز بكلّ شخص لمدخلاته ومخرجاته الخاصّة، ولا يزال العلماء يحاولون تحديها جميعًا. على أيّة حال، النظريّة قويّة فيما يخص المدخلات (الأداء) والمخرجات (النتائج أو الأجر). امتدّت النظريّة بعد تطبيقاتها الكبرى في السنوات الأخيرة إلى مجال يدعى العدالة المؤسّساتيّة، عندما يتلقّى الموظّفون المكافآت (أو العقاب) يقيّمونه حسب مفهومهم للإنصاف (كما ناقشنا)، ويسمّى هذا عدالة التوزيع. يقيّم الموظّفون المكافآت أيضًا حسب مفهومهم لإنصاف عمليّة توزيع المكافآت، وهذا يسمّى العدالة الإجرائيّة. لذلك، خلال تخفيض عدد العاملين لمنظّمة ما، عندما يخسر موظّفون أعمالهم يتساءلون إن كان هذا مُنصفًا (عدالة توزيع)، لكنّهم يقيمون أيضًا عدالة العمليّة الّتي اُستخدمت لاتّخاذ قرار من سيتمّ التخلّي عنه (عدالة إجرائيّة). على سبيل المثال، تسريح العاملين بناء على أقدميّتهم قد يُفهم على أنّه أكثر إنصافًا من أن يكون مبنيًّا على آراء المشرفين. نظرية الهدف لا يزال صحيحًا القول أنّ الأهداف الصعبة والمحدّدة تثمر أداءً أفضل من الأهداف المُبهمة، بافتراض أن الأهداف مقبولة من الشخص ذاته. توضّح دراسات حديثة أهميّة الآثار الإيجابيّة لاستقصاء الآراء حول الأداء والالتزام بالهدف في عمليّة تحديد الهدف. تحسّن الحوافز النقديّة الدافعيّة عندما تكون الحوافز مرتبطة بتحقيق الهدف، وذلك عبر زيادة الالتزام بتحقيق هذا الهدف. هناك آثار سلبيّة لهذه النظريّة كذلك. إن تضاربت الأهداف قد يضحّي الموظّفون بالأداء في مهام وظيفيّة مهمّة. على سبيل المثال إن كانت الأهداف الكميّة والنوعيّة كلاها مطلوب في العمل فقد يتمّ التركيز على الأهداف الكميّة بسبب كونها مرئيّة أكثر. نظرية التوقع تحدّد المعادلات الأساسيّة لهذه النظريّة أنّ القوّة الدافعيّة لاختيار مستوى جهد هي حاصل ضرب التوقّع والتكافؤ. تظهر الأبحاث الحديثة أنّ المكوّنات الفرديّة قد ترفع الأداء بنفسها دون أن تدخل عمليّة الجداء. هذا لا يقلّل أهميّة نظريّة التوقّع. تقترح الدراسات الحديثة أيضًا أن الأداء العالي لا ينتج عندما يكون التكافؤ عاليًا فحسب، بل أيضًا عندما يضع الموظّفون أهدافًا صعبة ومُتحدّية لأنفسهم. تعليق أخير على الدافعيّة: مع التغيّر المستمر في عالم الأعمال ستتغيّر وسائل المؤسّسات لاستخدام الموظّفين ودافعيّتهم. يجب أن توجَد مكافآت جديدة (إجازات عوضًا عن الحوافز أو خيارات في الأسهم أو نوادي في العمل أو خدمات سنيّة وتنظيفيّة أو فرص للتنقّل وغيرها). من السبُل الناجعة التي بإمكان الباحثين سلوكها تتمثّل في تحليل الدراسات السابقة والوصول إلى استنتاجات ونتائج جديدة من شأنها أن تساعدهم على الوصول إلى فهم أكبر للموضوع. كشف الحس المؤسساتي: رجال الأعمال والدافعية يصعب الحصول على الدافعيّة من الموظفين العاديين. ولكن ما الذي يدفع ويحفّز رجال الأعمال، الذين هم بدورهم يجب عليهم أن يحفّزوا أنفسهم والآخرين؟ في الوقت الذي يحذِّر فيه الجميع، بدءًا من الفلاسفة الاغريق، وصولًا لمدربي كرة القدم أنَّ نقص الشغف أو حتى الشغف غير الموجّه سينهي أي محاولة منذ البداية. وهنا يمكن النقاش حول ماهيَّة الدافعيّة، فهل هي ببساطة جزء من تدريبنا لأنفسنا أم هو نتيجة إصرارنا الدائم لبلوغ هدف ما، أي لتذكير أنفسنا بسبب يجعلنا نستيقظ كلَّ صباح. ياسمين المحايري أسّست بعمر الثلاثين وبعملها في منزلها فقط موقع (Supermama.me)، وهو عبارة عن مبادرة تهدف إلى تزويد الأمهات في جميع أنحاء العالم العربي بالمعلومات. عندما بدأت هذه الشركة عملت ياسمين بدوام كامل في وظيفتها اليوميَّة وبمعدل ستين ساعة في الأسبوع حتى تأسس هذا الموقع. وعندها تركت وظيفتها لتتفرَّغ تمامًا لإدارة الموقع في يناير 2011، وتم نشر الموقع في شهر أكتوبر من العام ذاته. المحايري لديها الدافع لتواصل التقدم، حيث تقول أنَّها إن توقفت فلن تستطيع الانطلاق مجددًا بالنسبة لياسمين لم يكن الدافع هو الرغبة بالعمل في شركة كبيرة أو السفر حول العالم والحصول على شهادة ماجستير من الخارج. حيث أنَّها قد حققت ذلك بالفعل مسبقًا، وبالأحرى هي صرَّحت بأن دافعها هو "فعل شيء مفيد وأريد أن أصنع شيئًا ما بمجهودي الشخصي". لورين ليبكون (Lauren Lipcon) التي أسست شركة (Injury funds now) تعزو قدرتها على البقاء مدفوعة ومتحمّسةً لثلاثة عوامل،هي : الهدف، والمردود، والاستمتاع خارج العمل. تؤمن ليبكون بأنَّ معظم رجال الأعمال لا يتحفَّزون بالمال، وإنَّما يتحفَّزون بشعورهم بالهدف. شخصيًا تعتقد ليبكون بأنَّه من المهم للناس أن يردوا الجميل لمجتمعاتهم لأنَّ التغيير الذي يراه رجال الأعمال في المجتمعات سيعود عليهم بمزيد من التحفيز وسيجعل العمل أكثر نجاحًا. كما تؤمن ليبكون بأنَّ الحفاظ على حياة جيدة خارج العمل سيساعد رجال الأعمال على البقاء متحفِّزين. وتؤيِّد بشكل خاص النشاطات الفيزيائية، ليس فقط للحفاظ على الجسم وإنَّما للمساعدة أيضًا على إبقاء العقل نشيطًا وقادرًا على التركيز. ولكن هل يتَّفق جميع رجال الأعمال حول الأمور التي تدفعهم؟ في استقصاء أُجري في 17 تموز 2017 على مدوَّنة (The hearpreneur) تمَّ سؤال ثلاثة وعشرين من رجال الأعمال حول الأمور التي تحفِّزهم. سبعة منهم أشاروا إلى أن الشعور بتحقيق هدفٍ معيّن في العمل الذي ينجزونه لعب دور الحافز لمواصلة العمل بالنسبة لهم، وإجابة واحدة تشدِّد على أهميَّة اكتشاف كل شخص "طريقته الشخصيَّة". أمَّا عن رجال الأعمال المتبقين فقد تنوَّعت الإجابات من الحفاظ على سلوك إيجابي (ثلاث إجابات) وإيجاد موارد خارجيَّة (ثلاث إجابات) وحتى التأمُّل والصلاة (إجابتان). وهناك رجل أعمال أجاب بأنَّ دافعه الأساسي هو الخوف، الخوف من البقاء في نفس الوضع المادي يومًا ما في المستقبل "يدفعني لبدء العمل ويقلل من خوفي من الخطر" (Hear from Entrepreneurs 2017 n.p.). وأشار شخص واحد فقط من الثلاثة والعشرين للنجاح المادي على أنَّه عامل محفز لمتابعة العمل. ومهما اختلف الوصف يبدو أنَّ رجال الأعمال يتَّفقون على أنَّ الشغف والعزيمة هي العوامل الأساسيَّة التي تساعدهم على التغلب على الروتين يومًا بعد يوم. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Work Motivation for Performance) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: فهم فرق العمل وإدارتها المقال السابق: النظريات المنهجية للدافعية
  14. تحاول النظريّات المنهجيّة للدافعيّة أن تشرح لماذا تبدأ السلوكيّات. تركّز هذه النظريّات على الآليات التي نختار بها هدفنا وعلى الجهد الّذي نبذله لنحقّقه. هناك أربع نظريّات أساسيّة في هذه المجال: (1) الإشراط الاستثابيّ (2) الإنصاف (3) الهدف (4) التوقّع. نظريّة الإشراط الاستثابي هذه النظريّة هي أبسط النظريّات الدافعيّة. فهي تنصّ ببساطة على أنّ الأشخاص سيؤدّون المهام التي تكافئهم ويتجنّبون المهام التي تعاقبهم. تسمّى هذه الفكرة أحيانًا "قانون الأثر". تشمل نظريّة الإشراط الاستثابيّ رؤىً أفضل من مجرّد فكرة "كافئ ما ترغب وعاقب ما لا ترغب" فحسب، فالمعرفة بمبادئها تساعد في الممارسة الإداريّة الناجحة. تركّز نظريّة الإشراط الاستثابيّ على تعلّم السلوكيّات الإراديّة. يدلّ مصطلح الإشراط الاستثابيّ (operant conditioning) على أنّ التعلّم ينتج من عملنا في المحيط. بعد أن "نعمل في محيطنا" (أي نتصرّف بطريقة معيّنة) تحدث النتائج. تحدّد هذه النتائج احتماليّة تكرار هذه السلوكيّات في المستقبل. يحدث التعلّم بسبب فعلنا لأمرٍ ما للمحيط، ثمّ يتفاعل المحيط مع هذا الفعل ويتغيّر سلوكنا على أساس رد الفعل هذا. نموذج الاستثابة الأساسي وفقًا لنظريّة الإشراط الاستثابيّ (operant conditioning theory)، يتصرّف الأشخاص بطريقة محدّدة بسبب نتائج تصرّفهم السابق. تتضمّن عمليّة التعلّم هذه ثلاث خطوات مميّزة (راجع الجدول 7.2). الخطوة الأولى تتضمّن محفّز (م) وهو أي موقف أو حدث يتطلّب منّا التجاوب معه. فالواجب المنزليّ مثلًا هو محفّز. الخطوة الثانية تتضمّن استجابة (س) وهي أي سلوك أو تصرّف نتّخذه كردّ على المحفّز. السهر الطويل ليلًا لحلّ واجبك المنزليّ قبل الموعد المحدّد له هو استجابة. (نستعمل هنا كلمتي الاستجابة والسلوك بتبادليّة). أخيرًا النتيجة (ن) هي أي حدث يتلو استجابتنا ويجعلها أكثر أو أقلّ احتمالًا لأن تتكرّر في المستقبل. إن تلقّت كولين سوليفان (Colleen Sullivan) المديح من المسؤول عنها، وإن كان هذا المدح يُسعدها؛ فمن المرجّح أن كولين ستعمل بجدٍّ وتكرّر سلوكها الإيجابي في المستقبل. بالمقابل في حال تجاهُل المدير استجابة كولين (العمل بجدّ) أو في حال انتقادها فمن المرجّح أن تتجنّب كولين العمل بجدّ في المستقبل، فالنتيجة المحسوسة (إيجابيّة كانت أم سلبيّة) هي التي تؤثر على تكرار الاستجابة عند حدوث المحفّز مرّة أخرى. النظريات المنهجية للدافعية نموذج الاستثابة العام: م←س←ن طرق لتعزيز العلاقة م←س 1. م←س←ن+ تعزيز إيجابّي 2. م←س←(ن-) تعزيز سلبيّ 3. (م-)←س←(لا ن) تعلّم التجنّب طرق لإضعاف العلاقة م←س 1. م←س←(لا ن) لا تعزيز 2. (م-)←س←ن عقاب table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 7.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). يحدث التعزيز (reinforcement) عندما تجعل النتيجةُ الاستجابةَ/السلوكَ أكثر تكرارًا في المستقبل. في المثال السابق كان المديح من المدير للموظّفة كولين مُعزِّزًا. يحدث الإخماد (extinction) عندما تجعل النتيجةُ الاستجابةَ/السلوكَ أقلّ تكرارًا في المستقبل، نقد المدير لكولين مثلًا قد يجعلها تتوقّف عن العمل بجدّ في أي مهمّة مستقبلًا. هناك ثلاثة طرق لجعل استجابة ما أكثر احتماليّة للتكرار: التعزيز الإيجابيّ والتعزيز السلبيّ وتعلّم التجنّب. هنالك كذلك طريقتان لجعل الاستجابة أقلّ تكرارًا، هما: اللاتعزيز والعقاب. جعل استجابة أكثر تكرارًا وفقًا للباحثين في التعزيز، يمكن للمديرين أن يشجّعوا الموظّفين على تكرار سلوك معيّن إن وفّروا نتائج مرغوبة أو مكافآت بعد تأدية ذلك السلوك. التعزيز الإيجابيّ (positive reinforcement) هو نتيجة إيجابيّة تشبع حاجة ظاهرة أو تزيل عائقًا لإشباعها وتزيد احتماليّة تكرار سلوك ما مستقبلًا. قد يكون التعزيز الإيجابيّ بسيطًا، مثل كلمة لطيفة، أو كبيرًا مثل ترقية وظيفيّة. فمثلًا توفيرُ الشركات لعشاء مدفوع مكافأةً للموظّفين المجتهدين هو تعزيزٌ إيجابيّ. من المهمّ أن نلاحظ أنّ هناك تنوّع واسع فيما يعتبره الأشخاص معزّزًا إيجابيًّا، فقد يكون المديح من المدير المسؤول معزّزًا قويًّا لبعض الأشخاص (مثل الأفراد عالِيّ حـ - جـ) ولا يكون كذلك لأفراد آخرين. التعزيز السلبيّ (negative reinforcement)هو آليّة أخرى لجعل الاستجابة المرغوبة أكثر تكرارًا. فعندما يسبّب السلوك زوال شيء غير مرغوب يصبح احتمال تكرار السلوك في المستقبل أكبر. يستخدم المديرون التعزيز السلبيّ عندما يزيلون شيئًا غير مرغوب من بيئة عمل الموظّف آملين أن يشجّع ذلك السلوك المرغوب لديهم. لا يرغب طارق بأن يذكّره أحمد مرارًا وتكرارًا بأن يعمل عملًا أسرع (طارق يرى أن أحمد يضايقه) لذا يرتّب طارق الرفوف ترتيبًا أسرع لتجنّب انتقاد أحمد له. تذكيرات أحمد هي نوع من التعزيز السلبيّ لطارق. خذ حذرك عندما تقارب التعزيز السلبيّ. فغالبًا ما يتداخل مع مفهوم العقاب. يميل العقاب -على عكس التعزيز (السلبيّ أو الإيجابيّ)- إلى أن يوقف سلوكًا معيّنًا عن الحدوث (يمنعه من التكرار). في حين يميل التعزيز السلبيّ -كما الإيجابيّ- إلى جعل سلوك معيّن يحدث بتواترٍ أكبر. في المثال السابق، عاقبت تذكيرات طارق سلوك معيّن (الترتيب البطيء) وتعزيز سلوك آخر (الترتيب السريع) بشكل متزامن. عادة يكون الفارق بين الأمرين صغيرًا، لكنّه يتوضّح أكثر عندما نحدّد السلوكيّات الّتي نرغب في تشجيعها (تعزيز) أو تثبيطها (عقاب). الشكل 7.10 عمال يرتّبون البيض عامل يرتّب البيض في رفوف أحد المحلّات. فكّر في العلاقة بين طارق وأحمد عند تفاعلهما حول تسريع عمليّة الترتيب. ما الخطأ الّذي يمكن أن يحدث؟ (حقوق الصورة: Alex Barth/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). تعلّم التجنّب هو طريقة ثالثة لجعل سلوك معيّن أكثر تكرارًا. يحدث تعلّم التجنّب (avoidance learning) عندما نتعلّم أن نتصرّف بطريقة معيّنة لنتجنّب نتيجة غير مرغوبة أو غير محبّبة. قد نتعلّم أن نستيقظ قبل رنين المنبّه مباشرة لكي نطفئه ونتجنّب سماع رنينه المزعج. بعض العمّال يتعلّمون أن يذهبوا للعمل في الوقت المحدّد لتجنّب الكلمات القاسية أو الأفعال التأديبيّة من المشرفين عليهم. تعتمد العديد من آليّات التنظيم المؤسّساتي على تعلّم التجنّب عبر التهديد بنتائج سلبيّة لتشجيع السلوك المرغوب. عندما يحذّر المديرون موظّفًا ما من أن يتأخّر مجدّدًا أو يهدّدون عاملًا مُهمِلًا بالطرد أو ينقلون شخصًا ما إلى منصب غير مرغوب فهم يعتمدون على قوّة تعلّم التجنّب. جعل استجابة أقل تكرارًا في بعض الأحيان يكون من المهمّ أن نثبّط تكرار سلوك غير مرغوب من قبل الموظّفين. تتضمّن الآليّات الّتي يستخدمها المديرون لجعل سلوك معيّن أقل تكرارًا: فعل ما يجعل إشباع الفرد لرغباته مُنهِكًا أو ما يزيل وضعًا مشبعًا حاليًّا. العقاب (punishment) هو نتيجة مكروهة تتبع سلوكًا ما وتقلّل من تكراره. لاحظ هنا أنّ المديرين يمتلكون آليّة أخرى وهي اللاتعزيز (nonreinforcement)، وفيها لا يقّدمون أيّ نتيجة لسلوك العامل. يقلّل اللاتعزيز في نهاية المطاف من احتماليّة تكرار تلك الاستجابة، ما يعني أيضًا أنّ المديرين الذين لا يعزّزون السلوكيّات الإيجابيّة للموظّفين لديهم قد يسبّبون بذلك فقدان ذلك السلوك. إن كان أحمد لا يكافئ طارق أبدًا عند إنهاء مهمّته في وقتها -على سبيل المثل- فسيتوقّف طارق عن محاولة الإسراع غالبًا. يمكن أيضًا أن يقلّل اللاتعزيز من احتماليّة تكرار الموظّف لسلوك غير مرغوب، على الرغم من أن ذلك لا يحدث بالسرعة التي تحدث في حال تطبيق العقاب على ذلك السلوك. أيضًا فإن وُجدت نتائج معزِّزة أخرى لن يكون اللاتعزيز فعّالًا غالبًا. بينما يعمل العقاب بشكل واضح أسرع من اللاتعزيز، فهو يمتلك بعض التأثيرات الجانبيّة المحتملة غير المرغوبة، فعلى الرغم من أنّ العقاب يخبر الأشخاص بوضوح ما يجب ألّا يفعله ويوقف السلوك غير المرغوب، إلا أنّه لا يخبرهم ما يجب عليهم فعله. أيضًا حتّى عندما يؤدّي العقاب إلى نتيجة العمل المطلوب فالموظّف الذي تتم معاقبته عادةً ما تتولّد لديه مشاعر سلبيّة تجاه المسؤول عن عقابه. وعلى الرغم من صعوبة تجنّب المديرين لاستخدام العقاب، فهو يعمل بشكل أفضل عندما يستخدم مقترنًا بالتعزيز. وجدت دراسة أجراها باحثان في جامعة كانساس أنّ استخدام التعزيز غير النقديّ، بالإضافة للإجراءات العقابيّة التأديبيّة، أثبت فعاليّته في خفض معدّلات التغيّب عن العمل في المنشآت الصناعيّة. جداول التعزيز عندما يتعلّم الفرد سلوكًا جديدًا -مثل أداء عمل جديد- من المهمّ أن تُعَزّز السلوكيّات المثمرة في كلّ مرّة تظهر فيها (يسمّى هذا التشكيل). ولكن ذلك غير ممكن دائمًا في المؤسّسات لأسباب كثيرة. علاوة على ذلك، تشير الأبحاث أنّ تعزيز السلوكيّات المرغوبة باستمرار -ما يسمّى التعزيز المستمر- قد يكون ذا أثرٍ عكسيّ في نهاية المطاف، فالسلوكيّات المُتعلّمة تحت تأثير التعزيز المستمر لا تلبث أن تتراجع ومن ثم تتوقّف بسرعة؛ وهذا بسبب توقّع الأشخاص أنّهم سيكافَؤون (التعزيز) في كلّ مرّة يؤدّون فيها السلوك ذاته. وعندما لا يتلقون المكافأة بعد عدّة مرّات فسيفترضون سريعًا أنّ السلوك لم يعدّ يجلب التعزيز وسيتوقفون عن القيام به. يستطيع أيّ مدير أن يغيّر سلوكيّات موظّفيه عبر عدم إعطائهم أجورهم بكلّ بساطة! إن كان من غير الممكن (ولا يجب) تعزيز السلوك في كلّ مرّة يظهر فيها، فمتى يجب القيام بذلك؟ هذا هو السؤال حول جداول التعزيز (schedules of reinforcement) أو تكرار تعزيز السلوكيّات الفعّالة للموظّف. ركّزت أغلب الأبحاث في الإشراط الاستثابي على الطريقة المثلى للحفاظ على الأداء في سلوكيّة معيّنة مرغوبة، أي أنّها حاولت أن تحدّد متى يجب أن تُعزّز السلوكيّات لكيلا تنطفئ. ووصلت الأبحاث إلى أربعة أنواع من جداول التعزيز: معدّل ثابت (fixed ratio). في هذا الجدول، يجب أن يظهر السلوك لعدد معيّن من المرّات (5 مثلًا) قبل أن يُعزّز بأيّ شكل. فإن كانت الاستجابة المطلوبة هي الالتزام بموعد القدوم للعمل. يكون إعطاء الموظّفين علاوةً ثابتةً عن كل أسبوع يلتزمون فيه بالحضور المبكّر بمثابة تعزيزٍ ثابتِ المعدّل. معدّل متغيّر (variable ratio). يحدث التعزيز هنا بعد عدد ثابت -وسطيًّا- من مرات ظهور الاستجابة المطلوبة (5 مثلًا). فيحدث أحيانًا التعزيز بعد السلوك العاشر وأحيانًا أخرى بعد السلوك الأول، أيّ أنّ المعدّل يبقى ثابتًا (بعد 5 سلوكيّات). لا يعلم الموظّفون الذين يُطبّق عليهم هذا الجدول متّى سيتمّ تعزيزهم، لكنّهم يعلمون أنّهم سوف يكافئون. فواصل ثابتة (fixed interval). في هذا الجدول، يجب أن يمرّ وقت معيّن قبل أن يُعزّز السلوك. فمع جدول بفواصل ثابتة على أساس ساعة واحدة مثلًا، يزور المشرف محطّة عمل الموظّف ويعزّز أوّل سلوك مرغوب يراه. ثمّ يعود كذلك بعد مرور ساعة ويعزّز سلوكًا مرغوبًا آخر. هذا الجدول لا يعني أنّ التعزيز سيأتي بمجرد مرور الوقت؛ بل يجب أن يمرّ الوقت المحدّد كما يجب أن يظهر سلوك مناسب. فواصل متغيّرة (variable interval). يختلف هذا الجدول عن سابقه بأنّ الوقت المحدّد ينبغي أن يمرّ وسطيًّا قبل أن يُعزّز السلوك. أي قد تكون المدّة أطول وقد تكون أقصر، لكنها وسطيًّا ثابتة. أيّ الجداول هذه هو الأفضل؟ في العموم التعزيز المستمرّ هو الأفضل عندما يكون الموظّفون في مرحلة تعلّم مهام جديدة. بعد ذلك، تتفوّق جداول التعزيز متغيّرة المعدّل على الباقي. كما يكون الجدول ذو الفواصل الثابتة غالبًا الأقلّ تأثيرًا، أما جداول المعدّل الثابت والفواصل المتغيّرة فهي وسطيّة المفعول. لكن تذكّر أنّ تعزّز السلوك الفعّال باستخدام أحد هذه الجداول وإلّا سرعان ما سيزول هذا السلوك الإيجابي. نظرية الإنصاف فلنفرض أنّك تعمل في شركة ما لعدّة سنوات بأداء ممتاز وأنّك كنت تتلقّى علاوات منتظمة وكنت منسجمًا بشكل جيّد من مديرك وزملائك. تأتي إلى عملك يومًا ما وتجد أنّ شخصًا آخر قد عُيّن لأداء وظيفتك نفسها. في البدء تسعد لوجود شخص يساعدك. ثمّ تكتشف أنّ هذه الشخص يتلقّى أجرًا أعلى منك بمقدار 100$ أسبوعيًّا، بالرغم من أقدميّتك وخبرتك الكبيرة. كيف ستشعر؟ إن كنت شخصًا طبيعيًّا، ستكون مستاءً حقّا. تبخّر رضاك للتوّ. لم يتغيّر أيّ شيء في وظيفتك؛ لا تزال تؤدّي نفس المهام عند نفس الموظّف المسؤول وتتلقّى نفس الأجر، وبالرغم من ذلك فإنّ مجرّد إضافة موظّف جديد حوّلتك من موظّف سعيد إلى موظّف حزين. هذه الشعور بالظلم هو أساس نظريّة الإنصاف. تنصّ نظريّة الإنصاف (equity theory) على أن الدافعيّة تتأثّر بالنتائج الّتي نتلّقاها على أفعالنا بالمقارنة مع نتائج وأفعال الآخرين. تهتمّ هذه النظريّة بتفاعلات الأشخاص مع النتائج الّتي يحصلون عليها على أنها جزءٌ من "تبادل اجتماعيّ". فوفقًا لنظريّة الإنصاف يعتمد تفاعلنا مع النتائج الّتي نحصل عليها من الآخرين (مدير مثلًا) على كيف نقدّر هذه النتائج بشكل مطلق كما يعتمد على الظروف المحيطة لذلك. تقترح نظريّة الإنصاف أن تفاعلاتنا تتأثّر بإدراكنا للأفعال الّتي قدّمناها للوصول لهذه النتائج ("هل حصلت على ما أستحقه لقاء ما بذلته في هذا الأمر؟"). والأهمّ من ذلك هو مقارنتنا لذلك مع ما نظنّ أنّ الآخرين تلقّوه لقاء أفعالهم ("هل حصلت على ما يماثل ما حصل عليه زملائي في هذا الأمر؟"). نموذج الإنصاف الأساسي المبدأ الأساسيّ لنظريّة الإنصاف هو أنّنا نراقب باستمرار درجة "عدالة" بيئة عملنا. ونستعمل -لتحديد درجة الإنصاف- مجموعتين من معايير المدخلات والمخرجات (راجع الشكل 7.11). المدخلات (inputs) هي عوامل نساهم فيها للمنظّمة ونشعر بأنّ لها قيمة ما وأنّها متعلّقة بعمل المنظّمة. لاحظ أنّ القيمة المرتبطة بالعامل المدخل مبنيّة على إدراكنا نحن لقيمتها وعلاقتها، ومن غير المهمّ اتّفاق الآخرون معنا على قيمة وعلاقة هذه العامل. من المدخلات الشائعة في عمل المؤسّسات: الوقت والجهد ومستوى الأداء ومستوى التعليم ومستوى المهارة والفرص المهدرة. وبما أنّ أيّ عامل نراه ذا علاقة ينضمّ لتقييمنا للإنصاف، فمن الممكن أن تشمل هذه الفكرة عوامل قد تعتبرها الشركة (أو حتّى القانون) غير ملائمة (مثل العمر والجنس والعرق والحالة الاجتماعيّة). الشكل 7.11 مقارنة نظريّة الإنصاف (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). المُخرجات (outcomes) هي كل ما نُدركه على أنّه مردود من المؤسّسة لقاء مدخلاتنا. تتعلّق قيمة المخرجات أيضًا بإدراكنا ولا تتعلّق بالضرورة بنظرتنا تجاه الواقع بحياديّة. تتضمّن بعض المخرجات الشائعة لدى المؤسّسات: الأجور وظروف العمل وحالة العمل وإحساس الإنجاز وفرص تكوين الصداقات. تؤثّر المخرجات السلبية والإيجابيّة على تقديرنا للإنصاف. قد تشمل المخرجات أيضًا التوتّر والصداع والإرهاق. وبما أنّ المخرجات (الّتي نراها متعلّقة بالتبادل) تؤثّر على إدراكنا للإنصاف فإنّنا نستخدم أحيانًا عوامل غير مُحدِّدة (رفض الأقران وردود فعل العائلة). ترى نظريّة الإنصاف أنّنا سنقارن كل المخرجات الّتي نحصل عليها مع المدخلات الّتي نبذلها على شكل معدّل. وعلى أساس هذا المعدّل نقرّر ما إذا كان الموقف منصفًا أم لا. فإن رأينا أنّ المخرجات تتناسب مع ما قدمناه من مدخلات سوف نشعر بالرضا. أمّا إن رأينا عكس ذلك فسنشعر بالاستياء. قد يقود هذه الاستياء إلى سلوكيّات غير صحيحة في المؤسّسة. العامل الرئيسيّ في نظريّة الإنصاف هو توقّعها بأنّنا سنقارن معدلّاتنا (مخرجات\مدخلات) مع معدّلات الآخرين، وهذه المقارنات هي الّتي تملك الأثر الأكبر على إدراكنا للإنصاف. نسمّي الآخرين في هذه الحالة بالمرجعيّين لأنّنا "نَرجِع" إليهم عندما نحكم على عدالة موقف ما. عادةً، يكون المرجعيّون أشخاصًا نعمل معهم ويمارسون عملًا شبيهًا بعملنا؛ أي أنّ الأشخاص المرجعيّين (referent others) يؤدّون أعمالًا مشابهة في صعوبتها وتعقيدها لعمل الموّظف الذي يقيّم عدالة الموقف (راجع الشكل 7.11). يمكن أن تنتج ثلاث حالات عن المقارنة هذه. حالة الإنصاف (state of equity) هي كون معدّل المدخلات للمخرجات لدينا يساوي معدّل الشخص المرجعيّ. أمّا المكافأة الزائدة (overreward inequity) فهي حالة كون معدّلنا أعلى من معدّل الشخص المرجعيّ. والحالة الثالثة هي المكافأة الناقصة (underreward inequity) وهي إدراكنا لأنّ معدلنا أقلّ من معدّل الشخص المرجعيّ. تقول نظريّة الإنصاف الكثير عن الميولات البشريّة. فدافعنا لمقارنة وضعنا مع الآخرين هو دافع قويّ. على سبيل المثال، ما هو أوّل ما تفعله عندما تحصل في صفّك المدرسيّ على نتائج الامتحان؟ ستلقي غالبًا نظرة على علامتك وإعطاء تقدير مبدئيّ لمدى إنصافها. وبالنسبة للعديد من الأشخاص فإنّ الخطوة التالية مباشرة هي سؤال الآخرين عن علاماتهم. فعلامة 75 لا تبدو سيّئة إن كانت أعلى علامة في الصفّ! وهذه تطبيق عمليّ لنظريّة الإنصاف. في الكثير من الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية يكون أغلب العاملين غير راضين -على الأقلّ جزئيًّا- عن أجورهم. تساعد نظريّة الإنصاف على فهم ذلك. هناك ميولان بشريّان يولّدان الشعور بعدم الإنصاف غير المدعوم واقعيًّا، الأوّل هو ميلنا للتقدير الزائد لأدائنا. على سبيل المثال، أُجريت إحدى الدراسات من قبل مؤلّفي الكتاب وطلبوا فيها من أكثر من 600 موظّف أن يقيّموا أدائهم على مقياس من 1 (سيّء) إلى 7 (ممتاز) وذلك بإخفاء الأسماء. معدّل الإجابات كان 6.2 وهو ما يعني أنّ الموظّف المتوسّط قيّم عمله على أنّه جيّد جدًّا أو ممتاز. يعني ذلك أيضًا أنّ الموظّف المتوسّط يتوقّع علاوات ممتازة، وهو ما لا يستطيع أغلب المديرين توفيره. وجدت دراسة أخرى أنّ الموظّف المتوسّط (أيّ الّذي أداؤه أفضل من نصف الموظّفين في المؤسّسة وأسوأ من النصف الآخر) قيّم أداءه على أنّه أفضل من 80% من الموظّفين (وأقلّ من 20% الآخرين).مجدّدًا سيكون من الصعب على الشركات أن تُكافئ الموظّفين بناءً على هذا التوقّع. بعبارة أخرى، أغلب الموظّفين يقدرّون أدائهم بشكل زائد وغير دقيق وهو ما يؤدّي إلى ما يشعر به الموظّفون على أنّه عدم إنصاف غير مبرّر. أمّا الميل البشريّ الثانيّ الّذي يوجد الشعور بعدم الإنصاف هو تقديرنا الزائد للمخرجات الّتي يتلقّاها الآخرون. يُبقي العديد من المديرين سلّم الرواتب لديهم "سرّيًّا". في حين يحظر آخرون موظّفيهم عن الحديث حول رواتبهم. هذا يعني أنّ العديد من الموظّفين لا يعلمون بشكل دقيق الأجر الّذي يتلقّاه زملاؤهم. وبسبب تقديرنا الزائد لأجور الآخرين؛ نميل للاعتقاد بأنّهم يتلقّون أجرًا أعلى منّا ومن هنا ينشأ إحساسنا بعدم الإنصاف. في نهاية الأمر يجب على المديرين أن يراعوا حاجة الموظّفين للإنصاف. يجب أن يفعل المديرون كل استطاعتهم لمنع مشاعر عدم الإنصاف؛ لأنّ الموظّفين ينخرطون في سلوكيّات فعّالة عندما يشعرون بالإنصاف وفي سلوكيّات غير فعّالة عندما يشعرون بعدم الإنصاف. الشعور بالمكافأة الزائدة (عدم الإنصاف) عندما نشعر بوجود مكافأة زائدة (أي أنّنا نتلقّى مخرجات أفضل من الآخرين بغير وجه حقّ)؛ فمن النادر أن نشعر بالاستياء أو الذنب أو أن نندفع لنحدث تغييرات تنتج حالة الإنصاف (أو أن نترك الموقف). فشعور المكافأة الزائدة عندما يحدث يكون عابرًا. قلّة هم من يذهبون إلى المديرين المسؤولين عنهم ويشتكون من كونهم يتلقّون أجرًا أعلى من المستحقّ! أغلب الأشخاص هم أقلّ حساسيّة تجاه المكافأة الزائدة من المكافأة الناقصة. ولكن بالرغم من الاحتمال الضعيف لاتّخاذ إجراء ما تجاه المكافأة الزائدة؛ فإنّنا نستخدم نفس الآليّات التي نستخدمها لمواجهة المكافأة الناقصة. الشعور بالمكافأة الناقصة (عدم الإنصاف) عندما نشعر بنقص المكافأة (أي أنّنا نتلقّى مخرجات أقلّ من الآخرين بغير وجه حقّ) فسنكون غالبًا مستائين وسيدفعنا ذلك لتغيير الوضع (أو تركه) من أجل إنتاج شعور بالإنصاف. وكما نناقش باختصار، يمكن للأشخاص أن يتّخذوا العديد من الإجراءات للتعامل مع عدم الإنصاف في حال المكافأة الناقصة. خفض عدم الإنصاف بالمكافأة الناقصة يساعدنا المثال البسيط التالي على شرح نتائج عدم الإنصاف. حسن ومازن عاملان في مصنع للسيارات مهمّتهما شدّ براغي العجلات على خطّ الإنتاج، حسن يعمل على اليسار ومازن يعمل على اليمين. إنّ مدخلاتهما متساوية (كلاهما يعملان على نفس عدد البراغي بنفس السرعة) ولكن حسن يتلقّى أجرًا قدره 15000 أسبوعيًّا أمّا مازن فيتلقّى 20000. فتكون معدلّات الإنصاف لديهم كالتالي: 15000 20000 حسن: مازن: 10 براغي لكلّ سيّارة 10 براغي لكلّ سيّارة كما ترى فمعدلّاتهما غير متساوية: مازن يتلّقى مخرجات أكبر رغم تساوي مدخلاتهما. من منهما يعاني من عدم الإنصاف؟ وفقًا لنظريّة الإنصاف كلاهما في الواقع، يعاني حسن من المكافأة الناقصة، في حين يختبر مازن المكافأة الزائدة. لن يدوم عدم الإنصاف لدى مازن في الحقيقة، ولكن في مثالنا المفترض هذا، كيف يمكن أن يحلّ حسن هذه المشكلة؟ حدّد آدامز (Adams) عددًا من الأشياء التي يمكن أن يفعلها الأشخاص لتخفيف التوتّر الناجم عن الشعور بعدم الإنصاف، وهي إما أن يغيّروا مدخلاتهم أو مخرجاتهم أو يغيّروا مدخلات أو مخرجات الشخص المرجعيّ أو أن يتركو الموقف ببساطة: تغيير مدخلات الشخص: يمكن تغيير الشعور بعدم الإنصاف عبر تغيير مدخلاتنا. أي خفض كميّة أو نوعيّة أدائنا. فيمكن لحسن أن يتباطأ ليركّب 9 براغي لكلّ سيارة فحسب. ولكنّه هكذا سيخاطر بخسارة وظيفته لذا لن يفعل ذلك غالبًا. تغيير مخرجات الشخص: يمكن أن نحاول أن نزيد من مخرجاتنا للوصول لحالة الإنصاف، كأن نطلب علاوة أو مكتبًا أفضل أو ترقية أو غيرها. لذا غالبًا سيطلب حسن علاوةً. مع الأسف قد يحسّنُ العديد من الموظّفين مخرجاتهم عبر السرقة. تغيير مدخلات الشخص المرجعيّ: قد نحاول الوصول لحالة الإنصاف عبر تشجيع الشخص المرجعيّ لزيادة مدخلاته. فقد نطلب منه على سبيل المثال أن يقسو على نفسه قليلًا أو حتّى نساعده على رفع أدائه. لا يهمّ إن كان الآخر يقسو على نفسه أصلًا لأنّ ما يهمّ هنا هو شعورنا بذلك. في مثالنا هذا يمكن أن يطلب حسن من مازن أن يركّب اثنين من براغيه العشرة على كلّ سيارة. هذا غالبًا لن يحصل لذا سيبحث حسن عن أساليب أخرى للوصول للشعور بالإنصاف. تغيير مخرجات الشخص المرجعيّ: يمكننا أن "نصحّح" حالة عدم الإنصاف بالمكافأة الناقصة عبر تخفيض قيمة مخرجات المرجعيّ بشكل مباشر أو غير مباشر. ففي مثالنا يمكن أن يحاول حسن أن يطالب بإنقاص أجر مازن. هذا أيضًا لن يحدث غالبًا في مثالنا. تشويش إدراكنا للمدخلات والمخرجات: من الممكن أن ننقص حالة عدم الإنصاف بدون تغيير أيّ مدخلات أو مخرجات، وذلك عبر تشويش إدراكنا لها أو إدراك الشخصّ المرجعيّ لها. أي يمكن أن يقول حسن لنفسه "مازن يتلقّى أجرًا أقلّ ممّا أتوقّع." اختيار شخص مرجعيّ آخر: يمكننا أيضًا أن نتعامل مع حالتي عدم الإنصاف عبر تغيير الشخص المرجعيّ (وضعي أشبه بوضع أحمد). هذه أبسط وأقوى طريقة للتعامل مع الشعور بعدم الإنصاف: فهي تتطلّب تغييرات حقيقيّة ولا شعوريّة في مدخلات أو مخرجات أيّ أحد. وتجعلنا نبحث حولنا ونقيّم الوضع بحذر أكبر. على سبيل المثال يمكن أن يختار حسن شخصًا مرجعيًّا آخر (العامل بلال مثلًا) وهو يثبّت لوحات القيادة ( وهو عمل شاقّ) لكنّه يتلقّى أجرًا أقلّ منه. ترك الموقف: الآليّة الأخيرة للتعامل مع الشعور بعدم الإنصاف هي إزالة أنفسنا من الموقف. قد نختار أن نحقّق هذا عبر التغيّب عن العمل أو نقل أو إنهاء العمل. عادةً لا يختار الشخص هذه الطريقة ما لم يكن شعوره بعدم الإنصاف مرتفعًا بشّدة ولم تكن الطرق الأخرى ممكنة. من الصعب على حسن أن يجد عملًا آخر بنفس الأجر لذا من غير المتوقّع أن يختار هذا الحلّ أيضًا. تطبيقات نظريّة الإنصاف تستخدم نظريّة الإنصاف بشكل شائع وتطبيقاتها واضحة. في غالبيّة الحالات يعاني الموظّفون (أو هكذا يشعرون) من عدم الإنصاف بنقص المكافأة وليس بزيادة المكافأة. وكما ناقشنا أعلاه، أغلب السلوكيّات الّتي يمكن اتّخاذها سيّئة للمديرين. لذا يحاول المديرون تجنّب شعور الموظّفين غير الضروريّ بعدم الإنصاف بعدّة طرق. يحاولون أن يعدلوا قدر الإمكان في الأجور؛ أي أنّهم يحاولون قياس الأداء بأعلى دقّة ممكنة. ثانيًا، أغلب المديرين حاليًّا لا يبقون جداول الرواتب سريّة. الأشخاص فضوليّون بطبيعتهم لأن يعرفوا كيف يقارن أجرهم مع أجور الموظّفين الآخرين. هذا لا يعني أن يتخلّى المديرون عن السرّية، فهم عادة لا يكشفون الرواتب الدقيقة لكلّ فرد بل يعطون حدودًا دنيا وعليا لكلّ وظيفة. تعطي هذه الممارسات إدراكًا واقعيًّا أكثر عن حكمهم على الإنصاف في المؤسّسة. يلعب المشرفون دورًا أساسيًّا في بناء الشعور بالإنصاف. بقيامهم "بالتفضيل" بين العاملين يُنشرُ الشعور بعدم الإنصاف. يرغب الموظّفون بأن يُقدّروا بناء على قدراتهم لا على نزوات المشرفين عليهم، إضافةً إلى ذلك يجب أن يدرك المشرفون الاختلافات في ردود الفعل عند الشعور بعدم الإنصاف بين الموظّفين. بعض الموظّفين حسّاسون جدًّا لهذا الموضوع ويجب أن يكون المشرف حريصًا للغاية على مثل هؤلاء. الكلّ حساسون لتوزيع المكافآت، لكنّ "الحسّاسين للإنصاف" هم الأشد تأثّرًا. فيكون تطبيق العدل ببساطة مبدأً مهمًّا للمشرفين. لا تَبني مكافأة أو عقابًا معيّنًا أبدًا على محبّتك للموظّف فحسب، بل كافئ السلوكيّات الّتي تخدم الشركة وصوّب تلك الّتي لا تخدمها. احرص على فهم موظّفيك لما هو متوقّع منهم وامدحهم عندما يفعلون ذلك. هذه الممارسات تجعل الجميع أسعد كما تجعل عملك أسهل. نظرية الهدف لا توجد نظريّة مثاليّة. وإن كانت مثاليّة فهي ليست نظريّة بل ستكون مجموعة من الحقائق. في حين أنّ النظريّات هي مجموعة من الافتراضات التي تصحّ أكثر مما تُخطئ، لكنها ليست معصومة عن الخطأ. على أيّة حال فإن أساسيّات نظريّة الهدف تقترب جدًّا من أن تكون معصومة عن الخطأ. فهي حقًّا إحدى أقوى نظريّات السلوك المؤسّساتي. نموذج تحديد الهدف الأساسي تنصّ نظريّة الهدف (goal theory) على أنّ الأشخاص يؤدّون بشكل أفضل إن كانوا يملكون أهدافًا أو طموحات صعبة ومحدّدة ومقبولة. الفرض الأساسيّ والأوّل لهذه النظريّة هو أن الأشخاص سيحاولون الوصول للأهداف الّتي ينوون تحقيقها، أي أنّنا إن نوينا تحقيق شيء ما (كنيل علامة ممتاز في امتحان ما) سنبذل جهدًا لتحقيق ذلك أكثر من الجهد الّذي كنّا سنبذله في هذه المهمّة (الدراسة) بدون وضعنا لهذا الهدف. فالطلّاب الّذين يرغبون بنيل علامات ممتازة يدرسون أكثر من الطلّاب الّين لا يملكون هذه الهدف، ونعلم ذلك جميعًا. لا يعني هذا أنّ الأشخاص الّذين لا يضعون هدفًا لا يمتلكون دافعًا، بل يعني ببساطة أنّ الأشخاص الذين يضعون هدفًا يملكون دافعًا أكبر، وأنّ شدّة دافعيّتهم أكبر وأكثر توجّهًا. الفرض الثاني لنظريّة الهدف هو أن الأهداف الصعبة تُعطي نتائج أفضل من تلك السهلة. لا يعني ذلك أنّ الأهداف الصعب تُحقّق دائمًا بل يعني أن أداءنا سيكون عادة أفضل عندما ننوي تحقيق أهداف أصعب، فدراستك لتحقيق علامة ممتاز في فحص مادة معيّنة قد لا تؤدّي سوى لعلامة جيّد جدًّا، والّتي لم تكن لتحصل عليها لولا ذلك المجهود. تؤدّي الأهداف الصعبة لبذلنا المزيد من الجهد وهذا يعني دائمًا أداءً أفضل. فرض آخر لنظريّة الهدف يقول أنّ الأهداف المحدّدة أقل من الأهداف المبهمة. نتساءل غالبًا إلام نحتاج لننجح. فإن سألت أستاذك الجامعيّ "ما الّذي عليّ فعله لأحصل على درجة ممتاز في الامتحان؟" وأجابك "ادرس جيّدًا في الامتحان" فلن تستفيد شيئًا من هذا الهدف المبهم. تنصّ نظريّة الهدف على أنّنا نؤدّي أداء أفضل عندما نمتلك أهدافًا محدّدة. فلو قال لك أستاذك أنّ السرّ لتمكّنك من الامتحان هو أن تجيب على جميع المسائل وتهتمّ اهتمامًا خاصًّا لأسئلة المقالات في الامتحانات وأن تضع علامة التسعين هدفًا لك؛ لكان لديك ما تركّز عليه لتبني استراتيجيّتك للوصول إلى هدفك (العلامة الممتازة). فرضٌ رئيسيٌّ لنظريّة الهدف هو أنّ الأشخاص يجب أن يتقبّلوا هدفهم. نضع نحن أهدافنا الخاصّة بنا عادةً. لكن بعض الأحيان يضعها الآخرون لنا. فأن يقول أستاذك لك أن هدفك يجب أن يكون "الحصول على علامة 90 في كلّ امتحاناتك" لا يعني بأنّك ستتقبّل هذا الهدف. فلربّما لا تشعر بالرغبة لذلك. أو قد تعتقد أن علامة 90 ليست كافية في هذه المادة. يحدث هذا في المؤسّسات بشكل متكرّر، حيث يعطي المشرفون أوامر بأن يُنجَز شيء ما في وقت معيّن. قد يفهم الموظّفون ما قلته بشكل كامل لكنهم قد يشعرون بأنّه طلب غير معقول أو مستحيل فلا يبذلون الجهد الكافي لتحقيقه. لذا من المهم أن يتقبّل الأشخاص الهدف الّذي يسعون خلفه. يجب أن يشعروا بأنّ هذا الهدف هو هدفهم هم أيضًا. فإن لم يشعروا بذلك، تتوقّع نظريّة الهدف أنّهم لن يحاولوا بالقدر المطلوب لتحقيق الهدف. تنصّ نظريّة الهدف أيضًا على أنّ الأشخاص يجب أن يلتزموا بالهدف بالإضافة لتقبّله. الالتزام بالهدف (goal commitment) هو درجة تكريسنا لأنفسنا لتحقيق هدف ما. الالتزام بالهدف هو تحديدٌ للأولويّات، قد نتقبّل هدفًا (حضور كافّة المحاضرات والتركيز فيها وكتابة الملاحظات على سبيل المثال) لكنّنا نجد أنفسنا في النهاية لم نحقّق سوى القليل منها. بعبارة أخرى، بعض الأهداف أهمّ من غيرها. ونحن نبذل مجهودًا أكبر على أهداف معيّنة. يحدث هذا أيضًا في العمل المتكرّر. يمتلك مبرمج ما هدفًا أساسيًّا هو أنّ يصمّم برنامجًا جديدًا وهدفًا ثانويًّا هو أن يتابع ويحافظ على برامجه القديمة. الهدف هذا ثانويّ بالنسبة له لأنّه مملّ عكس الهدف الأساسيّ الممتع. وفي هذه الحالة تتوقّع نظريّة الهدف أن يكون التزام المبرمج بالهدف الأساسيّ أكبر وبالتالي شدّة دافعيته له ستكون أكبر. السماح للأشخاص بالمشاركة في عمليّة تحديد الهدف تؤدّي غالبًا لالتزام أكبر. لهذا الأمر علاقة بالملكيّة. وعندما يشارك الأشخاص في العمليّة فهم يميلون لإشراك عوامل يرونها أكثر أهميّة وتحدّيًا وممكنةً أكثر. لذا يُنصح بالسماح لإضافة الأشخاص لبعض العمليّات خلال عمليّة تحديد الهدف. ففرض الأهداف عليهم من الخارج ينتج عادةً التزامًا أقلّ وتقبّلًا أقلّ. نموذج تحديد الهدف الأساسيّ موجود في الشكل 7.12. تبدأ العمليّة عند قيمنا. القيم هي كيف نعتقد أنّ العالم يجب أن يكون وهي غالبًا مرتبطة بكلمات مثل "يجب" و"يفترض". ثمّ نقارن قيمنا هذه بوضعنا الحاليّ. فمثلًا تمتلك رندة في قيمها أن الجميع يجب أن يعملوا بجدّ. بعد قياسها لعملها الحاليّ إزاء هذه القيم استنتجت أنّها تخالف قيمها الخاصّة. بعد ذلك تبدأ عمليّتها لتحديد الهدف. ستحدّد رندة مجموعة من الأهداف الّتي تجعلها تعمل بجدّ. يشمل الشكل 7.12 أنواع الهدف الأربعة. بعض الأهداف نضعها لذاتنا (قرار رندة بأنّ عليها تحرير 70 صفحة يوميًّا). تُوضع الأهداف المشتركة بالاتّفاق مع آخرين (مثلًا تذهب رندة للنقاش مع المسؤول عنها ويتّفقان على بعض الأهداف المناسبة). في بعض الحالات الأخرى يتمّ تكليف الأهداف (رئيس رندة يخبرها أن عليها أن تحرّر يوميًّا ما لا يقلّ عن 60 صفحة). أمّا النوع الرابع فيمكن أن يوضع ذاتيًّا أو تشاركيًّا أو بالتكليف، وهو هدف "أفضل ما بوسعك". لكن انتبه إلى أن مثل هذا الهدف مبهم لذا لن يثمر عن أفضل أداء ممكن للفرد. الشكل 7.12 عمليّة تحديد الهدف (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). قد تبذل رندة جهدًا كبيرًا لتحقيق هدفها وقد لا تفعل ذلك؛ وذلك بناءً على خصائص أهدافها. لكي تبذل أقصى مجهود ممكن يجب أن يكون الهدف مُتحدّيًا ومحدّدًا ومقبولًا وأن تلتزم به. ومن ثمّ -إن امتلكت القدرة الكافية ولم تحل دون ذلك أيّ عوائق- من المفترض أن تبذل أقصى جهد ممكن. من العوائق الّتي من الممكن أن تعترض طريقها هي أعطال في الحاسوب الّذي تستخدمه والمداخلات المستمرة للمسؤول عنها. نتائج سعيها للوصول لهدفها ستكون شعورها بالرضا عن ذاتها. سيكون سلوكها متماشيًا مع قيمها. ستكون أكثر رضًا إن مدح المسؤول أداءها ويعطيها علاوة! في حالة رندة، قد ينتج عن تحقيقها لهدفها عدّة منافع. على أيّة حال لا يحدث هذا دائمًا. إن لم يحقّقوا أهدافهم فقد يصبح الأشخاص غير راضين عن أنفسهم كما قد يكون مديريهم غير راضين عنهم أيضًا. قد تجعل هذه التجارب الشخص الّذي تعرّض لها أقلّ تقبّلًا لأهداف جديدة في المستقبل. لذا يجب أن نشدّد على أهميّة أن تكون الأهداف مُتحدّية لكن منطقيّة. قد تكون نظريّة الهدف أداة دافعيّة عظيمة. في الحقيقة، تمارس العديد من المنظّمات إدارة ناجحة عبر استخدام ما يسمّى "الإدارة بواسطة الأهداف" (management by objectives MBO). وهي آليّة مبنيّة على نظريّة الهدف وهي فعّالة، سيّماعندما تُطَبّق بالتماشي مع فرضيّات نظريّة الهدف. بالرغم من نقاط القوّة العديدة التي تتميّز بها نظريّة الهدف، إلا أنه يجب أخذ الحذر من عدّة نواحي عند تطبيقها وتبنّيها. عرّف لوك (Locke) أغلب هذه النقاط. أوّلًا: وضع أهداف في مجال معيّن قد يؤدّي إلى تجاهل المجالات الأخرى، في مثالنا السابق قد تحرّر رندة 70 صفحة في اليوم لكنّها تتجاهل مسؤوليّاتها في التدقيق اللغويّ. من المهمّ أن تكون الأهداف الموضوعة تشمل أغلب المهامّ. ثانيًا: قد تملك الأهداف الموضوعة أحيانًا نتائج غير متوقّعة، على سبيل المثال قد يضع موظّفون أهدافًا سهلة للغاية لكي يظهَروا بمنظر جيّد عندما يحقّقونها، أو قد تسبّب الأهداف منافسة غير جيّدة بين الموظّفين، أو قد يفسد أحد الموظّفين عمل الآخر ليصبح الوحيد الذي حقّق أهدافه. يستخدم بعض المديرين أسلوب تحديد الأهداف بطرق غير أخلاقيّة، فقد يتلاعبون بالموظّفين عبر وضع أهداف مستحيلة، وهو ما يمكّنهم من انتقاد الموظّفين حتّى عندما يؤدّون أفضل ما لديهم، وهذا السلوك في الواقع يولّد الكثير من التوتّرداخل بنية المؤسسة. لا يجب استغلال عمليّة تحديد الأهداف أبدًا. ربّما يكون الحذر الأساسيّ حول وضع الأهداف هو أنّها قد تجعل التركيز الرئيسيّ على القياس الكمّي للأداء وليس النوعيّ. يجب أن يبقي المديرون تركيز الموظّفين منصبًّا على الجوانب النوعيّة من مهامهم بالإضافة إلى النواحي الكميّة. أخيرًا قد يؤدي وضع أهداف فرديّة في بيئة عمل جماعيّة إلى نتائج عكسيّة على الإنتاجيّة. ومن الأفضّل إيجاد أهداف جماعيّة يمكن من خلالها أن يعتمد الموظّفون على بعضهم البعض لتحقيقها. لا تهدف هذه التحذيرات إلى صرفك عن استخدام نظريّة الهدف، بل لمساعدتك على تجنّب بعض الأخطاء الممكنة. تذكّر أنّ الموظّفين يملكون الحقّ في أن يكون هناك توقّع منطقيّ لأدائهم وفي مكافآت تتناسب مع أدائهم. كما أنّ للمنظّمات الحقّ في أن تتوقّع أعلى أداء ممكن من موظّفيها. يجب أن تُستخدم نظريّة الهدف في تحسين العلاقات الوظيفيّة، ويجب أن يكون فحوى نظريّة الهدف هو أنّ على الأفراد بذلُ الجهد في سبيل تحقيق الأهداف الصعبة والمقبولة من قبلهم وذات الطبيعة المحدّدة. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Work Motivation for Performance) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: نظرية التوقع وتأثيرها على الدافعية في العمل المقال السابق: هرمية ماسلو للاحتياجات
  15. لا يكتمل أيّ نقاش حول الدوافع بدون ذكر أبراهام ماسلو Abraham Maslow. تعرّف آلاف المديرون على نظريّة ماسلو عبر كتابات دوغلاس ماك غريغور Douglas McGregor في الستينيّات من القرن الماضي. العديد منهم أيضًا لا يزالون يتكلّمون عن دوافع الموظّفين عبر نظريّة ماسلو. ماسلو هو عالم نفس أطلق نظريّته حول تصنيف حاجات الإنسان بشكل هرميّ بناءً على دراساته مع الكائنات البدائية (القرود) وملاحظته للمرضى ونقاشاته مع الموظّفين في المؤسّسات. وتوصّل إلى أنّ الحاجة التي ستصبح حاجة ظاهرة، يجب أن يسبقها تلبية لحاجات أخرى. على سبيل المثال: تسبق حاجتنا للمياه حاجتنا للتواصل الاجتماعي (يسمّى هذا أيضًا المُكنة المسبقة أو الأسبقيّة)، أي أنّنا دائمًا ما نلبّي حاجتنا للشراب قبل أن نلتفت لحاجاتنا الاجتماعيّة، وهذا يعني أنّ الماء يملك الأسبقيّة على الحاجات الاجتماعيّة. تتميّز نظريّة ماسلو عن نظريّات سابقيه بفكرتي الهرميّة والأسبقيّة. اقترح ماسلو خمس أنواع رئيسيّة من حاجات الإنسان. وهذا يختلف عن آلاف الحاجات التي اقترحا الباحثون الآخرون كما أنها أقل من الحاجات التي عرّفها موراي في نظريّته. اختصر ماسلو الحاجات إلى مجموعةٍ صغيرة. وهذه الحاجات الخمس هي كما يلي (بحسب ترتيب أسبقيّتها على السلوك الإنسانيّ): حاجات البقاء والحاجات الفيزيولوجية: هذه هي الحاجات الإنسانيّة الأكثر أساسيّةً وتتضمّن الحاجة للطعام والشراب والنوم والجنس والنشاط والتنبّه والأوكسجين. حاجات الأمن والأمان: هذه الحاجات الّتي تحمي حرّيّة الفرد من الخطر. مجموعة الحاجات هذه تتضمّن مواجهة المخاطر الوجوديّة؛ مثل الظروف البيئيّة الشديدة (الحرارة والغبار وغيرها) والاعتداء من الآخرين والطُغيان والقتل. بعبارة أخرى، يقينا إشباع هذه الحاجات من الخوف والقلق ويجعل حياتنا أكثر استقرارًا. الحاجات الاجتماعيّة: تعكس هذه الحاجات الرغبة الإنسان بأنّ يتلقّى العطف والمحبّة من الآخرين. ويكونون راضين تحديدًا عند وجود الشريك والأطفال والوالدين والأصدقاء والأقرباء والمقربين. تعبّر أحاسيس الوحدة والرفض عن أنّ هذه الحاجات لم تُشبَع. الحاجة للتقدير: التقدير يذهب أبعد من الحاجات الاجتماعيّة. فهو يعكس حاجتنا لأن يحترمنا الآخرون ولأن نقدّر أنفسنا. فيختلف كوننا محبوبين من الآخرين عن كوننا مُقدِّرين لمواهبنا وقدراتنا. تمتلك الحاجة للتقدير تركيزًا داخليًّا (الذات) وخارجيًّا (الآخرين). يتضمّن التركيز الداخليّ الرغبة في الإنجاز والقوّة والكفاءة والثقة والاستقلاليّة. أمّا التركيز الخارجيّ فيتضمّن الرغبة في التقدير والسمعة والتميّز والحصول على الانتباه والاحترام. كما قد يؤدّي إشباع حاجات التقدير الخارجيّة لإشباع حاجات التقدير الداخليّة. الحاجة لتحقيق الذات: الحاجة لتحقيق الذات هي أصعب الحاجات وصفًا. وعلى عكس باقي الحاجات فهذه الحاجة لا يمكن إشباعها أبدًا بشكل كامل. يتضمّن تحقيق الذات الرغبة في إشباع الذات "أي أن تصبح أكثر وأكثر ما أنت عليه وأن تصل لكلّ ما أنت قادر عليه". يختلف معنى تحقيق الذات بشكل كبير بسبب اختلاف الأشخاص في نقاط قوّتهم وضعفهم وقدراتهم وحدودهم. يعني إشباع حاجة تحقيق الذات أن نطوّر كل قدراتنا الخاصّة لأقصى درجة ممكنة. الشكل 7.5 متظاهر في سياتل حاملًا لافتة (حقوق الصورة: Adrenalin Tim /flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) يظهر الشكل 7.6 هرم ماسلو المقترح للاحتياجات. حسب هذه النظريّة، يوجّه الأشخاص اهتمامهم في إشباع الحاجات أسفل الهرم فحسب (الحاجات الفيزيولوجيّة والأمن والأمان). حالما تُشبع هذه الحاجات يتنشّط المستوى التالي لهم (الحاجات الاجتماعيّة). وحالما تشبه الحاجات الاجتماعيّة نركّز على تقدير الذات. يعتقد ماسلو أن أغلب الأشخاص يتوقفون عند هذه المرحلة. أي أنّ أغلب الأشخاص يمضون حياتهم في تكوين تقديرهم لذاتهم وللآخرين. لكن عندما يُحَقّق ذلك، تسيطر الحاجة لتحقيق الذات على حسب توقّع ماسلو. لا يوجد مستوى أعلى في الهرم لأنّ الحاجات لتحقيق الذات لا يمكن إشباعها بالكامل أبدًا. فهي تمثّل عمليّة مستمرة من تطوير الذات وتحسين الذات، وهذه العمليّة عند تمامها في جانب معيّن (الرسم مثلًا) تتنشّط في جانب آخر (النحت)، ما يجعل المرء يتساءل إن كان رياضيّون مثل تيم تيبو (Tim Tebow) يحقّقون ذاتهم عندما يشاركون في عدّة مسابقات رياضيّة على مستوى احترافيّ. الشكل 7.6 هرم ماسلو للاحتياجات المصدر: مبني على كتاب (A theory of human motivation) لصاحبه (A. H. Maslow). Psychological Bulletin 50:370–396. من مبادئ هذه النظريّة الأساسيّة أنّ انتباه الشخص (الاتّجاه) وطاقته (الشدّة) يركّزان على أخفض مستوى من الحاجات غير المشبعة. أيضًا يمكن أن تتحول الحاجات المشبعة في مرحلة ما إلى حاجات غير مشبعة نشطة مجدّدًا. يجب أن "تصان" الحاجات (فنحن نحتاج للطعام باستمرار). ووفقًا لماسلو، عندما يُنَشّط أحد المستويات السفلى مجدّدًا، يعود تركيزنا على هذا الحاجات. أي أنّنا نفقد اهتمامنا في الحاجات الأعلى عندما تتنشّط الحاجات الأساسيّة. إنّ تطبيقات نظريّة ماسلو في السلوك المؤسّساتي هي منهجٌ نظريّ بقدر ما هو عمليّ. تقترح النظريّة أن رفع الدافعيّة لدى الموظّفين يتطلّب من المديرين محاولة نقل اهتمام الموظّفين لديه إلى مستويات أعلى من الهرم. يعني هذا أنّ على المدير أن يساعد موظّفيه على تلبية حاجاتهم الأساسيّة الدنيا، مثل الأمان والحاجات الاجتماعيّة. فعندما تكون هذه الحاجات مشبعةً سيُدفع الموظّفون لبناء تقدير الذات والاحترام عبر العمل والإنجاز. يظهر الشكل 7.6 كيف ترتبط نظريّة ماسلو مع العوامل التي تؤثّر عليها المؤسّسة. على سبيل المثال، عند توفير الأجر الملائم وظروف العمل الآمنة ومجموعات العمل المتجانسة، لا بُد أن هذا من شأنه أن يساعد الموظّفين على تلبية حاجاتهم الأساسيّة في أسفل الهرم. وعندما تُشبع هذه الحاجات، تساعد المهام المتحدّية والمسؤوليّات الإضافيّة والمناصب المهمّة على إشباع حاجات تقدير الذات. لا تزال نظريّة ماسلو شائعة بين المديرين الحاليّين. لكنّها لا تلقى ذات الرواج بين الباحثين في السلوك المؤسّساتي لأنّ نتائج الأبحاث لا تدعم فكرة الهرميّة لماسلو. فقد أفضت الأبحاث إلى أنّ الأشخاص لا يمرّون عبر هذه المستويات الخمسة بالترتيب. ومن ناحية أخرى تدعم بعض الأدلّة ترتيب ماسلو لتلبية الحاجات. تعكس التعديلات في نظريّة ماسلو هذه الهرميّة الحديثة الأكثر تحديدًا. سيساعدك التقييم الذاتي لاحقًا في مقالاتنا على تقييم حاجاتك الخمس. نظرية الحاجات المعدلة (البقاء – الانتماء – النمو ERG) لدرفر لاحظ كلايتون الدرفر (Clayton Alderfer) أنّه لم تكن هناك سوى محاولات قليلة لاختبار نظريّة ماسلو الكاملة. كما أنّ الأدلّة المجموعة ساندت النظريّة بشكل جزئيّ فحسب. أثناء عملبّة تشذيب وتوسيع نظريّة ماسلو، أسّس الدرفر نظريّة مبنيّة على الاحتياج وبمنظور عن الدافعيّة أكثر فائدة بعض الشيء. تختصر نظريّة ERG الدرفر فئات ماسلو الخمس إلى ثلاثة فئات فحسب وهي: البقاء والانتماء والنمو. بالإضافة إلى ذلك فصّلت نظريّة الدرفر ديناميكيّة حركة الفرد بين الفئات هذه أكثر من التفسيرات النموذجيّة لعمل ماسلو. وكما يظهر في الشكل 7.7 يشمل نموذج ERG الحاجات المعرّفة في عمل ماسلو ذاتها وهي: الشكل 7.7 نظريّة ERG لألدرفر (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). حاجات البقاء تتضمّن حاجات الأمان المادّيّ والفيزيولوجيّ. تُلَبّى هذه الحاجات عبر حالات ماديّة وليس عبر علاقات بين الأشخاص أو انخراط الشخص في بيئة العمل. حاجات الانتماء تتضمّن كلّ حاجات ماسلو الاجتماعيّة بالإضافة إلى حاجات الأمان الاجتماعيّ والتقدير الاجتماعيّ. تُلبّى هذه الحاجات عبر تبادل الأفكار والمشاعر مع الآخرين. حاجات النموّ تتضمّن حاجات تقدير الذات وتحقيق الذات. تميل هذه الحاجات لأنّ تُلبّى عبر انخراط الفرد في العمل وبيئة العمل. يوضّح الشكل 7.8 عددًا من الطرق التي يمكن للمنظّمات من خلالها أن تساعد أعضاءها على إشباع الحاجات الثلاث المذكورة. الشكل 7.8 إشباع حاجات البقاء والانتماء والنموّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). هناك 4 عوامل أساسيّة لفهم نظريّة ERG وهي: تقدّم الرضا والإنهاك وتراجع الإنهاك والطموح. الأول -تقدّم الرضا- هي فعليًّا توافق فكرة ماسلو للانتقال عبر الحاجات، فعندما نتقدّم في إشباع حاجات البقاء لدينا نوجّه اهتمامنا تجاه حاجات الانتماء. وعندما تُشبع هذه الحاجات تتنشّط حاجات النموّ لدينا. العامل الثاني -الإنهاك- يحدث عندما نحاول أن نشبع رغبة معيّنة ولكن نفشل في ذلك. قد يجعل ذلك الإنهاك إشباع الحاجات هذه أكثر أهميّة لنا، إلّا إذا فشلنا مرارًا في ذلك. وفي هذه الحالة يقودنا العامل الثالث -تراجع الإنهاك- لتحويل انتباهنا إلى حاجات مشبعة مسبقًا ملموسة وأكثر واقعيّة. أخيرًا، يشير العامل الرابع -الطموح- في نموذج ERG إلى أن النموّ بطبيعته هو مُشبع جوهريًّا، فكلما نمونا أكثر كلما ازددنا رغبةً في النموّ. لذا؛ كلّما أشبعنا حاجتنا في النموّ كلّما ازدادت أهميّة وقوّة الدافع لإشباع هذه الحاجة. الشكل 7.9 جايمي ديمون (Jamie Dimon) المدير التنفيذي في JP Morgan Chase، يُقدّر دخله السنويّ 27 مليون دولار، وهو يمتلك وظيفة مُكافِئة بشكل كبير كونه مديرًا تنفيذيًّا. الوظائف البدئيّة في المصرف الّذي يترأسه تعطي راتبًا سنويًّا قدره 36,100$ وتكون مهامهم روتينيّة وغير مُكافِئة من منظور تحفيزيّ. كيف ترتبط هذه المنظومة بنظريّة تحديد الذات (SDT)؟ (حقوق الصورة: Stefan Chow/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). قد يكون نموذج الدرفر مفيدًا أكثر من نموذج ماسلو من ناحية كونه لا يولّد تصنيفات دوافع غير حقيقيّة. على سبيل المثال، من الصعب على الباحثين التأكد والفصل بين متى يُشبع اتصالُنا مع الآخرين حاجتَنا للقبول وبين متى يشبع حاجتنا للاعتراف. تركّز نظريّة ERG أيضًا بشكل خاص على الانتقال بين فئات الحاجات بالاتّجاهين. كما أنّ الأدلّة الّتي تدعم التصنيف الثلاثيّ للحاجات وترتيبهم أقوى من الأدلّة الّتي تدعم التصنيف الخماسيّ لماسلو وترتيبهم النسبيّ. نظرية العوامل الثنائيّة (الدافع-الصحة) لهرزبرغ (Herzberg) نظريّة العوامل الثنائيّة لفردرك هرزبرغ (Fredick Herzberg) هي واحدة من أكثر النظريّات تأثيرًا خلال الخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي. هذه النظريّة هي تحسين إضافيّ لنظريّة ماسلو. اقترح هرزبرغ وجود فئتين للحاجات بدلًا من خمس. أسمى الفئة الأولى "الدوافع" (أو حاجات النموّ)، عوامل الدوافع (Motivators) تتعلّق بالعمل الّذي ننجزه وقدرتنا على الشعور بالإنجاز نتيجة لهذا العمل، وهذه الدوافع متجذّرة في حاجتنا لأن نختبر النموّ ونحقق ذواتنا. الفئة الثانية من الحاجات أسماها "عوامل الصحة المهنية". تتعلّق عوامل الصحة المهنيّة (hygienes) ببيئة العمل وهي تبنى على حاجات الإنسان الأساسيّة "بتجنّب الألم". فوفقًا لهرزبرغ، تحفّزنا حاجات النموّ لأن نؤدّي بشكل أفضل وهي تجعلنا نختبر الرضا عند تحقيقها. في حين أنّ حاجات الصحة المهنيّة يجب أن تُشبَع لتجنّب الاستياء (لكنّها لن تؤدّي بالضرورة للرضا أو توليد الدافع). لا تتعلّق عوامل الصحة المهنيّة بمضمون العمل بشكل مباشر. بل بسياق العمل (الأجر - ظروف العمل - الإشراف - الأمان). كما يشير هرزبرغ إلى هذه العوامل باسم "المُسيئات (dissatisfiers)" لأنّها تتعلّق بالموظّفين المستائين. ترتبط هذه العوامل بالاستياء بشكل كبير إلى حدّ دفع هرزبرغ إلى وصفها بأنّها قد لا تجلب الرضا أبدًا. توافر هذه العوامل بكميّات كافية يجنّبنا الاستياء لكنه لا يؤدّي للرضا. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم إتيان هذه العوامل بالرضا جعل هرزبرغ يستنتج أنّها لا تولّد الدافعيّة لدى الموظّفين. تتضمّن عوامل الدوافع الحاجة طويلة المدى للسعي وراء النموّ النفسيّ (كما حاجات تقدير وتحقيق الذات لدى ماسلو). تتعلّق عوامل الدوافع بمضمون العمل. مضمون العمل هو ما نقوم به في الحقيقة عند أدائنا لوظائفنا. اعتبر هرزبرغ أنّ عوامل الدوافع هي المهام الوظيفيّة التي تؤدّي للشعور بالإنجاز والاعتراف. كما أسمى هذه العوامل "المُرضيات" لكي يعكس قدرتها على توفير تجارب مرضية للأشخاص. فنحن نشعر بالرضا عندما تُشبَع هذه الرغبات وهذا ما يحفّز الموظّفين. آمن هرزبرغ على وجه التحديد بأن عوامل الدوافع تؤدّي للأداء المرتفع (الإنجاز) وأن الأداء المرتفع بذاته هو ما يوجد الرضا. المميز في نظريّة هرزبرغ أنّ ظروف العمل التي تمنع الاستياء لا تسبّب الرضا، فالاستياء والرضا يوجدان ضمن "مقاييس" مختلفة بالنسبة له، فقد تسبّب عوامل وظروف الصحة المهنيّة الاستياء إن لم تتوفّر بالمستوى اللازم ضمن الشركة. لذلك يمكن أن يستاء موظّف بسبب أجره المنخفض، لكن زيادة راتبه لن تؤدّي إلى إيجاد الشعور بالرضا المستقبليّ إلّا إذا حضرت عوامل الدوافع. أي أن الأجر الجيد لوحده سيجعل شعور الموظّف حياديًّا تجاه عمله، ولكي يصل للرضا يجب أن يمتلك مهمّات متحدّية تولّد لديه الإحساس بالإنجاز. يمكن للموظّفين أن يكونوا مستائين أو حياديّين أو راضين عن عملهم بناءً على مستويات عوامل الدوافع والصحّة لديهم. تتضمّن نظريّة هرزبرغ أيضًا وجود احتمال إرضاء واستياء موظّف ما في الوقت ذاته؛ مثلًا "أحبُّ عملي لكن أكره راتبي"! أضافت نظريّة هرزبرغ باستمرار مساهمات على البحث المؤسّساتي والعلم الإداريّ. فاستخدمها الباحثون لتعريف المدى الواسع من العوامل الّتي تؤثّر على ردود أفعال العاملين. سابقًا، لم تكن المنظّمات تبدي اهتمامًا سوى بعوامل الصحة المهنيّة. أمّا الآن -وبفضل عمل هرزبرغ- أدركت المنظّمات أهمية عوامل الدوافع. وبرامج إغناء العمل هي أحد النتائج المباشرة لبحث هرزبرغ. يقترح عمل هرزبرغ آليّة ثنائيّة المرحلة لإدارة دوافع الموظّفين ورضاهم. أولًا: يجب على المديرين أن يهتمّوا بعوامل الصحة المهنيّة، فالاستياء الشديد يشتّت الموظّفين من الأنشطة المتعلّقة بالعمل كما يميل لأن يكون مثبّطًا. لذا يجب على المديرين أن يحرصوا على تأمين الحاجات الأساسيّة هذه، مثل الأجر الملائم وظروف العمل النظيفة والآمنة وإمكانية التفاعل الاجتماعيّ. ومن ثمّ يجب عليهم أن يتوجّهوا نحو الحاجات الدافعيّة الأقوى التي تجعل الموظّفين يختبرون شعور التقدير والمسؤوليّة والإنجاز والنموّ. إن تمّ تجاهل عوامل الدوافع فلن يكون حدوث الرضا قصير وطويل المدى ممكنًا. في حين يشعر الموظّفون بالرضى والاندفاع للأداء الجيّد عندما تشبع حاجاتهم الدافعيّة. نظرية تحديد الذات إحدى أهمّ تطبيقات نظريّة هرزبرغ هي الفكرة غير المتوقّعة بأنّ المديرين عليهم التركيز على عوامل الدوافع بدلًا من العوامل الصحة المهنيّة. (فمع كل ذلك، ألا يرغب الجميع بأن ترتفع أجورهم؟ اعتبرت المنظّمات هذه الفكرة الدافع الأساسيّ للموظّفين لسنين طويلة!) لم قد يثمر التركيز على الدوافع نتائج أفضل؟ لكي نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نميّز أنواع الدافعيّة. يصنّف الباحثون في السلوك المؤسّساتيّ عادةً الدوافع عن طريق الشيء الّذي تدفعه. ففي حالة الدافعيّة الخارجيّة (extrinsic motivation) نسعى لأن نكتسب شيئًا يرضي حاجة من أسفل الترتيب. فالوظائف ذات الرواتب الجيّدة وبيئة العمل النظيفة والآمنة والإشراف الملائم تشبع -بشكل مباشر أو غير مباشر- هذه الحاجات الدنيا. هذه العوامل "خارج الشخص" هي المكافآت الخارجيّة. العوامل "داخل" الشخص تجعل الأشخاص يؤدّون المهام الموكلة إليهم وتسمىّ الدافعيّة الداخليّة (intrinsic motivation) وهي تنشأ من تأدية المهام بحدّ ذاتها لكونها مشوّقة أو "ممتعة". فإن كانت المهمّة ممتعة نستمر بأدائها حتّى في غياب العوامل الخارجيّة. أي أنّنا مدفوعون بالمكافآت الداخليّة، وهي المكافآت التي نمنحها لأنفسنا بطريقة أو بأخرى. تشبع المكافآت الداخليّة الحاجات الأعلى ترتيبًا مثل حاجات الانتماء والنموّ حسب نظريّة ERG. عندما نشعر بأنّنا مساهمون قيّمون أو أنّنا ننجز شيئًا مهمًّا أو أنّنا نتحسّن في مهارة ما؛ نُعجب بتلك الأحاسيس ونسعى للحفاظ عليها. لا تسعى نظريّة تحديد الذات (self-determination theory SDT) لتفسير أسباب الدافعيّة فحسب؛ بل أيضًا لتفسير تأثير المكافآت الخارجيّة على الداخليّة. فحسب SDT تعني الدافعيّة الخارجيّة أداء نشاط ما بعد الحفاظ على بعض المخرجات القيّمة منه، في حين تعني الدافعيّة الداخليّة أداء نشاط ما بهدف الرضا النابع عن النشاط بحدّ ذاته. تحدّد نظريّة STD متى يكون نشاط ما دافعًا داخليًّا ومتى لا يكون كذلك. أظهرت الكثير من الدراسات أنّ المهام تدفع الفرد داخليًّا عندما تكون مُشبِعةً لواحدة على الأقلّ من الحاجات الثلاث العليا (الكفاءة - الاستقلال - الانتماء). تتماشى نتائج SDT مع النظريّات المطروحة هنا لماك كليلاند وماسلو الدرفر هرزبرغ. تذهب نظريّة SDT بمفهوم المكافآت الداخليّة والخارجيّة أبعد من نظريّات الحاجات الأخرى. وجد الباحثون في نظريّة SDT أنّ ارتفاع مستوى المكافآت الخارجيّة يرافقه انخفاض في الدافعيّة الداخليّة. وبناء على ذلك، تفترض نظريّة SDT أنّ المكافآت الخارجيّة تسطيع توليد دافعيّة داخليّة كما أنها يمكن أن تقلّلها. خذ الهوايات مثالًا، بعض الأشخاص يحبّون الحياكة والبعض الآخر يحبّون الحفر على الخشب. يفعلون ذلك لأنّه يدفعهم داخليًّا؛ الهواية تشبع حاجتهم في الكفاءة والاستقلاليّة والانتماء. لكن ما الذي يحدث إن بدأ هؤلاء بتلقّي الأجر لقاء هواياتهم هذه؟ فعند مرور الوقت تصبح الهوايات أقلّ متعةً لهم ويمارسونها بغرض الحصول على المكافآت الخارجيّة (المال). أي أنّ الدافعيّة الخارجيّة ازدادت في حين نقصت الدافعيّة الداخليّة! عندما تتواجد المكافآت الخارجيّة لا يشعر الأشخاص بأنّ ما يفعلونه يولّد الكفاءة أو أنّه يحقّق ذاتهم أو أنّه يحسّن علاقتهم مع الآخرين. بعض الأعمال هي بطبيعتها غير مثيرة ومن الصعب جعلها كذلك. تقترح نظريّة SDT أنّ تحفيز الأداء العالي في الوظائف المشابهة لا يكون إلّا بجعل الأداء مقترنًا بالمكافآت الخارجيّة. فالأجر العاليّ نسبيًّا ضروريّ للحفاظ على الأداء في هذه الوظائف. من الناحية الأخرى، تقترح نظريّة SDT أنّه لتحسين الدافعيّة الداخليّة في الوظائف المشوّقة يجب ألّا يكون التركيز موجهًّا على رفع المكافآت الخارجيّة فحسب (مثل الأجور المرتفعة)، بل يجب أن ينصبّ على الفرص والأعمال التي يستطيع الموظّفون من خلالها أن يشبعوا حاجاتهم في الكفاءة والاستقلاليّة والانتماء. هذا يعني إعطائهم الفرصة لتعلّم مهارات جديدة وأن يؤدّوا وظائفهم بدون تدخّل وأنّ يطوروا علاقات مهمّة مع الآخرين في قسمهم. تحسّن هذه أفعال من المكافآت الداخليّة. قد تلاحظ أن نظريّات المحتوى لا تذكر ما الّذي يحدّد شدّة الدافع. على سبيل المثال: بعض الأشخاص يسرقون لتلبية حاجاتهم الأساسيّة (الّتي تمتلك شدّة عالية). لكن معظمنا لا يسرق. لم ذلك؟ تحاول نظريّات الدوافع المنهجيّة أن تشرح هذا الجانب من الدافعيّة عبر التركيز على شدّة الدوافع كما على اتّجاهها. ووفقًا لنظريّة تحديد الذات، العمال الماهرون الذين يُعطَون فرصًا لتحسين مهاراتهم وحريّةً لأداء حِرفهم ستتولّد لديهم الدوافع الداخليّة. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Work Motivation for Performance) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: النظريات المنهجية للدافعية المقال السابق: دفع العمل ورفع الأداء
  16. سنكمل سلسلة مقالاتنا الفريدة عن السلوك التنظيمي في المؤسسات في بابها السابع، والذي سنتدارس فيه أحد السلوكيات والمفاهيم المهمّة في عالم الأعمال وهو رفع الأداء ودفع العمل داخل المؤسسات، سنستعرض في مقالاتنا اللاحقة جُملة من الأفكار الأساسية من تعريف الدافعيّة إلى نظرية محتوى الدافعية والنظريات المشابهة لها، ووصولًا إلى النظريات المنهجية للدافعية، وأخيرًا سنعرض أحدث الدراسات حول ذلك. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية بريدجيت اندرسن (Bridget Anderson) اعتقدت بريدجيت بأنَّ الحياة ستكون مثالية في "العالم الحقيقي". بعد الحصول على شهادتها في علوم الحاسوب، تحصّلت على وظيفة مبرمجة بأجرٍ جيّد في منظمة كبيرة غير ربحيَّة، كانت بريدجيت تؤمن بأهداف هذه المنظمة بشكل كبير، وكانت في البداية سعيدة بعملها. وفي الآونة الأخيرة أصبحت بريدجيت تشعر بالإعياء كل صباح عندما يرنُّ منبهها. لم هذا الشعور بالبؤس؟ رغم كلّ شيء فهي تعمل في المجال التي اختارته وفي البيئة التي تتطابق مع قِيمها ورؤيتِها. ما الشيء الذي ينقصها؟ إنّها في حيرة شديدة من أمرها. شارفت سنتها الثانية في المنظمة على الانتهاء، وتحدّد بريدجيت موعد لتقييم أدائها السنوي. هي تعلم بأنها مبرمجة مؤهلة وجيّدة، ولكنها تعلم أيضاً بأنها مؤخرًا لا تعمل إلا الحد الأدنى من المطلوب لتدبير أمرها فقط، بناءً على برنامج الشركة. أصبح قلبها بعيدًا عن العمل مع تلك المنظّمة. وهذا بالتأكيد ليس ما كانت تطمح إليه. مدير بريدجيت كايل جاكوبس (Kyle Jacobs) فاجأها ببداية التقييم بالاستفسار عن أهدافها المهنية. واعترفت حينها بأنّها لم تفكر جيدًا حول مستقبلها. وتساءل كايل فيما إذا كانت سعيدة في منصبها الحالي وإذا ما كانت تشعر بأن أي شيء ينقصها. وفجأًة أدركت بريدجيت أنّها تريد المزيد لمهنتها. السؤال: هل مشاكل الدافعيّة لدى بريدجيت هي مشاكل داخليّة أم أنها خارجيّة؟ وأيّ احتياج من احتياجاتها لم يُلبَّى حاليَّاً؟ وما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها مع مديرها لتعزيز دافعها للعمل وبالنتيجة تعزيز أدائها؟ النتيجة: عندما تقرُّ بريدجيت بأنها غير راضية عن عملها كمبرمجة حاسوب ستكون مستعدة لاستكشاف الإمكانيَّات الأخرى. بدأت بريدجيت مع كايل بعملية عصف ذهني لإيجاد مهمّات تحفزها وتساعدها في الحصول على رضا وظيفي أكبر. أخبرت بريدجيت كايل بأنّها، وبقدر استمتاعها بالبرمجة، فإنَّها تشعر بالعزلة وتفتقد التفاعل مع المجموعات الأخرى في المنظّمة. كما أدركت أيضًا بأنّها بمجرد إتقانها منحنى التعلم الأساسي بدأت تشعر بالملل. إذ قالت بريدجيت بأنها مستعدة دائمًا لأي تحدّيات أو أعمال إضافية. يوصي كايل بأن تنتقل بريدجيت لفريق أنظمة المعلومات كممثلة تقنية له. الفريق يستطيع الاستفادة من معرفة بريدجيت في البرمجة، وهي ستصبح قادرة على التعاون أكثر مع أشخاص آخرين في المنظمة. وضع كايل وبريدجيت أهدافًا محدّدة لتلبية احتياجاتها من أجل تحقيق العمل التعاونيّ. أحد أهداف بريدجيت هو حضور دروس تخرج في الإدارة وأنظمة المعلومات. هي ترى بأنّ هذا سيمكّنها من الحصول على ماجستير في إدارة الأعمال، أي في النهاية سيقود لمنصب قائد فريق. وفجأًة فكرة الذهاب للعمل لم تعد محبطة وفي النهاية تغلبت بريدجيت على المنبه، واستعادت نشاطها ونهضت للعمل! إن كنت قد عملت مسبقًا مع مجموعة من الأشخاص، ومعظمنا فعل ذلك، فإنك وبدون شك لاحظت وجود اختلافات في أداء الأفراد ضمن المجموعة. وقد فكر الباحثون مليًّا بهذه الاختلافات لسنوات عديدة. وبالطبع فإن جون واتسون (John B, Watson) أوّل من درس هذه القضية في بدايات القرن التاسع عشر. الأداء بالطبع هي قضيَّة مهمَّة جدًا لأصحاب العمل، لأنَّ المنظمات ذات الأداء الجيّد لموظفيها ستكون أكثر فعاليًّة ونجاحًا. ولفهم أفضل لسبب اختلاف مستويات أداء الأشخاص، صنَّف الباحثون المحدّدات الكبرى للأداء: القدرة، الجهد (الدافع)، الإدراك الدقيق للدور، وعوامل بيئية (راجع الشكل 7.2). كلّ محدد للأداء مهم، وأي نقص في أحدها سيؤثر تأثيرًا كبيرًا على المحددات الأخرى. الأشخاص الذين لا يفهمون ما هو المطلوب منهم سيبقَون مقيدين بفهمهم المغلوط لدورهم، حتى لو امتلكو القدرة والدافع القوي والإمكانيّات الضرورية لأداء عملهم. لا يمتلك أي من المحددات القدرة على تعويض النقص في أي من المحددات الأخرى. لذلك لا يستطيع المدير التعويض عن نقص المهارة أو القدرة عند الموظفين عن طريق تعزيز الدافع لديهم. الشكل 7.2 مُحدّدات الأداء (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الدافعية: اتجاهها وشدتها يشير مصطلح القدرة (Ability) إلى ما يمتلكه الشخص من معرفة ومهارات عند التزامه بمهمة أو عمل ما. المعرفة هي ما يعرفه الشخص حول موضوع ما. المهارة هي قدرته على أداء مهمّة معيّنة (مثل اللّحام أو المحاسبة) ومعرفته ما هو متوقّع منه (ما يسمّى بإدراك الدور بدقّة). تقبّل التعلّم هو مدى سرعة اكتساب الفرد لمعرفة أو مهارة جديدة. بعض الأشخاص يمتلكون مقدرة أكبر على ذلك ويؤدّون أفضل ممّن يمتلكون مقدرة أقل (رغم أنّنا سنرى أنّ هذا ليس صحيحًا دائمًا). يعبّر مصطلح إدراك الدور (role perception) بدقّة عن مدى فهم الفرد لدوره في المنظّمة، هذا يتضمّن الأهداف (النتائج) الّتي من المتوقّع أن يحقّقها والآليّة الّتي يجب أن يستخدمها لتحقيقها. يعلم الموظّف الذي يدرك دوره بدقّه ما النتائج المطلوبة منه كما يعلم كيف يحقّق هذه النتائج. الإدراك الناقص أو الخطأ لدور الفرد يحدّ من قدرته على تحقيق التوقّعات، بغض النظر عن قدرته أو حافزه. تعني بيئة الأداء (performance environment) مجموعة العوامل الّتي تؤثّر على أداء الموظّفين والخارجة عن سيطرتهم. تؤثّر العديد من العوامل المحيطة على الأداء حيث ترفعه بعض العوامل وتحدّده عوامل أخرى. مُحرِّر النصوص الذي يعمل على حاسوب شخصيّ معطّل بالتأكيد لن يستطيع أن يؤدّي عمله أداءً جيّدًا مهما كانت قدرته أو رغبته. كما لن يستطيع الطلاب العاملون بدوام كامل ويتابعون دروسهم كاملةً، لن يستطيعوا أن يؤدّوا امتحاناتهم جيّدًا كما كانوا سيؤدونها لو كانوا يعملون ساعاتٍ أقل، وذلك بالرغم من امتلاكهم مقدرة عالية وحافزًا كبيرًا. الدافعيّة هو العامل الرابع والأهم والذي يحدّد جودة أداء الفرد لمهمّة ما. الدافعيّة (motivation) هي قوّة داخل أو خارج الجسم تنشّط وتوجّه وتعزّز الأداء البشريّ. ومن الأمثلة على ذلك: الحاجات والقيم الشخصيّة والأهداف، في حين تكون الحوافز مثالًا على الدوافع الخارجيّة. يرجع أصلة كلمة (motivation) إلى الجذر اللاتينيّ (movere) ويعني "أن تُحرّك". وبشكل عام، تنشأ الدافعيّة نتيجةً لرغبة الشخص في إشباع حاجات معيّنة، أو حلّ أفكار متضاربة تجعله قلقًا (تجربة غير سارّة). هناك العديد من الطرق الّتي نستعملها لوصف وتصنيف الحاجات الإنسانيّة، كما سنرى لاحقًا في مقالاتنا. بعض الحاجات أساسيّة لبقائنا مثل الطعام والشراب. فعندما نكون جائعين نعمل بنشاط لسدّ تلك الحاجة عبر توفير الطعام وتناوله. تعمل حاجاتنا الأخرى بشكل مشابه، فعندما تكون حاجة ما غير مُلبّاة نندفع مباشرةً إلى العمل على تلبيتها. ينطبق الأمر ذاته على الأفكار المتضاربة. فعندما نجد أنفسنا في مواقف تتعارض مع معتقداتنا أو قيمنا أو توقّعاتنا نسعى لإلغاء التضارب عبر تغيير الموقف نفسه أو تغيير نظرتنا تجاه ذلك الموقف. ينظر الإنسان إلى المواقف عمومًا على أساس كونها ملبّيةً لحاجاته أو تتطابق مع معتقداته أم لا، فتكون بذلك الدافعيّة نتيجةً لتفاعلنا مع المواقف الحاصلة بحيث نشبع الرغبات غير الملبّاة أو نبسّط التناقض الفكريّ. الشكل 7.3 توم برادي (Tom Brady) كان توم برادي دائمًا لاعبًا بديلًا في فريق جامعته (جامعة ميشيغان University of Michigan) فقد كان هناك دومًا لاعبون واعدون يُختارون قبله، كما اختُير في الجولة السادسة من الاختيار العام عند دخوله لعالم الاحتراف بعد الجامعة. علق على ذلك عندما قال: "الكثير من الناس لا يؤمنون بك. ذلك واضح الآن، اختُير 6 ظهراء ربعيّين و198 لاعبًا قبلي، لكنّي قلت لنفسي دائمًا ما إن تحين لي الفرصة سأكون جاهزًا لها وسأستغلّها أفضل استغلال." وبدلًا من الاستسلام، وظّف أخصّائيًّا نفسيًّا ليساعده على التعامل مع الإرهاق المستمر. ولاحقًا أصبح برادي ظهيرًا ربعيًّا من النخبة، كما يُعدُّ أحد أعظم اللاعبين على الإطلاق. "أعتقد أنّني لطالما حملت عبئًا خاصًّا على كاهلي، إن كنت الاختيار رقم 199 فلا بدّ أن الجميع سيظنّ أن هنالك سبب لذلك: لأنّ أحدهم اعتقد أنّني لست بالجودة الكافة." ساعده شغفه ودافعه على تحقيق مكانته الحاليّة. (حقوق الصورة: Brook Ward/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). بشكل مبسّط: دافعيّة العمل (work motivation) هو المجهود الّذي يبذله الشخص لتحقيق مستوى معيّن من الأداء في العمل. بعض الأشخاص يحاولون بشدّة أن يؤدّوا جيّدًا، يعملون لساعات طويلة حتّى لو تعارض ذلك مع حياتهم الشخصيّة، بمعنى آخر، الأشخاص ذوي الدوافع القويّة يخطون "الخطوة الإضافيّة". ذوو العلامات المرتفعة في الامتحانات يحرصون على أن يدرسوا مواد الامتحان بأقصى قدرتهم مهما تطلّب ذلك من ليالٍ ساهرة، أما الطلاب الآخرون الذين لا يؤدّون بهذه الجودة قد تكون رغبتهم النجاح فحسب وليس التفوّق، ففي النهاية هم يستمتعون أكثر بالحفلات ومتابعة الرياضة. من المهمّ جدًا بالنسبة للمديرين وجود الحافز لدى موظّفيهم، يرغب جميع المديرون أن يؤدّي موظّفوهم أقصى ما لديهم. فيبذلون عناءً كبيرًا عند التوظيف لاختيار الطلب الأنسب لمن يمتلك القدرات الضروريّة والدافعيّة اللازم لأداءٍ أفضل. كما يسعون لتوفير كل الموارد اللازمة وتوفير بيئة عمل جيّدة. وبالرغم من ذلك تبقى الدافعيّة شرطًا صعب التوفير في الموظفين. وكنتيجة لذلك تمتلك الدافعيّة الاهتمام الأكبر من المنظّمات ومن الباحثين، حيث يحاولون الإجابة عن السؤال "ما الّذي يدفع الأشخاص للأداء الجيّد؟" سنلقي في مقالاتنا التالية نظرة على الإجابات الحالية لهذا السؤال. ما هي ظروف العمل المثاليّة لتوليد الدافع لدى الموظفين؟ كيف تساعدنا نظريات الدوافع على فهم المبادئ العامّة الّتي تقود السلوك الإنسانيّ؟ بدلًا من تحليل سبب دراسة طالب باجتهاد لامتحان ما، سننظر إلى المبادئ الأساسية لسلوكيّاتنا العامّة في مجموعة من المواقف (من ضمنها المرور بامتحان)، كما سنناقش النظريات الأساسيّة للدوافع بالإضافة إلى تطبيقاتها في الإدارة والسلوك المؤسّساتيّ. ستمتلك عند نهاية هذا مقالات هذا الباب من سلسلتنا فهمًا أفضل عن السبب وراء امتلاك بعض الأشخاص دافعًا أكثر من غيرهم. يدرك الموظّفون الناجحون ما يرغبون في تحقيقه (الاتّجاه) ويواظبون ويسعّون بجدّ من أجل تحقيق أهدافهم (الشدّة). يدلّ نقاشنا حتّى هذه اللحظة على أنّ الدافعيّة تخصّ المجهود فقط. في الواقع هذا صحيح جزئيًّا، تتألف الدافعيّة من مكوّنين أساسيّين: الاتّجاه والشدّة. الاتّجاه (direction) هو ما يرغب الشخص في تحقيقه أو ما يعزُم على إكماله، بمعنى آخر الهدف الذي يسعى الفرد "لإصابته"، قد يكون الهدف أداءً جيّدًا في امتحان ما أو أن تؤدّي أفضل من الآخرين في مجموعة عمل ما. الشدّة (intensity) هي المجهود الذي يبذله لتحقيق هذه الأهداف، ومقدار التزامه ببذل ذلك المجهود. الشدّة هي ما نراه على شكل مجهود مبذول، كما تمثّل الطاقة التي نصرفها لتحقيق شيء ما. فإن لم تكن جهودنا مثمرة، هل نحاول اتّباع وسائل أخرى للنجاح؟ (الأشخاص ذوي الدوافع عالية الشدّة مثابرون!) من المهمّ التمييز بين اتّجاه الدافعيّة وشدّته. إن نَقُص أحد هذين العاملين سينخفض الأداء. فالشخص الذي يعرف ما يرغب بتحقيقه (اتّجاه) لكنّه لا يبذل مجهودًا كافيًا (شدّة) لن ينجح. (تحقيق علامة المئة 100 -هدفك- في امتحان ما لن يحدث ما لم تدرس!) وبالعكس فإنّ الأشخاص غير المتوجّهين (لا يعرفون ما يرغبون بتحقيقه) لن ينجحوا غالبًا. (عليك أن تحدّد الاختصاص الّذي ترغب في متابعة دراستك به مهما كنت مجتهدًا في كافّة موادك). لا تتوافق أهداف الموظّفين دائمًا مع رغبات المديرين، مثال مهمّ على ذلك هو معدّل الغياب عن العمل (أو ما يسمّيه الموظّفون "الإجازة غير المَرَضيّة"). فممارستك لهوايتك المفضّلة (هدفك أنت) في وقت العمل (هدف المدير) يشكّل تضاربًا في الاتّجاهات. سنناقش لاحقًا بعض النظريّات الّتي تبحث أسباب حدوث هذه التضاربات. هنالك سبب آخر لتعاكس أهداف الموظّفين والمديرين أحيانًا، في بعض الأحيان لا يتأكدّ المديرون من فهم الموظّفين الكامل لما هو مطلوب منهم. قد يمتلك الموظّفون شدّة عالية لكن اتّجاهها خطأ، ومهمّة المدير هنا أن يزوّد الموظّفين بالاتّجاه الّذي ينبغي عليهم اتبّاعه، هل يجب أن نهتمّ بالكمّ أم بالنوعيّة؟ نعمل منفردين أم ضمن فريق؟ نلتزم بالمواعيد أم نخفف المصاريف؟ يتخبّط الموظّفون عندما لا يجدون اتّجاهًا. توضيح الاتّجاه ينتج إدراكًا دقيقًا للدور، أي السلوكيّات التي يعتقد الموظّفون أنّه يجب عليهم اتّباعها كونهم جزءًا من هذه المؤسسة. يفهم الموظّفون ذوي الإدراك الدقيق للدور الهدف من وجودهم في المنظّمة وكيف يساهم أداؤهم الوظيفيّ في تحقيق أهدافها. يفترض بعض الباحثون في الدوافع أنّ بعض الموظّفين يعلمون الاتّجاه الصحيح لوظائفهم في حين يجهله آخرون. ستُوَضّح هذه الاختلافات عند مناقشة نظريّات الدوافع. عند هذه النقطة ونحن نبدأ النقاش في نظريّات الدوافع المختلفة، من المنطقيّ أن نتساءل "لم ليس هنالك نظريّة دوافع واحدة فحسب؟" الجواب هو أن النظريّات المختلفة نابعة من فلسفات مختلفة للدوافع. بعض الباحثين يرون أن البشر مسيّرون بحاجاتهم وغرائزهم أكثر من الأفعال العقلانيّة. حيث تركّز نظريّات محتوى الدوافع (content motivation theories) على ما يدفع الأشخاص، في حين يركّز باحثون آخرون على الآليّة الّتي تحفّز الأشخاص. تسلّط النظريّات المنهجيّة للدوافع (process motivation theories) الضوء على كيفيّة دفع الأشخاص؛ أي كيف يدرك الأشخاص المواقف وكيف يفكّرون بها. تسعى نظريّات المحتوى والنظريّات المنهجيّة إلى توقّع الدافعيّة في مواقف متنوّعة. عل أيّة حال لا تستطيع أيٌّ من هذه النظريّات أن تتوقّع ما يحفّز الفرد في موقف معيّن في جميع الحالات 100%. فبالنظر لتعقيد السلوك البشريّ، من غير الممكن أن يكون هناك "نظرية شاملة" للدوافع. "أيّ نظريّة هي الأفضل؟" هو سؤال آخر منطقيّ. ولو كانت الإجابة سهلة لكان هذا الباب من سلسلة مقالاتنا قصيرًا. الإجابة البسيطة هي لا يوجد "نظريّة واحدة أفضل". كل نظريّة دُعِمت ببحث في السلوك المؤسّساتي. وكلّ منها تمتلك نقاط قوّة ونقاط ضعف. على أيّة حال فإنّ فهم جزء من كل نظريّة هو خطوة مهمّة تجاه التطبيق الإداري الناجح. نظريّات المحتوى للدوافع تركّز النظريّات المطروحة في هذا المقال على أهمّيّة الحاجات البشريّة. تشترك النظريّات جميعها في أنّ الأشخاص جميعهم يمتلكون حاجات متنوّعة. الحاجة (need) هي حالة بشريّة "تتنشّط" عندما يشعر الأشخاص بنقص في مجال ما. عندما نكون جائعين -على سبيل المثال- تتنشّط حاجتنا للطعام. من المهم فهم خاصّيّتين أساسيّتين لفهم الدوافع البشريّة. أولًّا: عندما تتنشّط حاجة ما نندفع لتلبيتها ونسعى لأن تختفي الحاجة. واحدة من نظريّات الدوافع الأولى اللذّة (Hedonism) تفترض أن الأشخاص يُدفعون لإرضاء حاجاتهم الخاصّة (البحث عن المتعة وتجنّب الألم). وضّحت نظريّة اللذّة أنّ الحاجة توفّر اتّجاهًا للدفع، وذلك قبل أن تُستبدل بنظريّات محسّنة أحدث. ثانيًا: حالما نشبع حاجة ما تتوقّف عن دفعنا. فعندما نأكل حتى الشبع مثلًا، لا نبقى مدفوعين للبحث عن الطعام، وتغلب حاجات أخرى على سعينا. الحاجات الظاهرة (manifest needs) هي الحاجة التي تدفعنا في وقت معيّن وتطغى على الحاجات الأخرى. نظرية الحاجات الظاهرة واحدة من كبرى المشكلات في مقاربة الدوافع على أساس الحاجة هي إمكانيّة اختلاق حاجة لكل سلوك بشريّ. هل "نحتاج" للحديث أم للصمت؟ الاحتمالات لانهائيّة. في الحقيقة -في العشرينيّات من القرن الماضي- عرّف علماء السلوك حوالي 6,000 حاجة إنسانيّة! لاحظ هنري موراي (Henry A. Murray) هذه المشكلة واختصر القائمة إلى بعض الحاجات الغريزيّة والمتعلّمة فحسب.تضمنّت الغرائز -الّتي سمّاها موراي الحاجات الأساسيّة (primary needs)- الطعام والماء والجنس (التكاثر) والتبوّل وغيرها. أمّا الحاجات المتعلّمة -الّتي سمّاها موراي الحاجات الثانويّة (secondary needs)- فيتمّ تعلّمها على مدى حياة الشخص وهي نفسيّة بطبيعتها، تتضمّن هذه الحاجات حاجة الفرد للإنجاز والحبّ والانتماء (راجع الجدول 7.1). table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } أمثلة من قائمة الاحتياجات لموراي الدافعيّة الاجتماعيّة تعريف مختصر الانصياع الخضوع بشكل فعّال لقوّة خارجيّة. تقبّل الأذيّة واللوم والنقد والعقاب والاستسلام. الإنجاز إنجاز شيء صعب. التمكّن والتحكّم وتنظيم الأشياء المادّيّة أو الأفكار أو البشر. الانتماء أن تشكّل تشاركًا أو تبادلًا ممتعًا مع شخص آخر (شخص يعبّر عن فكرة ما أو مُعب بفكرة ما). وأن تطمح لجذب انتباه هدف مطلوب. وأن تبقى وفيًّا لصديق ما. العدوان أن تتغلّب على المعارضة بالقوّة. أن تقاتل. أن تنتقم. أن تهاجم أو تصيب أو تقاتل شخصًا آخر. أن تعارض بقوّة أو تعاقب الآخرين. الاستقلال أن تتحرّر وتتخلّص من القيود وأن تتغلّب على الحجر. رد الفعل أن تعوّض خسارة حدثت لك عن طريق المُضي قُدمًا. الدفاع أن تدافع عن نفسك ضدّ الاعتداء أو النقد أو اللوم. أن تخفي أو تبرّر عملًا سيّئًا أو خيبةً أو مهانةً. أن تنتقم لغرورك. السيطرة أن تتحكّم ببيئتك الخاصّة. أن تؤثّر أو توجّه سلوك الآخرين عبر الاقتراحات أو الإغراءات أو الإقناع أو الأمر. العرض أن تترك انطباعًا. أن تُسمع وتُرَى. أن تمتّع أو تسلّي أو تحفّز أو تصدم الآخرين. تجنّب الأذى أن تتجنّب الألم أو الأذى الجسديّ أو المرض أو الموت. أن تهرب من وضع خطير. أن تتّخذ إجراءات احتياطيّة. التجنّب أن تتجنّب الإهانة. أن تترك المواقف المخجلة أو تتجنّب الظروف المسيئة أو الازدراء أو اللامبالاة. التعاطف أن تبدي العطف والمسرّة لشخص غير ذي حيلة: رضيع أو شخص ضعيف أو ذوي احتياجات أو متعب أو واهن أو مهزوم أو مُهان أو وحيد أو مرفوض أو مريض أو مشوّش عقليًّا. أن تساعد شخصًا في خطر. وأن تطعم أو تساعد أو تدعم أو تواسي أو تحمي أو تريح أو تعالج. الترتيب أن تضع الأشياء في ترتيبها الصحيح. أن تحقّق النظافة والترتيب والتنظيم والتوازن والتدبير والدقّة. اللعب أن تتصرف بداعي "المرح" فحسب. أن ترغب بالضحك وإلقاء النكات. أن تسعى للراحة من التوتّر. الرفض أن تفصل نفسك من أشياء سلبية القيمة. أن تستثني أو تهجر أو تطرد أو تتجاهل شخصًا أو شيئًا أدنى. أن تزدري أو تنبذ شخصًا أو شيئًا. الإحساس أن تسعى وتستمع بتعابير الإحساس. الجنس أن تشكّل وتستمر في علاقة مع شخص ما. الغوث أن تُرضى حاجات الشخص بالعطف من الآخرين. التفهّم أن تسأل أو تجيب أسئلة عامّة. أن تهتمّ بنظريّة ما. أن تخمّن وتحلّل وتعمّم المصدر: مقتبس من C. S. Hall and G. Lindzey, Theories of Personality. Sample items from Murray’s List of Needs. Copyright 1957 by John Wiley & Sons, New York. الجدول 7.1 افتراض موراي الأساسي هو أنّ الأشخاص يمتلكون حاجات متنوّعة، لكن فقط البعض منها يُعبَّرُ عنها في وقت معيّن. أسمى موراي الحاجة ظاهرةً عندما يتصرّف الشخص لتلبيتها. تفترض نظريّة الحاجات الظاهرة (manifest needs theory) أنّ السلوك الإنسانيّ مدفوع برغبة تلبية الحاجات. فالثرثرة تدلّ غالبًا على الحاجة للانتماء، فتكون هذه حاجة ظاهرة، لكن ماذا لو كان لدى الفرد أيضًا الحاجة للتحكّم بالآخرين؟ هل يمكننا أن نستشف ذلك من سلوك الفرد الحاليّ؟ إن لم يكن ذلك ممكنًا، يسمّي موراي ذلك حاجةً كامنةً. لا يمكن رؤية الحاجة الكامنة (latent need) من تصرّفات الشخص في وقت معيّن ولكنّ الشخص يمتلك هذه الحاجة رغم ذلك. قد لا يمتلك الشخص الفرصة للتعبير عن هذه الحاجة، أو قد لا يكون في بيئة يمكنه فيها تطبيق السلوكيّات الّتي تلبّي تلك الحاجة. أسّست نظريّة الحاجات الظاهرة أرضيّة لنظريّات لاحقة أثرّت كثيرًا على دراسة السلوك المؤسّساتي، وأبرزها نظريّة الحاجات المتعلّمة لماك كليلاند. التطبيق الأهمّ في الإدارة هو فهم أن حاجات بعض العاملين تكون كامنة. يعتقد المديرون عادةً أن الموظّفين لا يمتلكون حاجات محددة عند عدم رؤيتهم يتصرّفون بشكل يلبّيها، لكن هذه الحاجات قد تكون موجودة (كامنة)، قد تكون بيئة العمل غير ملائمة لإظهارها ببساطة (الحاجة الظاهرة). ربّما لم تسنح الفرصة للمحاسب المنعزل بأن يظهر حاجته ودافعه للنجاح بسبب عدم تلقّيه أيّ مهمّة مُتحدّية تلبي رغباته في العمل والاجتهاد. نظرية الحاجة المتعلمة بنى وطوّر دافيد ماكليلاند (David C. McClelland) وشركاؤه (خاصّة جون أتكينسون John W. Atkinson) عمل موراي لأكثر من 50 عامًا. درس موراي العديد من الحاجات المختلفة لكنّه لم يتعمق سوى في تفاصيل القليل منها. يختلف بحث ماك كليلاند عن بحث موراي في أن ماك كليلاند درس ثلاث حاجات بعمق وهي: الحاجة للإنجاز والحاجة للانتماء والحاجة للسلطة (واختصاراتها على الترتيب (nAch) أو (ح ـ ج) و(nAff) أو (ح - ن) و(nPow) أو (ح - س)). يعتقد ماك كليلاند أن هذه الحاجات الثلاث مُتعلّمة، وبشكل رئيسيّ خلال الطفولة، لكنّه يعتقد أيضًا أنّه يمكن تعلّمها، سيّما حاجة الإنجاز (ح - ج). تعود أهميّة بحث ماك كليلاند إلى كون التفكير الحاليّ حول السلوك المؤسّساتيّ مبنيًّا عليه. الحاجة للإنجاز الحاجة للإنجاز (need for achievement (ح - ج) هي كم يندفع الشخص للتميّز في المهمّة الّتي يؤدّيها، خاصّةً المهام الصعبة. ومن بين الحاجات الثلاث التي درسها ماك كليلاند تمتلك هذه الحاجة الأثر الأكبر. تتنوّع الحاجة للإنجاز في شدّتها بين الأفراد، وهذا ما يجعل الحاجة للإنجاز سمةً شخصيّةً كما هي صفة للدافعيّة. عندما يُعبّر عن الحاجة للإنجاز -فتصبح حاجة ظاهرة- يحاول الشخص بشدّة أن ينجح في المهمّة الّتي يؤدّيها. فنقول أنّ هذا الشخص لديه دافعٌ عالٍ للإنجاز. الدافع (motive) هو مصدر الدافعيّة وهو الحاجة الّتي يرغب الشخص في تلبيتها. تصبح حاجات الإنجاز ظاهرةً عندما يختبر الأفراد ظروفًا معيّنة. من المفيد وصف وتحليل الأشخاص ذوي الدافع العالي للإنجاز من أجل فهم الحاجة للإنجاز بشكل أفضل. وأنت غالبًا تعرف بعض هؤلاء الأشخاص، يحاول هؤلاء الأفراد أن ينجزوا شيئًا ما باستمرار. أحد الكتّاب لديه قريب يفضّل أن يقضي نهاية الأسبوع وهو يعمل على إصلاحات إضافيّة في المنزل (لأسباب متعددة) بدلًا من أن يذهب في رحلة لصيد السمك. لماذا؟ لأنّه يحصل على نتيجة فوريّة عندما يعمل في المنزل، وعلى النقيض ففي صيد السمك قد يبذل الكثير من الجهد بدون أن يصطاد شيئًا، وأن لا يحصل على النتيجة يعني بأنّه قد فشل. يصف ماك كليلاند ثلاث خصائص للأشخاص ذوي الدافع العالي للإنجاز: يشعرون بالمسؤوليّة المباشرة عن إكمال المهام المكلّفين بها. يقبلون اللوم عند الفشل والمديح عند النجاح. تعجبهم المواقف التي يكون احتمال نجاحها متوسّطًا. فهم لا يميلون إلى المهام السهلة جدًّا أو الصعبة للغاية. بل يرغبون بالنتائج غير المعروفة، ولكن يؤمنون بأنّهم يستطيعون النجاح فيها. فيتجنّبون المواقف البسيطة والمستحيلة علىحدٍّ سواء. لديهم رغبة شديدة لتلقّي ردود الفعل والانطباعات حول جودة أدائهم فيسعون لذلك دائمًا. لا يهمهم إن كان ردود الفعل هذه إيجابيّة أم سلبيّة بل هم يريدون معرفة إن كانوا قد حقّقوا هدفهم أم لا. يسألون بشكل مستمرّ عن أدائهم، إلى درجة الإزعاج أحيانًا. ما أهميّة الحاجة للإنجاز بالنسبة للسلوك المؤسّساتي؟ الجواب في الواقع هو أن نجاح العديد من المنظّمات يعتمد على مستوى الحاجة للإنجاز لدى موظّفيها. وهذا صحيح خاصّةً في الوظائف الّتي تتطلّب دافعًا ذاتيًّا وإدارة للآخرين، وذلك لأن الموظّفين المُحتاجين لأن يُراقَب عملهم باستمرار يتطلّبون فريق إدارة أكبر، والمستويات المتعدّدة من الإدارة تشكّل عائقًا في سوق العمل الحاليّ، فمنظّمات اليوم المرنة والحذرة ماديًّا لا مكان فيها للبنى الإداريّة المعقّدة، حيث يؤدي موظّفوها ذوي الحاجة للإنجاز (ح -ج) المرتفعة عملهم بأدنى مراقبة عليهم. تدير العديد من المنظّمات حاجة موظّفيها للإنجاز بشكل سيّء. إدراك شائع عن الأشخاص الّذين يؤدّون أعمال لا تتطلّب مهارة بأنّهم غير محفّزين وراضون بما يفعلونه فحسب. لكن إن كان لديهم حاجة الإنجاز فإنّ هذا العمل اللامهاريّ نفسه سيوجد لهم دافعًا لإنجازه. هذا سهل للغاية. ليس هناك عدد كافٍ من الموظّفين الّذين يشعرون بالرضى الذاتيّ لامتلاكهم أنظف طابق في المبنى. أعمال التصميم الّتي ليست صعبة للغاية ولا سهلة للغاية أساسيّة لإدارة الدوافع. إغناء العمل آليّة فعّالة وهي تستوجب تدريب الموظّفين وتدويرهم في مناصب مختلفة أو إضافة تحدّيات جديدة لهم. الشكل 7.4 عمال مترو نيويورك حاملين لافتة طبّقت هيئة النقل في مدينة نيويورك مقاربةً جديدةً حول كيفيّة أداء تفتيش وصيانة الأقسام الرئيسيّة من مترو الأنفاق لتقديم خدمة موثوقة. وبدلًا من أن تجري الهيئة هذه الاستقصاءات خلال ساعات العمل الطبيعيّة، استشارت عمال الصيانة واقترحوا إجراءها خلال إغلاق أجزاء من السكّة لمدة سبع ساعات متواصلة. تمّ تبنّي هذه العمليّة ونجحت في أن تكون طريقة أسلم وأنجح للحفاظ على قطار أنفاق نيويورك فعّالًا ونظيفًا. فقد تمكّن الموظّفون من التحقّق من الإشارات والسكك والتقاطعات وأرضيّات السكك عند خلوّ المنطقة المستقصاة من القطارات، كما نظّفوا المحطّات وطَلَوا مناطق كان يصعب الوصول إليها أثناء عمل القطارات. كما انتهز العمّال الفرصة لتنظيف أدوات الإنارة واستبدال المصابيح وتصليح حواف المنصّات خلال التنظيف. (حقوق الصورة: Patrick Cashin/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). الحاجة للانتماء هذه هي ثاني الحاجات ضمن حاجات ماك كليلاند المُتعلّمة. تعكس الحاجة للانتماء (need for affiliation ح - ن) الرغبة في تأسيس علاقات ودودة وحميمة مع الآخرين والحفاظ عليها. وكما هو الحال مع (ح - ج) فإنّ الحاجة للانتماء تختلف في شدّتها بين الأشخاص. الأشخاص ذوي حاجة الانتماء العالية هم اجتماعيّون أكثر بطبيعة الحال. هم يفضلون الخروج مع زملائهم بعد انتهاء عملهم على أن يعودوا لمنازلهم ليتابعوا التلفاز. وهنالك أشخاص آخرون يمتلكون حاجة ضعيفة للانتماء، هذا لا يعني بالضرورة أنّهم يتجنبون الأشخاص الآخرين أو لا يحبّونهمن، ولكن هم ببساطة لا يبذلون مجهودًا في هذا المجال مقارنة بذوي الحاجة المرتفعة للانتماء. تمتلك الحاجة للانتماء آثارًا مهمّة على السلوك المؤسّساتي. الأشخاص ذوو ح - ن المرتفعة يحبّون أن يكونوا بصحبة الآخرين في العمل، فهم ينجزون نتيجةً لذلك بشكل أفضل عند العمل ضمن فريق. من المهمّ بالنسبة لهم الحفاظ على علاقات جيّدة مع باقي أعضاء الفريق. لذا يسعون بشدّة لأن يجعلوا مهمّة الفريق ناجحة وذلك بسبب خوفهم من الرفض. أي أن الأشخاص مرتفعي ح - ن يندفعون خاصّةً للأداء الأفضل إن كان الآخرون يعتمدون عليهم. على النقيض فإن عمل الأشخاص مرتفعي ح - ن بانفراد من شأنه أن يفقدهم الدافع للإنجاز. فالأداء الجيّد في هذه المهمّة لن يلبّي حاجتهم للانتماء. المديرون الناجحون يقيّمون مدى حاجة كلّ موظّف للانتماء، فيخصّصون مرتفعي ح - ن للمهمّات التي تتطلّب أو تسمح باتصالات أكبر مع باقي الموظّفين، في حين يخصّصون المهمّات التي تُجرى بشكل فرديّ للموظّفين منخفضي ح - ن الذين يكونون أقلّ عرضة للإرهاق من هكذا مهمّة. الحاجة للسلطة الحاجة الثالثة من حاجات ماك كليلاند المُتعلّمة. الحاجة للسلطة (need for power حـ-سـ) هي الحاجة للتحكّم بالأشياء وخاصّة بالآخرين. تعكس هذه الحاجة دافعًا للتأثير على الآخرين وتحمّل مسؤوليّتهم. الموظّف الذي يكثر التحدّث عادة ويعطي الأوامر ويجادل كثيرًا هو شخص مدفوع بواسطة حاجته للسلطة على الآخرين. قد يكون الموظّفون مرتفعو حـ-سـ مفيدين للمنظّمة. فهم يمتلكون سمات الموظّف المثالي، لكنّهم معرقلون أحيانًا. قد يحاول شخص مرتفع حـ - سـ إقناع الآخرين بالقيام بأفعال ضارّة للمنظّمة. إذًا متى تكون هذه الحاجة جيّدة ومتى تكون سيّئة؟ مجدّدًا، ليس هناك إجابة مباشرة. يسمّي ماك كليلاند هذا "وجها القوّة". يسعى الباحث عن السلطة الشخصيّة إلى التحكّم بالآخرين وغالًا بهدف السيطرة عليهم. فهم يريدون أن يستمع الآخرون لما يقولونه وينفذوه سواء كان جيّدًا أم سيّئًا للمنظّمة. فهم "يبنون إمبراطوريّات" ومركز سلطة خاصًّا بهم ويحمونه. عرّف ماك كليلاند أيضًا الباحث عن السلطة الاجتماعيّة على أنه الفرد الذي يلبّي حاجاته بالسلطة عبر التأثير على الآخرين كما هو الحال مع الباحث عن السلطة الشخصيّة. يختلف الباحث عن السلطة الاجتماعيّة عن الآخر بأنّه يسعى لأن يؤثّر على الفريق ليحقّقوا أهداف العمل وليس أهدافه الشخصيّة. يهتمّ الباحثون عن السلطة الاجتماعيّة بالأهداف التي تضعها المجموعة لنفسها وهم مدفوعون لأن يؤثّروا على الآخرين للوصول إلى هذه الأهداف. هذه الحاجة موجّهة نحو تلبية مسؤوليّات المدير وليس المسؤوليّات الشخصيّة. قال ماك كليلاند أنّ الحاجة المرتفعة للسلطة الاجتماعيّة هي أهم دافع للمديرين الناجحين. يميل المديرون الناجحون لامتلاك حاجة مرتفعة للسلطة، قد تكون الحاجة المرتفعة للإنجاز مهمّة ولكنّها قد توجّه الاهتمام نحو النجاح الشخصيّ أكثر من نجاح المؤسّسة. تساهم الحاجة للانتماء في النجاح الإداريّ فقط في المواقف التي يكون فيها الحفاظ على علاقات طيّبة بين أعضاء الفريق بنفس أهميّة جعل الجميع يعمل في سبيل تحقيق الهدف. فحوى بحث ماك كليلاند هو أنّه يجب على المنظّمات أن تحاول تعيين الأشخاص مرتفعي حـ - سـ في مواقع الإدارة. لكن من المهمّ أن تسمح هذه الوظائف الإداريّة للمدير بتلبية حاجته بالسلطة الاجتماعيّة، وإلّا فإنّ المدير مرتفع حـ - سـ سيحوّل العمل إلى ضرر الشركة عبر نيله سلطته الشخصيّة. تطبيق الأخلاقيات مسؤوليَّة الشركات الاجتماعية كقوة دافعة بغض النظر عن وجهة نظرهم، فإنَّ معظم الناس يمتلكون قضيّة شغوفين بها. البيتكوين أو حيادية الانترنت أو مستويات سطح البحر أو الزراعة في المصانع وغيرها، كل هذه القضايا والتوجّهات ليست إلا أسباب اجتماعيّة تربطنا بسياق أكبر أو لنفترض أنَّها تربطنا بهدف أسمى لحياة أفضل. إذًا ما الشيء الذي يحفِّز الموظفين لتقديم كل عملهم بإبداع ويدفعهم للانخراط به بالكامل؟ وفقًا لباتاتشاريا (CB Bhattacharya) (وهو مسؤول الاستدامة لبيترو فيريرو لدى المدرسة الأوروبيّة والإدارة والتقنيّة في برلين في ألمانيا) كان الانخراط الوظيفيّ، أو مدى شعور الموظّفين الإيجابيّ إزاء عملهم الحاليّ، في أدنى مستوى له عالميًّا عام 2016 بنسبة وصلت إلى 13%. لكن لا تعاني كل الشركات من هذه المعدّلات المنخفضة. تمتلك (Unilever) أكثر من 170,000 عاملًا حول العالم وتمتلك معدّل انخراط وظيفيّ يقارب 80%. كيف؟ يعزو باتاتشاريا الفضل في ذلك لدى (Unilever) وغيرها من الشركات إلى التركيز على "نموذج العمل المستدام". ويحدّد ثماني خطوات تتّخذها الشركات لتنقل استدامتها ومسؤوليّتها الاجتماعيّة من بحر العبارات الطنّانة إلى مهمّة حقيقيّة للشركة لدفع موظفيها. وفقًا لباتاتشرايا يجب على الشركات أن تحدّد هويّتها و أهدافها طويل المدى ومن ثمّ توازي ما بين أهدافها الاقتصاديّة وأهداف استدامتها. بعد ذلك يجب أن تثقّف القوى العاملة لديها حول طرق مستديمة لإيجاد المعرفة والكفاءة. يجب إيجاد "أبطال" الجهد في أرجاء المنظّمة وليس في القمّة فقط. يجب تشجيع المنافسة بين الموظّفين لإيجاد الأهداف الجديدة وتقبّلها. يجب أن تكون الاستدامة واضحة جليّة داخل وخارج الشركة. ويجب أن تُربط بهدف أسمى وأن تتبنّى حسًّا موحّدًا ليس فقط بين الموظّفين بل أيضًا على مستوى المجتمع. جعلت شركات أخرى من المسؤوليّة الاجتماعيّة جزءًا من عملها اليوميّ. في 2013 أطلق راندي غولدبيرغ (Randy Goldberg) ودافيد هيث (David Heath) شركة (Bombas). اكتشف غولدبيرغ وهيث أنّ الجوارب هي أكثر قطع الملابس طلبًا في مآوي المشرّدين. فأطلق الاثنان استجابةً لذلك خطّ إنتاج للجوارب لا يقوم "بإعادة اختراع" الجوارب فحسب -على حدّ زعمهم- بل يساعد المحتاجين أيضًا. فلكلّ قطعةٍ يبيعها هذا الخطّ ستتبرّع الشركة بزوج من الجوارب إلى المحتاجين (Mulvey 2017). ووفقًا لموقع الشركة "تهدف شركة (Bombas) إلى حلّ هذه المشكلة ودعم مجتمع المشرّدين ورفع الوعي حول مشكلة مُهمّشة في الولايات المتّحدة". وبالرغم من أنّ الشركة، الّتي مقرّها نيويورك، لا تزال في طور النموّ إلّا أنّها حتّى أكتوبر 2017 تبرّعت بأكثر من أربعة ملايين زوجًا من الجوارب (Bombas 2017). في عام 2016 أطلق المصرف الملكيّ الاسكتلنديّ (the Royal Bank of Scotland RBS) برنامجًا رائدًا يدعى (Jump) وفيه يشارك الموظّفون في تحدّيات حول الترشيد من استهلاك المياه والكهرباء وحول مواضيع مستدامة أخرى. في نهاية البرنامج أقرّ 95% من الموظّفين أنّهم شعروا أنّ البرنامج ساهم في زيادة الانخراط الوظيفيّ وبناء الفريق واستقرار بيئة المنظّمة. وبفضل نجاح البرنامج توسّع في عام 2017 ليشمل كلّ مواقع RBS وشمل أيضًا تطبيقًا على الهواتف الذكيّة. (Barton 2017). إن وضع شركة في السياق الأشمل وإضافة هدف لها بالإضافة إلى أهدافها الأساسيّة من شأنه أن يدفع الموظّفين للحرص على أن تصبح الشركة الأفضل عالميًّا. تنتفع الشركات من تخفيض النفايات وزيادة الانخراط الوظيفيّ. والعديد من الشركات تدفع موظّفيها بنجاح وتعمل تجاه سلوكيّات أكثر استدامةً. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Work Motivation for Performance) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: هرمية ماسلو للاحتياجات المقال السابق: القيادة التبادلية والتحويلية والكاريزمية
  17. يمكن أن يستخدم المديرون تقنيّات عديدة لتحسين اتّخاذهم للقرارات عبر رفع جودة القرارات أو زيادة سرعة اتّخاذها. يلخّص الجدول 6.1 بعض هذه الوسائل. خلاصة تقنيّات قد تفيد في تحسين اتّخاذ القرار الفرديّ نوع القرار الآلية النفع القرارات المبرمجة الاستدلالات (اختصارات عقليّة). يوفّر الوقت الإرضاء (اختيار أول حلّ ممكن). يوفّر الوقت القرارات غير المبرمجة المرور بمنهجيّة على الخطوات الستّ لاتّخاذ القرار. يُحسّن الجودة التحدّث مع الآخرين. يُحسّن الجودة: يولّد المزيد من الحلول ويخفّض الانحياز كن مبدعًا. يُحسّن الجودة: يولّد المزيد من الحلول إجراء بحث، اتّخاذ القرارات المُسندة بالدليل. يُحسّن الجودة التفكير الحاسم. يُحسّن الجودة التفكير حول النتائج طويلة المدى. يُحسّن الجودة التفكير حول العواقب الأخلاقيّة. يُحسّن الجودة table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 6.1 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أهمية الخبرة يتمّ عادةً تجاهل تأثير الخبرة على اتّخاذ القرارات. يمتلك المديرون الرائدين عمومًا معرفةً أعمق وخبرة أوسع، وذلك يساعدهم على اتّخاذ قرارات أفضل. تساعد الخبرة المديرين على تطوير وسائل واستدلالات تساعدهم على التعامل السريع مع القرارات المبرمجة وعلى معرفة ما يجب جمعه من معلومات قبل اتّخاذ قرار غير مبرمج. وسائل لتحسين اتخاذ القرار المبرمج تُمكّن الخبرة المديرين أيضًا من معرفة متى يجب تخفيض الوقت المستغرق لاتّخاذ قرارات عن قضايا ليست مهمّة جدًّا لكنّها يجب أن تُحَل. وكما ذُكر في المقال، الاستدلالات هي طرق عقليّة مختصرة يتّبعها المديرون عند اتّخاذ القرارات المبرمجة (روتين، انخراط ضعيف). يمكن أيضًا للمديرين استخدام آليّة "الإرضاء" من أجل قرارات كهذه. الإرضاء (satisficing) هو حين يأخذ صانع القرار أوّل خيار مطروح بدون بذل جهد في البحث عن الحلّ الأمثل. جميعنا يمارس الإرضاء كلّ يوم. على سبيل المثال، لنفترض أنّك بحاجة للذهاب لتسوّق مواد غذائيّة ولا ترغب في الإنفاق الزائد، إن كان لديك الكثير من الوقت فيمكنك مقارنة أسعار المنتجات وأن تستنج أيّ منتج يعطيك وزنًا أو حجمًا أكبر مقابل سعر أقلّ. لكن إن كنت على عجلة، فستشتري البضائع العامّة لاعتقادك أنَها ستكون رخيصةً كفاية. هذا يسمح لك بإنهاء المهمّة بشكل أسرع وبتكلفة أقلّ. وسائل لتحسين اتخاذ القرار غير المبرمج في القرارات الّتي تَهُمُّ جودتها أكثر من الوقت المستغرق لاتّخاذها، يمكن لصانعي القرار استخدام وسائل عدّة. كما ذكرنا سابقًا، يجب أن تُعالج القرارات غير المبرمجة بآليّة منهجيّة، لذا سنناقش هذه الوسائل ضمن سياق خطوات صنع القرار. نُعيد ذكر الخطوات هنا: معرفة أنّ هناك قرار يجب اتّخاذه. توليد حلول بديلة. تحليل البدائل. اختيار البديل. تطبيق البديل الّذي تمّ اختياره. تقييم فعاليّة البديل. الخطوة الأولى: معرفة أن هناك قرار يجب اتخاذه سيتجاهل المديرون غير الناجحون أحيانًا المشاكل لأنّهم غير واثقين من الكيفية الصحيح للتعامل معها. وهذا ما يسبّب مشاكل أكبر وأكبر مع مرور الوقت. يعير المديرون الناجحون انتباههم للمشاكل والفرص ولا يتهرّبون من اتّخاذ القرارات الّتي قد تزيد من فعاليّة فريقهم أو قسمهم أو منظّمتهم. الخطوة الثانية: توليد حلول بديلة يمضي المديرون عادةً في هذه الخطوة وقتًا كافيًا لتوليد حلّين لا أكثر لينتقلوا إلى الخطوة الثالثة بسرعة. من الممكن أن تكون هناك خيارات أخرى جيّدة تخطّاها المديرون بسبب عدم تسخير الوقت الكافي للتفكير فيها. من المهمّ تذكّر أنّك لا يُفضّل استعجال عمليّة توليد ووضع الخيارات والبدائل والحلول أثناء صُنع القرار غير المبرمج؛ إذ سيزيد عدد الاحتمالات والخيارات الّتي تضعها من فرص الوصول لقرار جيّد. من بعض الوسائل المساعدة في توليد خيارات أكثر هي التحدّث مع الآخرين (لأخذ أفكارهم) والتفكير الإبداعي حول المشكلة. تحدث مع الآخرين يمكن للمديرين عادةً أن يُحسّنوا من نوعيّة قراراتهم عبر إشراك الآخرين في العمليّة، خاصة عند وضع الخيارات والبدائل؛ إذ يميل الآخرون لرؤية المشاكل من مناظير مختلفة لامتلاكهم خبرات مختلفة، وهذا قد يساعد على توليد حلول لم تكن لتفكّر بها بنفسك. قد يكون نقاش المشكلة مع مُرشدك مفيدًا أيضًا، خاصّةً للمديرين الجُدد الذين ما زالوا في مرحلة التعلّم والتطوّر. غالبًا ما يقترح الشخص الأكثر خبرة حلولًا أكثر وأفضل. كن مبدعًا لا ترتبط دائمًا الإدارة بالإبداع، لكنّ الإبداع قد يكون مفيدًا حقًّا في اتّخاذ القرار، وهو ضروري وأساسي في مرحلة وضع الحلول والبدائل الممكنة. الإبداع (creativity) هو توليد أفكار جديدة أو أصليّة، يتطلّب الإبداع استخدام الخيال والقدرة على الابتعاد عن طرق التصرّف التقليديّة. على الرغم من أن بعض الأشخاص قد يكونون مبدعين بالفطرة، إلا أن هذه مهارةٌ يمكن تعلّمها. يتطلّب الإبداع أن تترك خيالك يسرح وأن تدمج معرفتك الحاليّة مع خبراتك السابقة بطرق جديدة ومبتكرة. قد يأتي الإلهام الإبداعيّ في أقلّ الأوقات توقّعًا (أثناء الاستحمام مثلًا) وذلك لأنّنا لا نركّز حينها على المشكلة. أي أنّنا أتحنا الفرصة ليسرح خيالنا. يأخذ المديرون الساعون للإبداع الوقت اللازم للنظر والتفكير في المشكلة من مختلف جوانبها الممكنة ومحاولة جمع المعلومات بطرق مختلفة والبحث عن أنماط مميّزة لتجاوزها، مستخدمين خيالهم لتوليد حلول جديدة للمشكلة الحاليّة. ستتمّ مناقشة الإبداع بتفاصيل أكثر في باب تحسين جودة اتّخاذ القرار من سلسلة مقالاتنا. الخطوة الثالثة: تحليل البدائل من المهم عن تطبيق الخطوة هذه أن تؤخذ عدة عوامل بالحسبان. يمكن أن تكون بعض البدائل مكلفة أكثر من غيرها على سبيل المثال، وهذه المعلومة مهمّة عادة عن تحليل الخيارات. سيحرص المديرون الناجحون على التأكد من جمعهم للمعلومات الكافية لتقييم جودة الحلول المختلفة. كما سيستخدمون الوسائل التالية: اتّخاذ القرارات المُسندة بالدليل والتفكير الحاسم والتحدّث مع الآخرين والتفكير في النتائج الأخلاقيّة والنتائج بعيدة المدى. هل تملك أفضل البيانات والأدلة جودةً؟ اتّخاذ القرارات المُسندة بالدليل هي مقاربة تشير إلى أن المديرين يجب أن يجمعوا أفضل الأدلّة الممكنة بمنهجيّة لمساعدتهم على اتّخاذ قرارات أفضل. قد تتضمّن الأدلّة الّتي يتمّ جمعها خبرة صانع القرار نفسه، كما قد تتضمّن أيضًا أدلّة خارجيّة، مثل آراء أصحاب المصلحة الآخرين وعوامل محيطة بالمنظّمة والتكاليف والفوائد المتوقّعة وأيّ معلومات أخرى ذات صلة. في اتّخاذ القرار المسند بالدليل، يُشجَّع المديرون على الاعتماد على المعلومات والبيانات بدلًا من الحدس. يفيد هذا بشكل خاصّ المديرين الجدد أو المديرين الخبيرين الذين يشرعون في اتّخاذ قرارٍ جديد أو الانطلاق في مشروع مميّز(تذكّر كمّ الأبحاث التي أجرتها روبيو وكوري قبل أن يُنشِؤوا شركة (Away). تحدث مع الآخرين كما ذُكر سابقًا، قد يكون مفيدًا أن تطلب المساعدة من الآخرين عند التفكير بحلول بديلة. كما يفيد التحدّث مع الآخرين أيضًا عند تحليل هذه الحلول، فالأفراد في الشركة قد يساعدون في تقييم جودة اختيارك. البحث عن الآراء والتفضيلات واستشارة الآخرين هي طريقة رائعة، فمشاركة الآخرين قد تساعد في تخفيف الانحياز في القرارات (وذلك عند تحدثّك مع أشخاص لا يشاركونك تحيّزاتك نفسها). هل تفكر في الخيار بشكل حاسم؟ يمكن أيضًا تحسين مهاراتنا في تقييم الخيارات عبر التركيز على التفكير الحاسم (critical thinking). التفكير الحاسم هو آلية منظّمة لتقييم جودة المعلومات، وخاصةً البيانات المأخوذة من مصادر خارجيّة أو من أفكار الآخرين، وذلك لتحديد ما إن كان المصدر موثوقًا. من العوامل المهمة الأخرى في التفكير الحاسم هو أنّ تحليل الشخص للبيانات الموجودة قد تشوبه عدد من المغالطات المنطقيّة (logical fallacies) التي قد تُستخدم عند طرح فكرة أو الدفاع عنها. يمكن تحسين عمليّة اتّخاذ القرار عبر تحديد هذه المغالطات المنطقيّة وملاحظتها. ذُكِر في الجدول 6.2 أمثلة عن المغالطات المنطقيّة الشائعة. مغالطات منطقية شائعة الاسم الوصف أمثلة طرق لمحاربتها مغالطة الاستنباط الخلفي (المغالطة الصوريّة) Non sequitur (does not follow) الاستنتاج المطروح ليس نتيجة منطقيّة للفكرة أو ليس النتيجة المنطقيّة الوحيدة. أكبر منافس لنا ينفق الكثير على التسويق. لديهم حصّة أكبر من السوق. لذا يجب علينا أن ننخّص موارد أكثر للتسويق. الاعتقاد غير المحكيّ: لديهم حصّة أكبر في السوق لأنّهم ينفقون المزيد على التسويق. افحص كلّ الحجج، هل هي منطقيّة؟ ابحث عن الافتراضات في هذه الإدّعاءات. حاول أن تجمع أدلّة تؤكّد أو تنفي الحجج و/أو الافتراضات. في هذه المثال، عليك أن تسأل: هل هنالك أسباب أخرى لنجاحهم إلى جانب إنفاقهم الكبير على التسويق؟ لِمَ يمتلك منافسنا حصّة أكبر من السوق؟ السبب الخطأ False cause الاعتقاد بأنّ وجود رابط بين شيئين يعني أنّ كلّ منهما سبب للآخر. "موظّفونا يمرضون أكثر قبل عطلة الأعياد، لذا علينا أن نتوقف عن أخذ عطلة في الأعياد". هذه المغالطة شبيهة بالمغالطة الصوريّة حيث أنّها تفترض شيئًا ما من الحجّة. اسأل نفسك إذا كان الشطر الأوّل حقًّا سبب الثاني أم أنّ شيئًا آخر هو السبب. في هذه الحالة، سبب ذلك هو تغيّر الطقس في فترة الأعياد وليست عطلة الأعياد بحدّ ذاتها. الشخصنة Ad hominem (attack the man) إعادة توجيه الحجّة لمهاجمة الشخص صاحب الحجّة. "لن تأخذ رأي سامر بجدّيّة أليس كذلك؟ لقد سمعت بأنّه خسر أهمّ عميل لديه لأنّه يثرثر كثيرًا بلا جدوى". الهدف: إن فقدت ثقتك في الشخص فلن تستمع لحججهم. هل سينتفع الشخص الثاني ممّا يقوله؟ هل لديه أسباب مخفيّة ليحثّك على سحب ثقتك من الشخص الأوّل؟ هل ستقنعك حجّة الشخص الأول لو أتت من شخص آخر؟ المغالطة الجينيّة أو مغالطة الأصل Genetic fallacy لا يمكنك أن تثق في شيء ما بسبب منشأه. "لا بدّ من أن يكون هذا الشيء رديء الصنع فقد صُنع في الصين". "لا يمكنك الثقة بما يقوله هذا الشخص فهو محامٍ". هذه المغالطة مبنيّة على القوالب الجاهزة والأحكام المُسبقة والّتي يكون بعضها غير دقيق، وحتّى بعض القوالب التي تكون صحيحة في بعض الحالات هي بالتأكيد ليست صحيحة في كلّ الحالات. الاحتجاج بالتقاليد Appeal to tradition إن كنّا دائمًا نتبّع نفس الطريقة فلا بدّ من أنّها الطريقة الأفضل. "لطالما قمنا بهذا الأمر بهذه الطريقة". "لا يجب أن نغيّر هذا، إنّه جيّد الآن". فكّر فيما إذا تغيّر الموقف، عند طلبك تغيير آليّة عمل الأشياء الحاليّة. فكّر فيما إن كانت المعلومات الجديدة تقترح أنّ وجهة النظر الأصليّة غير دقيقة. تذكّر أنّ البشر اعتقدوا طويلًا بأنّ الأرض مسطّحة. الاحتجاج بالأكثريّة Bandwagon approach إن كانت الأغلبيّة تفعل ذلك، فلا بدّ من أنّه جيّد. "الجميع يفعل هذا". "لا يودّ زبائننا أن نفعل هذا". تذكّر أن الأغلبيّة قد تكون مُخطئة، وما يكون شائعًا ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا. اسأل نفسك إن كان "اتّباع التيّار" سيوصلك إلى المكان الذي تريده. تذكّر أنّ المنظّمة تنجح عبر كونها أفضل من منافسيها أحيانًا. لذا قد لا يكون مفيدًا لك اتّباع التيّار وتقليد الآخرين. الجدول 6.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). هل فكرت في النتائج بعيدة المدى؟ قد يسبب التركيز على النتائج الفوريّة قصيرة المدى -مع التفكير القليل بالمستقبل- المشاكل للمؤسّسة. على سبيل المثال، تخيّل مديرًا يجب عليه أن يقرّر بين تقسيم العوائد على المستثمرين أو توجيه المال للأبحاث والتطوير. قد يغريك التركيز على النتائج قصيرة المدى، حيث ينعكس تقاسم الأرباح على المستثمرين بشكل جيّد على أسعار أسهم الشركة، لكن عدم الاستثمار في البحث والتطوير يعني أنّ الشركة بعد 5 سنوات لن تستطيع أن تنافس في السوق بشكل ملائم وقد ينتهي بها الحال إلى الإغلاق. الانتباه إلى النتائج بعيدة المدى هو جزء أساسيّ من التفكير بالبدائل. هل هناك عواقب أخلاقيّة؟ من المهمّ كذلك التفكير إن كانت الخيارات المطروحة جيّدة أم سيّئة من وجهة نظر أخلاقيّة. يأخذ المديرون أحيانًا قرارات غير أخلاقيّة لأنّهم لم يفكّروا بالعواقب الأخلاقيّة لأفعالهم. في السبعينات من القرن الماضي، صنّعت شركة فورد Ford سيّارة بينتو Pinto الّتي امتلكت عيبًا كبيرًا حيث كانت السيارة تشتعل بسهولة عندما تصطدم من الخلف. لم تسحب الشركة في البداية السيّارات من السوق لأنّهم نظروا إلى المشكلة نظرة ماليّة بدون الاهتمام بالعواقب الأخلاقيّة. تسبّب هذا القرار في وفاة عدد من الأشخاص. لسوء الحظّ، لا تزال هذه القرارات غير الأخلاقيّة تحدث وتسبّب الأضرار في مجتمعنا. يجب أن يسعى المديرون الناجحون إلى تجنّب هذه المواقف عبر التفكير في كلّ العواقب الأخلاقيّة الممكنة للاحتمالات والخيارات المطروحة في قرارهم. شجرة القرار في الشكل 6.6 مثال رائع على طريقة اتّخاذ القرارات الإداريّة ووضع النواحي الأخلاقيّة بالحسبان. الشكل 6.6 شجرة القرار الأخلاقيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). سيكون من المفيد أيضًا التفكير مليًّا في خطوات اتّخاذ القرار الأخلاقيّ حينما تسعى لاتّخاذ قرار جيّد. يتضمّن نموذج جيمس ريست (James Rest) الخاص باتّخاذ القرار الأخلاقيّ أربعة أجزاء أو عناصر، وهي: الحساسيّة الأخلاقيّة: أن تعرف أن لهذه المشكلة جانبًا أخلاقيًّا. الحُكم الأخلاقيّ: تحديد أيّ الأفعال خطأ وأيّها صواب. التحفيز/النيّة الأخلاقيّة: تقرير فعل الأمر الصائب. الفعل/الشخصيّة الأخلاقيّة: فعل الصواب حقًّا. لاحظ أنّ الفشل في أيّ مرحلة من السلسلة هذه سيؤدّي لنتائج وقرارات غير أخلاقيّة، خذ وقتك لمعرفة العواقب الأخلاقيّة لتستطيع تطوير حساسيّتك الأخلاقيّة، وهي الخطوة الأولى والأساسيّة لضمان اتّخاذ قرار أخلاقيّ. ما إن حدّدت أنّ قرارًا ما لديه عواقب أخلاقيّة، يجب عليك أن تفكّر أيُّ الحلول صحيح وأيّها خطأ (أيّ ما يسبّب الأذى للآخرين وما لن يسبّب) وما مقدار الأذى الّذي سيسبّبه ولمن سيسبّبه. هذا هو جزء الحُكم الأخلاقيّ على القرار. إن لم تكن متأكدًا إن كان القرار صحيحًا أم خطأً، فكّر فيما كنت ستشعره إن انتهى الأمر بهذا القرار على غلاف جريدة كبرى. إن كنت ستشعر بالذنب أو الخجل فعليك العدول عن ذلك القرار وإيجاد بدائل أخرى. أعر انتباهك لهذه الأدلّة العاطفيّة فهي تزوّدك بمعلومات مهمّة حول فعاليّة ومدى صحّة الخيار الّذي تفكّر به. تتطلّب الخطوة الثالثة في نموذج اتّخاذ القرار الأخلاقيّ اختيار القرار الذي يؤدي لفعل الأمر الصائب، أمّا الرابعة فتتضمّن تطبيق هذا القرار. قد يبدو هذا سهلًا، لكن تخيّل موقفًا يخبرك فيه مديرك بأن تفعل أمرًا تعلم بأنّه خطأ. وعندما تحاول التهرّب يخبرك بأنّك ستخسر عملك إن لم تقم بهذا الأمر. فكّر الآن بعائلتك الّتي تعتمد على دخلك. أن تقرّر فعل الصواب وعدم تنفيذ ما قاله المدير سيعود بضررٍ جسيمٍ عليك شخصيًّا. في مثل هذه الحالات، من الأفضل إيجاد وسيلة لإقناع المدير بأنّ القرار غير الأخلاقيّ سيسبّب أذىً أكبر للشركة على المدى الطويل. الخطوة الرابعة: اختيار بديل يجب على صانع القرار أن ينتقي أحد الخيارات المطروحة حالما يتمّ طرحها وتحليلها. يكون هذا سهلًا أحيانًا عندما يكون أحد الخيارات متفوّقًا بشكل واضح على سائر الخيارات المطروحة. لكنّ في معظم الحالات يكون ذلك الانتقاء البسيط غير ممكن لعدم وجود "رابح" واضح بين الخيارات. وكما ذكرنا في مقالاتٍ سابقة، ربّما يكون هناك عدّة خيارات جيّدة لا تستطيع تمييز الأفضل بينها حتّى بعد جمعك كلّ الأدلّة المتوفّرة. وقد لا تتمكّن من انتقاء خيار لا يعود بالنفع على كافّة الأطراف، فلابُدّ من أن يُزعج القرار فئة ما من أصحاب المصلحة، أي أنّ أحدًا ما سيستاء مهما اخترت. قد يجعل كلّ هذا صانع القرار الضعيف مشلول الحركة وغير قادر على الاختيار لعدم وجود خيارٍ "أفضل" واضح. قد يقرّر الإداريون وأصحاب القرار في مثل هذه المواقف أن يستمرّوا في جمع الأدلّة لعلّهم يتوصلّون لفكرة أوضح. من المهمّ أن تفكّر -كونك مديرًا- إن كانت عمليّة البحث عن معلومات إضافيّة ستعود بفائدة أكبر من الانتظار أم أنها ستحمل معها سلبيات أكثر، فقد لا يكون الإنتظار ممكنًا إن لم يكن هنالك مُتّسعٌ من الوقت. تذكر أن الكمال مستحيل يميّز المديرون الناجحون أنّهم لن يستطيعوا اتّخاذ قرارٍ كامل (مثاليّ) دائمًا؛ لانّهم قد لا يمتلكون كلّ المعلومات و/أو لا يملكون الوقت والموارد الكافيين لجمعها. لذلك على الإداريين تقبّل فكرة أنّ قرارهم المُتّخذ قد لا يكون مثاليًّا ولكنهم يسعون دائمًا لاعتماد القرار الأنسب في كل موقف. يساعد تذكّر استحالة اتّخاذ القرار المثاليّ المديرين على التأقلم والتغيير إن رأوا لاحقًا أنّ هناك بديلًا أفضل. تحدث مع الآخرين يفيد التحدّث مع الآخرين أيضًا في هذه الخطوة، فالاختيار النهائيّ سيكون مسؤوليّتك بالتأكيد، لكن عندما يواجهك اختيار صعب فقد يساعدك النقاش مع شخص آخر على توضيح مدى جودة الخيار الذي تفضّله. كما أنّ التحدّث حول المعلومات يجعل الدماغ يعالجها بطريقة مختلفة، وهو ما قد يزوّدك بمنظور جديد أو وضوح أكبر لاتّخاذ القرار. الخطوة الخامسة: تطبيق البديل الذي تم اختياره يجب عليك تطبيق الحلّ بعد اختياره. قد يبدو لك هذا بديهيًّا، لكنّ التطبيق قد يشكّل تحدّيًا أحيانًا، خاصًّة إن كان القرار سيشكّل نزاعًا أو امتعاضًا بين أصحاب المصلحة. أحيانًا نعلم بأنّ تطبيق فعلٍ ما واجب علينا لكنّنا نتجنّبه لعلمنا بأنّ الآخرين في المنظّمة سينزعجون (حتّى ولو كان الحلّ الأفضل)، لكن المُضي قُدمًا في تنفيذ قرارك ضروريّ لتكون مديرًا ناجحًا. إن لم تكن تنوي تطبيق القرار فمن الضروري أن تقوم لجولة تفكير ومراجعة لتفهم سبب عدولك. إن علمت أنّ القرار سيولّد نزاعًا حاول أن تفكّر كيف ستعالج هذا النزاع بطريقة فعّالة. من الممكن أيضًا أن تشعر أنّ لا حلّ جيّد كفاية أو أن تضطر إلى اتّخاذ قرار تعلم حقيقةً أنّه غير أخلاقيّ. هذه القرارات قد تكون من أصعب القرارات. يجب أن تسعى دائمًا لاتّخاذ قرارات تراها جيّدة وأنّها الخيار الصائب حتّى لو واجهت ضغوطًا لفعل عكس ذلك. الخطوة السادسة: تقييم فعاليّة البديل يتخطّى المديرون أحيانًا هذه الخطوة الأخيرة لأنّها تستغرق وقتًا، حيث يكون المديرون المنشغلون عادة قد انتقلوا بالفعل إلى مشروع آخر. لكنّ التقييم مهمٌّ. عندما نفشل في تقييم أدائنا الشخصيّ ونتائج القرارات فلن يكون بمقدورنا التعلّم من أخطائنا وتحسين جودة قراراتنا المستقبليّة. المرور بخطوات عمليّة اتّخاذ القرار الستّ السابقة جميعها من شأن أن يحسّن من نوعية وجودة القرار. فكما رأينا يمكن أن يستخدم المديرون وسائل عدّة تساعدهم على اختيار القرار الأمثل. ألقِ نظرةً على فقرة تطبيق الأخلاقيّات لترى مثالًا عن استخدام هذه الوسائل للوصول لقرار جيّد. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } تطبيق الأخلاقيات روب أولت (Rob Ault)، مدير مشروع، كنيسة باي سايد المجتمعية (Bayside community) تتطلب المعضلات الأخلاقيّة عناية خاصّة عند اتّخاذ أيّ قرار. وبما أنّ المديرين يصدرون الكثير من القرارات فمن الطبيعيّ أن يتضمّن بعض هذه القرارات جانبًا أخلاقيًّا. وبتعّدد أصحاب المصلحة ستتعدّد الآراء، فما يكون جيّدًا ومقبولًا لمجموعة منهم قد لا يكون جيدًا للمجموعات الأخرى. وقد أجرى مؤلّف الكتاب (Organizational Behavior) حوارًا مع روب أولت حول تجربته في المعضلات الأخلاقيّة خلال مسيرته المهنية. حيث لعب روب أدوارًا إداريّة لأكثر من خمس وعشرين سنة، منذ أن كان في التاسعة عشر من عمره. ويقول أنّه واجه عددًا من المعضلات الأخلاقية في تلك الفترة. أمضى روب معظمَ مسيرته المهنيّة يعمل لدى منظماتٍ ربحيةٍ، وقد عمل في بيئة الجمعيات حوالي نصف هذه المدّة. ومن أكثر ما أحبطه في هذا العمل -بغضّ النظر عن بيئة العمل العامّة- هو صعوبة موقفه عندما يكون مقتنعاً بشيءٍ ما لدرجةٍ كبيرةٍ ولكنَّ هذا الشيء يتعارض مع ما يطلبه منه رئيسه في العمل. على سبيل المثال، موقفه عندما شعر أنّ موظفًا ما يجب فصله لسوء سلوكه (ولكنه لم يُفصل)، أو عندما طُلِب منه أن يفصل موظفًا لا يستحقّ ذلك. وقد تحدث بالمجمل عن آليته في العمل. كيف كان روب يتصرف في مواقف صعبة مثل التي ذكرناها؟ وقد وضّح روب بأنّ تعامله مع هذا النوع من المواقف قد تغيّر بشكلٍ كبيرٍ مع اكتسابه الخبرة. وما كان يفعله في بداية مسيرته المهنيّة ليس من الضروري أن يفعله الآن. كما قال فإن إدراك فكرة أنّ قراراتك كمدير تؤثر في حياة أشخاص آخرين يتطلّب الخبرة وبعض النضج العقلي والأخلاقي. وشرح بأنّ أولى الخُطوات وأهمّها فيعمليّة صنع القرار هي إدراكك الدائم بأنّ وجودك في منصبك هدفه الأساسيّ هو تقديم المنفعة للشركة. لذلك فإنّ قرارات أيّ مدير يجب أن تنبع من مبدأ ما هو الأفضل لمصلحة المنظّمة على المدى الطويل (وبالإضافة لذلك ما هو القرار الصحيح أخلاقيًّا). وهذا ليس بالأمر السهل دائمًا، لأن النتائج على المدى القريب هي أسهل للملاحظة والتوقّع. عندما سُئل الكاتب روب عمّن كان يستشير سابقًا لأخذ القرارات الّتي تتضمن جانبًا أخلاقيًّا، أجاب أنه وجد أنّه من أهم الأشياء التي يجب أن تفعلها بصفتك قائدًا هو بناء علاقات مع أشخاص تثق بهم من المنظّمة. وبهذه الطريقة يكون لديك أشخاص ثقة لتتحدث لهم إذا واجهت أحد هذه المواقف. كما وضّح أهمية التحدّث مع رئيسك في العمل الذي لديه نظرةٌ أوسع للموضوع وفهمٌ أكبر لتأثيرات القرارات المُختلفة على الهيكليّة العامّة للمنظّمة. كما اعترف بميله للتحدث لوالده الذي يعمل في إدارة الموارد البشرية لمنظمة كبيرة مصنَّفة ضمن قائمة فورتشن 500 في الولايات المتحدة الأميركية ( Fortune 500). وكان والده بمثابة الداعم الدائم له، حيث كان يمنحه رؤيةً أوسع لتأثير الأشياء على المدى الطويل عندما يُعطى شخص ما الفرصة للتحايل على القواعد. وأدرك روب في النهاية أنّ النتائج البعيدة لهذا التحايل هي سلبيّة دائمًا. فعندما يُسمح لشخص ما أن يسيء التصرف، سيكتشف الآخرون ذلك حتمًا وسيبرّرون لأنفسهم إساءة التصرف بدون التفكير بالعواقب. كما عمل روب على استشفاف آراء أفراد آخرين في المنظّمة قبل التوصّل إلى قرار في المسائل التي لها جانب أخلاقيّ. حيث أخبرني أنه خلال عمله في بيئة الجمعيّات حاول أن يحافظ على علاقات جيّدة مع الأشخاص والأفراد ضمن طاقم تلك الجمعيّات، لأنّ هذا يفيده في الحصول على وجهات نظر واقتراحات الأفراد من حوله. وعندما سُئل روب عن أكبر مشكلة أخلاقية واجهها في مسيرته، لم يستطع أن يذكر تفاصيلها، ولكنه اكتفى بقول أنّه لم يوافق على شيءٍ ما طُلب منه. وعندما أدرك أنّه لا يملك خياراً آخر في هذه المسألة، فضّل روب ترك وظيفته عوضًا عن فعل شيءٍ لا يراه صائبًا. وقبِل بإنهاء عمله مقابل توقيعه على اتفاقيّة سرّيّة؛ وهي سبب عدم خوضه في التفاصيل. لكن اقتناعه أنّه فعل الصواب كان واضحاً جداً في حديثه. وهذه القضية الأخلاقية تحديدًا تبيِّن لنا كم يكون اتخاذ القرار صعباً في بعض الأوقات. اتخاذ القرار الجماعي إن شَمْل عدد أكبر من الأشخاص في عمليّة صنع القرار من شأنه أن يُحسّن من جودة قرارات المدير ونتائجها. لكن قد يشكّل ذلك نزاعًا وتحدّيات من نوع آخر. سنلقي الآن نظرةً على فوائد ومساوئ اتّخاذ القرار الجماعيّ. فوائد اتخاذ القرار الجماعي أحد الفوائد هي استفادتك من وجهات النظر والأفكار المتنوّعة. ليتمّ ذلك تحتاج لمجموعة عمل متنوّعة. في مثل هذه المجموعة يمتلك الأفراد وجهات نظر مختلفة وآراء وتفضيلات وانحيازات وتنميطات مختلفة. يشكّل اتّخاذ القرار الجماعيّ عملًا إضافيًّا على المدير بسبب تعدّد الآراء التي يجب مناقشتها ومعالجتها، لكنّ منهج القرار الجماعي يُخفف أثر الانحياز الشخصيّ على القرار (بفرض تنوّع وجهات نظر أعضاء الفريق). على سبيل المثال، قد توظّف لجنة توظيف مؤلّفة بالكامل من الرجال نسبة أكبر من المتقدّمين الرجال (لأنّهم ببساطة يميلون لتفضيل الأشخاص المشابهين لهم). لكن لجنة التوظيف المُشكّلة بالتساوي من رجال ونساء ستلغي هذا الانحياز ما يؤدّي لتوظيفٍ أكفأ للمتقدّمين بناءً على مؤهلاتهم بدلًا من التحيّزات البعيدة عن متطلّبات العمل. دمج المزيد من الأشخاص في عملية صنع القرار مفيد أيضًا، لأنّ كلّ فرد قد يمتلك معلومة أو معرفة أو وجهة نظر مميّزة للفريق. كما قد يقود ذلك إلى توليد المزيد من الأفكار وتحفيز ذهنيّ أكبر عند نقاش الخيارات المطروحة. العصف الذهنيّ هو عمليّة توليد أكبر عدد ممكن من الحلول أو الخيارات وهي وسيلة منتشرة عند صنع القرار الجماعيّ. كل هذه العوامل قد تقود لاتّخاذ قرار أفضل عند صنعه بشكل جماعيّ، بالإضافة إلى أنّ ذلك سيسمح للمشاركين في صنع القرار بفهم أكبر للمشاكل والتزام أكبر بالحلول. مساوئ اتخاذ القرار الجماعي لا تخلو عمليّة اتخاذ القرارات الجماعيّة من بعض المساوئ، حيث تُعَرقِل الخلافات عمل بعض المجموعات، في حيث تتّجه مجموعات أخرى إلى أسلوب الضغط على الأعضاء المُناهشة أو المُخالفة من أجل الموافقة على حساب الجودة. يحدث التفكير الجماعيّ (groupthink) عندما يختار أعضاء من المجموعة عدم إبداء تخوّفاتهم أو اعتراضاتهم بهدف الحفاظ على روح الجماعة ضمن الفريق. كما يحدث بسبب امتلاك المجموعة لروح فريق ومودّة عالية بين أفرادها فلا يرغب الأفراد بافتعال نزاعٍ فيها. يمكن أيضًا أن يحدث لأنّ النجاحات السابقة جعلتهم راضين. عادة ما يمتلك فرد من المجموعة سلطة أو نفوذًا أكبر من الآخرين، بحيث يمنع مثل هؤلاء الأفراد الآخرين ضمن فريقهم من إبداء آرائهم المخالفة كتم المعارضة (suppression of dissent) ليضمنوا أنّ أفكارهم فقط هي الّتي ستُطبّق. إن لم يكن أعضاء المجموعة يعبّرون عن آرائهم ومنظوراتهم الشخصيّة فإنّ اتّخاذ القرار الجماعيّ لا يحصل على فوائده. كيف تشكل مجموعة ذات جودة عالية سيحاول المديرون الناجحون أن يشكّلوا مجموعات عمل متنوّعة لضمان جودة القرار الجماعيّ؛ عبر وجود آراء ووجهات نظر متنوّعة في المجموعات. كما سيشجّعون الجميع على إبداء آرائهم وأفكارهم قبل اتّخاذ القرار. قد يعيّن أعضاء المجموعة عضوًا ليلعب دور الناقد السلبي للتقليل من أثر ظاهرة التفكير الجماعيّ. يأخذ الناقد السلبي دور المُعارض دومًا. مهمّته هي الإشارة للثغرات وتحدّي قدرة المجموعة على تقييم البدائل المختلفة وتحديد نقاط الضعف في الحلول المطروحة. يدفع هذا الآخرين إلى التفكير بعمق أكبر حول إيجابيّات وسلبيّات الحلول المقترحة قبل اتّخاذ قرار ما وتطبيقه. الشكل 6.7 الناقد السلبي في اجتماع لملّاك سلسلة ماكدونالدز McDonald’s، عُيّن المحامي بريان شنِل Brian Schnell من الجمهور بدور الناقد السلبي وكان غالبًا ما يختلف مع محامي السلسلة بوب زاكرو Bob Zacro بأن إدارة السلسلة من موظّف مشترك مع المجلس الوطني لعلاقات العمل National Labor Relations Board‏ (NLRB) هو أمر مفيد لها. كان يرفع يديه ويعترض كثيرًا، وذلك تنفيذًا لما طلبه منه زاكرو قبل الاجتماع. بهذه الطريقة ضمن المجتمعون أن الآراء جميعها ستُطرح وتُسمع من القادة (حقوق الصورة: ‏(Mr. Blue MauMau/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). تُساعد الطرق الّتي ذكرناها للتوّ المجموعة للوصول إلى قرار جيّد، لكن ماذا يستطيع المدير فعله إن تشكّل نزاع كبير ضمن المجموعة؟ في هذه الحالة يحتاج المديرون لأن يساعدوا أعضاء المجموعة على تخفيض النزاع عبر إيجاد أساس وقواسم مشتركة، مثل الاهتمامات أو القيم أو المعتقدات أو الخبرات أو الأهداف المشترك. من المفيد جدًّا أن تبقى المجموعة مركّزة على هدف مشترك بدل من العمل ضدّ بعضهم. يلخّص الشكل 6.3 الوسائل المُستخدمة لتحسين اتّخاذ القرار الجماعيّ. خلاصة تقنيّات ي تحسّن اتّخاذ القرار الفرديّ نوع القرار الآليّة النفع قرارات المجموعة وجود أعضاء متنوّعين ضمن المجموعة يُحسّن الجودة: يولّد المزيد من الحلول ويخفّض الانحياز تعيين ناقد سلبي يُحسّن الجودة: يخفض التفكير الجماعيّ تشجيع الجميع على إبداء الرأي والمشاركة يُحسّن الجودة: يولّد المزيد من الحلول ويمنع كتم المعارضة مساعدة الأعضاء على إيجاد أساس مشترك يُحسّن الجودة: يخفّض النزاعات الشخصيّة الخلاصة اتّخاذ القرارات هي مهمّة أساسيّة يوميّة للمديرين. تتراوح القرارات من الصغيرة البسيطة ذات الإجابات المباشرة إلى الكبيرة المعقّدة قليلة الوضوح. يتطلّب نجاحك كمدير أن تتعلّم كيف تتصرّف في كلّ أشكال القرارات. تُحَسّن الخبرة -المُكتسبة تدريجيًّا عبر التعلّم- من عمليّة اتّخاذ القرار، لكن نادرًا ما يعتمد المديرون على خبرتهم فقط في اتّخاذ القرار، فيقومون بإجراء أبحاث ويجمعون معلومات من الآخرين، ينتبهون تحيّزاتهم الشخصيّة وللعواقب الأخلاقيّة، كما يفكرون تفكيرًا حاسمًا ودقيقًا بالمعلومات الّتي يتلقّونها ويأخذون قرارًا يفيد المنظّمة وأصحاب المصلحة على حدٍّ سواء. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Perception and Managerial Decision Making) من كتاب Organizational Behavior
  18. بسبب محدوديّة وقت المديرين ووجوب استغلال هذا الوقت بالشكل الأمثل، من المهمّ لهم أن يميّزوا بين القرارات الّتي لها طابع روتيني تنطبق عليها (القرارات المبرمجة) والقرارات الجديدة الّتي تتطلّب تفكيرًا وانتباهًا ودراسةً (القرارات غير المبرمجة). القرارات المبرمجة القرارات المبرمجة (Programmed decisions) هي القرارات الّتي تكرّرت عبر الوقت وامتلكت بذلك قواعد معيّنة توجّه عمليّة اتخاذ القرار وتُمنهجها. هذه القرارات قد تكون بسيطةً أو معقّدة بعض الشيء، لكنّ معايير اتّخاذ القرار تكون معروفة أو على الأقل يمكن تقديرها بدرجة مقبولة من الدقّة. على سبيل المثال، قرار كمية الموادّ الخام المطلوبة للإنتاج يجب أن يكون قرارًا مبرمجاً تبعًا لكميّة الإنتاج المتوقّع والموادّ المخزّنة والمدّة المتوقّعة لإكمال المنتج النهائيّ. مثال آخر: تخيّل مدير متجر للتجزئة يجهّز جدول عمل أسبوعيّ للموظّفين بدوام جزئيّ، يجب أن يتوقّع المدير مدى ازدحام المتجر في كل وقت وأن يأخذ بالحسبان التقلّبات الموسميّة، ثمّ يجب أن يفكّر أيضًا في تفرّغ الموظّفين واضعًا في الحسبان إجازاتهم والتزاماتهم الأخرى (الجامعة مثلًا). قد يكون تشكيل الجدول معقّدًا لكنّه لا يزال قرارًا مبرمجًا: فهو يُتّخذ بانتظام وبناءً على معايير معروفة جيّدًا؛ أي توجد بنية محدّدة لهذا القرار. يستخدم المديرون عمليّة الاستدلال heuristics (أو الاختصار العقليّ) لمساعدتهم على التوصّل للقرار. على سبيل المثال يمكن أن لا يعرف مدير متجر التجزئة مدى ازدحام المتجر في أسبوع التخفيضات لكّنه يزيد من القوة العاملة حينها بنسبة 30% (لأنّ هذا كان فعّالًا في السابق). الاستدلالات والخبرات السابقة فعّالة؛ فهي توفّر الوقت اللازم لاتّخاذ قرار وتوصلنا لحلّ ملائم بسرعة. قد لا تؤدّي الاستدلالات للحلّ الأمثل ويلزمنا لذلك عمليّة معرفيّة أعمق، لكنّها على توصلنا لحلّ جيّد ومقبول في معظم الأحيان. تُستخدم الاستدلالات غالبًا للقرارات المبرمجة، لأنّ الخبرة في اتّخاذ نفس القرار مرّات متعدّدة تساعد متّخذه على معرفة ما يتوقّع وكيف يتعامل معه. ويمكن تعليم القرارات المبرمجة ونقل الخبرات المتعلّقة بها بسهولة للأفراد الآخرين. يمكن توضيح القواعد والمعايير وعلاقتها بالنتائج بوضوح ليستطيع الشخص الجديد اتّخاذ قرار جيّد. كما يُشار أحيانًا للقرارات المبرمجة باسم الروتين أو القرارات ضعيفة الانخراط لأنّها لا تتطلّب معالجة عقليّة عميقة للوصول للقرار النهائي المناسب. القرارات عالية الانخراط وضعيفة الانخراط موضّحة في الشكل 6.3. الشكل 6.3 القرارات عالية الانخراط وضعيفة الانخراط (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). القرارات غير المبرمجة على النقيض فإنّ القرارات غير المبرمجة (nonprogrammed decisions) جديدة ومبنيّة على معايير غير معرّفة بدقّة. في هذه الحالة يمكن أن تكون المعلومات أكثر غموضًا أو نُقصًا وربّما يجب يخوض جولة تفكير إبداعيًّا مختلفًا للوصول لحلّ جيّد. تسمّى هذه القرارات أيضا بالقرارات غير الروتينيّة، أو القرارات عالية الانخراط، بسبب حاجتها لانخراط وتفكير أكبر قبل اتّخاذها. على سبيل المثال تخيّل مديرًا يحاول أن يتّخذ قرارًا فيما إن كان سيتبنّى تقنيّة جديدة أم لا في عمليّة الإنتاج، في مثل هذه المواقف هنالك إشارات استفاهمٍ كثيرة تحوم حول هذا القرار. هل حقًّا ستكون هذه التقنيّة أفضل من الحاليّة؟ هل سيتمّ تقبّلها تقبّلًا أوسع مع الوقت؟ أم ستحلّ تقنيّة أخرى محلّها؟ أفضل ما يمكن أن يفعله المدير في مثل هذه الحالات هو جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات ووضع تصوّرٍ مبنيّ عليها، واتخاذ القرار فيما إذا كانت التقنيّة الجديدة تستحقّ الإقبال عليها وتجربتها. من الواضح أن القرارات غير المبرمجة تشكّل تحّديًا أكبر من نظيرتها المبرمجة. عملية اتخاذ القرار يستطيع صانعوا القرار استخدام اختصارات عقليّة في القرارات المبرمجة، في حين من الواجب عليهم معالجة القرارات غير المبرمجة معالجةً منهجيّة. يُظهر الشكل 6.4 عمليّة اتّخاذ القرار والّتي يمكن تفصيلها إلى ستّ خطوات كالتالي: معرفة أنّ هناك قرار يجب اتّخاذه. توليد حلول بديلة. تحليل البدائل. اختيار البديل. تطبيق البديل الذي تمّ اختياره. تقييم فعاليّة البديل. قد تبدو هذه الخطوات مباشرةً ولكن الأفراد يمكنهم تخطّي بعض الخطوات أو قضاء وقت قليل في بعضها. في الحقيقة، يرفض بعض الناس الاعتراف بالمشكلة (الخطوة الأولى) لأنّهم لا يعرفون كيف يواجهونها. سيتمّ مناقشة هذه الخطوات أكثر في مقالاتنا القادمة عندما نستعرض طرق تحسين جودة اتّخاذ القرار. الشكل 6.4 عمليّة اتّخاذ القرار. (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). قد تلاحظ تشابهًا بين آليّتي اتّخاذ القرار في أدمغتنا وبين نوعي القرارات (المبرمجة وغير المبرمجة). تُعالج القرارات غير المبرمجة عادةً عبر الآليّة التأمّليّة للوصول للقرار الأمثل، في حين تتّصف القرارات المبرمجة بالاستدلال وتُعالج عبر الآليّة الانعكاسيّة للانتقال بسرعة إلى مشاكل أخرى. عوائق تواجه اتخاذ القرارات بفعالية تبرُزُ العديد من العقبات أمام عمليّة اتّخاذ القرارات بفعاليّة. المديرون الناجحون فطنين لهذه العوائق المحتملة ويحاولون تخطّيها. العقلانية المحدودة نعتقد أن التفكير العقلاني والمنطقي سيساعداننا في اتخاذ قرارات صائبة دومًا، ولكن في الواقع قد لا يكون هذا الاعتقاد صحيحًا في معظم الأحيان بسبب المشاكل المعقّدة الّتي تواجه المديرين. اتّخاذ القرارات غير العقلانيّة شائع خاصّة في القرارات غير المبرمجة. فعندما تكون المشكلة جديدة ولم نواجهها من قبل، لا نعرف بالضبط ماذا نحتاج أو كم من المعلومات يتطلّب اتخاذ القرار الصائب. وحتّى عند جمعنا لكامل المعلومات الممكنة قد لا نكون قادرين على استخراج قرار منطقيّ منها أو تحديد المُخرجات والنتائج الدقيقة لكل قرار قد نفكّر فيه. العقلانيّة المحدودة (bounded rationality) تعبّر عن أنّنا لا نستطيع أن نكون عقلانيّين أو منطقيين بشكل كامل تجاه المشاكل المعقّدة؛ لأنّه لا يمكننا أن ندرك كلّ البدائل إدراكًا كاملًا ولا يمكننا أن نفهم النتائج خلف كلّ بديل فمهًا كاملًا أيضًا. كميّة المعلومات الّتي يمكن لأدمغتنا معالجتها محدودة. وكما نوّهنا سابقًا، فحتّى لو كان المدير يمتلك القدرة المعرفيّة على معالجة كلّ المعطيات، فقد يضطر إلى اتّخاذ قرارات بدون أن يتوفّر لديه الوقت الكافي لجمع المعلومات. تصاعد الالتزام بسبب عدم اكتمال المعلومات؛ لا يتّخذ المديرون دائمًا القرار الصحيح منذ البداية، وقد لا يتوضّح أنّ القرار سيّء قبل أن يمرّ عليه بعض الوقت. على سبيل المثال، تخيّل مديرًا عليه الاختيار بين برمجيّتين متنافستين لتستخدمها شركته بشكل يوميّ لتحسين كفاءتها. اختار في البدء البرمجيّة المُطوّرة من قبل الشركة الأكبر والأفضل سمعةً لتوقعه أنّها تملك الموارد الأمثل لاستثمارها في صنع البرمجيّة الجديدة صناعةً أمثل. لكن مع مرور الوقت تبيّن له أنّ البرمجيّة الأخرى كانت لتتفوّق كثيرًا في المستقبل. كما أنّه من الممكن دمج برمجيّة الشركة الأصغر سهولة أكبر وتكلفة أقلّ ضمن عمل المنظّمة، فبرمجيّة الشركة الأكبر تتطلب استثمارًا بدئيًّا أكبر وتكاليف تشغيليّة أكبر. على أيّة حال فلنفترض أن المدير قد قام بالدفع مسبقًا للشركة الأكبر (البرمجيّة الأضعف). هل عليه أن يتخلّى عمّا بدأه ويتقبّل خسارة المال الّذي دفعه لينتقل للبرمجيّة الأخرى؟ أم يستثمر المزيد من المال والجهد ليجعل البرمجية الأولى أفضل؟ تصاعد الالتزام (escalation of commitment) هو ميل صانع القرار للالتزام بقراره المسبق ولو كان سيّئًا ويقود لنتائج سلبيّة متزايدة. حالما نلتزم بقرار ما نجد صعوبة في إعادة تقييمه بعقلانيّة. قد يبدو لنا أنّه من الأسهل "البقاء على المسار نفسه" بدلًا من الاعتراف (أو الإدراك) بأنّ القرار كان سيّئًا. من المهم معرفة أنّه لن تكون كلّ القرارات جيّدة بالرغم من كلّ جهودنا. يُدرك المديرون الناجحون أنّ التقدّم في المسار الخطأ ليس تقدّمًا حقيقيًّا وأنّه يجب عليهم إعادة تقييم القرارات وتغيير المسار عندما يكون ذلك ملائمًا. تقييدات الوقت غالبًا ما يواجه الإداريون تقييدات زمنيّة تُصعّب من عمليّة اتّخاذ القرار. عندما يكون هناك وقت أقلّ لجمع المعلومات ومعالجتها بمنطقيّة، نكون عرضةً لاتّخاذ قرارات غير مبرمجة سيّئة. قد يجعلنا ضغط الوقت نعتمد على الاستدلال بدلًا من المعالجة العميقة والتفكير المنطقي في القرار والبدائل الممكنة. وبالرغم من كون الاستدلالات تختصر الوقت، إلّا أنّها لا تقود بالضرورة إلى أفضل حلّ ممكن. المديرين الجيّدون هم من يُحسنون تقييم المخاطر الّتي تصاحب التصرّف بسرعة زائدة ومقارنتها بمخاطر عدم التصرّف بالسرعة المطلوبة. الحيرة كثيرًا ما يتّخذ المديرون أيضًا قراراتهم ضمن ظروف غير مستقرة وغير مؤكدّة، لا يستطيعون فيها التأكّد من صحّة ونتيجة كلّ خيار إلّا بعد تطبيقه. تخيّل -على سبيل المثال- مديرًا يحتاج لأن يقرّر الاختيار ما بين حملتين تسويقيّتين. الأولى تقليديّة لكنّها تتماشى مع ما قدّمته الشركة من قبل. والأخرى أكثر حداثة وجرأة وقد تجلب نتائج أفضل بكثير… أو قد تكون إخفاقًا كبيرًا. سيُضطر المدير في نهاية الأمر إلى أن يختار حملة وينتظر ليرى ما النتائج بدون أن يعلم أبدًا ما كان سيحدث لو اختار الخيار الآخر. هذه الحيرة قد تُصعّب اتّخاذ القرارات على بعض المديرين لأنّ الالتزام بقرار ما يعني التخلّي عن الآخر. الانحياز الشخصي يكون اتّخاذنا للقرارات متعلّقًا أيضًا بتحيّزاتنا وميولنا الشخصيّة. فنحن نميل لأن نرتاح أكثر للأفكار والخطط والأشياء والأشخاص الّذين نألفهم. كما نميل لأن نشعر براحة أقلّ مع ما لا نألفه أو ما هو جديد ومختلف. أحد أكبر الانحيازات الّتي نملكها كبشر هو الميل للإعجاب بالأشخاص الآخرين الّذين نراهم مشابهين لنا (لأنّنا نحبّ أنفسنا). قد تكون أوجه التشابه مرئيّة (كالخصائص الديموغرافيّة من عرق وجنس ولون) أو ناتجة عن خبرة مشتركة (مثل ارتياد الجامعة نفسها) أو اهتمامات مشتركة (مثل الاشتراك بنادي الكتاب معًا). يمكن أن يؤدي الانحياز "للأشباه" هذا وتفضيل لما هو مألوف إلى عدّة مشاكل بالنسبة للمديرين: توظيف متقدّمين أقلّ كفاءة لكونهم مشابهين للمديرين بطريقة ما، أو إعارة انتباه أكبر لآراء بعض الموظّفين وتجاهل آخرين، أو اختيار تقنيّة مألوفة بدل تقنيّة جديدة أفضل أو الالتزام بمورّد معروف بدل آخر لديه مواد أفضل وغيرها. قد يكون تجاوز انحيازنا صعبًا للغاية بسبب طريقة عمل أدمغتنا. يميل دماغنا إلى تنظيم المعلومات ضمن فئات ولا يحبّذ إعادة ترتيبها بعد ذلك؛ نتيجة لذلك، نميل للاهتمام أكثر بالمعلومات الّتي تؤكّد معتقداتنا الحاليّة وأقلّ للمعلومات الّتي تعارضها، وهذا تقصير يُدعى الانحياز التأكيدي (confirmation bias). في الحقيقة نحن لا نحب أن توضع معتقداتنا الحاليّة أمام تحدٍّ ما. نرى هذه التحدّيات تهديدًا، ما يدفع أدمغتنا غالبًا تجاه الآليّة الانعكاسيّة ويمنعنا من أن نعالج منطقيًّا أيّ معلومات جديدة عبر الآليّة التأمّليّة. من الصعب تغيير آراء الأشخاص حول شيء ما إن كانوا يثقون بحكمهم عليها مُسبقًا. لذا –على سبيل المثال- عندما يوظّف المدير موظّفًا جديدًا يعجبه ويراه ممتازًا سيميل للانتباه لميّزاته وحسناته وتجاهل سيّئاته (أو تبرير هذه السيّئات بأسباب خارج سيطرته). كما يميل المدير في هذه الحالة لوضع ثقته في هذا الموظّف ما يعني تقبّل تبريراته لأيّ أداء سيّء بدون التحقّق من صحّة أو دقّة هذه التبريرات. العكس صحيح أيضًا، إن لم يعجبنا شخص ما، سنعير اهتمامًا لسلبيّاته ونقلّل من قيمة إيجابيّاته، كما نكون أقلّ احتمالًا لأن نثق بهم أو نصدّق ما يقولونه لنا. لهذا السبب تميل السياسة لأن تكون أكثر قطبيّةً وعدائيّةً في نظام الحزبين (كما في الولايات المتّحدة). قد يكون من الصعب جدًّا أن نمتلك فكرة حقيقيّة عن الأشخاص الّذين نحبّهم والأشخاص الّذين لا نحبّهم. سيحاول المديرون الناجحون أن يقيّموا الأوضاع من خلال مناظير مختلفة وأن يجمعوا آراء متعدّدة لتجنّب تحيّزهم عند اتّخاذهم للقرارات. النزاع أخيرًا يمكن أن يكون اتّخاذ القرار السليم صعبًا بسبب النزاع الّذي سيسبّبه. غالبيّة الأفراد لا يحبّذون النزاع ويتجنّبونه عند الإمكان. بأيّة حال قد يؤدي القرار الأفضل والأنسب إلى نزاع حتميّ بين أطراف معنية. لنفرض مثالًا مديرًا لديه مرؤوس اعتاد التأخّر عن العمل. ما يجعل الموظّفين الآخرين يتركون مسؤوليّاتهم لتغطية غيابه. يجب على المدير أن يتحدّث مع الموظّف بشأن سلوكه هذا، لكنّ الموظّف لن تعجبه المحادثة هذه وقد تكون ردّة فعله سلبيّة. ستصيب هذه المحادثة كلًّا من المدير والموظّف بعدم الراحة. ستسبّب الحالة هذه نزاعًا غالبًا وهو ما يجده أغلب الأشخاص مُوَتِّرًا. ولكن لا يزال القرار الصحيح هو إجراء هذه المحادثة حتّى لو كان الموظّف عنصرًا قيّمًا في القسم. الشكل 6.5 دانتي ديسبريت (Dante Disparate) دانتي ديسبريت هو المؤسّس والمدير التنفيذيّ لشركة (Risk Cooperative) وهو أيضًا أحد مؤلّفي كتاب (Global Risk Agility and Decision Making). يقترح أنّ المخاطر غير المتوقّعة تنتشر أكثر وتصبح أقلّ قابليّة للتوقّع كما تملك أثرًا أكبر على أناس أكثر في كلّ مرّة (حقوق الصورة New America/ flickr/ Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)). إن لم يتمّ تصحيح السلوك الخطأ فسوف يستمرّ مسبّبًا المزيد من المشاكل في مكان العمل على المدى الطويل. كما قد يظنّ الموظّفون الآخرون أنّ هذا السلوك مسموح ويبدؤون هم أيضًا بالقيام به أو بسلوك خطأ آخر. في النهاية قد ينزعج بعض الموظّفون بما يكفي ليبدأوا بالبحث عن عمل بديل. في هذه الحالة، من المهمّ ملاحظة أنّ الموظّفين الأفضل سيجدون عملًا آخر بسرعة أكبر. كما يجب على المديرين أن يُدركوا أنّ النزاع، على الرغم من كونه غير مريح (خاصّةً على المدى القصير)، فهو قد يكون ضروريًّا لكي يعمل الفريق أو القسم أو المنظّمة بفعاليّة على المدى الطويل. من المفيد أيضًا التفكير في النزاع بتعبيرَي النزاع حول العمليّة ونزاع العلاقات. النزاع حول العمليّة (process conflict) هو نزاع حول الطريقة المثلى لفعل شيء ما، وقد يؤدّي لتحسين الأداء حينما يستكشف الأفراد خيارات متنوّعة للعمل سويّة من أجل الوصول للحلّ الأمثل. أمّا نزاع العلاقات (relationship conflict) هو نزاع أكثر خصوصيّةً بين الأفراد ويتضمّن هجومًا على الشخص بدلًا من الفكرة، هذا النوع من النزاع مؤذٍ بشكل عامّ ويجب تجنبّه. ينبع خطر هذا الشكل من النزاع من كون شعور الفرد بأنّه يُهاجم شخصيًّا سيسبّب اللجوء إلى آليّة الدماغ الانعكاسيّة. يجب أن يكون المدير الناجح واعيًا لاحتمال نشوء نزاع العلاقات عندما يتلقّى الآراء من موظّفيه كما يجب عليه أن يركزّها حول السلوكيّات والأنشطة (كيف تتمّ الأمور) بدلًا من الأفراد بعينهم. الوعي والتعامل مع نزاع العلاقات يشير لأهميّة الذكاء العاطفيّ والتعاطف لدى قادة المنظّمات، فالقادة الذين يمتلكون هذه الميّزات لديهم قدرة أكبر على الانتباه للنتائج الضارّة في النزاعات الشخصيّة. تستعرض فقرة "القيادة الإداريّة" أدناه كيف يشجّع مدير تنفيذيّ التعاون التعاطفيّ وكيف أثبتت هذه الجهود نفعها. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } القيادة الإدارية تغيير سياسة مايكروسوفت من قبل ساتيا ناديلا عندما أصبح ساتيا ناديلا المدير التنفيذيّ لمايكروسوفت عام 2014 قام بإجراء تغييرٍ جذريٍّ في سياسة المنظّمة. حيث أراد تغيير مبدأ عملها من "نحن نعلم كل شيء" إلى مبدأ "نحن نتعلّم كل شيء". فبدلاً من أن يشعر الموظفون بالحاجة الدائمة لإثبات أنّهم أذكى الأشخاص، أرادهم أن يصبحوا مستمعين فعَّالين وفضوليّين وشغوفين للتعلّم والتواصل المستمر. لأنّ تعلّم الموظّفين المستمرّ والتعاون مع بعضهم ومع الزبائن هو الوسيلة الوحيدة لإبقاء مايكروسوفت قادرةً على التطوير وتأمين الحلول التقنية المُثلى. إنَّ أحد أوّل القرارات لناديلا بصفته مديراً تنفيذياً كان طلبَه من جميع أعضاء فريق الإدارة العليا أن يقوموا بقراءة كتاب "التواصل اللاعدائيّ" (Nonviolent Communication) لمارشال روزينبرغ (Marshall Rosenberg). يركِّز هذا الكتاب بشكل ٍ كبيرٍ على التواصل التعاطفيّ، أي أسلوب تعاملٍ ألطف وأرقّ من الذي اعتاد عليه موظفو مايكروسوفت. يؤمن ناديلا بأنَّ تطوير التعاطف يؤدي لفهمٍ أكبر لاحتياجات ورغبات المستهلكين، ويعزِّز القدرة لتطوير منتجاتٍ وخدماتٍ أفضل من خلال التعاون. كما تبنّى ناديلا مفهوم التنوع ومبادرات الشمول، وآمن بوجود ما نستطيع فعله دائماً. وهذا بالذات إثباتٌ على تركيزه على التعاطف. وبالتأكيد سيؤدّي هذا التنوع لتحسين كفاءة العمل لأنّ زيادة تنوّع وجهات النظر ستقودنا للإبداع والابتكار. هذا التغيير في سياسة الشركة ينعكس بشكل واضح في تصريح مايكروسوفت لمهمتها ورسالتها الجديدة وهي "تمكين ومساعدة كلّ شخص وكلّ منظّمة على الكوكب لتحقيق المزيد" وطبعاً مساعدة كلّ شخص يتضمّن مساعدة موظّفي مايكروسوفت. إنّ تحقيق التنوع في مجالٍ مُسيطرٍ عليه من قبل الذكور هو بحد ذاته تحدٍّ. كما اعترف ناديلا بأنه اقترف أخطاءً بسبب تحيّزاته الخاصّة. وفي مؤتمر النساء المبرمِجات (Women in Computing) الّذي أجراه في بداياته كمديرٍ تنفيذي اقترح ناديلا بأنّ المرأة لا تحتاج بأن تطلب زيادات في الأجر إن كنّ يستحقونها، فسيتكفل النظام بذلك. وقد أقرّ مؤخّرًا بأنّه كان مخطئًا في ذلك واستخدم مسعاه في تصحيح هذا الخطأ كمنصّة لإنجاز خطوات كبيرة في هذا المجال. كما تغيّرت اجتماعات فريق الإدارة الأعلى في مايكروسوفت بشكلٍ كبيرٍ نتيجةً للتغيير الذي أحدثه ناديلا. سابقاً كان ينتاب الأعضاء الشعور الدائم بالحاجة لإثبات أنّهم يمتلكون كلّ الإجابات الصحيحة في اجتماعات الفريق. ولكنّ ناديلا أسّس مفاهيم مختلفة، حيث أنّه بحث عن الآراء الصادقة لأعضاء الفريق وشجّعهم على التعبير عن آرائهم من خلال إعطاء ردود فعل إيجابيّة بشكل مستمرّ. وبهذا أصبحت البيئة في مايكروسوفت أكثر تعاونًا وأكثر إيجابيّةً من خلال إبعاد التركيز عن أن نكون دائمًا على حقّ والتركيز على التعلًم المستمرً. وأصبح الموظفون أكثر استعدادًا للمخاطرة وابتكار شيء جديد. ويبدو أنّ هذا التغيير بدأ بإعطاء ثماره؛ حيث أنّ منتجات مايكروسوفت أصبحت توصف بأنّها "ممتازة" و"مثيرة" ومنصّتها الحاسوبيّة السحابيّة أصبحت غير قابلة للمنافسة، كما أن أرباحها ازدادت بشكل كبير. إنّ تغيير ثقافة منظمّة ما هو مشروع ضخم جداً، ولكنّ قيادة ناديلا لمايكروسوفت أظهرت بشكل واضح بأنّه تحدٍّ يستحق أن تخوضه المؤسسات. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Perception and Managerial Decision Making) من كتاب Organizational Behavior
  19. سنتابع في سلسلة مقالاتنا المميّزة عن السلوك التنظيمي في بابها السادس عن أحد الأسس الإدارية السلوكيّة الجوهريّة وهي الإدراك وآلية وضع واتّخاذ القرارات الإداريّة، سنستعرض خلال مقالاتنا القادمة الخصائص الأساسية في عميّة اتخاذ القرار الإداري وآليات الدماغ الرئيسية في اتخاذ القرارات، كما سنتطرّق إلى القرارات المبرمجة وغير المبرمجة والفرق بينهما، وسنخوض كذلك في العوائق التي تصعّب من اتخاذ القرارات الناجحة، وسنختم هذا الجُزء من السلسلة بمحاسن ومساوئ اتخاذ القرارات الجماعيّة. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية عاليًا وبعيدًا.. كيف أسّست ستيفاني كوري وجين روبيو شركة الحقائب خاصتهم واجهت جين وستيفاني عددًا من القرارات الجوهريّة خلال تأسيسهما لشركتهم “Away” بدءًا بقرار التأسيس، حيث ظهر هذا القرار بعد أن انكسرت حقيبة جين خلال إحدى رحلاتها. أرهقها أنّها لم تجد خيارات لشراء حقيبة جديدة سوى شراء حقيبة رخيصة نسبيًّا (أقل من 100$)، لكنّها سيّئة النوعيّة، أو شراء حقيّبة جيّدة لكن مُكلِفة للغاية (أكثر من400$). لم تتوفّر أيّ خيارات وسطيّة. لذا بحثت جين مع صديقتها ستيفاني حول صناعة الحقائب ووجدتا في خضمّ هذا البحث أنّ السبب الرئيسيّ لارتفاع سعر الحقائب الجيّدة هو طريقة توزيعها وبيعها عن طريق متاجر التجزئة والمراكز التجاريّة. لكن إن قامت إحدى العلامات بافتتاح محلّات خاصّة بها فستتمكّن من توفير حقائب ذات جودة مرتفعة بسعر وسطيّ (200-300$). اقتنعت جين وستيفاني بعد بحثهما المطوّل أنّ لديهم فكرة تستحق السعي خلفها، وقرّرتا أن تسمّيا شركتهما (Away)، في إشارة إلى متعة السفر. امتلكت المؤسِّستان خبرة سابقة في مجال الشركات الإلكترونيّة الناشئة (شركة Warby Parker)، الأمر الذي ساعدهما على اتّخاذ قراراتهما بدقّة وحكمة. كانت خبرة جين في مجال التسويق، في حين كانت خبرة ستيفاني أكثر في مجال إدارة الإنتاج والعمليّات، لذا كانت خبرتهما المتنوّعة مناسبة لمشروعهما الجديد. جمعتا المال في البدء من الأصدقاء والأقرباء لكن بعد عدّة أشهر سعتا لجلب رأس مال مساهم لتضمنا كفاية المال لتحقيق بداية ناجحة. كانت جين وستيفاني أمام قرار كبير منذ بداية مشوارهما، وهو تحديد تصميم مبدئيّ لمنتجهما. تطلّب هذا القرار الكثير من التسويق ودراسة السوق لفهم حاجات ورغبات الزبائن. سألتا مئات الأشخاص عن أكثر ما يُحبّون في حقائبهم الحاليّة وأكثر ما يُزعجهم فيها. كما تعاقدتا مع فريق تصميم مؤلّف من شخصين ليساعدهما في تصميم النموذج الأوليّ. قاد البحث والتطوير إلى التصميم الأولي للحقيبة والذي تميّز بصلابته وخفّة وزنه.. كما أنّ نموذج الحقيبة تضمّن 4 عجلات (ليس 2 فقط) عالية الجودة وسحّابات عالية الجودة أيضًا. كان على المؤسِّستين أن تختارا شريكًا للقيام بعمليّة التصنيع. اكتشفتا حينها أنّ الإنتاج في الولايات المتّحدة ليس خيارًا ممكنًا وذلك بسبب كون المنتج يمتلك غطاءً صلبًا مصنوعًا من البولي كاربون وأغلبيّة المصانع المنتجة لهذه المادة آسيويّة، لذا عمدتا إلى البحث والاستفسار حول العديد من الشركاء المُرشحة للتعامل معها. بالإضافة إلى ذلك زارتا جميع المصانع الّتي كانت على قائمتها النهائيّة لرؤيتها على أرض الواقع. كان هذا جزءًا مهمًّا من بحثهما؛ لأنّ الشركات الّتي كانت تبدو جيّدة على الورق لم تكن دائمًا كذلك في الحقيقة. في نهاية الأمر وقّعتا شراكةً مع مصنع صينيّ ينتج أيضًا حقائب لعلامات تجاريّة أخرى عالية الجودة، وكان التعامل مع هذه الشراكة ممتازًا. استمرّتا في تخصيص الوقت لبناء والمحافظة على العلاقات الطيبة مع هذه الشركة، الأمر الذي ساعدهما على تجنّب الكثير من المشاكل والعقبات التي تواجه الشركات عادةً عند وجود مشاكل مع شُركائها في الخارج. طوّرتا منتجهما الأوّل في نهاية عام 2015. لم يكن بالإمكان تحضير الحقائب قبل موسم الأعياد للمتسوّقين؛ لذا قامتا بالسماح بالطلب المسبق على الحقائب. ولرفع التشويق والاهتمام حول منتجهما الجديد، سوّقتا لمنتجهما بأسلوب متميّز، حيث قامتا بمقابلة 40 عضوًا محترمًا من المجتمع المبدع حول تجارب سفرهم، وقامتا بعدها بصنع كتاب من مذكّرات الأسفار وسمّتاه الأماكن الّتي نعود لها (The Places We Return To). لم يكن الكتاب شيّقًا فحسب بل استطاع أيضًا نشر موضة حقائب (Away) بين أفراد المجتمع. توفّر الكتاب بدءًا من شهر نوفمبر عام 2015 بالمجّان عند شراء بطاقة هديّة يمكنك استرداد قيمتها عند شراء حقيبة في شهر فبراير عام 2016. أثار الكتاب اهتمامًا كبيرًا بالمنتج، وبِيعَت 1200 حقيبة، وهو العدد الكامل الذي أُنتج حينها. وولّدت (Away) مبيعات بمقدار 12 مليون دولار في سنتها الأولى. واجهت ستيفاني كوري وجين روبيو قرارات مهمّة وحسّاسة في بداية تطويرهما للشركة الجديدة. وكان سبب جزء من نجاحهما هو اعتمادهما على الخبرة والمعرفة والبحث قبل اتّخاذ القرارات. ستستمران في مواجهة العديد من القرارات الصغيرة والكبيرة. لقد توسّع عملهما من نموذجٍ ونوعٍ واحدٍ من الحقائب إلى أربعة أنماطٍ مختلفة ومميزة، مع المزيد من التوسّع في الحقائب ومستلزمات السفر في المستقبل. نمت شركتهما المُؤسَّسة في نيويورك لتضمّ أكثر من 60 موظّفًا خلال العامين الأولّين، ومن ضمنهم فريق التصميم الّذي ساعدهما في منتجهما الأوليّ، فقد عرضت روبيو وكوري وظيفةً كاملة لهم بعد أن أُعجبتا بعملهم جدًّا. يمثّل كلّ توظيف جديد قرارًا جديدًا حول العمل الجديد الذي يجب أن يتمّ ومن يجب عليه أن يقوم به. كما يجلب كلّ منتج جديد المزيد من القرارات الّتي يجب اتّخاذها، لكن يبدو أنّ روبيو وكوري وضعتا أنفسهما وشركتهما على الطريق الصحيح نحو المستقبل. يتّخذ المديرون وأصحاب الأعمال، مثل روبيو وكوري القرارات بشكل يوميّ، بعضها كبير مثل قرار إنشاء عمل جديد، لكنّ أغلبها صغير ضمن نطاق عمل الشركة، وهي ضرورية للنجاح طويل المدى. بعض القرارات مٌتوقّعة وبعضها مُفاجئ. في مقالاتنا القادمة سنلقي نظرة على معلومات مهمّة حول أساسيات اتّخاذ القرارات، والتي ستساعدك على اتّخاذ قرارات أفضل والإرتقاء في أسلوب الإدارة لديك. نظرة عامة على اتخاذ القرارات الإدارية اتّخاذ القرارات هو فعل أو عمليّة التفكير بالخيارات المطروحة واختيار أحدها. من المهمّ أن نعلم أنّ المديرين يتّخذون القرارات باستمرار، وأنّ نوعيّة هذه القرارات تؤثّر -بشكل كبير أحيانًا- على كفاءة المنظّمة وأصحاب المصلحة. أصحاب المصلحة (stakeholders) هم كلّ الأفراد أو المجموعات المُتأثّرة بالمؤسسة (مثل الزبائن والموظّفين وحاملي الأسهم وغيرهم). يتّخذ أعضاء الفريق الإداريّ للشركة بانتظام قرارات تؤثّر على مستقبل الشركة وكلّ أصحاب المصلحة، مثل العمل بتقنيّة جديدة أو الخروج بمنتجٍ جديد. قد يُمكِّن قرار جيّد الشركة من النموّ والبقاء على المدى الطويل، في حين قد تقود القرارات السيّئة الشركة نحو الإفلاس. يمتلك المديرون الأصغر في الشركة أثرًا أقلّ على بقاء الشركة بأكملها، لكنّهم يمتلكون في المقابل أثرًا كبيرًا على قسمهم والعاملين فيه. تخيّل على سبيل المثال مُشرفًا من الدرجة الأولى مسؤولًا عن جداول الموظّفين وطلب المواد الأولية الازمة لعملية الإنتاج للقسم. من المستبعد أن يؤثّر قرار مدير كهذا على الشركة ككلّ لكنّه قد يؤدّي لنتائج سلبيّة عديدة مثل: خفض الإنتاجيّة إن كان هناك موادّ أو موظّفين أقلّ من اللازم. زيادة النفقات إن كان هناك موادّ أو موظّفين أكثر من اللازم، خاصّة إن كانت هذه المواد محدودة الصلاحيّة أو ذات كلفة تخزينية مُرتفعة. الإحباط والمعنويات المنخفضة وزيادة معدّل الدوران بين العاملين (ما قد يكون مكلفًا للمنظّمة) إن كانت القرارات تتضمّن إدارة وتدريب العاملين. تحديد متى يجب اتخاذ القرار تكون بعض القرارات بسيطة، لكن غالبًا ما تكون قرارات المدير معقّدة وتتضمّن خيارات واسعة ونتائج غير معروفة. عند الانتقاء بين خيارات متعدّدة ونتائج غير معروفة يحتاج المديرون إلى جمع المعلومات؛ ما يقودهم لقرار مهمّ آخر وهو: كم من المعلومات ضروريّ لاتّخاذ قرار سليم؟ يتّخذ المديرون القرارات كثيرًا بدون معلومات كاملة؛ أحد العلامات الواسمة للمدير الناجح هي قدرته على تحديد متى يجب عليه جمع معلومات إضافيّة قبل اتّخاذه للقرار، ومتى يتّخذ القرار بالمعلومات المتوفّرة فقط. قد يساوي ضرر القرار المتأخرّ ضرر القرار المُتسرّع. قد يؤدّي عدم التصرّف بالسرعة المطلوبة إلى تضييع المدير الفرصَ المُتاحة، لكن قد يقود التسرّع لسوء استغلال موارد الشركة في مشاريع لا فرصة لها في النجاح. يجب أن يقرّر المديرون الناجحون متى تكون المعلومات الّتي تمّ جمعها كافية، وأن يكونوا على جاهزيّة لتغيير مسار خُططهم إن ظهرت معلومات جديدة تثبت سوء القرار المُتّخذ. قد يكون تغيير الخطط والعدول عن القرارات صعبًا للمديرين ذوي الكبرياء المُفرَط، لأنّ ذلك يعني اعترافهم باتّخاذ قرارًا خطأ. في حين يعرف المديرون الناجحون أنّهم يمتلكون مهام معقدّة وعديدة وأنّ فشل بعضها هو أمرٌ حتميّ وواردٌ جدًا. كما يدركون أنّه من الأفضل الحدّ من أثر القرار السيّء على المنظّمة وأصحاب المصلحة عبر التعرّف عليه وتصليحه بأسرع ما يمكن. ما هو الجواب المناسب (الصحيح)؟ من الجدير بالذكر أيضًا أنّ اتّخاذ المدير للقرارات لا يشبه على الإطلاق أسئلة الاختيار من متعدّد: ففي هذا النمط من الأسئلة هناك دائمًا إجابة صحيحة واحدة، ولكن قلّما يكون هذا صحيحًا في القرارات الإداريّة؛ إذ يختار المدير أحيانًا بين عدّة خيارات جيّدة ولكنّه لا يعلم أيّها هو الأفضل. في حالات أخرى عليه أن يختار من بين عدّة خيارات سيّئة بغرض تخفيف الأضرار. كما يمكن أن يكون هناك أفراد في المنظّمة بمصالح متضاربة، ويجب على المدير اتّخاذ القرار مع أخذه بالحسبان أنّه سيترتّب على هذا القرار إزعاج أحد الأطراف أيًّا كان هذا القرار. ما هو الجواب المناسب (الأخلاقي)؟ يُطلب من المديرين في بعض الأحيان أن يتّخذوا قرارات لا تؤدّي إلى إنزعاج طرفٍ ما فحسب بل قد تؤدّي لإيذاء الآخرين. هذه القرارات لها أبعاد أخلاقيّة أو أدبيّة. تشير الأخلاق والآداب إلى معتقداتنا فيما يخصّ ما هو صحيح أو خطأ، الخير والشر، النقيّ والفاسد، تتعلّق الأخلاق والآداب ضمنيًّا بعلاقاتنا وتأثيرنا على الآخرين، فإن لم نكن بحاجة للتعامل مع الآخرين فلن نفكّر أبدًا كيف تؤثّر سلوكيّاتنا على الأفراد الآخرين أو المجموعات. على أيّ حال، يتّخذ كلّ المديرين قرارات تؤثّر على الآخرين، ولذا من المهمّ أن يعرفوا إن كان ذلك الأثر سلبيًّا أم إيجابيًّا. يُستخدم مفهوم "تحقيق المنفعة القصوى لحاملي الأسهم" كمبدأ عقلانيّ لتقديم الربح قصير المدى على حاجات الآخرين ممّن قد يتأثرون بالقرار، من موظّفين أو زبائن أو حتى سكّان محليّين (الّذين قد يتأثّرون بالقرارات البيئيّة على سبيل المثال). على أيّة حال فإنّ تحقيق المنفعة القصوى لحاملي الأسهم هو غالبًا قرار ينمّ عن قصر نظر؛ لأنّه قد يضرّ بالاستقراريّة الماليّة للمنظّمة مستقبلًا. من الآثار السلبيّة على إنتاجيّة المنظّمة على المدى الطويل عند اتّخاذ المديرين مثل هذه النوع من القرارات: الدعاية السيّئة للشركة ومقاطعة الزبائن والغرامات الحكوميّة، كذلك فإنّ زيادة ربح أصحاب الأسهم ليس سببًا مقبولًا للتسبّب بأذية الآخرين. كما ترى من هذه الأمثلة المُختصرة فإنّ الإدارة ليست لضِعاف القلوب، لكن من الممكن على أيّ حال أن تكون مُكافِئةً للذات عندما تكون في منصب تتّخذ فيه قرارات ذات أثر إيجابيٍّ على المنظّمة وحاملي أسهمها. نرى مثالًا مهمًّ على ذلك في قسم الإدارة المسؤولة والاستمراريّة. الإدارة المسؤولة والاستمرارية: صناعة النجاح المستمر بشكل عام يركّز أي مدير أو صاحب عمل في المقام الأول على النجاح (تحقيق الأرباح). يسعى القادة التنظيميّون في بعض الأحيان إلى تحقيق هدفين كبيرين في الوقت ذاته وهما أن يكون العمل جيّداً (تحقيق الأرباح) وأن يكون العمل نافعاً (إفادة المجتمع بشكلٍ ما). والسبب بالعموم يعود لاعتقادهم بأن هذا النهج هو النهج الصائب. يؤمّن العمل فرصة لتحقيق هدفٍ آخر يكون المؤسسون أو الملَّاك أو المديرون شغوفين به. في حالة شركة (New Belgium Brewing) فإنَّ الشريكين المؤسِّسَين كيم جوردان وجيف ليبيش كان لديهما شغف بشيئين اثنين فقط، وهما صنع منتج جيد وحماية البيئة؛ لذلك من المنطقيّ أن يكون مصنعهم مصمّمًا للعمل على التقليل من آثاره السلبية على البيئة. وقد تبنّى المصنع ثقافة تؤسّس استمراريّة في حماية البيئة بمجال واسع من الطرق. يقوم المصنع على سبيل المثال بإهداء الموظّفين دراجات هوائية احتفالاً بإتمامهم السنة الأولى في العمل، كمحاولة لتشجيعهم على استخدام الدراجة للقدوم للعمل. وتهتمُّ المنظّمة أيضاً بالحملات المناصرة للبيئة، على سبيل المثال حملة "أنقذوا نهر الكولورادو"، كما تعمل المنظّمة بجدّ لتنمية حسّ المسؤوليّة عند اتّخاذ القرارات المتعلّقة بقضايا البيئة. في عام 1999، وبناءً على اقتراح أحد الموظفين، بدأ المصنع بالحصول على كل احتياجاته من الكهرباء من طاقة الرياح. على الرغم من أنّ ذلك أكثر كلفةً بالمقارنة مع محطات توليد الطاقة من حرق الفحم وذلك يعني الحصول على أرباح أقلّ ومكافآت أقلّ للموظفين. وعلى الرغم من أن المصنع لا يزال يعتمد بالدرجة الأولى على طاقة الرياح، إلا أنه بدأ الآن بتوليد جزء من احتياجاته من الكهرباء عن طريق ألواح للطاقة الشمسيّة على سطح المصنع، والمزيد من الطاقة من الوقود العضويّ، فغاز الميتان منتج ثانويّ لعمليّة معالجة المياه في المصنع. تقوم الشركة بتنظيف المياه الناتجة عن عمليّة التصنيع، وأثناء ذلك يتولد هذا الوقود الطبيعيّ، الذي يُحفظ ويُستخدم كطاقة لعمل المصنع. إنّ عمل المصنع يستهلك الكثير من المياه ولذلك فإن (New Belgium) تعمل على تقليل استهلاكها وإعادة استخدام المياه الّتي تستهلكها. كما تعمل الشركة على تقليل الأشكال الأخرى من الإسراف عن طريق بيع الحبوب المستخدمة وبعض النباتات والخميرة لأصحاب المزارع المحليين لإطعام قطعانهم. وكذلك تعمل الشركة (المملوكة من قبل موظفيها منذ عام 2013) مع المرافق والسلطات المحلية، من خلال برنامج العدادات الذكية (Smart Meter program)، تعمل على تقليل استهلاكهم للطاقة في أوقات الذروة. يجب أن يكون لجهود حماية البيئة هذه ثمن أليس كذلك؟ لكن في الحقيقة تُظهر الأبحاث أنَّ الشركات التي تلتزم بهذه المبادئ يكون متوسّط أدائِها الماليّ أعلى من الشركات الأخرى. يجد الموظفون غالباً طرائق للتوفير (مثل استخدام الوقود العضويّ) في محاولات لابتكار وسائل لتقليل الاستهلاك وإعادة الاستخدام وإعادة التصنيع. بالإضافة لذلك فإنّ المنظمات التي تسعى للقيام بأشياء نافعة تُعتبر غالباً أماكن مرغوبة للعمل فيها (خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون نفس القيم التي تناضل المنظمة لأجلها)، وتكون موضع تقدير من قبل المجتمعات المحيطة أيضاً. بالنتيجة يميل الموظّفون الذين يعملون في هذا النوع من المنظمات لأن يكون لديهم ولاء تامّ لشركاتهم، مع مستويات عالية من الارتباط والتحفيز والإنتاج. وبالتأكيد فإنّ الموظّفين في (New Belgium Brewery) شغوفون بطبيعة ومكان عملهم. ويولِّد هذا الشغف التقدير للمنظمة ويثبت أنه من الممكن أن تحقّق الأرباح وفي نفس الوقت تحقّق النفع للآخرين والمجتمع عمومًا. وفي حالة (New Belgium Brewery) يعني هذا أن تعمل للحفاظ على البيئة وبنفس الوقت أن تصنع مُنتجاً لذيذاً. كيف يعالج الدماغ المعلومات من أجل اتخاذ القرارات: الآليات الانعكاسية والتأملية يُعالج الدماغ البشريّ معلومات اتّخاذ القرارات عبر إحدى آليّتين: آليّة انعكاسيّة (تفاعليّة) وآليّة تأمّليّة. الآليّة التأمّليّة (reflective system) هي آليّة تفكير منطقيّة تحليليّة متعمّدة ومنهجيّة أمّا الآليّة الانعكاسيّة (reactive system) فهي سريعة مندفعة وحدسيّة وتعتمد على المشاعر أو العادات للاستدلال على الخطوة التالية. تقترح أبحاث في علم النفس والأعصاب أنّ الدماغ يمكنه معالجة المعلومات باستخدام آليّة واحدة في كلّ مرّة (حسب Darlow & Sloman) وأنّ الآليّتين يوجّههما جزآن مختلفان من الدماغ. القشرة خلف الجبهيّة أكثر تحكّمًا بالآليّة التأمّليّة أمّا الآليّة التفاعليّة فيتحكّم بها بشكل أكبر العُقد القاعديّة واللّوزة الدماغيّة(basal ganglia and amygdala). اتخاذ القرارات الانعكاسي معظمنا يميل لافتراض أنّ الطريقة المنطقيّة التحليليّة تؤدّي لقرارات أفضل، لكنّ صحّة هذا الاعتقاد تعتمد على الظروف التي تُتّخذ فيها هذه القرارات. الطريق السريع الحدسيّ قد يكون منقذًا للحياة؛ فعند شعورنا بخطرٍ مٌحدق مفاجئ تتفعّل استجابة المحاربة أو الفرار (fight or flight) لردّ فعل فوريّ بدون الانتظار لحساب كل المعطيات الممكنة ونتائجها. علاوةً على ذلك، يستطيع المديرون الخبيرون أن يتّخذوا قرارات بسرعة لأنّ خبرتهم علّمتهم ما يجب فعله في مثل هذا الظرف. قد لا يكون هؤلاء المديرين قادرين على تفسير المنطق الكامن خلف قرارهم وسيكتفون بالقول أنّهم اتّبعوا "غريزتهم" أو فعلوا ما "ظنّوه" صائبًا. ولأنّ المدير واجه موقفًا مشابهًا في الماضي وتعلّم كيف يتعامل معه، ينتقل الدماغ إلى آليّة اتّخاذ القرارات الانعكاسيّة السريعة والحدسيّة. اتخاذ القرارات التأملي الطريق السريع العفوي في اتخاذ القرار قد لا يكون الخيار الصائب دائمًا. عندما تواجهك مواقف جديدة ومعقّدة فمن الأفضل أن تٌعالج المعطيات منطقيًّا وتحليليًّا ومنهجيًّا. يجب على المدير أن يفكّر فيما إذا كان الموقف لا يتطلّب استجابة سريعًا "غريزيًّا" بل يحتاج للتفكير الجدّيّ قبل اتّخاذ القرار. في هذا النوع من آليّات اتخاذ القرار من الضروري ضبط المشاعر بشكل جيّد، لأنّ المشاعر القويّة قد تُصعّب من معالجة المعلومات بعقلانيّة. يميّز المديرون الناجحون آثار المشاعر ويعلمون أنّ عليهم الانتظار لتهدأ مشاعرهم قبل أن يتصرّفوا ويشرعوا في اتخاذ قرارهم. المشاعر القويّة -إيجابيّةً كانت أم سلبيّة- تميل لأن تقودنا تجاه الطريق السهل الانعكاسيّ في اتّخاذ القرار. ألم تقم يومًا بشراء "عفوي ومتسرّع" لأحد المُنتجات الباهظة جعلك تندم عليه لاحقًا؟ هذا يعبّر عن مدى التأثير الذي تمتلكه عواطفنا على قراراتنا؛ لذلك فإن القرارات الكبرى لا يجب اتّخاذها اندفاعيًّا وعفويًّا بل تأمّليًّا، بعد جولةٍ طويلة من التفكير والدراسة والتمحيص. دور المشاعر لا يعني وعينا بدور المشاعر في اتّخاذ القرارات أنّه يجب علينا تجاهلها. قد تكون المشاعر مؤشّرات قويّة على ما يجب علينا فعله، وخاصّةً في المواقف التي تتطلّب اتخاذ قرارات ذات أبعاد أخلاقيّة وتؤثّر على الآخرين. يمكنك أن تقرأ المزيد عن هذا النوع من اتّخاذ القرار في مقالة (تطبيق الأخلاقيّات) لاحقًا في السلسلة. يمكن للتفكير بشعورنا تجاه الخيارات المطروحة أمامنا، وادراكنا لسبب ميلنا أو شعورنا بالراحة تجاه قرار محدّد دون سواه، يمكن لذلك أن يحسّن من اتّخاذنا للقرارات تحسينًا كبيرًا. يعتمد اتّخاذ القرار الفعّال حينها على كلّ من المنطق مع المشاعر. ولهذا السبب أصبح مفهوم الذكاء العاطفيّ مشهورًا كخاصّيّة لكفاءة المديرين. الذكاء العاطفيّ (emotional intelligence) هو القدرة على تمييز مشاعر الفرد والآخرين وفهمها والاهتمام بها وإدارتها، ويتضمّن الوعي الذاتي والتحكّم بالذات، وهي تمثّل التأرجح بين العاطفة والمنطق لكي نفهم ونحلّل مشاعرنا بحيث نتحكّم بها كما يجب لإدارتها بما يناسب الموقف. يتضمّن الذكاء العاطفيّ أيضًا التعاطف، وهي القدرة على فهم مشاعر الآخرين (وإبداء الاهتمام تجاهها). أخيرًا يتضمّن الذكاء العاطفيّ المهارات الاجتماعيّة لإدارة الجوانب العاطفيّة في العلاقات مع الآخرين. يمكن للمديرين المدركين لمشاعرهم أن يفكّروا بما تعنيه مشاعرهم في سياق موقف معيّن وأن يستخدموا تلك المعلومات لإرشادهم في اتّخاذ القرار، كما يمكن لهؤلاء المديرين أن يستخدموا هذه المعلومات لمساعدة المجموعات في العمل بكفاءة أكبر والانخراط في اتّخاذ قرارات جماعيّة أفضل. على الرغم من أن بعض الأشخاص يمتلكون ذكاءً عاطفيًّا فطريًّا، إلا أنه مهارةٌ يمكنّنا تطويرها وتحسينها عبر الممارسة. يُعرض نموذج للذكاء العاطفي في الشكل 6.2. الشكل 6.2 الذكاء العاطفيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). ترجمة -وبتصرف- للفصل (Perception and Managerial Decision Making) من كتاب Organizational Behavior
  20. تبنّت العديد من النظريّات فوائد التنوّع في العمل، لكن في الواقع أظهرت الدراسات التطبيقيّة نتائج متضاربة، ما أثبت للباحثين دور وتأثير الظروف المحيطة على نجاح المبادرات لزيادة وتحسين التنوّع في العمل. يحرص المديرون على أن تكون المبادرات والجهود المبذولة للحفاظ على التنوّع في العمل رامية إلى المساواة والعدل لا أن تُستهدف وتُسخّر لنفع إنتاجيّة الشركة فحسب. يمكن للمديرين تجاوز عقبات التنوّع في العمل عبر التعامل معها بنهج حساس ومدروس، وهذا بدوره سينعكس انعكاسًا إيجابيًّا على الشركة وإنتاجيّتها. ثلاث منظورات عن التنوع في العمل صُمّم عمل إيلي وتوماس عن التنوّع الثقافي ليدعم -نظريًّا وعمليًّا- بعض العلاقات المفترضة بين التنوّع والإنتاجيّة. أنتج بحثهم نموذجًا عرّف ثلاث منظورات للتنوّع في العمل وهي: الدمج والتعلّم - الوصول والشرعيّة - التمييز والعدل. منظور الدمج والتعلم (The Integration-and-Learning Perspective) يقترح منظور الدمج والتعلّم أن مختلف الخبرات والمهارات، الّتي تمتلكها مجموعة متنوّعة الثقافات، قيّمةً في سياق عمل الفريق. ضمن هذا المنظور، يستطيع أعضاء مجموعة متنوّعة ثقافيًّا استخدام اختلافاتهم للتفكير في مشاكل العمل والآليّات والمنتجات بطريقة مُختلفة وإبداعيّة تخدم عمل الشركة. يفترض هذا المنظور أنّ أعضاء مثل هذه المجموعة يستطيعون التعلّم من بعضهم والعمل معًا لتحقيق أهدافهم المشتركة. سلبيات هذا المنظور قد تشمل شعور الأعضاء البيض بالتهميش ضمن هذه المجموعات عند عدم مشاركتهم بالنقاشات المبنيّة على التنوّع. وفي المقابل قد يشعر الأعضاء الآخرون بالاستنزاف عند تركيز العمل عليهم بهذه الطريقة. منظور الوصول والشرعية (The Access-and-Legitimacy Perspective) يركّز "منظور الوصول والشرعيّة" على فوائد التنوّع في العمل لشركة تسعى للتعامل ضمن أسواق متنوّعة أو مع عملاء متنوّعين. تعمل مجموعات العمل تحت هذا المنظور بهدف الدخول بقوّة في هذه الأسواق لكون تنوّع المجموعة يضفي عليهم بعض الشرعيّة والموثوقية في السوق المتنوّع. شكل التنوّع هذا وظيفيّ أكثر من كونه يسعى للعدالة وترسيخ بعض القيم في الشركة. تكمن سلبيّة هذا المنظور في حصر الموظّفين من الأقليّات بهذه الأدوار الخاصّة (محاولة التعامل والوصول للأسواق المتنوّعة) بعيدًا عن أيّ مساهمات مفيدة أخرى قد يقدموها. منظور التمييز والعدل (The Discrimination-and-Fairness Perspective) ينبع منظور التمييز والعدل من الاعتقاد بأنّ التنوّع في العمل هو واجب أخلاقيّ يجب تحقيقه من أجل تأسيس مجتمع عادل ومتكافئ. يتمثّل هذا المنظور من خلال الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف والترقية، كما أنه لا يربط أداء مجموعة ما أو نجاحها بمدى تنوّعها. تمتلك العديد من الشركات الّتي تعمل بهذا المنظور اعتقادًا مخفيًا أو مكشوفًا بأنّ استيعاب الثقافة الغالبة (ثقافة البيض) يجب أن ينبع من الفئات الثقافيّة الأخرى. أحد سلبيّات هذا المنظور هو إمكانيّة شعور فئات الأقليّات بالتقليل من قيمتهم عندما يكون قياس التقدّم في الشركة عبر توظيف الأقليّات بناءً على شِخصهم فقط (وسيلة للإعلان للملأ أن الشركة تتبنى التنوّع) وليس بناءً على مهارتهم أو كفائتهم. غالبًا يُفرض استيعاب الثقافة الغالبة على الموظّفين المتنوّعين تحت عنوان تقليل الصدام أو على أنها خطوة للتقليل من أهميّة الاختلافات والتحيّزات بين الفئات. يظهِر الشكل 5.6 درجات فعاليّة المنظورات السابقة. الشكل 5.6 منظورات التنوّع في العمل (المصدر: مقتبس من Ely, Robin J وDavid A. Thomas "Cultural diversity at work: The effects of diversity perspectives on work group processes and outcomes." Administrative science quarterly. 46.2 (2001): 229-273 اقتراحات حول إدارة التنوع يجب أن تخطو المنظّمات الملتزمة بالتنوّع لمحاربة أشكال التمييز والمضايقة الّتي تحدّثنا عنها في هذا الفصل. كما يجب عليهم المضيّ باتّجاه جعل التنوّع هدفًا في كلّ من مرحلة ما قبل التوظيف ومرحلة ما بعد التوظيف. يجب أن يعير المسؤولون والمديرون انتباهًا واهتمامًا كافيًا للتوظيف والحوافز المتّبعة، وأن يتأكّدوا من اعتمادهم على المعلومات والكفاءات الحقيقية في انتقائهم للموظفين وابتعادهم عن القوالب الجاهزة. فيما يلي أمثلة عن ما يجب على القادة في المنظّمات فعله لضمان تقدير جميع الموظّفين في بيئة الشركة. عملية اختيار المرشحين لمقابلات التوظيف لضمان العدل بين كلّ المتقدّمين، يجب أن تستخدم المنظّمات مقابلات معدّة بعناية خلال الاختيار المرشحّين للتوظيف لتجنّب الانحياز وفقًا للعرق أو الجنس. تتألف هذه المقابلات من الخصائص الخمس عشرة التالية: تحليل الوظيفة الحدّ من التلقين أسئلة أفضل مقابلات أطول التحكّم بالمعلومات المساعِدة الحدّ من أسئلة المرشّحين مقاييس متعدّدة التقييم مقاييس معدّلة التقييم ملاحظات مفصلّة مقابِلون متعدّدون مقابِلون مستمرّون لا نقاش بين المقابلين التدريب التوقّع الإحصائيّ. نفس الأسئلة للجميع قد يحدث الانحياز عندما يفضّل المقابِلون مرشحين مشابهين لهم (سواءً عرقيًا أم دينيًا أم شكليًا أم حتى فكريًا). تستطيع المنظّمات تخطّي هذه العقبة إن طبّقت الخصائص هذه في كلّ عمليّة توظيف. علاقات الإرشاد التنوعية بفضل النموّ السريع للعولمة أصبح المديرون أكثر عرضةً لإدارة فِرق متنوّعة. أظهرت الأبحاث أنّ الشركات المتنوّعة عرقيًّا وإثنيًّا تؤدّي أداءً ماليًّا أفضل من نظيراتها وحيدة اللون (التي تعتمد قولبةً واحدة لموظفيها)، وذلك بسبب مساهمة الموظّفين من خلفيّات وتجارب مختلفة، الأمر الذي يمنح الشركة ميّزة تنافسيّة بعدّة طرق. من الضروري أن يكون المديرون وصاحبو القرار مؤهلّين لإدارة فرق متنوّعة بما يعود بالنفع على الجميع. علاقات الإرشاد التنوّعيّة هي علاقات بين المُشرف والمُشرَف عليه بحيث تكون هاتين الفئتين مختلفتين من حيث الجنس والعرق والعمر وغيرها من الخصائص. أظهرت الأبحاث أنّ هذه العلاقات تعود بالنفع على كلا الطرفين وأنّ كليهما يخرجان بفوائد من ناحية المعرفة والتعاطف وقدرة التعامل مع الأشخاص من فئات أخرى. القيادة الإدارية: برامج تدريب التنوع يواجه المديرون تحدياً كبيراً في فهم كيفية إدارة التنوّع في الوقت الّذي تتنوّع فيه القوى العاملة تنوّعًا كبيرًا ومستمرًّا. أحد أهم القرارات الّتي يجب اتّخاذها هو فيما إذا كان يجب على المنظمة تقديم تدريب للتنوع أم لا، وإن فعلت فما هي المواضيع والقضايا التي يجب طرحها بناءً على أهداف المنظّمة. طال الجدل فيما مضى عن كفاءة تدريب تنوّع الشركات، وذلك منذ أن ظهر قانون الحقوق المدنية لعام 1964 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وعزّز تدريب تنوّع الشركات بما يتوافق مع القانون. يظهر بحث سابق أنّ هذه التدريبات يمكن أن تكون فعّالة أو غير فعّالة أو حتى ضارّة بالنسبة للموظفين، ومع ذلك فإن تدريبات التنوع تطوّرت خلال السنين، وأصبحت عاملًا مهمًّا بالنسبة لأصحاب العمل في إدارة التنوّع. في الثمانينات وحتّى أواخر التسعينات من القرن الماضي تطوّر تدريب التنوّع من التركيز فقط على الالتزام إلى مواكبة احتياجات النساء والأقليّات، سيّما مع تزايد معدّلات دخولهم في القوى العاملة. لسوء الحظ فإنّ هذا النوع من التدريب كان يُرى من قبل البيض والرجال على أنه نوع من التمييز ضدهم، بمعنى أنهم يشعرون بالتمييز (على حساب الأقليّات)، أي تمامًا مثل المشكلة الأساسيّة الّتي يعالجها تدريب التنوع. يُعتّبر تدريب كهذا جلسات يُعد بمثابة "اعتراف" وإعلان للموظّفين البيض عن تواطئهم في العنصريّة المؤسساتيّة. يعطي هذا النوع من التدريبات نتائج عكسية متوقّعة، وعلاوة على ذلك يبعد الموظفين عن بعضهم، أي عكس هدفه تمامًا. وقد تطوّر تدريب التنوع حديثًا للتركيز على: تعزيز الكفاءات الثقافيّة بخصوص الزملاء الموظّفين. تقييم الاختلافات. تعلّم كيف يساعد التنوّع في اتّخاذ قرارات مهنيّة أفضل. هذا المنظور لتدريبات التنوّع أكثر فعاليّة بالمقارنة مع التركيز على أسباب نقص التنوّع والجذور التاريخيّة للتمييز. يبقى فهم كيفيّة الالتزام بالقانون مهمًا طبعًا، ولكنّ التدريب له تأثير أفضل عندما يتمّ تضمين العوامل الأخرى أيضاً. استقصت دراسة حديثة طرائق مختلفة لتدريبات التنوّع، وتتضمّن انخراط المشاركين في أنشطة وضع التوقّعات والأهداف. في أنشطة وضع التوقعات طُلب من المشاركين كتابة عدّة جمل حول التحدّيات التي يعتقدون أن الأقليّات يواجهونها. أمّا أنشطة وضع الأهداف تضمنّت كتابة أهداف محدّدة وقابلة للقياس تتعلق بتنوع مكان العمل. على سبيل المثال، الخطط المستقبليّة للصناعات اليدويّة أو الانخراط في السياسات المستقبليّة. وأظهرت نتائج هذا البحث أنه عند استخدام هذه الأنشطة على أنها طرق للتدريب على التنوّع فإنّ النوايا السلوكية والمواقف المؤيّدة للتنوّع استمرّت بعد ذلك بأشهر. ولأنّ اعتقادات الموظفين الدينيّة محمية بالقسم السابع لقانون الحقوق المدنية في الولايات المتّحدة، فإنّ أصحاب العمل يجب أن يكونوا حسّاسين تجاه تحقيق التوازن وضمان حقوق الموظفين الدينيّة. فمن الصعوبات الّتي تواجه المديرين بذلك هو تجنّب إعادة توجيه التمييز من مجموعة معيّنة لأخرى. ولتخفيف أيّ ردّ فعل عنيف من قبل الموظفين، يجب على أصحاب العمل دراسة ردود الفعل من كل المجموعات لتعلّم الطرق المثلى لاستيعابها، كما يجب تقييم بيئة عمل المنظّمة تقييمًا مستمرًا. القيادة المرئية من العوامل المهمّة الأخرى لضمان المعاملة العادلة للموظّفين هي آليات الإدارة السليمة. يجب أن تقدّر القيادة تنوّع الرأي، كما يجب أن تشجّع ثقافة المنظّمة عُنصر الانفتاح وأن تجعل الموظّفين يشعرون بأنهم مقدّرون وأن حقوقهم مُصانة. يجب أيضًا أن تمتلك المنظّمة مهمّةً ورسالة واضحة ومفهومة وهيكليّة اجتماعية متساوية وعادلة بعيدةً عن البيروقراطيّة، هذا كلّه سيسهم في تضافر وتوحّد قيم وسلوك الموظّفين مع قيم وسلوك المنظّمة، بهذه الطريقة سيُؤمّن عنصر التنوّع الثقافي وسيلة إضافيّة لضبط وتنظيم التصرّفات والعلاقات داخل المؤسسة. استراتيجيات للموظفين يمكن أن يزيد الأفراد من الإنتاجيّة عند حصولهم على مستوى تعليميّ متقدّم، لكون التعليم معيارًا أساسيًا في توقّع المردود المادّيّ عند جميع الفئات. يميل الأفراد أيضًا للحصول على وظائف في شركات أكبر والّتي تحتوي على برامج توظيف رسميّة ورؤية تنوّعيّة جاهزة. قد يخطوا هؤلاء الأفراد من فئات مختلفة باتّجاه القضاء على التمييز عبر رفع وعيهم عن التنميط أو الانحياز الّذي يمارسونه بأنفسهم أو عبر تحدّي هذه المشاكل ومواجهتها. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Diversity in Organizations) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: مفهوم القيادة: الفرق بين القائد والمدير المقال السابق: تحديات التنوع والاختلاف في المنظمات
  21. على الرغم من فوائد التنوّع العديدة فإنّه يُوجِد تحدّيات للمديرين لا يمكن مجابهتها إلّا بقيادة وإدارة حكيمة. بعض أبرز التحدّيات في المنظّمات وفقًا للأبحاث هي ضعف التعلّق المؤسّساتيّ وسوء فهم المبادرات والبرامج التنوّعيّة. التعلق الأقل بالمنظمة على الرغم من جذب البرامج المتنوّعة للنساء والأقليّات فهي قد تمتلك تأثيرًا مضادًا على باقي العاملين من غير الأقليّات. عندما لا تتمّ إدارة التنوّع بكفاءة قد يشعر الموظّفون الذكور والبيض بالانعزال أو الاستهداف من برامج التنوّع المطبّقة في المنظّمة. طُبّقت دراسة على 151 مجموعة في العمل ضمن 3 منظّمات كبرى وتحرّت تأثير وجود تنوّع في العرق والجنس على معدّل التغيّب عن العمل والتعلّق النفسيّ به ومعدل الدوران الوظيفي. تلعب ثلاثة عوامل دورًا مهمًّا في تعلّق الموظّف بمنظّمته. أظهرت نتائج الدراسة علاقة طرديّة بين التنوّع في مجموعة العمل وكلٍّ من التعلّق الأقلّ بالمنظمّة ومعدّل الدوران الوظيفي المرتفع وزيادة التغيّب لدى الموظّفين البيض. بعبارة أخرى، زيادة التنوّع في المنظّمة تؤدّي لرغبة الموظفّين البيض بمغادرتها. قد تدفع صعوبة إدارة المجموعات المتنوّعة المديرين إلى تجنّبها، لكنّهم إن تجنّبوها فسيخسرون فائدتها الإبداعيّة. بدلًا من ذلك يجب أن يفهم المديرون آليّات التواصل واتّخاذ القرار المتّبعة في مجموعاتهم وطلب آراء الموظّفين حولها. التحدّيات القانونيّة للتنوّع النظام القانونيّ مصمّم ليحارب التمييز. سيناقش هذا المقال عدّة طرق لذلك ومنها التمييز المضادّ والمضايقات والتمييز في مكان العمل وضدّ ذوي الاتّجاه والموجّه ضد الجنسيّات والحوامل والعرق واللون والدين والجنس وغيرها. التمييز المضاد أو العكسي كما أظهرت نتائج البحوث التي ذكرناها آنفًا، فإنه يشيع التمييز ضدّ النساء والأقليّات العرقيّة والإثنيّة. يُستخدم مصطلح التمييز المضادّ لوصف حالة يرى فيها مجموعات الأغلبيّة أنّهم يتعرّضون للتمييز بناءً على عرقهم أو جنسهم. هذا الشكل من التمييز غير شائع لكنه يظهر عندما يرى العرق الغالب أنّ أشخاصًا من الفئة المحميّة من الأقليّات تُعطى أفضليّةً في العمل أو فرصًا أكبر للتعلّم بسبب كونهم أقليّة أو إناث، بغض النظر عن مؤهلاتهم واستحقاقهم لهذه الفرص. أظهر بحث أُجري في تسعينيّات القرن الماضي أنّه خلال فترة السنوات ما بين 1990 و1994 رُفِعت ستّ دعاوٍ فيدراليّة ضد التمييز المضادّ فحسب. وفقط 100 من أصل 3,000 دعوى مرفوعة ضد التمييز كانت بسبب التمييز المضاد. طبّقت مؤسّسة روبرت وود جونسون (Robert Wood Johnson Foundation) مع معهد هارفرد تشان للصحّة العامّة (Harvard T.H. Chan School of Public Health) إحصائيّة مثيرة للاهتمام تُظهر أنّ أكثر من نصف الأمريكيّين البيض يعتقدون أنّ البيض يتعرّضون للتمييز، في حين يعتقد 19% أنّهم تعرّضوا للتحيّز والتمييز بسبب لون بشرتهم عند التوظيف. قد ينبع سوء الفهم هذا جزئيًّا من إعادة التوازن في فرص العمل، بعد أن كانت راجحة لكفّة البيض فيما مضى. يعتقد الأفراد من فئات الأغلبية (الذكور والبيض) أنّهم يحصلون على فرص أقل في حين أنّ الحقيقة هي أنّ الفرص باتت توزّع بشكلٍ عادل على كل الفئات. في الواقع لا تزال غالبية القوى العاملة في الشركات من الرجال والبيض. الفارق الوحيد هو حماية التشريعات للموظّفين من التميّيز وتحسين الوصول المتكافئ لفرص التعليم، ما خلق فرصًا جديدة لأفراد الأقليّات لم تكن موجودةً من قبل. التمييز في مكان العمل يحدث التمييز في مكان العمل عندما تتمّ معاملة موظّف أو متقدّم للعمل معاملةً ظالمة بسبب انتمائه لأحد المجموعات المذكورة سابقًا. قد يتعرّض الشخص للتمييز بسبب وضعه العائليّ، على سبيل المثال قد يتعرّض شخص ما للتمييز فقط بسبب كونه زوج\زوجة لأحد الأفراد غير المرغوبين من قبل الشركة. كما قد يحدث التمييز بين شخصين ينتميان لنفس الفئة، فمثلًا عندما يميّز شخص ما ضد شخص آخر بناءً على جنسيّته الأصليّة الّتي ينتميان إليها كلاهما. شُكِّلت هيئة تكافؤ الفرص (Equal Employment Opportunity Commission ،EEOC) عبر القسم السابع من قانون الحقوق المدنيّة الصادر عام 1964 في الولايات المتّحدة، ويهدف بشكل أساسيّ لحظر التمييز في مكان العمل حسب العرق والجنس والجنسيّة والدين والحمل. تعزّزهيئة EEOC من تطبيق القانون كما تصدر توجيهات حول كيفيّة معاملة الموظّفين. تمتلك الهيئة أيضًأ سلطة إجراء تحقيقات حول ادّعاءات التمييز في مكان العمل ومحاولة حلّها أو رفع دعاوى قضائيّة عند اللزوم. كلّ أشكال التمييز في مكان العمل محظورة حسب قوانين مختلّفة تصونها هيئة تكافؤ الفرص، والّتي تعُدُّ المضايقات، وخاصةً المضايقة الجنسيّة، شكلًا من أشكال التمييز، كما تنصّ على وجوب تساوي الأجور بين الجنسين. بند تساوي الأجور مُغطّى ضمن قانون تساوي الأجور لعام 1963 في الولايات المتّحدة وهو تعديل لقانون معايير العمل العادلة الصادر عام 1938. يخضع كل العاملين لهذا القانون نظريًّا، والذي كان محاولة لمواجهة عدم تساوي الأجور بين الذكور والإناث. لكن على الرغم من مرور أكثر من 50 عامًا على صدور هذا القانون لا تزال النساء تجني 80 سنتًا لقاء كلّ دولار يجنيه الذكور مقابل العمل والمجهود ذاتهُ (أي أنّهن يحصلن على أجر أقلّ بنسبة 20%). المضايقة المضايقة هي أيّ تصرّف غير مرغوب مبنيّ على توجّهات وانطباعات سلبية مثل الجنس والعرق والجنسيّة والاحتياجات الخاصّة وغيرها. وهو شكل من التمييز في مكان العمل ويعد ذلك انتهاكًأ لبعض القوانين في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة كما في القسم السابع من قانون الحقوق المدنيّة الصادر عام 1964 ، وقانون التمييز على أساس العمر في العمل لعام 1967 ولقانون الأمريكيّين ذوي الاحتياجات لعام 1990. تعبّر المضايقة الجنسيّة عن مضايقة قائمة على جنس الشخص، وقد تكون هذه المضايقات عبارة عن مبادرات جنسيّة غير مرغوبة أو طلب خدمات جنسيّة أو إيحاءات جنسيّة أو غيرها. على الرغم من كون الجنسين معرّضين لهذا النوع من المضايقات، إلا أن الموظفات النساء هم الأكثر عرضة لذلك. التمييز على أساس العمر يشير التمييز على أساس العمر إلى معاملة أحد الموظّفين أو المتقدّمين على أنّهم أقلّ كفاءةً بسبب عمرهم. يحظر قانون التمييز على أساس العمر (ADEA) التمييز ضد الأفراد الأكبر من 40 عامًا. كما يمنع هذا القانون المضايقات القائمة على العمر، مثل الإيحاءات المهينة أو تأسيس بيئة عمل معادية. التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصّة ذوي الاحتياجات الخاصّة هم أشخاص يمتلكون إعاقةً جسديّة أو عقليّة تحدّ من واحد -أو أكثر- من نشاطاتهم الحياتيّة. يحدث التمييز ضدّ ذوي الاحتياجات الخاصّة عندما تتمّ معاملة موظّف أو متقدّم مشمول بقانون الأمريكيّين ذوي الاحتياجات (ADA) بشكل غير متكافئ بسبب إعاقتهم. قانون (ADA) هو قانون حقوق مدنيّة يحظر التمييز في العمل والخدمات العامّة والمرافق العامّة والمواصلات ضدّ ذوي الاحتياجات. المشمولون ضمن هذا القانون هم أشخاص قادرون على قيام مهامهم الأساسيّة في وظائفهم مع أو بدون مساعدات منطقيّة. تظهر البحوث أنّ توفير هذا النوع من المساعدات للموظّفين يكلّف الشركة القليل (أقلّ من 100$) أو قد لا يكلّفها شيئًا. التمييز على أساس الجنسية الأصلية يتضمّن التمييز حسب الجنسيّة الأصليّة المعاملة غير المكافئة لشخص ما بسبب جنسيته أو لهجته أو إثنيّته أو مظهره. تحظر تشريعات هيئة (EEOC) تطبيق أساليب أو سياسات توظيف إن كانت تؤثّر سلبًا على الأشخاص من أصلٍ معيّن. على سيل المثال تُمنع الشركات من تطبيق سياسة استخدام لغة واحدة إلا في حالة كان ذلك ضروريًّا لتأمين كفاءة العمل. كما يُمنع للمديرين أن يشترطوا في معايير التوظيف موظّفين طليقين في لغة معيّنة ما لم تكن أساسيّة في صلب مهامهم. تمنع هيئة (EEOC) الشركات من حصر توظيفهم على المواظنين الأمريكيّين أو المقيمين ما لم يكن العمل مُطالبًا قانونيًّا بذلك. التمييز ضد الحوامل يشمل التمييز ضدّ الحوامل معاملة الموظّفة أو المتقدّمة معاملةً ظالمة بسبب حملها أو ولادتها أو ظروفها الصحيّة المتعلّقة بذلك. يحظر قانون التمييز ضدّ الحوامل (PDA) أيّ إجراءات تمييزيّة متعلّقة بالحمل مثل: التوظيف والطرد والتعويضات والتدريبات والمهام والتأمينات وغيرها. بالإضافة قد يضطر المدراء لإجراء بعض التعديلات على مكان العمل لملائمة وضع الحوامل وذلك استجابة لقانون (ADA) المذكور سابقًا. أجاز قانون الإجازة العائليّة والطبّيّة (FMLA) للأهالي الجدد أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر لمدّة 12 أسبوعًا (أو مدفوعة الأجر إن استحقّها الموظّف) للاعتناء بالمولود الجديد. التمييز حسب العرق/اللون يتضمّن التمييز حسب العرق/اللون معاملة الموظّفين أو المتقدّمين معاملة ظالمة بسبب عرقهم أو بسبب صفات فيزيائيّة متعلّقة بعرقهم، مثل لون البشرة أو الشعر أو غيرها. حيث يُمنع تطبيق بعض سياسات العمل إن كانت تؤثّر سلبًا على الأشخاص من عرق معيّن، كما هو الحال في التمييز حسب الجنسيّة الأصليّة. على سبيل المثال فإنّ بعض السياسات التي تخصّ طريقة تصفيف الشعر المطلوبة من الموظّفين قد تكون ظالمة لذوي الأصول الإفريقيّة، وبالتالي يُحظر تطبيقها ما لم يكن تطبيقها أساسيّا للعمل. التمييز الديني يحدث التمييز الدينيّ عند معاملة الموظّفين أو المتقدّمين معاملة ظالمة بسبب معتقداتهم الدينيّة. يحمي القانون في العديد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة جميع المعتقدات الدينيّة في إطار العمل. حيث يجب على المديرين اتّخاذ إجراءات منطقيّة وعادلة فيما يخص معتقدات الموظّفين الدينيّة، مثل مرونة ساعات العمل أو تعديل بعض السلوكيّات في العمل. يضمن القانون حق الموظّفين بأن يتبعوا شعائرهم الدينية فيما يخصّ اللباس والشعر، ما لم يتعارض ذلك مع عملهم. يحمي القانون الموظّفين من إجبارهم على ممارسة أو عدم ممارسة شعائر دينيّة معيّنة ضمن إطار عملهم. التمييز على أساس الجنس يحدث التمييز على أساس الجنس عند معاملة الموظّفين أو المتقدّمين معاملة ظالمة بسبب جنسهم. كما يحمي قانون هيئة (EEOC) العاملين من المضايقات ومن السياسات الجائرة. أشكال أخرى من التمييز بعيدًا عن تعاريف هيئة (EEOC) وصف الباحثون في الإدارة والتنوّع أشكالًا أخرى للتمييز تتكرّر ضدّ فئات معيّنة دون غيرها. يستخدم مصطلح تمييز الوصول لوصف حالات حرمان فئات معيّنة من فرص التوظيف بسبب جنسهم أو عمرهم أو عرقهم أو غيرها من العوامل. يصف مصطلح تمييز المعاملة التعامل المختلف مع الموظّفين بعد توظيفهم سواء كان ذلك في المهام الموكلة لهم أو في المكافآت. كما وصف الباحثون أيضًا شكلًا من التمييز أسموه التمييز الشخصي أو الباطني وهو تمييز غير علنيّ ومخفي (لا واعي) إلا أنه يشكل خطرًا على هيكلية المؤسسة لأنه قد يحفّز المشاكل بين الموظفين وبين الموظفين العملاء وبين عناصر الشركة الأخرى. يشكّل هذا النوع من التمييز تحدّيًا خاصًّا لصعوبة تحديده. على سبيل المثال، أظهرت دراسة ركّزت على التمييز وخدمة العملاء أنّ الزبائن السمينين معرّضون أكثر لحوادث التمييز من الزبائن معتدلي الوزن. خصّص العاملون في خدمة الزبائن وقتًا أقلّ للزبائن الأسمن في حين أبلغ باقي الزبائن عن تعامل أفضل من قبل الموظّفين عند سؤال الباحثين لهم (تضمّنت الأسئلة ابتسامة الموظّف وتواصله البصريّ ودرجة الوديّة معهم). نظريات التنوع الأساسية تركّز العديد من نظريّات إدارة قوى العمل المتنوّعة على تفاعلات الأفراد (مثل التنميط وتقسيم خواص الآخرين) مع الأشخاص المغايرين. تحاول وجهات النظر المختلفة شرح كيف يكون التنوّع مفيدًا أو مضرًّا لإنتاجيّة المنظّمة. تقترح النظرية المعرفيّة التنوّعيّة Cognitive Diversity Hypothesis أنّ المناظير المتعدّدة الناجمة من الاختلافات الثقافيّة ضمن المنظّمة توجد حلول إبداعية للمشكلات. تقترح نظريّة تجاذب المتشابهين Similarity Attraction Paradigm ونظريّة الهويّة الاجتماعيّة Social Identity Theory أنّ تفضيل الأفراد للتفاعل مع المتشابهين معهم قد يجعل آثار التنوّع سلبيّة على المجموعة وعلى إنتاجيّتها. يشرح نموذج التثبيط-التبرير Justification Suppression Model الظروف الّتي تجعل الأشخاص يتصرّفون وفقًا لأحكامهم المسبقة. النظرية المعرفيّة التنوعية تظهر بعض البحوث أنّه لا علاقة بين التنوّع وأداء المجموعة. في حين تُظهر أبحاث أخرى وجود هذه العلاقة وتؤكّدها، بمعنى آخر أظهر نتائج بعض البحوث وجود علاقة سلبيّة (تنوّع أكثر يعطي أداء أقل، تنوّع أقلّ يعطي أداء أكثر) وبعضها الآخر أظهرت علاقة إيجابيّة. قد ترجع النتائج المختلفة لاختلاف تأثيرات التنوّع على أعضاء المجموعة. تدرس النظرية المعرفيّة التنوّعيّة الاختلافات بين أعضاء المجموعات تبعًا للخبرة والتجربة والمنظور. يؤكّد العديد من العلماء أن أسس التنوّع مثل العرق والجنس والعمر وغيرها تؤثّر تأثيرًا إيجابيًّا على الأداء، بسبب مشاركة أعضاء الفريق والعي والخبرات المختلفة النابعة من خلفيّاتهم الديموغرافيّة المتنوّعة. يدعم أحد الأبحاث وجود علاقة بين أداء الفريق والتنوّع في المهام وهو ما ينعكس على مزايا غير محسوسة، مثل قدراتهم وأدائهم الوظيفيّ ومستواهم التعليميّ. على أيّة حال أنتجت العلاقة بين أداء الفريق والتنوّع الديموغرافيّ نتائج متباينة في مختلف الحالات. على سبيل المثال درس واتسون وزملاؤه الفوارق بين أداء المجموعات المتباينة (المجموعات التي تضمّنت تنوّعًا عرقيًا وجنسيًّا وديموغرافيًّا في أعضائها) والمجموعات المتماثلة (لم تشتمل على عنصر التنوّع بين أعضائها)، حيث خُصّصت مهمّة تحليليّة لهذه المجموعات ودُرس أداؤهم مع مرور الوقت بناءً على 4 معايير هي: مدى الأفكار المقدّمة - عدد المشاكل المُكتشفة في الحالة المدروسة - عدد البدائل المُقترَحة - وجودة الحلّ. احتساب الأداء العامّ كان على أساس معدّل المعايير الأربعة. قيست المعايير في ثلاث فترات متباينة (1: بعد 5 أسابيع - 2: بعد 9 أسابيع - 3: بعد 13 أسبوع - 4: بعد 17 أسبوع). كان الأداء العامّ للمجموعات المتماثلة أفضل خلال د الفترة الأولى والثانية، بينما كان أداء المجموعات متقاربًا في الفترات الثالثة والرابعة. لكنّ المجموعات المتباينة تفوقّت في مدى الحلول وابتكار عدد بدائل أكبر. يقترح هذا البحث استفادة المجموعات المتباينة من تنوّع أكبر في الحلول المطروحة عند حل المشكلة بالرغم من كون نتائج المجموعات المتماثلة أفضل في بادئ الأمر. وبناءً على النظرية المعرفيّة التنوّعيّة تنبع هذه الفوائد من اختلاف الثقافات الّذي يوجد وجهات نظر مختلفة. من جهة أخرى احتاجت المجموعة المتباينة لوقت أطول حتى استطاع أفرادها العمل معًا بكفاءة، وذلك بسبب كونهم غرباء عن بعضهم وهذا ما يجعل المجموعات المتماثلة أفضل أداءً على المدى القصير، هذه الفكرة تتعلّق بنظريّة تجاذب المتشابهين (المطروحة في الفقرة القادمة). أظهرت دراسات أخرى تعاونًا أفضل لدى المجموعات المتنوّعة من المجموعات المتماثلة عند أداء مهام تتطلّب مهارات الإبداع والمبادرة واتّخاذ القرارات، حيث تكون المجموعات المتماثلة أكثر فعاليّة، في حين تكون المجموعات المتنوّعة أكثر تأثيرًا. نظرية تجاذب المتشابهين تشرح النظرية المعرفيّة التنوّعيّة الفائدة الناجمة عن التنوّع على إنتاجيّة المنظّمات. في حين تشرح نظريّة تجاذب المتشابهين التأثيرات السلبية. أظهرت بعض الأبحاث أن الأفراد في بيئات العمل المتنوعة يصبحون أقلّ تعلّقًا وأكثر تغيّبًا عن العمل وأميل للاستقالة. يوجد كذلك دليل على أنّ التنوّع يوجد صراعًا ومعدّل دوران وظيفي أعلى للموظّفين. نظرّية تجاذب المتشابهين هي واحدة من النظريّات الأساسيّة الّتي تحاول شرح سبب هذه الظواهر. تشير هذه النظريّة إلى أن هنالك انجذابًا بين الأفراد لبعضهم عند تشابه سلوكهم وطبائعهم. السلوك والمعتقدات هما عناصر مشتركة شائعة في تفاعل الأشخاص مع بعضهم، فقد تعبّر خصائص مثل العرق والعمر والجنس والحالة الاجتماعية عن خصائص أعمق لدى الأشخاص. على سبيل المثال، أظهرت العديد من الدراسات المطبّقة على سلوك الأشخاص المتقدّمين لعمل أنّ الأفراد ينجذبون أكثر للشركات الّتي تعكس هويّتهم في حملاتها التوظيفيّة. وأظهرت دراسة أن الشركات الّتي تظهر بصورة متنوّعة تجذب الأقليّات والنساء أكثر من البيض والرجال. حتّى أن الباحثين عن عمل والمولودين في بلد خارجيّ انجذبوا انجذابًا أكبر للمنظّمات الّتي تُظهر موظّفين أجانب في إعلاناتها التوظيفيّة. النظرية المعرفية الاجتماعية تبحث النظريّة المعرفيّة الاجتماعيّة أيضًا عن الآثار السلبيّة للتنوع في المجموعات أو المؤسّسات. تقترح هذه النظريّة استخدام الأشخاص عمليّة التصنيف لتبسيط المعلومات الضخمة وتسهيل التعامل معها. تسمح لنا هذه التصنيفات بتجزئة البيانات بسهولة وسرعة. يتمّ تصنيف الأشخاص عادةً وفقًا للعرق والجنس والعمر. لذا عادةً تحدث معالجة تلقائيّة في أدمغتنا عند لقائنا لشخص بصفات معيّنة، بحيث نستطيع تصنيفها مباشرةً وحينها تظهر اعتقادات وأحكام مسبقة جاهزة عن طبيعة هذا الشخص. كما أنه قد يتعرّض الشخص للتصنيف حتى لو لم تتمّ رؤيته. على سبيل المثال قد يصنّف مسؤول التوظيف المتقدّمين للعمل على أساس جنسهم أو عرقهم عند استعراضه للسيَر الذاتيّة المقدّمة، لأنّ أسماءهم قد تعّبر عن ذلك. تنتمي القوالب الجاهزة أو النمطية (Stereotypes) لهذه التصنيفات وهي التعميم المفرط للصفات على فئات معيّنة. هذه القوالب الجاهزة تكون هي أساس الأحكام المسبقة ومنشأ ظاهرة التمييز. في سياق العمل من غير القانونيّ أن يعمل الإداريُّ على التصنيف والتنميط ووضع القوالب الجاهزة في قرارات التوظيف، سواءً كان هذا قانونيًّا أم لا فهو يتعارض مع نهج التنوّع الذي تتبنّاه القوانين والشركات المُعاصرة. نظرية الهوية الاجتماعية تحاول نظريّة الهوية الاجتماعيّة أيضًا تفسير النتائج السلبيّة للتنوّع. تقترح هذه النظريّة أنَنا نصنّف الأفراد حالما نلتقيهم إلى مجموعة-مماثلة (in group) (أفراد ينتمون لنفس فئتنا) ومجموعة-مغايرة (out-group) (أفراد ينتمون لفئة مختلفة). فنحن نرى الأشخاص المنتمين للمجموعات المغايرة على أنّهم يمتلكون صفات مشتركة وسلوكيات متشابهة (أي ننسبهم لقوالب جاهزة). يفترض العلماء أنّ سبب حدوث هذا المنظور هو وجود فارق واختلاف بين تفاعلاتنا مع أفراد مجموعتنا المماثلة مقارنةً مع تفاعلاتنا مع أفراد مجموعاتنا المغايرة. فهناك غالبًا تفضيل للمجموعة المماثلة وأحيانًا انتقاص للمجموعة المغايرة، ومع ذلك فقد لا يفضل أفراد بعض الأقليّات الأفراد الآخرين في مجموعاتهم. قد يكون سبب حدوث ذلك هو التعرّض الطويل للفكر المنتشر عن إيجابيّات ومقدرات الرجال أو البيض وسلبيّات النساء والأقليّات في العمل. عندما يحدث التفضيل للمجموعة المماثلة يتمّ توظيف أفراد من الأغلبيّة وترقيتهم ومكافأتهم على حساب الأقليّات وذلك غالبًا بشكل مخالف للقانون. نظرية المخطط تشرح نظريّة المخطّط كيف يخزّن الأفراد المعلومات حول الآخرين بناءً على خصائصهم الديموغرافيّة. تُخزّن المعلومات والمعرفة على شكل أنماط وعلاقات متداخلة في أذهاننا، بحيث تولّد مخطّطات تُستخدم لتقييم الذات أو الآخرين، وبناءً على تلك المعرفة المسبقة والأحكام النمطيّة المبنيّة على الاعتقاد والميول الفكرية تجاه خصائص الآخرين، بناءً على ذلك يصنّف الأفراد الناس والأحداث والأشياء من حولهم إلى فئات معيّنة. حتّى أنّ هذه التصنيفات تُستخدم لتقييم الأشخاص الجدد واتّخاذ القرارات حول كيفية التعامل معهم. بناءً على هذه النظريّة، يشكّل الموظّفون مخطّطات ذهنيّة عن زملائهم وفقًا لعمرهم وجنسهم وعرقهم وصفاتهم الأخرى. كما يشكّلون مخطّطات عن سياسات المنظّمة والقادة وبيئة العمل. تأثير هذه المخطّطات قد يكون سلبيًّا أو إيجابيًّا وسيؤثّر على سلوك وتصرّفات الموظّفين تجاه بعضهم البعض. نموذج التثبيط-التبرير يشرح نموذج التثبيط-التبرير الظروف الّتي تدفع الأشخاص المتحيّزين (الذين يميلون لإطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين دون معرفتهم أولًا) للتصرّف وفقًا لأحكامهم المسبّقة. توصف هذه العمليّة بأنّها مؤلّفة من خطوتين، بحيث يكون الأشخاص فيها متحيّزين إلى مجموعة أو فئة معيّنة ولكنّهم في نفس الوقت يشعرون بمشاعر متضاربة تجاه ذلك تدفعهم لإخفاء تحيّزهم بدلًا من التصرّف على أساسه. تقترح النظريّات أن كلّ الأشخاص لديهم أحكام مسبقة بطريقة أو بأخرى وأنّهم يكتسبونها منذ سنّ مبكّرة وأنّهم يعانون في التخلّص منها عند الكبر. تُحَفَّز الأحكام المسبقة هذه عادةً من قبل المقرّبين كما يستخدم الأفراد وسائل مختلفة لتبريرها. سيحاول أغلب الأشخاص تثبيط أيّ مظاهر للتحيّز لديهم، قد يكون سبب ذلك عامل داخلي، مثل التعاطف والشفقة والمعتقدات الخاصّة. وقد يكون السبب أيضًا عاملًا اجتماعيًّا، حيث أنّ إظهار التحيّز وعلنيّة إطلاق الأحكام المسبقة غير مقبولة في المجتمع وغير قانونيّة حتّى في بعض الحالات. يبحث الأشخاص المتحيّزون أحيانًا عن طرق لتبرير معتقداتهم هذه. أظهرت الدراسات أنّ الأفراد أكثر احتمالًا لسلوك المُتحيّز إن كانوا مُتعبين جسديًّا أو نفسيًّا أو إن استطاعوا القيام بذلك دون أن تُكشف هويّتهم أو إن كانت القواعد المجتمعيّة ضعيفة وتتغاضى عن مثل هذه الأفعال. ترجمة -وبتصرف- للفصل (Diversity in Organizations) من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: فوائد التنوع في العمل وكيفية إدارته المقال السابق: التعامل مع الاختلاف: التنوع وأثره على الشركات
  22. من المهم أن يتعلّم المديرون كيفيّة التعامل مع الاختلافات الثقافيّة وسلوكيّات العمل الفرديّة، وذلك بسبب سيطرت العولمة وازدياد التنوّع العرقي في بيئات العمل المؤسساتية. ومع ازدياد تنوع القوى العاملة تظهر فرص جديدة وتحدّيات جديدة للمديرين في بيئة العمل. من هذه الفرص امتلاك الشركة أسبقيّة أمام الشركات الأخرى عند استيعابها للتغيّرات في سوق العمل. في حين تتضمّن التحدّيات التمكّن من إدارة التنوّع السلوكي الكبير للعاملين ومراعاة اختلاف القيم والمعتقدات بكفاءة، كما يشكّل التعامل مع المشاكل تعاملًا سليمًا تحدّيًا آخر يواجه المديرين. حصد ميزات التنوع يحدّد شرح الحالة الّي قدمه كلّ من تايلور كوس (Taylor Cox) وستايسي بلايك Stacy Blake كيف يمكن للشركات أن تكسب ميّزة تنافسيّة عبر تبنّي منهجيّة التنوّع في بيئة العمل المؤسساتية. يمكن للشركات أن تحصل على 6 فرص عند سعيها لتأسيس سياسة تقدّر التنوّع، وهذه الفرص الست هي: أفضليّة في التكلفة واستغلال أمثل للموارد وقدرة تسويقيّة أعلى ونظام مرن وتحسين الإبداعية وحلول أفضل للمشاكل (انظر الشكل 5.4). الشكل 5.4 إدارة التنوّع الثقافيّ (حقوق الصورة: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أفضلية التكلفة يحمي القانون الفيدراليّ في الولايات المتحدة العرق والجنس والدين، وغيرها من المعايير الاجتماعية، من العديد من أشكال التمييز في بيئات العمل المختلفة (سنتحدّث عن هذه النقطة في عناوين لاحقة من مقالاتنا). قد تنخفض احتماليّة تعرّض الشركة لدعاوى قضائيّة ضد التمييز إن امتلكت سياسات وإجراءات تشجّع على التناغم وتقبّل التنوّع في بيئة العمل وتحمي الموظّفات النساء والموظّفين من الأقليّات والمتقدّمين للعمل من التمييز والعنصرية والأحكام المسبقة. عرّفت الباحثتان Cox وBlake هذه المنهجيّة على أنها فرصة للمنظّمات لتخفيض النفقات المحتملة مثل تعويضات الدعاوى القضائيّة التي تتكبّدها الشركات التي لا تملك مثل هذه السياسات. كما تمتلك أنّ الشركات الّتي تتقبّل التنوّع ضمن سياساتها معدّلات دوران وظيفيّ أقل عند موظّفييها من الأقليّات. تكلفة الدوران الوظيفيّ (أي تبديل الموظفين باستمرار داخل الشركة) باهظة مع مرور الوقت، ويمكن للشركات تجنّب ذلك عند احتفاظها بموظّفيها من الأقليّات وموظفاتها النساء. بالرغم من ذلك فقد أظهرت بعض الدراسات أنّ الشركات الّتي تقدّر التنوّع لديها معدل دوران وظيفيّ أعلى لدى الموظّفين البيض والذكور مقارنة بالشركات الأقلّ تنوّعًا. يعزو بعض الخبراء ذلك إلى ضعف إدراك هذه الشركات لكيفي إدارة التنوّع بكفاءة. كما تظهر بعض الأبحاث انجذاب البيض ذوي الهويّة العرقيّة القوية إلى المنظمّات المتنوّعة بشكل مشابه لغيرهم من العرقيّات. استغلال الموارد رأس المال البشريّ هو مورد مهمّ للمنظّمات تكتسبه من خلال معرفة ومهارة وقدرات موظّفيها. تجذب المنظّمات الّتي تقدّر التنوّع المزيد من طالبي العمل من الأقليّات ذوي الخبرات المميزة. تظهر الدراسات أنّ النساء والأقليّات يملكون دافعًا أكبر عند البحث عن عمل وانجذابًا أكبر للمنظّمات الّتي تروّج لبيئة عمل متنوعة في حملاتهم التوظيفيّة مقارنةً مع المنظّمات الّتي لا تفعل ذلك. جذب الأقليّات المميّزة يزيد من كمّ المواهب الّتي تستطيع الشركة الاختيار منها عند التوظيف، وبالتالي يُتيح فُرصة تعيين موظّفين مناسبين، وهذا يُكسب الشركة ميّزة تنافسيّة. التسويق عندما توظّف شركة أشخاصًا من خلفيّات مختلفة تكسب منظورًا أوسع عن تفضيلات المستهلكين من ثقافات مختلفة. يمكن للمنظّمات اكتساب معلومات مفيدة اقتراحات بنّاءة من الأسواق المختلفة عن منتجاتها وخدماتها. أيضًا تحسّن الشركات الّتي تقدّر التنوّع من سمعتها في السوق الّذي تخدمه، ما يجلب المزيد من المستهلكين. النظام المرن يتعلّم الموظّفون التفاعل بشكل أفضل مع من يختلفون عنهم بالمعتقد أو القيم أو الدين عند وضعهم في بيئة متنوّعة ثقافيًّا. تؤكّد الباحثتان Cox وBlake على أنّ القدرة على التفاعل مع الأشخاص المغايرين تنمّي مرونة الوعي، وهي القدرة على التفكير حول الأشياء من منظور مختلف وتبنّي وجهات نظر فريدة. عندما يمتلك الموظّفون مرونة الوعي هذه تتطوّر مرونة النظام على مستوى المنظّمة بأكملها. يتعلّم الموظّفون من بعضهم تقبّل الآراء والأفكار الأخرى، ما يسمح بالتواصل بحريّة أكبر، ويغدو التفاعل بين الأفراد أكثر فاعليةً. الإبداع وحل المشاكل تُنتج الفرق ذات الخلفيات الثقافية المتنوعة وجهات نظر متعدّدة قد تقود لأفكار فريدة ومُبتكرة في الشركات. تؤدّي وجهات النظر المختلفة لخيارات أوسع عند مناقشة مشكلة أو قضيّة ما. تختلف خبرة الحياة من شخص لآخر، كما قد تتعلّق خبرة الأفراد بعرقهم أو سنّهم أو جنسهم. يزدهر الإبداع عند مشاركة هذه التجارب. لا تنتج الفرق المتنوّعة بدائل أكثر فحسب، بل تولّد طيفًا أوسع من وجهات النظر التي يمكن استخدامها لمقاربة وحلِّ القضيّة أو المشكلة داخل الشركة. إحدى الطرق الّتي يمكن للفرق المتنوّعة من خلالها أن تحسّن المقدرة على حلّ المشاكل هي منع ظاهرة تُعرف بظاهرة التفكير الجماعيّ، وهو خلل في اتّخاذ القرار يحصل في المجموعات ذات الكيان الواحد (اللون الواحد) نتيجة لضغط الأقران ورغبة أعضاء المجموعة بالحصول على القبول والإجماع. تمنع المجموعات المتنوّعة من حصول هذا بسبب اختلاف الخلفيّات بين الأعضاء، ما يسمح بمناقشة أكبر للأسباب والتوقّعات المناسبة لحل القضايا المؤسساتية المختلفة. توجيه برامج التنوّع بما يخدم الأهداف الاستراتيجية ورسالة المنظمة يساعد التنوّع المنظّمات على تحسين الأداء عندما يكون موجّهًا لاسترتيجيّة عمل معيّنة، على سبيل المثال عندما تستخدم الشركات فرق إدارة متنوّعة موجهّة عبر استراتيجيّة مؤسّساتيّة تركّز على الإبداع، فسوف تزداد إنتاجيّة الشركات بشكل ملحوظ. من جهة أخرى يمتلك التنوّع أثرًا صغيرًا على الإنتاجيّة إن لم يكن موجّهًا بسياسة معيّنة. تتضمّن هذه السياسة التزام الشركة بالإبداع ودعم الأفكار الجديدة. بعبارةٍ أخرى، يمكن للمديرين استغلال وجهات النظر المختلفة الناتجة عن الفرق المتنوّعة عبر استخدامها على أنها اقتراحات إبداعية تضفي نوعًا من التنوّع للمضي قدمًا بسياسة المنظّمةالعامة. استغلال أدوات الموارد البشريّة بشكل استراتيجيّ يجب أن يتمكّن قسم الموارد البشريّة من دمج الموظّفين على مستوى ديناميكيّ وذلك لتوجيه التنوّع بما يخدم سياسة المنظّمة. يمكن لاستخدام منهجيّة استراتيجيّة في إدارة موارد بشريّة أن يساهم في دمج التنوّع بنجاح مع قيم المنظّمة وأهدافها. إدارة الموارد البشريّة الاستراتيجيّة (Strategic Human Resources Management) هو نظام من النشاطات الموجّه لدمج الموظّفين بما يساهم في تحقيق ميّزة تنافسيّة تستفيد منها المنظّمة. تندمج ممارسات SHRM مع رسالة وسياسة المنظّمة ومع نشاطات الموارد البشريّة بمجالات أكثر فعاليّة. يوفّر هذا مجموعة من الموارد المتاحة لاحتياجات محدّدة ضمن المنظّمة. كما أنّ دمج الموارد البشريّة مع عمليّة التخطيط الاستراتيجيّ بدلًا من خدماتها التقليديّة يحسّن من التواصل وتبادل المعلومات والتناغم بين صنّاع القرار، الأمر الذي يحسّن من أداء المؤسسة ككل. استُخدمت النظرة المعتمدة على الموارد في الشركة لدعم فكرة التنوّع، بسبب توضيحها لمقدرة البيئة المتنوّعة على اكتساب ميّزة تنافسيّة مستدامة للمنظّمات. بناءً على هذه النظرة يمكن اكتساب ميّزة تنافسيّة عند امتلاك الشركة لموارد نادرة وقيّمة وغير مستدامة وصعبة التقليد. تعتقد مقاربة (SHRM) أن رأس المال البشريّ -المعرفة والمهارات والقدرات الحاليّة والممكنة للعاملين- أساسيّ في نجاح كلّ شركة واستدامتها وبقائها. إن كان عنصر التنوّع في المؤسسة قليلًا في الشركة فسينخفض احتمال وصول الموظفين من الأقليّات إلى مواضع القيادة. أحد الاستثناءات هي شركة (Northern Trust) لإدارة الاستثمارات (الموضوعة حديثًا على قائمة فوربز 2018 لأفضل الشركات التي وظّفت التنوّع توظيفًا مميّزًا). 38% من مسؤولي هذه الشركة التنفيذيّين هنّ من النساء، وهو أمر مذهل لأنّ هذه النسبة تساوي نسبة النساء طالبات برنامج الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) على مدى السنوات الخمس المنصرمة. كما أنّ تِلك النسبة في شركات S&P 500 (وهو مؤشّر أسهم يشمل عددًا من الشركات الأمريكيّة الرائدة) هي فقط 27%. بالإضافة إلى ذلك شكّل السود 23% من مجلس إدارة هذه الشركة، ما يوضح أيضًا التزامها بالتنوّع. تساعد هذه الدرجة الكبيرة من التنوّع شركة (Northern Trust) في جذب المتقدّمين من النساء والأقليّات، الأمر الذي يزيد من الخيارات المطروحة والمواهب المتاحة لهم لتوظيفها. قد تنتهز الشركات الفرص الّتي يوجدها تنوّع الآراء من العاملين المتنوّعين من أجل حلّ مشكلة أو إيجاد فكرة جديدة. على سبيل المثال يتشارك أشخاص من ثقافات آسيويّة وأمريكيّة جنوبيّة في جلسات جماعيّة، يتشاركون الحوار مع الآخرين حول المهام المختلفة. على نحوٍ مماثل، يعمل السود والهيسبانيّيون باجتماعيّة أكبر من البيض ممّن يميلون للاستقلايّة الفرديّة. يفيد العمل الجماعي المتناغم في زيادة تفاهم الفريق ويحسّن أداءه. كما يتعلّم الموظّفون طرقًا جديدة لأداء مهامهم. يجب أن تمتلك الشركة سياسات موارد بشريّة مميّزة وفريدة من أجل أن تحصل على ميّزة تنافسيّة في سوق العمل. كما سنرى لاحقًا في مقالاتنا، قد تمتلك الشركة أحد ثلاثة محاور حول تنوّع مكان العمل. يؤدّي محور التعلّم والاندماج إلى رفع إنتاجيّة الموظّفين والمنظّمة، لكنّه ليس من السهل طبعًا على المدير إدارة بيئة عمل متنوّعة وتجنّب عقباتها. قد تساهم العوامل التاريخيّة والتعاون بين الوحدات في تمكين المنظّمة من الاستفادة من عنصر التنوّع في بيئة عملها. يمكن إنتاج ودمج أفضل السلوكيّات الّتي تستهدف حل المشاكل انطلاقًا من الاختلافات الثقافيّة بين الموظّفين. لكن أحيانًا يكون مصدر السلوكيّات مجهولًا لأنها تنتج عن التبادل والتعاون بين الأقسام المختلفة (على سبيل المثال تعاون قسمي التسويق والموارد البشريّة لتطوير فكر توظيفيّ جديد) ما يجعل استنساخ هذه العمليّة في نفس الشركة أمرًا صعبًا، ناهيك عن تقليدها من قبل شركة أخرى. التنوع والأداء المؤسساتي تشير الأبحاث حول تأثير التنوّع في المنظّمات على نجاحها، تشير إلى نتائج متضاربة. تظهر بعض الدراسات وجود علاقة إيجابيّة بينهما، في حين تظهر دراسات أخرى عكس ذلك، أمّا البعض الآخر فينفي وجود علاقة بينهما من الأصل. يعتقد بعض الباحثين أن العلاقة قد ترجع لمتغيّرات أخرى لم تكن بالحسبان بالرغم من عدم ثبوتيّة نتائج الأبحاث بخصوص هذه العلاقة. من منظور الموارد يظهر (Richard) وزملاؤه أنّ المؤسّسات المصرفيّة المتنوّعة عرقيًّا التي تركّز على المبادرة شهدت أداءً أفضل من نظيراتها الأقل تنوّعًا. تقترح هذه النتائج أنّه من الواجب على الشركات إدارة مرونة وإبداع ونظام حلّ المشكلات المؤسساتية الخاصّة بها بفعاليّة من أجل تحقيق أفضل استثمار للتنوّع العرقي في بيئة عملها. تظهر دراسات أخرى أن ضمّ النساء في مواقع قياديّة يزيد من مبادرة الإدارة، ما يحسّن من أدائها. ترجمة -وبتصرف- للفصل Diversity and Its Impact on Companies من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: تحديات التنوع والاختلاف في المنظمات المقال السابق: التنوع في المنظمات
  23. سنتابع في سلسلة مقالاتنا عن السلوك التنظيمي في بابٍ جديد سنتطرّق فيه إلى التنوّع في المنظّمات وما ينضوي تحت هذا العنوان من مفاهيم أساسية تشمل كلًّا من مفهوم التنوّع وكيف يؤثر على الشركات والقوة العاملة، بالإضافة إلى مشاكل التمييز في العمل وتداعيات ذلك على الفئات الاجتماعية، وسنستعرض أيضًا النظريات الأساسية التي تساعد المديرين على فهم إدارة التنوّع في القوة العاملة، وسنستهل مقالنا بمفهوم التنوّع في المؤسسات. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية د. تامارا جونسون Tamara Johnson، مستشارة مساعدة في المساواة والتنوّع والإدماج لدى جامعة Wisconsin-Eau Claire. تشغل د.تامارا منصب مستشارة في المساواة والتنوّع والدمج في جامعة (ويسكنسون)، وتتضمّن مهمّتها إدارة وتنظيم مُختلف الفئات ضمن الحرم الجامعي بحيث تُحافظ على سيرٍ منظّمٍ ومُمنهجٍ دون أي تحيّز يخرج عن رسالة المساواة والتنوّع التي تتبنّاها الجامعة في مجتمعها. تشرف د. تامارا على: برنامج العمل الإيجابيّ Affirmative Action (قانون ينصّ على أنّ جميع فئات المجتمع من الأقليّات يجب أن تكون ممثلّة عند الالتحاق الوظيفيّ أو الجامعيّ) برنامج Blugold Beginnings قبل الجامعيّ (برنامج يعمل على تشيج وتثقيف الطلاب من الأقليّات). مركز الموارد القائمة على الجنس والنوع الاجتماعيّ. مكتب العلاقات الثقافيّة. برنامج Ronald E. McNair (مؤسسة تعليمية أمريكية مسؤولة عن توفير مبادرات أو منح لرسالات الدكتوراه للطلاب اللذين ينتمون إلى أقليّة معيّنة في المجتمع). خدمات الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصّة. شرطة الجامعة. وحدات Upward Bound (برنامج يوفّر دعمًا للمشاركين فيه عند الدخول للحياة الجامعيّة). كما تقود مبادرات على كامل نطاق الحرم الجامعيّ لتثقيف وتدريب الطلاب والموظّفين حول الوعيّ الثقافيّ والتنوّع والمساواة المؤسساتيّة. بدأت رحلة د. تامارا في منصبها الحالي منذ أكثر من 20 سنة عندما عملت مستشارةً لمكتب شؤون الطلاب متعدّدي الثقافات في جامعة إلينوي . وكان منصبها هذا بداية عملها في الخدمات الجامعيّة. عملت د. تامارا بعد ذلك مديرة مساعدة لخدمات توظيف الجامعة في جامعة (إلينوي)، وبعد ذلك مديرة لشؤون الطلاب متعدّدي الثقافات في جامعة (نورث ويسترن)، ومن ثمّ مديرة مبادرات التنوّع في الكليّة في جامعة (شيكاغو). كما كانت مدرّسة مستشارة لمقرّرات جامعيّة لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في جامعة شيكاغو لعلم النفس، وجامعة (أرجوسي Argosy) وجامعة (نورث وسترن). يتضمّن عمل د.تامارا في جامعة (Wisconsin-Eau Claire) تطوير برنامجًا لضمان تلقّي كل العاملين تدريبًا أساسيًّا عن التنوّع. كما تشمل أهدافها تضمين معيار التنوّع في برامج التقييم المتّبعة في الجامعة. تسعى أيضًا لرفع الوعي حول التحدّيات الّتي يواجهها الطلّاب من الفئات الأقل تمثيلًا. والفئات المعنيّة بذلك هم القادمون من خلفيات ذات مستوى ماديٍّ أدنى أو من أعراق مختلفة. تتفهّم د.تامارا أهميّة تأسيس مبادرات تدعم أفراد هذه الفئات وتسهم في طرح مشكلاتهم وحلّها بمختلف الطُرق. ستتعلم في هذا المقال، عندما يؤسّس القادة مناخًا داعمًا وشاملًا يُقدّر التنوّع، فإنّ الفوائد الناتجة تفيد المنظمّات وإنتاجيّتها. مقدمة عن التنوع في مكان العمل يعني التنوّع وجود اختلافات في الهويّة بين شخصين أو أكثر بحيث تؤثّر على حياتهم المهنية كونهم موظّفين أو متقدّمين أو زبائن. تتضمّن هذه الاختلافات في الهويّة كلًّا من العرق والإثنيّة والجنس والعمر. يُشار إلى المجموعات المبنيّة على هذه الاختلافات في المجتمع باسم جماعات الهويّة. هذه الاختلافات تتعلّق بنواحٍ مختلفة مثل التمييز والتفاوتات بين الفئات في مجالات التعليم والسكن والرعاية الصحّيّة والتوظيف. يُستخدم مصطلح إدارة التنوّع بشكل واسع للإشارة إلى الطرق الّتي يمكن للمنظمّات أن تتّبعها لتضمن أن أفراد هذه الفئات يُعاملون ويُقدّرون بشكل كافٍ ومتساوٍ ضمن قطاعات المؤسّسة من جميع النواحي مثل التوظيف والتعويضات وتقييم الأداء ونشاطات خدمة الزبائن. يُستخدم مصطلح تقدير التنوّع عادةً لتوضيح الطرق الّتي يمكن للمنظّمات من خلالها إظهار تقديرها للتنوّع لدى موظّفيها والمتقدمين لها وزبائنها. في حين يمثل مصطلح الدمج، الذي يشير إلى مدى تقبّل الموظفين ومعاملتهم بعدل في شركاتهم، يمثّل إحدى الطرق الّتي تُظهر من خلالها الشركات تقديرهم للتنوّع. تستدعي بيئة العمل المتغيّرة فهمًا أوسع للتنوّع في المنظّمات ما يساعدها على المضيّ نحو قوّة عاملة أكثر اندماجًا وأوسع تمثيلًا. تتواجد ثلاثة أنواع من التنوّع في مكان العمل (انظر الجدول 5.1). يمثّل المستوى السطحيّ من التنوع خاصّيّات فرديّة واضحة، مثل: العمر وحجم الجسم والاحتياجات الخاصّة والعرق والجنس وغيرها أيضًا. تُعرف مجموعة الأفراد الذين يختلفون في هذه الصفات بجماعة الهويّة.. يتضمّن المستوى العميق من التنوّع خصائص لا يمكن ملاحظتها مباشرةً مثل السلوك والتقدير والمعتقدات. يتضمّن التنوّع الخفيّ خصائص من المستوى العميق قد تكون مخفيّة أو مكشوفة لدى الأشخاص الذين يملكونها. تُدعى هذه الخصائص الخفية بالهويّات الاجتماعيّة غير المرئيّة، وهي قد تتضمّن احتياجات خاصّة مخفيّة (مثل الأمراض النفسيّة أو الأمراض المزمنة التي لا يرغب الفرد بكشفها للآخرين) والتراث العرقيّ المختلط والمستوى الاجتماعيّ الاقتصاديّ المتباين. يتقصّى الباحثون أشكال التنوّع هذه للوصول لفهم أفضل يساعد المديرين على تمهيد عقبات التنوّع والاستفادة من فوائده. أشكال التنوّع المستوى السطحيّ من التنوع تمشل الصفات والخصائص المتنوّعة الواضحة والمرئية في الأفراد، مثل العمر وحجم الجسم والعرق والاحتياجات الخاصّة والجنس وغيرها كذلك. المستوى العميق من التنوّع ويشمل الخصائص والصفات التي لا يُمكن ملاحظتها بشكل مباشر، مثل السلوك والقيم والمعتقدات والأديان. التنوّع الخفيّ يشمل هذا التنوّع الصفات والخصائص وحتى الميول العميقة للفرد التي لا يمكن ملاحظتها والتي لا تظهر إلا برغبة الفرد، مثل الميول أو التحيّزات العنصرية.. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الجدول 5.1 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). التنوع والقوة العاملة في عام في 1997 في الولايات المتحدة الأمريكية قدّر الباحثون أنّه وبحلول عام 2020 سيكون 14% من القوّة العاملة من العرق اللاتينيّ و11% من العرق الأسود و6% من العرق الآسيويّ (انظر الشكل 5.1). أدّى ازدياد مشاركة الاقليّات العرقيّة خلال الأعوام العشرين الماضية في الأعمال المختلفة إلى تجاوز أغلب هذه التوقّعات عام 2016 بنسبة 17% للعرق اللاتينيّ و12% للعرق الأسود و6% للعرق الآسيوي. شكّل مجموع المنتمين لفئات الهنود الحمر والسكّان الأصليّين من ألاسكا وهاواي وغيرهم من سكان جزر المحيط الهادئ ما تجاوز قليلّا 1% من مجموع العاملين، في حين تجاوزت نسبة العاملين المنتمين لعرقين أو أكثر 2%. شكّلت نسبة النساء تقريبًا 47% مقارنةً مع 53% تقريبًا للرجال. كما ارتفع متوسط عمر العاملين بسبب ازدياد عدد المتقاعدين في سنّ متأخّرة. لا تزال الأغلبية هي من العرق الأبيض بنسبة 78%، ولكن على الرغم من ذلك يزداد التنوّع في القوّة العاملة الأمريكيّة شيئًا فشيئًا؛ ما يشكّل المزيد من الفرص والتحدّيات للشركات. هذه التغيّرات الديموغرافيّة في سوق العمل تؤثّر على القوّة العاملة بعدّة طرق، بسبب ازدياد عدد العاملين المختلفين في جنسهم وعرقهم وجنسّياتهم واحتياجاتهم الخاصّة. الشكل 5.1 توزّع القوّة العاملة بالمقارنة مع العرق (حقوق الصورة: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). الجنس تزداد مشاركة النساء في سوق العمل شيئًا فشيئًا، فقد انخفضت نسبة مشاركة الرجال من 59% في عام 1977 إلى 53% في وقتنا الراهن، ومن المتوقّع أن تستمر بالانخفاض لتصل إلى 52% في عام 2024. ففي حين تنخفض نسب مشاركة الرجال باستمرار، تستمر معدّلات مشاركة النساء في سوق العمل بالارتفاع. كما يمكننا أن نلاحظ من الشكل 5.2 كيف ارتفعت نسبة مشاركة النساء بين أعوام 1977 و2017. ما زالت النساء يواجهن صعوبات عديدة في العمل، وذلك على الرغم من انخراط المزيد منهنّ في سوق العمل وحصول المزيد منهنّ على درجات علميّة أعلى من الرجال. يمثّل شحّ فرص التقدّم الوظيفيّ للنساء المؤهلّات أحد العقبات الرئيسيّة الّتي تواجهها النساء، ويُطلق على هذا الشح مصطلح السقف الزجاجي، وهو حاجز وهمي مبنيّ على المعتقدات السابقة المجحفة، وهو القاعدة الّتي تستند عليها قرارات العديد من المؤسّسات اليوم، والّتي تمنع النساء من تجاوز مستويّات وظيفيّة محدّدة. بالإضافة إلى ذلك تواجه النساء -في الشركات الّتي يسيطر فيها الرجال على مراكز السلطة ونقاط التحكّم وصنع القرار داخل الشركة- صعوبةً في إيجاد مشرفين مناسبين يوجّهوهن أثناء العمل، وهذا أساسيٌّ لمقدرتهنّ على التواصل الفعّال مع زملاء العمل وإدراك فرصهنّ الوظيفيّة واستغلالها استغلالًا جيّدًا. يمكن للشركات أن تتجاوز هذا عبر توفير مشرف مناسب لكلّ الموظّفين الجدد. سياسةٌ كهذه تبني بيئة عمل متكافئًا لكل الموظّفين الجدد ليتمكّنوا من التواصل الفعّال والعمل المثمر داخل هيكلية الشركة. الشكل 5.2 توزّع القوّة العاملة بالمقارنة مع الجنس (حقوق الصورة: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). أحد العوامل المؤثّرة بشدّة على النساء في المنظّمات هو المضايقة الجنسيّة (sexual harassment). تنقسم المضايقة الجنسيّة إلى شكلين يمكن ملاحظتهما في العمل وهما المبادلة (أو ما يُعرف بمصطلح quid pro quo) والبيئة المعادية ( وتُعرف بمصطلح hostile environment). أما الشكل الأول فهو يشير إلى تبادل المنافع مقابل الخدمات الجنسيّة أو العقوبات مقابل رفض هذه الخدمات، في حين تشير المُضايقات ،الّتي تولّد بيئة عملٍ عدائيّة، إلى التصرّفات السلبية التي تجعل من بيئة العمل بيئةً سلبيّة وعدائيّة. مثال على حالات المضايقة الجنسيّة "المبادلة" هو عقاب أحد الموظفّين (مثل تخفيض رتبته أو نقله لقسم آخر) بسبب رفضه الاستجابة للمُضايقات والطلبات الجنسيّة المتكرّرة. وتشكلّ النكات البذيئة عن موظّف ما، أو نشر صُور إباحيّة في العمل، أو إطلاق تعليقات مُهينة، تشكّل أمثلةً على بيئة العمل المعادية. تُعرّف المضايقة الجنسيّة، تبعًا للجنة تكافؤ فرص العمل (Equal Employment Opportunity Commission)- بأنّها "مبادرات جنسيّة غير مرغوبة، وطلب خدمات جنسيّة ومضايقات جسديّة أو لفظيّة ذات طابع جنسيّ. كما تشمل التعليقات المهينة حول جنس العامل." وبالرغم من أنّ كلا الجنسين معرّضين للمضايقات الجنسيّة، إلّا أنّ هذه المضايقات أكثر ما تحدث مع النساء العاملات كما أنّ الأقليّات العرقيّة من النساء والرجال السود معرّضون لها. من مصلحة المنظّمات أن تمنع حدوث المضايقات الجنسيّة بين موظّفيها. بإمكان المؤسسات حلّ هذه المشكلة عبر التدريبات المستمرة (السنويّة مثلًا) الّتي تُمكّن العاملين من تمييز المضايقة الجنسيّة والتعرّف عليها وحتى التبليغ عنها. يجب أن يتعلّم الموظّفون التمييز بين التصرّفات المقبولة وتِلك التي تحمل غير المقبولة والتي تحمل طابعًا مُزعجًا وعدائيًّا.، بالإضافة إلى كيفية التبليغ عند حصول مثل هذه التصرّفات. على المديرين أن يفهموا دورهم ومسؤوليّاتهم تجاه منع حدوث مثل هذه المضايقات الجنسيّة في مؤسساتهم، لذا يجب مشاركة سياسة واضحة تكون مسؤولة عن تحقيق هذا الهدف في الشركة. في الواقع إن الإنكار لا يقتصر فقط على التمييز على أساس الجنس، بل إن التمييز والإساءة على أساس بعض الأوضاع الصحية الخاصّة مخالفٌ للقانون أيضًا. على الرغم من امتلاك المؤسسات سياسات مختلفة فيما يخص الإجازات الأبويّة وإجازات الأمومة، إلا أنه من الواجب عليها أن تلتزم بمعايير قانون التمييز على أساس الحمل (Pregnancy Discrimination Act) ووثيقة الإجازة الصحّيّة (Medical Leave Act). العرق من العوامل الديموغرافية المهمة الأخرى في توزّع القوّة العاملة هو العرق. تستمرّ نسبة العاملين البيض غير اللاتينيّين بالانخفاض، في حين ترتفع نسب الأقلّيّات العرقيّة. العرق اللاتينيّ والآسيويّ بالتحديد يرتفعان بمعدّل أسرع من أي أقلّيّة عرقيّة أخرى. حيث يُتوقّع أن تشكّل اليد العاملة اللاتينيّة خُمس القوّة العاملة في الولايات المتّحدة بحلول عام 2024. التغيّرات المتوقّعة في توزّع القوّة العاملة بين عامي 2014 و2024 هي كالتالي: ستنخفض نسبة البيض غير اللاتينيّين بمقدار 3%. في حين سترتفع نسبة السود إلى 10.1% واللاتينيّين إلى 28% والآسيويّين إلى 32.2% والأعراق الأخرى إلى 22.2% (مثل متعدّدي الأعراق والهنود الحمر والسكّان الأصليّين في ألاسكا وهاواي وغيرها). يجب على المديرين مع هذا التغيّر المستمر في القوى العاملة أن يصبحوا أكثر وعيًا للمشاكل الخاصّة بالعرق والانتماء الّتي تواجه موظّفيهم، مثل المضايقات والتمييز والتنميط والتعامل المختلف معهم من قبل زملائهم والمُشرفين عليهم في شركاتهم. (ملاحظة: نستخدم مصطلح "السود" حسب تعريف مكتب الإحصاء الأمريكيّ U.S Census Bureau حيث يشير هذا المصطلح إلى المقيمين الأمريكيّين من الأصول الإفريقيّة. كما نستخدم مصطلح اللاتينيّين/الهسبانيّين حسب تعريف المكتب ذاته للدلالة على الناس من أصول مكسيكيّة أو كوبيّة أو أمريكيّة جنوبيّة أو وسطى، أو أيّ بلد إفريقي ذي ثقافة إسبانيّة.) التمييز ضد الموظفين السود يُعد التميّيز العرقيّ أكثر أنواع التمييز انتشارًا. بالرغم من أنّ السود لا يشكّلون المجموعة الكبرى من الأقلّيات العرقيّة في القوّة العاملة، إلا أنهم معرّضون أكثر للتميّيز العرقي من باقي المجموعات العرقيّة. في الحقيقة يعتقد بعض الخبراء أنّ التمييز ضد السود في التوظيف لم ينخفض خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، في حين أنّها انخفضت ضد باقي المجموعات العرقيّة. مثال من أرض الواقع: التمييز في الاقتصاد التشاركي AirbnbWhileBlack تم تأسيس موقع (Airbnb) الشهير لمشاركة المنازل في عام 2008 في سان فرانسيسكو. يعرض الموقع ملايين المنازل للتأجير قصير المدّة في أكثر من 190 دولة. أحدثت هذه الشركة ثورة في الاقتصاد التشاركيّ تشبه إلى حدٍّ ما الثورة الّتي أحدثتها شركات مثل (Uber) و(Lyft) في خدمات النقل التشاركيّ. ووفقًا لموقع (Airbnb) فقد رفعت هذه الخدمة من المستوى المعيشييّ لكلّ من المؤجِّرين والمستأجرين. كما ساهمت في خفض تكاليف المعيشة للمسافرين وفقًا لبيانات الموقع الرسميّة. يؤمّن الموقع أيضًا تجارب مميّزة للمسافرين المغامرين الراغبين في الحصول على تجربة مختلفة. تدّعي المنظّمة أيضًا أنّ أغلب مستخدميها يهدفون لرفع مدخولهم عبر تأجير غرف في منازلهم أو تأجير المنزل بأكمله أحيانًا. ووفقًا لبيانات الموقع نفسها فإنّ أغلب الأماكن المعروضة على الموقع تؤجّر بمعدّل أقل من 50 ليلة سنويًّا. على الرغم من الإعلانات التي تصدّرها شركة Airbnb للرأي العام والتي تُظهر فيها رسالتها السامية والخلوقة، إلا أن الشركة وُضعت تحت مراقبة حثيثة عام 2016 عندما أظهرت تقارير مستقلّة أصدرها باحثون وصحفيّون حقيقة صادمة مفادها أن أغلب المؤجِّرين استخدموا خدمة (Airbnb) لتأجير أملاكهم بشكل متقطّع، ولكن عددًا كبير من المُضيفين استغلّ خدمة التأجير التي قدمتها الشركة كأنها فندق. حيث اشترى هؤلاء المُضيفين الكثير من الأملاك وأجّروها بشكل مستمر مثل غرف الفنادق تمامًا (غير أنها ليست بفنادق قانونية)، ممّا أثّر على توفّر السكن في المدن بسبب كون هذه الأملاك غير مسجّلة على أنّها فنادق بشكل رسميّ؛ ما جعلّها قادرة على تجنّب دفع الضرائب المفروضة على الفنادق والحياد عن الالتزام بالقوانين الفندقيّة. ينصُّ القسم الثاني من قانون الحقوق المدنيّة الصادر عام 1964 في الولايات المتّحدة على وجوب عدم التمييز على أساس العرق أو الجنسيّة أو الجنس في خدمات الإقامة مثل الفنادق. كما نصّ القسم السابع من قانون الحقوق المدنيّة الصادر عام 1968 (المعروف باسم قانون الاستضافة العادلة Fair Housing Act FHA) على حظر التمييز وخاصّة في مجال الاستضافة. لكنّ الهيكلية التنظيمية وأسس عمل شركة (Airbnb) المميّزة سمحت لها بالالتفاف حول هذه القوانين. تدّعي الشركة أيضًا أنّها تحفّز المستضيفين لديها على اتّباع القوانين الفيدراليّة، ولكنّها في ذات الوقت غير مسؤولة عن اختراق عملائها لهذه القوانين. أجرى الباحث بن إدلمان (Ben Edelman) عام 2017 تجربة وجد فيها أنّ مستخدمي (Airbnb) الذي يسعون لاستئجار منزل كانوا أقلّ احتمالًا لقبول طلبهم بنسبة 16% إن كانت أسماؤهم على التطبيق تبدو من أصولٍ إفريقيّة مثل تاميكا دارنيل ورشيد. هذه الاكتشافات مترافةً مع حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ تحمل شعار يشير إلى عنصرية الشركة (AirbnbWhileBlack)، ادّعى فيها مستخدمو هذا الشعار رفض طلباتهم على الموقع بسبب تحيّزات عرقيّة تجاههم ، وعلى إثر ذلك حرّض مكتب ولاية كاليفورنيا للإسكان والتوظيف العادل (California’s Dep. of Fair Employment and Housing تختصر إلى DFEH) على تقديم شكوى ضدّ الشركة. حاولت Airbnb معالجة شكاوى التبليغ عن طريق حظرها للمستضيفين الّذين اكتشفت قيامهم بإجراءات تمييزيّة عنصريّة خلال استخدامهم للموقع. كما وظّفت الشركة المدّعي العام الأمريكيّ السابق (Eric Holder) ومسؤولة الاتحاد الأمريكي للدفاع عن الحريات المدنية (ACLU) السابقة (Laura Murphy) للتحقيق حول ادّعاءات العنصرية والتمييز ضد عملاء الشركة. أصدرت الشركة عام 2016 بيانًا وضّحت فيه التغيّرات الّتي اتّخذتها في سلوك الشركة وممارساتها لمحاربة مظاهر التمييز العنصري المختلفة، ومع ذلك فإن الشركة رفضت في بداية المطاف طلب مكتب (DEFH) بوضع خطط عمليّة حقيقية تعكس هذه التغييرات، ولكنها وافقت في النهاية على إجراء تدقيق على ما يقارب 6,000 مستضيف في كاليفورنيا والّذين كانوا يمتلكون أكبر عدد من الممتلكات المسجّلة على الموقع. في الوقت الحاليّ يمتلك الرجال البيض نسبة أكبر في سوق العمل من الرجال السود. وتمتلك النساء السود نسبة أعلى قليلًا من النساء البيض. وبالرغم من ازدياد نسبة التعليم والتوظيف لدى السود لكنّهم يبقون أكثر فرصةً للبقاء عاطلين عن العمل نسبةً للبيض حتى عندما يكون البيض أقلّ تعليمً، أو ذوي سجلٍّ إجراميٍّ. يتعرض السود بشكل متكرّر للتمييز في مكان العمل بالرغم من التشريعات الكثيرة الّتي تمنع حدوث ذلك. أظهرت الأبحاث أنّ التنميط والأحكام المسبقة قد تسبّب منع السود من الحصول على فرص التوظيف مقارنةً بالبيض المكافئين لهم بالمؤهّلات. تقدّر الإحصائيات أن 25% من الأعمال في الولايات المتحدة لا تحتوي على موظّفين من الأقليّات.، في حين أن 25% أخرى من الأعمال لديها أقلّ من 10% من العاملين من الأقليّات. أظهرت البحوث بخصوص الموظّفين السود أنّ المديرين -بغض النظر عن عرقهم- يميلون لإعطاء تقييماتٍ أعلى للموظّفين المشابهين لهم بالعرق. وبسبب كون المديرين البيض يمتلكون فُرصًا أكبر ليصبحوا إداريين فإن هذا يؤثّر أيضًا على فُرص الترقية واستحقاق مناصب إدارية لدى السود. يُوظّف السود في الوظائف الأدنى مستوى بمعدّل أكبر، وهذه الوظائف لا تفسح مجالًا للنموّ والتقدّم الوظيفيّ ويكون دخلها أقلّ. هذه التجارب التوظيفيّة السلبيّة تؤثّر على الصحّة الجسديّة والنفسيّة للموظّفين السود. اللاتينيون/الهسبانيون الفئة اللاتينيّية هي ثاني أسرع الفئات نموًّا في سوق العمل الأمريكيّ بعد الفئة الآسيويّة. حيث يشكّلون 17% من القوى العاملة. بالرغم من كونهم يملكون أعلى نسبة مشاركة في سوق العمل الأمريكيّ من بين كلّ الأقليّات العرقيّة، إلا أنهم لا يزالون يواجهون التمييز والمضايقة مثل غيرهم من باقي الفئات الأقليّة. الهيسبانيّون قد ينتمون لأيّ عرق. في الحقيقة يزداد عدد الهيسبانيّين الذين يصنّفون أنفسهم على أنّهم بيض تزايدًا مستمرًا، بحلول عام 2004 صنّف حوالي نصف الهيسبانيّين أنفسهم على أنهم من فئة البيض، بينما صنّف النصف الآخر أنفسهم بأنّهم "عرقٌ آخر". في الوقت الراهن وبعد أكثر من 10 أعوام 66% من الهسبانيين يصنّفون أنفسهم بيض وفقط 26% يرون أنفسهم "عرقًا آخر". المتبقّون (حوالي 7%) يرون أنفسهم سود أو هنود حمر أو آسيويّين أو سكّانًا أصليّين من ألاسكا أو هاواي أو جزر أخرى في المحيط الهادي. قد يتبادر لأذهاننا لِمَ يرى أشخاص من الأقليّات أنفسهم ينتمون إلى العرق الأبيض؟ وجدت دراسة من معهد PEW أنّ العائلات الهسبانية الّتي تعيش لمدّة أطول في الولايات المتّحدة تميل إلى التصريح بأنهم ينتمون إلى العرق الأبيض حتى وإن لم يعترفوا من قبل بهذا. وهذا يقترح أن التقدّم ونظام الحياة الأميركيّ يبدو لبعض الهيسبانيّين أنه يجعلهم أكثر ميلًا للعرق الأبيض. والجدير بالذكر أن الإحصائيات أظهرت أن الهيسبانيّين الّذين يعرّفون أنفسهم على أنّهم بيض يسجّلون معدّلات تعليم ورواتب أعلى ومعدّلات بطالة أقل. بالإضافة إلى ذلك صرّح 29% فقط من الهيسبانيّين المشمولين بدراسة PEW أنهم يمتلكون ثقافة مشتركة مع باقي أبناء عرقهم. وفقًا لمركز أبحاث PEW فإن سبب هذه النتائج يعود إلى أن العرق الهيسبانيّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة يتألف من ما يزيد على 14 مجموعة عرقيّة هيسبانيّة مختلفة الأصل (المكسيكيّون والكوبيّون والإسبانيّون وغيرهم). كلّ من هذه المجموعات تمتلك ثقافتها الخاصّة مع ملابس وقيم وعادات فريدة. هذه الاختلافات الثقافيّة بين المجموعات الهيسبانيّة بالإضافة إلى اختلاف الأفراد في تعريف ذاتهم إثنيًّا قد تؤثّر على سلوكم تجاه بيئة عملهم. على سبيل المثال وجدت إحدى الدراسات أنّ معدّلات التغيّب عن العمل بين السود تعلّقت بمستوى سياسات التنوّع والأنشطة الموجودة في المنظّمة، في حين كان معدلّات التغيّب بين الهيسبانيّين مشابهة لها عند البيض وغير متعلّقة بسياسات التنوّع. تقترح نتائج هذه الدراسة حاجة المديرين لوعيٍ أكبر عن أثر التنوّع على مكان عملهم، وفهم الاختلاف بين الهيسبانيّين والأعراق الأخرى في تعريف الذات من أجل تطبيق أفضل لسياسات التنوّع. الآسيويون والأمريكيون الآسيويون هذه الفئة هي الأسرع نموًّا في سوق العمل الأمريكيّة، بمعدّل 72% بين عامَي 2000 و2015. تجني العائلاتالّتي يعولها فردٌ من هذه الفئة مالًا أكثر كما أنّها أكثر احتمالًا لأن تمتلك أفرادً لديهم شهادة جامعيّة، كلّ ذلك بالموازنة مع باقي السكّان الأمريكيّين عامّةً. على أيّة حال يتنوّع مدخول هذه الأسر بين المجموعات التسع عشرة المشكلّة للعرق الآسيويّ في الولايات المتّحدة. يتعرّض الآسيويّون للتنميط والتمييز في العمل كغيرهم من الأقليّات. تظهر وسائل الإعلام الآسيويّين للمجتمع على أنّهم ضعيفون في اللغة الإنجليزيّة، متعلّمون وأقوياء في الرياضيّات وذوي فكرٍ تحليلي فريد. تُصوّر النساء الآسيويّات غالبًا على أنهن ضعيفات ومُنصاعات. تصوير النساء من الأقليّة الآسيويّة أو غيرها على أنّهن غريبات يساهم في تقارير المضايقات الجنسيّة من نساء الأقلّيّات العرقيّة. خرافة الأقليّة القدوة هي انعكاسٌ عن تصوير الآسيويّين والأمريكيّين الآسيويّين بصورة نمطية على أنّهم "ناجحون" و"حازمون" عكس الصورة النمطيّة السلبية عن باقي الأقليّات مثل "الكسل" و"التمرّد". بالمقابل، تُصوّر النساء الآسيويّات على أنّهنّ "مطيعات" و"غريبات" مقارنة بالصورة النمطيّة للنساء البيض والتي تُظهرهن على أنهن "مستقلّات" و"نقيّات". تستخدم هذه الصور النطميّة والأحكام المُسبقة لتبرير الظلم الواقع ضمن الأقليّات العرقيّة، كما تستخدم لبناء حواجز أمام وصول الآسيويّين إلى مناصب إدارية بارزة حيث يتمّ توجيههم ووضعهم في أماكن عمل بعيدة اجتماعيًّا وإداريًا "خلف الستار" بحيث يكونون أقلّ انخراطًا مع الآخرين. التنميط هذا يوقع النساء الآسيويّات أيضًا في أدوار خاضعة في المنظّمات. كلّ هذا يُصعّب، على الرجال والنساء من العرق الآسيوي، اللحاق بالتقدّم الوظيفيّ للبيض. متعددو الأعراق على الرغم من تقدير المكتب الأمريكيّ للإحصاء أن حوالي 2% من السكّان يصفون أنفسهم على أنّهم متعدّدو العرقيّة، إلا أن مركز PEW للأبحاث يقدّر أنّ الرقم أعلى في الحقيقة ويصلّ حتّى 7%. يرجع هذا لتصنيف الأفراد أنفسهم على أنّهم ينتمون لعرق معيّن رغم كون أبويهم ينتمون لأكثر من فئة عرقية. ومما يزيد من تعقيد عمليّة جمع البيانات هذه، هو تبدّل الهويّة العرقيّة للأشخاص على مرّ الزمن، بسبب كون هذه الهويّة غير قائمة بالضرورة على ثقافة أو بلد مشترَكَين كما هو الحال في الإثنيّة. نتيجةً لذلك اعترف الأشخاص الذين يمكن تصنيفهم تحت فئة متعددي الأعراق (كما الهيسبانيّون) بتغييرهم هويّتهم العرقية خلال حياتهم عدّة مرّات، بل وحتّى أن بعضهم لجأ لتغييرها لموقف معيّن حدث معه. حتّى 30% من المشمولين بإحصائيّة PEW قالوا بأنّهم ترددوا بين عدّ أنفسهم متعدّدي العرق وبين نسب أنفسهم لعرق واحد. كما أظهر المشاركون تبدّلًا في توقيت هذه التنقّلات "العرقية" خلال حياتهم. على الرغم من ارتفاع الولادات بين متعدّدي الأعراق عشرة أضعاف ما بين 1970 و2013، إلا أنه لا تزال نسبتهم في القوى العاملة 2% فقط. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الأشخاص متعدّدو الأعراق من خلفيّة بيضاء يُعَدّون من الأقليّات ما لم يُصنّفوا أنفسهم عرقيًّا على أنهم بيض فقط، ويتعرّض حوالي 56% منهم لنكات ومضايقات عنصريَة جارحة. تتغيّر نسبة التمييز عند الدخول أكثر في تفاصيل الأعراق ضمن المجموعات المتعدّدة العرقيّة، فعلى سبيل المثال يسجّل الهنود السود أعلى معدّل من تقارير التمييز في حين يسجَّل الأسيويّون البيض المعدل الأقل بين هذه الفئات. يمكن أن يُخطأ في تمييز عرق الموظّفين متعدّدي الأعراق على أنهم من عرق معيّن في العمل (بسبب تعددهم العرقي). إن كانت هويّتهم العرقيّة المختلطة ظاهرة للعيان فقد يختبرون معاملة مختلفة سلبيّة. أحيانًا لا يتمّ تعريفهم على إحدى الفئات الّتي ينتمون إليها وحينها يكونون عرضةً لتعليقات استخفافيّة من زملائهم حول عرقهم، ما يمكن أن يكون مثبّطًا للمعنويّات، ويؤدي إلى إضعاف أواصر التعاون داخل هيكلية المنظّمة. مجموعات أخرى يعرّف حوالي 1% من القوّة العاملة أنفسهم على أنهم هنود حمر أو سكّان أصليّين من ألاسكا أو هاواي أو جزر أخرى في المحيط الهادي أو من عرق آخر. العمر توزيع العمر في القوّة العاملة لمنظمّة ما هو عامل مهمّ للتنوّع في مكان العمل، سيّما عندما يتقدّم موظفو الشركة في العمر. يتقدّم المجتمع في السنّ عمومًا بسبب تقدّم جيل (Baby boomer) في العمر (الجيل المولود بين عامي 1946 و1964) وبسبب نقصان معدّل الولادات وازدياد العمر المتوقّع للحياة بفضل التقدّم الطبّيّ واتساع رقعة الرعاية الصحّيّة. يؤدّي ما سبق لبقاء بعض الموظّفين في العمل ما بعد عمر التقاعد (65 سنة) ويعملون لسنوات أكثر من الأجيال السابقة لتأمين تكاليف معيشتهم. يوازن الشكل 5.3 نسبة السكّان فوق سنّ 65 مع السكّان دون سنّ 18 بين عامَي 2010 و2016. عدد الأشخاص الأكبر سنًّا ازداد ويُتوقَّع وصوله إلى 20.6% بحلول عام 2030 في حين سينخفض عدد الأشخاص دون سنّ 18 بثبات خلال هذه المدّة. تشير هذه الأرقام إلى وجود موظّفي متنوّعي الأعمار في الشركات بشكل متزايد ما يُوجِد صعوبة أكبر في إدارة التفاعل بين الأجيال. على رغم من أن العمّال الموظفين الأكبر سنًّا مناسبين ومريحين في التعامل، إلا أنه عادةً ما يعانون من تنميط وأحكام مسبقة من قبل بعض الموظّفين على أنّهم غير كفوئين وأقلّ رغبةً في التعلّم مقارنةً مع زملائهم الأصغر عمرًا. كما وجدت الدراسات ما يدعم فكرة التأثير السلبيّ للعمر على الإدراك. على أيّة حال، إن عرض المديرين فرصًا أقل للعمّال الأكبر سنًّا بسبب تراجع إدراكهم فقط قد يؤدي إلى تراجع الأداء وإنتاجية الشركة بسبب تفوّق العمّال الأكبر سنًّا على الأصغر سنًّا في بعض المجالات. يؤدّي العمّال الأكثر سنًّا غالبًا أداءً أعلى كما يتّبعون معايير السلامة اتّبباعًا أفضل. كما أنّهم أقلّ احتمالًا للتغيّب عن العمل أو التباطؤ في العمل مقارنةً بزملائهم الأصغر سنًّا. الشكل 5.3 التغيّر في التعداد لسكّانيّ الأمريكيّ تبعًا للعمر (حقوق الصورة: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0). إدارة التغيير: التوظيف الأعمى تختبر المزيد من الشركات طريقة جديدة ومبتكرة في التوظيف. التوظيف الأعمى هو عمليّة تُمكّن الشركات من إزالة أيّ معلومات تميّز هويّة المتقدّمين خلال عمليّة التوظيف. مثال على ذلك استخدام استمارات تُحذف فيها الخانات التعريفيّة مثل الاسم والعمر والجنس. تمكّنت بعض الشركات مثل جوجل، باستخدمات تقنيّات مُحوسبة، من تطبيق إحصائيّة على المتقدّمين مجهولي الهويّة تقيس مقدرتهم على أداء العمل المطلوب منهم قبل انتقاء من سيتسمرّ للمرحلة التالية من عمليّة التوظيف. يمكن للشركات الطلب من المتقدّمين إزالة الحقول التعريفيّة من سيرهم الذاتيّة عِوضًا عن استخدام التقنيّات السابقة. يُخصّص حينها المديرون رقمًا لكلّ طلب توظيف يصلهم. على الرغم من ازدياد عدد الشركات الّتي تستخدم هذه الطريقة في التوظيف في وقتنا الحالي فهي ليست وليدة الأمس، بل يرجع استخدامها لحقبة السبعينات، عند اختيار الموسيقيّين للفرق الموسيقيّة حينها. حيث يتقدّم الموسيقيّون أحيانًا بعرضهم خلف الشاشات لكي يتمّ تقييمهم بناء على عزفهم فقط دون أيّ انحياز آخر متعلّق بالعرق أو الجنس. أجريت دراسة على 11 سيمفونيّة أوركسترا تستعمل هذه الطريقة بأشكال مختلفة، ووجد الباحثون أنّ هذه الطريقة رفعت من احتمال توظيف عازفة بنسبة 25-46%. يمكن لهذه الطريقة أن تجذب المزيد من المتقدّمين للعمل في الشركة الّتي تستخدمها كما يمكنها أن تزيد من فرص توظيف ذوي المهارات الأفضل وأن تزيد من التنوّع في مكان العمل وأن تُجنّب المديرين الوقوع في أخطاء التمييز والعنصريّة. العاملون المهاجرون يظهر رقم قياسيّ جديد كلّ عام في المدّة اللازمة للوصول للحدّ الأقصى من تأشيرات العمل (H-1B) لدخول الولايات المتّحدة. هذه التأشيرات هي أحد أنواع تأشيرات العمل وهي وثائق مؤقتّة تتيح للحاصلين عليها السكن والعمل في الولايات المتّحدة بشكلٍ مؤقّت أو دائم. ازداد عدد العاملين المهاجرين في الولايات المتّحدة خلال العقد الأخير من 15% عام 2005 إلى 17% عام 2016؛ وذلك نتيجةً للطلب المتزايد على تأشيرات العمل من الموظّفين. يزداد تعداد السكّان من المهاجرين في الولايات المتحدّة بشكل أسرع من ازدياد السكّان المولودين في الولايات المتّحدة. يعود هذا بشكلٍ جزئيٍّ إلى حاجة الولايات المتّحدة المستمرة لأفراد متقنين للرياضيّات والعلوم راغبين في العمل في أمريكا. على الرغم من العمالة المهاجرة الهائلة الموجودة في الولايات المتّحدة، إلا أن هذه العمالة على كبرها تواجه انتهاكات عدّة، مثل تلقّيهم أجورًا أدنى لقاء ساعات عمل أطول مقارنةً مع نظرائهم الأمريكيّين. ينجذب الأجانب الباحثون عن العمل إلى الشركات الّتي تقدّم تأشيرات عمل لموظّفيها الأجانب، ومع ذلك فإن هؤلاء الأفراد الأجانب يعلمون تمامًا أنهم قد يعملون تحت سلطة إداريين غير أخلاقيّين قد يسعون لاستغلالهم. على سبيل المثال، وجد لامبرت وزملاؤه في دراستهم أنّ بعضًا من حاملي شهادة MBA الفليبينيّين الباحثين عن عمل يعلمون أنّ الشركات الّتي تُظهر رغبتها في توظيف العمال الأجانب وتؤكّد على توفيرها لتأشيرات عمل هي شركات تسعى لاستغلال العاملين لديها. ويعتقد آخرون أنّ هذا الشركات قد تبخس في حق العاملين الفليبينيّين بسبب محدوديّة قيمتهم الاجتماعية. اُتُّهِمت شركات في نشرات الأخبار بخداع الطلّاب الأجانب العاملين لديها كمتدرّبين في أجرهم الأسبوعيّ. في حالة أخرى دفعت شركة (Infosys) للاستشارات التقنيّة مبلغ 34 مليون دولار لتسويّة دعوى قضائيّة اتّهمتها بالاحتيال في التأشيرات بسبب شكوك حول إعطائها العاملين الأجانب أجرًا أقل مما يستحقون لتحقيق أرباح أكبر. أشكال أخرى للتنوع في العمل من المتوقّع أن تزداد نسبة العاملين من ذوي الاحتياجات بمقدار 10% بحلول عام 2022. ما يعني مراجعة ووضع المزيد من السياسات العامّة والمؤسّساتيّة لتسمح بوضع خطط لتدريبات مناسبة العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصّة. أيضًا ستوظّف المزيد من الشركات التكنلوجيا وتركّز على تثقيف الموظّفين لديها حول كيفية معاملة الأفراد من ذوي الإعاقات الجسديّة والذهنيّة. في السابق كانت غالبيّة السكّان الأمريكيّين من المسيحيّين، لكنّ نسبتهم انخفضت خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة بما يقارب 12%، في حين ازدادت نسبة معتنقي الأديان الأخرى بنسبة 25% تقريبًا. كما أن ازدياد العاملين القادمين من آسيا والشرق الأوسط يعني حاجة الموظّفين للتأقلم مع المعتقدات الدينيّة الجديدة في بيئة عملهم. على الرغم من أنّ التشريعات الفيدراليّة تحمي العاملين من التميّيز المبنيّ على العرق والدين والاحتياجات الخاصّة، إلا أن العديد من المديرين وضعوا سياساتهم الخاصّة للتعامل مع التنوّع الجديد في قوى العمل لديهم. ترجمة -وبتصرف- للفصل Diversity in Organizations من كتاب Organizational Behavior اقرأ أيضًا المقال التالي: التعامل مع الاختلاف: التنوع وأثره على الشركات المقال السابق: تنمية المواهب وتخطيط التعاقب الوظيفي
  24. يجعلك الادّخار جاهزًا لما يخبئه لك المستقبل المجهول، وهذا ما يجعله مهمًّا. لا أحد يعلم الغيب أليس كذلك؟ لذا فعليك من الآن البدء بضمان نفسك للغد القادم. تأكّد من استعدادك له عند قدومه. نصائح للادخار عقلية الرامي توجد طريقة تفكيرٍ تدعى عقليّة الرامي. فلسفة "عقليّة الرامي" الرئيسيّة هي الادّخار للأشياء المهمّة. كونك مصمّم ويب مستقلّ خذ التالي بعين الاعتبار: أيّ النفقات تحتاج حقًّا؟ هل النسخة المدفوعة تستحق سعرها حقًّا؟ هل هذه البرمجيّة قيّمةٌ كما تراها حقُّا؟ تذكّر، عليك أن تحدّد أيّ احتياجاتك ضروريّة لعملك (أو لحياتك اليوميّة). فإن كانت غير أساسيّة اشطبها! أليست هذه طريقة التفكير الإصلاحيّة؟ باشر البحث عن أدوات مجانيّة. قد لا تكون بجودة النسخ المدفوعة ولكنّك قادرٌ على الإبداع دائمًا. دائمًا هنالك طرق لاختصار النفقات. وفّر أسهمك للدبّبة. إن لم يكن صيدك ثمينًا، فهو لا يستحق السهم. شُكَّ في كل شيء قد يكون الشكّ عادةً سيّئةً لقصص النجاح لكنّه –بكلّ تأكيد- ضروريّ. يمرّ كل الرجال الناجحين بمرحلةٍ من الشكّ بأنفسهم. يمكن إسقاط هذا على ادّخار المال. جرّب طرق-الشكّ التالية: قارن المنتج الّذي تودّ شراءه بعدد الساعات اللازمة لكسب سعره. فعلى سبيل المثال، إن رغبت شراء حذاء سعره 300$ وأنت تكسب 20$ بالساعة. هل أنت مستعد للعمل 15 ساعةً لشراء هذا الحذاء؟ ضع تذكيرات لنفسك في محفظتك. مثل "ادّخر لشراء سيارّة"، فستراها في كلّ مرّةٍ ترغب فيها دفع مبلغٍ ما أو سحب بطاقتك الائتمانيّة. سيحثّك هذا على إعادة التفكير إن كان ما تشتريه يستحق فعلًا شراءه. ابحث عن الهدايا المجانية ربّما الهدايا المجّانيّة أفضل ما في الإنترنت – بعد صور القطط بالطبع. تساعد هذه الهدايا المستقلّين جدًّا. وبسببها لست بحاجةٍ للقلق حول عدم قدرتك على تنفيذ تصميم ما بعد أن تفكّر به. الأدوات الّتي تحتاجها مجّانيّة! يمكنك إيجاد عناصر عملك كالصور وواجهات المستخدمين UI والخطوط والنماذج في الويب واختيار ما يناسبك منها. أحيانُا يتعلق نجاح عملك بإبداعك في استخدام العناصر المتاحة؛ وليس بثمنها. خطط لدراستك يجب عليك دائمًا أن تطوّر معرفتك كونك مستقلًّا وتعمل على الويب. سيزيد ذلك من فرص تشغيلك بسبب معرفة العملاء بعلمك بالأفكار الجديدة ومواكبتك للتقنيّات والصّيحات في مجالك. قد تكون الدورات مكلفةً في بعض الأحيان، كما يمكن أن تكون بعض الدورات غير ذات مغزى على الإطلاق. لهذا يجب أن تخطّط. يجب أن تُجدول تعلّمك بما يوفّر لك الوقت والمال. من الخطأ أن تقرّر مباشرةً التسجيل في تلك الدورة الّتي تكلفتها 1000$. بعض النصائح الإضافية ضع قائمة بما أنت حقًّا بحاجةٍ لتعلّمه. كن على علمٍ بالتخفيضات على الأدوات الّتي تحتاجها لتغتنم الفرصة إن رأيت سعرها مناسبًا. لا تسجّل في كل الدورات الّتي تراها أمامك. اختر ما أنت بحاجةٍ له حقًّا. تذكّر أن تقرأ التقييمات. تأكّد من أنّك تنفق مالك على دورات تستحقّ ذلك. خذُ حذرك من الاحتيال. سجّل على دروسك عبر مصادر موثوقة. إن وجدت دروسًا مجانيّة، خذها. ليس من السهل دائمًا توفير المال. وقد يكون مؤلمًا للغاية. لهذا فأنت بحاجة لانضباط عالٍ للتمكّن من ذلك. تذكّر دائمًا أنّ الثمار الأحلى تأتي من الجذور الأمَرّ. لا تصرف على كل شيء بل اقتصد للأيام القادمة. حظًّا سعيدًا في ذلك؟ توقف قليلًا، لدينا أيضًا بعض النصائح للتقاعد بثراء. جاهز؟ فلنبدأ! 4 نصائح لتتقاعد مثل وارن بوفيت Warren Buffet هنالك إيجابيّات وسلبيّات لقرارك بأن تعمل بشكلّ مستقلّ، مثل أي قرار مصيريّ في الحياة. إحدى السلبيّات هي مسؤوليّتك عن مستقبلك بعد التقاعد. إنّ لم تكن حذرًا في عملك المستقل فقد تكون تجرّ نفسك إلى الخراب في نهاية المطاف. يقع عبء تأسيس واردٍ تقاعديٍّ على عاتقك بالكامل. نأمل أن نوفّر لك نظرة –في هذا المقال- عن خطط تقاعديّة مختلفة يمكن من خلالها تأسيس مستقبل ماليّ آمن للمستقلّين في أيّ مجال. 1. ادخر مبكرًا أهمّ ما يجب أن تبقيه في بالك عند التخطيط لتقاعدك هو أنّك عندما تبدأ أبكر سترتاح أكثر عند تقاعدك. يجب أن تبدأ في المساهمة في حسابك التقاعديّ بأقرب وقت ممكن لتحصّل أكبر ربح من الفائدة، فلنطرح مثالًا: المستقلّ (أ) والمستقل (ب) كلاهما في العشرين من عمرهما ويجنيان 10,000$ في السنة. المستقلّ (أ) قرأ هذه المقالة وقرّر البدء بادّخار 500$ سنويًّا، بينما لم يقرأ المستقلّ (ب) هذه المقالة ولم يقم بالبدء إلّا بعد مرور 5 سنوات وقرّر ادّخار 650$ سنويًّا. كلا المستقّلين ينويان التقاعد عند عمر 65 عامًا وكلاهما يمتلكان حسابًا بنكيًّا بفائدة 5%. بعد تقاعدهما، سيجد المستقلّ (أ) في حسابه 79,850.08$ أمّا المستقلّ (ب) فسيجد 78,519.85$ فقط. لاحظ أنّ المستقلّ (ب) حاول التعويض عن تأخرّه 5 سنوات عبر ادّخاره مالًا أكثر لكنّه لم يستطع أن يصلّ إلى ما وصل إليه المستقلّ (أ). الفائدة تتجمّع بسرعة. 2. ادخر ولا تنفق قد تبدو هذه النصيحة بديهيّة لكنّ يجب عليك مراقبة انفاقك. يعدّ موقع Mint.com من المواقع ذات الشعبيّة الواسعة. تساعدك حقًّا رؤية مصاريفك في رسومٍ بيانيّة على إدراك مقدار ما تهدره من المال. فأنا –على سبيل المثال- ألقيت نظرة على مصاريفي واكتشفت أنّني أنفق الكثير على القهوة والمطاعم. من المذهل حقًّا كم تستطيع أن تضيف إلى حسابك التقاعديّ عبر اختصارك لهذه الأشياء الصغيرة والغير ضروريّة. فلنطرح مثالًا: مستقلّ يحب حقًّا مطعم Subway ويأكل فيه ثلاث مرّات في الأسبوع بقيمة 5$ كلّ مرة. ويحبّ أيضًا Starbucks ويشتري منه كوبًا من القهوة ثمنه 4$ ثلاث مرّات في الأسبوع. ذلك يكلّف المستقلّ 27$ أسبوعيًّا أي 1404$ سنويًّا. الآن تخيّ ل لو اكتفى هذا المستقلّ بفعل ذلك مرّة واحدة في الأسبوع فقط: سوف ينفق حينها 468$ سنويًّا ويوفّر 936$، هذا المبلغ السنويّ مع فائدته السنويّة يجمع في النهاية 149,479.35$ عند الوصول لسنّ التقاعد. هذا تغيير ملموس. في النهاية لديك طريقتان للتصرّف بالمال. إما استثماره أو إهداره. عِش ضمن قدراتك واستثمر لمستقبلك. قلّل من هدر مالك على ما لا تحتاج. ولكن أيضًا احرص على أن تكافئ نفسك قليلًا بين الحين والآخر، سيرفع هذا من معنوياتك. 3. اختر استثماراتك بحكمة (بعض الخيارات الموجودة في الفقرات التالية تصلح فقط ضمن الولايات المتّحدة الأمريكيّة) أنت بحاجة للاستثمار من أجل مراكمة الفائدة من المال الّذي تبقيه جانبًا لأجل تقاعدك. هناك العديد من فرص الاستثمار المتوافرة للمستقلّين والّتي تتنوّع من الحذرة إلى المغامِرة. كما في أغلب جوانب الحياة، المخاطرة الأكبر تعطي فرصة لربحٍ أكبر ممّا ستربحه في الاستثمارات الحذرة. لكن هل أنت مستعدٌّ للمخاطرة بتقاعدك؟ القرار عائدٌ لك. هنا بعض الخيارات للاستثمار التقاعديّ: حسابات التقاعد الفردية IRAs غالبًا ما تُفهم حسابات التقاعد الفرديّة (Individual Retirement Accounts) بشكلٍ خاطئ. يجب التفكير بالحسابات هذه على أنّها استثمارات تراكميّة للتقاعد. ما إن تضع مالك في هذا الحساب تستطيع استثماره كيفما تريد. مثل الأسهم والاستثمارات المشتركة والودائع وغيرها. حسابات IRAs هي في الحقيقة مظلّة تحدّد كم ستدفع من الضرائب على استثماراتك هذه. هناك عدّة أنواع من IRAs، هنا بعضها: الحساب التقليدي: يسمح لك هذا الحساب بتجزئة الضرائب على شكل دفعات تسدّدها لحين سحبك للمال. حساب روث Roth IRA: في هذا النوع من الحسابات تقوم بدفع الضرائب عند الإيداع وليس عند التقاعد. حساب تقاعد الموظفين المبسّط SEP IRAs: هذا النوع ممتاز للمستقلّين، لأنّه يناسب دخلهم. يسمح هذا النوع لحسابك الخاصّ بإيداع أموال قبل احتساب الضرائب. لكن لا يمكنك إيداع المال بشكل مباشر في هذا الحساب. بطبيعة الحال سيتمّ احتساب الضرائب عند التقاعد. هذا النوع ومن الحسابات يستخدم عادةً لدعم أحد الأنواع الأخرى. بعد أن عرضنا ثلاثة أنواع رئيسيّة من حسابات IRAs الّتي قد تهمّ المستقلّين سوف نناقش بعض الاستثمارات الممكنة ضمنها. فلتبقي في بالك وجوب التنويع في خياراتك لتقليل الخطر المحتمل. امتلك بعض الأسهم طويلة الأمد وأسهم الشركات الصغيرة وبعض الودائع CDs بدلًا من أنّ تضع كلّ استثمارك في شيء واحد. لا تضع كل البيض في سلّة واحدة، لأنّ السلّة إن وقعت ستواجه وقتًا عصيبًا لتقاعدك. الاستثمار الشخصي في سوق الأسهم الاستثمار بالأسهم خطيرٌ جدًّا إن لم تكن تعرف السوق وآليّة عمله جيّدًا. لكن لا تدع هذا يخيفك، إنّه أمر يستحقّ التعلّم. في العموم إن قرّرت الاستثمار في شركات ناضجة تعطي مستثمريها عوائد جيّدة فستكون المخاطرة أصغر منها إن قرّرت الاستثمار في شركة صغيرة تطمح بأن تتطوّر لتصبح غوغل أو آبل المستقبل. مهما كان المسار الّذي تتّخذه خذ الربح عندما يتوفّر واختصر خسائرك قبل أن تكبر. لا تربط نفسك بسهم محدّد وإلّا ستخسر المال. كما عليك الحذر من طريقة احتيال شهيرة تدعى "النفخ ثمّ التخلّي أو pump and dump". تدفع الشركات الفاسدة لشركات الترويج لطلب شراء أسهمها عبر البريد الإلكتروني والاتّصالات بهدف خلق وهم الطلب على هذه الأسهم. فيرتفع سعر السهم بسبب ازدياد الطلب ونقصان العرض. ارتفاع السعر هذا هو ما يسمّى "النفخ (pump)" في هذه الخطّة. المستثمرون الخبيرون يقومون ببيع هذه الأسهم عند ارتفاع سعرها لكسب الربح. يزداد بيع هذه الأسهم فينخفض سعرها بسبب ارتفاع العرض ونقصان الطلب وهذا هو "التخلّي (dump)". انخفاض السعر هذا يكون كبيرًا وسريعًا وقد يحصل خلال دقائق. يؤدي هذا لخسارة المستثمرين غير الخبيرين مالهم الأساسيّ ويصبحون في حيرة من أمرهم. فرجاءً لا تشترِ سهمًا وصلك على بريدك الإلكترونيّ مهما بدا لك مغريًا -إلّا إن كنت مدركًا بالكامل لما يعنيه ذلك- فهو احتيالٌ غالبًا. وثائق الودائع Certificate of Deposit ‏(CDs) غالبًا ما يكون هذا الخيار استثمارًا آمنًا لكونه مؤمّنًا (حتّى 250,000$) من مؤسّسة تأمين الودائع الفيدراليّة FDIC. هنا تودع دفعة مبدئيّة ليقدّم لك البنك عائدًا ثابتًا من الفوائد حتّى تاريخ معيّن تحدّده عندما تودع الدفعة الأولى. يرتفع عائدك السنويّ كلّما حدّدت مدّة أطول للوديعة. تستطيع سحب وديعتك الأساسيّة في أيّ وقت قبل التاريخ المحدّد لكنّك حينها ستخسر الفوائد المتراكمة. تكون عوائد هذا الخيار أعلى من الحسابات التوفيريّة التقليديّة إن استطعت الإبقاء على المبلغ لمدّة طويلة بدون السحب منه. السندات تقدّم لك السندات خيارات متنوّعة من سندات الخزينة إلى سندات المؤسّسات. ابحث عن خصائص كل نوع من أنواع السندات قبل أن تقرّر أيّهم تختار. يعبّر مصطلح السندات بشكل أساسيّ عن عرض تقدّمه إحدى الشركات أو المؤسّسات لتسمح للمستثمرين بتمويل مشروع لديها. يشابه مبدأ اقتراض الشركة المال من المستثمرين. تساعد وكالات التقييم المستثمرين في تحديد مدى الخطر المتوقّع لكلّ استثمار من هذه السندات. بطبيعة الحال يتوقّع المستثمرون مردودًا أعلى من السندات الأخطر، ولكن هذا يترافق مع فرص أعلى للخسارة. صندوق التمويل المشترك يعني هذا صندوقًا كبيرًا من المال يُجمع من مستثمرين عدّة ويُدار من قبل مدراء ماليّين خبيرين. الجميل في هذا الخيار هو سماحه للمستثمرين بالوصول لحقائب استثماريّة متنوّعة أكثر ومُدارة من قبل محترفين اقتصاديّين فتمثّل خيارًا آمنًا نسبيًّا. يرجع القرار من جديد لمدى رغبتك في المخاطرة مقابل العوائد المتوقّعة في تحديد في أيٍّ من الصناديق ستستثمر. بعض هذه الصناديق الضخمة تحاكي مؤشّرات الأسهم الكبرى مثل Dow Jones Industrial Average وS&P 500 وNASDAQ. تعطي مؤشّرات الأسهم صورة تقريبيّة عن حركة سوق الأسهم بأكمله. ابحث عن الصناديق لتقرّر أيّها يناسبك أكثر. صناديق التبادل التجاريّ EFTs ‏(Exchange-Traded Funds) هي أمانات مصمّمة لتتبع مؤشّر أسهم لكنّها قابلة للتداول كسهم عاديّ. توفّر EFTs تنوّعًا كبيرًا وتسمح لك بالبيع على المدى القريب، وذلك مهمّ عند التنبؤ بنزول سعر سهم ما. خذ حذرك عند البيع السريع لأنّ محاولتك لتجنب الخسارة قد تودي بك لفقدان ربح كبير كان محتملًا. أنصح بإجراء أبحاث عدّة قبل اتّخاذ قرارات كهذه. 4. حدد أهدافك وحققها يبدأ التقاعد بالتخطيط له. أولى خطواتك تحديد كم المال ستحتاج حينها وكم من المال يجب أن توفّر سنويًّا للوصول لهذا المبلغ. تجنّب المماطلة في هذا الموضوع. خذ زمام المبادرة. خطّط ووفّر باكرًا وإلّا لن يكون تقاعدك مريحًا. هنا بعض الأدوات الّتي قد تجدها مفيدة: Mint.com: أداةٌ مفيدة توضح لك مصاريفك بشكل رسوم بيانيّة. ستساعدك على مراقبة نفقاتك الغير ضروريّة وتخفيضها. ستسمح لك أيضًا بمتابعة ميزانيّة حسابات تقاعدك في كلّ الأوقات. Bankrate.com: يساعدك هذا الموقع عبر حساباته على تقرير المبلغ الّذي يجب عليك ادّخاره سنويًّا لصندوقك التقاعديّ للوصول للمبلغ الّذي تبتغيه حينها. سيكون من الأسهل إجراء الحساب عبر هذا الموقع من إجراء الحسابات شخصيًّا لأنّ الموقع يمتلك أحدث النسب المتوافرة دائمًا. إخلاء مسؤوليّة: المؤلّف ليس خبيرًا اقتصاديًّا ويجب عليك النظر بنفسك لخياراتك التقاعديّة. احرص على أن تستشير خبيرًا ماليًّا ليساعدك في خطتك التقاعديّة. يجب عليك أخذ هذا الموضوع بمسؤوليّة. في القسم الأخير سنلقي نظرة على طرق تنظيم عملك لتستطيع الالتزام بالنصائح الّتي ذكرناها. تنظيم العمل - نصيحة للخريجين الجدد - الشفافية في العمل السؤال الأول هل يؤثّر كمّ الوقت والجهد المصروف على البرمجة على تنظيم عملك في تصميم الويب أم توجد عوامل أخرى؟ وما هي إن وُجِدَت؟ لا يساعد قضاء وقتك بأكمله في تعلّم لغات برمجة جديدة على عملك بل يضرّ به في الحقيقة. يجب أن تفكّر بدلًا من ذلك في كونك رجل أعمال لا مبرمجًا. لم ذلك؟ لأنّ مصمّم الويب يركز فقط على ما هو أمامه من تصاميم وبرمجيّات. في حين يرى رجل الاعمال الصورة الأشمل بما تتضمّنه من تنظيم للوقت وإيجاد الحلول العمليّة لعملائك. بالإضافة إلى ذلك يفكّر مصمّم الويب فقط في إنهاء العمل بين يديه بينما يمتلك رجل الأعمال رؤية عن مستقبله توضّح طريقة عمله وتحسن من خدمته لعملائه. هنا بعض النصائح القيّمة من محترفين في مجال تصميم الويب طبّقوها واستفادوا منها. حدّد قيمتك : ما الفارق بينك وبين منافسيك؟ ما مدى أهميّتك في صناعتك؟ يجب أن تكون واضحًا جدًّا لمَ يجب أن يختار العملاء العمل معك. ابتكر نمطك الخاصّ : تصوّر أيّ نوع من العملاء ترغب في جذبه. أيّهم تريد توفير الحلول له؟ عندما تمتلك فكرةً واضحةً عن نمط العملاء الّذين ترغب بالعمل معه ستتمكّن من تعديل عملك وتحفيز نموّه. تعرّف على مؤشّرات عملك الأساسيّة : يجب عليك التذكّر أنّك عند دخولك نطاق عمل جديد تكون التغييرات ضروريّة ومُقاسة أيضًا. حدّد أيّ مؤشّرات تؤثّر على عملك واستثمر وقتك ومالك عليها. انظر إلى منافسيك : في أيّ مجال عمل ستجد من يقدّم خدمات مشابهة لك. ستجد هؤلاء المنافسين يتميّزون غالبًا في شيء لست متمكنًّا منه. راقب أيّ آليات جديدة يستخدمون. لا تخف من طلب النصح منهم واسألهم لِمَ اختاروا خياراتهم هذه. ركّز على نقاط قوّتك : من الجيّد النظر إلى نقاط الضعف لديك والبحث عن طرق لتحسينها. لكن هنالك أوقات أخرى تتطلّب منك التركيز على نقاط القوّة تنقيح آليات عملك لتلائمها وتنظّم عملك عبرها. السؤال الثاني ما هي أفضل نصيحة يمكن تقديمها للخرّيجين الجدد عند دخولهم لمجال تصميم الويب؟ إن كنت خرّيجًا جديدًا وقرّرت الدخول في مجال تصميم الويب فمن الأفضل لك أن تتخصّص في ما يمكنك التركيز عليه. هذه النصيحة مفيدة أيضًا للعاملين الحاليّين في هذا المجال ولكنّهم يرغبون في تحقيق تقدّم جديد. كما ذُكر في السؤال السابق لا يجب عليك أن ترى نفسك كمصمّم ويب فحسب بل كرجل أعمال أيضًا وإحدى طرق ذلك هي تحديد ما ترغب في التركيز عليه. يعطيك هذا الكثير من الوقت لتدريب مهاراتك لتمكّن من تقديم جودة أفضل لعملائك. سيسمح لك هذا أيضًا بأن تثبّت نفسك كخبيرٍ في اختصاصك. في النهاية يساعدك ذلك على صنع استراتيجيّات مؤثّرة في التسويق بسبب معرفتك المسبقة في مجال اختصاصك. السؤال الثالث هل الأفضل أن أكون صريحًا مع العملاء بأنّي أستخدم WordPress لتصميم موقعهم ولست أصمّمه من الصفر؟ الشفافيّة في تعاملك مع العملاء أكثر ما يمكنك استخدامه لجذبهم. في عصر المعلومات الّذي نعيش فيه لا يمكن إخفاء الأسرار طويلًا. أولًّا تجعلك الصراحة أكثر وثوقيّةً وهو ما ينعكس على ثقة عملائك الحاليّين والمستقبليّين بك. كما ترفع من جاذبيّتك لهم. إضافةً إلى ذلك، يستفيد عملاؤك كثيرًا من WordPress. إلى جانب تسهيل عملك فعمل WordPress أكثر ظهورًا على محرّكات البحث بسبب طريقة تصميمه. علاوةً على ذلك يمكن تعديل كلّ صورة وصفحة ومنشور بواسطة كلمات مفتاحيّة ورموز متغيّرة. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Money Saving Tips for Web Designers and Developers لأصحابه فريق تحرير موقع 1stWebDesigner.
  25. يمتلك الكاتب المستقلّ خيارات عدّة فيما يخصّ الأماكن الّتي يمكن البحث فيها عن عمل. يأتيك الزبائن طلبًا لخدماتك -في عالم مثاليّ- أو في حال نجحت في مهنتك مستقبلًا قد يصبح هذا ممكنًا. كلّما نشرت محتوى على مدوّنتك أصبح من الأسهل عثور العملاء عليك. قد تصبح مدوّنتك واجهة (Portfolio) لك نوعًا ما لتساعدك على نشر عملك الجديد. هذا بالطبع إن كنت تدري ماذا تفعل. سنتحدّث في هذه المقالة عن الطرق الّتي يمكن لمدوّنتك بها أن تصبح الجاذب المثاليّ للعملاء الجدد. بعد ذلك سنطرح أربع نصائح تساعدك في القيام بذلك بالشكل الصحيح. فلنبدأ! لم مدونتك هي الأداة المثالية لنشر عملك الجديد وصول عملك لأكبر عدد ممكن من الناس هو الفكرة الأساسيّة لامتلاك مدوّنة. التدوين لبعض الأشخاص مسعى شخصيّ، لكن يمكنك أيضًا استعمالها لنشر عملك. فلنقل -على سبيل المثال- أنّك كاتب مستقلّ تركّز على النصائح الغذائيّة. يميّزك امتلاك مدوّنة تستهدف العملاء ضمن هذا المجال عن الكُتّاب الآخرين. كما يظهر ذلك امتلاكك لعملائك امتلاكك خبرة في مجالك وكونك كاتبًا متميّزًا وقدرتك على استلام المشاريع الكبيرة. لا تكتفِ بمدوّنتك وتتخلّى عن معرض أعمالك Portfolio بل اعتبرهما مكمّلتين لعضهما. يمكنك استعمال المدوّنة لتوجيه الزوّار إلى واجهتك وبالعكس. نجاح مدوّنتك يسهّل العثور عليك للعملاء الجدد. لكن فليبقَ في بالك أنّ بناء مدوّنة يزورها المستخدمون بهذا الشكل قد يتطلّب عدّة سنوات حتّى لو قمت بكل شيء بشكل صحيح. على أيّة حال إن وصلت لهذه المرحلة ولو بعد حين فستُفتح أمامك فرص أخرى إلى جانب الكتابة. كيف تستغل مدونتك للحصول على المزيد من أعمال الكتابة كمستقل التدوين طريقة رائعة للعثور على فرص جديدة، لكنّها يجب ألّا تبقى مصدرك الوحيد. توجد طرق عديدة لإيجاد أعمال جديدة تقوم بها لذا أنصحك بتجربة كلّ شيء ممكن. بعد توضيح ذلك، فلنعد إلى المدوّنات وكيفيّة استغلالها! 1. ركز على جمهور معين إن أردت استخدام المدوّنة لعرض مهاراتك في الكتابة فعليك التأكّد من تركيزك على جمهور محدّد تريد جذبه. على سبيل المثال إن كنت كاتبًا مستقلًّا في مجال التقنية فلن تكون فكرةً سديدةً أن تكتب مدوّنة عن السفر والترحال. يحصّل الكتّاب الّذين يركّزون على جمهور معيّن تقييمات أعلى بفضل خبرتهم هذه. كتابتك عن أحدث التطوّرات والأخبار في مجالك هي إحدى أفضل الطرق لإظهار مواكبتك لكلّ جديد. إن أردت التدوين حول مواضيع أخرى فلك حرّيّة القيام بذلك. حقيقةً الكتابة حول مواضيع أخرى قد أكون ممتعة ومريحة. ولكن في هذه الحالة خصّص موقعًا مستقلًّا لذلك. 2. وجه محتواك تجاه من يمكنه توظيفك تساعدني معرفة من أكتب له عند كتابتي لمحتوى جديد. عادةً أكتب مقالات تقنيّة ما يجعل جمهوري الأساسيّ "الأشخاص الّذين يبحثون عن حلول لمشاكل تقنيّة يواجهونها". أمّا إن كانت مدوّنتك هدفها أن تجذب عملاء لعملك المستقلّ فيجب أن يكون جمهورك "الأشخاص الّذين يمكن أن يوظّفوني". هؤلاء عادةً مالكو أعمال لديهم رغبات محدّدة جدًّا. عندما أقوم بعرض عملي لعميل جديد أودّ أن أسأل نفسي: "ما القيمة الّتي أستطيع توفيرها هنا؟" ينطبق الشيء ذاته على نشرك محتوى جديدًا في مدوّنتك. يجب أن توفّر مدوّنتك دائمًا قيمة جديدة أو تحلّ مشكلة يواجهها الأشخاص الّذين قد يوظّفوك. 3. ابحث عن مدونات تستضيفك لتحول البحث إلى مدونتك الأساسية إن كنت ترغب بتنمية جمهورك فالبحث عن فرص استضافة في المدوّنات هو إجراء بديهيّ. تواصل مع مدوّنة أشهر منك تخاطب نفس الجمهور واعرض عليهم بعض الأفكار. إن أُعجِبوا بهم سينشرون كتابتك وتحصل أنت على فرصة لتضيف رابطًا لمدوّنتك. الأمر بسيط التطبيق جدًّا. وإلى جانب جذب المزيد من الزوّار لمدوّنتك يساعد استضافتك لدى المدوّنات في نشر اسمك في الإنترنت. تخيّل أن يجري أحد الراغبين في توظيفك بحثًا عن اسمك على غوغل: لو كنت أنا هذا الشخص الباحث عن كاتب مستقلَ وقمت بالبحث عنه وشاهدت اسمه متواترًا على العديد من المواقع، فسوف يكون الأمر مذهلًا. ربّما لا تساعدك الاستضافة على المدوّنات في جلب المال لكنّها حتمًا تبني لك سمعةً في مجالك. 4. ذكر العملاء المحتلمين بتوفرك نظريًّا عندما يزور مدوّنتك شخص ما ويُعجب بعملك، من المفترض أن يعلم أنّك مُتاح للتوظيف. لكنّ الحقيقة تقول أنّ أغلب الأشخاص لن يقدموا على أي خطوة ما لم توضح لهم أنّك كاتب مستقلّ. أبسط طريقة لفعل ذلك هي تجهيز نبذة ذاتيّة عنك عند نهاية كلّ منشور لك. هذه النبذة يجب أن تحتوي رابطًا لواجهتك وأن تذكر توفّرك للراغبين في توظيفك. كما يمكنك أيضًا تخصيص صفحة "وظّفني" على مدوّنتك الشخصيّة. بحيث تتضمّن وسيلة يمكن من خلالها أن يتواصلوا معك بسهولة. الخلاصة يعني كونك كاتبًا مستقلًّا بحثك الدائم عن مزيد من العمل. هنالك عدّة خيارات تجعل الوصول لك ممكنًا من قِبل العملاء. الحفاظ على مدوّنة ناجحة يتطلّب الكثير من الجهد ولكنّ ذلك قد يعمل كمولّد للأعمال الجديدة عند الاستخدام الصحيح. يمكن أن تجلب لك المدوّنة العمل في الوقت الّي تقوم فيه ببناء قنوات تواصل أخرى. هنا ما أنت بحاجة لفعله إن أردت استخدام مدوّنتك للوصول لمزيد من العمل ككاتب مستقلّ: ركّز على جمهور معيّن. وجّه محتواك تجاه من يمكنه توظيفك. ابحث عن مدوّنات تستضيفك لتحوّل البحث إلى مدوّنتك الأساسيّة. ذكّر العملاء المحتلمين بتوفّرك. هل لديك أيّ أسئلة حول استخدام المدوّنات لجذب المزيد من العمل؟ أعلِمنا يهم في قسم التعليقات أدناه! ترجمة -وبتصرّف- للمقال How to Use Your Blog to Get More Freelance Writing Work لصاحبه Alexander Cordova.
×
×
  • أضف...