البحث في الموقع
المحتوى عن 'paul graham'.
-
الشركة الناشئة هي شركة صممت لتنمو بسرعة. وكون الشركة تأسست حديثًا لا يجعلها شركة ناشئة. كما أنه من غير الضروري على الشركة الناشئة أن تعمل في قطّاع التقنية أو أن تقبل تمويلًا مخاطرًا أو أن يكون لها أي نوع من "خطط الخروج". الشيء الوحيد الأساسي هو النمو. وكل شيء آخر يتم ربطه بالشركات الناشئة فهو يتبع النمو. إذا أردت إطلاق شركة ناشئة فمن الضروري أن تعي بأن في الشركات الناشئة من الصعوبة ما لا يمكنك الوقوف جانبًا مكتوف الأيدي وتأمل بأن تنجح. عليك أن تعرف أن ما يجب أن تسعى إليه هو النمو. والخبر السار هنا، أنك إذا حققت النمو، فإن كل شيء آخر سيتحقق في مكانه. ما يعني أنه يمكنك استخدام النمو كبوصلة لاتخاذ أي قرار سوف تواجهه. الشجرة الباسقة لنبدأ مع العلامة الفارقة التي يجب أن تكون واضحة لكن على الأغلب نغض البصر عنها: ليست كل شركة تأسست حديثًا هي شركة ناشئة. تنطلق سنويًا ملايين الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن جزءً ضئيلًا منها يُعدّ شركات ناشئة. ومعظمها يعمل ضمن قطاع الخدمات كالمطاعم، محلات الحلاقة، السبّاكين وهلم جرًّا. وهذه ليست شركات ناشئة، ما عدا بضعة حالات غير اعتيادية. محل الحلاقة ليس مُصممًا لينمو بسرعة، في حين أن محرك البحث على سبيل المثال مصمم لذلك. وعندما أقول الشركات الناشئة مصممة لتنمو بسرعة، فأنا أعني ذلك من ناحيتين. أعني جزئيًا أن تكون مصممة لهذا الغرض عن قصد، بسبب أن معظم الشركات الناشئة تفشل. لكن أعني أيضًا أن الشركات الناشئة مختلفة بطبيعتها، بنفس الطريقة التي تكون وجهة نمو الشجيرة مختلفة عن نمو الحبة. وذلك الاختلاف هو سبب وجود كلمة مميزة. "الشركة الناشئة" تطلق على الشركات المصممة لتنمو بسرعة. فإذا كانت جميع الشركات متشابهة في الأساس، لكن بعضها نتيجة الحظ أو جهود المؤسسين فانتهى بها الحال بأن تنمو بسرعة بالغة، فلن نحتاج لكلمة أخرى منفصلة. يمكننا أن نتحدث عن الشركات فائقة النجاح والشركات الأقل نجاحًا. لكن في الواقع الشركات الناشئة لديها نوع مختلف من الحمض النووي مقارنة بباقي الشركات. شركة غوغل ليست مجرد محل حلاقة كان مؤسسوه محظوظين على غير العادة ومجدّين بالعمل. غوغل كانت مختلفة منذ البداية. ومن أجل النمو بسرعة، فإنك بحاجة لصنع شيء يمكنك بيعه لسوق كبير. وهذا هو الاختلاف ما بين غوغل ومحل الحلاقة. حيث أن محل الحلاقة لا يمكنه التوسع والنمو. من أجل أن تنمو الشركة إلى حجم كبير جدًا، يجب عليها (أ) أن تصنع شيء يحتاجه عدد كبير من الناس و(ب) أن يصل ويخدّم جميع هؤلاء الناس. يمكن لمحلات الحلاقة أن تبلي جيدًا في النقطة (أ)، لأن الجميع تقريبًا بحاجة لقص شعرهم. المشكلة التي تواجه محل الحلاقة، وأي منشأة تعتمد على التجزئة هي النقطة (ب). محل الحلاقة يخدم الزبائن بشكل شخصي، وعدد قليل منهم سيسافر من أجل قص شعره، وحتى لو فعلوا ذلك فإن محل الحلاقة لا يمكنه استضافتهم. [1] يعدّ صنع البرمجيات طريقة رائعة لحل النقطة (ب)، لكنك لاتزال مقيدًا بـ (أ). إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة التبتية للمتحدثين بالمجرية، فإنك ستكون قادرًا على الوصول إلى معظم الأشخاص الذين يرغبون بذلك، لكن لن يكون عددهم كبيرًا. أما إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة الإنكليزية للمتحدثين بالصينية، فأنت في منطقة الشركات الناشئة. معظم الشركات مقيدة بشكل قوي إما في (أ) أو (ب). والسمة المميزة للشركات الناشئة أنها ليست كذلك. الأفكار قد يبدو أنه دائمًا من الأفضل أن تبدأ شركة ناشئة بدلًا عن شركة عادية. فإذا كنت ستطلق شركة، لم لا تبدأ بالنوع الذي يكون له معظم الإمكانات؟ المشكلة أننا هنا في سوق كفؤ إلى حد ما. إذا صنعت برنامجًا لتعليم اللغة التبتية للمجريين، فإنه لن تواجهك منافسة كبيرة. لكن لو صنعت برنامجًا لتعليم اللغة الإنكليزية للمتحدثين بالصينية، فإنك ستواجه منافسة شرسة، تحديدًا لأن ذلك أشبه بالجائزة الكبرى. إن القيود التي تحدد الشركات الناشئة تحميها أيضًا. وهذا هو التنازل عن ميزة مقابل الحصول على ميزة أخرى. إذا أطلقت محل حلاقة، فإنه يتوجب عليك المنافسة مع محلات الحلاقة المحلية فقط. لكن لو أطلقت محرك بحث فيتوجب عليك المنافسة مع العالم بأسره. إن الشيء الأكثر أهمية هو أن القيود على الشركات العادية لا تحمي من المنافسة، بل من صعوبة ابتكار أفكار جديدة. فإذا افتتحت محلًا للمشروبات في حي معيّن، فإن القيود لا تحدد إمكانياتك وتحميك من المنافسين فحسب، بل أيضًا القيود الجغرافية تساعد على التعريف بشركتك. بالتالي محل المشروبات + الحي هي فكرة جيدة عن مشروع صغير. وبنفس الأمر للشركات المقيدة في (أ)، فإن مجالك يحميك ويعرفّك أيضًا. في حين لو أطلقت شركة ناشئة، فإنك على الأرجح سوف تفكر في شيء أكبر. على الشركة الناشئة أن تفعل شيء يمكنه الوصول إلى سوق كبير، والأفكار المتعلقة بذلك النوع من الشركات قيّمة للغاية لدرجة أن كل الأفكار الواضحة تم استغلالها. تم اختيار ذلك الفضاء من الأفكار بدقة لدرجة أن الشركة الناشئة عمومًا عليها أن تعمل على شيء تجاوز الجميع النظر إليه. وكنت سأقول أن تقوم بجهد كافي للعثور على الأفكار التي أغفلها الجميع. لكن ليست تلك الطريقة التي بدأت بها معظم الشركات الناشئة. عادة تنجح الشركات الناشئة بسبب أن المؤسسين مختلفين عن باقي الناس بحيث أن الأفكار التي يراها عدد قليل منهم تكون واضحة لهم. وربما لاحقًا قد يتراجعون خطوة للوراء ويلاحظون أنهم عثروا على فكرة كان الجميع غافلًا عنها، ومنذ ذلك الحين يبذلون جهدهم للبقاء هناك. [3] لكن في اللحظة التي تنطلق فيها الشركة الناشئة الناجحة، يكون معظم الابتكار بشكل غير واع. المميز في المؤسسين الناجحين أنهم يستطيعون رؤية المشاكل المختلفة. إنه مزيج جيد أن تكون ماهرًا في التقنية و مواجهة المشاكل التي يمكن حلّها بواسطتها، لأن التقنية تتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن الأفكار السيئة سابقًا تصبح جيدة بدون أن يلاحظها أحد. كانت مشكلة ستيف وزنياك Steve Wozniak أنه أراد حاسوبه الخاص. وكانت تلك مشكلة غير اعتيادية في عام 1975. لكن التغييرات التقنية عملت على تحويلها إلى مشكلة عامة. لأنه ليس فقط أراد حاسوبًا بل عرف كيف يصنعه أيضًا. حيث كان وزنياك قادرًا على صنع واحدًا له، وأصبحت المشكلة التي حلّها لنفسه ما تحلّه آبل لملايين الناس خلال السنوات التالية. لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح للناس العاديين أن هذا سوق كبير، وكانت قد تأسست شركة آبل. غوغل لديها بدايات مماثلة أيضًا، أراد كل من لاري بايج Larry Page و سيرجي برين Sergey Brin أن يبحثا عبر الويب, لكن على عكس معظم الناس فلم تتوفّر لديهما الخبرة التقنية لملاحظة أن محركات البحث الأخرى لم تكن جيدة كفاية كما أرادا فحسب، وإنما كانت لديهما أيضًا معرفة في تطويرها. أصبحت مشكلتهم خلال السنوات القليلة التالية مشكلة الجميع، حيث نما الويب إلى حجم لا يتطلب خبرة عالية لتعرف أن الخوارزميات القديمة لم تعد جيدة كفاية لها. لكن كما حصل مع آبل، في الوقت الذي أدرك فيه الجميع مدى أهمية البحث، كانت غوغل قد ترسّخت. هذا أحد الارتباطات ما بين أفكار الشركات الناشئة والتقنية. التغير السريع في منطقة واحدة يكشف عن مشاكل كبيرة وغير محلولة في مناطق أخرى. في بعض الأحيان تكون التغييرات تقدمًا، وما تغيره يكون القابلية للحل. وهذا هو نوع التغيير الذي أسفر عن إطلاق آبل، وأتاح التقدم في تقنيات الشرائح أخيرًا لستيف وزنياك تصميم حاسوبه الخاص الذي يستطيع تحمل تكلفته. لكن في حالة شركة غوغل كان التغير الأكثر أهمية هو نمو شبكة الويب. وما تغير هناك لم يكن قابلية الحل إنما التكبير. والارتباط الآخر ما بين الشركات الناشئة والتقنية هو أن الشركات الناشئة تؤسس طرق جديدة للقيام بالأعمال، وهذا ما يؤدي إلى ظهور تقنيات جديدة. عندما تبدأ الشركة الناشئة بفكرة ظهرت نتيجة التغير التقني وتقوم بصنع منتج مؤلف من التقنية بالمعنى الضيق ( ما اعتدنا على وصفه "عالي التقنية")، فإنه من السهل الخلط بينهما. إلا أن الارتباطان يختلفان من حيث المبدأ فالأول يمكنه أن يطلق شركة ناشئة لم تكن تقودها التغيرات التقنية ولا المنتج الذي يتألف من التقنية ما عدا في المعنى الواسع. [4] المعدّل ما هي السرعة التي يجب أن تنمو بها الشركة حتى تعتبر ناشئة؟ ليس هناك إجابة دقيقة على هذا السؤال. في البداية إطلاق شركة ناشئة لا يزيد عن كونه توضيح لطموح المرء. فأنت ملتزم ليس بمجرد تأسيس الشركة، بل بإطلاق شركة تنمو بسرعة، وبالتالي أنت ملتزم بالبحث عن فكرة نادرة لهذا النوع من الشركات. لكن في البداية ليس لديك أكثر من هذا الالتزام. إن إطلاق شركة ناشئة أشبه ما يكون بالمُمثّل. في بداية حياته المهنية يكون المُمثّل ذلك الشخص المنتظر الذي يذهب لاختبارات الأداء، وإن حصل على أدوار فإن ذلك يجعله ممثل ناجح، لكنه لا يصبح ممثلًا فقط عندما يصبح ناجحًا. لذا فإن السؤال الحقيقي ليس ما هو معدل النمو الذي يجعل الشركة ناشئة، بل ما هو معدل النمو الذي تملكه الشركات الناشئة الناجحة؟ هذا أكثر من مجرد سؤال نظري بالنسبة للمؤسسين، لأنه مساوي لسؤالهم إن كانوا على المسار الصحيح. يكون لنمو الشركة الناجحة عادة ثلاثة مراحل: 1. هناك الفترة الأولية من البطء أو اللانمو حيث تحاول الشركة أن تتعرف على ما تقوم به. 2. ما أن تكتشف الشركة الناشئة كيف تقوم بشيء ما يريده عدد كبير من الناس وكيف تصل إليهم، تكون هناك فترة النمو السريع. 3. أخيرًا، عندما تنمو الشركة الناشئة الناجحة لتصبح شركة كبيرة. سيتباطأ النمو، وبسبب قيود داخلية جزئيًا و بدء اصطدام الشركة بقيود في الأسواق التي تخدمها.[5] تشكّل هذه المراحل الثلاثة معًا منحنى س. والمرحلة الثانية، الصعود هي التي يعرّف النمو فيها الشركة الناشئة. ويحدد طولها وانحدارها حجم الشركة وإلى أي مدى يمكن أن يصل. إن الانحدار هو معدل نمو الشركة. وإذا كان هناك رقم يجب على كل مؤسس شركة أن يعرفه، هو معدل نمو الشركة. إنّه مقياس الشركة الناشئة. وإذا كنت لا تعرف هذا الرقم، فأنت لا تعرف حتى إن كان أداء شركتك جيدًا أو سيئًا. عندما قابلت مؤسسي الشركات وسألتهم عن معدلات النمو لديهم، أحيانًا يخبرني بعضهم " لدينا حوالي بضعة مئات من الزبائن الجدد شهريًا". هذا ليس معدّلًا. ليس المهم العدد المطلق للزبائن الجدد، بل نسبة الزبائن الجدد إلى الزبائن الحاليين. فإذا كان لديك عدد ثابت من الزبائن الجدد شهريًا، فأنت في ورطة، لأن ذلك يعني أن معدل النمو لديك يتراجع. في حاضنة الأعمال Y Combinator نقوم بمراجعة معدل النمو أسبوعيًّا، لأن هناك وقت قصير للغاية قبل يوم العرض التجريبي، وأيضًا لأن الشركات الناشئة بحاجة عاجلة للتغذية الراجعة من المستخدمين من أجل تحسين ما يقومون به. [6] إن معدل النمو الجيد في حاضنة Y Combinator يتراوح ما بين 5-7% في الأسبوع. فإذا استطعت الوصول إلى 10% أسبوعيًا فإن أدائك جيد بشكل استثنائي. وإذا استطعت تحقيق 1% فقط، فإن هذا علامة على أنك لم تعي بعد ما الذي يجب عليك القيام به. إن أفضل شيء لقياس معدل النمو هو العائدات. وثاني أفضل شيء هو معدل المستخدمين النّشطين. وهذا بديل معقول لنمو العائدات لأنه ما أن تبدأ الشركة بتحقيق المال، فإن عائداتها سوف تتضاعف بشكل ثابت عن عدد المستخدمين النّشطين. [7] البوصلة ننصح عادة الشركات الناشئة أن تختار معدل نمو يعتقدون أنه يمكنهم تحقيقه، وبعدها فقط تكرار محاولة تحقيقه في كل أسبوع. إن الكلمة الهامة هنا هي "فقط". إذا قررت الشركة أن تنمو بمعدل 7% أسبوعيًّا وحققت هذا المعدل، فإنها تعتبر ناجحة في ذلك الأسبوع. وليس هناك شيء آخر يتعين عليها القيام به. لكن إذا لم تتمكن من تحقيقه، فإنها فشلت في الشيء الوحيد الهام، ويجب أن تشعر بالإنذار تبعًا لذلك. سوف يدرك المبرمجون ما نتحدث عنه هنا. إننا نحوّل إطلاق الشركة الناشئة إلى عملية تحسين. وأي شخص حاول تحسين شيفرة برمجية يعرف لأي مدى تكون فعالية تضييق التركيز. إن تحسين الشيفرة البرمجية يعني أخذ برنامج جاهز حاليًا وتغييره ليستخدم كمية أقل من شيء ما، عادة ما يكون الوقت أو الذاكرة. ليس عليك أن تفكر حيال وظيفة البرنامج، فقط اجعله أسرع. إن هذا عمل مرضي للغاية بالنسبة لمعظم المبرمجين. إن التركيز الضيق يجعل الأمر كنوع من اللغز، وأنت مندهش من السرعة التي يمكنك فيها حله. إن التركيز أو الوصول إلى معدل النمو يقلل بطريقة أخرى المشاكل المثيرة للارتباك المصاحبة لإطلاق شركة ناشئة من أجل مشكلة واحدة. يمكنك استخدام معدل النمو هذا من أجل اتخاذ جميع القرارات، أي شيء يحقق لك معدل النمو يجب أن تحكم لصالحه. هل عليك قضاء يومين في المؤتمر؟ هل عليك توظيف مبرمج آخر؟ هل عليك التركيز أكثر على التسويق؟ هل عليك قضاء الوقت في التودد لزبون مهم؟ هل عليك إضافة الميزة الفلانية؟ أي شيء يحقق لك معدل النمو المستهدف.[8] لا يعني الحكم على نفسك من خلال معدل النمو الأسبوعي أنه لا يمكنك النظر لأبعد من فترة أسبوع. ما أن تجرب ألم إخفاق الوصول إلى هدفك في أسبوع ما ( لقد كان الشيء الوحيد المهم، وفشلت في تحقيقه)، فإنك تصبح مهتمًا في أي شيء يمكن أن يوفر عليك هذا الألم في المستقبل. على سبيل المثال سوف تتمنى لو وظّفت مُبرمجًا آخر، مع أنه لن يساهم في معدل النمو لهذا الأسبوع، لكن ربما خلال شهر سوف يضيف خصائص جديدة سوف تكسبك المزيد من المستخدمين. لكن إذا كان فقط (أ) التشتت من عملية توظيف أحدهم لن يجعلك تفشل في تحقيق أهدافك خلال المدى القصير، و (ب) لديك قلق بالغ حيال ما إذا كنت قادرًا على الوصول إلى معدلات النمو المستهدفة بدون الحاجة لتعيين أشخاص جدد. إن هذا لا يعني أنك لا تفكر بالمستقبل، بل يعني أنك تفكر حول الأشياء الضرورية فحسب. نظريًا فإن هذه العملية الشاقة يمكن أن تقود الشركة الناشئة إلى المتاعب. يمكن أن يصل بها الأمر في نهاية المطاف إلى مستوى أعظمي لكن محليًا. وفعليًا هذا لن يحدث أبدًا. إن تحقيقك لمعدل النمو أسبوعيًّا يجبر المؤسسين على التصرف، وهذا مقابل عدم التصرف هو سقف النجاح. في تسعة مرات من كل عشرة يكون التخطيط الاستراتيجي مجرد شكل من المماطلة. في حين أن حدس المؤسسين حول اختيار أية هضبة يجب تسلقها يكون عادة أفضل مما يعرفون. بالإضافة إلى أن أقصى ما في فضاء أفكار الشركات الناشئة ليس شائكًا ومعزولًا. معظم الأفكار الجيدة إلى حد ما هي بجوار أفكار أفضل منها. الشيء الساحر حول التحسين من أجل النمو أنه يمكنه استكشاف أفكار للشركات الناشئة. يمكنك استخدام الحاجة للنمو كشكل من الضغط التطوري. إذا بدأت مع بعض التخطيط المبدئي ومن ثم عدلت الخطة بما يستلزم تحقيق معدل نمو أسبوعي 10% مثلًا, يمكن أن ينتهي بك المطاف مع شركة مختلفة كليًّا عن التي كنت تنوي تأسيسها. لكن أي شيء ينمو بشكل ثابت بمعدل 10% أسبوعيًا على الأغلب أفضل من الفكرة التي بدأت منها. هنا يتوازى الأمر مع الشركات الصغيرة. كما أن القيود التي تبقيك في حي جغرافي معين ساعد محل المشروبات على التعريف به، فإن قيود النمو بمعدل محدد يمكن أن يساعد على التعريف بالشركة الناشئة. بشكل عام من الأفضل أن تتبع هذا القيد بغض النظر عن وجهته بدلًا من أن تكون متأثرًا ببعض الرؤى المبدئية، كما أن العلماء يفضلون متابعة الحقيقة إلى نهايتها بدلًا من التأثر بالأمنيات. عندما قال ريتشارد فاينمان Richard Feynman أن مخيلة الطبيعة أعظم من مخيلة الإنسان، كان يقصد أنه لو التزمت بمتابعة الحقيقة فإنك سوف تستكشف أشياء أروع مما يمكن أن تصنعه. وبالنسبة للشركات الناشئة فإن النمو هو قيد أشبه بالحقيقة. كل شركة ناشئة ناجحة هي على الأقل جزئيًا نتاج مخيلة النمو. [9] القيمة من الصعب أن تعثر على شيء ما ينمو بشكل مستمر وبعدة نسب مئوية أسبوعيًا، لكن إذا عثرت عليه فإنك تكون قد وصلت إلى شيء قيّم للغاية. وإذا تابعت الحديث ستعرف السبب. إن الشركة التي تنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 1.7 مرة سنويًا، في حين أن الشركة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تتضاعف 12.6 مرة سنويًا. والشركة التي تحقق ألف دولار شهريًا ( وهو رقم عادي في المراحل المبكرة في حاضنة الأعمال Y Combinator ) وتنمو بمعدل 1% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 7900 دولار شهريًا بعد 4 سنوات، وهو أقل مما يدفع كراتب لمبرمج جيد في وادي السيليكون. والشركة الناشئة التي تنمو بمعدل 5% أسبوعيًا، سوف تصل إلى تحقيق 25 مليون دولار شهريًا بعد 4 سنوات.[10] نادرًا ما عرف أسلافنا حالات النمو المتسارع، لأن حدسنا لا يستطيع أن يدلنا على هذا. وما يحدث للشركات الناشئة التي تنمو بسرعة يفاجئ حتى مؤسسيها. تؤدي الاختلافات الصغيرة في معدل النمو إلى نتائج مختلفة نوعيًا. ولهذا السبب هناك كلمة منفصلة تعبّر عن الشركات الناشئة، ولهذا أيضًا تقوم تلك الشركات بما لا تفعله الشركات العادية. كالحصول على التمويل والاستحواذ عليها، وبغرابة أيضًا أن تفشل بشكل متكرر. ومع الأخذ بعين الاعتبار القيمة التي يمكن أن تصل إليها الشركة الناشئة الناجحة، سيتفاجئ أي شخص مطّلع على مفهوم القيمة المتوقعة إذا لم تكن معدلات الفشل مرتفعة. إذا استطاعت الشركة الناشئة الناجحة أن تحقق للمؤسس مليون دولار، حتى عندها سيكون معدل النجاح هو فقط 1%، وستكون القيمة المتوقعة لإطلاق شركة ناجحة مليون دولار. ولكن إن احتمال وجود مجموعة من المؤسسين الأذكياء والمصممين على النجاح عند ذلك الحد سيكون أعلى من 1% بشكل ملحوظ. وبالنسبة للأشخاص المناسبين، مثل بيل غيتس، فإن الاحتمال قد يكون 20% أو حتى 50%. لذا من غير المفاجئ أن هناك الكثير ممن يود أن يخوض المغامرة. في السوق المُتكافئة، يجب أن يكون عدد الشركات الناشئة الفاشلة مناسب لحجم الشركات الناجحة، وبما أن الأخير ضخم للغاية يجب أن يكون الأول كذلك.[11] وهذا يعني أنه في أي وقت، سوف تعمل الغالبية العظمى من الشركات الناشئة على شيء لن يتحقق أبدًا، وسوف تمجّد جهودها المحتومة بالفشل تحت العنوان العظيم "الشركة الناشئة". وهذا لا يزعجني. أنه يحدث أيضًا للمهن المرموقة كأن تكون ممثلًا أو روائيًا. لقد اعتدت على هذا الأمر منذ زمن بعيد. لكنه على ما يبدو يزعج الكثير من الناس، بالتحديد أولئك الذين أسّسوا من قبل شركات عادية. انزعج العديد منهم لأن الشركات المدعوة بالناشئة تحظى بالاهتمام، مع أنه بالكاد القليل منها سيصل إلى أي شيء. إذا رجعوا خطوة للوراء ونظروا إلى الصورة الكاملة فإنهم سيكونون أقل سخطًا. إن الخطأ الذي يرتكبونه هو إسناد رأيهم بناءً على أدلة كلامية لأنهم يحكمون ضمنيًا عبر استخدام الوسيط median لا المتوسط الحسابي. إذا حكمت على الشركة الناشئة الوسيطة، فإن كامل مفهوم الشركة الناشئة سيبدو كاحتيال. عليك أن تخترع فقاعة لشرح لماذا يرغب المؤسسون بإطلاق تلك الشركات أو المستثمرون بتمويلها. لكن من الخطأ استخدام الوسيط في مجال فيه تباينات كبيرة. إذا نظرت إلى المتوسط الحسابي للمخرجات بدلًا من الوسيط، يمكنك أن تفهم لماذا يحبهم المستثمرون، ولماذا من العقلانية بالنسبة للمؤسسين إطلاق تلك الشركات. الصفقات لماذا يحبّ المستثمرون الشركات الناشئة جدًا؟ لماذا يتحمسون للغاية للاستثمار في تطبيقات مشاركة الصور، بدلًا عن الأعمال التي تحقق الأموال بشكل أفضل؟ ليس من أجل السبب الواضح فقط. إن اختبار أي استثمار هو معدل العائد إلى الخطر. تتجاوز الشركات الناشئة هذا الاختبار لأنها ،على الرغم من خطورتها الواضحة، تحقق العوائد المجزية عندما تنجح. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل المستثمرين يحبون الشركات الناشئة. قد يكون لدى الشركة العادية بطيئة النمو معدل عائد على الخطر جيد تمامًا كما لدى الشركة الناشئة أيضًا إذا كانت بطيئة. بالتالي لماذا يهتمّ المستثمرون المخاطرون فقط بالشّركات عالية النمو؟ السبب الحقيقي يكمن في أنهم يحصلون على العوائد عندما يسترجعون رأس المال، والحالة المثالية لذلك بعد طرح الشركة الناشئة للاكتتاب العام، أو يتعذر حصولهم على شيء عندما يُستحوذ عليها. الطريقة الأخرى للحصول على العوائد من الاستثمارات هي في شكل أرباح الأسهم. لماذا لا توجد هناك صناعة موازية للاستثمار المخاطر حيث يكون الاستثمار في الشركة العادية بمقابل نسبة من أرباحها؟ لأنه من السهل للغاية على الأشخاص الذين يديرون الشركة الخاصة أن يحولوا عائداتها لأنفسهم ( مثلًا عبر شراء المكونات المبالغ بسعرها من موردين يمكنهم التحكم بهم) أثناء عملية تحويل شكل الشركة لتبدو وكأنها مربحة بعض الشيء. وعلى أي شخص يستثمر في الشركات الخاصة مقابل العوائد على الأسهم أن يكون مطّلعًا عن كثب على سجلات ودفاتر الشركة المالية. السبب الذي يدفع المستثمرين المخاطرين للاستثمار في الشركات الناشئة، ببساطة ليس العوائد، بل أيضًا إن مثل هذه الاستثمارات سهلة المراقبة والإشراف. حيث أن المؤسسين لا يمكنهم إثراء أنفسهم بدون إثراء المستثمرين. [12] لماذا يريد المؤسّسون أن يحصلوا على أموال المستثمرين المخاطرين؟ النمو، مجددًا. إن القيود التي تفصل ما بين الأفكار الجيدة والنمو تعمل في كلا الاتجاهين. ليس الأمر مجرد أنك تريد فكرة قابلة للتكبير من أجل النمو. إذا كانت لديك مثل هذه الفكرة لكنك لا تنمو بسرعة، فإن المنافسين سيفعلون ذلك. إن النمو البطيء للغاية خطر على الشركات مع تأثيرات جانبية على غيرها، وهو ما تواجهه حتى أفضل الشركات الناشئة عادة إلى حد ما. كل شركة تقريبًا بحاجة لبعض المال من أجل أن تبدأ. لكن غالبًا ما تحصل الشركات على تمويل حتى عندما تكون رابحة. قد يبدو من الغباء بيع أسهم شركة رابحة بسعر أقل مما تعتقد أنه سيكون في المستقبل، لكنه ليس بقدر الغباء الذي يدفعك لشراء بوليصة تأمين. في الواقع هذا ما تقوم به معظم الشركات الناشئة الناجحة عندما تستعرض عمليات التمويل. حيث يمكنها النمو بالاعتماد على عائداتها الخاصة، لكن يساعد المال الإضافي الذي يقدمه المستثمرين المخاطرين على النمو أسرع. إن الحصول على التمويل يتيح لك اختيار معدل النمو الخاص بك. دائمًا يكون المال المخصص للنمو بسرعة في قيادة معظم الشركات الناشئة الناجحة. يمكن للشركة الناشئة أن تربح فقط إذا أرادت النمو بواسطة عائداتها الخاصة. قد يكون النمو البطيء خطرًا بعض الشيء، لكن هناك احتمالات بأن تنجو. في حين أن المستثمرين المخاطرين يبحثون عن الاستثمار في الشركات الناشئة، وتحديدًا في الشركات الناشئة الأكثر نجاحًا، أو سوف يتوقفون عن العمل ويفشلون. وهذا يعني أن أي شركة ناشئة واعدة سوف يعرض عليها الحصول على المال بشروط لن يستطيعوا رفضها. وبالنظر إلى حجم النجاح في أعمال الشركات الناشئة، لا يزال أمام المستثمرين المخاطرين فرصة لتحقيق الأرباح من مثل هذه الاستثمارات. قد لا تصدق أن شركتك سوف تصل قيمتها إلى معدل نمو مرتفع للغاية، لكن البعض يصدق ذلك. لماذا كل شركة ناشئة ناجحة تقريبًا سوف تتلقّى عروض استحواذ أيضًا؟ ما الذي يجعل الشركات الناشئة مرغوبة لدى الشركات الأخرى لدرجة أنها تريد شرائها؟[13] في الواقع أن الشيء الذي يجعل أي شخص يرغب بالحصول على أسهم الشركات الناشئة الناجحة: هو أن الشركة الناشئة التي تنمو بسرعة تصبح قيّمة. أنه أمر جيد على سبيل المثال أن تستحوذ إيباي eBay على باي بال Paypal ، لأن باي بال اليوم مسؤولة عن 43% من مبيعاتها وربما قسم أكبر من نموها. لكن هناك أسباب إضافية تجعل المستحوِذين يرغبون بالشركات الناشئة. إن الشركة التي تنمو بسرعة ليست فقط قيّمة، بل خطرة أيضًا. إذا استمرت بالتوسّع، قد تصل لمرحلة تتوسّع فيها ضمن منطقة سيطرة المستحوذ نفسه. إن معظم عمليات الاستحواذ على المنتجات تحوي جزءًا من الخوف. حتى لو لم يتّعرض المستحوذ لتهديد الشركة الناشئة نفسها، قد يستشعرون الخطر مما يمكن للمنافس أن يفعل بالشركة المستحوذ عليها. وبسبب أن الشركات الناشئة تبدو قيمتها مضاعفة بالنسبة للمستحوِذ، فإنه غالبًا ما يدفع المزيد من المال مقارنة بمستثمر عادي. الفهم إن مزيج المؤسسين، المستثمرين و المستحوِذين يشكّل نظامًا اقتصاديّا طبيعيّا. إنّه يعمل بطريقة تجعل أولئك الذين لا يفهمونه يخترعون نظريات مؤامرة لشرح كيف تسير الأمور. إذا بدأت من افتراض خاطئ أن انستغرام Instagram كان عديم القيمة، عليك أن تبتكر رئيسًا سريًّا يجبر مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg على شرائه. وأي شخص يعرف مارك زوكربيرغ فإن هذا برهان مخالف للافتراض الأولي. السبب الذي دفعه لشراء انستغرام كان أنها شركة قيّمة وخطرة وما جعلها كذلك هو النمو. إذا أردت فهم الشركات الناشئة، افهم النمو. يقود النمو كل شيء في هذا العالم. النمو هو السبب الذي يجعل الشركات الناشئة عادة تعمل في قطاع التقنية، لأن أفكار الشركات التي تنمو بسرعة نادرة جدًا لدرجة أن أفضل طريقة للعثور على واحدة منها هو استكشاف ما أظهرته التغييرات الأخيرة، والتقنية هي أفضل مصدر للتغيير السريع. إن النمو هو ما يفسر عقلانية الخيار للعديد من المؤسسين لجدوى محاولة إطلاق شركة ناشئة: النمو يجعل الشركات الناجحة قيّمة للغاية لدرجة أن القيمة المتوقعة عالية على الرغم من ارتفاع الخطر أيضًا. النمو هو ما يجعل المستثمرين المخاطرين يستثمرون في الشركات الناشئة: ليس من أجل العوائد العالية فقط، بل أيضًا من أجل سهولة توليد العوائد على رأس المال مقارنة بتوليد العوائد من الأسهم. يشرح النمو سبب قبول الشركات الناشئة الناجحة للتمويل المخاطر حتى عندما لا تكون بحاجة له: أنه يسمح لهم باختيار معدل النمو. ويشرح النمو لماذا تحصل الشركات الناشئة الناجحة بشكل مستمر على عروض استحواذ. إن الشركة التي تنمو بسرعة بالنسبة للمستحوِذين ليست مجرد قيّمة بل خطرة أيضًا. إذا أردت النجاح في مجال ما، ليس عليك فهم القوى المؤثرة فيه فحسب. إن تأسيس الشركات الناشئة يتألف من عملية فهم النمو. ما ستقوم به حقًا ( ومن أجل أن أرعب بعض المتحفظين، كل ما تقوم به) عند تأسيس شركة ناشئة هو الالتزام بحل أصعب نوع من المشاكل مقارنة بما تفعله الشركات العادية. فأنت ملتزم بالبحث عن واحدة من الأفكار النادرة التي تحقق النمو السريع. لأن هذه الأفكار قيّمة للغاية لدرجة أن العثور على واحدة منها صعب. إن الشركة الناشئة ما هي إلا تجسيد لاكتشافاتك. بالتالي تأسيس الشركة الناشئة يشابه إلى حد كبير أن تقرر بأن تصبح عالم أبحاث: لست ملتزمًا بحل أي مشكلة محددة، لا تعرف بالتأكيد أي المشاكل قابلة للحل، لكنك ملتزم بمحاولة استكشاف شيء ما لم يعرفه أحد بعد. في الواقع إن مؤسس الشركة الناشئة عالم أبحاث اقتصادي. معظم المؤسسين لا يكتشفون أي شيء رائع، لكن البعض يكتشف النسبية. الهوامش [1] بالمعنى الدقيق للكلمة، أنت لست بحاجة إلى عدد كبير من الزبائن بل إلى سوق كبير، ما يعني أن المنتج الذي لديه عدد كبير من الزبائن الذين يشترون عدة مرات يخبرنا بالمقدار الذي سيدفعونه. لكن أيضًا من الخطر أن يكون لديك عدد قليل من الزبائن حتى لو كانوا يدفعون الكثير، أو لدى كل زبون بشكل فردي سلطة أكبر يمكن أن تحولك في الواقع إلى شركة استشارية. لذا بغضّ النظر عن السوق الذي تعمل فيه، سيحتم عليك عادة أن تفعل أفضل ما في وسعك على الجانب الذي يجعلك تصنع أوسع نوع من المنتجات. [2] شجّع ديفيد هاينماير هانسون David Heinemeier Hansson في إحدى السنوات في كلية الشركات الناشئة المبرمجين الذين يرغبون تأسيس شركاتهم الخاصة على استخدام المطاعم كنموذج عمل. ما كان يقصده، برأي، أنه من المقبول أن تبدأ شركة برمجيات مقيدة في (أ) بنفس الطريقة التي كان بها المطعم مقيد في (ب). اتفق مع هذا الكلام. ليس على معظم الناس أن يحاولوا تأسيس شركة ناشئة. [3] ذلك النوع من التراجع هو أحد الأشياء التي نركّز عليها في حاضنة Y Combinator أنه شيء شائع بالنسبة للمؤسسين أن يقوموا باستكشاف شيء بواسطة الحدس بدون فهم كل تطبيقاته. وهذا صحيح على الأرجح لأكبر الاكتشافات في أي مجال. [4] لقد أخطأت فيما سبق (في مقالة " كيف تصنع الثروة " تحديدًا) عندما قلت أن الشركات الناشئة كانت شركات صغيرة تعمل على مشكلة تقنية صعبة. تلك كانت الوصفة الأكثر شيوعًا ولم أكن المخطئ الوحيد. [5] لا تكون الشركات محدودة بحجم السوق الذي تخدمه ظاهريًا، بسبب أنها قادرة على التوسّع في أسواق جديدة. لكن يبدو أن هناك قيود على إمكانية فعل ذلك من قبل الشركات الكبيرة. ما يعني أن التباطؤ الذي يحصل نتيجة الاصطدام مع قيود أحد الأسواق هو في النهاية مجرد طريقة أخرى للتعبير عن القيود الداخلية. قد يمكن تجاوز بعضّ هذه القيود عبر تغيير شكل المنظمة - تحديدًا تقسيمها. [6] من الواضح أن هذا الأمر خاص بالشركات الناشئة التي أطلقت بالفعل أو يمكن أن تطلق خلال فترة الحضانة. إن الشركة الناشئة التي تصمم قاعدة بيانات على الأرجح لن تفعل هذا. وعلى الجانب الآخر فإن إطلاق شيء ما بشكل صغير ثم استخدام معدل النمو كضغط يعتبر تقنية قيّمة يجب على أيّ شركة قادرة على أن تبدأ بها أن تفعل ذلك. [7] يجب أن يكون معدلّ النمو أعلى، إذا كانت الشركة الناشئة تنظر إلى بدايات فيس بوك وتويتر وتصنع شيء تأمل أنه سيصبح مشهورًا للغاية لكنها لم تحدد بعد خطة لتحقيق الإيرادات. على الرغم من أن هذا بديل عن نمو العائدات، لأن مثل هذه الشركات تحتاج لعدد كبير جدًا من المستخدمين لتحقق النجاح. كنّ حذرًا أيضًا من حالة الحافة حيث يتّسع كل شيء بسرعة، إذ يكون لديك صافي ثروة جيد حتى تقوم باستغلال كافة المستخدمين المحتملين، وعند هذه النقطة تتوقف فجأة. [8] عندما نقول في الحاضنة أنه من الحق أن تفعل كل ما يجب فعله لتحقيق معدل النمو المطلوب، نقصد بذلك ضمنيًا استثناء الخدع مثل شراء المستخدمين، اعتبارهم نشطين عندما لا يكونون كذلك، إرسال الدعوات بشكل متزايد دوريًا لصنع منحنى نمو مثالي ...إلخ. وحتى لو تمكّنت من خداع المستثمرين بمثل هذه الخدع، سينتهي بك الأمر إلى أن تؤذي نفسك، لأنك ترمي البوصلة الخاصة بك بعيدًا. [9] وهي لماذا يعتبر خطأ خطير أن تعتقد أن الشركة الناشئة الناجحة هي ببساطة تجّسيد بعض الأفكار الأوّلية الرائعة. ليس ما تبحث عنه هو الفكرة الرائعة بقدر ما هو فكرة يمكنك تطويرها لتصبح رائعة. يكّمن الخطر في أن الأفكار الواعدة ليست مجرد نسخة مموهة عن الأفكار الرائعة. إنها في الغالب نوع مختلف من الأفكار، لأن المستخدمين الأوائل الذين تقوم بتطوير فكرتك بناءً عليهم لديهم احتياجات مختلفة عن باقي أفراد السوق. على سبيل المثال، الفكرة التي تطورت إلى فيس بوك لم تكن مجرد مجموعة جزئية من فيس بوك، الفكرة التي تطورت إلى فيس بوك كانت موقع ويب لخريجي جامعة هارفارد. [10] ماذا لو نمت الشركة 1.7 مرة سنويًا ولفترة طويلة للغاية؟ أليس بإمكانها النمو بنفس القدر الذي تنمو به أية شركة ناشئة ناجحة؟ من حيث المبدأ نعم بالطبع. إذا كانت شركتنا المفترضة تحقق ألف دولار شهريًا وتنمو بمعدل 1% سنويًا حتى 19 عامًا، فإنها ستنمو وتصبح كبيرة كما لو نمت شركة بمعدل 5% أسبوعيًا لفترة 4 سنوات. ولكن في حين أن مثل هذه المسارات تكون شائعة في بعض المجالات مثل التطوير العقاري، فإنك لا تراها تتكرر كثيرًا في الشركات التقنية والأعمال المتصلة بها. تميل الشركات في قطاع التقنية والتي تنمو ببطء إلى أن لا تنمو كالشركات الكبيرة. [11] يختلف أي حساب للقيمة المتوقعة من شخص لآخر بحسب دالّة منفعة المال، مثلًا يكون المليون الأول قيّمًا أكثر بالنسبة لمعظم الناس مقارنة بالملايين الأخرى التالية. لكن لأي مدى يكون قيّمًا أكثر؟ يعتمد ذلك على الشخص. بالنسبة للمؤسسين الذين كانوا أكثر شبابًا وطموحًا تكون دالة المنفعة مستقيمة، وعلى الأرجح ما يجعل السبب بأن معظم مؤسسي الشركات الناجحة يكونون شباب. [12] بدقة أكبر، هذه هي حالة الفائز الأكبر، والذي يكون مصدر كل الإيرادات. يمكن لمؤسس الشركة الناشئة أن يقوم بنفس الخدعة التي تثري نفسه على حساب الشركة من خلال بيعها مكونات مبالغ في سعرها. لكنه لن يكون الأمر يستحق هذا العناء بالنسبة لمؤسسي غوغل. إن مؤسسي الشركات الناشئة الفاشلة فقط من يسقطون تحت هذا الإغراء، وعلى كل حال هؤلاء تم شطبهم من اهتمام شركات التمويل المخاطر. [13] تصنّف الاستحواذات في تصنيفين: تلك الاستحواذات التي تودّ بها الشركة المستحوذة الحصول على الشركة المستحوذ عليها، وتلك التي ترغب الشركة المستحوذة بالحصول على موظفي الشركة المستحوذ عليها فقط. ويطلق على هذا النوع الأخير أحيانًا استحواذات الموارد البشرية. لأنها تكون اسميًا عملية استحواذ لكنها تحمل تأثير كبير على حساب القيمة المتوقعة بالنسبة للمؤسسين، لذا ترى الشركة المستحوذة عمليات استحواذات الموارد البشرية أقرب إلى توظيف المكافآت. [14] شرحت هذا الأمر ذات مرة لبعض المؤسسين الذين وصلوا للتو من روسيا. وجدوا الأمر غريبًا أنه إذا هددت شركة ما فإنها ستدفع لك غرامة. قالوا لي بشيء مشوب بالمزاح " في روسيا سيكتفون بقتلك ". من ناحية اقتصادية، إن الشركات القائمة لا يمكنها ببساطة إلغاء المنافسين الجدد وهذا قد يكون واحد من أكثر الوجوه قيمة لقواعد القانون. وهكذا نرى أن من لديه منصب وسلطة يقمع المنافسين من خلال القوانين أو دعاوى براءات الاختراع، يجب علينا القلق ليس لأنه خروج عن القانون في حد ذاته، بل خروج عم يسعى القانون لتطبيقه. ترجمة -وبتصرّف- للمقال startup = Growth لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
- 1 تعليق
-
- 3
-
من أكثر الأمور شيوعًا التي ننصح بها في شركة Y Combinator هي فعل الأشياء البسيطة دون رغبةٍ في توسيع نطاقها في البداية. يعتقد الكثير من المؤسسين المحتملين أن الشركات الناشئة إما تشرع في النّجاح أو لن تنجح أبدًا. فأنت تبني شيئًا وتجعله متاحًا، وإذا صنعتَ مصيدةً أفضل سيجد الناس طريقهم إليك أفواجًا كما تعِدُك المصيدة، أو لن يجدوه، وفي هذه الحالة لن يكون هناك سوق.[1] في الحقيقة، تنجح الشركات الناشئة في العمل لأن المؤسسين يجعلونها تنجح. ربما تكون هناك قلَّة من الشركات التي نَمَت بأنفسها، ولكن يتطلب الأمر عادةً دفعةً ما لتنطلق. يشبه الأمر عامود الحركة الذي كان موجودًا في محركات السيارات قبل بادئ الحركة الكهربائي؛ ما أن يبدأ المحرك في العمل يستمر في الحركة، ولكن عمله يستلزم عمليةً منفصلة وشاقة. جذب المستخدمينإن الأمر الأكثر شيوعًا بين الأمور التي تبقى دون توسُّع في البداية، والذي ينبغي على كافة المؤسسين القيام به، هو جذب المستخدمين يدويًا. على كل الشركات الناشئة تقريبًا أن تفعل ذلك؛ لا يمكنك انتظار أن يأتي المستخدمون إليك، عليكَ أن تذهب إليهم وتأتي بهم. شركة Stripe واحدة من أنجح الشركات الناشئة التي موَّلناها، وكانت المشكلة التي تقدم حلًا لها مُلحَّة؛ فإذا كان هناك من يمكنه الاسترخاء وانتظار المستخدمين، فهي Stripe، ولكنها في الحقيقة تشتهر داخل شركة YCباكتسابها للمستخدمين بشكل مبكر وجريء. لدى الشركات الناشئة التي تصنع أشياءً لشركات ناشئة أخرى مجموعةً كبيرةً من المستخدمين المحتملين في الشركات الأخرى التي موَّلناها، ولم تستغل أي شركة هذا الأمر أفضل من Stripe. نستخدم في شركة YC مصطلح ‹‹التركيب التصادمي›› لوصف التقنية التي اخترعوها. يسأل المؤسسون الأكثر خجلًا شخصًا ما: ‹‹هل تود تجربة نسختنا التجريبية؟›› وإذا كانت الإجابة نعم، يقولون: ‹‹رائع، سنرسل لك رابطًا››، ولكن هؤلاء التصادميون لم ينتظروا، فعندما كان يوافق أي شخص على تجربة Stripe كانوا يقولون: ‹‹حسنًا إذًا، أعطني حاسبك الشخصي›› وينشئون له حسابًا على الفور. ثمَّة سببان يمنعان المؤسسين من الانطلاق وجذب المستخدمين بصورةٍ فردية: أحدهما مزيج من الخجل والكسل؛ فهم يفضلون الجلوس في المنزل وكتابة الشيفرات البرمجية على الخروج والتحدث مع مجموعة من الغرباء والتعرض للرفض من معظمهم على الأرجح. ولكن لكي تنجح شركة ناشئة سيضطر واحد على الأقل من المؤسسين (عادةً ما يكون المدير التنفيذي) إلى قضاء الكثير من الوقت في التسويق والمبيعات. [2] السبب الثاني الذي يجعل المؤسسين يتجاهلون هذا الطريق هو أن الأرقام النهائية تبدو ضئيلةً للغاية في البداية، فهم يعتقدون أن الشركات الناشئة الشهيرة الكبيرة لا يمكن أن تكون قد بدأت كذلك. الخطأ الذي يرتكبونه هو التقليل من شأن قوة النمو المركب. نحن نشجع كل شركة ناشئة على قياس تقدمها بمعدل النمو الأسبوعي، إذا كان لديك 100 مستخدمًا فأنت بحاجة لاكتساب 10 آخرين الأسبوع التالي لتنمو بمعدل 10% أسبوعيًا، وبينما قد لا يبدو الرقم 110 أفضل كثيرًا من 100، إلا أنك إذا استمريت في النمو بمعدل 10% أسبوعيًا ستتفاجأ من الحجم الذي سيبلغه الرقم. بعد سنةٍ سيكون لديك 14000 مستخدمًا، وبعد سنتين سيكون لديك مليونان. ستفعل أشياءً مختلفةً عندما تكتسب مستخدمين بالآلاف، وسيتباطأ النمو في نهاية الأمر. ولكن إذا كان لديك سوقًا فيمكنك البدء عادةً بجذب المستخدمين يدويًا ثم الانتقال تدريجيًا إلى استخدام طرقٍ أقل يدويةً.[3] يُعد موقع Airbnb مثالًا كلاسيكيًا على هذه التقنية، فمن الصعب تحريك عمل المنصات marketplaces في البداية لدرجة أنك من المتوقع أن تتخذ إجراءات استثنائية للغاية. في حالة Airbnb كانت تلك الإجراءات هي طرق الأبواب في نيويورك لجذب مستخدمين جدد، ومساعدة المستخدمين الحاليين على تحسين قوائمهم. عندما أتذكر فريق عمل Airbnb خلال فترة عملهم مع شركة YC أتصورهم حاملين حقائب سفر، لأنهم عندما كانوا يأتون لتناول العشاء في أيام الثلاثاء، كانوا دائمًا عائدين للتّو من مكانٍ ما. الهشاشةيبدو Airbnb الآن كقوة هائلة لا يمكن إيقافها، ولكن في بدايته كان هشًّا للغاية لدرجة أن 30 يومًا فقط من الخروج والتفاعل مع المستخدمين بصورةٍ شخصيةٍ وضعته على طريق النجاح بدلًا من الفشل. لم تكن تلك الهشاشة الأولية سمة فريدة قاصرة على Airbnb فقط؛ فكل الشركات الناشئة تقريبًا تكون هشّة في البداية، وهذا أحد أكبر الأمور التي يسيء فهمها المؤسسون المبتدئون والمستثمرون (وكذلك الصحفيون ومن يدَّعون معرفة كل شيء في المنتديات) ؛ فيحكمون بدون وعيٍ على الشركات الناشئة الوليدة بمعايير الشركات المستقرة. كأنهم ينظرون إلى طفلٍ رضيع ويستنتجون أن ‹‹هذا الكائن الصغير لن يتمكن من تحقيق أي شيء أبدًا››. من غير المضر أن يرفض الصحفيون ومن يدَّعون معرفة كل شيء شركتك الناشئة؛ فهم دائمًا ما يخطئون في تقدير الأمور، بل من المقبول أن يرفض حتى المستثمرون شركتك الناشئة؛ فهم سيغيّرون آراءهم عندما يرون نموها. الخطر الكبير هو أن ترفض أنت نفسك شركتك الناشئة. لقد رأيتُ ذلك يحدث، عليّ غالبًا أن أشجع المؤسسين الذين لا يرون القدرات الكاملة لما يبنونه. وقع حتى بيل جيتس في ذلك الخطأ، فقد عاد إلى هارفارد في الخريف بعد تأسيس مايكروسوفت، لم يبقَ طويلًا ولكنه لم يكن ليعود من الأساس إذا كان قد أدرك أن مايكروسوفت ستصل حتى إلى جزءٍ صغيرٍ من الحجم الذي وصلت إليه. [4] السّؤال الذي يجب طرحه حول أي شركة ناشئة في المراحل المبكرة ليس ‹‹هل ستسيطر هذه الشركة على العالم؟›› وإنما ‹‹كم سيكون حجم هذه الشركة إذا فعل المؤسسون الأمور الصحيحة؟›› والأمور الصحيحة غالبًا ما تبدو شاقة وغير هامة في ذلك الوقت. بالطبع لم تبدُ مايكروسوفت مثيرة للغاية عندما كانت تتكون من شابين فقط في ألباكركي يراسلان مترجمي لغة بيسك للوصول إلى سوقٍ من بضعة آلاف من الهواة (كما كان يُطلق عليهم حينها)، ولكن بالنظر إلى الماضي، كان ذلك هو الطريق الأمثل للهيمنة على برمجيات الحاسب الدقيقة. وأعرف أن براين تشيسكي Brian Chesky وجو جيبيا Joe Gebbia لم يشعرا أنهما على الطريق نحو فرصتهما الكبيرة عندما كانا يلتقطان صورًا ‹‹مهنية›› لشقق مضيفيهم الأوائل، فهما كانا يحاولان النجاة فقط، ولكن بالنظر إلى الماضي كان ذلك أيضًا هو الطريق الأمثل للهيمنة على سوقٍ كبير. كيف تعثر على المستخدمين لتجندهم يدويًا؟ إذا بنيتَ شيئًا لحل مشاكلك الخاصة، فعليك فقط أن تعثر على أقرانك؛ وهو ما يكون عادةً أمرًا مباشرًا. وفيما عدا ذلك سيكون عليك أن تبذل جهدًا مدروسًا لتحديد موقع أكثر المستخدمين الواعدين. الطريقة المعتادة لفعل ذلك هي الحصول على مجموعة مبدئية من المستخدمين من خلال الانطلاق غير محدد الهدف نسبيًا، ثم ملاحظة أي نوع منهم يبدو أكثر تحمسًا، والسعي للحصول على آخرين مثلهم. لاحظ بن سيلبرمان Ben Silbermann على سبيل المثال أن الكثير من المستخدمين الأوائل لموقع Pinterest كانوا مهتمين بالتصميم، لذا ذهب إلى مؤتمرٍ للمدونين عن التصميم لجذب المستخدمين؛ ونجح ذلك. [5] البهجةعليك اتخاذ إجراءات استثنائية، ليس فقط لاكتساب المستخدمين، بل لإسعادهم أيضًا. ظل فريق موقع Wufo يرسل رسالة شكر بخط اليد لكل مستخدمٍ جديد لأطول وقتٍ ممكن (وهو ما اتضح أنه وقت طويل على نحوٍ مفاجئ). على المستخدمين الأوائل أن يشعروا أن الاشتراك معك كان أحد أفضل الخيارات التي اتخذوها على الإطلاق، وعليك في المقابل أن تفكر مليًا في طرقٍ جديدة لإبهاجهم. لماذا علينا أن نعلِّم ذلك للشركات الناشئة؟ لماذا يمثل ذلك أمرًا غير بديهي للمؤسسين؟ هناك، كما أعتقد، ثلاثة أسباب: الأول أن الكثير من مؤسسي الشركات الناشئة مدربون على الهندسة، وخدمة العملاء ليست جزءًا من التدريب على الهندسة؛ فمن المفترض أن تبني أشياءً قوية وأنيقة، لا أن تنتبه بخنوع للمستخدمين الأفراد مثل البائعين. من المثير للسخرية أن أحد أسباب عزوف الهندسة تقليديًا عن الإدارة أن تقاليدها تعود إلى وقتٍ كان فيه المهندسون أقل قوةً؛ عندما كانوا مسؤولين فقط عن نطاقهم الضيق، وهو صناعة الأشياء، وليس إدارة الأمر بأكمله. يمكنك أن تكون عنيدًا، ولكن ليس عندما تدير دفة الأمور. السبب الآخر الذي يجعل المؤسسين لا يركزون بما يكفي على العملاء الأفراد هو أنهم يخشون أنه لا يُمكن القيام بذلك على نطاق واسع، ولكن عندما يقلق مؤسسو الشركات الناشئة الوليدة بشأن ذلك أشير إلى أنهم في وضعهم الحالي ليس لديهم ما يخسرونه. ربما إذا بذلوا جهودًا إضافية لإسعاد مستخدميهم الحاليين بشدة، سيكتسبون يومًا ما الكثير جدًا من المستخدمين ليقدموا لهم الكثير، ستكون تلك مشكلة كبيرة. لترَ إذا كان بإمكانك تحقيق ذلك، وعندما تفعل، بالتبعية، ستجد أن العملاء المسرورين يتوسعون بصورةٍ أفضل مما توقعتَ. لأنّه بإمكانك عادةً إيجاد طرق جديدة لجعل أي شيء يتوسع أكثر مما تتنبأ له به، ولأن العملاء المسرورون بحلول ذلك الوقت سيكونوا قد انتشروا في ثقافتك. لم أرَ قط شركة ناشئة تدخل في نفقٍ مظلمٍ بمحاولاتها الحثيثة لإسعاد مستخدميها الأوائل. ولكن ربما الأمر الأكبر الذي يمنع المؤسسين من إدراك كمّ الانتباه الذي يمكنهم أن يولوه لمستخدميهم، أنهم لم يجربوا مثل ذلك الانتباه بأنفسهم. فقد تحددت معاييرهم لخدمة العملاء بالشركات التي كانوا عملاءً لها، والتي تكون في غالب الأمر شركات كبيرة. لا يرسل لك تيم كوك رسالة شكر مكتوبة بخط اليد بعد أن تشتري حاسبًا شخصيًا، لا يمكنه ذلك، ولكن يمكنك أنت القيام بذلك، فهذه إحدى مزايا أن تكون صغيرًا؛ يمكنك تقديم مستوى من الخدمات لا يمكن للشركات الكبرى تقديمه. (6) بمجرد أن تدرك أن الأعراف السائدة ليست الحدود النهائية لتجربة المستخدمين، يصبح التفكير في المدى الذي قد تصل إليه لإسعاد مستخدميك مثيرًا للاهتمام على نحوٍ سار. التجربةكنت أحاول التفكير في عبارةٍ توضح إلى أي حدٍ يجب أن يصل انتباهك للمستخدمين، ثم أدركت أن ستيف جوبز قد قالها بالفعل، إلى حدٍ جنوني. لم يكن ستيف يستخدم كلمة ‹‹جنوني›› لترادف كلمة ‹‹جدًا›› بل كان يعنيها حرفيًا؛ أي أن على المرء التركيز على جودة التنفيذ لدرجة قد تعتبر مَرَضيةً في الحياة اليومية. لقد فعلَت ذلك كل الشركات الناشئة الناجحة التي موَّلناها، ولا يفاجيء ذلك على الأرجح المؤسسين المستقبليين. ما لا يفهمه المؤسسون المبتدؤون هو ما تُترجَم إليه عبارة ‹‹إلى حدٍ جنوني›› في الشركات الناشئة الوليدة. عندما بدأ ستيف جوبز يستخدم تلك العبارة كانت آبل شركة مستقرة بالفعل، فهو كان يقصد أنه على جهاز ماك (وتوثيقه وحتى تعبئته؛ فهذه هي طبيعة الهوس) أن يكون مصممًا ومصنعًا على نحوٍ جيد إلى درجةٍ جنونية. ليس من الصعب على المهندسين فهم ذلك، فهو مجرد نسخة متطرفة أكثر قليلًا من تصميم منتجٍ قويٍ وأنيق. ما يصعب على المؤسّسين فهمه (وربما كان قد صعب على ستيف نفسه فهمه) هو ما سيتحول إليه هذا الحد الجنوني مع تحريك مؤشر الوقت للوراء إلى الشهرين الأوليين من حياة الشركة الناشئة. ليس المنتج هو ما عليه أن يكون رائعًا إلى حدٍ جنوني، وإنما تجربة مستخدمك، والمنتج أحد مكونات تلك التجربة فقط، وهو بالضرورة المكون الأبرز للشركات الكبيرة. ولكن يمكنك، بل وعليك، أن تقدم للمستخدمين تجربةً رائعة إلى حدٍ جنوني مع منتجٍ أولي غير مكتمل وبه أخطاء، إذا عوَّضت عن ذلك بالانتباه لهم. يمكنك ذلك، ولكن هل عليك القيام بذلك؟ أجل؛ إن التفاعل الزائد مع المستخدمين الأوائل ليس مجرد تقنية مشروعة لتفعيل النمو، ولكنه يشكل جزءًا أساسيًا من حلقة التغذية الراجعة لأنجح الشركات الناشئة ، والتي تجعل المنتج جيدًا. إن صنع مصيدة أفضل ليس عملية ذرية، حتى إذا بدأتَ كما بدأت معظم الشركات الناشئة الناجحة ببناء شيءٍ تحتاجه أنت نفسك، فإن أول شيء تبنيه لن يكون سليمًا تمامًا. ومن الأفضل غالبًا عدم استهداف الكمال في بداية الأمر، إلا في النطاقات التي تفرض عقوبات كبيرة على ارتكاب الأخطاء. من أكثر الطرق نجاحًا، خاصةً في البرمجيات، إتاحة الشيء للمستخدمين بمجرد تمتعه بقدرٍ من النفع لهم، ثم ملاحظة ما يفعلونه به. غالبًا ما يكون طلب الكمال عذرًا للمماطلة، وفي كل الحالات لا يكون نموذجك الأولي للمستخدمين دقيقًا، حتى إذا كنتَ واحدًا منهم. [7] إن التغذية الراجعة التي تحصل عليها نتيجة التفاعل المباشر مع المستخدمين الأوائل ستكون أفضل ما يمكن أن تحصل عليه. عندما تكون شركتك كبيرةً جدًا ستضطر إلى اللجوء إلى المجموعات التجريبية، وستتمنى لو استطعت العودة إلى منازل المستخدمين ومكاتبهم ومشاهدتهم يستخدمون منتجك كما كنت تفعل عندما كانوا قليلين جدًا. النيرانأحيانًا تكون الخدعة الصحيحة التي لا تتوسَّع هي التركيز على سوقٍ ضيقٍ عن عمدٍ، مثل احتواء النيران في البداية حتى تصبح ملتهبة جدًا قبل إضافة المزيد من الأخشاب. هذا ما فعله موقع فيس بوك، في البداية كان مخصصًا لطلاب جامعة هارفارد فقط، وهكذا كان له سوق محتمل من بضعة آلاف شخص فقط، ولكن اشتركت كتلة حرجة منهم لأنهم شعروا أنه موجه لهم حقًا. بعد أن توقف فيس بوك عن كونه مخصصًا لطلاب هارفارد فقط، ظل مخصصًا للطلاب في جامعات محددة لفترةٍ. عندما حاورتُ مارك زوكربيرج في مدرسة الشركات الناشئة قال أنه على الرغم من أن صنع قوائم بالمحاضرات الدراسية الخاصة بكل كليةٍ كان عملًا كثيرًا، إلا أن ذلك جعل الطلاب يشعرون أن الموقع موطنهم الطبيعي. على أي شركة ناشئة يمكن وصفها بأنها متجر أن تبدأ كتابعٍ للسوق عادةً، ولكن يمكن أن يسري ذلك على الشركات الناشئة الأخرى كذلك. من المجدي دائمًا أن تسأل عمّا إذا كانت هناك مجموعة تابعة للسوق الذي يمكنك الحصول فيه على كتلة حرجة من المستخدمين بسرعة. [8] معظم الشركات الناشئة التي تستخدم استراتيجية احتواء النيران تفعل ذلك دون وعي، فهي تبني شيئًا لنفسها ولأصدقائها، الذين يصدف أن يكونوا المستهلكين الأوائل، ثم يدركون لاحقًا أن بإمكانهم تقديم ذلك لسوقٍ أوسع. تنجح الاستراتيجية أيضًا إذا اتبعتها دون وعي. الخطر الأكبر لعدم الوعي بهذا النمط يواجه هؤلاء الذين يستبعدون بسذاجةٍ جزءًا منها. مثال على ذلك، إذا لم تبنِ شيئًا لك ولأصدقائك، أو حتى إذا فعلتَ، ولكنك تنتمي لعالم الشركات وأصدقاؤك ليسوا هم المستهلكين الأوائل لمنتجك، فلن يكون لديك سوقًا أوليًا مثاليًا مُقدمًا لك على طبقٍ من فضة. عادةً ما يكون أفضل المستهلكين الأوائل بين الشركات هم الشركات الناشئة، فهي أكثر انفتاحًا على الأمور الجديدة بطبيعتها، ولأنها لم تحسم كل خياراتها بعد لأنها ما زالت مبتدئة. بالإضافة إلى أنها عندما تنجح تنمو سريعًا، وتنمو أنت معها. كانت إحدى المزايا العديدة غير المتوقعة لنموذج شركة YC (وتحديدًا لتكبير YC) أن الشركات الناشئة المختصة بالأعمال بين الشركات (B2B) أصبح لديها الآن سوقًا فوريًا من مئات الشركات الناشئة الأخرى المستعدة في متناول أيديها. ميراكيهناك شكل مختلف لفعل الأشياء التي لا تتوسع للشركات الناشئة المختصة بالمكونات الصلبة للحواسب، وهو ما نطلق عليه ‹‹تقليد ميراكي››. بالرغم من أننا لم نموِّل شركة Meraki إلا أن مؤسسيها كانوا طلاب روبرت موريس، لذا فإننا نعرف تاريخهم. لقد بدأوا بفعل شيءٍ لا يتوسع حقًا؛ وهو تركيب أجهزة التوجيه (routers) بأنفسهم. تواجه الشركات الناشئة المختصة بالمكونات الصلبة للحواسب عقبةً لا تواجهها شركات البرمجيات، عادةً ما يكون الحد الأدنى للطلب اللازم لتشغيل دورة إنتاج بالمصنع عدة مئات من الآلاف من الدولارات، وهو ما قد يجعلك تدور في حلقةٍ مفرغة؛ فبدون منتج لا يمكنك توليد النمو الذي تحتاجه لجمع المال اللازم لتصنيع منتجك. عندما كان على الشركات الناشئة المختصة بالمكونات الصلبة للحواسب الاعتماد على المستثمرين للحصول على المال، كان عليك أن تكون مقنعًا للغاية للتغلب على هذه العقبة. وقد ساعد ظهور التمويل الجماهيري (أو الطلب المسبق للمنتجات لنكون أكثر دقة) كثيرًا. ولكن مع ذلك أنصح الشركات الناشئة بتقليد ميراكي في البداية إذا استطاعت. وهذا ما فعلته شركة Pebble، فقد قام فريقها بتركيب أول عدة مئات من الساعات بأنفسهم. إذا لم يكونوا قد مروا بتلك المرحلة، لم يكونوا ليبيعوا ما قيمته 10 ملايين دولارًا من الساعات في بدايتهم على موقع Kickstarter على الأرجح. يتضح أن تصنيع الأشياء بنفسك ذا قيمة للشركات الناشئة المختصة بالمكونات الصلبة للحواسب، مثل الانتباه الزائد للعملاء الأوائل. يمكنك تعديل التصميم أسرع عندما تكون أنت المصنع، وتتعلم أمورًا لم تكن لتتعلمها في أي حالة أخرى. قال إيريك ميجيكوفسكي Eric Migicovsky من شركة Pebble أن أحد الأمور التي تعلمها كانت ‹‹مدى قيمة معرفة مَوردٍ للبراغي الجيدة››، من كان ليتوقع ذلك؟ الاستشارةننصح أحيانًا مؤسسي الشركات الناشئة المختصة بالأعمال بين الشركات (B2B) بتوصيل التفاعل الزائد مع المستخدمين إلى أقصى حد، وبأن يختاروا مستخدمًا واحدًا ويتصرفون وكأنهم مستشارين يبنون شيئًا خصيصًا لذلك المستخدم الواحد. يُعد هذا المستخدم الأولي شكلًا لقالبك، ستظل تعدل منتجك حتى تلائم احتياجاته تمامًا، وستجد أنك قد صنعت شيئًا يريده المستخدمون الآخرون أيضًا. حتى إذا لم يكن هناك الكثير من هؤلاء المستخدمين، ستكون هناك على الأرجح قطاعات مجاورة بها الكثير منهم. طالما استطعتَ العثور على مستخدمٍ واحدٍ فقط يحتاج شيئًا ما حقًا واستطعت تلبية تلك الحاجة، فلديك موطئ قدم لصنع شيء ما يرغب فيه الناس، وذلك كل ما تحتاجه أي شركة ناشئة في البداية. [9] إن الاستشارة هي المثال المعياري للعمل الذي لا يتوسع، ولكن من الآمن فعلها طالما لا تتقاضى أجرًا مقابلها (كبقية الأشياء التي يمنحها المرء بسخاء)، فهنا تتجاوز الشركات الحد. سيكون العملاء ممتنين جدًا طالما أنك شركة تقدم منتجًا وتولي انتباهًا زائدًا للعميل فقط، حتى إذا لم تحل كافة مشاكلهم، أما عندما يبدأون في دفع مقابل ذلك الانتباه –عندما يبدأون في الدفع بالساعة- سيتوقعون منك فعل كل شيء. هناك تقنية أخرى شبيهة بالاستشارة لتجنيد المستخدمين غير المتحمسين في البداية، وهي استخدام برنامجك بنفسك نيابةً عنهم، لقد فعلنا ذلك في موقع Viaweb. عندما توجهنا إلى التجار وسألناهم عمَّا إذا ما كانوا يرغبون في استخدام برنامجنا لإنشاء متاجر إلكترونية، رفض بعضهم، ولكنهم كانوا يجعلوننا ننشئها لهم. وبما أننا كنا سنفعل أي شيء لاكتساب مستخدمين؛ وافقنا. شعرنا بملل شديد في ذلك الوقت، فكنا نحاول بيع حقائب سفر وأقلام وأقمصة رجالية بدلًا من تنظيم شراكات تجارية إلكترونية استراتيجية كبيرة. ولكن بالنظر إلى الماضي، كان هذا بالضبط هو ما يجب فعله، لأنه عرَّفنا ما سيشعر به التجار عند استخدام برنامجنا. أحيانًا كانت حلقة التغذية الراجعة فورية تقريبًا؛ ففي وسط بناء موقعٍ لأحد التجار قد أجد أننا بحاجة إلى خاصيةٍ ما لم تكن لدينا؛ فكنتُ أمضي ساعتين في تطبيقها ثم أستأنف تطوير الموقع. العمل اليدويهناك شكل مختلف أكثر تطرفًا لا تستخدم فيه برنامجك فحسب، بل تكون أنت البرنامج. فعندما يكون لديك عدد قليل من المستخدمين، يمكنك أحيانًا فعل بعض الأشياء التي تنوي جعلها آلية فيما بعد يدويًا. يتيح لك ذلك الانطلاق أسرع، وعندما تجعل تلك الأشياء آلية أخيرًا ستعرف بالضبط ما عليك بناءه لأنك ستتذكر جيدًا ما كنت تفعله بنفسك. عندما تبدو المكونات اليدوية للمستخدم مثل البرنامج، تبدأ هذه التقنية في التمتع بجوانب مضحكة. فكانت الطريقة التي يصل موقع Stripe حسابات التجار ‹‹الفورية›› للمستخدمين الأوائل على سبيل المثال، هي أن المؤسسين كانوا يشتركون لهم يدويًا في حسابات التجار العادية وراء الكواليس. قد تكون بعض الشركات الناشئة يدوية كليًا في البداية. إذا استطعتَ العثور على شخصٍ لديه مشكلةً ما بحاجة إلى حلٍ، واستطعتَ حلها يدويًا، افعل ذلك طالما استطعت، ثم اجعل حل العقبات آليًا. سيكون من المخيف قليلًا حل مشاكل المستخدمين بطريقةٍ لم تصبح آلية بعد، ولكنها أقل إخافةً من حالةٍ أكثر شيوعًا؛ وهي أن تكون هناك طريقة آلية لا تحل مشاكل أي أحد بعد. الحجمعليَّ أن أذكر نوعًا من التكتيكات الأولية التي لا تنجح عادةً؛ هو الانطلاق الكبير. ألتقي من حينٍ لآخر بمؤسسين يبدو أنهم يعتقدون أن الشركات الناشئة قذائف وليست طائرات مزودة بالطاقة، وأنهم سيجعلونها كبيرةً إذا أطلقوها بسرعة أولية كافية فقط. فهم يريدون أن ينطلقوا في 8 منشورات في وقتٍ واحد، وفي يوم ثلاثاء بالطبع، بما أنهم قرأوا في مكانٍ ما أنه اليوم الأمثل لإطلاق شيء ما. من السهل رؤية ضآلة ما يعنيه انطلاق الشركات، فكِّر في انطلاق بعض الشركات الناشئة الناجحة، كم تتذكر منها؟ كل ما تحتاجه من الانطلاق هو مجموعة أساسية أولية من المستخدمين، سيعتمد وضعك بعد بضعة أشهر على مدى إسعادك لهؤلاء المستخدمين أكثر مما سيعتمد على عددهم. (10) إذًا لماذا يعتقد المؤسسون أن الانطلاق هام؟ الإجابة مزيج من النزعة المركزية الذاتية والكسل، فهم يعتقدون أن ما يبنونه رائع للغاية لدرجة أن كل من سيسمع عنه سيشترك على الفور. كما أنه سيكون من الأسهل كثيرًا إذا استطعت اكتساب المستخدمين بمجرد الإعلان عن وجودك، بدلًا من تجنيدهم واحدًا تلو الآخر. ولكن حتى إذا كان ما تبنيه رائعًا، سيظل اكتساب المستخدمين عملية تدريجية، يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الأشياء العظيمة عادةً ما تكون مبتكرة أيضًا، ولكنه يرجع أساسًا إلى أن المستخدمين لديهم أمورًا أخرى ليفكروا بها. لا تنجح الشراكات أيضًا عادةً، لا تنجح مع الشركات الناشئة عمومًا، ولكنها لا تنجح خاصةً كطريقةٍ لبدء النمو. إنه لخطأ شائع بين المؤسسين المبتدئين أن يعتقدوا أن الشراكة مع شركةٍ كبيرةٍ ستكون فرصتهم الكبيرة. بعد ستة أشهر يقولون جميعًا الكلام نفسه؛ كان ذلك عملًا أكثر بكثير مما توقعنا، ولم نستفِد عمليًا شيئًا منه في نهاية الأمر. [11] ليس كافيًا أن تصنع شيئًا استثنائيًا في البداية، بل عليك أيضًا أن تبذل جهدًا استثنائيًا في البداية. أي استراتيجية تحذف جانب الجهد –سواء كانت توقع أن يأتيك الانطلاق الكبير بمستخدمين، أو شريك كبير- هي موضع شك بطبيعة الحال. الشعاع المُوجّهإن الحاجة لفعل شيءٍ شاق للغاية لبدء العمل هي أمرٌ عام تقريبًا، لدرجة أنه ربما يكون من الجيد أن نتوقف عن التفكير في أفكار الشركات الناشئة باعتبارها كميات قياسية. علينا محاولة التفكير فيها بدلًا من ذلك باعتبارها أزواجًا مما ستبنيه بالإضافة إلى الشيء، أو الأشياء، التي لا تتوسَّع التي ستفعلها في البداية لتبدأ الشركة في العمل. قد يكون من المثير للاهتمام البدء في النظر إلى أفكار الشركات الناشئة على هذا النحو، لأن الآن بعد أن أصبح هناك مكونان، يمكنك محاولة أن تكون مبدعًا في الثاني بالإضافة إلى الأول. ولكن سيكون المكوِّن الثاني في معظم الحالات كما هو عادةً –تجنيد المستخدمين يدويًا وتقديم تجربةً جيدةً بصورةٍ كبيرة لهم- وستكون الفائدة الأساسية للتعامل مع الشركات الناشئة باعتبارها كميات متجهة أن ذلك سيُذكِّر المؤسسين أنهم بحاجة للعمل بجِدٍ في بُعدَين. [12] في أفضل الاحتمالات، سيساهم كلٌ من مُكوِّنيّ الشّعاع المُوجّه في تركيب شركتك؛ فالأشياء التي لا تتوسَّع التي عليك القيام بها للبدء في العمل ليست مجرد شرٍ لا بد منه، ولكنها تغير الشركة للأفضل بصورةٍ دائمة. إذا اضطررت إلى أن تكون جريئًا فيما يتعلق باكتساب المستخدمين عندما تكون شركتك صغيرة، ستظل جريئًا على الأرجح عندما تكون الشركة كبيرة. إذا اضطررت إلى تصنيع المكونات الصلبة للحواسب بنفسك أو استخدام برنامجك نيابةً عن المستخدمين، ستتعلم أمورًا لم تكن لتتعلمها في أي حالة أخرى. والأهم من ذلك، إذا اضطررت إلى العمل بجِدٍ لإدخال السرور على المستخدمين عندما يكون لديك القليل منهم، ستظل تفعل ذلك عندما يكون لديك الكثير. هوامش1- لم يذكر إميرسون في الحقيقة المصائد تحديدًا قط، فقد كتب: ‹‹إذا كان هناك رجل يمتلك ذُرةً أو خشبًا أو ألواح أو خنازير جيدة للبيع، أو يمكنه صنع كراسي أو سكاكين أو بواتق أو آلات أرغن للكنيسة أفضل من أي شخصٍ آخر، ستجد طريقًا واسعًا ممهدًا إلى بيته، ولو كان في الغابة››. 2- أتوجه بالشكر إلى سام آلتمان لاقتراحه عليَّ أن أكتب هذا التوضيح. لا، لا يمكنك تجنب العمل في المبيعات عبر تعيين شخصٍ ما ليفعل ذلك نيابةً عنك، عليك أن تقوم بالمبيعات بنفسك في البداية، ويمكنك تعيين مندوب مبيعات حقيقي لاحقًا. 3- سبب نجاح ذلك أنك كلما كبرت، كلما ساعدك حجمك على النمو. كتب باتريك كوليزون: ‹‹في مرحلةٍ ما كان هناك تغيير كبير في شعورنا نحو Stripe، فقد انتقل من كونه تلك الصخرة التي كان علينا دفعها، إلى كونه عربة قطار تتمتع في الحقيقة بزخمها الخاص››. 4- من الطرق الأبرع التي تستطيع YC بها مساعدة المؤسسين، هي تدريج طموحاتهم، لأننا نعلم تمامًا كيف كانت الشركات الناشئة الناجحة تبدو عندما كانت في بدايتها. 5- إذا كنت تبني شيئًا لا يمكنك جعل مجموعة صغيرة من المستخدمين تلاحظه بسهولة –مثل البرامج المخصصة للمؤسسات- وفي نطاقٍ ليس لديك صلةٍ بأحد فيه، ستضطر إلى الاعتماد على المكالمات الهاتفية والمقدمات الباردة. ولكن هل عليك أن تعمل فعلًا على فكرةٍ مثل هذه؟ 6- أشار جاري تان إلى فخٍ مثير للاهتمام يقع فيه المؤسسون في البداية. إنهم يريدون بشدة أن يبدوا كبارًا لدرجة أنهم يحاكون حتى عيوب الشركات الكبيرة، مثل اللامبالاة بالمستخدمين الأفراد. يبدو ذلك في نظرهم أكثر ‹‹احترافيةً››. من الأفضل في الحقيقة استيعاب حقيقة كونك صغيرًا واستغلال أي ميزات يمدك ذلك بها. 7- لا يمكن أن يكون نموذجك للمستخدمين دقيقًا بصورة مثالية تقريبًا، لأن احتياجات المستخدمين تتغير غالبًا استجابةً لما تبني لهم. إذا بنيتَ لهم حاسبًا صغيرًا سيحتاجون فجأة لتشغيل جداول البيانات عليه، لأن ظهور حاسبك الصغير الجديد جعل شخصًا ما يخترع جداول البيانات. 8- إذا كان عليك الاختيار بين مجموعة فرعية تابعة ستسجل الاشتراك أسرع وبين من سيدفعون أكثر، من الأفضل عادةً اختيار الأولى، لأن هؤلاء سيكونون على الأرجح المستهلكين الأوائل. سيكون لهم تأثيرًا أفضل على منتجك، ولن يجعلوك تبذل جهدًا كبيرًا في المبيعات. وعلى الرغم من امتلاكهم مالًا أقل، لن تحتاج إلى الكثير للحفاظ على معدل نموك المستهدف في البداية. 9- أجل، أتخيل احتمالية أن ينتهي بك الأمر في بعض الحالات تصنع شيئًا ما مفيدًا حقًا لمستخدم واحد فقط، ولكن تكون هذه الحالات عادةً واضحة، حتى للمؤسسين المبتدئين. إذًا فإن لم تكن واضحة، ستكون تصنع شيئًا لسوقٍ مكونٍ من واحدٍ فقط، لا تقلق بشأن ذلك الخطر. 10- ربما حتى تكون هناك علاقة عكسية بين حجم الانطلاق وبين النجاح. فأنا لا أتذكر سوى ما فشل مثل انطلاق Segway وموجة جوجل Google Wave. وهذه الموجة مثال منذر بصفةٍ خاصة لأنني أعتقد أنها كانت فكرة رائعة حقًا شارك في قتلها الانطلاق المغالي. 11- نمت جوجل على حساب ياهو، ولكن لم تكن تلك شراكةً، بل كانت ياهو عميلتها. 12- كما أنه سيُذكِّر المؤسسين أن الفكرة التي يكون مكوِّنها الثاني خاليًا –فكرةً لا يكون هناك ما يمكنك فعله لتشغيلها، لأن ليست هناك طريقةً مثلًا للعثور على المستخدمين لتجنيدهم يدويًا- فكرة سيئة على الأرجح، لهؤلاء المؤسسين على الأقل. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Do Things that Don't Scale لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
كتب «عُمير حاق» مؤخرًا أن سبب عدم وجود المزيد من مثيلات «غوغل» أن معظم الشركات الناشئة تُباع قبل أن تتمكَّن من تغيير العالم. لم تبِع «غوغل» نفسها رغم الاهتمام الجاد من «مايكروسوفت» و«ياهو»؛ والذي لابد أنه قد بدا اهتمامًا مربحًا آنذاك. ربما لم تكُن «غوغل» لتصبح شيئًا سوى محرك بحث تابع لـ«ياهو» أو لـ MSN. لِمَ لَم تصبح كذلك؟ لأن «غوغل» كانت تتمتع بحسٍ عميق بالهدف؛ وهو عقيدةٌ تسعى لتغيير العالم للأفضل. يبدو ذلك لطيفًا، ولكنه ليس صحيحًا. كان مؤسسو «غوغل» يرغبون في البيع مبكرًا، لكنهم أرادوا أكثر مما كان المشترون مستعدين لدفعه. نفس الأمر مع «فيس بوك»، كانوا سيبيعون، ولكن «ياهو» أفسدت الأمر بتقديم عرض لم يرق إلى المُستوى المُتوقّع. نصيحة للمشترين: عندما ترفض شركةٌ ناشئة عرضك، فكّر في زيادة قيمة عرضك؛ لأنه من المحتمل أن السعر الباهظ الذي يريدونه سيبدو لاحقًا صفقةً رخيصة [1]. عادةً ما تصبح الشركات الناشئة التي ترفض عروض الشراء أفضل حالًا من غيرها وفقًا لما رأيته حتى الآن بالأدلة، لكن هناك استثناءات عديدة لذلك. عادة ستكون هناك عروض مستقبلية أكبر، وربما حتى طرح عام أولي للاكتتاب. ليس السبب في نجاح الشركات الناشئة التي ترفض عروض الشراء هو بالضرورة أن كل تلك العروض تقلل من قيمة الشركات بالطبع. السبب على الأرجح هو أن المؤسسين الذين يتمتعون بالجرأة الكافية لرفض عرضٍ كبير عادة ما تكون لديهم النّزعة التي تُمكّنهم من أن يُصبحوا ناجحين جدًا؛ وهذه هي الروح المطلوبة في شركةٍ ناشئة. إنني متأكد أن «لاري» و«سيرغي» يرغبان في تغيير العالم، على الأقل في الحاضر، ولكن سبب بقاء «غوغل» حتى أصبحت شركة مستقلة كبيرة هو نفس سبب بقاء «فيس بوك» مستقلًا حتى الآن: وهو أن المشترين قدَّروهما بأقل من قيمتيهما. إن مجال اندماج الشركات وشرائها غريبٌ من هذا الجانب؛ فهم يخسرون أفضل الصفقات باستمرار، لأن رفض العروض المعقولة هو أكثر اختبار مضمون يمكن وضعه لمعرفة ما إذا كانت إحدى الشركات الناشئة ستحقق نجاحًا أم لا. رؤوس المال المغامِرة VCsإذًا ما السبب الحقيقي لعدم وجود المزيد من مثيلات «غوغل»؟ مما يثير الفضول أنه نفس سبب بقاء «غوغل» و«فيس بوك» مستقلتين؛ أن من يملكون المال يُقللون من قيمة معظم الشركات الناشئة المبدعة. لا يرجع عدم وجود المزيد من مثيلات «غوغل» إلى أن المستثمرين يشجعون الشركات الناشئة المبدعة على تحقيق الأرباح، ولكن إلى أنهم لا يموّلونها من الأساس. لقد عرفتُ الكثير عن رؤوس المال المغامرة خلال سنوات عملي الثلاثة في Y Combinator؛ لأننا غالبًا ما نضطر إلى العمل معها عن قرب. من أكثر ما يُدهشني هو مدى تحفّظها. تُظهر رؤوس المال المغامرة أنفسها بمظهر المشجِّع الجريء للابتكار، ولكن ليس منهم كذلك حقًا سوى حفنة قليلة، وحتى هذه القلة أكثر تحفظًا في الواقع مما قد تبدو عليه عند تصفّح مواقعها. كنتُ أنظر لشركات الاستثمار المغامرة باعتبارها شبيهة بالقراصنة؛ فهي جريئة ولكنها مجردة من المبادئ. عند التعرف عليها عن قرب، يتضح أنها تشبه كثيرًا البيروقراطيين، فهي أكثر استقامةً مما كنتُ أعتقد (الجيدة منها على الأقل) ولكنها أقل جرأةً. ربما تغير مجال الاستثمار المغامِر، ربما كانوا أكثر جرأةً فيما مضى، ولكنني أعتقد أن عالم الشركات الناشئة هو ما تغيَّر وليس الاستثمار المغامِر. يعني انخفاض تكلفة تأسيس شركة ناشئة أن السعر الجيد العادي يُعتبر أكثر مجازفةً، ولكن شركات الاستثمار المغامِر الحالية ما زالت تعمل وكأنها تستثمر في الشركات الناشئة المختصة بالمكونات الصلبة للحواسيب في عام 1985. قال هاورد أيكن: «لا تخشَ أن يسرق الناس أفكارك، إذا كانت أفكارك جيدة ستضطر إلى إجبار الناس على تقبلها»›. أحس بشعورٍ مشابه عندما أحاول إقناع شركات الاستثمار المغامرة بالاستثمار في الشركات الناشئة التي موَّلتها Y Combinator. فهي – شركات الاستثمار - تخشى الأفكار المبتكرة للغاية، إلا إذا كان المؤسسون مُسوقين جيدين بما يكفي لإقناعها. ولكن الأفكار الجريئة هي التي تحقق أكبر العوائد؛ فأي فكرة جديدة جيدة حقًا ستبدو سيئة لمعظم الناس، وإلا سيكون هناك شخص آخر ينفذها بالفعل. ومع ذلك ما يدفع شركات الاستثمار المغامِرة هو التّوافق الجماعي، ليس فقط داخل الشركة الواحدة، بل في مجتمع شركات الاستثمار المغامرة بأكمله. فالعامل الأكبر الذي يُحدّد كيف ستشعر إحدى شركات الاستثمار المغامرة تجاه شركتك الناشئة هو شعور شركات الاستثمار المغامرة الأخرى تجاهك أيضًا. لا أعتقد أنهم يدركون ذلك، ولكن هذا المنهج يضمن أنهم سيفوتون عليهم أفضل الأفكار. كلما ازداد عدد من عليهم الإعجاب بفكرة جديدة للموافقة عليها، كلما ازداد عدد الأفكار الاستثنائية التي ستخسرها. أي ما كانت الشركة التالية التي ستصل لمكانة «غوغل»، فقد قالت لها شركات الاستثمار المغامرة الآن على الأرجح أن ترجع إليهم مرة أخرى عندما تُحقّق نموًا أفضل more traction. لِمَ تكون شركات الاستثمار المغامرة متحفظة هكذا؟ يرجع ذلك على الأرجح لمجموعةٍ من العوامل، فحجم استثماراتهم الكبير يجعلهم متحفظين. بالإضافة إلى أنهم يستثمرون أموال أشخاص آخرين؛ مما يجعلهم يخشون التعرض لمشكلات إذا فعلوا شيئًا محفوفًا بالمخاطر وفشل. كما أن معظمهم مختصّون بالمال وليس بالتكنولوجيا، ولذا فهم لا يفهمون ما تفعله الشركات الناشئة التي يستثمرون فيها. ماذا بعد؟الشيء المثير في اقتصاديات السوق هو أن الغباء يعني الفُرص، وهذا بالفعل ما نشهد هنا. ثمَّة فرصة ضخمة غير مُستغلَّة في الاستثمار في الشركات الناشئة، فحاضنة Y Combinator تموِّل الشركات الناشئة في بدايتها تمامًا، بينما تموِّلها شركات الاستثمار المغامرة بمجرد أن تكون قد بدأت بالفعل في النجاح، ولكن هناك فجوة كبيرة بين المرحلتين. هناك شركات تمنح 20 ألف دولار لشركة ناشئة لا تملك شيئًا سوى مؤسّسيها، وهناك شركات تمنح مليونا دولار لشركة ناشئة في طريقها بالفعل نحو النجاح، ولكن ليس هناك ما يكفي من المستثمرين الذين قد يمنحون مائتي ألف دولار لشركة ناشئة تبدو واعدة جدًا ولكن ما زالت بحاجة لحل بعض الأمور. يسدّ تلك الفجوة غالبًا المستثمرون الملائكة angel investors؛ مثل آندي بيكتولشايم Andy Bechtolsheim، الذي منح «غوغل» 100 ألف دولار عندما كانت تبدو واعدة ولكن كانت ما زالت بحاجة لحل بعض الأمور. أحب هذا النّوع من المُستثمرين، ولكن ليس هناك ما يكفي منهم، والاستثمار يمثل لمعظمهم وظيفة بدوام جزئي. وبالرّغم من أن تأسيس شركة ناشئة أصبح أرخص من ذي قبل، أصبحت تلك الفجوة التي يسدّها القليلون أكثر قيمةً. لا تريد الكثير من الشركات الناشئة الآن الحصول على تمويلات بعدة ملايين من الدولارات، فهي ليست بحاجة لهذا القدر من المال، ولا تريد المشاحنات المصاحبة له. إن الشركات الناشئة المتوسطة التي تخرج من رحم Y Combinator تريد الحصول على استثمار يتراوح بين 250 و 500 ألف دولار. عندما تلجأ لشركات الاستثمار المغامرة تضطر إلى طلب المزيد لأنها تعرف أن شركات الاستثمار المغامرة غير مهتمة بمثل تلك الصفقات الصغيرة. شركات الاستثمار المغامرة تدير المال، فهي تبحث عن طرقٍ لتشغيل المبالغ الكبيرة، ولكن عالم الشركات الناشئة يتطور في اتجاه بعيد عن نموذجهم الحالي. أصبحت الشركات الناشئة أقل تكلفةً، مما يعني أنها تريد مالًا أقل، ولكن يعني أيضًا أن هناك المزيد منها. إذًا بإمكانك الحصول على عوائد كبيرة على مبالغ كبيرة، ولكن عليك فقط توزيعها على نطاقٍ أوسع قليلًا. حاولت شرح هذا الأمر لشركات الاستثمار المغامرة، فبدلًا من استثمار 2 مليون دولارً في مكانٍ واحد، يمكن أن تستثمر خمسة استثمارات يبلغ كل منها 400 ألف دولار. هل يعني ذلك الانضمام للكثير من مجالس الإدارة؟ لا تنضم لمجالس الإدارة. هل يعني ذلك الكثير من عمليّات التّحرّي المُسبق due diligence؟ قُم بالقليل منها فقط. إذا كنت تستثمر بعُشر القيمة، فليس عليك أن تكون واثقًا إلا بعُشر القدر. يبدو الأمر واضحًا، ولكنني اقترحتُ على العديد من شركات الاستثمار المغامرة وضع بعض المال جانبًا وتخصيص شريك واحد للقيام بمخاطرات أكثر عددًا وأقل حجمًا. استجابوا لاقتراحي وكأنني قد اقترحتُ عليهم أن يقوموا بأمر سيُسيء إلى سمعتهم. من الغريب مدى تمسكهم بطريقة عملهم التقليدية. ولكن توجد هنا فرصة كبيرة، وستُقتَنَص بطريقةٍ أو بأخرى؛ فإما ستتطور شركات الاستثمار المغامرِة لتسد تلك الفجوة، أو سيظهر مستثمرون جدد على الأرجح لسدّها. عندما يحدث ذلك، سيكون جيدًا، لأن بنية استثمارات هؤلاء المستثمرين الجدد ستدفعهم إلى أن يكونوا أكثر جرأةً من شركات الاستثمار المغامِرة الحالية بعشر أضعاف. وسيخلق لنا ذلك الكثير من مثيلات «غوغل»، طالما ظل المشترون المُحتملون لها أغبياء على الأقل. الهوامش1- نصيحة أخرى: إذا كنت تريد الحصول على كل تلك القيمة، لا تدمر الشركة الناشئة بعد شرائها، بل امنح المؤسسين الاستقلالية الكافية لكي يمكنهم تنمية ملكيتك إلى ما كانت ستصل إليه. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Why There Aren't More Googles لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
إذا كان لديك شركة ناشئة واسمها x ولم يكن لديك عنوان نطاق x.com فيجدر بك تغيير اسم الشركة. لا يكمن السبب وراء هذا في صعوبة إيجاد موقعك من قبل الناس فحسب، وخاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على تطبيق للهواتف الذكية، إذ لن تكون عدم مطابقة اسم النطاق لاسم الشركة عائقًا كبيرًا حينها في الحصول على مستخدمين. لكن المشكلة تكمن في أن عدم امتلاك عنوان نطاق باسم شركتك x.com هو أحد دلائل ضعفها، إذ ما لم تكن شركتك كبيرة بشكل تطغى فيه سمعتها على كل شيء آخر فسيوحي عنوان النطاق المُختلف بضعف الشركة، في حين يُعتبر امتلاك نطاق خاص بنفس اسم شركتك نقطة قوّة لصالحك حتى لو لم يعبّر الاسم عن طبيعة عمل الشركة. إلا أنّ تغيير اسم الشركة ليس بالأمر الهيّن، فحتّى المؤسسين المحترفين سيبدؤون بإنكار الحاجة إلى ذلك، مستمدّين إنكارهم من زاويتين أساسيتين: هوية الشركة، وضعف الخيال. يقول المؤسسون "يُعبّر X عن هويّتنا، لا يوجد اسم آخر جيّد لشركتنا"، إلا أنني لا أظن بأنّهم على صواب. يُمكننا معالجة النقطة الأولى الخاصة بالهوية عبر العودة إلى الوراء والوقوف خلف المشكلة، تخيّل أن لشركتك اسم آخر، ستلاحظ حينها أنك متعلّق بهذا الاسم كتعلّقك اليوم بالاسم الحالي للشركة، ويا للغرابة، لن ترغب في العودة لاسم شركتك الراهن [1] في الحقيقة، لا يوجد سرّ جوهري عظيم في اسم شركتك يجعلك تتمسّكُ به بهذا الشكل، وغالبًا فإن كل ما تشعر به من تعلّق عائد إلى ارتباط هذا الاسم بك [2]. أما بالنسبة للمصدر الثاني الذي يدفعك لإنكار حاجتك لتغيير الاسم، (أقصد عدم القدرة على إيجاد أسماء أفضل) فيمكنك التغلب عليه عبر الاعتراف بأنك اخترت اسمًا سيئًا منذ البداية. إذ أنّ إيجاد/اختراع الأسماء مهارة مُنفصلة تمامًا عن مهارات المؤسّس الناجح، ومن الممكن أن تكون مؤسّسًا عظيمًا للشركات الناشئة لكنّك لا تُجيد اختيار اسمًا لها. بمجرد إقرارك بذلك، ستتوقف عن اعتقاد أن لا اسم آخر يصلح لشركتك، فهناك الكثير من الأسماء المُحتملة وعلى نفس الدرجة من الجودة أو لعلّها أفضل، لكن تقوقعك في دائرة الاسم الحالي لا يمكّنك من رؤيتهم. كيف تجد اسما مناسبا؟ والآن، كيف تجد الاسم المناسب؟ واحدة من الطرق المستخدمة عادةً لحلّ المشكلات التي لا تُجيد التعامل معها: ابحث عن شخص آخر ماهر في ابتكار الأسماء. لكن بالنسبة لأسماء الشركات هناك حلّ آخر ممكن، فأية كلمة أو زوج من الكلمات غير سيئة السمعة ستكون اسمًا جيدًا، وسيكون عدد النطاقات على الإنترنت كبيرًا للغاية لدرجة أنه يمكنك شراء عنوان نطاق بسعر رخيص أو حتى غير محجوز مُسبقًا، لذا أنشئ قائمة بالأسماء وحاول شراء بعض النطاقات الخاصة بها، وهو الأمر الذي فعله Stripe (حيث أوصلته أبحاثه إلى شراء بعض النطاقات الإضافية ومنها prase.com ليعطيه لأصدقائه مؤسسي شركة prase لاحقًا). من الأسباب التي تجعلني أؤمن بأن تسمية الشركات هي مهارة متميزة ومتعامدة مع مهارات أخرى لإنشاء شركة ناشئة هي تجربتي مع ذلك، حيث عملتُ في YC وكنت أمضي الكثير من حصص الإرشاد Office Hours مع الشركات الناشئة، وساعدت الكثير منهم في الحصول على أسماء، في 80% من الحالات كان بإمكاننا العثور على اسم واحد جيد على الأقل خلال 20 دقيقة. اليوم وعندما أقوم بمساعدة أحدهم على التسمية من خلال حصص الإرشاد هذه أركّز على أسئلة أكثر أهمية، مثل "ما الذي تقدمونه في شركتكم"، وأخبرهم متى عليهم أن يُغيروا الاسم، لكنني ولعلمي المُسبق بحجج الإنكار التي يردّدونها أدرك تمامًا أن قلّة منهم سيصغون إلى نصحي [3]. هناك بالطبع أمثلة عن شركات ناشئة استطاعت شقّ دربها والنجاح دون امتلاك نطاق مطابق لاسمها، وهناك بالتأكيد شركات نجحت رغم ارتكاب العديد من الأخطاء المختلفة،لكنّ الخطأ المتعلّق بالاسم هو على رأس قائمة الأخطاء التي لا تُغتفر، وهو أمر يمكنك معالجته خلال بضعة أيام إذا كان لديك الشجاعة الكافية للاعتراف بوجود المشكلة. في ترتيب شركات YC النّاشئة من حيث قيمتها المالية Vaulation، وجدنا أن 100% من أفضل 20 شركة تمتلك عناوين نطاقات بأسمائها، و94% من أفضل 50 شركة تمتلك ذلك أيضًا. لكن 66% فقط من الشركات في الدفعة الحالية لديها ذلك، مما يوحي بوجود دروس سنستنبطها لاحقابطريقة أو بأخرى. هوامش بالمصادفة، فإن هذه التجربة الفكرية تنطبق على الجنسية والدين أيضًا. الإعجابات التي حصدها اسم شركتك الناشئة أصبح جزءًا من هويتك بشكل غير مباشر، الأمر الذي يجب أن تفكر لأجله في كمية الصفات الوهميّة التي أسبغتها على الاسم -ينطبق هذا على الجنسية والدين أيضًا-. في بعض الأحيان يدرك مؤسسو الشركات أن عدم امتلاك نطاق خاص باسم الشركة مشكلة، لكنهم يوهمون أنفسهم بإمكانية شراء نطاق في وقت لاحق دون وجود أي دليل على ذلك، لا تثق بأن نطاقًا ما للبيع ما لم يُعرض عليك شراءه بسعرٍ معقول. تُرجم وبتصرّف عن مقال Change Your Name لكاتبه Paul Graham (بول جراهام مؤسس حاضنة واي كومبينايتور)
-
بعد أن تطرّقنا خلال الجزأين السّابقين إلى مجموعة من الأخطاء القاتلة التي ستقضي على شركتك النّاشئة، نختم اليوم بمجموعة أخيرة من الأخطاء التي يجب عليك تجنّبها إن رغبت في أن تعطي لشركتك النّاشئة فرصة للنّجاح. يُمكنك الوصول إلى الجزأين السّابقين من هنا: 18 خطأً سوف يقضي على شركتك الناشئة – الجزء 1 18 خطأً سوف يقضي على شركتك الناشئة – الجزء 2 13- الحصول على تمويل أكبر من اللازم من الواضح أن الحصول على تمويل قليل قد يرهن مُستقبل شركتك النّاشئة، لكن هل هناك ما يُمكن وصفه بـ "تمويل أكبر من اللازم"؟ نعم ولا. المشكلة الحقيقة لا تكمن بالمال بحدّ ذاته ولكن بالأشياء الأخرى التي تأتي معه. فكما قال أحد المُستثمرين في حديث له في YC: "اللحظة التي ستأخذ فيها عدة ملايين من أموالي، سيبدأ العدّ التنازلي"، إن قام مُستثمر مال جريء بتمويلك فلن يقبل أن تضع المال في البنك، لكن سيرغب منك أن تُوظّف هذا المال(6). على الأقل سوف تنتقل إلى مكتب لائق وسوف توظّف المزيد من الأشخاص الأمر الذي سوف يغير الأجواء قليلًا وقد لا يكون التّغيير إيجابيّا دائما. فغالبية من ستُوظّفهم لن يكونوا "مُؤسّسين" بل مُجرّد موظفين، ولن يكونوا مُلتزمين بالقدر الكافي وإنما سيحتاجون إلى أن تخبرهم على الدوام ما يجب فعله. ولكن قد يكون الأمر أخطر من ذلك، فعندما تحصل على استثمار سيصبح من الصعب تغيير مسار الشركة. لنفترض أن خطتك المبدئية هي أن تبيع مُنتجك للشركات، وبعد أن تأخذ المال من المُستثمرين سوف تقوم بتوظيف مندوبي مبيعات للقيام بذلك ولكن ما الذي سيحصل إن تبين لك بعد ذلك أنه يجب إعادة توجيه شركتك واستهداف المستهلكين مباشرةً عوضًا عن الشركات المختلفة؟ فتقنيات المبيعات المُوجّهة للأفراد تختلف كلّيّة عن المبيعات المُوجّهة للشّركات. لكن ما يحدث في حقيقة الأمر بأنّك لن تشعر أصلّا بضرورة تغيير وجهة الشّركة النّاشئة، فكلما كان لديك عدد أكبر من المُوظّفين ستظل في نفس التّوجّه وسيصعب عليك تغييره. إحدى عقبات الاستثمارات الكبيرة هي الوقت الذي تستغرقه فكلّما كبر حجم الاستثمار الذي ترغب في تحصيله كلما زادت المدّة اللازمة للقيام بذلك(7). فعندما يصل مجموع الاستثمار الذي ترغب في الحصول عليه إلى الملايين عندئذٍ يصبح المستثمرون متحفظين بشكلٍ كبير. وبدل أن يُجيبك المُستثمر بالإيجاب أو النّفي فإنه سيدخلك في نقاشات ومتاهات لا مُتناهية. الحصول على استثمار كبير هو أمر مُرهق أيضًا وقد يكون عملية أعقد من بناء شركتك النّاشئة نفسها. وآخر شيء ترغب فيه هو أن تُضيّع وقتك في النّقاش مع المُستثمرين في حين أن مُنافسيك يقومون ببناء مُنتجاتهم. عادة ما ننصح روّاد الأعمال الذي يسعون للحصول على تمويل جريء أن يقبلوا بأول صفقة جيدة يحصلون عليها، فإن حصلت على عرض من VC محترمة مع تقييم معقول لقيمة الشّركة ودون أي شروط غريبة فعليك القبول به والشروع في بناء الشركة (8). فمن يهتم إن أمكنك الحصول على صفقة أخرى أفضل بـ 30%؟ اقتصاديًا تعدّ الشركات الناشئة لعبة إما أن تحصل فيها على كل شيء أو لا شيء، وتعدّ لعبة القط والفأر مع المستثمرين مضيعة للوقت بشكل كامل. 14- سوء إدارة المستثمرين كمؤسس، عليك أن تقوم بإدارة مستثمريك. يجب عليك عدم تجاهلهم لأنّهم قد يطرحون عليك أفكار جيدة، ولكن في المقابل يجب ألا تدعهم يديرون الشركة فهذه مهمّتك أنت. فإن كان لدى هؤلاء المستثمرين البصيرة الكافية لإدارة الشركات التي يمولونها فلماذا لم يقوموا بإنشاء هذه الشّركات؟ غالبًا ما يكون إغضاب المستثمرين بتجاهلهم أقل خطرًا من ترك دفّة القيادة لهم. ففي بداية شركتنا الناشئة ارتكبنا خطأ واستُنزف مقدار كبير من طاقتنا في الجدال مع المستثمرين بدلًا عن العمل على المشروع. ولكن وعلى الرغم من ذلك كان هذا الأمر أقل تكلفة من الإذعان لهم وهو أمر كان من المُمكن أن يُدمّر الشركة بأكملها. ومن الأفضل على المؤسس الواثق من عمله أن يصرف فقط نصف اهتمامه على المنتج، بدلاً من أي يصرف كامل تركيزه على المُستثمر الذي لا يدري ما يجب عليه عمله. وغالبًا ما ترتبط صعوبة إدارة المستثمرين بقدر الاستثمار الذي حصلت عليه، فعندما تحصل على استثمار مال جريء VC فغالبًا ما يحظى المستثمرون بقدرة كبيرة على التحكم بك، فإن كانوا يحظون بالأكثرية في مجلس إدارة الشركة فهم حرفيًا سوف يصبحون أرباب عملك. ولكن في الحالات العادية عندما يكون كلاّ من المؤسس والمستثمر متساوين سوف يعود القرار إلى أعضاء مجلس إدارة خارجيين محايدين، وعندئذٍ كل ما يحتاج المستثمرون القيام به هو إقناعهم ليبسطوا سيطرتهم على الشركة. إن جرت الأمور بشكل جيد لا يجب القلق من أمور كهذه، وإن كُنت تتقدم بشكل سريع سيتركك معظم المستثمرون تعمل لوحدك، ولكن قد لا تجري الأمور بشكل سلس دائمًا في الشركات الناشئة. فقد قام المستثمرون بخلق بعض المشاكل لأكثر الشركات نجاحًا على الإطلاق، ويعدّ أحد أهم الأمثلة على الموضوع هي شركة Apple فقد كان يعصف قرار مجلس إدارة الشركة بطرد ستيف جوبز من أي يعصف بالشّركة، ويبدو بأن Google عانت أيضًا مع مستثمريها في بداياتها. 15 - التضحية بالمستخدمين بهدف تحقيق أرباح مُحتملة : عندما ذكرت في البداية أنك ستكون بخير ما دمت تقوم بما يريده المستخدم قد تكون لاحظت أنني لم أذكر أي شيء عن نموذج العمل الأمثل، وذلك ليس لأن المال غير مهم. وبالمقابل أنا لا أقترح أن يقوم المؤسسون بإطلاق شركات ناشئة دون أن تكون لديهم أدنى فرصة لتحقيق أرباح منها. يعود السبب في قولنا للمؤسسين بألا يهتموا لنموذج العمل في البداية هو أنّ صناعة ما يريده الناس يعدّ أصعب بكثير. لا أدري تمامًا ما هو السبب الذي يجعل صنع ما يريده الناس صعبًا لهذه الدرجة في الوقت الذي يجب أن يكون مباشر وسهل، وبإمكانك تمييز مدى صعوبته لقلة الشركات الناشئة التي تستطيع القيام به. وعليه وبما أن صنع ما يريده الناس يعدّ أصعب بكثير من التّربّح منه فعليك أن تهتم بنموذج العمل لاحقًا. تمامًا مثلمًا ستؤّخر إطلاق بعض الخصائص إلى الإصدارات القادمة من المُنتج . عليك في نسختك الأولى من المشروع أن تحل المُشكل الجوهري، ويعدّ المُشكل الجوهري في الشركات الناشئة هو كيفية إنشاء الثروة (وهي حاصل ضرب "ما مدى رغبة الأشخاص بشيء ما" بعددهم)، وليس كيفية تحويل تلك الثروة إلى مال. الشركات التي تُحقّق نجاحًا هي التي تضع المستخدم بالدرجة الأولى وأحد الأمثلة هي شركة Google، فقد كانوا قد اهتموا أولًا بصنع محرك بحث ومن ثمً فكروا كيف يمكنهم الربح عن طريقه. ومع ذلك هناك بعض المؤسسيين الذين ما يزالون يرون أنّه من السخف عدم التركيز على نموذج العمل منذ البداية، وغالبًا ما يشجعهم على ذلك مستثمرون كانوا قد حصلوا على خبرتهم من مجالات معروفة بقلّة مرونتها. الأمر بهذه البساطة، بالطبع إنه من الاستهتار عدم التفكير بنموذج العمل، إلا أنّه من السخف بعشرة أضعاف عدم التفكير بالمنتج أولًا. 16- عدم الرغبة في الغوص في تفاصيل الجوانب غير التّقنية معظم المبرمجين يفضلون أنّ يقضوا أوقاتهم في البرمجة عوضًا عن الانشغال والتّفكير في طريقة جنّي الأموال من ذلك، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الكسالى منهم. ومن الظاهر أنّ لاري وسيرجي كانت قد أصابتهما الحمى نفسها في البداية، فالأمر الوحيد الذي فكروا فيه بعد تطويرهم لخوارزمية البحث الخاصّة بهما، الخطوة التي كانوا سوف يقومون بها هي أن يبيعوها لإحدى الشركات. من الواضح أنّ لا أحد يجد متعة بإنشاء شركة جديدة، فمعظم المُبرمجين يفضلون أن تكون لديهم أفكار فحسب. ولكن اكتشف الثنائي لاري وسيرجي أنّه لا يوجد سوق للأفكار فحسب، فلا يوجد من يثق بفكرة مجردة فقط، بل عليك أن تدمجها مع منتج وتستخدمها كي تحصل على قاعدة مستخدمين كبيرة وهنا فقط سوف تحصل على مقابل مادي كبير. قد يتغير هذا الأمر يومًا ما ولكن لا أظنّ أنّ التغيير سيكون كبيرًا، لأنّه لا يوجد شيء مثل قاعدة مُستخدمين كبيرة لكي يقتنع المُستثمرون. الأمر لا يقتصر على تقليص الخطورة فحسب وإنما يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ المُستثمرين هم أشخاص وسيصعب عليهم أنّ يدفعوا ملايين الدولارات لمجموعة من الشباب فقط لكونهم أذكياء. ولذلك عندما يرون أنّ الفكرة مطبّقة في شركة ما مع الكثير من المستخدمين سيسهل عليهم تقبل الأمر لأنهم في هذه الحالة يدفعون مقابل المستخدمين وليس مقابل الذكاء فحسب (9). ولكن إن أردت جذب مستخدمين عليك أنّ تبحث عليهم بعيدًا عن حاسوبك، قد لا يكون هذا العمل مريحًا لك ولكنك إن أجبرت نفسك عليه سيكون لديك فرصة كبيرة في النجاح. في الدفعة الأولى من الشركات الناشئة التي مولناها، كان كل المؤسسين يقضون معظم أوقاتهم في تصميم تطبيقاتهم، ولكن واحد منهم فقط كان يقضي نصف وقته في الاجتماعات والحديث مع المدراء التنفيذيين لشركة هواتف محاولًا ترتيب صفقات معهم. هل يمكنك تخيّل عمل أصعب من هذا بالنسبة لمبرمج؟ (10) ولكن عمله هذا أثمر نتائج رائعة لأن شركته الناشئة حقّقت نجاحًا مذهلًا. ببساطة إن أردت لانطلاقة شركتك الناشئة أن تكون ناجحة عليك أن تقتنع أنّه لا يكفي التخصص بالأعمال البرمجيّة وإنما يتوجب على أحد المؤسسين أنّ يقوم بالأعمال التجاريّة أيضًا. 17- المشاكل بين المؤسسيين تعدّ المشادّات بين المؤسسيين إحدى الأمور التي تحصل بشكل دائم، نحو 20% من الشركات الناشئة التي مولناها غادرها أحد مؤسسيها. ومع هذا، خسارة أحد المؤسسيين ليس من الضروري أن يعني فشل الشركة الناشئة، فالعديد من الشركات الناجحة تعرضت لأمر مشابه (11). فغالبًا ما يغادر أقل المؤسسيين التزامًا، فإن كان هناك ثلاث مؤسسيين مثلًا فسوف يغادر أقلهم حماسة للعمل. ولكن إن كان هناك مؤسسيين اثنين وغادر الشخص ذو المهارات التقنية الناقدة فهنا تكمن مشكلة أكبر، ولكن حتى هذا الأمر يمكن تجاوزه. فعلى سبيل المثال Blogger في إحدى مراحلها اقتصرت على مؤسس واحد، ولكنها عادت للازدهار من جديد. معظم الخلافات التي رأيتها بين المؤسسيين كان بالإمكان تجنبها إن تم اختيار الشّريك المُؤسس بتأنٍّ ورويّة، فمعظم هذه الخلافات لا تتعلق بوضع معين وإنما بالأشخاص أنفسهم، وبالتالي هو أمر محتوم. معظم المؤسسيين الذين انتهوا بهذه الطريقة غالبًا ما كان لديهم بعض الشكوك التي أخفوها عندما بدأت الشركة. وعليه، لا تكبت مخاوفك أبدًا، فمن الأسهل حل المشاكل قبل إطلاق الشركة منه بعد أن تُطلق. وهناك بعض النصائح الأخرى، فمثلًا لا تشرك زميلك في السكن في شركتك الناشئة لمجرد أنك تخشى أن يشعر أنّه منبوذ لو لم تضمّه إلى فريقك. إضافة إلى ذلك لا تعمل مع أحدّ لا تحبه فقط لأنّه يمتلك خبرات أنت في حاجة لها وتتخوف من عدم القدرة على إيجاد شخص آخر. وبما أن الأشخاص هم المُكوّن الأساسي في انطلاقة شركتك الناشئة، فيجب أن تأخذ الأمر على محمل الجد. 18- العمل بتركيز جزئي فشل الشركات الناشئة التي تسمع عنها بشكل كبير غالبًا ما تكون عبارة عن فشل ذريع، ويمكن تسميتها بالفشل النخبويّ ولكنهم ليسوا أكثر الأنواع شيوعًا. فهنالك العديد من الشركات الناشئة التي تفشل ولا نسمع عنها أبدًا، من الممكن أن يكون بضعة شباب قد أطلقوها كمشروع جانبي يعملون عليه بعد الخروج من وظائفهم النّهارية، هذه المشاريع الجانبية لم تتطور أبدًا ونبذوها في آخر المطاف. وفقًا للإحصائيات، إن أردت تجنب الفشل يجب عليك أن تكرس نفسك بشكل كامل لشركتك الناشئة، فمعظم من فشل احتفظ بوظيفة نهارية إلى جانب الاهتمام بشركته ومن نجح منهم تفرغ بشكل كامل لها. فإن كانت الانطلاقات الفاشلة هي مرض فإن الحفاظ على وظيفة نهارية هو أحد مُسبّباتها. وهنا يطرح السؤال نفسه، هل يتوجب عليك التخلي عن وظيفتك النهاريّة؟ ليس بالضرورة. لست متأكّدًا من الأمر لكن يبدو لي بأن معظم الأشخاص الذين يودون أن يؤسسوا شركة يعلمون بأن الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا جدًا، وأنّهم لا يملكون الحزم الكافي للقيام بذلك، وهو يعلمون ذلك، وما يمنعهم من أن يستثمروا كامل وقتهم بهذا الأمر هو أنهم يعلمون مسبقًا أنه استثمار فاشل (12). كما أنني أعتقد أنّ شريحة كبيرة من المؤسسيين كان يمكن أن يقدّر لهم النجاح لو أنّهم التزموا بشكل كامل بشركاتهم الناشئة لكنهم لم يفعلوا ذلك. وأتوقّع أيضًا أن عدد المؤسسين الذين كان بإمكانهم النّجاح إن هم تفرّغوا لمشاريعهم بشكل كامل سيكون أكبر بكثير من عدد الذين ينجحون فعليًا (13). وإن صدق هذا الأمر، فإنّ معظم الشركات الناشئة فشلت لأن مؤسسيها لم يكرسوا لها وقتهم بالكامل، وهذا الأمر يطابق الواقع فعليًا. نصل إلى نتيجة أن معظم الشركات الناشئة تفشل لأنها لا تنتج ما يريده الناس، والسبب الذي يجعلها تفشل بذلك هو أنّ مؤسسيها لا يحاولون بما فيه الكفاية. أخيرًا، إنّ إطلاق شركة ناشئة هو كغيره من الأعمال، فإن لم تحاول بما فيه الكفاية وتبذل قصار جهدك ستكون هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير وعليك ألا تنكر أنّ هذا هو سر النجاح. الهوامش: [6] بما أنّ الناس يظنون أننا مستثمرون مُغامرون VC أودّ أن أنوه إلى أننا لسنا كذلك لأن VC تستثمر كميات كبيرة من أموال أشخاص آخرين، بينما نقوم نحن بالتمويلات الصغيرة ولكن من مالنا الخاص مثل المستثمرين الملائكة [7] ليس بشكل خطّي طبعًا لأنه سيأخذ الكثير من الوقت للحصول على 5 ملايين دولار [8] قد تقوم بعض شركات الاستثمار VC بإعطائك تقييمًا منخفضًا وذلك كي يعرفوا إن كنت جريئًا بما فيه الكفاية لطلب المزيد. وإنه لمن المعيب أن تقوم شركات الاستثمار بألاعيب كهذه ولكنهم يفعلون. فإن تعاملت مع إحدى هذه الشركات ارفع سقف التقييم قليلًا. [9] فلنفترض بأن مؤسس YouTube ذهب إلى شركة Google في عام 2005 وقال لهم أنّ Google Video مصممة بشكلٍ سيء، أعطوني 10 مليون دولار وسأصحح لكم كل الأخطاء، لو فعلوا ذلك لكانوا استهزؤوا به استهزاء تاريخياً. ولكن بعد ذلك بثمانية عشر شهرًا دفعت جوجل 1.6 مليار دولار لتحصل على نفس العرض وذلك لأنهم لم يستطيعوا تحديد ما إن كانوا يشترون ظاهرةً ما أو مجتمعًا أو شيء غامض شبيه بذلك. ولا أريد أن أقسو على شركة Google فقد كان بلاؤها أفضل من منافسيها الذين على الغالب فاتهم قارب مقاطع الفيديو نهائيًا. [10] بالحقيقة كان التعامل مع الحكومة، إلا أنّ شركات الهواتف كانت مرتبطة أيضًا. [11] أكثر بكثير مما يتوقعه الناس وذلك لأن الشركات لا تسوق لأمر كهذا. هل كنت تعلم أنّ شركة Apple كان لديها ثلاث مؤسسيين؟ [12] لا أريد انتقاد هؤلاء الأشخاص، فأنا لا أملك التصميم أيضًا. فقد كنت قريبًا من إطلاق شركتي الناشئة الخاصة مرتين منذ Viaweb وفي كلا المرتين انكفئ عن فعل ذلك لأنني استنتجت أنه بدون نكزه فقر لن تكون لدي الرغبة بخوض قسوة ضغط الشركة الناشئة. [13] يطرح السؤال نفسه، كيف يمكن أن نعرف إن كنا من شريحة الأشخاص التي يتوجب عليها التخلي عن عملها اليومي، أو من الشريحة التي من المحتمل أن تكون الأكبر والتي لن يتوجب عليها فعل ذلك؟ لقد وصلت لنتيجة أنه من الصعب على الشخص أن يحكم على نفسه وإنما عليه الحصول على نصيحة خارجيّة قبل الشروع بتقرير أي شيء. قد نرى في أنفسنا مستثمرين ولكن عليك أن تنظر للأمر من وجهة نظر أخرى فقد وفرت شركة Y Combinator خدمة لتقديم النصيحة للأشخاص حول التخلي عن عملهم النهاري أم لا. قد نكون مخطئين ولا شكّ في ذلك ولكننا على الأقل نراهن بالمال على استنتاجاتنا. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الثالث من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham
-
بعد أن تطرّقنا في الجزء السّابق إلى مجموعة من الأخطاء التي تُعجّل بالقضاء على شركتك النّاشئة، نواصل اليوم مع مجموعة أخرى من هذه الأخطاء. إن لم يسبق لك قراءة الجزء الأول، فمن الأفضل أن تشرع في قراءته أوّلا. 7- اختيار المنصة (Platform) غير المُناسبة إحدى المشاكل المُرتبطة بتوظيف مبرمج سيء هو اختيار منصة غير مناسبة. فعلى سبيل المثال أعتقد أنّ العديد من الشركات الناشئة خلال تلك الفترة قضت على نفسها عندما قرّرت بناء تطبيقات تعتمد على خواديم Windows. ما لا يعلمه الكثيرون هو أن خدمة البريد الإلكتروني Hotmail واصلت العمل على نظام FreeBSD سنوات عديدة بعد شراء Microsoft لها وذلك لأن خواديم Windows لم تستطع التّعامل مع الحمل، فلو اختار مؤسسو Hotmail نظام Windows فلربمّا قد يكون ذلك سبب فشلهم. كانت PayPal على وشك أن تواجه هذه المشكلة، لكنّها تجّنبتها. فبعد أن اندمجت مع X.com أراد المدير التنفيذي الجديد أن ينتقل إلى خواديمWindows ولكن لحسن حظهم بعد أن بيّن ماكس ليفشن المؤسس الشّريك لخدمة PayPal أن أداء تطبيقهم على نظام Windows لن يتجاوز 1% من أداء التّطبيق على نظام Unix قامت Paypal باستبدال المدير التنفيذي عوضًا عن نظام التشغيل. تُعتبر كلمة "منصّة" غامضة بعض الشّيء، فيُمكن أن تعبّر عن نظام تشغيل أو لغة برمجة أو إطار عمل مبني على لغة برمجة ما، لكنّها تدّل على "أمر" يدعم ويكبح في نفس الوقت وهو أمر شبيه جدًا بأساس المنزل. ولكن الأمر المخيف في المنصات هو أن بعضها يبدو لغير المحترفين جيّدًا وخيارًا معقولًا ومع هذا سوف يقضي عليهم إن اختاروه مثل Windows في تسعينيات القرن الماضي. تُعتبر Java applets مثالًا آخر عن الأمر حيث كان يُفترض بها أن تكون الطريقة الجديدة في نشر التطبيقات، ولكنها بالعوض عن ذلك قامت بالقضاء على 100% من الشركات الناشئة التي آمن أصحابها بذلك. وهنا يأتي السؤال: كيف تختار المنصة الأنسب؟ الطّريقة الأفضل هي توظيف مبرمجين جيدين وترك لهم حرّيّة الاختيار، ولكن هناك خدعة صغيرة يمكنك القيام بها إن لم تكن مبرمجًا وهي زيارة أحد أشهر الأقسام المختصة بعلوم الحاسوب و معرفة أي منصّة يستخدمون في مشاريع البحث العلمي. 8- البطء في إطلاق الشركة الناشئة تعاني الشركات بمختلف أحجامها من صعوبة إنهاء برمجياتها، فالأمر له علاقة وثيقة بطبيعة البرمجيات في حدّ ذاتها، فأغلب البرمجيات التي يعمل المُبرمجون عليها ستصل مع بعض الجهد إلى نسبة 85% منها، لكن يتطلّب إنهاؤها وإيصالها إلى المستخدمين إلى عزيمة قويّة وإلى جُهد مُضاعف (3). تؤخّر الشركات الناشئة تأجيل إطلاق مُنتجاتها متذرّعة بأسباب شبيهة بالأعذار التي يُطلقها البشر في حياتهم اليوميّة. “هناك ما يجب القيام به قبل إطلاق المُنتج" هذا ما يقوله الجميع. لكن هناك من الشّركات النّاشئة من قد تؤجّل الانطلاق حتّى ولو كانت كل الأمور الضرورية قبل الانطلاق جاهزة. إحدى إيجابيات الإطلاق المبكر للمُنتجات هو أنّه يدفعك دفعًا إلى إنهاء أعمال يتوجّب القيام بها. فما يجب أن تأخذه في الحسبان هو أنه لا يُمكن للمُنتج أن يُصبح "جاهزا" أو أن يُصبح العمل مُنتهيّا ما لم يتم الإطلاق أولًا. ويمكنك ملاحظة ذلك من خلال كميّة الأعمال الواجب القيام بها قبل إطلاق أي شيء أو مشروع مهما صغر حجمه وذلك بغض النّظر عن الجاهزيّة التي تظنّ أنك قد حصّنت مشروعك بها. الأمر الآخر الذي يقتضي إطلاق شركتك الناشئة مبكرًا هو أنك لن تتمكن من فهم فكرتك بشكل كلّي دون مشاركتها مع المستخدمين. تظهر بعض المشاكل بشكل جلّي كمُسبّبات للتأخير في عملية الإطلاق نذكر منها العمل البطيء جدًا، عدم فهم صلب المشكلة، الخوف من التعامل مع المستخدمين، الخوف من الانتقاد السلبي، العمل على الكثير من الأشياء في وقتٍ واحد، وأخيرًا سعيك إلى الكمال المطلق. ولحسن الحظ يمكنك محاربة هذه المشاكل عن طريق دفع نفسك إلى إطلاق شركتك الناشئة بشكل سريع نسبيّا. 9- إطلاق الشركة بشكل مُستعجل (سابق لأوانه) من المرجّح أنّ إطلاق الشركات الناشئة ببطء قضى على المئات من الشركات مقارنّة بالإطلاق المبكر السّابق لأوانه، ولكن في المقابل عليك الحذر من إطلاق شركتك بسرعة أيضًا وذلك لأنّ خطورته تكمن في القضاء على سمعتك. فعندما تقوم بإطلاق شركتك الناشئة بشكل مُبكّر وسابق لأوانه فإنّك ستخسر أوائل المُستخدمين الذين سيجرّبون المُنتج الذي لن يرتقي إلى مُستوى تطلّعاتهم. وهنا يطرح السؤال نفسه، ما هو الحد الأدنى الذي يُمكن للشّركة النّاشئة الانطلاق به، بمعنى ما هو الحدّ الفاصل (من حيث بناء المُنتج، خصائصه ونضجه) الذي ينقل المُنتج من مرحلة الإطلاق السّابق لأوانه إلى مرحلة الإطلاق المُناسب؟ ما أقترحه هو أن تُحدّد الشّركة النّاشئة نواة ما ترغب في القيام به والذي يُفترض به أن يكون مُفيدًا في حد ذاته (يعني النّواة صالحة للاستخدام لوحدها) ويُمكن البناء عليه والتّوسع لاحقًا للوصول إلى كامل المشروع، ومن ثم العمل على إنهاء تطوير هذه النّواة في أقرب فرصة مُمكنة. وهذا هو المنهج الذي أتبعه أنا ويتّبعه العديد من المبرمجين الآخرين في كتابة البرمجيات. ابدأ بالتفكير بالهدف المنشود ومن ثمّ ابدأ بكتابة أصغر وأقصر شيفرة مُمكنة تجعل البرنامج يُنفّذ مهمّة مُعيّنة، وبحكم أن الأمر يتعلّق بجزء صغير من المشروع فإنّك لن تُضيّع أي وقت مع ذلك بحكم أن كتابة هذا الجزء ضروري لكتابة كامل التّطبيق. كتابة هذا الجزء الصّغير يلعب دورين: سيرفع من معنوياتك بحكم أنّك كتبت برنامجًا صغيرًا يُنفّذ مهمّة مُحدّدة، كما أنه سيُساعدك على رؤية الأمور بشكل أوضح ومعرفة الطّريقة التي يجب على باقي أجزاء البرنامج أن تعمل عليه. ما يجب أن تضعه في الحسبان هو أن أوائل المُستخدمين الذين سيهرعون إلى تجربة مُنتجك عادة ما يكونون "مُتسامحين" جدًا، فبحكم طبيعتهم التي تدفعهم إلى تجربة المُنتجات الجديدة فهم يعرفون بأنه لا يُفترض بمُنتج القيام بكل شيء وأن يحتوي على جميع الخصائص التي يُمكن التّفكير فيها، لكن في المُقابل يجب على المُنتج أن يقوم على الأقل بوظيفة واحدة وبشكل جيّد. 10- عدم وجود فئة مُحدّدة من المُستخدمين المُستهدفين لا يمكنك بناء مُنتجات ستنال إعجاب المستخدمين إذا لم تفهمهم أوّلًا. مثلما أشرت إليه سابقًا، معظم الشركات الناشئة نجحت بسبب انطلاقها من مُحاولة إيجاد حل لمشكلة واجهت المؤسسين أنفسهم. يُمكننا أن نلخّص الأمر في هذه القاعدة: مقدار النّجاح/ الثروة التي تبنيها تتناسب طردًا مع مقدار فهمك للمشكلة التي تحاول حلّها، والمشاكل التي تفهمها بالشكل الأفضل هي المشاكل التي تواجهك شخصيّا.(4) وتبقى هذه القاعدة مجرد نظرية ولكن ما يُقابلها ليس مُجرّد نظرية بل هو واقع ملموس، فإن بادرت إلى حل مشاكل لا تفهمها فبالتأكيد لن تفلح. وما يُثير الدّهشة أن عددًا كبيرًا من المؤسسين يعتقدون أو يفترضون بأن أحدًا ما (دون أن تكون لهم فكرة واضحة عن هذا الشّخص) سيكون مُهتمّا بما يقومون ببنائه بالرّغم من أن المؤسّسين أنفسهم لن يرغبوا في استخدام مُنتجهم الخاص، لأنهم ليسوا ضمن الفئة المُستهدفة من طرف المُنتج، ولكن يبنون افتراضات، فقد يكون هذا الشّخص مُراهقًا، أو أحد المهتمين بالأحداث العامة أو المؤتمرات، أو قد يكون رجل أعمال. لكن أيّ فئة من رجال الأعمال تقصد؟ من المُمكن بناء مُنتجات لا تستهدفك أنت شخصيّا، وقد قمت بذلك بنفسي، ولكن يتوجّب عليك أن تبقى حذرًا لأنك بذلك تكون قد دخلت منطقة محفوفة بالمخاطر. ويجب أن تبقى حذرًا لأنه لا يُمكنك الاعتماد على حدسك في هذه المنطقة. في هذه الحالة يجب أن تبقى قريبًا من مُستخدميك. يجب عليك أن تنتهج أسلوبًا تجريبيّا عندما تبني مُنتجًا لأشخاص مختلفين عنك، فلن يكون بإمكانك تخمين ما قد ينجح وما قد يفشل، وإنما سيتحتّم عليك إيجاد مستخدمين وقياس ردود أفعالهم. وعليه فإن قرّرت أن تبني مُنتجًا يستهدف المراهقين أو رجال الأعمال أو غيرهم عليك أن تجد بعضهم وتقنعهم باستخدام مشروعك وإن لم تتمكّن من ذلك فأنت على الطريق الخاطئ. 11- الحصول على تمويل صغير جدًا تلجأ معظم الشركات الناشئة إلى التمويل الخارجي في إحدى مراحل حياتها. مثلما هو عليه الحال مع فكرة إطلاق الشّركة النّاشئة بأكثر من مُؤسّس شريك فإن الأمر يبدو صائبًا من الناحية الإحصائية، ولكن يبقى السؤال الأعم هو: ما هو مقدار الاستثمار الذي يجب الحصول عليه؟ يُقاس تمويل الشركات الناشئة بالزمن، حيث أنه لدى الشركات التي لا تكون مُربحة بعد (أغلب الشّركات النّاشئة في بداياتها تكون غير مُربحة) فترة مُحدّدة قبل انتهاء مواردها الماليّة واضطرارها للتّوقّف ويُطلق على الأمر عادة مُصطلح "runway” أو ما يُمكن ترجمته بـ "المدرج" (نسبة إلى مدارج الطّائرات مثلا). والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالات هو "كم تبقّى لك في مدرجك الخّاص" حيث أنّه لدى وصولك إلى آخر المدرج فيجب عليك إما أن ترفع جناحين مُحلّقا أو أن تتوقّف نهائيًا. الحصول على تمويل قليل يعني بأنّك لن تُحلّق بعيدًا، والتّحليق هنا قد يختلف حسب وضعك.فبشكل عام عليك الانتقال إلى مستوى أعلى بشكل وبشكلٍ ملحوظ: فإن كانت لديك فكرة فالتّحليق يتمثّل في تطوير نسخة أوّلية، وإن كانت لديك نُسخة أوّلية فإن تحليقك يعني إطلاقك للمشروع، وإن كنت قد أطلقت المشروع فإن التّحليق يتمثّل في تحقيق نمو مُعتبر. كما أن للأمر علاقة وطيدة بالمُستثمرين، حيث أنه ما لم تُصبح شركتك النّاشئة مُربحة فإن مثل هذا الأمر هي الطّريقة الوحيدة لإقناعهم. فإذا حصلت على تمويل فيجب عليك أن تأخذ ما يكفي كي تنتقل إلى المرحلة المقبلة أيًّا كانت(5). ولحسن الحظ فإنّك أنت من سيُقرّر كم ستصرف وماهية الخُطوة القادمة. ننصح الرّياديين عادة في جعل كلا هذين العاملين مُنخفضين: إنفاق أقل قدر مُمكن من المال وبناء نسخة أوّلية تجريبية صلبة ومُتماسكة ما سيمنح لهم مرونة عالية. 12- التبذير من الصعب جدًا التفريق ما بين التبذير والحصول على استثمار محدود. فإن استهلكت كامل التّمويل الذي حصلت عليه فإنه يُمكنك تسمية الأمر مثلما يحلو لك. لكن أفضل أسلوب لمعرفة السّبب الحقيقي لاستهلاكك لكامل التّمويل هو أن تقارن نفسك بباقي الشّركات النّاشئة، فإن حصلت على تمويل يُقدّر بـ 5 ملايين دولار واستهلكتها كلّها فمن المُرجّح جدّا بأنّك تُبذّر. من المُلاحظ بأن استهلاك التّمويل بشكل سريع لم يعد شائعًا مثلما كان عليه الأمر في السّابق، وقد يرجع الأمر إلى تعلّم المُؤسّسين من أخطاء من سبقهم. كما أن عدم القيام بذلك (أي استهلاك التّمويل بشكل سريع) يُخفّض تكلفة إطلاق شركة ناشئة بشكل كبير. لدى كتابة هذه السّطور لم نشهد ذلك في أيّ من الشّركات النّاشئة التي موّلناها، وهذا ليس راجعًا إلى كوننا نستثمر مبالغ صغيرة فيهم فهناك العديد من الشّركات التي استطاعت الحصول على المزيد من الاستثمار. الطريقة التقليدية لإنفاق المال بشكل سريع هي عن طريق توظيف العديد من الأشخاص، الأمر الذي سوف يؤذيك مرّتين في الوقت ذاته، حيث تزيد مصاريفك كثيرًا وستُصبح الشّركة النّاشئة أبطأ. وكقاعدة عامة: المال الذي يُستهلك بسرعة يجب أن يبقى أثره طويلًا، وهي القاعدة التي يعيها الكثير من الرّياديين الحذقين ونجد تفصيل ذلك في كتاب The Mythical Man-Month لكاتبه Fred Brooks. هناك ثلاث اقتراحات عامّة متعلقة بالتوظيف: لا توظف أحدًا إن لم تكن بحاجة له. ادفع للمُوظّفين بأسهم في الشّركة وليس برواتب، وذلك ليس فقط لتوفير المال وإنما لأنك سوف تحتاج لهذا النوع من المُوظّفين الملتزمين بشكل كافٍ والذين يُناسبهم هذا العرض. لا توظّف سوى من يستطيع البرمجة أو جلب المُستخدمين لأن هذا كل تحتاجه في البداية. الهوامش: [3]:حاول ستيف جوبز أن يحفزّ موظفيه عبر مقولته "الفنّانون الحقيقيون ينهون أعمالهم ويُطلقونها" (Real artists ship)، ولكن لسوء الحظ هذه المقولة غير صحيحة لأن الكثير من الأعمال الفنية المشهورة غير مكتملة. قد تكون هذه الجملة صحيحة في بعض المجالات التي يتم فيها تحديد موعد نهائي للعمل مثل العمارة وصناعة الأفلام، ولكن حتى في مجالات كهذه يسعى الأشخاص إلى العمل على مشاريعهم إلى أن تسحب من بين أيديهم. [4]:هناك عامل آخر غالبًا، وهو أنّ مؤسسي الشركات الناشئة يسعون إلى أن يكونوا في طليعة التكنولوجيا الحديثة، وعليه فإن المشاكل التي يواجهونها تكون قيّمة بشكل خاص. [5]:عليك أن تأخذ أكثر من حاجتك بنسبة زيادة تصل إلى 50 أو 100% لأن كتابة البرمجيات وإتمام الصفقات يأخذ وقتًا أكثر مما يتوقع. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الثاني من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham
-
في فترة الأسئلة والأجوبة بعد أحد المُحاضرات التي ألقيتها سألني أحدهم: ما الذي يجعل الشركة الناشئة تفشل، وبعد ثوانٍ من التفكير استنتجت أن هذا السؤال هو فخ، وليس من الأسئلة التي يسهل الإجابة عنها بسرعة، لأنه مرتبط تمامًا بكيفيّة جعل انطلاقة شركتك الناشئة ناجحة للغاية. فإن ابتعدت عن كلّ أسباب الفشل ببساطة سوف تحقق النجاح، والإجابة على مثل هذا السؤال أكبر من أن يتم بشكل مُتسرّع بعد ذلك، تبيّن لي بأنه من الأفضل معالجة المشكلة من هذه الزاوية: إنّ كان لديك قائمة من الأشياء التي لا ينبغي عليك فعلها عندئذٍ يمكنك أن تقوم بعكسها والحصول على وصفة نجاحك، والتي سيكون تطبيقها أسهل، حيث أنّ تذكر الأشياء التي لا يجب فعلها يكون أسهل مقابل ما يجب فعله. (1) منطقياً هناك خطأ قاتل واحد يمكن أن ترتكبه ويقضي على شركتك الناشئة وهو أن تصنع أمرًا لا يرغب فيه المُستخدمون. فإن التزمت بتوفير ما يرغب فيه المُستخدمون فإنك غالبًا ستكون بأمان، بغضّ النظر عن باقي الأشياء التي تفعلها أو لا تفعلها، ولكن بالمقابل إن لم تقم بصنع ما يريده المُستخدمون لن تنجح بغضّ النظر أيضًا عمّا تقوم به أو لا تقوم به. إليك قائمة تحتوي على 18 من الأشياء التي تجعل الشّركات تُطوّر مُنتجات لا يرغب فيها المُستخدمون، وغالبًا ما يكون ذلك هو سبب الفشل. ملاحظة: تم تقسيم هذا المقال لأجزاء نظرًا لطوله. 1- مؤسس وحيد هل سبق ولاحظت قلّة الشركات الناشئة التي تنجح والتي قام بتأسيسها مُؤسّس واحد فقط؟ حتى الشركات التي تظن أنّ مؤسسها شخص واحد مثل Oracle من المرجح أنّ لها عدّة مؤسسيين، وبالطبع هذا الأمر ليس مصادفة إطلاقًا. إن كنت تتساءل ما المشكلة إن كان هناك مؤسس واحد؟ يوجد هنالك العديد من الأسباب. بدايةً، يعدّ أمرٌ كهذا مُثيرًا للشّكّ، وذلك لأنه من المرّجح ألا يكون المؤسس قد استطاع إقناع أيّ من أصدقائه بإطلاق شركة ناشئة معه وهو أمر مريب لأنّهم أفضل الأشخاص الذين يعرفونه. وحتى إن كان أصدقاؤه مخطئين والشركة تعدّ رهانًا جيدًا فإنه ما يزال في منطقة الخطر وذلك لأن البدايات هي دومًا الأصعب فكيف لو كان شخص واحد فقط هو المسؤول؟. وحتى إن كنت قادرًا على القيام بالعمل لوحدك فأنت ما تزال بحاجة إلى أصدقاء كي تتشاركوا الأفكار سويةً، ولكي يُثنوك عن الأفكار السّاذجة و أيضًا كي يخففوا عنك عندما تسوء الأمور. وقد تكون الفكرة الأخير هي الأهّم حيث أنّ المراحل السيئة التي تصيب المشروع في بدايته قد تكون قاسية جدًا، الأمر الذي يصعب أن يتحمله شخصٌ واحد. فعندما يكون هناك عدد من المؤسسين سوف تُخلق بينهم حالة من التعاضد التي تتغلب على كل الأمور السلبية التي قد تحصل، حيث أنّ كل فرد من أفراد الفريق سيسعى كي لا يخذل الآخرين وتعدّ هذه من أعظم القوى في الطبيعة البشرية والتي بالمقابل سيفقدها من يعمل وحيدًا. 2- الموقع الجغرافي السيّئ للشركة الناشئة تزدهر انطلاقة الشركات الناشئة في بعض الأماكن دون غيرها، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يأتي في المرتبة الأولى من حيث جودة المكان وادي السيليكون تليه بوسطن ومن ثمّ سياتل وأوستن ودينفر وأخيرًا نيويورك، أما بقية المدن فلا تكاد تذكر. ولا تتجاوز نسبة الشّركات النّاشئة إلى عدد السّكان في نيويورك جزءًا من عشرين جزءًا من نفس النسبة في وادي السيليكون، وأما في المدن مثل هيوستن وشيكاغو وديترويت فالنّسبة صغيرة جدًا بشكل لا يسمح بحسابها. لماذا يعدّ الاختلاف ما بين المُدن كبيرًا جدًا؟ غالبًا ما يكون السبب نفسه في كل الصناعات على اختلافها. هل تساءلت يومًا ما هو سادس أكبر مركز للموضة في الولايات المتحدة الأمريكيّة؟ سادس أكبر مركز للنفط، للتمويل، أو للنشر؟ أينما كان هذا المركز فهو لا يرتقي لوضعه في مصافي المراكز الأولى ومن المعرض للخطأ تسميتها بمراكز. من المثير للاهتمام كيف تصبح المدن محاور مهمة للشركات الناشئة ويعود السبب إلى أنّ غالبية الخبراء يتواجدون في هذه الأماكن وهذا سبب نجاح مختلف الصناعات الأخرى أيضًا. بالإضافة إلى أنّ المعايير تكون أعلى والأشخاص يكونون متعاطفين بشكل أكبر مع عملك، بالإضافة إلى أنّ الأشخاص الذين قد ترغب بتشغيلهم معك سيرغبون بالعيش في مدن كهذه، داعمي الصّناعات يتواجدون في هذه الأماكن، ناهيك عن أن إمكانية التقائك بمن يشاركونك في مجال عملك كبيرة هناك. بالحقيقة لا يمكن لأي أحد أن يعرف بشكل دقيق كيف يمكن لكل هذه العوامل أن تجتمع معًا لتعزز انطلاقة شركتك في وادي السيليكون أو كيف لها أن تسحقها في ديترويت. لكن في المُقابل تؤكد نسب أعداد الشّركات مُقارنة بعدد السّكّان ذلك. 3- سوق مُستهدفة ضيّقة جدًّا معظم الفِرق التي تتقدّم إلى حاضنة Y Combinator تعاني من هذه المشكلة الشائعة: اختيار استهداف سوق صغيرة وغير معروفة من أجل تجنب المنافسة. إن راقبت بعض الأطفال وهم يلعبون بالكرة، فستلاحظ أنّهم يخافون منها تحت سن معيّنة، فعندما تقترب منهم سوف يبتعدون عنها غريزيًا. فبالنسبة لي لم أمسك الكرة كثيرا عندما لعبت البيسبول في الثامنة من عمري، فكلما اقتربت مني الكرة كنت أغمض عينيّ وأرفع القفاز طلبًا للحماية أكثر من رغبتي بإمساك الكرة. عندما تختار مشروعًا هامشيًا كبداية لشركتك الناشئة سيكون بمثابة إستراتيجيتي التي اتبعتها في الثامنة من عمري. حقيقةً إذا صنعت مُنتجًا جيّدًا فمن الطبيعي أن تخلق لك منافسين وسيتوجب عليك مواجهتهم، الطريقة الوحيدة لتجنب المنافسة هي بتجنب الأفكار الخلّاقة. أظن أنّ التنّصل من هذه المشاكل غالبًا ما يتمّ دون وعي، وذلك لأنّ الأشخاص لا يسعون لتطبيق الأفكار الصغيرة عوضًّا عن الكبيرة منها لأنها أأمن ولكن اللاوعي لديهم لا يسمح لهم بالتفكير حتى بالعظيمة منها. ويعدّ الحل الأمثل لهذه المشكلة هو أن تضع نفسك خارج الصورة وتفكر ماذا يمكن أن تكون الفكرة العظيمة لشركة ناشئة لأحد ما غيرك. 4- الأفكار المشتقّة معظم طلبات الانضمام إلى تردنا في YC هي تقليد لشركات موجودة أصلًا، ويعدّ هذا أحد منابع الأفكار ولكنه ليس الأفضل. فإن تتبعت أصل الشركات الناشئة الناجحة فسوف ترى أن قليلًا منها نجح مقلدًا غيره من الشركات. فمن أين أتَتهم تلك الأفكار؟ غالبًا ما تنبع من المشاكل غير المحلولة التي تعرّف عليها المؤسسون. فعلى سبيل المثال شركتنا الناشئة صنعت برمجيات لإنشاء المتاجر الإلكترونية، فعندما بدأنا بهذه الفكرة لم يكن هناك أيّ من هذه المتاجر، والمواقع القليلة المتوافرة للطلب منها آنذاك كانت مصنوعة يدويًّا و ذات كلفة عالية. وتأكدنا في ذاك الوقت أنّه إذا توسّع مجال التّسوّق على الإنترنت فإنه يُفترض إنشاء هذه المواقع برمجيًا، وهو ما دفعنا بكل بساطة إلى كتابة تطبيق للقيام بذلك. غالبًا ما تكون أفضل المشاكل لحلها هي التي تواجهك بشكل شخصي، فشركة Apple على سبيل المثال تم إطلاقها لأن صاحبها ستيف وزنيك أراد حاسوبًا، وGoogle أطلِقت لأن لاري وسيرجي لم يستطيعا إيجاد المعلومات على شبكة الإنترنت، وتم إطلاقHotmail لأن سابير بهاتيا وجاك سميث لم يستطيعا تبادل البريد الإلكتروني أثناء العمل. فبدلًا من نسخ فيس بوك مع إضافة بعض الاختلافات التي تجاهلها مؤسسوه، يمكنك البحث عن أفكار أُخرى. وعوضًا من البدء من شركات والوصول إلى المشاكل التي حلًوها، ابحث عن مشكلات وتخيل الشّركة التي يمكن أنً تقوم بحلها (2). ما الأمور التي يشتكي منها الأشخاص؟ ما الذي تتمنى الحصول عليه؟ 5- العناد في بعض المجالات يكون امتلاكك لرؤية عما تودّ إنجازه هو السبيل للنجاح بالإضافة إلى الإيمان به والسعي لتحقيقه بكافة السبل بغضّ النظر عن العقبات التي قد تواجهك، ولكن لا يُعدّ إطلاق شركة ناشئة إحدى هذه المجالات. التشبّث بالهدف والرؤية يصلح لأمور مثل الفوز بالميدالية الذهبية للألعاب الأولمبية حيث تكون المشكلة محددة بشكل جيّد، الشركات الناشئة هي أقرب إلى البحث العلمي، حيث يتوجب عليك متابعة الأثر التي تقتفيه أينما أوصلك. وعليه لا يجب أن تبقى مُتعلّقًا بخطتك الأصلية لأنها غالبًا ما ستكون خاطئة، فمعظم الشركات الناجحة انتهت بها المطاف بفعل شيء مختلف تمامًا عمّا خَططت له في البداية، وغالبًّا ما يكون مختلفًا لدرجة كبيرة بحيث أنها لا يُمكن أن تعرف بأنّها نفس الشّركة. عليك أن تكون مستعدًا لرؤية الفكرة الأفضل عندما تعرض نفسها عليك، وسيكون الجزء الأصعب هو التّخلص من فكرتك السابقة. لكن الانفتاح على الأفكار الجديدة عليه أن يتمّ بشكل معقول ومدروس، حيث أنّ الانتقال من فكرة لأخرى بشكلٍ أسبوعيّ سيكون كارثيًّا بالقدر نفسه. هل هناك اختبار ما يمكنك الاعتماد عليه؟ يمكنك أن تسأل نفسك إن كانت في هذه الأفكار نوع من التّطّور. فإن كنت قادرًا على مُواصلة بناء مشروعك اعتمادًا على ما سبق بناؤه فيمكن القول بأنك على طريق يُمكن أن تؤدّي إلى نتيجة صحيحة. لكن إن كنت في بداية كل فكرة تبدأ من الصفر فهذا دليل سيّئ. ولكن لحسن الحظ هناك من يمكنك سؤاله وهم مُستخدموك. فإن قررت الانتقال إلى منحى جديد وأبدى المستخدمون الحماسة له فهو غالبًا ما سيكون رهانًا جيدًا. 6- توظيف مبرمجين سيئين لقد نسيت إدراج هذه الفكرة في النسخ الأوليّة من القائمة وذلك لأنّ معظم المؤسسيين الذين أعرفهم هم مبرمجون ولهذا لن يشكل هذا الأمر مشكلة لهم، وعلى الرغم أنّهم قد يوظفون مُبرمجًا غير كفؤ إلا أنّ ذلك لن يقضي على الشركة، حيث أنهم سوف يستطيعون القيام بكل المتطلبات لوحدهم بكل سهولة. ولكن عندما أفكر بالأمر الذي سبب فناء معظم الشركات الناشئة المتخصصة في التجارة الإلكترونية في التسعينات من القرن الماضي أستنتج أن المشكلة كانت في المبرمجين السّيّئين. العديد من تلك الشركات أطلقها رجال أعمال ظنّوا أن مبدأ عمل الشركات الناشئة يقتصر على وجود فكرة ذكيَة ومن ثمّ توظيف أحد المبرمجين كي ينفذها. ولكن بالحقيقة الأمر أصعب بكثير مما يبدو لأنّ رجال الأعمال لا يستطيعون تمييز المبرمجين الجيدين من غيرهم، ولن يتمكنّوا أصلًا من توظيف أفضل المبرمجين، وذلك ببساطة لأنه لا يوجد مبرمج جيّد يقبل بتطبيق رؤية رجل أعمال. ولهذا يقوم رجل الأعمال باختيار أحد المبرمجين الذين يظنون أنهم جيدين ولنقل أنّ سيرته الذاتية تحتوي على شهادة كمطوّر من شركة Microsoft ولكنه بالحقيقة ليس بالمستوى المذكور. حينها فقط يتفاجؤون بتعثّر شركاتهم النّاشئة وبمرور منافسيهم السّريع بجانبهم.ويشابه هذا النوع من انطلاقات الشركات الناشئة لانطلاقات الشركات الضخمة ولكن من دون أيّ من الأفضليات التي تتمتع بها الأخيرة. وهنا يأتي السؤال كيف تقوم باختيار مبرمجين محترفين في حال لم تكن مبرمجا؟ للأسف لا يوجد جواب على هذا السّؤال. كنت أودّ أن أقول لك أنّه عليك إيجاد مبرمج جيّد لكي يساعدك في توظيف مُبرمجين جيّدين. ولكن إن كنت لا تستطيع تمييزهم فكيف لك أن تفعل ذلك؟ الهوامش: (1) هذه ليست لائحة كاملة بكل أسباب الفشل، وإنما فقط بتلك التي يمكنك السيطرة عليها. فهناك العديد من الأسباب التي لا يمكنك السيطرة عليها ومنها عدم ملائمة الوضع والحظ السيئ. (2) من المُفارقات أن إحدى تفرعات Facebook التي يمكن أن تنجح هو Facebook حصري لطلاب الجامعة. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الأول من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ freepik
-
الآن وقد أصبح مصطلح Ramen Profitability (ربحية الكفاف) منتشرًا، عليَّ أن أشرح بدقة ما تستلزمه تلك الفكرة. يعني مصطلح Ramen profitable أنَّ الشركة الناشئة تجني ما يكفي من المال لتغطية نفقات المؤسسين. إنه نوع مختلف من الربحية عن ذلك الذي اعتادت الشركات الناشئة أن تطمح إليه. تعني الربحية التقليدية أنَّ الرهان الكبير يؤتي ثماره أخيرًا، بينما تكمُن الأهمية الأساسية لربحية الكفاف في أنَّها تمنحك المزيد من الوقت. لم تكُن الشركة الناشئة في الماضي تجني أرباحًا إلا بعد أن تحصل على استثمار وتنفق الكثير من المال؛ فقد لا تُصبع شركةٌ تصنع المكونات الصلبة للحاسوب مُربحة طيلة خمس سنوات تنفق خلالها 50 مليون دولارًا، ولكن عندما تصبح مُربحة قد تحقّق عوائد قدرها 50 مليون دولارًا سنويًا. يعني هذا النوع من الربحية أن الشركة الناشئة قد نجحت. ربحية الكفاف هي النقيض الآخر؛ أي شركة ناشئة تُصبح مُربحة بعد شهرين، على الرغم من أنَّ عوائدها 3000 دولارًا فقط شهريًا؛ لأنَّ مجموع الموظّفين ليس سوى شابين في الخامسة والعشرين من العمر يمكنهما العيش عمليًا دون تكاليف. لا يعني تحقيق عائد شهري قدره 3000 دولارًا أن الشركة قد نجحت، ولكن أنًّها تتشارك مع الشركة المربحة بالطريقة التقليدية في شيءٍ: عدم احتياج أيٍ منهما للحصول على استثمار لتبقى على قيد الحياة. إنّ فكرة ربحية الكفاف غير مألوفة لمعظم الناس لأنَّها لم تصبح قابلة للتنفيذ سوى مؤخرًا، وما تزال غير قابلة للتنفيذ في الكثير من الشركات الناشئة؛ مثل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، ولكنها قابلة للتنفيذ في العديد من الشركات الناشئة في البرمجيات لأنها رخيصة جدًا الآن. فالتكلفة الحقيقية للكثير منها هي نفقات المؤسسين المعيشية. تكمن الأهمية الأساسية لهذا النوع من الربحية في أنَّك لا تعود تحت رحمة المستثمرين. إذا كنت ما زلت تخسر المال فستضطر في النهاية إما إلى البحث والحصول على استثمار أو إيقاف الشركة النّاشئة، ولكن حين تحقق ربحية الكفاف سيختفي هذا الخيار المؤلم. سيكون بإمكانك الحصول على استثمار، ولكنك لن تكون مضطرًا إلى فعل ذلك في الحال. * * * الميزة الأكثر وضوحًا لعدم الحاجة إلى الحصول على استثمار هو أنَّه سيكون بإمكانك الحصول على شروط استثمار أفضل. قد يستغلَّك المستثمرون أحيانًا إذا علموا أنك بحاجة إلى المال، وقد يماطل بعضهم عمدًا لأنَّهم يعرفون أنَّك ستزداد ستكون قابلًا “للعصر” مع مرور الوقت.. ولكن هناك أيضًا ثلاث مزايا أقل وضوحًا لربحية الكفاف. إحداها أنها تجعلك أكثر جاذبيةً للمستثمرين، فإذا كانت شركتك الناشئة مُربحة بالفعل، حتّى ولو كان ذلك على نطاق ضيق، يوضح ذلك: (1) أنَّ بإمكانك إقناع شخص ما على الأقل بأن يدفع لك؛ (2) أنَّك جادّ للغاية بشأن بناء أشياء يريدها الناس؛ و(3) أنَّك منضبطٌ بما يكفي للحفاظ على النفقات مُنخفضة. يُطمئن ذلك المستثمرين لأنَّك تُعالج ثلاثةً من أكبر مخاوفهم. من الشائع في عملهم أن يموِّلوا شركات ذات مؤسسين أذكياء وسوق كبير؛ لكنها تفشل برغم ذلك. عندما تفشل تلك الشركات، يرجع ذلك عادةً إلى: (1) أنَّ الناس لا يقبلون الدفع مقابل ما صنعَته الشركات؛ لأنه كان من الصعب بيعه لهم، على سبيل المثال، أو لأنَّ السوق لم تكن مستعدّة بعد؛ (2) أنَّ المؤسسين لم ينتبهوا إلى ما يحتاجه المستخدمون وحلُّوا مشكلةً أخرى بدلًا من ذلك؛ و(3) أنَّ الشركة أنفقت الكثير وبذَّرت تمويلها قبل أن تبدأ في جني المال. إذا كنتَ تحقّق ربح الكفاف فقد تجنَّبتَ تلك الأخطاء بالفعل. من المزايا الأخرى لربحية الكفاف أنَّها ترفع الروح المعنوية. تشعر عندما تؤسِّس الشركة في البداية أنًّها نظريةٌ قليلًا؛ فهي شركة من الناحية القانونية، ولكنَّك تشعر وكأنك تكذب عندما تدعوها كذلك. عندما يبدأ الناس في دفع مبالغ كبيرة من المال لك، تبدأ بالشعور أنَّ الشركة حقيقية. وتكون نفقات معيشتك هي أكثر العلامات الفارقة التي تشعر بها؛ لأنَّ المستقبل يتغير عند تلك النقطة، إذ تصبح النجاة هي الوضع الافتراضي بدلًا من الموت. تكون دفعة بهذا الحجم للروح المعنوية قيِّمة جدًا لشركةٍ ناشئة، لأن الحِمل المعنوي لإدارة شركة ناشئة هو ما يجعل الأمر صعبًا. لِمَ لا يفعله المزيد من الناس؟ بسبب المخاطرة المالية؟ لا يملك الكثير من الشباب في عمر الخامسة والعشرين أي شيء على أيَّة حال. بسبب الساعات الطويلة؟ يعمل الكثير من الناس لساعات طويلة بنفس القدر في الوظائف العادية. ما يمنع الناس من تأسيس الشركات الناشئة هو الخوف من تحمُّل الكثير من المسؤولية، ولا يُعَد هذا الخوف غير عقلاني؛ فمن الصعب حقًا تحمُّلها. وسيزيد أي شيء يزيل عنك بعضًا من هذا الحِمل من فُرصَك في النجاة. ربما تكون الشركة الناشئة التي تحقق ربحية الكفاف أكثر قابليةً للنجاح، وهو أمرٌ مثير للغاية، بالنظر إلى التوزيع ثنائي النمط للنتائج في الشركات الناشئة؛ فإما تفشل أو تجني الكثير من المال. الميزة الرابعة لربحية الكفاف هي أقلُّها وضوحًا، ولكنها ربما تكون أكثرها أهميةً. إذا لم تكُن بحاجة للبحث وتأمين استثمار، فلن تحتاج إلى إيقاف العمل على الشركة للحصول عليه،. فمهمّة الحصول على استثمار مُشتِّتٌة بشدة، ستكون محظوظًا إذا وصلَت إنتاجيتك إلى ثُلث ما كانت عليه من قبل، وقد يستمر الأمر لأشهرٍ. لم أفهم، أو بالأحرى لا أتذكَّر، تمامًا سبب كَون الحصول على استثمار مُشتِّتًا حتى وقتٍ سابق من هذا العام، كنتُ قد لاحظت أن الشركات الناشئة التي نموِّلها سرعان ما تتوقف ببطءٍ عندما تبحث عن مُستثمرين، ولكنني لم أتذكَّر السبب تحديدًا حتى بدأت Y Combinator نفسها في جمع المال. كانت تجربتنا سهلةً نسبيًا؛ فقد وافق أول من طلبنا منهم، ولكن استغرقنا تخطيط التفاصيل شهورًا، لم أنجز أي عمل حقيقي تقريبًا خلال ذلك الوقت، لماذا؟ لأنني كنتُ أفكِّر في الأمر طوال الوقت. تكون هناك مشكلة واحدة في كل وقت هي الأكثر إلحاحًا في أي شركة ناشئة، وهذا هو ما تفكِّر فيه قبل خلودك إلى النوم ليلًا وعندما تغتسل صباحًا. عندما تشرع في رحلة البحث عن استثمار، يصبح هو المشكلة التي تفكر فيها. تغتسل مرة واحدة في الصباح، وإذا كنتَ حينها تفكِّر في المستثمرين، فأنت لا تفكِّر في المُنتَج. بينما إذا كان بإمكانك اختيار وقت البحث عن مُستثمرين، فيمكنك اختيار وقتٍ لستَ مشغولًا فيه بشيءٍ آخر، كما يمكنك على الأرجح الإصرار على إنهاء دورة الاستثمارية بسرعة. ربما تتمكن حتى من تجنب احتلال الدورة لأفكارك إنْ لم تهتم بما إذا كانت ستغلق تلك الدورة بحصولك على الاستثمار من عدمه.. * * * لا تعني ربحية الكفاف أكثر مما يتضمَّنه التعريف؛ فهي لا تعني بأنّك ستموّل الشركة الناشئة من مُدخّراتك الخاصة (أو ما يُعرف بـ bootstrapping)، وأنَّك لن تحصل على تمويل قط. لا يبدو أن ذلك ينجح كثيرًا من الناحية التجريبية؛ فالقليل من الشركات الناشئة تنجح دون الحصول على استثمارات. ربما يصبح الأمر أكثر شيوعًا مع انخفاض تكلفة الشركات الناشئة. وعلى الجانب الآخر، المال موجود، في انتظار استثماره. إذا كانت الشركات الناشئة بحاجةٍ أقل إليه فستتمكَّن من الحصول عليه بشروطٍ أفضل، ممَّا سيجعلها سيدفعها أكثر للحصول عليه وهو ما سيُحدث توازنًا. [ii] هناك شيء آخر لا تتضمَّنه ربحية الكفاف، وهو فكرة جو كراوس «Joe Kraus» القائلة بأنَّ عليك وضع نموذج عملك في مرحلة البيتا عندما يكون منتجك في مرحلة البيتا؛ فهو يعتقد أنه عليك جعل الناس تدفع لك منذ البداية. أعتقد أنّ ذلك مُقيِّدٌ للغاية. لم يفعل «فيس بوك» ذلك، وقد أبلى أفضل من معظم الشركات الناشئة. لم يكن جني المال على الفور أمرًا غير ضروري فقط، بل على الأرجح كان ليصبح ضارًّا. ولكنني أعتقد أن قاعدة «جو» قد تكون مفيدة للكثير من الشركات الناشئة. عندما يبدو المؤسسون مُشتَّتين، أقترح عليهم أحيانًا محاولة جعل العملاء يدفعون لهم مقابل شيءٍ ما، على أمل أن يدفعهم ذلك القيد للتنفيذ. الفرق بين فكرة «جو» وبين ربحية الكفاف أنَّ الشركة التي تعمل بمبدأ ربحية الكفاف لا تحتاج إلى أن تجني المال في البداية كما سيفترض بها لاحقًا، عليها فقط أن تجني المال. المثال الأكثر شهرةً هو شركة «غوغل»، التي كانت تجني المال في البداية من خلال ترخيص البحث لمواقع مثل «ياهو». هل ثمَّة جانب سلبي لربحية الكفاف؟ الخطر الأكبر على الأرجح هو احتمالية تحويلها الشركة إلى شركة استشارية. على الشركات الناشئة أن تكون شركات مُنتج؛ بمعنى أنَّها تصنع شيئًا واحدًا يستخدمه الجميع. السمة المُحدِّدة للشركات الناشئة أنَّها تنمو بسرعة، ولا يُمكن للخدمات الاستشارية أن تنمو كما ينمو المنتَج. [iii] ولكن من السهل جدًا جني 3000 دولارًا شهريًا من الخدمات الاستشارية، بل سيكون ذلك في الحقيقة سعرًا رخيصًا لبعض طلبات البرمجة. لذا قد يكون هناك إغراءٌ للتحّول نحو الاستشارة، وإخبار أنفسكم أنَّكم شركة ناشئة تعمل بمبدأ ربحية الكفاف، بينما في حقيقة الأمر لستم شركة ناشئة على الإطلاق. من المقبول القيام ببعض الأعمال الاستشارية في البداية، فعادةً ما تضطر الشركات الناشئة إلى فعل أشياء غريبة في البداية. ولكن تذكَّر أن ربحية الكفاف ليست هي الغاية. غاية الشركة الناشئة هي النمو لحجمٍ كبير جدًا، أما ربحية الكفاف فهي خدعة لضمان عدم الموت في الطريق نحو تلك الغاية. تشير كلمة رامن إلى وجبة يابانية، وهي أرخص وجبة متاحة تقريبًا.رجاءً لا تنظر إلى المصطلح بحَرفيّة، فالتغَذِّي على الرامن فقط سيكون غير صحي للغاية. يمثّل كلٌ من الأرز والفاصولياء مصدرًا أفضل للغذاء. ابدأ بالاستثمار في جهاز طبخ الأرز إذا لم تكن تملك واحدًا. وجبة الأرز والفاصولياء لشخصين: زيت زيتون أو زبدةبصل أصفرخضروات طازجة أخرى، يمكنك التجربة3 فصوص ثومعلبة 12 أوقية فاصولياء بيضاء أو فول أو لوبياءمكعبات مرقة كنور لحم أو خضرواتملعقة كبيرة فلفل أسود مطحون طازج3 ملاعق كبيرة كمّون مطحونكوب أرز جاف، يفضل أن يكون بنيًّاضع الأرز في جهاز طبخ الأرز، أضف الماء كما هو موضَّح على عبوة الأرز. (المقدار الشائع: كوبان من المياه لكل كوب أرز) شغِّل جهاز طبخ الأرز وانسَ الأمر. قطِّع البصل والخضروات الأخرى واقليها في الزيت، على نار هادئة، حتى يُحمَّر البصل. أضف الثوم المُقطَّع والفلفل والكمّون والمزيد من الدهون ثم قلِّب. اطهِهم لدقيقتين أو ثلاث دقائق، ثم أضف الفاصولياء (لا تجفّف الفاصولياء)، ثم قلِّب. أضف مكعبات المرقة وغطِّ المقلاة واطهِ المكوّنات على نار هادئة قليلًا لعشر دقائق إضافية على الأقل. قلِّبهم بحذرٍ لتجنب الالتصاق. إذا أردتَ توفير النقود، اشترِ الفاصولياء بعبوات ضخمة من المتاجر التي تقدّم تخفيضات. والبهارات أيضًا تكون أرخص كثيرًا عند شرائها بالجملة. إذا كان هناك متجر خضروات هندي بالقرب منك، ستجد لديه أكياسًا كبيرة من الكمّون بنفس سعر الأوعية الصغيرة في المتاجر الكبرى. [ii] هناك احتمالية كبيرة أن يزيد انتقال السلطة من المستثمرين إلى المؤسسيين من حجم مجال الاستثمار المغامر بالفعل. أعتقد أن المستثمرين حاليًا منحازون جدًا للقسوة على المؤسسين. إذا أُجبِروا على التوقف، سيعمل مجال الاستثمار المغامر بأكمله على نحوٍ أفضل، وربما ترى أمرًا مثل الزيادة في التجارة التي تراها دائمًا عند إزالة القوانين المُقيِّدة.يمثِّل المستثمرون أحد أكبر مصادر الألم للمؤسسين، إذا توقَّفوا عن إحداث هذا القدر من الألم، سيصبح أن يكون المرء مؤسسًا أمرًا أفضل، وإذا أصبح أن يكون المرء مؤسِّسًا أمرًا أفضل، سيكون المزيد من الناس مؤسِّسين. [iii] من المفهوم أنّ الشركة الناشئة قد تنمو بقدرٍ كبير من خلال تحويل الاستشارة إلى شكلٍ قد يتوسَّع. ولكن إذا فعلت ذلك، ستكون في الحقيقة شركة إنتاجيّة. شكرًا لجيسيكا ليفينجستون لقراءة النسخ الأولية من هذا المقال. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Ramen Profitable لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
- 2 تعليقات
-
- 2
-
- ramen profitability
- ramen profitable
-
(و 1 أكثر)
موسوم في:
-
كلّما تحدّثتُ إلى ريادي أعمال مرّ على إطلاق شركته النّاشئة ثمانية أو تسعة أشهر فإنني دائمًا ما أودّ معرفة الشيء نفسه في البداية: إذا افترضنا أن النفقات ستبقى ثابتة خلال الأشهر القادمة، والدّخل سيبقى بنفس المُستوى الذي كان عليه خلال الأشهر القليلة الماضية، فهل ستتمكّن الشّركة من الوصول إلى حد التّربّح اعتمادًا على المال المُتبقّي لديها فقط؟ أو بعبارة أخرى، هل الشّركة النّاشئة حيّة أم في طريقها نحو الموت؟ من المرّوع معرفة أن غالبية الرياديين لا يملكون جوابًا على هذا السؤال. نصف المؤسّسين الذين تحدّثتُ معهم لا يعرفون إن كانت شركاتهم النّاشئة حيّة أم في طريقها نحو موت مُحتمّ إذا كنتَ واحدًا من هؤلاء فيمكنك حينها الاستعانة بالآلة الحاسبة التي صنعها Trevor Blackwell لمعرفة الجواب. السبب وراء أهميّة معرفتك الجواب؛ تعود إلى أن بقية حديثي مع هذا الرّيادي تعتمد على وضع شركته الناشئة، فإذا كانت الشركة تتجه نحو الربح؛ حينها سنتحدث عن القيام بأشياء جديدة وطموحة. أما إذا كانت الشركة تتجه نحو الإفلاس فسنهتمّ وقتها بالكيفية التي ستحافظ بها على الشركة، وكيف يمكن تغيير المسار الحالي والذي يقودنا نحو نهايات سيئة. لماذا لا يعرف سوى عدد قليل جدًا من المؤسسين فيما إذا كانت شركاتهم تتّجه نحو الربح أو الإفلاس؟ أعتقد أن السبب الرئيسي لذلك هو أنهم لم يعتادوا على طرح هذا السؤال على أنفسهم. إذ ليس من المنطقي أن تطرح سؤالًا كهذا في وقتٍ مُبكرٍ جدًا، إنك تبدو كما لو كنتَ تسأل طفلًا ذا ثلاث أعوام عن خططه المُستقبلية. لكن ومع نمو الشركات الناشئة مع الوقت فإن هذا الطرح يتحول من سؤالٍ لا معنىً له إلى آخر مصيريّ، والمشكلة أن مثل هذه التحولات غالبًا ما تحدث على حين غرّة. لذا أقترح الحل التالي: اطرح هذا السؤال على نفسك في وقتٍ مبكرٍ جدًا بدلًا من طرحه في وقتٍ متأخر جدًا. فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بشكل دقيق متى سيتحول هذا السؤال من كونه بلا معنى إلى كونه سؤالًا مصيريًا، إلا أنني أرجح عدم حصول مشاكل في حال بدأت القلق على توجه الشركة نحو الإفلاس مبكرًا، بينما سيكون هناك خطرٌ كبيرٌ بالتأكيد في حال تنبّهت إلى ذلك في وقت متأخرٍ جدًا. يعود السبب في ذلك إلى ظاهرة أسميها القرصة المُميتة The fatal pinch التي كتبتُ عنها مُسبقًا، وتعني توجّه الشركة الناشئة نحو الإفلاس مع النموّ البطيء في ظل عدم وجود وقت كافٍ لإصلاح ذلك. ينتهي مؤسسو الشركات الناشئة إلى هذا المصير بسبب عدم إدراكهم منذ البداية إلى أين هم متجهون. هناك سبب آخر لعدم طرح المؤسسين هذا السؤال على أنفسهم، وهو افتراضهم أنه من السهل الحصول على التمويل. إلا أنّه كثيرًا ما يثبت خطأ هذا الاعتقاد، والأسوأ من ذلك أنه كلما اعتمدت على هذه الفرضية بشكل أكبر كلما أصبح احتمال خطأها أكبر. قد يساعدك في ذلك أن تفصل ما بين الحقائق والآمال، فبدلاً من التفكير في المستقبل بتفاؤلٍ غامض، افصل العناصر عن بعضها بشكل واضح. قُل: "نحن نتجه للإفلاس ولكنّنا نعوّل على المستثمرين لإنقاذنا"، سيجعلك هذا تدق ناقوس الخطر ويضعك في حالة أكثر تنبهًا ووعيًا، وكلما كان ذلك مبكرًا كلما كنت قادرًا على تجنب القرصة المُميتة Fatal pinch. إنه لمن دواعي الأمان أن تتمكّن من الاعتماد على المستثمرين لإنقاذك من الإفلاس بطبيعة الحال. وكقاعدة عامّة فإن ما يهم المستثمرين هو نمو شركتك، فإذا كان لديك إيرادات ذات نموٍ عالٍ، ولتكن ستّة أضعاف في العام، فإنه سيمكنك حينها البدء في الاعتماد على المستثمرين المهتمين حتى لو لم تكن شركتك قد وصلت إلى مستوى التّربّح. [1] رغم ذلك يبقى المستثمرون متقلبي المزاج للغاية ولا يمكنك الاعتماد عليهم كثيرًا. لأنك لا تدري كيف ومتى يُثار قلقهم أحيانًا تجاه وضع شركتك؛ حتى مع معدّل نموٍ عظيم. وفي العموم فإنه لا يمكنك الحصول على استثمار بشكل آمن عندما تستخدم خطّة واحدة، لذا يجب أن تمتلك دائمًا خطة بديلة، وأن تعرف بالضبط ما الذي تحتاجه للاستمرار إذا لم تحصل على تمويل أكثر، كما يجب أن تعرف بدقة متى يجب أن تنتقل إلى الخطة البديلة إذا لم تعمل خطتك الأساسية. على أية حال، يفترض الكثير من المؤسسين أنهم أمام حالتين فقط: إما النمو السريع أو الحفاظ على تكاليف التشغيل منخفضة بحيث لا يمكن الجمع بينهما. وفي الحقيقة هناك رابط ضعيف بين إنفاق الشركة الناشئة وسرعة النمو؛ فعندما يكون نمو الشركة الناشئة سريعًا فهذا يعود إلى أن المنتج يلبي حاجة كبيرة وملحّة بشكل مباشر، أو بعبارة أخرى؛ إنه يضرب على الوتر الحساس. وفي المقابل عندما تنفق الشركة الناشئة بشكل كبير فهذا يرجع غالبًا إلى أن تطوير المنتج أو بيعه يكلف الكثير، أو ربما ببساطة لأنهم مبذّرون . عليك ألا تسأل فقط عن كيفية تجنب الأزمة الخانقة (أو القرصة المُميتة) وإنما أيضًا عن كيفية تجنب التوجه نحو الإفلاس. والجواب سهل: لا تتسرع في توظيف أشخاص جدد، لأن هذا هو أكبر قاتل للشركات الناشئة التي تبحث عن التمويل.[2] يقول مؤسسو الشركات الناشئة أنهم بحاجة إلى توظيف أشخاص إضافيين لتحقيق النمو، ولكن يخطئ معظمهم في المبالغة بتقدير هذه الحاجة بدلًا من تقليل قيمتها. لماذا؟ هناك عدة أسباب لذلك، أحدها وجود الكثير مما ينبغي القيام به، فيظن المؤسسون المبتدئون أن توظيف عدد كافٍ من الأشخاص شرطٌ لازم لإتمام العمل. سببٌ آخر، وهو أن الشركات الناشئة الناجحة اليوم لديها الكثير من الموظفين، فيبدو الأمر وكأن هذا ما يجب القيام به للنجاح. في الواقع إن فرق العمل الكبيرة في الشركات الناشئة الناجحة هي غالبًا ما تكون نتيجةً للنمو وليست سببًا له. سببٌ ثالث وهو أن المؤسسين لا يرغبون في مواجهة السبب الحقيقي لبطء النمو، أي أن المنتج غير مرغوب به بشكل كافٍ. أضف إلى أن المؤسسين الذين يحصلون على التمويل غالبًا ما يفرطون في التوظيف overhire بتشجيع شركات رأس المال المخاطر التي تمولهم. إن استراتيجية الكيّ أو العلاج Kill-or-cure تُعتبر مثالية بالنسبة لشركات رأس المال المخاطر التي تحمي نفسها عن طريق تأثير المحفظة Portfolio Effect. ولهذا ترغب شركات رأس المال المُخاطر أن يحدث انفجار في شركتك (سواء كان يعني ذلك حدوث نمو كبير جدًّا أو موت الشّركة) ، لكنك كمؤسس تملك دوافع مختلفة، وما يهمك هو الاستمرار قبل أيّ شيء.[3] (تأثير المحفظة The Portfolio Effect هو مصطلح استثماري. يشير إلى أن إضافة المزيد من التنوّع على محفظة الاستثمار الخاصة بك سيُقلّل من تأثير المخاطر عليك. هذا يشبه ببساطة المثل الإنكليزي بأن لا تضع البيض في سلّة واحدة). هناك طريقة أخرى شائعة لموت المشاريع الناشئة؛ حيث تصنع الشركة منتجًا جذابًا لكنه ليس جذّابًا بما فيه الكفاية ويكون معدّل النمو الابتدائي جيدًا. يحصل المؤسسون على جولتهم الاستثمارية الأولى بسهولة لأنهم يبدون أذكياء وأصحاب فكرة معقولة. لكن بحكم أن المُنتج ليس جذّابا بما فيه الكفاية والنمو يكون "عاديًا" وليس عظيمًا يُقنع المؤسسون أنفسهم أن توظيف مجموعة من الأشخاص هي الطريقة الأنسب لتعزيز النمو ويوافق ممولوهم. ولكن بما أن المنتج جذاب "بعض الشيء" فقط فإن النمو لن يزداد أبدًا. يأمل المؤسسون الآن بالحصول على المزيد من الاستثمارات لإنقاذهم، ولكنهم أصبحوا غير جذابين للمستثمرين بسبب النفقات العالية والنمو البطيء، وهكذا تموت الشركة بسبب عدم قدرتها على تحصيل المزيد من التمويل. ما ينبغي أن تقوم به الشركة هنا هو معالجة المشكلة الأساسية، أي كون المنتج جذابًا "بعض الشيء" فقط. ونادرًا ما يكون توظيف المزيد من الناس هو طريقة لإصلاح ذلك. في الحقيقة هذا ما يجعل الأمور أكثر صعوبة غالب الأحيان. بينما تحتاج المنتجات في هذه المرحلة المبكرة إلى التطوير التدريجي وفقًا لمتطلبات المستخدمين للوصول إلى الصيغة الأفضل بدل الاعتماد على الصيغة المحددة لها بشكل مسبق، وعادةً ما يكون هذا الأمر أسهل بوجود عدد أقل من الأشخاص.[4] باختصار فإن سؤال إذا ما كنتَ تتجه للربح أو للإفلاس يحميك من ذلك، ربما تتصدى التّحذيرات من إمكانية موت مشروعك لرغبات الإفراط في التوظيف، وستكون حينها مضطرًا للبحث عن طرق أخرى لزيادة النمو. على سبيل المثال: عن طريق القيام بالأشياء التي لا يمكن القيام بها على نطاق واسع، أو إعادة تصميم المنتج بطريقة لا يمكن القيام بها إلا من طرف المؤسسين. بالنسبة للعديد من الشركات الناشئة إن لم نقل معظمها، فإن هذه الطرق في النمو هي التي تحقّق النتائج في نهاية المطاف. انتظر Airbnb على سبيل المثال أربعة أشهر بعد تخرّجهم من YC قبل أن يوظفّوا أول موظّف. وفي تلك الفترة أجهد المؤسسون أنفسهم بشكل كبير في سبيل التطوير التدريجي للموقع كي يصل إلى النجاح المذهل الذي هو عليه الآن. هوامش:[1] النمو العالي للاستخدام يهم المستثمرين أيضًا، حيث ستكون الإيرادات في النهاية من مضاعفات الاستخدام بشكل ثابت، وبالتالي كل X% من نمو الاستخدام يتوقع أن تحقّق X% من نمو الإيرادات. لكن في الحقيقة يقلل المستثمرون من قيمة الإيرادات المتوقعة، لذا إذا كنت تقيس نسبة استخدام منتجك فإنك ستحتاج إلى نسبة نمو مرتفعة للفت أنظار المستثمرين. [2] تكون الشركات الناشئة التي لا تبحث عن تمويل في مأمن من الوقوع في مشكلة التوظيف السريع للغاية، لأنه لا يمكنها تحمل نفقات ذلك. لكن هذا لا يعني أنه عليك تجنب الحصول على تمويل لعدم الوقوع في هذه المشكلة. إن الطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي الامتناع الكلي عن التوظيف. [3] من المُتوقّع أن يكون ميل شركات رأس المال المخاطر إلى دفع المؤسسين نحو الإفراط في التوظيف لا يخدم مصالحها هي أيضًا، فهم لا يعرفون كم من الشركات قد فشلت بسبب الإسراف في النفقات حيث كان من الممكن أن تبلي جيدًا لو كتبت لها الفرصة في النجاة. ومن المُتوقّع أن يكون عددها كبيرًا. [4] كتب Sam Altman بعد قراءته مسودة المقال: ويضيف Paul Buchheit: (يتضمن التوسع Scaling الحصول على المزيد من الموظفين، طلب المزيد من رأس المال، أو إنفاق المزيد على التسويق، وعادةً ما يصاحب ذلك زيادة في المبيعات). ترجمة -وبتصرّف- للمقال Default Alive or Default Dead لصاحبه بول جراهام (Paul Graham). حقوق الصورة البارزة: Designed by Freepik.
- 1 تعليق
-
- 1
-
- شركة ناشئة
- إستثمار
-
(و 7 أكثر)
موسوم في:
-
هذا المقال مقتبس من محاضرة زائر ألقيت في مادة الشركات الناشئة لـ سام ألتمان Sam Altman في جامعة ستانفورد. المقال مخصص لطلاب الجامعة، لكن جزء كبير منه قابل للتطبيق على المؤسسين المحتملين في أعمار أخرى. إن أحد فوائد أن يكون لديك أطفال هو عندما تسدي النصيحة، فإنك تسأل نفسك "ما الذي كنت سأخبر أطفالي ؟". أطفالي صغار، لك يمكنني أن أتخيل ما كنت لأخبرهم به حول الشركات الناشئة إذا كانوا طلابًا جامعيين، وهذا ما سأخبرك به. الشركات الناشئة شيء أبعد ما يكون عن البداهة counterintuitive. لست متأكدًا تمامًا سبب كون الأمر على هذا النّحو. قد يكون بسبب أن المعرفة المُتعلّقة بالشّركات الناشئة لم تتسرّب بعد إلى ثقافتنا. لكن بغضّ النظر عن السبب، إن إطلاق شركة ناشئة مَهمّة لا يمكنك الوثوق بحدسك فيها. الأمر أشبه بالتزلج، عندما تحاول التزلج للمرة الأولى وترغب بإبطاء سرعتك، فإن حدسك يخبرك بأن ترجع ظهرك للخلف. لكن إذا فعلت ذلك فإنك ستفقد السيطرة على نفسك وتسقط. لهذا فإن جزءًا من عملية تعلم التزلج هو قمع هذا الحدس. بالتالي يصبح لديك موهبة جديدة، لكن في المرات الأولى فإنها تتطلب منك بعض الجهد وتذكر قائمة بالأشياء التي يجب القيام بها أثناء التزلج نحو الأسفل. والشركات الناشئة هي أمر غير طبيعي مثلما هو عليه الحال مع التّزلّج. لذا هناك قائمة مشابهة من الأشياء التي يجب عليك القيام بها مع الشركات النّاشئة أيضًا وسأحاول هنا أن أقدم لك الجزء الأول منها إذا أردت أن تهيئ نفسك لبدء شركتك الناشئة. منافاة البداهة Counterintuitiveإن العنصر الأول ضمن القائمة هو ما ذكرته آنفًا: الشركات الناشئة غريبة وليس طبيعة بشكل إذا وثقت بحدسك، فإنك سترتكب العديد من الأخطاء. إذا كنت لا تعرف عن الشّركات الناشئة سوى هذا الأمر فإنك على الأقل ستتوقف قبل ارتكاب الأخطاء. عندما كنت أدير حاضنة Y Combinator، اعتدت أن أطلق نكتة على أن مهمتنا هي إخبار المؤسسين بالأشياء التي يجب عليهم تجاهلها. وهذه هي الحقيقة. مع مرور الشركات الناشئة على الحاضنة، فإن شركاءنا كانوا يُحذّرون المؤسسين من الأخطاء التي سوف يرتكبوها وكان المؤسسون يتجاهلون كلام الشركاء، وبعد سنة يعودون نادمين ويقولون "نتمنى لو أننا استمعنا لما قلتموه". لماذا تجاهل المؤسسون نصيحة الشركاء؟ حسنًا، هذا هو مفهوم منافاة البداهة. إن الشركاء يعارضون حدسك، ويبدو لك أنهم مخطؤون، لهذا يكون الدافع الأول لديك أن تتجاهلهم. وفي الواقع فإن مُحتوى تلك النُكتة ليست لعنة على الحاضنة بل جزءًا من سبب وجودها. إذا كان حدس المؤسسين صحيحًا وأعطاهم الإجابة الصائبة، فلن يحتاجوا إلينا. حيث أنك تحتاج النصيحة من الآخرين عندما تفاجئك. ولهذا نجد الكثير من مُدرّبي التّزلّج لكن أعداد المُدرّبين تقل لما يتعلّق الأمر بالرّكض [1]. على أي حال، يمكنك الوثوق بحدسك حيال الأشخاص، وفي الواقع فإن واحدًا من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المؤسسون الشباب أنهم لا يثقون بحدسهم لما يتعلّق الأمر بالأشخاص. يتواصل المؤسسون مع الأشخاص الذين يبدو أنهم مثيرون للإعجاب، لكنهم غير مرتاحين لهم شخصيًا وعندما تسوء الأمور لاحقًا يقولون "كنت أعرف أن هناك شيئًا ما غير مريح حوله، لكن تجاهلته لأنه كان مثيرًا للإعجاب". إذا كنت تفكر بالتعامل مع أحدهم وتعيينه كشريك مؤسس أو موظف أو مستثمر أو مُستحوذ على شركتك، ولديك شكوك وعدم ارتياح اتّجاهه، فيجب عليك أن تثق بحدسك. إذا شعرت بأنه مخادع، كذاب، مغفل، لا تتجاهل هذا الشعور. اعمل مع الأشخاص الذين تعرفهم جيدًا ولمدة طويلة وأصبحت متأكّدًا منهم. الخبرةإن الشيء غير البديهي الثاني هو أنه من غير الضروري أن تعرف الكثير حول الشركات الناشئة. إن الطريق نحو النجاح في الشركات الناشئة لا يشترط أن تكون خبيرًا في الشركات الناشئة، بل خبيرًا في المستخدمين والمشاكل التي سوف تحلها لهم. لم ينجح مارك زوكربيرغ لأنه كان خبيرًا بالشركات الناشئة، لقد نجح على الرغم من أنه كان جاهلًا تمامًا بالشركات الناشئة، لقد نجح لأنه فهم مستخدميه جيدًا. إذا لم تعرف أي شيء عن مواضيع مثل الحصول على التمويل، لا تشعر بالسوء. هذا الأمر من الأشياء التي يمكنك أن تتعلمها عندما تحتاج إليها، وتنساها بعد أن تفرغ منها. في الحقيقة، ما يقلقني هو أنه ليس فقط من غير الضروري أن تتعلم كل التفاصيل حول آليات تأسيس وعمل الشركات الناشئة، بل من المحتمل أيضًا أن يكون تعلّم ذلك خطرًا. إذا قابلت طالبًا جامعيًا يعرف كل شيء عن السندات القابلة للتحويل و اتفاقيات التوظيف و ( لا سمح الله ) الأسهم من فئة FF*، لن أفكّر به على أنه شخص متفوق على أقرانه، بل سأبدأ بالحذر منه. لأنه من الأخطاء الشخصية الأخرى التي يرتكبها المؤسّسون الشباب هي القيام بما تقوم به الشركات الناشئة. إنهم يقترحون أفكارًا تبدو جيّدة مثل الحصول على التمويل عندما تكون قيمة الشركة مرتفعة، استئجار مكاتب كبيرة، توظيف عدد من الأشخاص. قد يبدو هذا ظاهريًا ما تفعله الشركات الناشئة. لكن الخطوة التالية لاستئجار مكتب كبير وتوظيف عدد من الأشخاص هي: الإدراك التدريجي للحالة المزرية التي هو فيها. لأنه أثناء تقليد جميع المظاهر التي تقوم بها الشركات الناشئة، أهملوا الشيء الوحيد الضروري والذي يجب فعله: بناء شيء يريده الناس. اللعبةرأينا هذا الأمر يحدث مرارًا وتكرارًا لدرجة أننا أطلقنا عليه اسم: playing house. ولاحقًا عرفت سبب تكرار حدوثه. إن السبب الذي يدفع المؤسسين الشباب لأن يقوموا بمثل هذه الأشياء أثناء تأسيسهم الشركات الناشئة، هو أنهم تدربوا على هذا الأمر طوال حياتهم حتى لحظة بدء إطلاقهم لشركة. على سبيل المثال فكّر بماذا ستفعل إذا أردت الدراسة في الجامعة، بالطبع الأنشطة اللامنهجية**، حتى في الدروس الجامعية، فإن معظم العمل الذي يقوم به الطلاب هو اصطناعي. وأنا هنا لا أهاجم النظام التعليمي لأنه مبني على هذه الطريقة. دائمًا سيكون هناك حد معين من التزييف في العمل الذي تقوم به من أجل أن تتعلم شيئًا ما. أعترف أني قمت بهذا الأمر شخصيًا في الجامعة. رأيت أنه في الكثير من المواد هناك فقط 20 أو 30 فكرة التي كانت تملك الشكل المُناسب لبناء سؤال امتحان جيد. ولم تكن الطريقة التي درست بها تلك المواد من أجل الامتحان للتمكّن من المعلومات التي تعلمتها منها، بل من أجل إنشاء قائمة بأسئلة محتملة للامتحان والإجابة عنها مسبقًا، وعندما أصل إلى للامتحان النهائي، كان الشعور الوحيد الذي يساورني هو الفضول حول أي من أسئلتي ستكون ضمن الامتحان. كان الأمر أشبه بلعبة. لست متفاجئًا بعد هذا التدريب الطويل لكامل حياتهم لمثل هذه الألعاب، أن يكون الدافع الأول للمؤسسين الشباب عند بدء إطلاق شركاتهم الناشئة هو محاولة ابتكار الخدع والتحايل من أجل الفوز في هذه اللعبة الجديدة. وطالما أن الحصول على التمويل يبدو كمقياس نجاح للشركات الناشئة (خطأ تقليدي آخر للمُؤسسين الشباب)، فإن أولئك المؤسسين يرغبون دائمًا بمعرفة الخدع التي تؤدي لإقناع المستثمرين. نخبرهم بأن أفضل طريقة لإقناع المستثمرين هي إنشاء شركة ناشئة تبلي بلاءً حسنًا، بمعنى أنها تنمو بسرعة، وبعدها فقط عليكم إخبار المستثمرين بهذا الأمر. وبعدها يرغبون بمعرفة الخدع التي تجعل شركاتهم تنمو بسرعة. وهنا نقول لهم أن أفضل طريقة للنمو بسرعة هي ببساطة بناء شيء يريده الناس. لذا فإن العديد من المحادثات التي يجريها شركاء حاضنة Y Combinator مع المؤسّسين الشباب تبدأ بسؤال المؤسس " كيف نقوم بـ .. " ويجيبه الشريك " فقط افعل .. ". لماذا يعقّد المؤسّسون الأمور دائمًا؟ برأيي يعود السبب إلى أنهم يبحثون عن خدعة ما. وهذا هو الشيء المُنافي للبداهة الثالث الذي ينبغي عليك تذكره حول الشركات الناشئة: إن تأسيس شركة ناشئة لا ينفع معه التلاعب على النظام. قد ينجح معك هذا التلاعب إذا عملت لدى شركة كبيرة. وبالاعتماد على مدى سوء حالة الشركة، يمكنك أن تنجح من خلال تملق الأشخاص المناسبين، الإيحاء وإعطاء الانطباع بالإنتاجية، وهلم جرًا [2]. لكن الأمر لا يسير على هذه الطريقة مع الشركات الناشئة. ليس هناك مديرٌ لتخدعه، هناك فقط مستخدمون، وهؤلاء همّهم الوحيد هو إن كان منتجك يؤدي الغرض المطلوب منه أم لا. وتكمن الخطورة في أن الخداع والتزييف ينجح مع المستثمرين إلى حد ما. إذا كنت مُمثّلًا بارعًا بالحديث بطريقة تنم عن أنك تعرف جيدًا ما الذي تتحدث عنه، يمكنك خداع المستثمرين لجولة وربما جولتين من التمويل. لكن الأمر ليس دائمًا في صالحك أن تقوم به على هذه الطريقة. فالشركة ستفشل في النهاية وكل ما تفعله هو إضاعة وقتك والتوجه بها نحو الهاوية. لذا توقف عن البحث عن خدعة ما، هناك خدع في الشركات الناشئة كما في أي مجال آخر. لكنها أقل أهمية من حل المشاكل الحقيقية. إن المؤسس الذي لا يعرف شيئًا عن الحصول على التمويل لكن لديه منتج يحبه المستخدمين، هذا سيسهل عليه مهمة جمع التمويل مقارنة بذلك الذي يعرف كل الخدع لكن منتجه لا يثير اهتمام المستخدمين. والأهم من هذا أن المؤسس الذي صنع شيئًا يحبه المستخدمون هو نفسه الذي سيستمر لينجح بعد أن حصل على التمويل. على الرغم من أنك فقدت واحدًا من أسلحتك القوية، لكن أعتقد أنه من المثير للاهتمام أن التلاعب على النظام لا ينجح عندما تبدأ بتأسيس شركة ناشئة. من الجيد أنه لا زال هناك مكان ما في هذا العالم حيث يمكنك أن تنجح عبر القيام بالشيء الصحيح. تخيل لأي حد سيكون العالم مُحبطًا إذا كان مثل المدارس والشركات الكبيرة، حيث عليك إما قضاء معظم وقتك على أشياء تافهة أو تخسر أمام الأشخاص الذين يفعلونها. [3] سأكون في منتهى السعادة لو عرفت أيام الجامعة أن هناك مكانًا ما في العالم الحقيقي حيث التلاعب على النظام ينال أهمية أقل من الأماكن الأخرى، وبعض الأماكن التي بالكاد يكون هناك أهمية لهذا التلاعب. هذا التنوع هو واحد من أكثر الأشياء أهمية للأخذ بها بعين الاعتبار عندما تفكر حول مستقبلك. كيف تفوز في كل نوع من الأعمال؟ وما الذي تريد النجاح به؟ [4]. الاستنزافهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة المُنافية للبداهة: الشركات الناشئة تستنزفك، إذا أسست شركة ناشئة فإنها ستسيطر على حياتك لدرجة لا يمكنك تخيّلها. وإذا نجحت شركتك الناشئة، فإنها ستسيطر على حياتك لفترة أطول: على الأقل لعدة سنوات، قد يكون لعقد من الزمن، وربما لباقي حياتك العملية. لذا هنا تكلفة فرصة بديلة*** حقيقية. قد يبدو أن لاري بيج يعيش حياة رائعة، لكن هناك نواح عديدة في حياته تجعلها مزرية. منذ أن كان عمره 25 عامًا بدأ في الرّكض بأسرع ما يمكنه وبالنسبة إليه يبدو أنه لم يتوقف لالتقاط أنفاسه بعد. تحدث أشياء سيئة يوميًا في امبراطورية جوجل والتي يمكن فقط للمدير التنفيذي أن يتعامل معها، وعليه كمدير تنفيذي أن يتعامل معها. فلو ذهب في إجازة لفترة أسبوع، فإنه يتراكم عليه أسبوع كامل من المشاكل وعليه التعامل معها بدون أن ينبس ببنت شفة. ولأنه الرأس الأكبر في الشركة فإنه لا يمكنه إظهار الخوف أو الضعف، وأيضًا لأنه لا أحد يتعاطف مع أصحاب المليارات إذا تحدثوا عن المصاعب التي تواجههم في حياتهم. من الآثار الجانبية الغريبة حول صعوبة كونك مؤسسًا لشركة ناشئة ناجحة كون هذه الصعوبات لا يراها أحد باستثناء أولئك المؤسسين الذين فعلوها هم أيضًا. موّلت حاضنة Y Combinator العديد من الشركات التي يمكن اعتبارها نجاحات كبيرة. وفي كل واحدة من تلك الشركات يكرّر المؤسسون نفس العبارات. إن الأمر لن يصبح سهلًا على الإطلاق. إن طبيعة المشاكل تتغير. فأنت تقلق حول التأخير في أعمال البناء والتأسيس في مكتب الشركة بلندن بدلاً من تعطل مكيف الهواء في شقتك الصغيرة. ولا يتناقص أبدًا العدد الإجمالي لحالات القلق بل تزداد دائمًا. إن تأسيس شركة ناشئة ناجحة يشبه أن يكون لديك أطفالًا، وكأنّه زر تضغط عليه وتتغير حياتك بلا رجعة. وفي حين أنه من الرائع أن يكون عندك أطفال، فإن هناك الكثير من الأشياء التي من الأسهل القيام بها قبل أن يولدوا. والعديد من تلك الأشياء سيحولك إلى أب أفضل عندما يصبح عندك أطفال لاحقاً. وطالما أنه بمقدورنا تأخير الضغط على الزر لبرهة، فإن معظم الناس في الدول الغنية يفعلون ذلك. وعندما يتعلق الأمر بالشركات الناشئة، يظن الكثير من الناس بأنه ينبغي عليهم إطلاق شركاتهم الناشئة عندما يكونون في الجامعة. هل أنت مجنون؟ وما الذي تفكر فيه الجامعة؟ بالرّغم من أنّها تعمل كل ما في وسعها لتضمن بأن طلبتها مجهّزون بوسائل منع الحمل، إلا أنها تسعى إلى إطلاق برامج ريادة الأعمال وحاضنات الشركات الناشئة هنا وهناك. لأكون منصفًا، هناك قيود مفروضة على الجامعات حيث يأتيها الكثير من الطلاب المهتمين بالشركات الناشئة. وعلى الجامعات على الأقل أن تُحضّرهم لهذا الأمر . لذا يأمل الطالب الذي يريد أن يطلق شركة ناشئة من الجامعات أن تعلمه كيفية القيام بذلك. وسواء أكانت الجامعات قادرة على فعل هذا أم لا، فإن الضغوط التي عليها تدفعها على الأقل للادعاء بأنها قادرة على فعل ذلك، خشية أن تخسر الطلاب الذين سيتجهون إلى جامعات أخرى قادرة على تعليمهم هل يمكن للجامعات أن تُدرّس الطلاب الشركات الناشئة؟ الأمر يحتمل الوجهين. يمكنها تعليم الطلاب حول الشركات الناشئة، لكن كما شرحت سابقًا أن هذه ليست الطريقة المناسبة والصحيحة التي يجب أن تتعلم بها. ما يجب أن تتعلمه هو حاجات المستخدمين، ولا يمكنك تعلم هذا قبل أن تبدأ شركتك فعلًا.[5] إذاً إن تأسيس الشركات الناشئة جوهرياً هي شيء يمكنك فقط التعلم عنه من خلال البدء به. ومن المستحيل أن تتعلم ذلك في الجامعة، لنفس السبب الذي شرحته قبل قليل: تستحوذ الشركة الناشئة على حياتك، لا يمكنك أن تطلق شركتك كطالب تتعلم عن الموضوع، لأنه ما إن تطلقها فإنك لن تُصبح طالبًا. قد تكون طالبًا بشكل ظاهري فقط لفترة قصيرة من الزمن، ولن يدوم هذا الأمر طويلاً. [6] وفي هذه الحالة، أيّ المسارين يجب أن تسلك؟ أن تكون طالبًا حقيقيًا وتتخلى عن فكرة إطلاق شركة ناشئة؟ أو أن تؤسس شركتك وأن لا تكون طالبًا؟ يمكنني الإجابة بدلًا عنك. لا تؤسس شركتك ناشئة وأنت في الجامعة. إن كيفية إطلاق شركة ناشئة ليست سوى جزء من مشكلة أكبر تعمل على حلها: كيف تحظى بحياة سعيدة. وبالرّغم من أن إطلاق شركة ناشئة قد يكون جزءًا من الطريق نحو الوصول للحياة السعيدة، إلا أنه لمّا تكون في سن العشرين ليس الوقت المثالي لإطلاق شركتك الخاصة. إن تأسيس الشركات الناشئة أشبه بالبحث المعمق السريع fast depth-first search (طريقة بحث في بنية البيانات المعروفة بالشجرات الثنائية) يجب على معظم الناس أن يبحثوا بشكل عرضي (breadth-first) في عمر العشرين. يمكنك القيام بأشياء عند مطلع العشرينيات من عمرك، لا يمكنك القيام بها قبل أو بعد هذا العمر. كالتعمق في مشاريع ترضي نزواتك أو السفر بتكلفة مُنخفضة من دون القلق حول مواعيد العودة. وبالنسبة للأشخاص غير الطموحين، هذا النوع من الأشياء هو لعنة " فشل الإطلاق والتأسيس"، في حين يمكن أن يعتبر استكشافًا لا يقدر بثمن للأشخاص الطموحين. إذا أطلقت شركتك الناشئة عند عمر 20 سنة وكنت ناجحًا للغاية في حياتك، فلن تحصل على فرصة تأسيس شركتك.[7] لن يكون بمقدور مارك زوكربيرغ التسكّع في دول أخرى، يمكنه القيام بأشياء أخرى لا يستطيع فعلها غيره، كاستئجار طائرة تحلق به إلى دول أجنبية. إلا أن النجاح منعه من القيام بالكثير من الأمور التي كان بإمكانه القيام بها. إن فيس بوك تُديره بقدر ما يدير هو فيس بوك. وعلى الرغم من أنه من المُثير للإعجاب العمل على مشروع تعتبره عمل حياتك، فإن هناك امتيازات للصدفة أيضًا، خاصة في السنوات الأولى من حياتك. ومن بين العديد من الأشياء فإنها تمنحك المزيد من الخيارات لتختار عمل حياتك منها. وليس هناك أية تنازلات هنا، فأنت لا تضحي بأي شيء مقابل تخليك عن فكرة إطلاق شركتك عند عمر 20 سنة، لأنك على الأرجح ستنجح لو انتظرت. ومن الحالات النادرة أن يكون عمرك 20 سنة وينجح أحد مشاريعك الثانوية كما حصل مع فيس بوك. سوف تواجه الخيار في متابعة الشركة وإدارتها أم لا، وحينها سيكون من المعقول والمنطقي أن تتابع إدارة الشركة وإطلاقها. إلا أنه في الحالات العادية لإطلاق الشركات الناشئة أن المؤسسين يقومون بأشياء لإنجاحها، ومن الغباء أن تفعل ذلك في سن العشرين. المحاولةهل يجب عليك أن تطلق شركتك في أي عمر كان؟ أعلم أني أظهرت الشركات الناشئة بمظهر المهمّة الصّعبة للغاية. وإن لم أوفق في هذا، دعني أحاول مجددًا: إن تأسيس الشركات الناشئة أمر صعب للغاية. وماذا لو كان الأمر صعبًا جدًا؟ كيف يمكنك أن تعرف إن كنت على قدر هذا التحدّي؟ يكمن الجواب في النقطة الخامسة المُنافية للبداهة: لا يمكنك أن تعرف. لقد أعطتك حياتك حتى الآن بعض الأفكار عما يمكن أن تتخيله إن حاولت أن تصبح عالم رياضيات، أو لاعب كرة قدم محترف. لكن ما لم تكن لديك حياة غريبة للغاية فإنك لم تفعل الكثير مما يمكن أن يشبه حياة مؤسس الشركة الناشئة. إن إطلاق الشركات الناشئة سوف يغيرك كثيرًا. لذا فإن ما تحاول تقديره ليس ما أنت عليه الآن، بل ما يمكن أن تمر فيه، ومن يمكنه القيام بذلك؟. كان عملي طوال السنوات التسعة الماضية هو التنبؤ فيما إذا كان لدى الأشخاص ما يتطلبه إطلاق شركة ناشئة ناجحة. كان من السهل أن تعرف مدى ذكائهم (وإن كنت تقرأ هذا المقال فمن المُحتمل جدّا أنك ذكّي أيضًا)، لكن تكمن الصعوبة في معرفة مستوى الطموح والقدرة على تحمل المصاعب التي سيصلون إليها. قد لا يكون هناك أي شخص لديه خبرة أكبر في محاولة التنبؤ بهذا، لذا يمكنني أن أخبرك عن المقدار الذي يمكن أن يعرف الخبير عن ذلك، والإجابة هي: ليس الكثير. تعلمت أن أكون منفتحًا للغاية حيال أي من الشركات الناشئة في كل دفعة احتضان ستكون من الشركات الناجحة. يعتقد المؤسسون أحيانًا أنهم يعرفون. يساور بعضهم الشعور بأنهم سيتفوقون في حاضنة Y Combinator كما تفوقوا على الجميع في كل الاختبارات ( السهلة، الافتراضية، القليلة) التي واجهوها في حياتهم حتى الآن. في حين يقلق بعض المؤسسين حول الطريقة التي أوصلتهم إلى الحاضنة على أمل أن لا تكتشف أي خطأ ارتكبناه لمّا قبلناهم. لكن هناك علاقة ارتباط ضعيفة ما بين مواقف المؤسّسين الأولية وأداء شركاتهم لاحقًا. لقد قرأت أن هذا الأمر صحيح أيضًا في الجيش، حيث أن المجندين المتبجحين ليسوا أكثر تأهيلًا ليُصبحوا أشد وأفضل من المُجنّدين الهادئين، وربما يعود الأمر لنفس السبب: إن الاختبارات التي سيمرّون بها مختلفة جدًا عن التي مرّوا بها سابقًا في حياتهم. إذا كنت ترتعد خوفًا من إطلاق شركتك الناشئة، فإنّه على الأرجح لا يجب علي القيام بذلك. لكن إذا لم تكن متأكدًا إن كنت قادرًا على المواجهة، فإن الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي المحاولة. لكن ليس الآن. الأفكارحسنًا، إذا أردت إطلاق شركتك الناشئة في أحد الأيام، ما الذي ينبغي عليك فعله أثناء الدراسة في الجامعة؟ هناك شيئان اثنان ستحتاجهما في البداية: الفكرة و المؤسسون الشركاء. وهذا ما يقودنا إلى النقطة السادسة والأخيرة المُنافية للبداهة: إن طريقة الحصول على أفكار للشركات الناشئة ليست محاولة التفكير في أفكار الشركات الناشئة. لقد كتبت مقالًا كاملًا حول هذه النقطة. لذا لن أكرر نفس الكلام هنا أيضًا. لكن وباختصار إذا أردت أن تقوم بجهد كافي للتفكير بأفكار الشركات الناشئة، فإن الأفكار التي ستحصل عليها لن تكون سيئة فحسب، بل سيئة ولها مظهر مخادع أيضًا (تظهر بمظهر الفكرة الجيّدة)، أي أنك ستهدر الكثير من الوقت عليها قبل أن تدرك أنها فكرة سيئة. إن الطريقة المناسبة للحصول على أفكار جيدة للشركات الناشئة هي الرجوع خطوة للوراء. بدلاً من القيام بجهد والتفكير بأفكار للشركات الناشئة، حوّل عقلك إلى النوع الذي يحصل على أفكار للشركات الناشئة بدون تخصيص جهد لذلك لدرجة لا تدرك للوهلة الأولى أنها أفكار للشركات الناشئة. وهذه الطريقة ليست ناجعة وممكنة فحسب، بل أيضاً هي الطريقة التي بدأت بها كل من آبل، ياهوو، جوجل وحتى فيس بوك. ولا واحدة من تلك الشركات كان المقصود منها أن تصبح شركة في بداية الأمر. كانت كلها مجرد مشاريع ثانوية. إن أفضل الشركات الناشئة غالبًا تبدأ كمشاريع جانبية لأن الأفكار الرائعة تميل لأن تكون متطرفة لدرجة أن عقلك الواعي سيرفضها كأفكار تصلح لأن تصبح شركات. حسناً، كيف تحول عقلك إلى النوع الذي يستحضر أفكار الشركات الناشئة من اللاوعي؟ تعلم الكثير عن الأشياء الهامة اعمل على المشاكل التي تثير اهتمامك مع الأشخاص الذين تحبهم وتحترمهم. وهذه الخطوة الثالثة على سبيل الصدفة هي التي توصلك إلى المؤسّسين الشركاء في نفس الوقت التي تحصل فيها على الفكرة. في المرة الأولى التي كتبت فيها الفقرة السّابقة، وبدلاً من "تعلم الكثير عن الأشياء الهامة" كتبت " كن ماهرًا في تقنية ما " لكن هذا المقترح على الرغم من أنه كاف إلا أنه ضيق للغاية. ما كان مُميّزًا لدى بريان شيسكي Brian Chesky و جوي غيبيا Joe Gebbia ليس أنهم خبراء في التقنية. لقد كانوا ممتازين في التصميم، وربما أيضًا -وهذا الأكثر أهمية- كانوا ماهرين في تنظيم المجموعات وإطلاق المشاريع. لذا ليس عليك أن تعمل على التقنية بحد ذاتها، طالما أنك تعمل على المشاكل التي تتطلب منك جهدًا كافيًا. لكن أي نوع من المشاكل؟ هذا سؤال صعب الإجابة عنه بشكل عام. والتاريخ مليء بأمثلة عن شباب الذين كانوا يعملون على مشاكل هامة لم يعتقد غيرهم في ذلك الوقت أنها كانت هامة. وعلى وجه التحديد لم يعتقد أولياؤهم أنها كانت هامة. وعلى الجانب الآخر، فإن التاريخ مليء أيضًا وبشكل أكثر بأمثلة عن أولياء اعتقدوا أن أبناءهم يضيعون وقتهم وكانوا مُحقّين في ذلك. إذًا كيف يمكنك أن تعرف عندما تعمل على الأشياء الحقيقية الهامة؟[8] أنا أعرف الإجابة عن هذا السؤال الأخير. تكون المشاكل الحقيقية مثيرة للاهتمام وعادة ما أرغب في العمل على الأشياء المثيرة للاهتمام، حتى لو لم يهتم بها أحد ( في الحقيقة، خاصة لو لم يهتم بها أحد) وأرى أنه من الصعب أن أجبر نفسي على العمل على أشياء مملة، حتى لو كان من المفترض أنها هامة. حياتي مليئة بالحالات التي عملت فيها على أشياء فقط لأنها بدت مثيرة للاهتمام، وتبين لاحقًا أنه كان مفيدًا بطريقة ما. إن حاضنة Y Combinator بحد ذاتها كانت شيئًا فعلته فقط لأنه بدا مثيرًا للاهتمام. لذا يبدو أن لدي بوصلة داخلية تساعدني على اكتشاف هذا الشيء. لكن لا أعرف ما الذي يدور في عقول الأشخاص الآخرين. ربما لو فكرت أكثر حول هذا قد أصل إلى مدلولات تساعد على التعرف على المشاكل المثيرة للاهتمام. لكن وحتى اللحظة فإن أفضل ما يمكنني تقديمه هو إذا تعرفت على مشكلة مثيرة للاهتمام، انغمس فيها بكل طاقتك، وهذه أفضل طريقة لتحضير نفسك للشركة الناشئة. في الحقيقة قد تكون أفضل طريقة لتعيش حياتك. [9] على الرغم من أني غير قادر على شرح ما الذي يعتبر مشاكل مثيرة للاهتمام بشكل عام. يمكنني إخبارك حول مجموعة كبيرة منها. إذا كنت تفكر في التقنية كشيء ينتشر كالنار في الهشيم، فإن كل نقطة متحركة فيها تمثل مشكلة مثيرة للاهتمام. لذا فإن الطريقة المضمونة لتحويل عقلك إلى النوع الذي لديه أفكار جيدة لتحويلها إلى شركات ناشئة هي أن تضع نفسك على الحافة القيادية لبعض التقنيات – لتجعل نفسك -كما يقول بول بوشيت Paul Buchheit- "تعيش في المستقبل". عندما تصل تلك النقطة، فإن الأفكار التي تبدو للأشخاص الآخرين كشيء غيبي خارق للطبيعة تظهر لك كشيء واضح. قد لا تدرك أنها أفكار تصلح لشركات ناشئة، لكنك ستعرف أنها شيء يجب أن يُصنع. على سبيل المثال، وفي جامعة هارفارد في منتصف التسعينيات، برمج زميل أصدقائي روبرت Robert وتريفور Trevor برنامجه الخاص بالمكالمات الصوتية عبر الإنترنت. لم يقصد منه أن يصبح شركة ناشئة، ولم يحاول مطلقًا أن يحوله إلى شركة. كل ما أراده هو أن يتحدث مع صديقته في تايوان بدون أن يدفع أجرة المكالمات الدولية. ومنذ ذلك الحين أصبح خبيرًا في الشبكات. وبدا له جليًّا بأنّ الطريقة التي يجب عليه أن يحل المُشكل بها هو تحويل الصّوت إلى حزم يتم نقلها عبر الإنترنت. لم يقم بأي شيء ببرنامجه أكثر من مجرد الحديث مع صديقته. لكن هذه هي بالضبط الطريقة التي تبدأ بها أفضل الشركات الناشئة. إذاً من الغريب أن الشيء المثالي الذي يجب القيام به في الجامعة إذا أردت أن تصبح مؤسس شركة ناشئة ناجح هو ليس التّركيز على هذا النوع الجديد العصري من "ريادة الأعمال"، بل يجب التّركيز على الأسلوب الكلاسيكي المُتمثّل في التّحصيل العلمي من أجل التّحصيل العمي ذاته. إذا أردت أن تبدأ شركتك الناشئة بعد الانتهاء من الجامعة، ما الذي ينبغي أن تفعله في الجامعة هو أن تتعلم علومًا قوية، وإذا كان لديك ذهنية فضولية أصيلة، هذا ما سيؤدي الحال به أن تقوم به إذا اكتفيت بمتابعة ميولك فقط.[10] إن مكون ريادة الأعمال الذي يُهمّنا حقًا هي الخبرة في المجال. إن الطريقة التي ستصبح فيها لاري بايج Larry Page هي أن تكون خبيرًا في البحث. والطريقة التي ستصبح فيها خبيرًا في البحث هي أن يقودك فضولك الأصيل وليس بعض الدوافع الخفية. وفي أفضل الأحوال، فإن تأسيس شركة ناشئة ليس سوى دافع خفي للفضول. وسوف تقوم بالأمر على أفضل طريقة إذا أخّرت هذا الدافع الخفي إلى نهاية العملية برمتها. إليك النصيحة الأخيرة التي يجب تقديمها إلى الشاب الذي يرغب أن يصبح مؤسس شركة ناشئة ويمكن تقديمها في كلمة: تعلم. الهوامش[1] ينّصت بعض المؤسسون أكثر من غيرهم، وهذا قد يكون عنصر يسمح بالتّنبّؤ بالنجاح. إن أحد الأشياء التي أتذكرها حول شركة Airbnbs أثناء احتضانها في Y Combinator هو كيف كانوا ينصتون باهتمام. [2] في الواقع، هذا أحد الأسباب الذي يجعل إطلاق الشركات الناشئة أمرًا ممكنًا. إذا لم تعاني الشركات الكبرى من عدم الكفاءة الداخلية، فإنها ستكون فعالة بشكل متناسب، ما يضيّق المجال المتروك لإطلاق الشركات الناشئة. [3] عليك أن تقضي وقتًا أطول على الأعمال التي يُمكن أن نصفها بـ Schlep في الشركات الناشئة. وهذا النوع من الأعمال هو غير مريح فقط لكنه ليس وهميًا. [4] ماذا ينبغي عليك القيام به إذا كان مُهتمّا بالتلاعب على النظام؟ الاستشارات الإدارية. [5] قد لا تكون الشركة قد انطلقت بشكل رسمي، لكن إذا بدأت في الحصول على عدد كاف من المستخدمين، فإنك تكون قد أطلقتها، سواء أدركت ذلك أم لا. [6] يجب أن لا تتفاجأ من أن الجامعات لا تستطيع تعليم الطلاب كيف يصبحون مؤسسين جيدين، لأنها غير قادرة على تعليمهم كيف يكونوا موظفين جيدين أيضًا. إن الطريقة التي "تعلم" فيها الجامعة الطلاب كيف يصبحوا موظفين هي أن تسلم هذه المهمة إلى الشركات عبر برامج التدريب internship programs. لكن لا يمكنها القيام بنفس الشيء للشركات الناشئة، لأنه وببساطة إذا تعلّم الطّلاب ذلك جيّدا فإنهم لن يعودوا إلى الجامعة [7] كان عمر تشارلز داروين 22 عامًا عندما تلقى دعوة للسفر على متن سفينة البيغل بصفته عالم طبيعة, وهذا الأمر لم يكن ليحدث لولا فراغ داروين وعدم شغله لأية وظيفة بشكل أقلق أفراد عائلته. ولو لم يكن داروين عاطلًا عن العمل حينها فلربما لم نكن لنسمع باسمه. [8] يمكن أن يتحول الأهالي أحياناً إلى متحفظين للغاية في هذه الناحية. هناك بعض الأهالي الذين يعرّفون المشاكل الهامة على أنها تلك المُتعلّقة فقط بالمسيرة نحو مدرسة الطّب. [9] لقد تمكنت من التفكير في آلية لمعرفة ما إذا كنت تملك حسًا للتّعرف على الأفكار المُهمّة: إذا كُنت لا تُطيق الأفكار المعروفة والمُملّة. هل بإمكانك دراسة النّظريات الجافة أو الصّبر على وظيفة في الإدارة الوسطى في شركة كبيرة؟ [10] في الحقيقة، إذا كانت هدفك إطلاق شركة ناشئة، يمكنك التشبّت أكثر بمثالية التعلم الحر مقارنة بالأجيال السابقة. سابقًا عندما كان الطلاب يركزون بشكل رئيسي على الحصول على وظيفة بعد التخرج، كانوا قد فكروا على الأقل كيف أن المواد التي درسوها أن تبدو لربّ العمل. وربما أسوء من ذلك، قد يتجنّبون دراسة المواد الصعبة خشية الحصول على درجات منخفضة، ما سيؤثر سلبًا على معدل الدرجات العام عند التخرج. الجانب المُشرق هنا هو أن المُستخدمين لا يكتثرون بمعدلك الدراسي. ولم اسمع مطلقًا عن مستثمر اهتم بذلك أيضًا. وبشكل محدد أكثر فإن حاضنة Y Combinator لا تسألك أبدًا عن المواد التي درستها في الجامعة أو الدرجات التي حصلت عليها فيها. * أسهم فئة FF، هي أسهم تعطى للمؤسسين الذين يرغبون بتسييل جزء صغير من حصتهم في الشركة بدون الحاجة للإنتظار إلى الطرح للإكتتاب العام. ** الأنشطة اللامنهجية: هي أنشطة تقع خارج المنهاج المدرسي أو الجامعي المقرر، عادة ينفذها الطلاب بشكل تطوعي في كل المراحل الدراسية. *** تكلفة الفرصة البديلة opportunity cost: هي التضحية أو التنازل عن شيء مقابل الحصول على شيء آخر أكثر أهمية. ترجمة -وبتصرّف- للمقال: Before the Startup لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
عندما يؤذي الناس أنفسهم عبر رفع الأشياء الثقيلة، فإنهم يتأذّون عادة لأنهم يحاولون الرفع بواسطة ظهورهم. إن الطريقة الصحيحة لرفع الأشياء الثقيلة هي أن تدع ساقيك تقومان بالمهمة. ويرتكب المؤسسون عديمي الخبرة نفس الخطأ عندما يحاولون إقناع المستثمرين. إنهم يحاولون إقناعهم بواسطة خطابهم. وفي أغلب الأحوال سيكون من الأفضل أن يدعوا شركاتهم الناشئة تقوم بالمهمة. إذا بدؤوا في إقناعهم عبر فهم السبب الذي يجعل شركتهم الناشئة تستحق الاستثمار فيها، حينها يشرحون هذا السبب ببساطة وبشكل جيد للمستثمرين. يبحث المستثمرون عن الشركات الناشئة التي ستصبح فائقة النجاح. إلا أن هذا الاختبار ليس سهلًا كما يبدو. في الشركات الناشئة، تكون النجاحات الكبيرة عظيمة لدرجة أنها تقزّم الباقي. وطالما أن هناك عددًا قليلًا من تلك النجاحات الكبيرة التي تحدث سنويًا ( عادة يكون 15 نجاحًا)، يعامل المستثمرون "النجاحات الكبيرة" كما أنها الكل أو اللاشيء. يهتم معظم المستثمرين بك إذا بدا أن لديك الفرصة، مهما كانت صغيرة، بأن تصبح واحدًا من تلك النجاحات الكبيرة الخمس عشرة، وإلا فإنهم لا يهتمون بك. [1] هناك عدد قليل من المستثمرين الملائكةAngel Investors * الذين قد يهتمون بشركة لديها احتمال عالي بأن تكون ناجحة بشكل مقبول. إلا أن المستثمرين الملائكة يحبون النجاحات الكبرى أيضًا. كيف سيبدو عليك أنك ستكون واحدًا من تلك النجاحات الكبرى؟ ستحتاج ثلاثة أشياء: مؤسسين رائعين، سوقًا واعدة، وعادة بعض الأدلة المبدئية عن النجاح المحقق حتى الآن. الرّوعةإن العنصر الأكثر أهمية هو المؤسّسون الرائعون. يقرر معظم المستثمرين خلال الدقائق الأولى فيما إذا كنت تبدو كرابح أو كخاسر، وما أن يقرروا ذلك فمن الصعب تغيير قرارهم [2]. لدى كل شركة ناشئة السبب الذي يشجع و ينفّر عن الاستثمار فيها. إذا اعتقد المستثمرون أنك ناجح فإنهم سيركّزون على السّابق، وإن اعتقدوا أنك فاشل فإنهم سيركزون على التالي. على سبيل المثال قد يكون لديك سوق غني وكبير لكن دورة المبيعات بطيئة. إذا أعجب المستثمرون بك كمؤسس، فإنهم سيقولون أنهم يرغبون بالاستثمار بسبب غنى السوق. وإذا لم تثر اهتمامهم، فإنهم سيقولون أنهم لا يستطيعون الاستثمار بسبب بطء دورة المبيعات. ليس من الضروري أنهم يحاولون تضليلك. لا يكون لدى معظم المستثمرين ذهنية واضحة. لماذا يحبون أو يبغضون الشركات الناشئة. إذا كنت تبدو كمنتصر، فإنهم سيحبّون فكرتك أكثر. لكن لا تعتد بنفسك حيال هذا الضعف فيهم، لأنه موجود لديك أيضًا، هذا الأمر موجود تقريبًا لدى الجميع. هناك دور للأفكار بالطبع، إنها وقود النار التي تبدأ عندما يعجب المستثمرون بالمؤسسين. ما أن يحبك المستثمرون، ستجدهم يعطونك الأفكار: سيقولون " نعم، يمكنك القيام أيضًا بالشيء الفلاني" ( في حين إذا لم يحبوك، سيقولون لك " لكن ماذا بخصوص الشيء الفلاني؟".) لكن قاعدة إقناع المُستثمرين هي الظهور بمظهر الرائع "is to seem formidable"، لكن بحكم أن هذه الكلمة formidable لا يستخدمها كثير من الناس في حديثهم اليوم. يجب أن أشرح ما أقصد، الشخص الرائع هو ذلك الشخص الذي يبدو أنه سيحصل على ما يريده، بغضّ النظر عن المعوقات التي تعترض طريقه. الروعة هنا قريبة من الثقة، ما عدا أنه يمكن أن يكون شخص ما واثقاً من نفسه لكنه على خطأ. يمكن القول أن الروعة هي ثقة بالنفس لها ما يبررها. هناك عدد لا بأس به من الناس الذين يجيدون أن يظهروا كأنهم رائعين، بعضهم لأنهم بالفعل رائعين للغاية وكل ما يقومون به هو إبداء ذلك، والبعض الآخر لأنهم يُجيدون التّصنّع. . لكن معظم المؤسسين، بما فيهم الكثير ممن أطلقوا شركات ناشئة ناجحة، لم ينجحوا إلى حد كبير بأن يظهروا روعتهم في اللقاء الأول عندما حاولوا الحصول على التمويل. ما الذي يجب عليهم فعله؟ [4] ما لا يجب عليهم فعله هو محاولة تقليد تصرّف المؤسسين من أصحاب الخبرة. قد لا يجيد المستثمرون دائمًا الحكم على التقنية في شركتك، لكنهم دائمًا يجيدون الحكم على الثقة بالنفس. إذا حاولت التصرف بطريقة مختلفة عن طبيعتك، سينتهي بك المطاف إلى مكان مهجور. وهكذا ستنطلق من قاعدة الصدق، لكنك لن تصل محطّة الإقناع. الحقيقةإن الطريقة التي ستجعلك رائعًا بصفتك مؤسسًا مبتدئًا هي أن تلتزم الحقيقة. ليس من المؤكد لأي مدى تبدو رائعًا. إن الأمر يختلف بحسب ما تقوله. قد يبدو معظم الناس أنهم واثقين من أنفسهم عندما يقولون "واحد زائد واحد يساوي اثنان"، لأن ما يقولونه صحيح. إن الشخص الخجول قد يبدو محتارًا من أمره ومرتبكًا بعض الشيء عندما يقول للمستثمرين "واحد زائد واحد يساوي اثنان" وستكون ردة فعل المستثمرين التشكيك بقوله. إن القدرة السحرية التي يمتلكها الأشخاص الذين يبدون رائعين هي أنهم قادرون دائمًا أن يبدو رائعين بجملة واحدة "سنحقق مليار دولار سنويًا" ويمكنك أن تفعل الأمر نفسه، إن لم يكن مع تلك الجملة بالتحديد فمع بعض الجمل المثيرة للإعجاب، طالما أنت مقتنع بنفسك في المقام الأول. هذا هو السر، أقنع نفسك بأن شركتك تستحق الاستثمار فيها، وبعدها عندما تشرح ذلك للمستثمرين فإنهم سيصدقونك. ومن خلال إقناعك لنفسك، لا أقصد أن تلعب ألعاب العقل مع نفسك لتعزيز الثقة. أقصد أن تقيّم بصدق فيما إذا كانت شركتك تستحق الاستثمار فيها. إذا لم تكن كذلك لا تحاول أن تحصل على التمويل. [5] وإن كانت تستحق، ستقول الحقيقة عندما تخبر المستثمرين أنها تستحق الاستثمار فيها، وسيشعرون بذلك. ليس عليك أن تكون متحدثًا جيدًا إذا كنت تفهم شيئًا ما بشكل ممتاز وتقول الحقيقة عنه. من أجل تقييم فيما إذا كانت شركتك تستحق الاستثمار فيها أم لا، عليك أن تكون خبيرًا في مجالك. إذا لم تكن ذاك الخبير، فإنه رغم أنّك مُقتنع بفكرتك أيّما اقتناع، إلا أنّك ستبدو للمستثمرين مُجرّد نموذج عن تأثير داننغ-كروجر Dunning-Kruger effect** ويمكن للمستثمرين أن يعرفوا بسرعة إن كنت خبيرًا في مجالك من خلال إجادة إجابتك عن أسئلتهم. اعرف كل شيء عن سوقك. [6] لماذا يصرّ المؤسسون على محاولة إقناع المستثمرين بأشياء هم أنفسهم غير مقتنعين بها؟ ربما يعود سبب ذلك إلى أننا كلنا قد تدربنا على ذلك. عندما كان صديقاي روبرت موريس Robert Morris و تريفور بلاكويل Trevor Blackwell طلابًا في المدرسة، تلقى أحد زملائهم سؤالًا من مستشار هيئة التدريس لا يزال يُقتبس إلى غاية اليوم. عندما وصل الزميل إلى شريحة العرض الأخيرة صعقه الأستاذ بسؤاله: أي من هذه الخلاصات تريدنا حقاً أن نصدقها؟ إن إحدى طرق تنظيم المدارس التي عفا عليها الزمن هي أننا جميعًا تدربنا على أن نتحدث حتى عندما لا يكون لدينا شيء نتكلم عنه. إذا كان عليك كتابة عشرة صفحات، فإنك ستكتبها حتى لو كان بالإمكان التعبير عن فكرتك في صفحة واحدة فقط. حتى لو لم تكن لديك أفكار، عليك إنتاج شيء ما للحديث عنه. وهذه المشكلة تواجه الكثير من الشركات الناشئة التي تبحث عن تمويل واستثمار. عندما يعتقدون أنه حان الوقت للحصول على التمويل، فإنهم يحاولون ببسالة أن يحققوا أفضل حالة ممكنة لشركتهم. لا يتوقف معظمهم ويسأل نفسه إذا كان بالفعل ما يقوله مقنعًا، لأنهم جميعًا تدربوا على أن يتعاملوا مع الحاجة إلى الحديث كأمر مفروغ منه أكثر من أن معظم الحقيقة التي يجب قولها هي في الواقع صغيرة. إن الوقت المناسب للحصول على التمويل ليس عندما تحتاجه، أو عندما تصل إلى تاريخ معين أنت وضعته مثل يوم إطلاق النسخة التجريبية. بل الوقت المناسب للحصول على التمويل هو عندما تستطيع إقناع المستثمرين، وليس قبل ذلك [7]. ما لم تكن مخادعًا محترفًا، فإنك لن تتمكن من إقناع المستثمرين إذا لم تقنع نفسك. إن المستثمرين يتعرفون على الهراء أفضل بكثير من قدرتك على التفوه به. حتى إذا كان يصدر عنك بدون علم. إذا حاولت إقناع المستثمرين قبل أن تقنع نفسك، فإنك تضيع وقتك ووقتهم. توقف لبرهة لأجل إقناع نفسك، فإنك ستحقق أكثر من مجرد إنقاذ نفسك من إضاعة الوقت. فإن هذا الإقناع سيجبرك على أن تنظم أفكارك. من أجل أن تقنع نفسك بأن شركتك الناشئة تستحق الاستثمار فيها، عليك أن تدرك ما الذي يستحق الاستثمار. وإذا تمكنت من فعل هذا سينتهي بك الحال إلى رفع الثقة بنفسك. وأيضاً سيكون لديك خريطة طريق نحو النجاح. السوقلاحظ أنني كنت حذرًا في حديثي، حيث ركّزت على ما إذا كانت الشركة الناشئة أهلًا الاستثمار فيها، بدلًا من ما إذا كانت ستنجح أو لا. لا أحد يعرف إذا كانت الشركة ستنجح أم لا. وهذا أمر جيد للمستثمرين، لأنه إذا استطعت أن تعرف مسبقًا إذا كانت الشركة ستنجح، فإن سعر السهم سيكون نفسه السعر المستقبلي، ولن يكون هناك مجال للمستثمرين بأن يحققوا الأرباح. يعرف المستثمرون أن كل استثمار في الشركات الناشئة هو بمثابة رهان، وهو رهان ليس مضمونًا بالمّرّة. لذا من أجل إثبات أن شركتك النّاشئة أهل ليُستمثر فيها، ليس عليك أن تثبت أنك ستنجح، عليك فقط أن تبرهن أنك رهانٌ جيد. وما الذي يجعل الشركة الناشئة رهانٌا جيّدًا؟ بالإضافة إلى المؤسسين الرائعين، يجب أن يكون لديك مسار معقول من أجل الحصول على حصة كبيرة من سوق كبير. ينظر المؤسسون إلى شركاتهم الناشئة على أنّها أفكار، لكن يراها المستثمرون كأسواق. إذا كان هناك عدد س غير معلوم من الزبائن الذين سيدفعون وسطيًا ع دولار سنويًا للحصول على ما تقدمه. بالتالي فإن حجم السوق المستهدف لشركتك هو سx ع دولار. لا يتوقع المستثمرون أن يحصلوا على كل العوائد. لكن هذا الرقم هو الحد الأعلى لما يمكن تحقيقه. يجب أن يكون سوقك المستهدف كبيرًا، ويجب أن تكون قادرًا على تحقيق العوائد منه أيضًا. لكن لا يجب أن يكون السوق كبيرًا حاليًا، كما أنه ليس من الضروري أن تكون فيه حتى الآن. في الحقيقة من الأفضل غالبًا أن تبدأ في سوق صغير سيتحول لاحقًا إما إلى سوق كبير أو يمكنك الانتقال منه إلى آخر كبير. يجب أن يكون هناك تسلسل معقول من الآمال التي تقود إلى السيطرة على السوق الكبير بعد بضعة سنوات. ويختلف المقصود بـ "المعقول" بشكل كبير حسب عمر الشركة الناشئة. مثلًا على الشركة التي عمرها ثلاثة أشهر في يوم الإطلاق التجريبي Demo Day أن تكون تجربة واعدة تستحق التمويل لنرى كيف ستتغير. في حين أنه يجب على الشركة التي عمرها سنتان وتبحث عن الجولة الأولى من التمويل أن تكون قادرة على إظهار أن التجربة نجحت. [8] في المقابل، كل شركة أصبحت كبيرة هي "محظوظة" من ناحية أن النمو في أغلبه عائد إلى موجة خارجية تركبها. لذلك، ومن أجل أن تصبح حجتك مقنعة أكثر، عليك التعرّف على بعض الاتجاهات المحددة التي سوف تستفيد منها. يمكنك العثور عليها عادة من خلال طرح سؤال " لم الآن"؟ إذا كانت هذه فكرة عظيمة، لماذا لم ينفذها أحدهم من قبل؟ ستكون الإجابة في الحالة المثالية إنها أصبحت فكرة رائعة مؤخرًا، لأنه تغير شيء ما، ولم يلحظ أحد ذلك التغير بعد. على سبيل المثال لم تكن مايكروسوفت تنمو إلى حد كبير من خلال بيع مفسر لغة البيزيك***. لكن مع البدء من تلك النقطة كانت مستعدة تمامًا للتوسع في مجال برمجيات الحاسوب ومع تطور الحواسيب وتحسن قدراتها أصبحت الموجة الهائلة التي كانت أكبر مما كان بإمكان أي مراقب متفائل أن يتوقّعه في عام 1975. وفي حين أن مايكروسوفت أبلت بلاءً حسنًا وبالتالي كان من المُمكن أن نعتقد بأنها بدت رهانًا رائعًا في غضون أشهر قليلة من انطلاقها إلّا أنه من الأرجح أنها لم تبدو كذلك. كانت جيدة، لكن لم تكن رائعة. مهما كانت الشركة ناجحة لا تبدو أكثر من رهان جيد في غضون أشهر قليلة بعد انطلاقها. أتضح أن الحواسيب أصبحت شيئًا هامًا، و كان أداء مايكروسوفت جيّدًا وكانت محظوظة. لكنه لم يكن بأي حال من الأحوال واضحًا أنّ الأمور ستسير على ذاك المنوال. هناك الكثير من الشركات التي تبدو كرهان جيد في غضون أشهر قليلة. لا أعرف عن الشركات الناشئة بشكل عام، لكن على الأقل نصف الشركات التي قمنا بتمويلها كان يمكنها أن تنجح كما فعلت مايكروسوفت بوقوفها على مسار نحو السيطرة على سوق كبيرة. ومن يمكنه أن يتوقع بشكل معقول من الشركات الناشئة أكثر من ذلك؟ الرفضإذا كنت قادرًا على أن تجعل شركتك جيدة كمايكروسوفت، هل ستقنع المستثمرين؟ ليس دائمًا. رفض الكثير من المستثمرين المخاطرين تمويل مايكروسوفت[9]. وبالتأكيد رفض البعض تمويل جوجل. ويضعك الرفض في موقع لا تحسد عليه، لأنه ما أن تبدأ بالحصول على التمويل، فإن السؤال الأكثر طرحًا عليك من قبل المستثمرين سيكون " من يستثمر لديكم أيضاً؟ بماذا ستجيبهم إذا كنت تبحث عن التمويل من المستثمرين لمدة ولم يقدم أحد لك شيئاً بعد؟ [10] إن الأشخاص الناجحين بتمثيل دور الروعة غالبًا يحلّون هذه المشكلة من خلال الإيحاء للمستثمرين وإعطائهم انطباعًا أنه -بالرغم من عدم التزام أي مستثمر بالتمويل بعد- إلّا أن هناك العديد منهم على وشك الاستثمار. وهذه الطّريقة مثيرة للجدل. من أنانية المستثمرين أن يهتموا أكثر حيال من سيستثمر في الشركة أيضًا بدلًا من الأمور الأخرى الهامة في شركتك، وتضليلهم حول علاقتك الدائمة مع المستثمرين الآخرين قد يبدو أنه خطوة أخرى ضدهم. ويمكن القول أنه كالمخادع المحتال. لكن لا أوصّي باتباع هذه الطّريقة لأغلب المؤسسين لأنهم غير قادرين على القيام به بشكل جيّد. إنها الكذبة الوحيدة الأكثر شيوعًا التي قد تقولها للمستثمرين، وعليك أن تكون حقًا جيّدًا في الكذب لتكذب على أعضاء إحدى المهن الكذبة الأكثر شيوعاً التي استخدموها. إذا لم تكن ماهرًا في التّفاوض (وربما حتى لو كنت ماهرًا بالفعل) فإن الحل الأفضل لمعالجة المشكلة هو بمواجهتها، اشرح لماذا رفض المستثمرون تمويلك ولماذا هم مخطؤون في هذا. إذا عرفت أنك على المسار الصحيح، فأنت تعلم أيضًا لماذا كان المستثمرون مخطئين عندما رفضوا تمويلك. يدرك المستثمرون الخبراء جيّدًا أن الأفكار الأفضل هي الأكثر إخافة أيضًا. يعلم جميعهم عن شركات الاستثمار المخاطر التي رفضت جوجل. وبدلًا من الظهور بمظهر المراوغ والخجول حول رفض المستثمرين له (والاتفاق ضمنًا مع رأيهم هذا) عليك التكلم بصراحة حول ما الذي أخاف المستثمرين منك، ستبدو واثقًا من نفسك أكثر، وهو ما يفضّلونه، وبالتالي ستستعرض مختلف جوانب شركتك بشكل أفضل. وعلى أقل تقدير، فإن ذلك القلق سيكون مكشوفاً من طرفك بدلًا من أن يكتشفه المستثمر الذي تتحدث إليه بنفسه، والذي سيكون فخورًا باكتشافه هذا[11]. ستنجح هذه الإستراتيجية مع أفضل المستثمرين الذين يصعب خداعهم ويعتقدون مسبقًا أن المستثمرين الآخرين ذوي التفكير التقليدي محكوم عليهم بأن تفلت من أيديهم الاستثمارات الكبيرة. إن الحصول على التمويل مختلف عن التقدم إلى جامعة، حيث أنه يمكنك الافتراض بأنك إن استطعت الحصول على قبول من معهد ماساتشوستس للتقنية MIT، يمكن حينها لأي جامعة أخرى أن تقبلك. لأن أفضل المستثمرين أذكى من البقية، فإن أفضل أفكار الشركات الناشئة تبدو مبدئيًا كالأفكار السّيئة. من المألوف أن يتم رفض الشركات الناشئة من قبل كل شركات الاستثمار المخاطر ما عدا الجيدة منها. وهذا ما حصل مع دروب بوكس. بدأت حاضنة Y Combinator في بوسطن، وخلال السنوات الثلاث الأولى كنا نعمل بالتناوب ما بين بوسطن ووادي السيليكون. لأن المستثمرين في بوسطن كان عددهم قليل وخجولين، كنا نأخذ الشركات المحتضنة في بوسطن ليوم الإطلاق التجريبي الثاني من وادي السيليكون. وكانت شركة دروب بوكس إحدى الشركات المحتضنة في بوسطن، ما يعني أن كل المستثمرين من بوسطن شاهدوا دروب بوكس، لكن لم يعقد أي منهم الصفقة. اعتقد الجميع أنها مجرد خدمة أخرى للنسخ الاحتياطي والمزامنة. وبعد بضعة أسابيع حصلت دروب بوكس على جولة التمويل الأولى من Sequoia [12] الاختلافإن عدم فهم أن المستثمرين ينظرون للاستثمارات كرهانات وإضافة ذلك إلى عقلية الأوراق العشرة – سالفة الذكر - يمنع المؤسسين حتى من التفكير في احتمالية أن يكونوا متأكدين في كلامهم. يعتقد المؤسسون أنهم يحاولون إقناع المستثمرين بشيء غير مؤكد على الإطلاق - أن شركتهم الناشئة ستصبح ضخمة - وإقناع أي شخص بشيء ما كهذا لابد وأن يتلاقى مع جذور فن البيع. لكن في الحقيقة عندما تحصل على التمويل فإنك تحاول إقناع المستثمرين بشيء أقل من المضاربة حتى - سواء أكانت الشركة تملك كل عناصر الرهان الجيد أم لا - يمكنك مقاربة المشكلة بطريقة مختلفة نوعيًا. يمكنك إقناع نفسك من ثم إقناع الآخرين. وعندما تقنعهم، استخدم نفس اللغة التي استخدمتها في إقناع نفسك. ابتعد عن الغموض والكلام التسويقي المفخم. فهذا لن يفشل معهم فحسب، بل يبدو أيضًا كعلامة عن العجز وعدم الأهلية. فقط كن مختصرًا. وبصراحة يستخدم العديد من المستثمرين هذا الأمر كاختبار، وبالتالي استنتاج إذا لم تكن قادرًا على شرح خططك باختصار، فأنت لا تفهمها. وحتى بعض المستثمرين الذين ليس لديهم قاعدة حيال هذا فإنهم سيعبّرون عن شعورهم بالملل والإحباط لقاء التفسيرات غير الواضحة. [13] لذا إليك وصفة إثارة إعجاب المستثمرين عندما لا تبدو بمظهر الرائع. اصنع شيئًا يستحق الاستثمار فيه. افهم لم يستحق الاستثمار فيه. اشرح ذلك بوضوح للمستثمرين إذا كنت تقول شيئًا تعرف أنه صحيح، ستبدو واثقًا من نفسك عندما تقوله. والعكس بالعكس، لا تدع إلقاء الخطاب يودي بك للتفوه بالكلام الفارغ. طالما أنت في منطقة الحقيقة، فأنت قوي. اصنع من الحقيقة شيئًا جيدً، ومن ثم تحدّث عنه. الهوامش[1] لا داعي لأن تعتقد أن هذا الرقم ثابت. في الحقيقة إن هدفنا الصريح في حاضنة Y Combinator أن نرفعه أكثر من خلال تشجيع الناس على بدء شركاتهم الناشئة والذين لولا هذا التشجيع لما بدؤوا. [2] بدقة أكبر، يقرر المستثمرون سواء أكنت خاسرًا أو ناجحًا مُحتملًا. إذا كنت تبدو كمنتصر، فإنهم حينها قد يعتمدون على المقدار اللازم من التمويل، وأيضًا يقومون ببضعة اجتماعات إضافية معك لاختبار ما إذا كان الانطباع الأولي عنك صحيحًا أم لا. لكن إن ظهرت كخاسر فقد انتهى أمرك، على الأقل للسنة التالية. وعندما يقررون بأنك خاسر فإنهم عادة ما يقررون ذلك في أقل من خمسين دقيقة من الاجتماع الأول. وهذا ما يفسر القصص المدهشة التي نسمعها عن غفلة المستثمرين المخاطرين. كيف يمكن لهؤلاء أن يتخذوا قرارات استثمارية جيدة عندما يتفقدون الرسائل النصية الواردة إليهم أثناء العرض التقديمي للشركات الناشئة؟. إن حل هذه المعضلة يكون باتخاذ القرار مسبقًا. [3] كلاهما غير متعارض. هناك بعض الناس الرائعين بالفعل، وأيضًا يجيدون تمثيل هذا الدور. [4] كيف يمكن للأشخاص الذين سيؤسسون شركات عملاقة أن لا يظهروا بمظهر الرائع مبكرًا؟ أعتقد أن السبب الرئيسي يعود إلى خبرتهم التي دربتهم على إبقاء أجنحتهم مطوية إذا جاز التعبير. تشجّع العائلة والمدرسة والوظائف على التعاون لا الخضوع. حتى أن جنكيز خان كان متعاونًا بنسبة 99% على الأرجح. لكن النتيجة هي أن معظم الناس الذين يخرجون من قيود نشأتهم في بدايات العشرينيات ينطبعون بقيود التربية. يكتشف البعض أن لديهم أجنحة ثم يبدؤون بتحريكها. لكن يستغرق هذا الأمر بضعة سنوات. لا يعرفون في البداية حتّى ما يمكنهم فعله بها . [5] في الواقع، قم بتغيير ما تفعله. أنت تستثمر وقتك في شركتك الناشئة. إذا لم تكن مقتنعًا بأن ما تفعله رهان جيد وكفؤ، لماذا تعمل عليه بالأصل؟ [6] عندما يسألك المستثمرون سؤالًا لا تعرف الإجابة عنه، يكون أفضل رد حينها ليس الخداع ولا الاستسلام، بل شرح كيف ستتمكن من معرفة الإجابة عن السؤال. إذا تمكنت من تقديم إجابة أولية عن ذلك السؤال، فهذا أفضل، لكن اشرح لهم ما الذي تقوم به. [7] نحاول في حاضنة Y Combinator أن نتأكد أن الشركات الناشئة جاهزة للحصول على التمويل في يوم الإطلاق التجريبي من خلال تشجيعهم على تجاهل المستثمرين والتركيز بدلًا عن ذلك على شركاتهم حتى الأسبوع السابق لهذا اليوم. وبهذه الطريقة تصل معظم الشركات إلى تلك المرحلة ولديها قناعة كافية قبل يوم الإطلاق التجريبي. لكن لا تفعل ذلك كل الشركات بالتالي نعطي أي شركة ناشئة الخيار بأن تؤجل الحصول على التمويل إلى ما بعد يوم الإطلاق التجريبي. [8] غالباً ما يتفاجأ المؤسسون بمدى صعوبة الحصول على التمويل في الجولة الثانية. هناك اختلافات نوعية في مواقف المستثمرين. الأمر أشبه بالاختلاف ما بين الحكم عليك عندما تكون طفلًا و بالغًا. وفي المرة التالية التي تطلب فيها تمويلًا، لا يكفي أن تقدم الوعود، بل عليك إعطاء النتائج. على الرغم من أن عرض رسوم بيانية عن النمو ينجح في أي مرحلة، إلا أن المستثمرين يتعاملون معها بشكل مختلف. خلال فترة ثلاث أشهر، يكون الرسم البياني الخاص بالنمو دليلًا على أن المؤسسين فعالين في عملهم. لكن مع فترة عامين يكون دليلًا على أن السوق واعدة وتعمل الشركة على استغلالها. [9] أعني بهذا إذا كان يوم العرض مشابه لحالة شركة مايكروسوفت عندما كان عمرها ثلاثة أشهر في يوم الإطلاق التجريبي، سيكون هناك مستثمرين يرفضونهم. لم تطلب مايكروسوفت تمويلًا من الخارج، وفي الحقيقة إن مجال الاستثمار المخاطر بالكاد كان موجودًا عندما تأسست عام 1975. [10] نادرًا ما يهتم أفضل المستثمرون بمن سيستثمر لديك أيضًا، لكن في معظم الأحيان يهتم بذلك المستثمرون متوسطو الخبرة. لذا يمكنك استخدام هذا السؤال كاختبار لجودة المستثمر. [11] من أجل استخدام هذا الأسلوب، عليك التعرّف أولًا على السبب الذي يجعل المستثمرين يرفضونك، أو على الأقل ما الذي يدّعون بأنه سبب الرفض. قد يتطلب الأمر منك سؤالهم عن ذلك لأن المستثمرين لا يتطوعون دائمًا بتقديم الكثير من التفاصيل. كن واضحًا عندما تسألهم عن التفاصيل بأنك لا تحاول أن تثنيهم عن قرارهم - وكأنك تقول أن لديهم نقاط ضعف في خططهم. يجب أن تعرف أنك لن تحصل دائمًا على السبب الحقيقي الذي دفعهم لرفضك، لكن عليك المحاولة على الأقل. [12] لم يرفض دروب بوكس من قبل كل شركات الاستثمار المخاطر في الساحل الشرقي. كانت هناك شركة تريد الاستثمار فيه لكنها حاولت التقليل من شأنه. [13] أشار ألفريد لين**** Alfred Lin أن هناك أهمية مضاعفة لشرح أن تكون الشركة الناشئة واضحة ومختصرة، لأنه عليها تحقيق أمرين بضربة واحدة: العمل ليس مع الشريك الذي تتحدث معه، بل أيضًا مع الشركاء الذين سيخبرون زملائهم. ونعمل في حاضنة Y Combinator على هذا الأمر عندما يجهز المؤسس خطابه الذي سيقوله للمستثمرين في يوم الإطلاق التجريبي، وتكون الخطوة الأخيرة أن يتخيل المؤسس كيف سيقوم المستثمر ببيع الشركة إلى زملائه أيضًا. * المستثمر الملاك Angel Investor: هو شخص ثري يقدم رأس المال للشركات الناشئة غالباً مقابل سندات قابلة للتحويل أو حصص في المشروع. "ويكيبيديا" ** تأثير دانينغ-كروجر: هو انحياز معرفي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم بسبب عدم قدرتهم على التنافس و المعرفة و التفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء أو يعانون من وهم التفوق. (ويكيبيديا) *** المفسر : برنامج حاسوبي يقوم بتشغيل النصوص البرمجية المكتوبة بلغة مفسرة. حيث يقوم المفسر بتنفيذها سطرا سطرا مباشرة. (ويكيبيديا) **** مستثمر مخاطر أمريكي لدى شركة Sequoia عمل سابقاً كمدير للعمليات ومدير مالي ورئيس مجلس إدارة في Zappos ترجمة -وبتصرّف- للمقال: How to Convince Investors لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
من الأشياء التي أقولها للشركات الناشئة دائمًا مبدأ تعلمته من «بول بوكهايت»، وهو: أن تجعل بعض الناس سعداء جدًا أفضل من أن تجعل الكثير من الناس نصف سعداء. كنت أقول مؤخرًا لأحد المذيعين أنني إذا كان بإمكاني أن أقول 10 أشياء فقط للشركات الناشئة، سيكون هذا المبدأ أحدها؛ ثم فكرت فيما ستكون الأشياء التسع الأخرى. انقر على الصّورة لاستعراضها بحجمها الكامل عندما وضعت قائمة، اتضح أن هناك 13 شيئًا: 1. اختَر مؤسسين جيدينيمثِّل الأعضاء المؤسسين للشركة الناشئة ما يمثله الموقع للعقارات؛ يمكنك تغيير أي شيء في المنزل عدا موقعه. وفي الشركة الناشئة يمكنك تغيير فكرتك بسهولة، ولكن تغيير المؤسسين أمر صعب[1]، ونجاح الشركة الناشئة تقريبًا دائمًا ما يعتمد على مؤسسيها. 2. أطلِق الشركة بسرعةليس سبب إطلاق الشركة بسرعة أنه من الضروري توفير منتجك في السوق مبكرًا، ولكن أنَّك لن تبدأ في العمل حقًا على منتجك إلا عندما تطلقه. فالإطلاق يجعلك تعرف ما كان عليك أن تبنيه، وقبل أن تعرفك ذلك فأنت تضيع وقتك. إذًا فإن القيمة الأساسية لما تنطلق به هي مثل حُجة للاستحواذ على اهتمام المستخدمين. 3. دع فكرتك تتطوَّرهذا هو الجزء الثاني للإطلاق السريع. أطلق الشركة بسرعة وركّز على التّطوير iterate. إنه لخطأ كبير أن تعامل الشركة الناشئة وكأنها مجرد تطبيق لفكرة أولية رائعة؛ فمعظم الأفكار في الشركات الناشئة، كما في المقالات، تظهر في التطبيق. 4. افهم مستخدميكيمكنك تصور الثروة الناتجة عن الشركة الناشئة على هيئة مستطيل؛ يكون أحد جوانبه عدد المستخدمين، والجانب الآخر هو مقدار التحسن الذي تضفيه على حياتهم[2]. ذلك البُعد الثاني هو الذي يمكنك التحكم فيه أكثر من غيره، وسيندفع النمو في البُعد الأول بالطبع بجودة عملك في الثاني. فالجزء الصعب، كما في العلم، ليس الإجابة على الأسئلة وإنما طرحها؛ فالجزء الصعب هو رؤية شيء جديد يفتقده المستخدمون. وكلما فهمتهم بشكل أفضل، زادت احتمالات رؤية هذا الشيء الجديد. ولهذا السبب يصنع الكثير من الشركات الناشئة الناجحة شيئًا يحتاجه المؤسسون أنفسهم. 5. من الأفضل أن تجعل القليل من المستخدمين يحبونك بدلًا من أن تجعل الكثير مترددين بشأنكترغب بالطبع في أن تجعل عددًا كبيرًا من المستخدمين يحبك، ولكن لا يمكن أن تتوقَّع أن تحقق ذلك على الفور. عليك في البداية أن تختار بين إرضاء كل احتياجات مجموعة جزئية من المستخدمين المحتملين، وبين إرضاء مجموعة جزئية من احتياجات كل المستخدمين المحتملين. اختَر الأول، فالتوسع من حيث المستخدمين أسهل من التوسع من حيث عامل الإرضاء. وربما الأكثر أهمية أنه من الأصعب أن تكذب على نفسك، إذا كنت تعتقد أنك قد قطعت نسبة 85% من طريقك نحو صناعة منتج رائع، فكيف تعرف أنك لم تقطع 70% فقط؟ أو 10%؟ بينما من السهل معرفة عدد المستخدمين. 6. قدِّم خدمة عملاء مذهلةاعتاد العملاء على المعاملة السيئة، فمعظم الشركات التي يتعاملون معها شبه احتكارية تفلت حتّى بتقديم خدمة عملاء سيّئة. ما يتوقّعه الزّبائن من خدمات العملاء تراجع وتكمّش بشكل كبير وبشكل لا واعٍ بسبب مثل تلك التجارب. حاول ألا تقدم خدمة عملاء جيدة فقط، ولكن جيدة بصورة مذهلة. ابذل جهدًا إضافيًا لجعل الناس سعداء؛ سينبهرون وسترى ذلك بنفسك. سيكون تقديم خدمة عملاء على مستوى غير متوسع في المراحل الأولى من عُمر الشركة الناشئة أمرًا مثمرًا لأنه وسيلة لتعلم المزيد عن المستخدمين. 7. إنك تُحقّق ما تقيسهتعلمتُ ذلك من Joe Kraus . فمجرد قياس شيء ما يخلق نزعة غريبة لتحسينه [3]. إذا أردتَ زيادة أعداد المستخدمين، علِّق ورقة كبيرة على الحائط ودوِّن عدد المستخدمين كل يوم، ستشعر بالسرور عندما يزداد العدد وبخيبة الأمل عندما يقل. سرعان ما ستبدأ بملاحظة العامل الذي يزيد من العدد، وستبدأ في زيادة ذلك العامل. ويلزم عن ذلك أن عليك الانتباه جيدًا لما تقيسه. 8. أنفِق القليللا يمكنني التأكيد بما يكفي على مدى أهمية أن تكون الشركة الناشئة قليلة التّكلفة؛ إذ تفشل معظم الشركات الناشئة قبل أن تصنع شيئًا يريده الناس، والسبب الأكثر شيوعًا للفشل هو نفاد الأموال. إذًا فقلّة المصاريف مرادف (تقريبًا) لتكرار الأداء iterating بسرعة[4]، ولكن الأمر أكثر من ذلك؛ فثقافة التقليل من النّفقات تحافظ على شباب الشركات كما تحافظ ممارسة الرياضة على شباب الناس. 9. اجنِ ما يكفي نفقاتك..كُن Ramen profitableأن تكون الشركة الناشئة "Ramen profitable" يعني أن تحقق ما يكفي لتغطية نفقات المؤسسين. لا يُعتبر ذلك كنمذجة أولية سريعة لنماذج الأعمال (بالرغم من إمكانية أن يكون كذلك)، ولكن كطريقة "لاختراق" عملية الاستثمار، فبمجرد أن تجني ما يكفي نفقاتك يغيِّر ذلك علاقتك بالمستثمرين تمامًا، كما أن ذلك رائعٌ للروح المعنوية للشركة. 10. تجنَّب المُلهياتليس هناك ما يقتل الشركات الناشئة كما تفعل المُلهيات، وأسوأها هي تلك التي تجلب مالًا؛ مثل الوظائف النهارية، والاستشارة، والمشاريع الجانبية الربحية. ربما يكون للشركة الناشئة المزيد من الإمكانات طويلة المدى، ولكنك ستقاطع العمل على شركتك النّاشئة دائمًا للاستجابة لمن يدفعون لك الآن. ومن المفارقات أن جمع الأموال يُعد من هذا النوع من المُلهيات، لذا حاول الحدّ منه أيضًا. 11. تجنّب الإحباطعلى الرغم من أن السبب المباشر لفشل الشركة الناشئة يكون على الأرجح نفاد الأموال، إلا أن السبب الخفي عادةً ما يكون غياب التركيز. فإما أن الشركة يديرها أفراد أغبياء (وهو ما لا يمكن إصلاحه بتقديم النصح)، وإما أنهم أذكياء ولكن أصيبوا بالإحباط. إن تأسيس شركة ناشئة حِملٌ معنوي ضخم، عليك أن تفهم ذلك وتبذل جهدًا واعيًا لكي لا يُثقل كاهلك، تمامًا كما قد تهتم بثني ركبتيك عند التقاط صندوق ثقيل لحَمله. 12. لا تستسلمحتى إذا أصبت بالإحباط، فلا تستسلم. يمكنك قطع مسافة طويلة بصورة مذهلة بمجرد عدم استسلامك. ثمَّة الكثير من الناس الذين لم يستطيعوا أن يصبحوا رياضيّين mathematicians جيدين مهما ثابروا، ولكن الشركات الناشئة ليست كذلك، فغالبًا ما يكون المجهود المُتواصل كافيًا، طالما واصلت العمل على فكرتك وعلى تحسينها. 13. الصفقات تفشلمن أكثر المهارات التي تعلمناها من خلال العمل على Viaweb فائدةً ألَّا نرفع سقف آمالنا كثيرًا. فقد شهدنا فشل 20 صفقة على الأرجح من مختلف الأنواع. بعد فشل العشر الأوائل تقريبًا تعلَّمنا معاملة الصفقات باعتبارها عمليات خلفية علينا تجاهلها حتى تنتهي. من الخطير للغاية على الروح المعنوية البدء في الاعتماد على إتمام الصفقات، ليس فقط لأنها غالبًا ما لا تتم، ولكن لأن ذلك يجعلها أكثر عرضة لأن لا تتم. بعد الانتهاء من 13 جملة، سألتُ نفسي أيها سأختار إذا كان عليَّ أن أختار واحدةً فقط. افهم مستخدميك؛ فهذا هو المفتاح. إن المهمة الجوهرية للشركة الناشئة هي خلق ثروةٍ؛ وبُعد الثروة الذي تستطيع التحكم فيه أكثر من غيره هو مدى تحسينك لحياة المستخدمين، والجزء الأصعب هو معرفة ما عليك صنعه لهم. بمجرد أن تعرف ماذا تصنع، يكون صنعه مجرد مسألة مجهود، ومعظم المخترقين Hackers المحترمين قادرين على بذله. يُشكِّل فهم المستخدمين جزءًا من نصف المبادئ المذكورة في القائمة؛ فهو سبب الإطلاق المبكر، لكي تفهم مستخدميك. تطوير فكرتك هو تجسيد لفهمك لمستخدميك. سيدفعك فهم مستخدميك إلى صنع شيء يجعل مجموعة قليلة من الناس سعيدةً للغاية. السبب الأكثر أهمية لتقديم خدمة عملاء جيدة بصورة مذهلة أن تساعدك على فهم مستخدميك. كما أن فهم المستخدمين سيعزز من روحك المعنوية لأنه عندما ينهار كل ما حولك، فإن وجود عشرة مستخدمين يحبونك سيبقيك حيًا. الهوامش[1] لنتحدث بدقة؛ سيكون ذلك مستحيلًا دون آلة زمن. [2] الأمر عمليًا أشبه بمشط خشن. [3] يعتقد جو أن أحد مؤسسي (HP) قالها أولًا، ولكنه لا يذكر أيهم. [4] سيكونا مترادفين إذا ظلت الأسواق ثابتة، ولكن بما أنها ليست ثابتة فإن العمل بسرعة مضاعفة أفضل من استغراق ضعف الوقت. ترجمة -وبتصرّف- للمقال: Startups in 13 Sentences لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
نشرت مؤخّرًا مجلّة Inc لقاءً قلتُ فيه بأنّنا لاحظنا ارتباطًا بين امتلاك المؤسّسين لُكنات أجنبيّة قويّة (very strong foreign accents ) وبين أداء شركاتهم السّيّء. حمل بعضهم هذا القول على أنّ فيه رُهابًا من اﻷجانب، أو حتّى أنه عنصريّ – وكأنّني قلت أن امتلاك لُكنة أجنبيّة أمرٌ سيّء مطلقًا. لكن ليس هذا ما قلته، ولا ما أعتقده. لا أحد هنا في وادي السيليكون يعتقد هذا. العديد من أنجح المؤسّسين هنا يتحدّثون بلُكنات. الحالة التي كنت أتحدّث عنها هي عندما يكون للمؤسّسين لُكنات قويّة لدرجة أن يصعب على النّاس فهم ما يقولونه. ليست المشكلة فيما تُرسل تلك اللكنات من إيحاءات، ولكن عمليّا في صعوبة النّهوض بشركة ناشئة عندما لا يستطيع النّاس فهمك. لقد وضّحت هذا من قبل عندما تحدّثت حول هذه المشكلة مع مراسل صحيفة New York Times : هل استوعب الجميع هذا؟ هل اتّفقنا على أنّه لا بأس باللكنات؟ المشكل عندما لا يستطيع النّاس فهمك. لدينا العديد من اﻷدلّة التّجريبية على أنّه يوجد حدٌّ إن تجاوزته صعوبة فهم المدير التّنفيذي فإنّها تضرّ بآفاق الشّركة. وفي حين أنّنا لا نعلم بالضّبط كيفيّة ذلك، إلّا أنّني متأكّد أن المشكل لا يكمن فقط في صعوبة فهم المستثمرين لعرض اليوم التجريبيّ للشّركة. يدوم عرض اليوم التجريبيّ دقيقتين وثلاثين ثانية فقط. مع عرض بهذا القِصر، بإمكانك فقط أن تحفظ طريقة نطقه. المحادثة هي المشكلة الأكبر، بحسب ما أعلم من خلال خبرتي في القيام بالكثير من ساعات المكتب. نتحدّث في ساعات المكتب office hours حول العديد من النقاط الدّقيقة. (بل إنّ الحديث عبر الهاتف عوض المقابلة الشّخصية يُحدث تدهورا مُعتبرا. لذا نحن نُصرّ على أن تنتقل الشّركات التّي نموّلها إلى وادي السيليكون خلال فترة احتضانها فيYC). أعلم أنّني لا أتعمّق كثيرا مع المجموعات التي لا تحسن التّحدث باللغة الإنجليزية، إلّا أنّه بإمكاني أن ألمس ذلك؛ نحن فقط لا نستطيع التّواصل بشكل جيّد بما فيه الكفاية. وغالبًا لمّا أشعر بأنّ ذلك حاصل، أحذّر المؤسّسين من الأمر، لأنّ غالبيّة النّاس الذين يلاقونهم لن يَجِدُّوا في فهمهم كما أفعل أنا. مؤسّس شركة ناشئة هو مندوب للمبيعات بدوام كامل. فهو لا يبيع بشكل مُباشر للزبائن، ولكن للموظّفين، للشّركاء وللمستثمرين، الحاليّين والمرتقبين، وللصّحافة أيضًا. وبما أنّه لا يسهل التّفريق عادة بين أفضل أفكار الشّركات النّاشئة وأشدّها سوءًا، فلا مجال لسوء التّفاهم. بل إنّ الكثير من النّاس الذين تلاقيهم كمؤسّسٍ يكونون غير مُبالين في البداية، إن لم يكونوا متشكّكين. هم لا يعلمون بعد أنّك ستصبح عظيما. أنت فقط أحد اﻷشخاص الذين التقوا بهم في ذلك اليوم. لن يعملوا بجدٍّ كي يتمكّنوا من فهمك. إذًا لا يحسُن بك أن تجعل إمكانيّة فهمك تتطلّب جهدا. لقد فكّرت في مجرّد ترك هذا الجدل ليتلاشى. لكنّي تذكّرت سبب قولِ ما قلته عند اللقاء في المقام اﻷوّل: مساعدةُ المؤسّسين. (لقد ذكرت ذلك في اللقاء، لكن تمّ قطعه من النّسخة التي نُشرت). هاهُنا رسالة مهمّة أودّ أن أوصلها للمؤسّسين، ولا يكمن خطر تحريف ما قلته فقط في تلقّي المؤسّسين نسخة تهكُّمية، ولكن في ضياع الرّسالة الأصليّة. تحدّثت قبل أعوام مع امرأة ضمن نوعٍ من البرامج الرّيادية في وسط أوروبا. سألتني مالذي يمكنها فعله لإعداد النّاس ليتم قبولهم في ـ Y Combinator. أعتقد أنّها كانت تأمل أنّني سأخبرها عن كيفيّة تعليمهم عن الشّركات النّاشئة. لكن كما قد كنت كتبت في موضع آخر، الطّريقة المُثلى للتّعلم عن الشّركات النّاشئة هو إنشاء واحدة. أخبرتها أن أهمّ شيء يمكنها فعله هو أن تتأكّد بأنّهم يُحسنون التّحدث باللغة الانجليزية. ما يهمّني هو إيصال هذه الرسالة إلى روّاد الأعمال الذين يرغبون في القدوم من بلاد أخرى إلى وادي السّيليكون. لا بأس أن تكون لك لُكنة، لكن يجب عليك أن تُمكِّن الناس من فهمك. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Founders' Accents لصاحبه بول جراهام مؤسس حاضنة واي كومبينايتور
-
يذهلني كيف أن قليلاً من الأشخاص الأكثر نجاحاً الذين اعرفهم أنذال Mean people. هناك استثناءات، لكنها قليلة بشكل ملحوظ. النذالة ليست شيئًا نادرًا. في الواقع أحد الأشياء التي أظهرها لنا الإنترنت هو إلى أيّ حدّ يمكن أن يصبح الناس أنذالًا. قبل بضعة عقود كان بإمكان الأشخاص المشاهير والكتّاب المحترفين أن ينشروا آراءهم. اليوم يمكن للجميع أن يفعلوا ذلك، ويمكننا رؤية كمية النذالة التي كانت مختبئة. من الواضح أن هناك العديد من الأشخاص الأنذال، لكن لا أحد منهم من بين معظم الأشخاص الناجحين الذين أعرفهم. ما الذي يجري هنا؟ هل النذالة والنجاح مرتبطان عكسيًّا؟. بالطبع، إن جزء مما يحدث هنا هو تحيز الاختيار. فأنا أعرف الأشخاص الذين يعملون في مجالات محددة: مؤسسي الشركات الناشئة، المبرمجين، الأساتذة الجامعيين فقط. وأنا على استعداد للاعتقاد بأن الأشخاص الناجحين في المجالات أخرى هم أنذال. ربما يكون مدراء صناديق التحوط أنذالًا، لا أعرف بالقدر الكافي لأؤكد ذلك. لكن هناك على الأقل مساحات كبيرة من العالم التي لا يسيطر عليها الأشخاص الأنذال، ويبدو أن تلك المساحة تنمو وتكبر. إن زوجتي و الشريك المؤسس لحاضنة Y Combinator جيسيكا هي واحدة من هؤلاء الأشخاص النادرين الذين لديهم رؤية أشعة إكس للشخصيات. وكوني زوجها هو أشبه بالوقوف إلى جانب جهاز فحص الأمتعة في المطار. لقد دخلَت إلى عالم الشركات الناشئة قادمةً من بنوك الاستثمار، لقد كانت تنذهل دائمًا من كيف أن مؤسسي الشركات الناجحة يكونون طيبين، وكيف أن الأنذال يفشلون في تأسيس الشركات الناشئة. ما السبب؟ أعتقد أن هناك عدة أسباب. أولها هو أن تكون نذلًا يجعل منك غبياً. لهذا السبب أكره المشاجرات. فأنت لا تبلي أفضل ما في وسعك في المشاجرة أبدًا، لأن المشاجرات ليست عامة بما فيه الكفاية. الانتصار يدل على الحالة والشخص المرتبط بها دائمًا. فأنت لا تفوز في مشاجرة عن طريق التفكير في الأفكار الكبيرة، إنما عن طريق التفكير في الخدع التي ستنجح في تلك المشاجرة والحالة بالتحديد. وهكذا فإن الشجار يتطلب نفس القدر من العمل الذي يحتاجه التفكير في المشاكل الحقيقية. وهذا مؤلم بالتحديد لمن يهتم بالطريقة التي يستخدم دماغه فيها. ولا تنتصر الشركات الناشئة عبر الهجوم. إنها تفوز من خلال التفوق. وبالطبع هناك استثناءات، لكن عادة يكون طريق الفوز هو أن تتقدم في السباق لا أن تتوقف عن الصراع. السبب الآخر الذي يمنع المؤسسين الأنذال من النجاح هو أنه لا يمكنهم أن يحصلوا على أفضل ما لدى الأشخاص الذين يعملون لأجلهم. يمكنهم توظيف من يستطيع أن يقنعهم لأنه بحاجة للعمل. لكن الأشخاص الأفضل لديهم خيارات أخرى. والشّخص الشرير لا يمكنه أن يقنع الأشخاص الجيدين بأن يعملوا لأجله ما لم تكن لديه قدرة فائقة على الإقناع. ولأن الحصول على أفضل الأشخاص يساعد أي منظمة، إنه عنصر حاسم للشركات الناشئة. هناك أيضًا قوة مُكمّلة في العمل: إذا كنت تود صنع أشياء عظيمة، فمن المفيد أن تكون مدفوعًا من قبل روح الخير لديك. مؤسّس الشركة الناشئة الذي ينتهي به المطاف إلى الثراء هو ليس الشخص الذي يكون مدفوعًا من قبل المال. ذلك الشخص الذي يقوده المال يقبل عرض الاستحواذ الكبير الذي يتلقاه وهو تقريبًا ما تواجهه كل الشركات الناشئة الناجحة [1]. والأشخاص الذين يستمرون ويقودهم شيء آخر قد لا يقولون ذلك صراحة، لكنهم عادة ما يحاولون تحسين العالم. ما يعني أن الأشخاص الذين لديهم رغبة في تحسين العالم لديهم ميزة طبيعية على غيرهم. [2] والشيء المثير أن الشركات الناشئة ليست مجرد نوع واحد عشوائي من العمل الذي يمكن للنذالة والنجاح أن يرتبطا فيه بشكل عكسيّ. هذا النوع من العمل هو المستقبل. معظم النجاح التاريخي كان يعني السيطرة على الموارد النّادرة. وكان كل شخص يحصل على ذلك من خلال الصراع، سواء كان ذلك بشكل حرفيّ ومُباشر في حالة الرعاة البدو الذين يقودون جامعي الغذاء والصيد في الأراضي المهمشة، أو مجازًا في حالة العصر الذهبي عندما كان المموّلون يتنافسون على احتكارات السكك الحديدية. وفي القسم الأكبر من التاريخ، كان النجاح يعني النجاح في الألعاب التي محصلتها صفر أي المكسب يساوي الخسارة. وفي معظم تلك الحالات لم تكن النذالة تشكّل عائقًا بل ربما كانت ميزة. هذا الأمر يتغير. وبشكل متزايد أصبحت الألعاب المُهمّة ليست تلك التي محصلتها صفر. وبشكل متزايد أصبحتَ تنتصر ليس من خلال الصراع من أجل السيطرة على الموارد النادرة، بل من خلال تملّك الأفكار الجديدة وصنع الأشياء الجديدة. [3] كانت هناك ألعاب تفوز فيها من خلال الحصول على الأفكار الجديدة لفترة طويلة من الزمن. في القرن الثالث قبل الميلاد فاز أرخميدس بهذه الطريقة. على الأقل إلى غاية أن قتله الجيش الرّوماني الغازي. وهذا ما يستعرض لنا لماذا يحدث التغيير: حتى تكون الأفكار الجديدة هامة، أنت بحاجة إلى درجة معينة من النظام المدني. ليس فقط عدم وجود الحرب. أنت أيضًا بحاجة لمنع هذا النوع من العنف الاقتصادي الذي مارسه أقطاب القرن التاسع عشر ضد بعضهم البعض وكذلك مارسته الدول الشيوعية ضد مواطنيها. يحتاج الناس أن يشعروا بأن ما يقومون بصنعه لن تتم سرقته. [4] هذا هو الحال على الدّوام مع المفكرين، ولهذا السبب بدأ هذا الاتجاه معهم. عندما تفكر في الناس الناجحين الذين لم يرحمهم التاريخ، فإنك تجد علماء الرياضيات والكتّاب والفنانين. والشيء المثير للاهتمام أن اللعبة التي لعبها المثقفين بدأت تتسرب إلى العالم الحقيقي، وهذا عكس القطبية التّاريخية في العلاقة ما بين الشر والنذالة من جهة والنجاح من جهة أخرى. لذا أنا في الحقيقة سعيد لأني توقفت عن التفكير حيال ذلك. كنا أنا وجيسيكا دائماً نعمل بجهد لتعليم أطفالنا أن لا يكونوا أنذالًا. كنا نتسامح مع الفوضى والضجيج والوجبات السريعة، لكن ليس مع النذالة. والآن لدي سبب إضافي لاتخاذ الإجراءات الصارمة ضد كل ذلك، وحجة إضافية لاستخدامها عندما أريد ذلك: لأنه أن تكون شريراً ونذلاً سيجعلك تفشل. الهوامش [1] لا أحاول القول أن جميع المؤسسين الذين يقبلون عروض الاستحواذ الكبيرة يقودهم المال، لكن على العكس من ذلك أن الذين يرفضون تلك العروض لا يقودهم المال. بالإضافة لذلك فإن الشخص يمكن أن يكون لديه حافز الخير من أجل أن يقوده المال - على سبيل المثال من أجل أن يقوم برعاية العائلة، أو ليكون لديه وقت الفراغ للعمل على مشاريع تطور العالم. [2] من غير المُرجّح أن كل شركة ناجحة تحاول أن تجعل من العالم مكانًا أفضل. لكن مؤسسي تلك الشركات كالوالدين، يؤمنون بشدّة أنهم قادرون على ذلك. المؤسّسون النّاجحون يقعون في غرام شركاتهم. وطالما أن هذا النوع من الحب هو أعمى مثل حب الناس لبعضهم البعض، فإنه سيكون أصيلًا. [3] يوضح بيتر ثيل Peter Thiel أن المؤسسين الناجحين لا زالوا يصبحون أغنياء من خلال السّيطرة على الاحتكارات، فقط تلك الاحتكارات التي قاموا بتأسيسها وليس التي حصلوا عليها. وبما أن هذا صحيح إلى حد كبير، فإنه يعني أن التغيير الكبير يحصل لدى الشخص الذي يفوز. [4] لكي أكون مُنصفًا، لم يقصد الرومان قتل أرخميدس. طلب القائد الروماني على وجه الخصوص أن يتركوه وشأنه، لكنه قُتل نتيجة الفوضى. في الأوقات المضطربة، حتى التفكير يحتاج للسيطرة على بعض الموارد النادرة، لأن الحياة -في حد ذاتها- مورد نادر. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Mean People Fail لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
تمرّ العديد من الشركات الناشئة على مرحلة معينة قبل بضعة أشهر من فشلها، حيث أنّها -وبالرغم من أنها تملك أموالًا كثيرة في البنك- تخسر الكثير من المال شهريًا أيضًا، ونمو الإيرادات إما متوقف أو دون المتوسط. أمام الشركة فترة ستة أشهر قبل أن تفشل وتخرج من سوق العمل، ولهذا فإنها تتوقع أن تتجنب الوقوع في هذا المأزق من خلال الحصول على التمويل من المستثمرين.[1] هذه الجملة الأخيرة مميتة. هناك قائمة طويلة بالأمور التي يوهم رواد الأعمال أنفسهم بها، لكن الأمر الذي يعتلي ترتيب هذه القائمة هو إلى مدى يهتمّ المستثمرون بمنحهم تمويلًا إضافيّا. من الصعب أن تقنع المستثمر حتى في المرة الأولى (وهو أمر يتوقعه المؤسسون) لكن ما يختلف هذه المرة هو إلتقاء النقاط الثلاثة التالية في مكان واحد: 1- تنفق الشركة الآن المال بشكل أكبر مما كانت تنفقه عندما حصلت على التمويل لأول مرة. 2- لدى المستثمرين معايير أعلى للشركات التي تلقت تمويلًا. 3- بدأت الشركة الآن تبدو بمظهر الفاشلة. في المرة الأولى حصلت على التمويل، لم يكن الأمر مسألة نجاح أو فشل، كان من المبكر جدًا أن نتساءل عن ذلك، لكن الأمر مُختلف الآن وطرح هذا التّساؤل وارد، والجواب الافتراضي سيكون "الفشل" بسبب أنه النتيجة الافتراضية في تلك اللحظة. سأدعو هذه الحالة التي وصفتها في المقطع الأول "القرصة المميتة" (the fatal pinch) أحاول مقاومة ابتكار مصطلحات جديدة، لكن وضع اسم لهذا الموقف قد يدفع المؤسسين لإدراك متى يواجهونه. إن أحد الأشياء الذي يجعل القرصة المميتة خطرة للغاية، هو أنه معزز ذاتيًا. بمعنى أن المؤسسين يبالغون في تقدير فرص حصولهم على التمويل، بالتالي يتباطؤون في بلوغهم مستوى الربحية، الأمر الذي يقلل من فرص حصولهم على التمويل. والآن أصبحت تعرف ما هي القرصة المميتة، ماذا ستفعل حيالها؟ من الواضح أن أفضل شيء يمكن أن تفعله هو تجنبها. تُخبر حاضنة Y Combinator المؤسسين الذين يحصلون على التمويل أن يتصرفوا وكأنه آخر تمويل سيحصلون عليه. بسبب أن طبيعة التعزيز الذاتي لهذا الموقف تعمل بالطرف المعاكس أيضًا، أي كلما قلت حاجتك للاستثمار الجديد، كلما صار من الأسهل الحصول عليه. ماذا ستفعل لو تعرضت مسبقًا للقرصة المميتة؟ أول شيء يجب فعله هو أن تعيد تقييم احتمالية حصولك على المزيد من التمويل. وسأكون هناك متبصرًا رائعًا وسأقوم بهذا عوضًا عنك: الاحتمالية هي صفر. يبقى لديك ثلاثة خيارات: يمكنك إغلاق الشركة، زيادة عائداتك أو خفض نفقاتك. يتوجب عليك إغلاق الشركة عندما تكون متأكدًا بأنها ستفشل بغضّ النظر عمّا يمكنك فعله. وبعدها يمكنك على الأقل إعادة المال المتبقي لأصحابه، وعلى كل حال ستوفر على نفسك قضاء بضعة أشهر وأنت تقود شركتك نحو الهاوية. ومن النادر أن تُضطرّ الشركات إلى الفشل على هذه الطريقة. ما أحاول فعله هنا أن أعطيك خيار الاعتراف بأنك استسلمت. إذا لم ترغب بإغلاق شركتك، يبقى لدينا خيارا زيادة العائدات وخفض التّكاليف. في معظم الشركات تكون التكاليف تعني الموظفين وخفض التكاليف يعني طردهم. [3] وعادة ما يكون قرار طرد الموظفين صعبًا، لكن هناك حالة واحدة لن يكون فيها كذلك: عندما يعرف الموظفون بأنه يجب تسريحهم لكنهم في حالة إنكار لذلك، إن حصل هذا فقد حان الوقت لطردهم. وإذا أدى هذا إلى الربحية، أو تمكنت من الوصول إلى الربحية باستخدام الأموال التي ما تزال متاحة لديك، فإنك تجنبت الخطر الفوري. وبطريقة أخرى لديك ثلاثة خيارات: إما أن تطرد موظفين جيدين، أو تدفع رواتب أقل لبعض أو كل الموظفين لفترة محددة، أو زيادة العائدات. ويعدّ دفع رواتب أقل للموظفين حلًا ضعيفًا وينجح عندما تكون المشكلة ليست بذلك السوء. إذا كان مسارك الحالي لن يصل بك إلى حالة الرّبحية، لكن يمكنك تخطي عتبتها من خلال خفض الرّواتب، فإنك ستطبق هذا على جميع الموظفين. وإلا فإنك ستعمل فقط على تأجيل المشكلة، وهذا ما سيكون واضحًا للموظفين الذين تقترح خفض رواتبهم. [4] وبهذا يبقى أمامنا خياران اثنان، تسريح الموظفين الجيدين وتحقيق المزيد من الإيرادات. في حين محاولة الموازنة بينهما، ضع في بالك الهدف النهائي: أن تكون شركة ناجحة لديها منتج يستخدمه الكثير من الناس. إذا كان سبب مشكلتك هو زيادة عدد الموظفين، يتوجب عليك أن تكون مرنًا أكثر حيال تسريحهم. فإذا قمت بتوظيف 15 شخصًا قبل أن تعرف ماذا ستصنع، فإنك تعمل على بناء شركة معطوبة. عليك أن تعرف أولًا ما الذي تحاول صنعه، وربما سيكون من الأسهل عليك أن تقوم بعملك بوجود عدد قليل من الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الأشخاص قد لا يكونون الأشخاص الذين تحتاجهم فعلًا بغضّ النظر عمّا تقوم بصنعه. لذا قد يكون الحل هو أن تقلّص حجم الشّركة ومن ثم تفكر في أي اتجاه يجب أن تنمو. وبعد كل هذا فإنك لا تسدي أي معروف لهؤلاء الأشخاص الخمسة عشر إذا سرت معهم في شركتك إلى الفشل. بالنتيجة سيخسرون وظائفهم والوقت الذي قضوه مع هذه الشركة المحكوم عليها بالفشل. في حين إذا كان لديك عدد قليل من الموظفين، فإنه من الممكن أن يكون أفضل أن تركّز على تحقيق المزيد من الإيرادات. وقد يكون من السهل أن تقترح على الشركة الناشئة أن تحقق المزيد من العائدات، وكأنه يحصل بمجرد الطلب. عادة ما تعمل الشركات كل ما في وسعها من أجل أن تبيع كل ما يمكنها بيعه. ولا أقترح هنا أن تتوقف عن بذل الجهد في تحقيق الإيرادات، بل أن تحاول فعل ذلك بطريقة مختلفة. على سبيل المثال إذا كان لديك موظف واحد مسؤول عن المبيعات وباقي الفريق يعمل في البرمجة. فكّر في أن يعمل الجميع في المبيعات. ما الفائدة التي ستجنيها من المزيد من البرمجة عندما تفشل شركتك وتخرج من السوق؟. إذا كان عليك البرمجة من أجل إتمام صفقة معينة، تابع عملك لأنها تصب في نفس اتّجاه عمل الجميع في قسم المبيعات. لكن اعمل فقط على المهام التي ستحقق لك معظم العائدات في أقرب وقت ممكن. من الطرق الأخرى لتحقيق العائدات بشكل مختلف هو أن تبيع أشياء مختلفة، على وجه الخصوص أن تؤدي المزيد من الأعمال الاستشارية. وأقول استشارية لأنه هناك طريق منحدر زلق وطويل من صنع المنتجات إلى الاستشارات المطلقة، وليس عليك أن تتجه نحو الاستشارات قبل أن يكون لديك شيء جذاب مثير لاهتمام الزبائن تقدمه لهم. وعلى الرغم من أن منتجك ليس جذابًا للزبائن بعد، لكن إذا كنت شركة ناشئة فإنّ المبرمجين لديك غالبًا ما يكونوا أفضل مما يستطيع زبائنك توظيفهم. أو قد تكون لديك خبرة في مجالات جديدة لا يفهمونها، لذا إذا قمت بتغيير محادثات البيع قليلًا من " هل تريد أن تشتري منتجنا؟" إلى "ما الذي تحتاجه ويمكنك أن تدفع الكثير لقاءه" وفجأة قد تجد أن الحصول على أموال الزبائن بهذه الطّريقة أسهل بكثير. عندما تفعل هذا كنّ عديم الرحمة و لا تأخذك شفقة، فإن ما تفعله هو محاولة إنقاذ شركتك من الفشل، لذا اجعل زبائنك يدفعون المزيد من المال وبشكل أسرع. وحاول أن تتجنب أسوء عقبات الاستشارات بقدر استطاعتك. والشكل المثالي هو أن تصنع نسخة مشتقة ومعدلة بدقة من منتجك للزبون. في أفضل الأحوال، فإن هذا العمل الاستشاري لن يكون مجرد شيء تقوم به لتنجو بنفسك وبشركتك، لكن قد يتحول إلى ذلك العمل الذي لا يُمكن أتمتته والذي سيحدد شكل شركتك. لكن لا تتوقع أن يتحوّل الأمر إلى ذلك. لكن كلما غصت أكثر في احتياجات المستخدمين، فيجب عليك أن تُبقي عينيك مفتوحتين على الفتحات الضيقة التي قد تظهر لك وتخبئ وراءها آفاقًا واسعة. عادة ما يكون هناك طلب كبير على الأعمال الخاصّة والتي -ما لم تكن حقًا غير مُؤهّل لأدائه- ستمكّن شركتك من النّجاة ولو تطلّب الأمر الوصول إلى نقطة في أسفل منحدر هذه الأعمال الاستشارية المُنزلق. لكن لم استخدم مصطلح المنحدر الزلق من قبيل الصدفة، حيث أن الطلب الكبير من قبل الزبائن على الأعمال المخصصة حسب رغبتهم سيعمل دائمًا على دفعك نحو القاع. لذا في حين محاولتك للنجاة، تصبح المشكلة الآن النجاة بأقل الأضرار والتشتت. الجانب المُشرق لهذا الأمر هو أن الكثير من الشركات الناشئة الناجحة استطاعت النّجاح رغم أنّها مرّت بفترة القرصة المُميتة هذه وتمكّنت من تجاوزها. فقط عليك أن تكون على دراية تامة بالأمر لما توشك على الفشل. إذا كنت في مرحلة القرصة المميتة، فأنت موشك على الفشل. الهوامش: [1] هناك عدد قليل من الشركات التي لا تتوقع بشكل معقول أن تحقق العائدات من السنة الأولى أو الثانية، بسبب أن المنتج الذي يعملون عليه يستغرق وقتًا طويلًا. وفي مثل هذه الشركات يحلّ مفهوم "التقدم" محل "نمو العائدات". ولن تكون شركتك واحدة من هذه الشركات ما لم يوافق المستثمرون الأولون على ذلك. وبصراحة حتى هذه الشركات تتمنى أن لا تكون في هذا الموقف بسبب أن نقص السيولة لديها يضعها تحت رحمة المستثمرين. [2] هناك نوع آخر من القرصة المميتة أين يلعب المستثمرون الحاليون دورًا من خلال وعدهم إيّاك بضخ المزيد من الاستثمارات. أو بالأحرى عندما تفهم منهم على أنهم يعدونك بمزيد من الاستثمار، في حين أنهم يفكّرون فقط في احتمال حدوث ذلك. ومن أجل تجنّب ذلك، وإن كانت لديك ثمانية أشهر فقط أو أقل حتى الإفلاس، حاول أن تحصل على المال الآن وفورًا، وهو ما سينتج عنه أحد الأمرين التّاليين: إمّا ستحصل على المال فورًا وهو ما سيحل مشكلتك، أو على الأقل ستمنع المستثمرين من إبقائك في حالة الإنكار حول توقعاتك عن زيادة التمويل. [3] من الواضح أنه إذا كانت لديك تكاليف عالية غير الرواتب والتي يمكن شطبها، فافعل ذلك الآن. [4] بالطبع ما لم يكن مصدر المشكلة هو أنك تدفع لنفسك رواتب عالية. لهذا يجب عليك خفض رواتب المؤسسين إلى الحد الأدنى إذا كان ذلك يساعدك على تحقيق الربحية. وهذه علامة سيئة أن تحتاج لتقرأ هذا حتى تدرك ذلك. ترجمة -وبتصرّف- للمقال The fatal pinch لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
أصبحت الشركات مؤخرًا تولي المزيد من الانتباه للمصادر المفتوحة. كان ثمَّة خطرٌ حقيقيٌ منذ عشرة أعوام يتمثَّل في توسيع «مايكروسوفت» لاحتكارها ليشمل الخوادم؛ يبدو من السليم القول الآن إن المصادر المفتوحة قد منعت حدوث ذلك. إذ وجد مسحٌ حديث أن 52% من الشركات تستبدل خوادم «لينكس» بخوادم «مايكروسوفت».(1) أعتقد أن الأهم من ذلك هو أي 52% من الشركات تفعل ذلك. على من يقترح تشغيل «ويندوز» على الخوادم في هذه المرحلة أن يشرح ما يعرفه عن الخوادم ولا يعرفه كل من «غوغل»، و«ياهو»، و«أمازون». ولكن الأمر الأكبر الذي على عالم الأعمال أن يتعلَّمه من المصادر المفتوحة لا يتعلق بـ«لينكس» أو «فيرفكس»، وإنما بالقوى التي أنتجتهما؛ إذ ستؤثر تلك القوى في نهاية الأمر على ما هو أكثر بكثير من أي برنامج تستخدم. ربما نتمكَّن من فهم تلك القوى الأساسية من خلال الربط بين المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني؛ فهما يتشاركان في الكثير من الأمور كما قد لاحظتَ على الأرجح. إن التدوين الإلكتروني، مثل المصدر المفتوح، هو أمرٌ يفعله الناس بأنفسهم مجانًا لأنهم يستمتعون به. ويتنافس المدوِّنون الإلكترونيون، مثل قراصنة المصادر المفتوحة، مع من يعملون من أجل المال، وغالبًا ما يفوزون. كما أن طريقة كل منهما في ضمان الجودة واحدة؛ وهي الداروينية. تضمن الشركات الجودة بقواعد لمنع الموظَّفين من الإخفاق، ولكن لا تكون ثمَّة حاجة إلى ذلك عندما يستطيع الجمهور التواصل مع بعضه البعض. فالناس ينتجون ما يرغبون فيه أيًا ما كان؛ وتنتشر الأشياء الجيدة بينما تتعرض السيئة للتجاهل، وفي الحالتين يساعد تقييم الجمهور على التطور إلى الأفضل. من العوامل المشتركة الأخرى بين التدوين الإلكتروني والمصدر المفتوح هو الإنترنت. لطالما رغب الناس في القيام بأعمالٍ رائعةٍ مجانًا، ولكن قبل ظهور الإنترنت كان من الأصعب الوصول لجمهورٍ أو التعاون في مشاريع. الهواةأعتقد أن المبدأ الجديد الأهم الذي على عالم الأعمال تعلُّمه أن الناس يعملون بجِدٍ أكبر على الأشياء التي يحبونها، ليس ذلك جديدًا لأي شخصٍ، فكيف أزعم أن على عالم الأعمال تعلُّمه؟ عندما أقول أن عالم الأعمال لا يعرف ذلك، أعني أن بنية عالم الأعمال لا تعكسه. ما زال عالم الأعمال يعكس نموذجًا أقدم، مُمثَّلًا في الكلمة الفرنسية travailler التي تعني «العمل»؛ فشبيهتها في اللغة الانجليزية كلمة travail والتي تعني «التعذيب».(2) ويتضح أن هذه ليست آخر كلمة متعلقة بالعمل؛ فكلما ازدادت المجتمعات غنىً، عرفَت شيئًا عن العمل يشبه كثيرًا ما تعرفه عن النظام الغذائي. نعلم أن أكثر الأنظمة الغذائية صحةً هو ذلك الذي اضطر أسلافنا الفلاحين إلى تناوله لأنهم كانوا فقراء. فالبطالة، مثلها مثل طعام الأغنياء، لا تبدو مرغوبةً سوى عندما لا تحصل على قدرٍ كافٍ منها. أعتقد أننا مُهيأون للعمل، تمامًا كما أننا مهيأون لتناول قدرٍ محددٍ من الألياف، وتتوعَّك صحتنا إن لم نفعل. هناك اسم يُطلق على أولئك الذين يعملون لأنهم يحبون العمل؛ الهُواة. تحمل الكلمة الآن دلالةً سيئةً للغاية لدرجة أننا ننسى اشتقاقها، برغم أنه أمام أعيننا. كانت كلمة «هاوٍ» في الأصل مجامِلةً، ولكن كان الاتجاه السائد في القرن العشرين أن يكون المرء احترافيًا؛ وهو ما لا يكون عليه «الهواة» بحسب التعريف. لذا تفاجأ عالم الأعمال كثيرًا بالدرس الذي لقَّنه إياه المصدر المفتوح؛ وهو أن من يعملون لأنهم يحبون ما يفعلون غالبًا ما يتفوقون على أولئك الذين يعملون لأجل المال. فالمستخدمون لا ينتقلون من استخدام متصفح إكسبلورر لاستخدام متصفح فيرفكس لأنهم يريدون اختراق المصدر، ولكن لأنه متصفحٌ أفضل. ليس الأمر أن «مايكروسوفت» لا تحاول، فهي تعرف أن التحكم في المتصفح هو أحد المفاتيح الرئيسية للإبقاء على الاحتكار، ولكن المشكلة هي ذات التي تواجهها في أنظمة التشغيل؛ أنها لا تستطيع دفع ما يكفي من المال للناس لينشئوا شيئًا أفضل مما قد تنشئه مجموعةٌ من القراصنة الشغوفين مجانًا. أشك أن الاحترافية كانت دائمًا مُبالغًا في تقديرها؛ ليس بالمعنى الحرفي لها فقط وهو العمل من أجل المال، وإنما أيضًا بالدلالات المرتبطة بها مثل الرسمية والانفصال. أعتقد أن الاحترافية -بقدر ما كانت ستبدو مستحيلة في عام، لنقُل، 1970- كانت موضة بدرجةٍ كبيرة، مدفوعةً بالظروف التي تصادف وجودها في القرن العشرين. كان أحد أقوى تلك الظروف وجود «القنوات»، وكان يُستخدم المصطلح نفسه لكلٍ من المنتجات والمعلومات؛ فكانت هناك قنوات توزيع، وقنوات تليفزيونية وإذاعية. كان ضيق مثل تلك القنوات هو ما جعل الاحترافيين يبدون أفضل من الهواة، كانت هناك وظائف خالية قليلة للصحفيين المحترفين على سبيل المثال، ولذا ضمنت المنافسة أن يكون الصحفيون العاديون جيدين نوعًا ما. بينما كان أي شخص يمكنه التعبير عن آرائه في الأحداث الجارية في إحدى الحانات، وهكذا كان الشخص العادي الذي يعبر عن آرائه في إحدى الحانات يبدو أحمقًا مقارنةً بالصحفي الذي يكتب عن الموضوع. إن الحاجز أمام نشر أفكارك على الإنترنت أقل انخفاضًا، فليس عليك أن تبتاع شرابًا، كما أنه مسموح للأطفال بالمشاركة. ينشر الملايين من الناس كتاباتهم على الإنترنت، ومتوسط مستوى ما يكتبونه ليس جيدًا للغاية كما قد تتوقع، مما أدى ببعض العاملين في الإعلام أن يستنتجوا أن المدونات الإلكترونية لا تمثل تهديدًا كبيرًا، أن المدونات الإلكترونية مجرد موضة. إن الموضة في الحقيقة هي كلمة «مدونة إلكترونية»؛ على الأقل على النحو الذي يستخدمها به الإعلام الآن، فمن يعنينه بكلمة «مدوِّن» ليس من ينشر في صيغة مدونة إلكترونية، وإنما أي شخص ينشر على الإنترنت. ستصبح تلك مشكلةً عندما يصبح الإنترنت هو الوسيلة الاعتيادية للنشر، لذا أود أن أقترح كلمةً بديلةً لمن ينشر على الإنترنت، ماذا عن كلمة «كاتب»؟ هؤلاء العاملون في الإعلام المطبوع الذين يستبعدون الكتابة على الإنترنت بسبب جودتها العادية المنخفضة غافلون عن نقطةٍ هامةٍ؛ هي أن لا أحد يقرأ مدونةٍ عادية. في عالم القنوات القديم، كان للحديث عن الجودة العادية أهمية؛ لأن هذا ما كنت ستحصل عليه سواء أعجبك أم لم يعجبك. ولكن الآن يمكنك القراءة لأي كاتبٍ تريد، ولذا فإن الجودة العادية للكتابة على الإنترنت ليست ما ينافسه الإعلام المطبوع، وهو يخسر، مثل «مايكروسوفت». أعلم ذلك من خبرتي الخاصة باعتباري قارئًا، فبرغم أن معظم الإصدارات المطبوعة متاحة إلكترونيًا، إلا أنني أقرأ مقالين أو ثلاث مقالات على الأرجح على المواقع الشخصية في مقابل كل كاتبٍ أقرأ له على موقع مجلةٍ أو صحيفة. وعندما أقرأ مواضيع صحيفة نيويورك تايمز على سبيل المثال، لا أصل إليها عبر الصفحة الرئيسية للصحيفة أبدًا، وإنما أجد معظمها من خلال اواقع تجميع الأخبار؛ مثل أخبار «غوغل» أو «سلاش دوت» أو «ديليشوس»، توضح مواقع تجميع الأخبار أن بإمكانك الحصول على ما هو أفضل كثيرًا من القنوات. الصفحة الرئيسية لصحيفة «نيويورك تايمز» عبارة عن قائمةٍ بمقالاتٍ كتبها أشخاص يعملون لصالح «نيويورك تايمز»، أما موقع «ديليشوس» فهو عبارة عن قائمةٍ بمقالاتٍ مثيرة للاهتمام، ولم تُكن لتلاحظ مدى قِلّة تداخل الاثنين إلا الآن بعد أن أمكنك رؤيتهما جنبًا إلى جنب. إن معظم المقالات في الإعلام المطبوع مملة، مثل أن الرئيس لاحظ أن أغلبية الناخبين يعتقدون الآن أن غزو العراق كان خطأً، ومن ثم يُلقي خطابًا للأمة ليولِّد دعمًا. ما الأمر المثير في ذلك؟ أنا لم أسمع الخطاب ولكن بإمكاني على الأرجح أن أخبرك ما قال تمامًا. فخطبة مثل هذه ليست خبرًا؛ ليس فيها ثمَّة جديد. (3) كما أنه ليس هناك جديدًا في معظم الأخبار عن الحوادث - باستثناء الأسماء والأماكن -، مثل اختطاف طفلٍ، أو وجود إعصار، أو غرق عبَّارة، أو عض قرشٍ لشخص، أو ارتطام طائرة صغيرة. ماذا عرفت عن العالم من تلك القصص؟ لا شيء على الإطلاق، فهي نقاط بيانات بعيدة، وما يجعلها جذابة يجعلها كذلك غير ذات صلة بنا. وكذلك في مجال البرامج، فعندما ينتج المحترفون مثل ذلك الهراء، لا يكون مفاجئًا أن يُبلي الهواة أفضل منهم. القنوات هي ما تميتك وتحييك؛ إذا اعتمدت على احتكار الأقلية ستغرق في عاداتٍ سيئة من الصعب التغلب عليها عندما تجد أمامك منافسًا فجأةً. (4) أماكن العملهناك أمر آخر يتشارك فيه كلٌ من المدونات والمصادر المفتوحة؛ وهو أن من يصنعهم عادةً أشخاص يعملون من المنزل، قد لا يبدو ذلك مفاجئًا ولكن عليه أن يكون كذلك. فهو مماثل لإسقاط طائرة مصنوعة في المنزل لطائرة F-18. تنفق الشركات الملايين لبناء مبانٍ للمكاتب لغرضٍ واحدٍ فقط؛ أن تكون مكانًا للعمل، ومع ذلك ينتهي الأمر بكون من يعملون في منازلهم الخاصة – والتي ليست مُعدة لتكون أماكن للعمل - أكثر إنتاجيةً. يثبت ذلك أمرًا قد توقعه العديد منا، أن المكتب العادي مكانٌ تعيس لا يصلح للانتهاء من العمل، والكثير مما يجعل المكاتب سيئة هو الصفات التي نربطها بالاحترافية. فمن المفترض أن يوحي عُقم المكاتب بالفعالية، ولكن الإيحاء بالفعالية يختلف عن تحقق الفعالية. إن الجو العام لمكان العمل العادي يمثل للإنتاجية ما تمثله ألسنة اللهب المرسومة على جانب السيارة للسرعة، وليس مظهر المكاتب فقط هو الكئيب، وإنما طريقة تصرف الناس أيضًا سيئة بنفس القدر. تختلف الأمور عن ذلك في الشركات الناشئة، غالبًا ما تبدأ الشركة في شقةٍ، ويمتلك أصحابه مجموعةٍ من الأثاث القديم بدلًا من المكاتب المتماثلة البيج، ويعملون في أوقاتٍ غريبة ويرتدون ملابس غير رسمية على الإطلاق. يتصفحون ما يرغبون في تصفحه على الإنترنت دون القلق بشأن ما إذا كان «ملائمًا لمكان العمل»، وينتشر المزاح بدلًا من لغة المكتب الكيِّسة البشوش. أتعرف؟ ستكون الشركة في هذه المرحلة على الأرجح في أكثر حالاتها إنتاجيةً على الإطلاق. ربما الأمر ليس صدفة، ربما بعض جوانب الاحترافية بالفعل خسارة صافية. أرى أن الجانب الأكثر إحباطًا في العمل التقليدي بالمكتب أنك من المفترض أن تكون هناك في أوقاتٍ محددة، عادةً ما يكون هناك القليل من الأشخاص في الشركة الذي عليهم فعلًا الذهاب في أوقاتٍ محددة، ولكن سبب عمل معظم الموظفين لساعاتٍ محددة أن الشركة لا تستطيع قياس إنتاجيتهم. إن الفكرة الأساسية وراء ساعات العمل هي أنك إذا لم تكن تستطيع حمل الناس على العمل، فبإمكانك أن تمنعهم عن الاستمتاع على الأقل. إذا كان الموظفون ملزمين بالتواجد في المبنى لعددٍ محددٍ من الساعات في اليوم، وممنوعين من القيام بأي شيء غير متعلق بالعمل أثناء وجودهم هناك، فلابد أن يعملوا إذًا، من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فهم يقضون الكثير من وقتهم في منطقة محايدة حيث لا يعملون ولا يستمتعون. إذا كان بإمكانك قياس كم العمل الذي قام به الموظفون فلن تحتاج الكثير من الشركات ساعات عمل ثابتة، فيمكنك القول فقط: هذا ما عليك فعله، افعله وقتما شئت أينما شئت، إذا كان عملك يتطلب الحديث مع موظفين آخرين بالشركة فربما تحتاج للتواجد هنا لفترةٍ ما، أما فيما عدا ذلك فلا يهمنا الأمر. ربما يبدو ذلك حالمًا، ولكن هذا ما أخبرنا للناس الذين جاءوا للعمل في شركتنا، لم تكن هناك ساعات عمل ثابتة، ولم أذهب إلى الشركة قبل الساعة 11 صباحًا قط. ولكننا لم نكن نقول ذلك لنبدو كرماء، بل كنا نقول لهم: إذا عملتم هنا فنحن نتوقع أن تنتهوا من الكثير من الأعمال، فلا تحاولوا خداعنا بالتواجد هنا كثيرًا فقط. إن مشكلة نموذج ساعات العمل ليست كونها محبِطة فقط، ولكن أن من يدَّعون أنهم يعملون يقاطعون من يعملون بالفعل. إنني مقتنعٌ أن نموذج ساعات العمل هو السبب الرئيسي لعقد المنظمات الضخمة العديد من الاجتماعات، تنجز المنظمات الضخمة القليل جدًا من العمل للفرد الواحد، ومع ذلك على كل هؤلاء الناس التواجد في مكان العمل لثماني ساعات على الأقل يوميًا. عندما يُبذَل الكثير من الوقت ولا يُنتج سوى القليل جدًا من الإنجازات فإن كفة أحدهما راجحة، والاجتماعات هي الآلية الرئيسة لإنجاز العمل الذي لم يُنجَز. عملتُ لعامٍ واحدٍ في وظيفة عادية مواعيدها من التاسعة حتى الخامسة، وأذكر جيدًا الإحساس الغريب المريح الذي ينتاب المرء خلال الاجتماعات. كنت أعي جيدًا أنني أتلقى أجرًا مقابل البرمجة، بسبب الإبداع، بدا الأمر مذهلًا وكأن كانت هناك آلة على مكتبي تخرج دولارًا كل دقيقتين مهما كان ما أفعل، حتى عندما أكون في الحمّام! ولكن بما أن الآلة الخيالية كانت تعمل دائمًا، شعرتُ أن عليّ أن أعمل دائمًا، ولذا كانت الاجتماعات مريحة بصورةٍ رائعة، إذ كانت تُعتبر عملًا، مثل البرمجة تمامًا، إلا أنها كانت أسهل كثيرًا جدًا، فكان كل ما عليّ فعله هو أن تجلس وتبدو منتبهًا. الاجتماعات كدواءٍ منوِّم له تأثير شبكي، وكذلك البريد الإلكتروني، ولكن على نطاقٍ أصغر. وبالإضافة إلى التكلفة المباشرة من حيث الوقت، هناك أيضًا التكلفة من حيث التجزئة؛ أي تقسيم يوم الموظفين إلى أجزاءٍ صغيرة للغاية لدرجة أنها لا تصبح مفيدة. يمكنك أن ترى إلى أي مدى أصبحتَ معتمدًا على شيءٍ ما من خلال إزالته فجأة، لذا أقترح على الشركات الكبيرة إجراء التجربة التالية؛ حددوا يومًا تُمنَع فيه الاجتماعات، ويكون على كل شخص الجلوس أمام مكاتبهم طوال اليوم والعمل دون مقاطعةٍ على أشياء يمكنهم القيام بها دون الحديث لأي شخصٍ آخر. القليل من التواصل ضروري في معظم الوظائف، ولكنني متأكد أن العديد من الموظفين بإمكانهم العثور على أشياءٍ يمكنهم فعلها وحدهم لثماني ساعات. يمكنكم أن تطلقوا على هذا اليوم «يوم العمل». المشكلة الأخرى في العمل المزيف أنه يبدو غالبًا أفضل من العمل الحقيقي. عندما أكتب أو أخترق شيئًا ما، أقضي في التفكير فقط وقتًا مماثلًا لما أقضيه في الكتابة فعلًا، وأقضي نصف الوقت جالسًا أتناول كوبًا من الشاي، أو أتجول في الحي. هذه مرحلة حاسمة – من هنا تنبع الأفكار - ومع ذلك أشعر بالذنب للقيام بذلك في معظم المكاتب عندما يبدو الآخرون جميعًا مشغولين. من الصعب معرفة مدى سوء بعض الممارسات حتى تجد ما تقارنها به، وهذا أحد الأسباب التي تجعل المصادر المفتوحة، وحتى التدوين، هامين للغاية، فهم يروننا كيف يبدو العمل الحقيقي. نحن نمول ثماني شركات ناشئة حاليًا، سألني صديقٌ عما سيفعلونه بشأن المكتب، وبدا متفاجئًا عندما أخبرته أننا نتوقع منهم أن يعملوا من أي مكانٍ يقيمون فيه، ولكننا لم نقترح ذلك لتوفير المال، وإنما اقترحناه لأننا نريد لبرامجهم أن تكون جيدة. العمل في مساحاتٍ رديئة غير رسمية أحد الأمور التي تقوم بها الشركات الناشئة على نحوٍ صحيح دون أن تدرك ذلك. بمجرد أن تدخل إلى المكتب، يبدأ كل من العمل والحياة في الافتراق عن بعضهما. هذا أحد المباديء الرئيسة للاحترافية؛ من المفترض أن يكون كل من العمل والحياة منفصلان، ولكنني مقتنع أن ذلك الجزء خطأ. المنهج التصاعديالدرس الكبير الثالث الذي يمكننا تعلمه من المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني أن الأفكار يمكن أن تتصاعد من الأسفل، بدلًا من أن تنحدر من أعلى إلى أسفل. يعمل كلٌ من المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني بمنهج تصاعدي يتحرَّك من أسفل إلى أعلى؛ فالناس يصنعون ما يرغبون فيه، وأفضل ما صنعوه هو ما يحظى بالانتشار. هل يبدو ذلك مألوفًا؟ إنه مبدأ اقتصاد السوق. من سخرية القدر أن المصادر المفتوحة والمدونات الإلكترونية يمثلان اقتصاديات السوق برغم أنهما مجانيان، بينما تُدار معظم الشركات داخليًا مثل الدول الشيوعية رغم كل حديثها عن قيمة الأسواق الحرة. هناك قوتان تدفعان التصميم معًا؛ الأفكار حول ما يجب فعله بعد ذلك، وتطبيق الجودة. كانت تلك القوتان تتدفقان من الأعلى في حقبة القنوات، فكان المحررون على سبيل المثال يُكلفون المراسلين بأخبارٍ ثم يحررون ما كتبه المراسلون. توضح لنا المصادر المفتوحة والمدونات الإلكترونية أنه ليس على الأمور أن تعمل بتلك الطريقة، فالأفكار وحتى تطبيق الجودة قد يتدفقان من الأسفل إلى الأعلى، وفي الحالتين لا تكون النتائج مقبولة فقط، بل تكون أفضل! فالبرنامج مفتوح المصدر على سبيل المثال موثوق به لأنه مفتوح المصدر، إذ يمكن لأي شخصٍ أن يعثر على الأخطاء الموجودة فيه. يحدث الأمر نفسه مع الكتابة، فكلما كنتُ أقترب من ميعاد النشر كنت أجد أنني قلقٌ للغاية بشأن المقالات في كتاب «Hackers & Painters» والتي لم تكن قد نُشِرَت إلكترونيًا من قبل. بمجرد أن يحصل مقالٌ ما على ألفي مشاهدةً أشعر بالثقة فيه إلى حدٍ معقول. أما تلك المقالات فكانت لها أرقام تقريبية أقل خضوعًا للفحص، فكنتُ أشعر وكأنني أصدر برنامجًا دون اختباره أولًا. هكذا كان النشر قديمًا، كان محظوظًا من يجعل عشرة أشخاص يقرؤون مخطوطًا. ولكنني اعتدتُ جدًا على النشر الإلكتروني، حتى أن الطريقة القديمة أصبحت الآن غير موثوق بها بصورةٍ مقلقة، مثل الملاحة بواسطة الحساب لتعيين الموقع بعد أن تكون قد اعتدتَ على النظام العام لتحديد المواقع (GPS). الأمر الآخر الذي يعجبني في النشر الإلكتروني أن بإمكان المرء كتابة ما يريد ونشره متى يريد، في وقتٍ سابق من هذا العام كتبتُ شيئًا بدا مناسبًا للنشر في مجلة، لذا أرسلته إلى محررٍ أعرفه، وبينما كنت أنتظر الرد من المجلة وجدتُ –لدهشتي- - أنني أتمنى أن ترفضه، كي أستطيع نشره على الإنترنت على الفور. إذا قبلته المجلة فلن يقرأه أحدٌ قبل أشهرٍ، وخلالها سأضطر إلى الجدال بشأن كل كلمة لكي أنقذ المقال من أن يشوهه محررٌ شاب في الخامسة والعشرين. (5) يحب العديد من الموظفين صنع أشياء رائعة للشركات التي يعملون بها، ولكن غالبًا ما لا تسمح لهم الإدارة بذلك، كم منا قد سمع قصصًا عن موظفين يذهبون للإدارة ويقولون: «رجاءً دعونا نصنع لكم هذا الشيء لكي نجني لكم مالًا» وترفض الشركة؟ إن «ستيف ووزنياك» هو على الأرجح المثال الأشهر؛ وهو من أراد أساسًا صنع حواسب آلية صغيرة لشركته في ذلك الوقت HP»»، ورفضت عرضه. يُصنَّف ذلك على مقياس الأخطاء الحمقاء مع قبول شركة IBM لنسخة غير حصرية من نظام «DOS». ولكنني أعتقد أن هذا الأمر يحدث طوال الوقت، إلا أننا لا نسمع عنه عادةً لأنه لكي يثبت المرء كونه محقًا عليه أن يستقيل ويُنشء شركته الخاصة كما فعل «ووزنياك». الشركات الناشئةإذًا هذه هي الدروس الثلاث الكبرى التي أعتقد أن باستطاعة المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني تلقينها لعالم الأعمال: أن الناس يعملون بجِدٍ أكبر على الأشياء التي يحبونها؛ أن بيئة المكتب العادية غير مثمرة كثيرًا؛ أن المنهج التصاعدي من الأسفل إلى الأعلى غالبًا ما ينجح أكثر من المنهج الفوقي من الأعلى إلى الأسفل. يمكنني أن أتخيل المديرين يقولون الآن: ما الذي يتحدث عنه هذا الرجل؟ بِمَ تفيدني معرفة أن المبرمجين الذين يعملون لصالحي سيكونون أكثر إنتاجيةً عندما يعملون من المنزل على مشاريعهم الخاصة؟ إنني بحاجة إلى وجودهم هنا ليعملوا على النسخة 3/2 من برنامجنا، وإلا لن ننهيها قبل تاريخ الإصدار. وهذا صحيح، فالفائدة التي ستعود على مديرٍ محدد من القوى التي وصفتها هي تقريبًا صفر. عندما أقول أن عالم الأعمال يمكنه التعلم من المصادر المفتوحة، لا أقصد أي مجالٍ محددٍ من الأعمال، بل أعني أن عالم الأعمال يمكنه معرفة الظروف الجديدة تمامًا كما تفعل تجميعة الجينات. لا أزعم أن الشركات بإمكانها أن تصبح أكثر ذكاءً، بل أزعم فقط أن الشركات الغبية ستندثر. إذًا كيف ستبدو الشركات عندما تستوعب دروس المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني؟ أعتقد أن العقبة الكبرى التي تمنعنا من رؤية مستقبل الأعمال هي افتراض أن الناس الذين يعملون لصالحك عليهم أن يكونوا موظفين. ولكن فكِّر فيما يحدث تحت السطح؛ الشركة تمتلك مالًا، وتدفعه للموظف على أمل أن يصنع شيئًا يساوي أكثر مما دفعت له. حسنًا، هناك طرق أخرى لتنظيم تلك العلاقة، فبدلًا من دفع المال للشخصٍ على هيئة راتب، لِمَ لا تعطه إياه على هيئة استثمار؟ ثم بدلًا من أن يأتي إلى مكتبك للعمل على مشروعاتك، يمكنه العمل أينما يرغب على مشروعاته الخاصة. ليست لدينا أي فكرة عمّا يمكننا فعله أفضل كثيرًا من العلاقة التقليدية بين الموظف وصاحب العمل، لأن القليل منا يعرفون أي بدائل. تتطور مثل تلك العادات ببُطء، ولكن ما زالت العلاقات بين أصحاب الأعمال والموظفين تحتفظ بجزءٍ كبيرٍ من سمات العلاقة بين السيد والحاشية. (6) لا أحب أن أكون أي طرف من أطراف تلك العلاقة؛ فسأبذل قصارى جهدي لصالح العميل ولكنني أكره أن يخبرني رئيسٌ بما عليَّ فعله. كما أن من المحبط للغاية أن تكون رئيسًا، فمن الأسهل في نصف الأوقات أن تفعل الأشياء بنفسك بدلًا من أن تجعل أحدًا آخر يفعلها نيابةً عنك. أفضل أن أفعل أي شيءٍ تقريبًا على أن أُقدِّم تقييمًا للأداء أو أتلقَّى واحدًا. وعلاوةً على الأصول غير الواعدة للتوظيف، فقد جمع الكثير من الغبار عبر السنين، فقائمة الأسئلة التي لا يمكنك طرحها في مقابلات الوظائف أصبحت الآن طويلة للغاية لدرجة أنني أفترض أنها لا نهائية، وعليك أن تسير على أطراف أصابعك داخل المكتب لكي لا يقول أحدٌ أو يفعل شيئًا قد يوقع الشركة فريسةً لدعوى قضائية، وأعانك الله إذا قررت فصل أحدهم. ليس هناك ما يُظهر أن التوظيف ليس علاقة اقتصادية طبيعية بوضوحٍ أكثر من الشركات التي تُقاضَى بسبب فصل الموظفين، ففي علاقة اقتصادية بحتة تكون حرًا لفعل ما تشاء، إذا أردت التوقف عن شراء أنابيب فولاذية من أحد الموردين والبدء في شرائها من مُورِّدٍ آخر، ليس عليك توضيح السبب، ولا يستطيع أحد اتهامك بتغيير مُورِّد الأنابيب تعسفيًا. تستلزم العدالة نوعًا من الالتزام الأبوي الذي لا تستلزمه المعاملات بين المتكافئين. تهدف معظم القيود القانونية على أصحاب العمل إلى حماية الموظفين، ولكن لا يمكن أن يكون هناك فعل بدون رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه، لا يمكنك أن تتوقع أن يتحمل أصحاب العمل نوعًا من المسئولية الأبوية تجاه الموظفين دون وضع الموظفين في مرتبة الأطفال، ويبدو هذا اتجاهًا سيئًا. عندما تكون في مدينة كبيرة نسبيًا اذهب إلى مكتب البريد الرئيس وشاهد لغة جسد العاملين هناك، ستجدهم يتسمون بنفس الاستياء العابس الذي يتسم به الأطفال الذين يُجبَرون على فعل شيءٍ لا يرغبون في فعله. لقد انتزع اتحادهم زيادات في الأجور وقواعد للعمل كانت ستحسدهم عليها الأجيال السابقة من عمال البريد، ومع ذلك لا يبدون أكثر سعادةً بذلك. فمن المحبط أن يكون المرء طرفًا مستقبلًا من علاقة أبوية، مهما كانت الشروط مريحة، واسأل أي مراهقٍ عن ذلك. أنا أرى عيوب علاقة أصحاب العمل بالموظفين لأنني كنتُ على طرفي علاقةٍ أفضل؛ علاقة المستثمر بالمؤسس، ولن أزعم أنها ليست مؤلمة. عندما كنتُ أدير شركة ناشئة كان التفكير في مستثمرينا يصيبني بالأرق، والآن بعد أن أصبحتُ مستثمرًا، فإن التفكير في شركاتنا الناشئة يصيبني بالأرق. ما يزال الألم المرتبط بأي مشكلةٍ أحاول حلها موجودًا، ولكن الألم يكون أقل عندما لا يمتزج بالاستياء. شاركتُ، لسوء الحظ، فيما أصبح تجربةً ضابطة تثبت ذلك، فبعد أن اشترت شركة «ياهو» شركتنا الناشئة، ذهبتُ للعمل لديهم. كنتُ أقوم بنفس العمل بالضبط، إلا أن ذلك كان بوجود رؤساء، ومما أرعبني أنني بدأتُ أتصرف مثل الأطفال، فالموقف حفّز في جوانب كنت قد نسيتُ وجودها. إن الميزة الكبيرة التي يتفوق بها الاستثمار على التوظيف كما توحي أمثلة المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني، أن الناس الذين يعملون على مشاريعهم الخاصة يكونون أكثر إنتاجيةً بدرجةٍ هائلة، والشركة الناشئة هي مشروع المرء الخاص من ناحيتين كليهما هام؛ فهو مشروعه الخاص من الناحية الإبداعية، كما أنه مشروعه الخاص من الناحية الاقتصادية. تُعد شركة «غوغل» مثالًا نادرًا على شركةٍ كبيرةٍ متناغمة مع القوى التي وصفتها، فقد حاولت بجِدٍ جعل مكاتبها أقل عُقمًا من المكاتب المكعبة الاعتيادية. وتمنح موظفيها الذين يقومون بعملٍ رائع منحًا كبيرةً من الأسهم ليكافئوا الشركة الناشئة، كما أنهم يدعون القراصنة يقضون 20% من وقتهم في مشروعاتهم الخاصة. لِمَ لا تدع الناس يقضون وقتهم كاملًا في مشروعاتهم الخاص، وتمنحهم قيمة السوق الفعلية بدلًا من محاولة تقريب قيمة ما يصنعونه؟ هل هذا مستحيل؟ هذا هو في الحقيقة ما يفعله الرأسماليون المغامرون. إذًا هل أزعم أن ليس هناك من سيعمل موظفًا بعد ذلك، أو أن على الجميع أن يؤسس شركة ناشئة؟ بالطبع لا، ولكن يمكن للمزيد من الناس أن يفعلوا ذلك. حتى هذه اللحظة يتخرج حتى أذكى الطلاب من الجامعة معتقدين أن عليهم الحصول على وظيفةٍ. إن ما يحتاجون إلى فعله في الحقيقة هو صنع شيءٍ قيِّم، والوظيفة طريقةٌ واحدة للقيام بذلك، ولكن الأفراد الأكثر طموحًا سيبلون أفضل إذا حصلوا على المال من مستثمرٍ بدلًا من صاحب عمل. يميل القراصنة الإلكترونيون إلى الاعتقاد بأن الأعمال التجارية خاصة بحملة ماجستير إدارة الأعمال، ولكن ما تفعله في شركةٍ ناشئة ليس إدارة الأعمال، وإنما صنع العمل. والمرحلة الأولى من ذلك هي على الأغلب خلق المنتَج؛ أي الاختراق. وذلك هو الجزء الصعب، فصنع شيءٍ يحبه الناس أصعب كثيرًا من محاولة معرفة كيف تجني مالًا من شيءٍ يحبه الناس بالفعل. هناك أمرٌ آخر يُبعد الناس عن تأسيس الشركات الناشئة؛ وهو المخاطرة، فالشخص الذي لديه أطفال وقرض عقاري عليه التفكير مليًا قبل فعل ذلك، ولكن معظم القراصنة الشباب ليس لديهم أي من ذلك. وستستمتع بالأمر أكثر حتى إذا فشلت، كما يوحي مثال المصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني. فستعمل على مشروعك الخاص بدلًا من الذهاب إلى مكتبٍ ما والقيام بما يُملى عليك، ربما يكون هناك المزيد من الألم في شركتك الخاصة ولكنه لن يوجِعك بنفس القدر. ربما يكون ذلك هو الأثر الأكبر للقوى الأساسية للمصادر المفتوحة والتدوين الإلكتروني على المدى البعيد؛ وهو التخلص أخيرًا من العلاقة الأبوية بين صاحب العمل والموظف، واستبدال علاقة اقتصادية بحتة بين متكافئين بها. هذا المقال مأخوذ عن خطبةٍ في «مؤتمر المصدر المفتوح» (Oscon) لعام 2005 هوامش: 1: مسحٌ أجرته مؤسسة فورستر للأبحاث ونُشِر خبرًا رئيسيًا في عدد 31 يناير 2005 بمجلة «بيزنس نيوزويك». من الواضح أن البعض اعتقدوا أن على المرء تغيير الخادم لكي يستطيع تغيير نظام التشغيل. 2: وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية tripalium؛ وهو أداة تعذيب تُدعى كذلك لأنها تتكون من ثلاث عُصيّ، لا أعرف كيف كانت تستخدم تلك العُصيّ. كلمة Travel لها نفس الجذر. 3: كانت ستصبح خبرًا أهم كثيرًا إذا كان الرئيس قد تلقى أسئلة مُرتجلة عبر إقامة مؤتمرٍ صحفي. 4: أحد مقاييس عدم كفاءة الصحف أن العديد منها ما زال يجبرك على التسجيل لكي تقرأ المواضيع، لم أجد بعد مدونةً تفعل ذلك. 5: لقد قبلت المجلةُ المقال ولكن استغرقني إرسال النسخة النهائية لهم وقتًا طويلًا، حتى أنني عندما فعلتُ ذلك كان القسم من المجلة الذي قبلوا المقال للنشر فيه قد اختفى بعد التجديد. 6: كلمة boss التي تعني «رئيس العمل» مشتقة من الكلمة الألمانية baas والتي تعني «السيد». ترجمة -وبتصرّف- للمقال What Business Can Learn from Open Source لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
هذه كلمة ألقيتها أثناء عشاء Y Combinator للصائفة الأخيرة. عادة لم يكن لنا متحدّث في العشاء الأخير، فهو أقرب ما يكون من الحفلة. لكن يبدو أنّ الأمر يستحق العناء إن استطعتُ إنقاذ بعض الشركات الناشئة من الميتات التي يمكن تجنّبها. ولذلك في الدقيقة الأخيرة أعددتُ هذا الخطاب القاتم. لم أقصد أن يتحّول هذا إلى مقال، فلم أكتبه سوى لأنّه كانت لدي ساعتان فقط قبل العشاء وأنا أفكّر بشكل أسرع لمّا أكتب. منذ أيام قلت لأحد المراسلين إنّنا نتوقّع لثلث الشركات التي نموّلها أن تنجح. في الواقع كُنت متحفّظا حينها. أنا على أمل أنّه قد يكون بمقدار النصف. ألن يكون من المدهش لو حقّقنا نسبة نجاح في حدود الـ 50%؟ طريقة أخرى لوصف الوضع هو أنّ نصفكم مُتّجهون نحو الفناء. أن يوصف الوضع بهذه الطريقة، فلن يبدو جيّدا على الإطلاق. في الواقع، إنّه من الغريب حين تفكّر في الأمر، لأنّ تعريفنا للنجاح هو أن يحقّق المؤسسون الثروة. إذا نجحت نصف الشركات الناشئة التي نموّلها، معناه أنّ نصفكم سيصبحون أثرياء بينما لن يحصل النصف الآخر على شيء. إذا كان فقط بمقدورك تجنّب الفناء، ستصبح ثريًّا. هذا يبدو شبيها بالنكتة، لكنّه في الواقع وصف جيّد لما يحدث لشركة ناشئة أنموذجيّة. أنّه يصف بالتأكيد ما حدث مع Viaweb. قاومنا الفناء حتّى أصبحنا أثرياء. كان ذلك وشيكًا حين كنا في زيارة إلى "ياهو" للحديث عن إمكانية شرائها لشركتنا الناشئة، كان علينا أن نوقف كلّ شيء لاستعارة واحدة من قاعات عرضهم للحديث مع مستثمر كان على وشك التراجع عن دورة تمويليّة كنا بحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة. إذن حتى في وسط الثراء كنا نقاتل قابض الأرواح. ربما سمعتم تلك المقولة التي تنص على أن الحظ يحدث لدى التقاء الفُرص مع الإعداد الجيّد لها. أنتم الآن قمت بواجب الإعداد. العمل الذي قمتم به حتى الآن يضعكم في وضعية تسمح لكم بالظفر بالحظّ: يمكنكم تحقيق الثراء الآن من خلال عدم السماح بموت شركاتكم. هذا أكثر مما لدى معظم الناس. إذن دعونا نتحدّث حول كيفية مُقاومة الفناء؟ قمنا بذلك خمس مرات للآن (دورات حاضنة المشاريع). ورأينا عددًا من الشركات الناشئة تموت. حوالي 10 منهم حتى الآن. لا نعرف بالضبط ما الذي يحدث عندما يموتون، لأنهم عادة لا يموتون بشكل ثقيل أو بطولي. في الغالب ينكفئون خارجا ويموتون. بالنسبة لنا المؤشر الرئيس للموت الوشيك هو عندما لا نسمع منك شيئا. عندما كنا لا نسمع من أو عن شركة ناشئة لبضعة أشهر، فهذا مؤشّر سيئ. عندما نرسل لهم رسالة إلكترونية نسألهم ما الخطب ولا يردّون فهذا حقيقة مؤشّر سيّئ. وحتى الآن، هذا يمثل تنبّؤا دقيقا 100% عن الوفاة. في حين عندما تنجز الشركات الناشئة صفقات جديدة أو إصدارات جديدة أو ترسل لنا رسائل إلكترونية أو تحضر فعاليات Y Combinator فإنها ربما سائرة نحو البقاء. أنا أدرك أنّ هذا سيبدو ساذجا، لكن الربط ربما يعمل في كلي الاتجاهين. ربما إن كنت قادرًا على التواصل معنا بشكل مُستمر فقد تتجنّب الفناء. قد لا يكون الأمر ساذجا كما يبدو. لعلّك لاحظت أنّ حضورك للعشاء كل يوم ثلاثاء معنا ومع المؤسسين الآخرين يجعلك تنجز أكثر ممّا يمكنك أن تنجز في حالات أخرى، لأنّ كلّ عشاء هو بمثابة يوم تجريبي مصغّر. كلّ عشاء هو بمثابة موعد نهائي. إذن مجرّد البقاء على اتصال دائم معنا سيدفعك لجعل الأشياء تحدث، لأنّه بخلاف ذلك ستكون محرجا في أن تخبرنا بأنك لم تنجز شيئا منذ المرة الأخيرة التي تحدثنا فيها. إذا نجح هذا، فسيكون حلّا عظيما. وسيكون من الرائع جدًا أنّه بمجرد البقاء على اتصال دوريّ بنا يمكنك أن تصبح ثريّا. يبدو الأمر جنونيًّا، لكن هناك فرصة جيّدة من شأنها أن تنجح. صيغة أخرى هي أن تبقى على اتصال بالشركات الناشئة المموّلة من قبل Y Combinator. يوجد الآن أحياء كاملة لها في سان فرانسيسكو. حين تنتقل إلى هناك فإن ضغط نظرائك الذي سيدفعك للعمل بجدّ طوال الصيف سيجعلك تستمرّ في النشاط. عندما تتعرض الشركات الناشئة للفناء، فإن السبب الرسمي يكون عادة نفاد التمويل أو انسحاب أحد المُؤسّسين، وعادة ما يحدث الأمران في آن واحد. ولكن أعتقد أنّ السبب الكامن هو عادة حين تصاب بالإحباط. نادرًا ما تسمع عن شركات ناشئة تعمل على مدار الساعة وتبرم الصفقات وتُضيف ميزات جديدة ثم تزول بسبب عدم قدرتها على سداد الفواتير أو لأنّ مزوّدي خدمات الإنترنت فصلوا الخطّ عن خواديمهم. الشركات الناشئة نادرًا ما تفنى في منتصف ضغطة زرّ. إذن واصلوا الرقن. إن دلّت إصابة عدد من الشركات الناشئة بالإحباط (بالرّغم من أنه إمكانها إدراك الثروة لو لم تيأس ولم تفشل) على شيء فإنها تدلّ على أنّ إدارة شركة ناشئة يمكن أن يكون مُحبِطا. هذا صحيح بالتأكيد. لقد جرّبت ذلك بنفسي، وهذا هو السبب في أنّي لم أطلق شركة ناشئة أخرى من جديد. الحضيض الذي يُمكن لإدارة الشركات الناشئة أن توصلك إليك منخفض بشكل لا يصدّق. أراهن أنه حتى "غوغل" عايشت فترات كانت فيها الأمور مدعاة لفقدان الأمل. معرفة ذلك يمكن أن يساعد. إذا كنت تعلم أنّ الأمور ستكون كارثيّة في بعض الأحيان، إذن عندما تبدو لك الأمور كارثيّة، فلن تقول: "أوف، الأمور كارثيّة وسوف أستسلم". الجميع يشعرون هكذا. لكن إذا تشبّثت فالأمور قد تسير على ما يرام. التشبيه الذي يستعمله الناس لتصوير مزاج الشركات الناشئة هو roller coaster حيث أنك لست أمام خيار الغرق لوحده وإنّما هناك فرص كثيرة للصعود بعد الهبوط. شعور آخر قد يبدو مقلقا لكنّه في الواقع عادي بالنسبة للشركات الناشئة هو إحساسك أنّ ما تقوم به غير فعّال. السبب الذي يدفعك للشعور بهذا الإحساس هو إمكانية فشل ما تقوم به. من النّادر أن تصيب الشركات الناشئة هدفها منذ المُحاولة الأولى، وفي الكثير من الحالات يُمكن أن تُطلق مُنتجًا دون أن يوليه أحد أيّة اهتمام. لا تعتبر حين يحدث هذا أنّك أخفقت فهو أمر هذا عاديّ بالنسبة للشركات الناشئة. ولكن لا تبق مكتوف الأيدي، أعد الكّرة من جديد (Iterate). يعجبني اقتراح "بول بكهايت" Paul Buchheit المتعلق بإنجاز شيء ينال إعجاب شخص واحد على الأقل ما بحق. طالما كنتم تقدّمون أشياء مُفيدة للبعض فأنتم على الطريق الصحيح. وسيكون من المفيد لكم معنويا أن تجدوا على الأقل مجموعة من المُستخدمين الذي يحبّون مُنتج حقيقة، خاصّة وأن غذاء الشركات الناشئة هو الرّوح المعنويّة. ولكن أيضا سيبيّن لك ذلك ما الذي ينبغي عليك التركيز عليه، وما الذي يحبّونه فيك. وهل بإمكانكم أن توفّروا المزيد منه؟ وأين يمكنكم أن تجدوا المزيد من الناس الّذين يحبون هذا النوع من الأشياء؟ طالما لديك بعض المستخدمين المحوريّين الّذين يحبّونكم، كلّ ما عليكم القيام به هو توسيع دائرة ما تقومون به. قد يستغرق ذلك بعض الوقت لكن طالما واصلتم فتفوزون في النهاية. كلّ من "بلوغر" و"ديليشيوس" مرّا بذلك. كلاهما استغرقا سنوات لتحقيق النجاح. ولكن كليهما بدآ مع مجموعة من المستخدمين المخلصين بشدة. وكلّ ما كان على "إيفان" و"جوشوا" فعله هو تنمية هذه المجموعة تدريجيا. "ووفو" (Wufoo) هي في هذا المسار نفسه الآن. لذلك عندما تقوم بشيء ما ويبدو أن لا أحد يهتمّ به، انظر عن كثب. هل هناك صفر من المستخدمين الذين يحبّونك أو هل هناك على الأقل مجموعة صغيرة تحبك؟ من الممكن جدا أن يكون هناك صفر. في هذه الحالة عدّل على منتجك وحاول مرّة أخرى. كلّ واحد منكم يعمل في مجال يحتوي على مُعادلة مُعيّنة لتحقيق النّجاح. وإذا واصلت المُحاولة فستتوصّل إليها. اسمحوا لي بذكر أشياء لا ينبغي عليك فعلها. الشيء الأول الذي لا ينبغي فعله هو "الأشياء الأخرى". إذا وجدت نفسك تتلفّظ بعبارة تنتهي بـ: "ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة"، فأنت في ورطة كبيرة. جُمل من قبيل : "سيرجع بوب إلى الدراسة ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". "نحن عائدون إلى مينيسوتا ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". "سنقوم ببضعة مشاريع جانبية/استشارية ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". في حقيقة الأمر كل الجُمل السّابقة تعني أمرًا واحدًا : " لقد رفعنا الرّاية البيضاء لكنّنا لسنا على استعداد للاعتراف بذلك لأنفسنا". العمل على المشاريع الناشئة صعب جدًا، لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يكون في الجزء الثاني من جُملة بعد "لكن". على وجه الخصوص، لا ترجع إلى الجامعة، ولا تبدأ مشاريع أخرى، التّشتت هو قاتل للمشاريع الناشئة. الذهاب إلى (أو العودة إلى) الجامعة مؤشّر كبير على فناء الشّركة النّاشئة، لأنّه بالإضافة إلى التشتّت فإنّه يقدّم لك "شيئا" لتقول إنّك تقوم به. إذا كنت تعمل على شركتك النّاشئة فقط وفشلت هذه الشّركة النّاشئة فهذا فشلك أنت أيضًا. أمّا ولو كنت في الجامعة وفشلت شركتك النّاشئة فيمكنك أن تقول لاحقا: "أوه، نعم كان لدينا مشروع شركة ناشئة كُنّا نعمل عليه على الهامش حين كنت في الجامعة، لكنّه لم يصل إلى أية نتيجة" لا يمكنك استعمال عبارات ملطفة مثل: "لم يصل إلى أية نتيجة" عن شيء يُعتبر نشاطك الوحيد لأنه وبكل بساطة لن يُسمح لك بالقيام بذلك. واحدة من الأشياء المهمة التي اكتشفناها من خلال العمل في Y Combinator أنّ المؤسسين يكونون أكثر حماسة بدافع الخوف من أن تسوء الأمور ويظهرون في موقف لا يُحسدون عليه أكثر من تحمّسهم بدافع الأمل في الحصول على ملايين الدولارات. إذن إذا كنت ترغب في الحصول على ملايين الدولارات فضع نفسك في وضعيّة حيث سيكون الفشل معلنا ومهينا. عندما التقينا لأوّل مرّة بمؤسسي "اوكتوبارت" (Octopart) بدا لنا أنهما ذكّيان جدًا ولكن لم يظهرا في مظهر الرهان الحقيقي الذي يُمكن أن يُكلّل بالنجاح، لأنهم لم يبدوا ملتزمين بالخصوص. أحد المؤسِّسَيْنِ كان لا يزال في الجامعة. وكانت القصة المعتادة: سينقطع عن الدراسة إذا أقلعت الشركة الناشئة. منذ ذلك الحين لم يتوقّف عن الدراسة فحسب ولكنه ظهر على صفحات "نيوزويك" مع عبارة "ملياردير" مطبوعة على صدره. لم يعد بإمكانه أن يفشل الآن. كان يعلم أنّ الجميع شاهدوا الصورة. الفتيات اللاّئي أسأن إليه في الجامعة شاهدن الصورة. أمّه ربّما علقتها على الثلاجة. سيكون من المهين أن يفشل الآن. عند هذه النقطة فقد صار ملتزما بالقتال حتى الموت. أتمنى لو تظهر كلّ الشركات الناشئة التي نموّلها في مقالات الـ "نيوزويك" واصفين إياهم بأنهم الجيل القادم من المليارديرات، لأنه حينها لا أحد سوف يستسلم منهم. لن أكون مازحًا لو قلت بأن نسبة النجاح حينها ستكون في حدود الـ90%. عندما تعرفنا على الـ "أوكتوبارت" (Octopart) لأول مرة كانوا مرحين مبتهجين. الآن حين نتحدّث إليهم يبدون مصمّمين متجهّمين. موزعو القطع الإلكترونية يحاولون سحقهم لفرض أسعارهم الاحتكارية. (إذا كان يبدو لك من الغريب أن الناس كانول لا يزالون يطلبون القطع الإلكترونية اعتمادًا على كاتالوجات ورقية سميكة في 2007 فهناك سبب لذلك. الموزّعون يريدون منع الشفافية التي تأتي من وجود الأسعار على شبكة الإنترنت). أحس بشيء من الأسى لأنّنا حوّلنا هؤلاء الناس المرحين خفيفي الرّوح إلى أشخاص متجهّمين مصمّمين. ولكنّ ذلك يحدث مع الواقع. إذا نجح مشروع ناشئ فستحصل على ملايين الدولارات ولكنّك لن تحصل على هذا النوع من المال بمجرّد الطلب. عليك أن تقبل أنّه سيكلّف قدرًا من الألم. وأيّا كانت الصعوبات التي ستواجه"أوكتوبارت" فأتوقع لهم النّجاح. ربّما سيتحّوّلون إلى شيء مختلف تمامًا لكنهم لن ينكفئوا جانبا ويزولون. هم أذكياء؛ ويعملون في مجال واعد ولن يستسلموا. كلّكم لديكم المُكوّنين الأولين. كلّكم أذكياء وتعملون على أفكار واعدة. النقطة التي ستُحّدد ما إذا ستكونون في نهاية المطاف مع الأحياء أو في عداد الأموات هي المكوّن الثالث: عدم الاستسلام. لذا، سأقول لكم الآن: المصاعب قادمة. إنها ملازمة للشركات الناشئة. احتمال إطلاق شركة والوصول إلى بيعها دون حدوث كوارث ضئيل جدًا. يجب عليكم أن لا تصابوا باليأس. فقط قولوا لأنفسكم "طيّب هذا ما كان 'بول' (Paul Graham) يتحدّث عنه. ماذا قال لنا أن نفعل؟ ألاّ نستسلم". ترجمة -وبتصرّف- للمقال How Not to Die لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
لو نظرت في قائمة المدن الأمريكية مرتبة بحسب السكان، فإنّ عدد الشركات الناشئة الناجحة للفرد الواحد يتباين بشكل كبير. كما لو أنّه قد تمّ رشّ معظم الأماكن بمبيد للشركات الناشئة. لطالما حيّرني هذا الأمر لسنوات. كنت أرى متوسّط المدن بمثابة مصيدة صراصير لطموحات الناشئين: الأذكياء وأهل الطموح يهرعون إليه، لكن لا تنبثق منه شركة ناشئة جديدة. لم يكن بإمكاني أن أحدّد بالضبط ما الّذي كان يحدث داخل المصيدة، أو بأكثر دقّة ما الّذي كان يفني كلّ الشركات الناشئة المحتملة [1]. قبل بضعة أسابيع اهتديتُ أخيرا إلى تبيّن الأمر. كنت أخطأتُ في تأطير المسألة. ليست المشكلة في أنّ معظم المدن تقتل الشركات الناشئة. إنها في كون الفناء هو الافتراضي بالنسبة للشركات الناشئة، ومعظم المدن لم تكن تنقذهم منه. بدل التفكير في أنّ معظم المدن قد تمّ رشّها بمبيد للشركات الناشئة، فمن الأجدر أن نفكّر أنّ معظم الشركات الناشئة متسمّمة، وقليلة هي الأماكن التي جرى رشّها بالترياق. الشركات الناشئة في أماكن أخرى تفعل بالضبط ما تفعله الشركات الناشئة عادة: الفشل. السؤال الحقيقي هو، ما الذي ينقذ الشركات الناشئة في أماكن مثل وادي السيليكون؟ [2] المحيطأعتقد أنّ هناك مكوّنين للترياق: التواجد في أماكن حيث إطلاق شركات ناشئة هو أفضل ما يمكن القيام به، وفرصة الالتقاء بأناس قادرين على مساعدتك. وما يجرّهما على حدّ سواء إنّما هو عدد العاملين على شركات ناشئة من حولك. المكوّن الأول مفيد بشكل خاص في المرحلة الأولى من حياة شركة ناشئة، عندما تنتقل من مجرّد الاهتمام بتأسيس شركة إلى تأسيسها بالفعل. إنّها وثبة بأتمّ معنى الكلمة أن تطلق شركة ناشئة. ولكن الأمر يبدو مألوفا في وادي السيليكون. [3] في معظم الأماكن، إذا أطلقتَ شركة ناشئة، سيعاملك الناس كما لو كنت عاطلا عن العمل. الناس في وادي السيليكون لن يُبهروا بك تلقائيا لمجرّد أنّك قمت بإطلاق شركة، لكنّهم سيولونك اهتمامهم. كلّ من زار وادي السيليكون ولو لبضعة مرات فقط يعرفون بأنّه يفضّل تجّنب الشّك بشكل قياسي، فلا مشكل إن كنت قليل الخبرة أو ما إذا لم تظهر فكرتك بأنّها واعدة في البداية لأنهم جميعا رأوا مؤسّسين ذوي خبرة محدودة وبأفكار غير واعدة تحولوا في سنوات قليلة إلى مليارديرات. أن يكون لديك أناس من حولك يهتمون بما تفعل هو نقطة قوّة منقطعة النظير. حتّى أكثر الناس عزيمة يتأثّرون بذلك. بعد زهاء عام من إطلاقنا لـ Y Combinator قلت شيئا لأحد الشّركاء في إحدى شركات الاستثمار الجريء VC المعروفة أعطاه انطباعا (خاطئا) أنّي أنوي إطلاق شركة ناشئة أخرى. أجاب دون تمهّل بشكل دفعني إلى أن أفكر في القيام بذلك حتّى وإن لم يدم تفكيري في الأمر سوى نصف ثانية. في أغلب المدن الأخرى، احتمال إطلاق شركة ناشئة لا يبدو واقعيًّا. في وادي السيليكون، لا يبدو الأمر واقعيا فحسب بل يُعتبر موضة. وهذا دون ريب ما يدفع إلى تأسيس شركات ناشئة من قبل كثير ممّن لا ينبغي لهم ذلك. ولكن أعتقد أنّ الأمر جيّد. قليلون هم الناس الذين يناسبهم إطلاق شركات ناشئة، ومن الصعب جدًّا التنبّؤ مسبقا (وأعرف ذلك عن تجربة بحكم أنني في مجال يدفعني إلى مُحاولة التّنبؤ بشكل مُسبق)، وبالتالي فإن وجود عدد كبير ممن لا يُفترض بهم إطلاق شركات ناشئة ومع ذلك يُطلقونها هو أمر صحّي. طالما كنت في مرحلة من عمرك حيث يمكنك تحمّل تبعات الفشل، فإنّ أفضل سبيل لمعرفة ما إذا كان يناسبك إطلاق شركة ناشئة هو أن تحاول ذلك. الفرصالمكوّن الثاني للترياق هو فرصة الالتقاء بأشخاص يمكنهم أن يقدموا لك العون. هذه القوّة تعمل في كلتي المرحلتين: سواء في الانتقال من الرغبة في تأسيس شركة ناشئة إلى تأسيس واحدة بالفعل أو في الانتقال من إطلاق شركة إلى النجاح. قوّة فرص اللقاءات تتناسب طردًا مع الأشخاص المحيطين بك المهتمين بالشركات الناشئة، إنها بمثابة الخلفيّة الإشعاعيّة التي تؤثّر في الجميع بالتساوي، ولكنها في ذروتها أكثر قوّة. فرص اللقاءات (Chance meetings) تتيح معجزات للتعويض عن الكوارث التي تعترض بشكل لافت الشركات الناشئة. في وادي السيليكون، تصيب الشركات الناشئة المصائب في كلّ الأوقات، تمامًا مثل ما يحدث مع الشركات الناشئة في كلّ مكان. السبب الذي يجعل الشركات الناشئة في وادي السيليكون تنجح هو أنّ أشياء عظيمة تحدث هنا أيضا. على سبيل المثال، تعدّ موقعًا لطلاب الجامعات وتقرّر الانتقال إلى وادي السيلكون في الصيف للعمل عليه. ثم في أحد شوارع الضواحي العشوائية في "بالو ألتو" (Palo Alto) يصدف أن تواجه "شين باركر" (Sean Parker) الذي يفهم المجال بشكل جيّد لأنّه كان قد أطلق مشروعا مماثلا هو نفسه ولأنه أيضا يعرف كلّ المستثمرين. وعلاوة على ذلك له رؤية معمّقة مُتقدّمة عن روّاد الأعمال الّذين يحتفظون بالسّيطرة على شركاتهم. لا يمكن أن تقول بالضبط كيف ستكون المعجزة، أو على الأقل إن كانت ستحصل واحدة لك. لكن ما يُمكن قوله هو: إذا كنت في مكان يُعتبر مركزًا للشركات الناشئة فإنّ أمرًا جيّدًا غير متوقّع سيحدث لك خاصة إذا كنت تستحقّه. أراهن على صحة ذلك حتى مع الشركات الناشئة التي نموّلها. بالرّغم من أننا نعمل جاهدين على حدوث هذه الأمور معهم عن قصد وليس من قبيل الصدفة فقط، إلّا أن مقدار ومُستوى فرص اللقاءات في وادي السيليكون عالٍ جدًّا بحيث يُعتبر أكبر بكثير ممّا يمكننا نحن تقديمه. تلعب فرص اللقاءات دورًا يشبه الدور الذي يلعبه الاسترخاء في توليد الأفكار. معظم الناس جربوا العمل الشاق على حلّ بعض المشاكل، ولعدم التمكن من حلّها، يستسلمون ويخلدون للنّمو ومن ثم قد يجدون الحلّ لدى استحمامهم في الصّباح. ما يسمح ببزوغ الحلّ هو السماح لأفكارك بالانجراف قليلا مما يُسبّب انجراف الأفكار التي دفعتك إلى الطريق الخاطئ الذي كنت تسلكه ليلة البارحة والانعراج إلى الطريق الصحيح المتاخم له. تسمح لقاءات الصدفة لمعارفك بجرفك بنفس الطريقة التي تنجرف فيها أفكارك لمّا تستحم. الأمر المهم أنّه في هذي الأمرين معًا يتمّ جرفك بالمقدار المُناسب فقط. اللقاء بين "لاري بيج" و"سيرجي برين" كان مثالا جيّدا. سمحا لمعارفهما بجرفهما لكن بمقدار بسيط فقط، التقيا مع بعض لما كانا يجتمعان مع شخص آخر كانا يتشاركان معه الكثير. بالنسبة إلى "لاري بيج" المكوّن الأهمّ للترياق كان "سيرجي برين" والعكس بالعكس. الترياق هو الناس. ليست البنية التحتية المادية لوادي السيليكون هي التي جعلت الأشياء تحدث، ولا الطقس ولا أيّ شيء من هذا القبيل. كلّ ذلك ساعد على الانطلاق ولكن الآن بحكم أن التفاعل مكتفٍ بذاته فالّذي يوجّهه هم النّاس. العديد من الملاحظين نوّهوا إلى أنّ أحد أكثر الأشياء تميّزا بخصوص مراكز الشركات الناشئة هو إلى أي مستوى يساعد الناس بعضهم البعض بدون توقّع الحصول على مقابل. لست متأكّدا لم هي كذلك. ربّما لأنّ الشركات الناشئة هي أبعد ما تكون من الألعاب التي تكون صفرية المُحصّلة (يعني ليربح البعض يجب على الآخرين أن يخسروا) مقارنة بأغلب أصناف الأعمال التجارية، فنادرًا ما يقتل الشركات الناشئة منافسون لها. أو ربّما لأنّ عددًا كبيرًا من أصحاب الشركات الناشئة لديهم خلفيّات في العلوم حيث يتمّ تشجيع التعاون. إن جزءً كبيرًا من مهمة Y Combinator هو تسريع تلك العمليّة. نحن أشبه ما نكون بوادي سيليكون في ثنايا وادي السيليكون، حيث كثافة الأشخاص العاملين في مجال الشركات الناشئة والرغبة في المساعدة مضخّمتان بشكل اصطناعي. أرقامكلا من مكوّنات الترياق (محيط محفّز للشركات الناشئة، وفرصة الالتقاء بأشخاص يساعدونك) – موجّهان بنفس الدّافع الخفي: عدد الأشخاص العاملين في الشركات الناشئة المُحيطين بك. حتّى تحدث مركزًا للشركات ناشئة تحتاج إلى العديد من الأشخاص المهتمين بالشركات الناشئة. هنالك ثلاثة أسباب. الأوّل، من الواضح، أنّه إن لم يكن لديك ما يكفي من الكثافة، ففرص اللقاء لن تحدث [4]. الثاني، أنّ شركات ناشئة مُختلفة تحتاج إلى عدد مُختلف من الأشياء المختلفة، ولذلك فأنت تحتاج إلى عدد من الأشخاص لتزويد الشركات الناشئة بما تحتاج إليه. "شين باركر" كان بالضبط ما يحتاج إليه فيس بوك في عام 2004. شركة ناشئة أخرى قد تكون محتاجة إلى شخص في مجال قواعد البيانات أو شخصا لديه معارف في مجال صناعة الأفلام. هذا واحد من دواعي تمويلنا لعدد عريض من الشركات، عرضيًّا. كلما كانت المجموعة أوسع كلما كانت فرصة التقائك بالشخص الذي يمتلك ما تحتاج إليه أكبر. السبب الثالث أنت محتاج إلى الكثير من الناس لإطلاق مركز للشركات الناشئة هو أنه لمّا يكون لديك ما يكفي من الأشخاص المهتمّين بنفس المشكل، فإنّهم سينطلقون في ضبط المعايير الاجتماعية له. وإنّه لأمر قيّم عندما يكون المناخ من حولك مُشجّعًا لك على القيام بأشياء كانت ستبدو من دونه طموحة جدًّا. في معظم البقاع يسحبك المناخ نحو الوسط. منذ أيّام طرتُ إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو. أسجّل هذا كلّ مرّة أحلّق فيها فوق الوادي: بطريقة ما يمكنك أن تشعر بشيء يحدث هناك. من الواضح أنه يمكنك الإحساس بالازدهار في الكيفية التي تُحفظ بها الأماكن. لكن هناك أنواعًا مختلفة من الازدهار. وادي السيليكون لا يبدو مثل بوسطن أو نيويورك أو لوس أنجلوس أو واشنطن. حاولت أن أجد كلمة أستعملها لوصف الشعور الذي يشعّه الوادي، وكانت الكلمة التي تبادرت للذهن: التفاؤل. هوامش[1] أنا لا أقول إنه من المستحيل أن تنجح في مدينة مع عدد قليل من الشركات الناشئة، ولكن الأمر أصعب. إذا كنت قادرًا على رفع روحك المعنوية الذاتية فيمكنك المُواصلة دون تشجيع خارجي. "ووفو" (Wufoo) كانوا متمركزين في "تامبا" (Tampa) ونجحوا. لكن فريق عمل "ووفو" كانوا منضبطين بشكل استثنائي. [2] بالمناسبة، هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الشركات الناشئة. أغلب الطموحات غير الاعتياديّة تفشل، ما لم يعكف الشخص الذي يحملها على إيجاد المُجتمع الصّحيح الذي يدعمها. [3] إطلاق شركة أمر اعتيادي لكن إطلاق شركة ناشئة أمر نادر. كنت تحدثتُ عن الفرق بينهما في مواضع أخرى، ولكن أساسا الشركات الناشئة هي أعمال تجارية صُمّمت لتنمو بسرعة. معظم الشركات الجديدة هي شركات خدمية وباستثناء حالات نادرة، لا تنمو هذه الشّركات بشكل سريع. [4] لما كنت أكتب هذا المقال حدث أمامي مثال حيّ عن تركّز المُهتمّين بالشركات الناشئة في وادي السيليكون. كنت أقود أنا وجيسيكا نقود دراجتينا إلى شارع الجامعة في بالو آلتو للغداء في Oren's Hummus الرائع. بمجرّد أن دخلنا صادفنا Charlie Cheever الذي كان يجلس بالقرب من الباب. ثم توقّفت أمامنا Selina Tobaccowala لإلقاء التّحيّة لمّا كانت خارجة. ثم أتى Josh Wilson ليأخذ ما طلبه عبر الهاتف. وبعد الغداء ذهبنا لأكل بعض المُثلّجات وفي طريقنا التقينا Rajat Suri. ولمّا وصلنا إلى محل المُثلّجات وجدنا Dave Shen هناك. وبمجرّد خروجنا التقينا بـ Yuri Sagalov. مشينا معه قليلا لنلتقي بـ Muzzammil Zaveri ومن ثم بـ Aydin Senkut. هذه هي حياتنا اليومية في بالو آلتو. لم نكن نحاول أن نلتقي بجميع هؤلاء فكل ما رغبت فيه هو وجبة غداء فقط. وأنا متأكّد بأنه مقابل كل رائد أعمال أو مُستثمر أعرفه من الذين التقيتهم هناك 5 آخرون لا أعرفهم. لو كان Ron Conway معنا لالتقى بـ 30 شخص يعرفهم. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Why Startup Hubs Work لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
يقوم حاليًّا أحد أصحاب الشركات الناشئة التي مولناها بالتفاوض مع مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، وقد سألني عن مدى إمكانية مؤسسي الشركات الناشئة على الحفاظ على الأغلبية التي تسمح لهم بفرض قراراتهم في مجلس الإدارة (retain control of the board) بعد دورة الاستثمار الأولى، وقال أن أغلب إجاباتهم كانت بالنفي. كان هذا صحيحًا لكن منذ عشر سنين مضت، ففي الماضي كان من النّادر أن يُحافظ مُؤسّسو الشّركات الناشئة على هذه الأغلبية بعد دورة الاستثمار الأولى Serie A. يتكون مجلس الإدارة التقليدي بعد دورة الاستثمار الأولى من اثنين من المؤسسين، اثنين من أصحاب رأس المال، وعضو مستقل، أما مؤخرًا فقد أصبح يتكوّن من عضو واحد مؤسس، مستثمر، ومستقل، وفي الحالتين يفقد المؤسّسون أغلبيتهم. ولكن ذلك لا يحدث دائمًا، فقد استطاع "مارك زوكربرج" الحفاظ على الأغلبية بعد الدورة الاستثمارية الأولى ولا يزال يحتفظ بها إلى غاية الآن، وأيضًا "مارك بينكوس" حافظ على الأغلبية في شركته "زينجا". لكن هل هذه مجرد استثناءات؟ ما هي نسبة المؤسسين الذين يحافظون على الأغلبية بعد الدورة الأولى؟ لقد سمعت عن العديد من الحالات من ضمن الشركات التي مولناها، لكن لم أكن متأكدًا من عددهم، لذلك راسلت الشركات التي على قائمة "YCfounders". فاجأتني الردود، ففي دزّينة من الشركات التي مولناها استطاع الأغلبية الحفاظ على أغلبية مقاعد مجلس الإدارة بعد الدورة الاستثمارية الأولى. أظن أننا هنا أمام نقطة تحول، فالعديد من أصحاب رؤوس المال يعطون الانبطاع كما لو أن فرصة حفاظ المؤسسين على أغلبية المقاعد بعد الدورة الأولى ضئيلة جدًا أو غير موجودة، الكثير منهم يحاولون أن يشعروك بالإحباط بمجرد أن تسأل، كما لو أنك ساذج أو مهووس بالسيطرة لمجرد سعيك في أمر كهذا. لكن المؤسسين الذين قرأت ردودهم لم يكونوا سُذّجًا ولا مهووسين بالسيطرة، وحتى لو كانوا كذلك -مثل "مارك زوكربرج"- فهم من السّذّج الذين ينبغي على الممولين الاستمرار في دعمهم أكثر وأكثر. إن حفاظ المؤسسين على أغلبية المقاعد بعد دورة الاستثمار الأولى هو أمرٌ أصبح موجودًا بوضوح، وباستثناء حدوث كارثة مالية ضخمة، فإن هذا الأمر سيصبح هو الطبيعي في السنة القادمة. إن التّحكّم في شركة ما يعد أمرًا أكثر تعقيدًا من مجرد الحصول على غالبية الأصوات في اجتماعات مجلس الإدارة، فالمستثمرين عادة ما يحصلون على حق "الفيتو" في بعض القرارات الكبيرة -مثل بيع الشركة- بغض النظر عن عدد المقاعد التي يملكونها في مجلس الإدارة، ونادرًا ما تنقسم الأصوات في تصويتات مجلس الإدارة، حيث أن القرارات يتم أخذها خلال المناقشة التي تسبق عملية التصويت، وليس في التصويت نفسه، والذي يخرج عادة بنتيجة مُتّفق عليها، لكن إذا انقسمت الأصوات في مثل هذه النقاشات، فإن الطرف الذي يشعر أنه قد يخسر في التصويت يميل لأن يكون أقل إصرارًا، وهذا ما يعنيه السيطرة على مجلس الإدارة في الواقع العملي. إنك لا تستطيع ببساطة أن تفعل ما تريد، سيظل مجلس الإدارة مجبرًا للعمل في مصلحة المساهمين في الشركة، لكن إذا كنت تسيطر على أغلبية مقاعد مجلس الإدارة، فإن آراءك حول ما يهم المساهمين ستكون هي الفائزة في النهاية. لذلك، وبينما أن السيطرة على مجلس الإدارة لا تعتبر سيطرة كاملة، فإنها ليست خيالية أيضًا، فهناك حتمًا فروقات فيما تبدو عليه الشركة من الداخل، ما معناه أنه إذا أصبح من الطبيعي لمؤسسي الشركات أن يحافظوا على سيطرتهم على مجلس الإدارة بعد الدورة الأولى، فهذا سوف يغير مسار الأمور في عالم الشركات الناشئة ككل. إن التغيير نحو الطبيعة الجديدة قد يكون سريعًا بشكل مفاجئ، لأن الشركات النّاشئة التي تستطيع الحفاظ على الأغلبية غالبًا ما تكون هي الشركات الأفضل، وهؤلاء هم من يحددون كيف تكون التوجهات العامة لكل من الشركات الناشئة وأصحاب رؤوس الأموال. إن كثيرًا من أصحاب رؤوس الأموال يتسمون بالقسوة عندما يتفاوضون مع الشركات الناشئة، والسبب الأكبر في ذلك هو أنهم يخشون أن يعودوا لشركائهم وهم مهزومون، فعندما يوقعون ورقة الشروط والأحكام، فهم يريدون أن يشعروا بالفخر من الشروط الجيدة التي حصلوا عليها. لكن الكثير منهم لا يهتم حقيقة ما إذا استطاع المؤسسون الحفاظ على سيطرتهم على مجلس الإدارة أم لا، هم فقط يريدون ألا يبدو وكأنّهم قدّموا تنازلات ما، ما معناه أنه إذا لم يعد السّماح للمُؤسّسين بالتّحكم في مجلس الإدارة يبدو تنازُلًا ، فسيتحول ذلك بسرعة إلى اتجاه عام عند الجميع. ككثير من التغييرات التي طرأت على أصحاب رؤوس الأموال، فإن هذا التغيير لن يتحول لمشكلة كبيرة كما قد يظنون، فهم سوف يحافظون على قدرتهم على الإقناع، لكنهم فقط لن يصبحوا قادرين على الإجبار، والشركات الناشئة التي سيُضطرّون إلى إجبارهم ليست بأي حال من الأحوال هي الشركات المهمة، حيث أن أصحاب رؤوس الأموال يصنعون أغلب ثروتهم من أهداف قليلة لكن كبيرة، وهذه الشركات لا تنتمي إلى هذه المجموعة. إذا علمنا بأن السّماح للمُؤسّسين بالسيطرة على مجلس الإدارة قد يُساعد أصحاب رؤوس الأموال على الاختيار بشكل أفضل. إذا علموا أنهم لا يستطيعون طرد المؤسسين فعليهم أن يختاروا المُؤسّسين الذين يُمكنهم الوثوق بهم منذ البداية، وهؤلاء هم من ينبغي اختيارهم طوال الوقت. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Founder Control لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
منذ بضعة أيام توصلت إلى نتيجة مهمة، وهي أن نجاحك كمؤسس شركة ناجحة يتوقف على كلمتين: الدهاء العنيد. حتى ذلك الحين كان أفضل ما استطعت الوصول إليه هو الكلمة المقابلة لكلمة: قليل الحيلة hapless، والتي تترجمها معظم القواميس بمعنى "قليل الحظ"، لكن القواميس لا تُترجم بشكل صحيح هنا، فإنه إذا كان فريقٌ ما يستطيع التغلب على خصمه في الملعب لكن يخسر المباراة بسبب قرار خاطئ للحكم فهذا يمكن تسميته سيء الحظ، لكن ليس قليل الحيلة. قليل الحيلة تعني السلبية، فكونك قليل الحيلة يعني انهزامك تحت وطأة الظروف من حولك، وأن تجعل العالم يتحكم فيك بدلاً من أن تتحكم أنت فيه [1]. لسوء الحظ فإنه لا يوجد كلمة مضادة لـ "قلة الحيلة"، مما يجعل من الصعب أن تخبر مؤسسي الشركات عما يجب أن يطمحوا له، فعندما تقول لهم "لا تكونوا قليلي الحيلة" فقد أوحيت لهم بأمر سلبي فقط.. ليس من الصعب التعبير مجازًا عن المهارة التي نبحث عنها، وأفضل تعبير عن ذلك هو مثال "running back" في كرة القدم الأمريكية، لتشغل هذا المنصب بشكل جيّد لا يكفي فقط أن تكون عنيدًا، لكن أن تكون مرنًا كذلك، تريد أن تصل إلى مرمى الخصم، لكن تستطيع أن تغير خططك في الطريق. للأسف هذا مجرد مجاز، وليس ذا معنى مع غالبية الناس خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فقولك لأحدهم "كن running back" ليس أفضل من قولك "لا تكن قليل الحيلة". لكن أخيرًا، استطعت أن أصل إلى التعبير المناسب لهذه الكلمة مباشرة، فعندما كنت أكتب كلمة لألقيها أمام بعض المستثمرين، وكنت مضطرًا أن أشرح لهم ما الذي ينبغي أن يبحثوا عنه في مؤسسي الشركات الناشئة، توقفت عند سؤال: ما هو المعني المقابل لكلمة "قلة الحيلة"؟ إنه "الدهاء بلا هوادة" relentlessly resourceful، ليس مجرد الجَلَد الذي يُرافق الأمر، فهذا ليس كافيًا لجعل الأمور تجري لصالحك إلا في بعض المجالات الرتيبة، أما في أي مجال ممتع آخر فستكون الصعوبات جديدة، ما يعني أنه لا يمكنك ببساطة أن تتجاوزها لأنك لا تدري من البداية كم هي صعبة، إنك لا تدري إن كنت ستصطدم بلوح من الفلين أو من الجرانيت، لذلك لابد أن تكون ذا دهاءٍ وحسن تصرف، وينبغي عليك أن تجرب دائمًا حلولاً جديدة. باختصار..كُن داهيةً عنيدًا. يبدو ذلك صحيحًا، لكن هل هذا وصفٌ دقيق لكيفية أن تكون ناجحًا بشكل عام؟ لا أظن ذلك، فهذه ليست وصفة للنجاح في الكتابة أو الرسم مثلًا، ففي أنواع كهذه من العمل فإن وصفة النجاح تعتمد أكثر على كونك شغوفًا ومبادرًا بشدة. الدهاء في التصرف يعني أن المشاكل هي من مصادر خارجية، وهذا هو نوع المشاكل الذي نجده عادةّ في الشركات الناشئة، لكن في الكتابة والرسم فإن المشاكل غالبيتها داخلية، والعائق الحقيقي هو ما تضعه أنت لنفسك من مثبّطات[2]. ومن المحتمل أن يكون هناك مجالات أخرى تصلح فيها وصفة النجاح هذه، لكن بالرغم من أن مجالات أخرى قد تشترك فيها، إلا أني أرى أنها أدق وأصغر وصف ممكن لما يُمكن أن يجعلك مؤسس شركة ناشئة ناجح، وأشك أيضًا في إمكانية اختصارها وجعلها أكثر دقّة من ذلك. والآن لقد عرفنا ما نبحث عنه، مما يدفعنا لأسئلة جديدة، مثلا: هل يمكن تعليم هذه المهارة؟ بعدما أمضيت أربع سنوات في محاولة تعليمها للناس، أستطيع القول أنه بالفعل يمكن تعليمها، ولغالبية الناس أيضًا، ليس للجميع، لكن للغالبية منهم [3]. بعض الناس سلبيون بالفطرة، لكن البقية لديهم قدرة كامنة ليكونوا أصحاب دهاء وحسن تصرف ويكفي فقط أن نُخرج ذلك للنور. وهذا صحيح خاصة مع الشباب حديثي السن الذين لا يزالون بشكل أو بآخر تحت نوع من أنواع السيطرة، فصفة الدهاء العنيد ليست بالطبع وصفة النجاح للشركات الكبيرة، ولا في معظم المدارس، لكني لم أرِد حتى التفكير في ماهية وصفة النجاح في الشركات الكبيرة، لكنها بالتأكيد ستكون وصفة أكبر وأكثر تشويشًا، متضمنة فيها خليطًا من الدهاء، الطاعة، وبناء الأحلاف. إن تحديد هذه المهارة يقربنا أيضًا من إجابة سؤال يحتار الناس فيه: ما هو العدد الشركات الناشئة التي يُمكن إطلاقها؟ لا يوجد في الحقيقة –كما يظن بعض الناس- حدًٌ أقصى لهذا العدد اقتصاديًا، ولا يوجد سبب لنؤمن أن هناك حدًا أقصى لأكبر عدد ممكن من مستهلكي الرفاهية، تمامًا مثلا أنه لا يوجد حدّ أقصى لعدد النظريات الرياضية التي يمكن إثباتها، لذلك فإن العامل المُحدِّد لعدد الشركات الناشئة هو عدد المؤسّسين المُحتملين في السوق، فبعض الناس يمكنهم أن يكونوا مؤسسين جيّدين، والبعض الآخر لا يُمكنهم ذلك، والآن يمكننا القول بما يصنع المؤسس الجيد، ونستطيع أن نضع حدًا أقصى لحجم السوق الذي يحتويهم. هذا الاختبار يصلح أيضًا للأفراد، فإذا أردت أن تعرف إذا كنت الشخص الأنسب لإنشاء شركة، فاسأل نفسك إن كنت ذا دهاءٍ عنيد أم لا، وإذا أردت أيضًا أن تعرف إذا كان ضمّ شخص ما كمؤسس شريك، اسأله إذا كان لديهم هذه الصفة أيضًا أم لا. تستطيع أيضًا استخدام هذه الحيلة في خططك الداخلية، فإذا كنت أدير شركة ناشئة، فستكون هذه هي الجملة التي سأعلقها على المرآة. "أن تصنع شيئًا يريده الناس" هذا هو المقصد، أما "أن تكون داهية عنيدًا" فهو كيفية الوصول إلى هناك. هوامش:أعتقد أن سبب خطأ القواميس هو أن معنى الكلمة قد تغير، فلا يستطيع من يكتب قاموسًا من الصّفر في عصرنا هذا أن يُعرّف قلة الحيلة بأنها سوء حظ، لكن منذ بضع مئات السنين قد يكون هذا صحيحًا، فقد كان الناس في الماضي تحت رحمة الظروف، وكنتيجة لذلك فإن كثيرًا من الكلمات التي نستخدمها للتعبير عن النتائج الإيجابية أو السلبية كان لها أصول مرتبطة بالحظ. عندما كنت أعيش في إيطاليا كنت أحاول أن أخبر إحداهم أني لم أحظ بالنجاح في عملٍ ما، لكني لم أستطع العثور على كلمة بالإيطالية تعني النجاح، وأمضيت معظم الوقت أحاول إيصال المعنى الذي أريده، وأخيرًا قالت هي: "نعم، تقصد الحظ". هناك بعض الجوانب في الشركات الناشئة تكون فيها وصفة النجاح هي الشغف والمبادرة، وهنا بعض الحالات التي يكون ما تفعله فيها هو ببساطة اكتشافًا جديدًا، لكن للأسف هذه الحالات تمثل نسبة ضئيلة من الكل. على جانب آخر نجد نفس الأمر في البحث أيضًا كنت أقول ذلك لمعظم الناس، لكن أدركت التالي: أولًا: أنا لا أعرف طبيعة أغلب الناس. ثانيًا: أنا مؤمن بشكل مَرَضي بقدرة الناس على التغيير. ترجمة -وبتصرّف- للمقال: Relentlessly Resourceful لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
الطريقة الأفضل لتوليد أفكار للشركات الناشئة هي أن تطرح على نفسك السؤال التالي: ما الذي تتمنَّى أن يصنعه أحدٌ لك؟ ثمَّة نوعان من أفكار الشركات الناشئة: تلك التي تنبع بصورةٍ طبيعيةٍ من حياتك نفسها، وتلك التي تُقرر أنت أنها ستكون ضرورية لفئةٍ ما من المستخدمين المختلفين عنك. كانت «أبل» من النوع الأول؛ فقد تأسست لأن «ستيف ووزنياك» كان يريد حاسبًا آليًا. وعلى عكس معظم من يريدون حاسبًا آليًا، كان باستطاعته تصميم واحدٍ؛ ففعل. وبما أن الكثيرين أرادوا الأمر ذاته، استطاعت «أبل» بيع ما يكفي لتشغيل الشركة. ما زالوا يعتمدون على المبدأ ذاته الآن تلقائيًا، فكان «آيفون» هو الهاتف الذي أراده «ستيف جوبز».[1] كان تطبيقنا الخاص، Viaweb، من النوع الثاني؛ فقد صنعنا برنامجًا لبناء المتاجر الإلكترونية. لم نكن نحتاج لهذا البرنامج؛ فلم نكن مسوِّقين مباشرين. وعندما بدأنا عملنا لم نكن حتى نعلم أن مستخدمينا يُطلق عليهم اسم «مسوِّقون مباشرون». ولكننا كنا كبار السن نسبيًا عندما بدأنا تلك الشركة (كنتُ أنا في الثلاثين، و«روبرت موريس» في التاسعة والعشرين من العمر)؛ لذا كنا قد رأينا ما يكفي لجعلنا ندرك أن المستخدمين سيحتاجون هذا النوع من البرامج. [2] ليس ثمَّة خطٌ فاصلٌ بين هذين النوعين من الأفكار، ولكن يبدو أن الشركات الناشئة الأكثر نجاحًا هي الأقرب إلى نوع «أبل» وليس إلى نوع Viaweb. عندما كان «بيل غيتس» يكتُب مُفسرًا بلغة «Basic» لأول مرة لحاسب «Altair»، كان يكتب شيئًا قد يرغب هو في استخدامه، كما فعل «لاري» و«سيرغي» حين كانا يكتبان النسخ الأولى من «غوغل». الأفكار الطبيعية هي الأفضل عمومًا للنوع المبتكر، وخصوصًا عندما يكون المؤسسون صغار السن؛ فتوقُّع ما يريده الآخرون يتطلب خبرةً. إن أسوأ الأفكار التي نراها في Y Combinator تكون نابعة من مؤسسين شباب يصنعون أشياءً يظنون أن الآخرين يريدونها. لذا إذا كنتَ ترغب في تأسيس شركة ناشئة ولا تعرف بعد ماذا ستفعل، أشجِّعك على أن تركز أولًا على الأفكار الطبيعية، ما الأمر الناقص أو المُعطَّل في حياتك اليومية؟ أحيانًا قد تحصل على إجابات فورية إذا طرحتَ ذلك السؤال فقط. لابد أن «بيل غيتس» قد شعر بعطلٍ واضح في عدم إمكانية برمجة «Altair» سوى عبر لغة الآلة. ربما تحتاج إلى أن تقف خارج نفسك قليلًا لترى العلة لأنك ستكون قد اعتدت عليها واعتبرتها مُسلَّمًا بها، ولكنك مع ذلك ستكون متأكدًا من وجودها. هناك دائمًا أفكار رائعة أمام أعيننا مباشرةً. في عام 2004 كان من السخيف أن يظل طلاب «هارفارد» يستخدمون ما يشبه «فيس بوك» على الورق؛ كان لابد أن يُصبح مثل هذا الشيء إلكترونيًا. هناك أفكار متناثرة حولك الآن بوضوح، وسبب تجاهُلك لها هو نفس السبب الذي كنت ستتجاهل من أجله فكرة إنشاء «فيس بوك» في عام 2004؛ وهو أن أفكار الشركات الناشئة الطبيعية لا تبدو عادةً كأفكار للشركات الناشئة في البداية. نحن نعلم الآن أن «فيس بوك» ناجحٌ للغاية، ولكن عُد بالزمن إلى عام 2004، لم يكُن وضع الطلاب لبياناتهم في حسابات على الإنترنت يبدو كثيرًا كفكرة لشركة ناشئة، وهي لم تكُن كذلك في البداية في حقيقة الأمر. عندما تحدّث مارك هذا الشتاء في عشاء أقامته YC قال أنه لم يكُن يحاول تأسيس شركة عندما كتب النسخة الأولى من فيس بوك، بل كان مجرد مشروع. وكذلك كانت آبل عندما بدأ ووزنياك في العمل عليها في البداية، فلم يكن يعتقد أنه يؤسس شركة. إذا كان هؤلاء الشباب قد اعتقدوا أنهم يؤسسون شركات، ربما كانوا ليميلوا نحو فعل شيء أكثر «جديةً»›، وكان ذلك ليكون خطأً. لذا إذا أردت أن تولِّد أفكارًا طبيعية لشركةٍ ناشئة، أشجعك على التركيز أكثر على الجزء الخاص بالفكرة وأقل على الجزء الخاص بالشركة. أصلح الأشياء التي تبدو مُعطَلة فقط بغض النظر عمَّا إذا كانت المشكلة تبدو مهمة بما يكفي لتأسيس شركة بناءً عليها. إذا استمرّيتَ في تتبُّع تلك الخيوط سيكون من الصعب ألَّا تصنع شيئًا ذا قيمة للكثير من الناس في نهاية الأمر؛ وعندما تفعل ذلك، ستكون المفاجأة بأنّك قد أسست شركة [3] لا تسمح للإحباط أن يُصيبك إذا هزأ الآخرون مما أنتجته في البداية واعتبروه لعبة؛ فهذه في حقيقة الأمر علامة جيدة. لهذا السبب على الأرجح ظل الآخرون جميعًا يتجاهلون الفكرة. تعرضت الحواسب الآلية الصغيرة الأولى للسخرية باعتبارها لعبة، وكذلك الطائرات الأولى، والسيارات الأولى. والآن عندما يأتينا أحدٌ بفكرة قد يحبها المستخدمون ولكن يمكننا تصور السخرية التي ستتعرض لها، يجعلنا ذلك نميل أكثر إلى الاستثمار فيها. وبينما يكون المؤسسون الشباب في ظروفٍ سيئة عند توليد أفكار مبتكرة، إلا أنهم المصدر الأفضل للأفكار الطبيعية لأنهم في طليعة التكنولوجيا، فهم يستخدمون أحدث الأشياء. ولأنهم يستخدمون أحدث الأشياء؛ فهم في موضعٍ يُمكِّنهم من اكتشاف أنواع قيِّمة من الأعطال القابلة للإصلاح قبل أي أحد آخر. ليس هناك ما هو أكثر قيمة من حاجة لم تتم تلبيتها بعد وأصبحت قابلة للتلبية والتنفيذ. إذا وجدتَ شيئًا معطلًا وأمكنك إصلاحه للكثير من الناس فقد عثرتَ على منجم ذهب. وكما هو الحال فيما يختص بمنجم الذهب الحقيقي، سيكون عليك أيضًا أن تعمل بجدٍ لاستخراج الذهب منه، ولكنك تعرف على الأقل أين يكمن الحل؛ وهذا هو الجزء الصعب. الهوامش[1] يشير ذلك إلى طريقةٍ للتنبؤ بمواضع نقاط ضعف آبل؛ وهي الأشياء التي لا يستخدمها ستيف جوبز، فأشكُ على سبيل المثال أنه كان مُهتمّا بالألعاب كثيرًا. [2] وبالنظر إلى الماضي، كان علينا أن نصبح مسوقين مباشرين. إذا صنعتُ Viaweb ثانيةً منذ البداية، كنتُ سأفتتح متجرنا الإلكتروني الخاص؛ فقد كنا سنفهم المستخدمين على نحوٍ أفضل كثيرًا إذا ما فعلنا ذلك. أشجع أي شخصٍ يؤسس شركة ناشئة أن يصبح واحدًا من مستخدميها، مهما بدا ذلك غير طبيعي. [3] هناك استثناء ممكن؛ فمن الصعب التنافس مباشرةً مع البرامج مفتوحة المصدر، يمكنك بناء أشياء للمبرمجين، ولكن لابد أن يكون هناك جزء يمكنك تقاضي مالًا في مقابله. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Organic Startup Ideas لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
هناك الكثير من الأفكار لشركات ناشئة أمام أعيننا، لكن أحد أسباب عدم رؤيتنا لها هي ظاهرة أسميها "عَمَى الأعمال المُملّة" أو schlep blindness بالإنجليزية. schlep في الأصل هي كلمة يديشية لكن انتشرت وأصبحت متداولة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعني مهمة "مملة" أو "كريهة". لا أحد يحب المهام المملة المزعجة، خاصة مُحترفو التقنية Hacker حيث أنهم يكرهونها بشدة، فمعظمهم خاصة الذين يُطلقون شركات ناشئة يتمنون لو كان باستطاعتهم تحقيق النّجاح عبر الاكتفاء بكتابة برنامج ورفعه على خادوم ثم الجلوس لمُشاهدة زحف الدولارات إلى حساباتهم البنكية دون الحاجة إلى التحدث مع المستخدمين أو التفاوض مع شركات أخرى أو عقد صفقات مع أناس آخرين. قد يكون ذلك ممكنًا، لكني لم يسبق لي أن شاهدته. أحد الأشياء التي نقوم بها في "Y Combinator" هو تعليم روّاد الأعمال بأن هذه المهام المملة شرّ لا بد منه، حيث أنك لا تستطيع أن تبدأ شركة ما بمجرد كتابة شيفرة التّطبيق فحسب. لقد أدركت ذلك بنفسي، خلال 1995 عندما كنت أحاول أن أقنع نفسي أني أستطيع إنشاء شركة بمُجرّد التركيز على الجانب البرمجي لها، لكن تعلمت سريعًا –بالخبرة- أن المهام المملة ليست ضرورية فحسب، لكنّها أساس إطلاق الشركة. يتم تحديد نعالم الشركة من خلال المهام المملة التي يتوجّب عليك القيام بها، وينبغي التعامل مع هذه المهام بنفس طريقة التعامل مع حوض سباحة ماؤه بارد: كلّ ما عليك القيام به هو أن تقفز إليها. لكن هذا ليس معناه أن تبحث عن الأعمال المملة بنفسك، كل ما ينبغي عليك القيام به هو ألا تهرب منها إذا صادفتها في طريقك لعمل شيء عظيم. إن أخطر شيء فيما يخص كرهنا لتلك المهام هو جانب اللاوعي الذي يُرافقها، حيث أن عقلك اللاواعي لن يعطيك حتّى فرصة مُشاهدة هذه الأفكار التي تحتوي على مهام مملة، وهذا بالضبط هو "عَمَى الأعمال المُملّة" schlep blindness ولا تقتصر هذه الظاهرة فقط على الشركات الناشئة، فمعظم الناس لا يقررون بكامل وعيهم أنهم لن يحصلوا على قوام رياضي يشبه أبطال الأولمبياد مثلاً، عقولهم اللاواعية هي التي تقرر ذلك نيابة عنهم، مبعدة إياهم عن العمل الممل المطلوب لذلك. أقوى مثال أعرفه عن "عَمَى الأعمال المُملّة" هو شركة "Stripe" أو بالأحرى فكرة الشركة نفسها، فخلال عقد كامل، لم يسلم أي مُبرمج احتاج أو تعامل مع الدّفع الإلكتروني من التّعرض لهذه المُشكلة. آلاف الناس يعرفون عن هذه المشكلة، ورغم ذلك، عندما يقومون بتأسيس شركات ناشئة فإنهم يقررون أن يبنوا مواقع لوصفات طبخ، أو مواقع لتجميع الأحداث المقامة محليًا. هذا الأمر يدفعنا إلى التّساؤل، لماذا العمل على مشاكل لن يهتم لها سوى قلّة من النّاس ولا أحد يدفع من أجلها المال، في حين أنه يمكنك العمل على إصلاح واحدة من أهم مكونات البنية التحتية في العالم؟ ذلك لأن "عَمَى الأعمال المُملّة" يمنع الناس من مجرد التّفكير في إصلاح مشكلة الدفع الإلكتروني. تقريبًا لا أحد من الذين تقدموا لـ "Y Combinator" للعمل على موقع لوصفات الطبخ بدأ بسؤال "هل ينبغي أن نصلح مشكلة الدفع الإلكتروني أم أن نبدأ موقعًا لوصفات الطبخ؟" واختار بعد ذلك موقع الطبخ، فبالرغم من أن فكرة إصلاح الدفع الإلكتروني كانت موجودة من البداية، لكنهم لم يروها لأن عقولهم اللاواعية أبعدتهم عن التعقيدات المتوقعة في الفكرة. ينبغي عليك إبرام عقود مع البنوك، وأن تطّلع على آلية القيام بذلك، بالإضافة إلى أنك ستقوم بتحويل الأموال، وهذا يعني أنك مضطر أن تتصدّى للمحتالين، وللذين يُحاولون اختراق خواديمك بشكل مُستمر، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من القوانين التي يجب أن تتقيد بها، فإن كل هذا يعتبر أمرًا مخيفًا لتؤسس شركة ناشئة، وليس الوضع كذلك عندما تنشئ موقعًا عن الطبخ. هذا الخوف يجعل الأفكار الطموحة قيّمة بشكل مضاعف، فبالإضافة إلى قيمتها الداخلية، فإنه يُساء تقدير قيمتها أيضًا بحكم أن قلّة من المُؤسّسين يتّجهون نحوها. إذا اخترت فكرة طموحة، ستحصل على منافسة أقل، لأن الآخرين جميعًا سيخافون من التحديات المتضمنة عليها الفكرة (نفس الأمر ينطبق على فكرة تأسيس شركة ناشئة). كيف تتغلب على عَمَى الأعمال المُملّة؟ في الحقيقة، فإن أقوى علاج لعَمَى الأعمال المُملّة الجهل بحقيقة الأمور. معظم مؤسسي الشركات الناجحين يقولون أنهم إذا كانوا يعرفون عندما بدؤوا شركاتهم حجم العوائق التي ستواجههم ما كانوا ليفكّروا في تأسيسها منذ البداية، وقد يفسر هذا السبب الذي يجعل معظم مؤسسي الشركات الناجحة الآن من الشباب. عمليًا، فإن المؤسسين ينضجون مع المشاكل، لكن يبدو أن لا أحد يستطيع التنبؤ بذلك، ولا حتى المؤسسين الأكبر سنًا والأكثر خبرة، لذلك فإن السبب في تميز المؤسسين الصغار هو أنهم يرتكبون خطأين يُبطل أحدهما مفعول الآخر، هم لا يعلمون إلى أي مدى يُمكنهم أن ينموا، لكنهم أيضًا لا يعرفون ما هو الحجم الذي يحتاجون أن يصلوا إليه في نموهم هذا، أما المؤسسين الأكبر سنًا فسيرتكبون الخطأ الأول فقط. لكن بالرغم من ذلك فإن الجهل لن يحل كل شيء، فبعض الأفكار تحتوي قدرًا عاليًا من الأعمال المُملّة بشكل يجعلها ظاهرة للجميع. لكن كيف يُمكنك أن تتصيّد مثل هذه الأفكار؟ الحل التي أنصح به هي أن تُخرج نفسك من الصورة، فبدلاً من أن تسأل "أي المشاكل عليّ أن أحلها؟" اسأل "أي المشاكل أتمّنى أن يقوم أحدهم بحلّها لي؟"، فإذا كان أحد الذين واجهوا مشاكل مع الدّفع الإلكتروني قد سبق لهم أن طرحوا هذا التّساؤل فستكون Stripe هي الإجابة عليه.. إن كان من المتأخر جدًا إطلاق Stripe أخرى الآن فإن هناك الكثير من المشاكل التي لا تزال تنتظر حلولًا إذا كنت تعرف كيف تقتنصها. ترجمة -وبتصرّف- للمقال schlep blindness لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
-
طُلبت منّي الكتابة حول الصّفات التي نبحث عنها في روّاد الأعمال الذين ينضمّون إلى Y Combinator. هذا المقال يُجمع هذه النّقاط ويُلخّصها بشكل سريع. 1- الإصرارلقد أصبحت هذه الصفة هي الأهم على الإطلاق عند مؤسسي الشركات، لقد ظننا عندما بدأنا Y Combinator أن أهم صفة هي الذكاء، وهذه هي الخرافة المنتشرة في وادي السيليكون، لكن طبعًا أنت لا تريد من مؤسسي الشركات أن يكونوا أغبياء، لكن طالما كانوا متجاوزين لحدٍ مُعيّن من الذكاء، فإن الأهم هنا سيصبح الإصرار. سوف تجد الكثير من العقبات، فلا يمكنك حينها أن تكون من ذلك النوع من الناس الذين يفقدون روحهم المعنوية بسهولة. "بيل كليريكو" و "ريتش أبرمان" مؤسسا "WePay" مثال جيد على ذلك، فهم يبنيان شركة في المجال البنكي/المصرفي، ما يعني مفاوضات لا تنتهي مع شركات كبيرة وبيروقراطية للغاية، وعندما تُطلق شركة تعتمد على الصفقات مع الشركات الكبيرة فقط من أجل أن تتواجدٍ في السوق، فإنك ستشعر أنهم يحاولون تجاهلك ومنعك من الوجود أصلاً. لكن عندما يطلب "بيل كليريكو" منك طلبًا فغالبًا سوف تنفذ ما يطلبه منك لأنه ببساطة سيُصرّ إصرارًا يندر أن تجد له مثيلًا. 2- المرونةلكنك أيضًا لا تريد ذلك النوع من الإصرار الذي يتمثل في عبارات مثل "لا تتخلَّ عن أحلامك". يصعب التّنبّؤ في عالم الشركات الناشئة بشكل كبير، لدرجة أنك ستضطر لتعديل أحلامك خلال الرحلة، وأفضل مجاز سمعته يعبر عن هذا الخليط من الإصرار والمرونة هو مثال "running back" في كرة القدم الأمريكية، فهو مصمم على الوصول لمرمى الخصم، لكن في أي لحظة قد يحتاج إلى أن يجري في جانبي الملعب أو حتى للخلف حتى يصل إلى مقصده. يعتبر أفضل من يوصف بالمرونة الآن هو "دانيال جروس" مؤسس "Greplin"، فقد تقدم لـ "YC" بفكرة مشروع تجارة إلكترونية سيئة، وقد أخبرناه أننا سوف نموله إذا قام بشيء آخر، ثم فكر لثانية، وقبل الأمر. مرّ بعد ذلك بفكرتين مُختلفتين قبل أن يستقرّ أخيرًا على فكرة "Greplin"، وقد عمل عليها ليومين فقط قبل عرضها أمام المستثمرين في "يوم العروض" Demo Day، لكنه حظي باهتمام كبير. 3- الخيالبالطبع فإن الذكاء مُهمّ جدًا، لكن يبدو أن الأمر الأهم هو الخيال، فليس من المهم أن تكون قادرًا على حل مشكلات محددة مسبقًا بطريقة سريعة، إلا أنه من المهم جدًا أن تأتي بأفكار جديدة ومفاجئة. ففي عالم الشركات الناشئة معظم الأفكار الجيدة تبدو سيئة في البداية، فإذا كانت جيدة بوضوح فلابد أن هناك من يقوم بها الآن، لذلك فأنت تحتاج ذلك النوع من الذكاء الذي ينتج أفكارًا بالمستوى المطلوب من الجنون. شركة "Airbnb" هي مثال على ذلك، ففي الحقيقة عندما قمنا بتمويلها اعتقدنا أنها فكرة في غاية الجُنون حيث لم نستطع أن نتخيل أن هناك الكثير من الناس سوف يرغبون في الإقامة في أماكن أناس غيرهم، ولقد مولناهم لأن المُؤسّسين أعجبونا للغاية، وبمجرد أن سمعنا أنهم كانوا يدعمون أنفسهم عن طريق بيع وجبات الإفطار الخاصة بالحملات الانتخابية لـ"أوباما" و"ماكاين"، قمنا بتمويلهم، واتضح لنا في النهاية أن الفكرة كانت في الجانب الصحيح من الجنون. 4- التمردبالرغم من أن معظم المؤسسين الناجحين هم أناس طيبون، إلا أن لديهم بريقًا خاصًا في أعينهم، فهم ليسوا طيبين طيبة ساذجة، بل نجد فيهم لمسة من التّمرّد. فهم سيحاولون أن يحترموا القوانين والمشي وفق الخطوط العريضة بشكل عام، لكن لن توقفهم دقائق الأمور، ولهذا استخدم وصف "التمرّد" بدل "الشر" في وصفهم. هم يبتهجون بكسر القواعد والقوانين، لكن ليس القواعد المهمة، لكن هذه الصفة قد تكون مُضمّنة في صفة الخيال. "سام ألتمان" مؤسس "Loopt" هو واحد من أكثر الخريجين نجاحًا، لذلك سألناه عن السؤال الذي ينبغي أن نضعه في استمارة "YC" لنستطيع اكتشاف أشخاص آخرين مثله، وأجاب بأن نسأل عن وقتٍ ما قام به الناس بقرصنة شيء ما لمصلحتهم، والقرصنة هنا من منظور التغلب على نظام مُعيّن، وليس اختراق أجهزة الكمبيوتر، وقد أصبح هذا السؤال واحدًا من أهم الأسئلة التي نوليها اهتمامًا خاصًا عندما نفحص طلبات الانضمام. 5- الصّداقة ثبت عبر التجربة أنّه من الصعب إطلاق شركة ناشئة بمؤسس واحد فقط، فمعظم النجاحات الكبيرة لديها اثنان أو ثلاثة، وينبغي أن تكون العلاقة بينهم قوية للغاية، فينبغي أن يكونوا محبين لبعضهم بصدق وإخلاص، وقادرين على العمل معًا. يعتبر "إيميت شير" و "جاستين كان" مؤسسي "Justin.tv" مثالاً جيدًا لأصدقاء مقربين يعملون جيدًا مع بعضهم البعض، فقد تعرفوا على بعضهم البعض منذ المرحلة الابتدائية، ويستطيعون عمليًا قراءة أفكار بعضهما البعض، لكني متأكد من أنهم يتناقشان ويختلفان، مثلهما مثل جميع مؤسسي الشركات، لكني لم ألحظ أبدًا ولو مرة واحدة أي خلافٍ غير قابل للحل بينهما. ترجمة -وبتصرّف- للمقال What We Look for in Founders لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
- 1
-
- y combinator
- بول جراهام
-
(و 1 أكثر)
موسوم في:
-
لو كان العالم ثابتًا لاستطعنا تعزيز ثقتنا بأفكارنا ومعتقداتنا باستمرار، فكلما زادت التجارب (كمّا ونوعًا) التي يمر بها اعتقاد مُعيّن كلّما ندر أن تكون خاطئة. معظم الناس يؤمنون بآرائهم وأفكارهم على حسب هذا النّهج، وهم على صواب لمّا يتعلّق الأمر بأشياء التي لا تتغير كثيرًا مثل الطبيعة البشرية، لكنك لا تستطيع أن تثق بآرائك بهذه الطريقة مع الأشياء المتغيرة، والتي تشمل –عمليًا- كل شيء آخر خارج دائرة الطبيعة البشرية. عندما يخطئ الخبراء في أمر ما، يكون ذلك عادة لأنهم في الحقيقة خبراء في نسخة أقدم من العالم الحالي. هل من الممكن تجنب ذلك؟ هل تستطيع أن تحمي نفسك من الأفكار والمعتقدات القديمة؟ إلى حدٍ ما، نعم يمكن، لقد أمضيت ما يقرب من عقد كامل في الاستثمار في شركات ناشئة في مراحلها المُبكّرة، وأستطيع القول أن ما تحتاجه فعلا لتنجح كمستثمر للشركات الناشئة هو السعي بفضول كافٍ لحماية نفسك من الأفكار القديمة. معظم أفكار الشركات الناشئة الجيدة تبدو أفكارًا سيئة في البداية، ويبدو مُعظمها سيئًا خصوصًا لأن تغيرًا ما في العالم نقلهم من خانة السّيّء إلى الجيد. لقد أمضيت وقتًا طويلاً لأتعلم كيف أميز هذه الأفكار، وقد تصلح التقنيات التي استخدمتها للاستخدام على جميع الأفكار بشكل عام. أول خطوة هي الإيمان الحقيقي بالتغيير، فأولئك الذين يقعون ضحية الثقة المتزايدة بآرائهم يستنتجون بشكل مطلق أن العالم ثابت لا يتغير، أما إذا ذكّرت نفسك باستمرار أنه عالم متغير، ستبدأ في البحث عن التغيير. أين يمكن البحث عن التغيير؟ بعيدًا عن التعميم أن الطبيعة البشرية لا تتغير كثيرًا، فإن الحقيقة الصادمة هي أن التغيير يصعب توقعه، وقد يعتبر هذا سردًا مُملاً لكنه يستحق أن نتذكره دائمًا، أن التغيير يحدث عادة من المناطق غير المتوقعة. لذلك أنا لا أحاول حتى توقعه، فعندما يطلبون مني في المقابلات أن أتوقع المستقبل، عادةً ما أجاهد بشدة كي آتي بشيء قد يبدو معقولاً ظاهريًا، مثلي كمثل تلميذ لم يكن مستعدًا للاختبار [1]، لكن ذلك ليس كسلاً مني في أن أستعد للإجابة، لكنه يبدو لي أن الأفكار والمعتقدات التي تتكلم عن المستقبل نادرًا ما تكون صحيحة ولذلك لا تستحق التمسك بها والجمود عليها أكثر من اللازم، وأن أفضل استراتيجية هي ببساطة أن تكون ذا عقلٍ متفتح جدًا. بدلاً من أن تحاول أن تضع نفسك في الطريق الصحيح، فقط اعترف أنك لا تدري ما هو الطريق الصحيح حقًا، وكن مستعدًا وحساسًا جدًا لرياح التغير. من المُستحسن أن يكون لديك بعض الفرضيات التي تستخدمها، حتى لو أصبحت مقيدًا بها بعض الشيء، لأنها أيضًا قد تعطيك حافزًا للتقدم، فملاحقة الأهداف وإجابات الأسئلة المحيرة بالطبع يثير الحماسة، لكن يتوجب عليك أن تلتزم بجعلها لا تتعدى كونها مجرد فرضيات قابلة للتغيير [2]. أنا أؤمن أن نظرتي السلبية هذه فعالة ليس فقط في تقييم الأفكار الجديدة، لكن أيضًا في الحصول على أفكار، فإن الحصول على أفكار جديدة لا يحدث بمحاولة ابتكارها، لكن بمحاولة حل المشاكل، وعدم طرد الأفكار الغريبة التي تواجهك خلال عملية البحث تلك. إن رياح التغيير تنبع من العقل اللاواعي للخبراء في مجال ما، إذا كنت خبيرًا بدرجة كافية في أمر ما، فإن أي فكرة غريبة أو سؤال يبدو غير مرتبطًا بالموضوع قد تكون فرصة لفكرة تستحق استكشافها [3]. في حاضنة "Y Combinator" عندما توصف فكرة ما بأنها مجنونة فإن هذا يعتبر في الحقيقة مدحًا، بل وقد يعتبر مدحًا أفضل من أننا لو اكتفينا بوصفها فكرة جيدة. لدى مستثمري الشركات الناشئة محفزات قويّة لتصحيح الأفكار القديمة البالية، إذا أدركوا قبل غيرهم من المستثمرين أن إحدى الشّركات التي لا تبدو واعدة هي فعلا واعدة فإنّه سيكون بمقدورهم تحقيق الكثير من الأرباح من وراء ذلك، لكن هذه المحفزات ليست مادية فقط، فإن آراء المستثمرين يتم اختبارها بشكل مُباشر: حيث تأتي إليهم الشركات الناشئة وعليهم أن يجيبوا بالقبول أو الرفض، ومن ثم يكتشفون إذا كانت آراؤهم صحيحة أم لا، واعلم أن المستثمرين الذين رفضوا فكرة "جوجل" حين عُرِضَت عليهم سيتذكرون ذلك لبقية حياتهم. إن استطاع أحدهم أن يحظى بالحس اللازم للمقامرة على الأفكار بدلاً من مجرد التعليق عليها ونقدها فهو بذلك لديه محفزات مشابهة لما عند المستثمرين، ما يعني أن أي شخص يريد الحصول على هذه التحفيزات يستطيع أن يفعل ذلك بمجرد تحويل تعليقاته لمراهنات: فعندما تقوم بالكتابة عن موضوع ما بطريقة عامة وتعلم بأن ما ستكتبه سيُعمّر طويلا، فستجد نفسك مهتمًا أكثر بإتقان الموضوع وتحرّي الصّحة والدّقّة أكثر مما يفعل الناس في المحادثات العادية [4] . لقد اكتشفت وسيلة أخرى لحماية نفسي من الأفكار القديمة وهي التركيز بداية على أصحابها بدلاً من الأفكار في حد ذاتها، فبالرغم من أنه من الصعب توقع طبيعة الاكتشافات المستقبلية، فقد وجدت أني أستطيع أن أتوقع جيدًا ما هي نوعية الناس الذين سيقومون بهذه الاكتشافات، فالأفكار الجديدة الجيدة تأتي من أولئك الجادين، الممتلئين بالحماس، ذوي العقول المتفتّحة. إن الرهان على الأشخاص بدلاً من الأفكار وفر عليَّ وقتًا عظيمًا كمستثمر، يومًا ما اعتقدنا أن "Airbnb" مثلاً كانت فكرة سيئة، لكن بدا لنا بأن مؤسسيها كانوا جادين، متحمسين، وذوي عقول متفتحة –بالفعل بشكل مَرَضي- ولذلك خالفنا أفكارنا وقمنا بتمويلهم. وها هي فكرة أخرى يفضل أن يتم تطبيقها بشكل عام، أحط نفسك بالناس الذين يأتون بالأفكار الجديدة، وإذا أردت أن تلاحظ بسرعة متى تصبح أفكارك قديمة، فليس هناك ما يمكن عمله أفضل من مرافقة أولئك الذين –بفضل اكتشافاتهم- يستطيعون مساعدتك في ذلك. إنه لمن الصعب حقًا أن تنجو من كونك حبيسًا لمعتقداتك وخبراتك، لكن الوضع لن يزداد إلا صعوبة لأن التغيير يحدث بشكل متسارع، وهذا ليس اتجاهًا حديثًا، فإن التغيير ظل متسارعًا منذ العصر الحجري، والأفكار تولد الأفكار، وأنا لا أتوقع أن يتغير ذلك، لكن قد أكون مخطئًا. الهوامشحيلتي المعتادة هي أن أتحدث عن جوانب مختلفة في الوقت الحاضر لم يلاحظها أحد حتى الآن. حتى إذا أصبحت هذه الجوانب أمرًا معلومًا من الناس وأصبحوا يعرفونها جيدًا، ينبغي عليك أن تكون متشككًا أكثر حول الأمور التي تريد أن تؤمن بها، وبمجرد أن تجد فرضيةً ما تبدأ في الظهور، ستكون تقريبًا بدأت في كونها من هذه الفئة. في التطبيق العملي، فإن كلمة "خبير بما يكفي" لا تحتاج أن يعرف بها الشخص كخبير، والذي هو تعريف في طريقه للتلاشي، ففي مجالات عديدة تعتبر سنة من العمل المكثف والاهتمام الفائق مدة كافية لتصبح كذلك. بالرغم من أن التعليقات العامة الموجودة في المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي كتويتر مثلا تبدو كمحادثات عادية وعفوية، إلا أن بداية الفكرة قد تكون في تعليق ما كتبت له عنوانًا واهتممت به بشكل جاد. ترجمة -وبتصرّف- للمقال How to Be an Expert in a Changing World لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
-
بعد آخر كلمة ألقيتها، صعد أحد المنظمين إلى المسرح لإبداء اعتراض ارتجالي. لم يحدث ذلك من قبل قط. لم أسمع سوى أول بضعة جمل، ولكنها كانت كافية لتوضح ما أثار استياءه من حديثي؛ أن الشركات الناشئة ستبلي أفضل إذا انتقلت إلى «وادي السيليكون» (Silicon Valley). كان هذا المؤتمر في لندن، ويبدو أن معظم الحضور كان من المملكة المتحدة، ولذا بدا القول بأنه على الشركات الناشئة الانتقال إلى «وادي السيليكون» قولًا ذا طابع قومي؛ فهناك أمريكي بغيض يخبرهم أنهم إذا أرادوا فعل الأمور على النحو الصحيح عليهم جميعًا فقط الانتقال إلى أمريكا. إنني في الحقيقة أقل أمريكيةً مما أبدو، لم أقُل ذلك من قبل ولكنني بريطاني المولد. وتمامًا كما يحق لليهود، لصفتهم، أن يرووا نكتًا عن اليهود، فأنا لا أشعر أن عليَّ التصرف بدبلوماسية مع جمهورٍ بريطاني. ليست الفكرة أنه من الأفضل للشركات الناشئة الانتقال إلى «وادي السيليكون» فكرة قومية [1]، فهو الأمر ذاته الذي أقوله للشركات الناشئة في الولايات المتحدة. تبدِّل شركة Y Combinator بين السواحل كل ستة أشهر، تكون الدورة التمويلية في بوسطن مرة كل دورتين. وعلى الرغم من أن بوسطن هي ثاني أكبر مركز للشركات الناشئة في الولايات المتحدة (والعالم)، إلا أننا نخبر الشركات الناشئة من تلك الدورات أن رهانها الأفضل هو الانتقال إلى «وادي السيليكون». إذا كان ذلك ينطبق على بوسطن فهو ينطبق على كل مدينة أخرى أكثر منها. يتعلق الأمر بالمدن، وليس بالدول. أهم مراكز الشّركات النّاشئة في العالم حسب ترتيب لـ geekwire وأعتقد أن بإمكاني إثبات أنني على حق. يمكنك البرهنة بسهولة على خطأ الحُجة المضادة بواسطة ما قد يتفق معظم الناس على أنه خطأ. قد يزعم البعض أن مكان الشركة الناشئة ليس هامًا على الإطلاق، وأن الشركة الناشئة التي تعمل في بلدة زراعية صغيرة لن تستفيد من الانتقال إلى مركز للشركات الناشئة. يستطيع معظم الناس رؤية كم سيكون مفيدًا التواجد في مكانٍ به بنية تحتية للشركات الناشئة، ومعرفة مكتسبة عن كيفية تشغيلها، وأشخاص آخرين يحاولون القيام بالأمر ذاته. ومع ذلك فإن أي حُجة تستخدمها لإثبات أن الشركات الناشئة ليست بحاجة إلى الانتقال من لندن إلى «وادي السيليكون» يمكن استخدامها كذلك لإثبات أن الشركات الناشئة ليست بحاجة إلى الانتقال من البلدات الصغيرة إلى لندن. إن الاختلاف بين المدن هو اختلاف في الدرجات. فإذا كانت الشركات الناشئة أفضل حالًا في «وادي السيليكون» منها في بوسطن، كما يتفق كل من لديه معرفة، فستكون أفضل حالًا في «وادي السيليكون» منها في أي مكان آخر أيضًا. أدرك أنه قد يبدو وكأن لي مصلحة مكتسبة في هذا الاستنتاج؛ لأن الشركات الناشئة التي ستنتقل إلى الولايات المتحدة قد تفعل ذلك عن طريق Y Combinator. ولكن الشركات الناشئة الأمريكية التي قد موَّلناها تشهد بأنني أقول لها الأمر ذاته. لا أزعم بالطبع أنه على كل شركة ناشئة الذهاب إلى «وادي السيليكون» لكي تنجح، ولكن أنه حتى إذا تساوت كل العوامل الأخرى فستبلي الشركات الناشئة أفضل في الأماكن التي تُعد مركزًا للشركات الناشئة أكثر من غيرها. ولكن هناك اعتبارات أخرى قد تطغي على مزايا الانتقال، فأنا لا أقول أن على المؤسسين أرباب الأسر اجتثاث أسرهم ونقلها إلى النصف الآخر من العالم، فقد يكون ذلك تشتيتًا كبيرًا. قد تكون صعوبات الهجرة سببًا آخر للبقاء، فالتعامل مع مشاكل الهجرة يشبه الحصول على استثمار؛ فيبدو أنه يستهلك كل انتباهك لسببٍ ما. لا تستطيع الشركة الناشئة تحمل ذلك كثيرًا. أمضت إحدى الشركات الناشئة الكندية التي كنا نموِّلها حوالي ستة أشهر في محاولة الانتقال إلى الولايات المتحدة، وفي نهاية الأمر استسلم مؤسسوها لأنهم لم يستطيعوا تحمل اقتطاع كل ذلك من وقت العمل على برنامجهم. إذا أرادت دولة أخرى تأسيس منافس لـ«وادي السيليكون» ، فربما يكون أفضل ما يمكنها فعله استحداث تأشيرة خاصة لمؤسسي الشركات الناشئة. إن سياسة الهجرة للولايات المتحدة من أسوأ نقاط ضعف «وادي السيليكون». إذا كانت شركتك الناشئة مرتبطة بصناعة محددة، فربما تكون أفضل حالًا في أحد مراكزها، فمن الأفضل للشركة الناشئة التي تقوم بشيء متصل بمجال الترفيه أن تكون في نيويورك أو لوس أنجلوس. وأخيرًا، إذا التزم مستثمر جيد بتمويلك إن بقيت في مكانك، فعليك البقاء على الأرجح. إن العثور على المستثمرين صعب، فليس عليك عمومًا رفض عرض تمويل محقق لكي تنتقل. [2] ربما تكون جودة المستثمرين في الحقيقة هي الميزة الرئيسة لمراكز الشركات الناشئة، فالمستثمرين في «وادي السيليكون» أكثر جرأةً من المستثمرين في بوسطن بصورةٍ واضحة. لقد رأيتُ مستثمري الساحل الغربي يختطفون الشركات الناشئة التي كنا نمولها مرارًا وتكرارًا من أمام أعين مستثمري بوسطن الذين كانوا قد رأوها أولًا ولكنهم تصرفوا ببطءٍ شديد. في يوم العروض Demo Day ببوسطن لهذا العام، قلتُ للجمهور أن هذا قد حدث العام الماضي، فعليهم إن رأوا شركة ناشئة تعجبهم أن يقدموا لها عرضًا. ومع ذلك حدث الأمر مجددًا خلال شهر؛ إذ سبقت شركة استثمار مغامرة جريئة من الساحل الغربي كانت قد التقت بمؤسس شركة ناشئة مموَّلة من YC قبل أسبوع شركة استثمار مغامرة أخرى من بوسطن تعرف ذلك المؤسس منذ سنوات، وعندما أدركت شركة بوسطن ما كان يحدث، كانت الصفقة قد تمت بالفعل. يعترف مستثمرو بوسطن أنهم أكثر تحفظًا، يريد البعض تصديق أن ذلك نابع من شخصية المدينة الحريصة كفريق اليانكي، ولكن «نصل أوكام» (قانون الاقتصاد أو الإيجاز) يوحي بأن الحقيقة أقل إطراءً من ذلك. إن مستثمري بوسطن أكثر تحفظًا من مستثمري «وادي السيليكون» على الأرجح لنفس سبب كَون مستثمري شيكاجو أكثر تحفظًا من مستثمري بوسطن؛ أنهم لا يفهمون الشركات الناشئة بنفس القدر. ليس مستثمرو الساحل الغربي أكثر جرأةً لأنهم رعاة بقر غير مسؤولين، أو لأن الطقس الجيد يجعلهم متفائلين. إنهم أكثر جرأةً لأنهم يعرفون ما يفعلون، فهم المتزلجون الذين يتزلجون على منزلقات ألماسية. الجرأة هي جوهر الاستثمار المغامر، فأنت لا تحصل على عوائد كبيرة بمحاولة تجنب الخسائر، بل بمحاولة ضمان حصولك على بعضٍ من الاستثمارات الناجحة الكبيرة، وغالبًا ما تبدو الاستثمارات الناجحة الكبيرة محفوفة بالمخاطر في البداية. كانت أمام شركات الاستثمار المغامر في بوسطن فرصةً للحصول على فيس بوك، الذي تأسس في بوسطن، قبل أي أحد آخر، ولكنهم قالوا لا؛ لذا انتقل فيس بوك إلى «وادي السيليكون» وجمعوا مالًا هناك. يقول الشريك الذي رفضهم الآن أن ذلك «اتضح أنه ربما كان خطئًا». من الناحية التجريبية، الجرأة تفوز. إذا كانت الطرق الجريئة التي يتبعها مستثمرو الساحل الغربي ستنقلب عليهم، فسيكون ذلك قد تم منذ فترة طويلة جدًا، فـ«وادي السيليكون» يستمر في التفوق على بوسطن منذ سبعينيات القرن العشرين. إذا كانت هناك عقوبة سيواجهها مستثمرو الساحل الغربي، فإن انفجار الفقاعة السابق هو العقوبة. ولكن واصل الساحل الغربي تقدمه أكثر منذ ذلك الحين. إن مستثمري الساحل الغربي واثقون في حكمهم بما يكفي للتصرف بجرأة، أما مستثمرو الساحل الشرقي فليسوا واثقين بنفس القدر. ولكن على من يظن أن مستثمري الساحل الشرقي يتصرفون بتلك الطريقة بدافع الحرص أن يرى ردود الفعل الثائرة لشركات الاستثمار المغامرة من الساحل الشرقي في خضم خسارتها لصفقات لصالح شركة استثمار مغامرة من الساحل الغربي. كما أن مراكز الشركات الناشئة هي أسواق أيضًا، بالإضافة إلى التركيز الذي ينتج عن التخصص، والأسواق عادةً ما تكون متمركزة. حتى الآن بعد أن أصبح من الممكن تواجد التجار في أي مكان، ما زالوا يتكتّلون في مدنٍ قليلة. من الصعب تحديد الأمر المتعلق بالتواصل المباشر الذي يجعل الصفقات تنعقد بشكل دقيق، ولكن أيًا ما كان هذا الأمر، فلم تنسخه التكنولوجيا بعد. إن سرت في جادة الجامعة في وقتٍ مناسب، ربما تسمع مصادفةً خمسة أشخاص مختلفين يتحدثون عبر الهاتف عن الصفقات. هذا في الحقيقة جزء من سبب تواجد Y Combinator في بوسطن لنصف الوقت، فمن الصعب تحمله طوال العام. ولكن على الرغم من أنه من المزعج أحيانًا أن تُحاط بأشخاص يفكرون في شيءٍ واحد فقط، إلا أنه هو المكان الذي عليك التواجد فيه إذا كان هذا الشيء الواحد هو الذي تحاول فعله. كنتُ أتحدث مؤخرًا إلى شخصٍ يعمل على البحث في شركة غوغل، كان يعرف الكثير من الناس في شركة ياهو، لذا كان بإمكانه المقارنة بين الشركتين. سألته عن سبب أفضلية غوغل في البحث، قال أنه ليس شيئًا محددًا تقوم به غوغل، ولكنه ببساطة أنهم فهموا البحث أفضل كثيرًا. ولهذا السبب تزدهر الشركات الناشئة في مراكز الشركات الناشئة مثل «وادي السيليكون»، فالشركات الناشئة مجال عمل متخصص جدًا، متخصص كمجال قَطع الألماس، والناس في مراكز الشركات الناشئة يفهمون ذلك جيدًا. الهوامش[1] الفكرة القومية هي على النقيض؛ أنه على الشركات الناشئة البقاء في مدينة محددة بسبب الدولة التي توجد فيها. إذا كانت لديك رؤية لـ «عالم واحد» حقًا فإن قرار الانتقال من لندن إلى سيليكون فالي لا يختلف عن قرار الانتقال من شيكاجو إلى وادي السيليكون. [2] ولكن يمكنك تجاهل المستثمر الذي يبدو وكأنه سيمولك، فالظهور وكأنه سيمولك يومًا ما هو طريقة المستثمرين في الرفض. ترجمة – وبتصرّف- للمقال Why to Move to a Startup Hub لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية