مع اقتراب الربع الأول من القرن الواحد والعشرين من نهايته، تتضح أهمية تعلم لغات البرمجة والتقنيات عمومًا لمختلف الأفراد أكثر فأكثر. فعالمُنا يزداد اعتمادًا على الحواسيب والروبوتات والأجهزة الذكية ويستخدمها في شتّى المجالات والقطاعات، من البحث العلمي والأكاديمي إلى الصناعة والترفيه والصحة وغيرها. وبالتالي أصبح تعلم لغات البرمجة ضرورة ملحة لكلّ إنسان يرغب في مواكبة مقتضيات العصر الرقمي ويرغب بأن يعزز موقعه الوظيفي ويزيد من مهاراته في حل المشكلات.
فإذا كنت مهتمًا بتعلم لغات البرمجة لكنك لا تعرف من أين تبدأ، إليك هذا المقال!
ما هي لغات البرمجة؟
بدايةً، لنتعرّف على معنى لغة البرمجة، ولماذا سُمّيت لغة أصلًا؟ تُعَدّ لغات البرمجة أدوات يُخاطب بها المبرمج جهاز الحاسوب أو أي جهاز قابل للبرمجة، ويوجهه إلى إجراء عمليات معينة. وتتميز كل لغة برمجة بقواعد تحكم صياغتها شأنها شأن الغات البشرية الطبيعية، فإذا خرج المبرمج عن هذه القواعد، سيتعذّر على الحاسوب فهم البرنامج أو تنفيذه على النحو المطلوب.
وقد نشأت لغات البرمجة الأولى في أواسط القرن العشرين وكانت أول لغة برمجة متاحة تجاريًا هي لغة فورتران FORTRAN، وكانت لغات البرمجة في بداية عهدها صعبة ومقعدة وأقرَب إلى لغة الآلة وعتاد الحاسوب منها إلى اللغات البشرية. لكن مع تطوّر مستويات لغات البرمجة عبر العقود، نشأت لغات البرمجة عالية المستوى، وهي أسهل فهمًا وأقرب إلى اللغات الطبيعية. وسهّل انتشار هذه اللغات تعلّم البرمجة على غير المختصين في الحواسيب.
لكن، لماذا قد يتعلّم المرء البرمجة أصلًا؟
فوائد تعلم لغات البرمجة
قبل الشروع في أسماء وأنواع لغات البرمجة واستخدامات كل منها، يحسُن بنا ذكر فوائد تعلم لغات البرمجة. فإذا كان الإنسان مديرًا أو موظفًا أو مالك متجر، فهل يمكن أن ينفعه تعلم البرمجة؟ وحتّى إن كان مصمم مواقع ويب أو صانع ألعاب إلكترونية مثلًا، ألا يمكنه الاعتماد على الأدوات الجاهزة الميسَّرة التي تمكنه من إنجاز عمله دون الحاجة إلى تعلم لغات البرمجة؟
في الواقع إن علمك بلغات البرمجة وتعلمك لها ورقة رابحة في يدك وسيعود عليك بالعديد من الفوائد، سواءٌ أكنت مبرمجًا أم غير ذلك، ومن أبرز هذه الفوائد ما يلي:
- تسهّل لغات البرمجة أتمتة الأعمال وتوفر الوقت.
- تتيح لك البرمجة بناء أشياء قيّمة تزيد من دخلك.
- تعزز معرفة لغات البرمجة فرص توظيفك.
- تمكنك لغات البرمجة من محو أميتك الرقمية والتآلف مع التطور التقني.
لنناقش كل نقطة من النقاط الواردة أعلاه بمزيد من التفصيل.
1. تسهّل لغات البرمجة أتمتة الأعمال وتوفر الوقت
تخيّل أن تستطيع أتمتة عمل 10 ساعات في ساعة واحدة! يدور جزء كبير من علوم الحاسوب على الخوارزميات التي تساعد على تحقيق أكبر قدر من العمل بأقل قدر من الوقت والجهد. تساعدك هذه الخوارزميات (حتى وإن لم تكن مبرمجًا) على حل كثيرٍ من مشكلاتك على نحو أمثلي.
2. تتيح لك البرمجة بناء أشياء قيّمة تزيد من دخلك
لا يكاد يخلو مشروعٌ من المشاريع الصغيرة أو الكبيرة من الحاجة إلى برنامج محلي، أو موقع إلكتروني على الويب، أو تطبيق جوال يسهّل العمل أو يزيد شهرة المشروع أو يعزّز تجربة المستخدم. إن قدرتك على بناء حلول تعزز مشروعك الخاص أو مشاريع من هم حولك قد تكون فرصة لك وللمشروع للانطلاق إلى مستقبل باهر.
3. تعزز معرفة لغات البرمجة فرص توظيفك
حسب موقع جِتنُكس إن أكثر من 58% من فرص العمل في الصناعات الرقمية يتطلب وجود مهارة في البرمجة لدى المتقدمين. كما أن الطلب على وظائف البرمجة قد ازداد بمعدل أسرع بـ50% من ازدياد الطلب على الوظائف الأخرى بالعموم في العقد الماضي ولعل هذه النسب المرتفعة تكفي لوحدها لإقناعك بأن مستقبل الوظائف المختلفة سترجح لكفة من يهتم بتعلم لغات البرمجة ويوليها الاهتمام الكافي.
4. تمكنك لغات البرمجة من محو أميتك الرقمية والتآلف مع التطور التقني
ففي عصرنا الحالي لم تعد الأمية هي أمية القراءة والكتابة والحساب، بل يعد أي شخص غير قادر على التعامل مع التقنيات الرقمية والحواسيب والهواتف الذكية ومنصات الإنترنت أميًّا، ومن هنا تبرز أهمية تعلم لغات البرمجة فهي توسع مداركك وتعزز قدرتك على التخاطب مع الأجهزة الذكية والمختلفة واستخدامها بكفاءة.
كيف أختار لغة البرمجة المناسبة لي؟
إن تعلّم لغات البرمجة بالترتيب (من الأسهل إلى الأصعب، أو من الأقرَب إلى منطق الحاسوب إلى الأبعد عنه) هو الطريقة المثالية للبدء إذا لم يكن لديك هدف محدد لتعلم البرمجة وكنت تود فقط تعزيز مهاراتك في التفكير وحل المشكلات. لكن من الأفضل أن يعرف المرء أولًا لماذا يتعلّم لغات البرمجة؟ وما نوع التطبيقات التي ينوي تطويرها من التعلم إذ تختلف أهداف الناس عندما يقررون تعلم لغات البرمجة وتتنوع بين:
- برمجة المواقع الإلكترونية.
- برمجة تطبيقات الجوال.
- تعلم الذكاء الصنعي وتحليل البيانات.
- برمجة الألعاب.
فلنتعرّف على لغات البرمجة المناسبة لكل مجال من هذه المجالات.
برمجة المواقع الإلكترونية
إذا كان شغفك في بناء المواقع الإلكترونية، فلا بدّ لك من البدء بتقنيات الويب. أهم لغات البرمجة المناسبة لتطوير المواقع الإلكترونية:
- HTML: وهي اللغة التي تُعنى بمحتوى صفحات الويب من نصوص وصور وروابط.
- CSS: وهي اللغة المعنية بتنسيق صفحات الويب تلوينًا وتحريكًا وتحجيمًا… إلخ.
- JavaScript: وهي اللغة المعنية بإضافة التفاعلية والديناميكية إلى صفحات الويب.
من أهم مزايا تقنيات الويب هي ميزة تعدّد المنصّات cross-platform، أي إمكانية استخدامها لبناء تطبيقات في مختلف المنصّات. وباستخدام أطر عمل تطوير الويب الحديثة، يستطيع مبرمج الويب بناء مختلف أنواع التطبيقات سواء برمجة مواقع وتطبيقات الويب، أو تطبيقات سطح المكتب أو تطبيقات لأجهزة الجوال (أندرويد وآيفون)
برمجة تطبيقات الجوال
لقد أصبحت برمجة تطبيقات الجوال مجالًا من أهم مجالات تقانة المعلومات. تتنوع منهجيات برمجة تطبيقات الجوال بين الأصيل والهجين ومتعدد المنصات والتقدمي. إليك أهم لغات البرمجة في مجال تطبيقات الجوال:
- لغة Kotlin لتطبيقات الأندرويد الأصيلة.
- لغة Swift لتطبيقات iOS الأصيلة.
- تقنيات الويب للتطبيقات الهجينة والتقدمية.
- إطار Flutter أو React Native، أو NativeScript للتطبيقات متعددة المنصات.
تعلم الذكاء الصنعي وتحليل البيانات
مع صعود نجم الذكاء الصنعي، وازدياد الحاجة إلى تحليل البيانات الضخمة، برزت أهمية لغة بايثون Python في هذا المجال. لذا يعدّ تعلم لغة البرمجة بايثون من أول الخيارات التي ستتبادر للذهن عند الرغبة في تعلم لغات البرمجة من أجل التخصص في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي. إذ تمتاز لغة بايثون بسهولة قواعدها وسهولة فهم أكوادها، وهي في الوقت نفسه مدعومة بكثير من المكتبات التي توسّع إمكاناتها إلى مختلف المجالات. وقد أثبتت بايثون قدرتها العالية كلغة لبرمجة الذكاء الصنعي وتحليل البيانات، دون أن تنقص من قيمتها في مجالات أخرى، مثل تطوير الواجهات الخلفية لتطبيقات الويب، أو حتى بناء بوتات تلغرام أو غير ذلك.
تعد سهولة تعلم لغة البرمجة بايثون، إلى جانب توفر كثير من المكتبات التي تسهّل بناء مختلف التطبيقات باستخدامها، من أهم مزاياها التي تشجّع المبتدئين على اختيارها. فإذا كنت مهتمًّا بالذكاء الصنعي وتحليل البيانات، فلغة البرمجة بايثون هي خيارك الأول.
برمجة الألعاب
يتجه كثير من الراغبين في تعلم البرمجة إلى تعلم صناعة الألعاب الإلكترونية فهو مجال مربح وممتع بذات الوقت. تتنوع الخيارات أمام عشاق برمجة الألعاب، إذ تتوفر العديد من لغات برمجة الألعاب ومحركات الألعاب التي تسهل عمل مبرمجي الألعاب. لكن الخيار الأول إذا أردت تعلم برمجة الألعاب ثلاثية الأبعاد هو لغة ++C، إذ تعد هذه اللغة البداية التقليدية في رحلة تعلم البرمجة، كما تُدرّسها كثير من الجامعات في السنوات الأولى. ومن أشهر محركات الألعاب التي تستخدم لغة ++C نذكر:
- محرك الألعاب Unity.
- محرك الألعاب Unreal Engine.
أما إذا أردت بناء ألعاب أقرب إلى البساطة، فلك أن تبدأ تعلم لغات البرمجة الآتية:
- لغة #C أو GDScript (محرك الألعاب Godot)
- جافاسكريبت (إطار Phaser).
- بايثون (إطار Pyxel).
كيفية تعلم لغة البرمجة التي اخترتها
بعد أن تختار لغة البرمجة المناسبة لك، لا شكّ أنك تتساءل عن طرف الخيط. كيف تبدأ تعلم لغة البرمجة التي اخترتها؟قد تختلف طرائق تعلم لغات البرمجة في تفاصيلها، ولكنها تتبع بالعموم قواعد معينة:
- تعلم الخوارزميات وأسس التفكير المنطقي وحل المشكلات.
- تعلم مبادئ وأساسيات لغات البرمجة.
- لا تشتت نفسك بمصادر منوعة لتعلم لغات البرمجة واكتفَ بمصادر حديثة وموثوقة.
- انضم للمجتمعات البرمجية مثل مجتمع حسوب io وشارك تجاربك مع خبراء في لغات البرمجة المختلفة.
- ابدأ بتطوير مشاريع برمجية بسيطة تناسب المبتدئين، ثم تقدم شيئًا فشيئًا.
- احرص على بناء معرض أعمال قوي يعكس خبراتك في لغات البرمجة التي تعلمتها.
- ابحث عن فرصة عمل في الشركات ومواقع العمل الحر فالمشاريع الفعلية كفيلة بتعزيز تعلمك للغات البرمجة والوصول للاحتراف.
- لا تتوقف عن التعلم وتطوير نفسك فالبرمجة تتطور وتتغير باستمرار وعليك الاطلاع على كل جديد كي تبقى في الصدارة.
أهم مصادر تعلم لغات البرمجة بالعربية
إن كنت قلقًا من إمكانية تعلم لغة البرمجة بالعربية، فلا عليك. لقد تطور المحتوى التعليمي البرمجي العربي في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، وصار من السهولة بمكان تعلم أي لغة برمجة باللغة العربية. ويعود هذا الفضل إلى جهود كثير من منشئي المحتوى على اليوتيوب، إلى جانب المؤسسات التعليمية مثل أكاديمية حسوب التي تعد اليوم أكبر منصة تعليمية لتعلم البرمجة في الوطن العربي، والتي تقدم الكثير من دروس البرمجة عالية الجودة بأسلوب شيق وعملي.
حيث توفر أكاديمية حسوب عدة كتب برمجة عربية ومقالات برمجة مجانية لتعلم لغات البرمجة المختلفة.ومن الكتب المناسبة للمبتدئين كتاب تعلم البرمجة للمبتدئين الذي يُطلع القارئ على أنواع البيانات الأساسية وأنواع لغات البرمجة ومكونات التدفق المنطقي، ثم ينتقل إلى بناء تطبيقات للتعامل مع قواعد البيانات، وبناء الواجهات الرسومية وغير ذلك من المهام البرمجية التي تنفع في بناء شتى أنواع التطبيقات، ومن الكتب الأخرى المناسبة للمبتدئين كتاب البرمجة بلغة بايثون الذي يعدّ منطلقًا إلى عالم البرمجة بهذه اللغة القوية التي تعد واحدة من أقوى لغات البرمجة والتي تصلح للعديد من المجالات.
كما تقدم أكاديمية حسوب أيضًا عدة دورات مدفوعة للمبتدئين في عالم لغات البرمجة، منها دورة علوم الحاسوب وهي مدخل مناسب إلى الحاسوب وعلومه والخوارزميات وأنظمة التشغيل وقواعد البيانات وغير ذلك. أما الدورات المتخصصة بلغة برمجة بعينها فمنها:
- دورة تطوير التطبيقات باستخدام لغة Python
- دورة تطوير التطبيقات باستخدام لغة JavaScript
- دورة تطوير تطبيقات الويب باستخدام لغة PHP
- دورة تطوير تطبيقات الويب باستخدام لغة Ruby
خاتمة
إن تعلم لغات البرمجة رحلة وممتعة، فإذا كنت قد عزمت البدء فيها، فأتمنى لك التوفيق، وأرجو أن يكون هذا المقال دليلًا صغيرًا ينفعك في أول محطات رحلتك. وإذا واجهتك عقبة في رحلة تعلم أي لغة برمجة، فلا تيأس، جرّب وحاول حتى تتعلّم. وإذا وجدت صعوبة في اختيار لغة البرمجة المناسبة لك أو كيفية تعلمها، فلك أن تطرح مشكلتك في قسم التعليقات أسفل المقال.
اقرأ أيضًا
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.