اذهب إلى المحتوى

بدت تقنية الذكاء الصناعي قبل عقد من الزمان وكأنها شيء منبثق من قصص الخيال العلمي ليس إلا، لكن مع تطور العتاد Hardware وتوافر كميات هائلة من البيانات على الإنترنت وجهود آلاف الباحثين عبر العالم، بدأت تتحوّل تلك القصص شيئًا فشيئًا إلى واقع نعيشه. لقد أصبحنا نستخدم تقنيات الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية بدرايةٍ منا أو بدون دراية. لقد أصبح جزءًا روتينيًّا في أعمالنا أو تصفحنا على الإنترنت، وميزة هامة لأي موقع الإلكتروني.

إحصائيات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي

في مقالةٍ نشرها بيل غيتس مؤخرًا على مدونته الخاصة بعنوان "لقد بدأ عصر الذكاء الاصطناعي"، أعرب عن مدى تعجّبه من التطوّر الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي في الأعوام القليلة الماضية، واصفًا إياه بالثوري، وبأنه ثاني أكبر مفاجأة تكنولوجيا رآها في حياته بعد واجهة المستخدم الرسومية. وبناءًا على ذلك توقع أن مستقبل الذكاء الصناعي سيحمل العديد من المفاجآت والتأثيرات والتغيرات في السنوات الخمس إلى العشر القادمة. وفقًا لرؤيته، فإن الذكاء الاصطناعي سيقدّم طرقًا جديدة للتعامل مع المشكلات البيئية (مثل تغير المناخ)، وسيغيّر الطريقة التي يعمل ويتعلّم بها الناس، وسيحسّن من الرعاية الصحية ويساعد في الشفاء من العديد من الأمراض، وأن صناعات بأكملها ستتجه إلى إدخال تقنيات الذكاء الصناعي في أعمالها، وسيكون سبيلًا لتحقيق التقدّم والتميّز والمنافسة بين الشركات. لكن كان هناك جانب مظلم أيضًا، ففي مقال آخر، تحدّث بيل غيتس عن إمكانية أن تكون التكنولوجيا حدثًا سيئًا، فربما تُحدث بعض المشاكل مثل البطالة الجماعية نتيجة استحواذه على جميع وظائفنا، أو ربما يقرر أن "البشر يشكلون تهديدًا" وينقلب علينا. لهذا السبب، حث وغيره من روّاد التكنولوجيا على طرق للتحكم في الذكاء الاصطناعي. أفكار بيل غيتس ليست مجرد كلام على الهامش بالتأكيد، فقد أعرب العديد من رواد أعمال بارزين في مجال التكنولوجيا مثل إيلون ماسك وعلماء مثل هوكينج مرارًا وتكرارًا عن قلقهم العميق بشأن الذكاء الاصطناعي.

على الجانب الآخر كان هناك العديد من رواد الأعمال الذين ينظرون لهذه القضية بإيجابية، ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لشركة SoftBank ومدير صندوق Vision هو واحد منهم. في مقابلة مع CNBC، أعلن أنه في غضون 30 عامًا، سيكون لدينا سيارات طائرة وسيعيش الناس لفترة أطول وسنكون قد عالجنا العديد من الأمراض. أشار أيضًا إلى أن التركيز الرئيسي لصندوقه ينصب على الذكاء الصناعي. حسنًا، من منهم على حق؟ من منهم نصدّق؟ هل سيكون المستقبل بائسًا أم رائعًا أم سيكون بينهما؟ هل هو تقنية عظيمة أم أنه تهديد للإنسان؟ سنناقش في هذه المقالة مستقبل الذكاء الصناعي وتأثيره على حياة الإنسان من عدة جوانب، لكن دعونا نتفق على أن التنبؤ بالتقنيات الجديدة أمر صعب للغاية، ويكاد يكون مستحيلاً. لأثبت لكم ذلك، ها هنا بعض التوقعات العلمية من شخصيات بارزة كانت خاطئة:

  • توقع توماس أديسون أن التيار المتناوب سيفشل.
  • في كتاب "طريق المستقبل The Road Ahead" لبيل غيتس 1995، لم يُشير إلى الإنترنت!
  • في عام 2007، قال الرئيس التنفيذي المشارك لمجموعة "البحث في الحركة Research in Motion" جيم بالسيلي ومبتكر جهاز BlackBerry، إن آيفون iPhone لن يكون ناجحًا.

دعونا نبدأ مع بعض الإحصائيات المتنوعة عن مستقبل الذكاء الاصطناعي التي تكشف لنا جدية الأمر:

ما هو نوع الذكاء الاصطناعي في وقتنا الحاضر؟

دعونا نفهم ما هو الذكاء الاصطناعي وفي أي مرحلة هو في الوقت الحاضر، وذلك قبل التعمق في موضوع مستقبله. يمكننا تعريف الذكاء الصناعي على أنه "قدرة الآلات التي يتحكم بها الحاسوب على أداء مهام ذكية." إذًا، الذكاء الصناعي هو أحد علوم الحاسوب، والذي يهدف إلى تطوير آلات ذكية يمكنها محاكاة السلوك البشري. في مقالة سابقة بعنوان أنواع الذكاء الاصطناعي ذكرنا أن الذكاء الصناعي يتألف من عدة أنواع، وهي (وفقًا للقدرات): ذكاء اصطناعي ضعيف Weak AI، ذكاء اصطناعي قوي Strong AI، ذكاء اصطناعي خارق Super AI. يُعتبر الذكاء الذكاء الصناعي في وقتنا الحاضر على أنه ذكاء ضعيف، أي يمكنه فقط أداء مهام مخصّصة على سبيل المثال، السيارات ذاتية القيادة والتعرف على الكلام وما إلى ذلك.

ما هو مستقبل الذكاء الاصطناعي؟

مستقبل الذكاء الاصطناعي

يرتبط مستقبل الذكاء الصناعي بمستقبل البشرية ويؤثر في كل صناعة تقريبًا ويدخل في كل مفاصل الحياة، إنّه المحرك الرئيسي للتقنيات الناشئة، مثل البيانات الضخمة Big Data والروبوتات Robotics وإنترنت الأشياء IoT، ولا ننسَ التقنيات التوليديّة (أي القادرة على توليد الصور أو الكلام ..إلخ)، مع أدوات مثل ChatGPT ومولدات الذكاء الصناعي الفنية AI Art Generators التي تحظى بضجة كبيرة الآن، والتي ربما ستستمر بالتطور حتى تُعتمد كأدوات تقنية وفنية وإنشائية في المستقبل المنظور.

دعونا نلقي نظرة على بعض المجالات التي من المحتمل أن يكون لها تأثير كبير على المجتمع البشري.

الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة

إنها واحدة من أهم المجالات المستقبلية. لقد رأيناها كثيرًا في قصص الخيال العلمي، لكن هناك ابتكارات حقيقية، مثل عربة ستانفورد Stanford Cart في أوائل الستينات، حيث كانت تستخدم الكاميرات والذكاء الاصطناعي في الملاحة، وعلى الرغم من أنه كان إنجازًا بارزًا؛ إلا أنّه لم يكن عمليًّا، حيث تطلب الأمر أكثر من 10 دقائق للتخطيط لأي خطوة!

نقطة الانعطاف الأساسيّة بالنسبة للسيارات ذاتية القيادة جاءت في عام 2004. وكان المحفز الرئيسي هو الحروب التي كانت تؤدي إلى خسائر فادحة بالجنود. آمنت وكالة داربا DARPA بأن السيارات ذاتية القيادة هي حل للحد من هكذا خسائر، فأقامت مسابقة سنوية أُطلق عليها اسم DARPA Grand Challenge، في عام 2004، مع جائزة بقيمة مليون دولار لتشجيع الابتكار على نطاق واسع، وعلى الرغم من أن أداء السيارات في أول نسخة كان سيئًا، لكن في عام 2007، كانت السيارات متقدمة جدًا.

هناك الكثير من الالتباس حول ما تعنيه كلمة "ذاتية القيادة". هل هو قيادة السيارة نفسها بمفردها أو يجب أن يكون هناك سائق بشري؟

هناك 6 مستويات من الاستقلالية:

  1. المستوى 0: يتحكم فيه الإنسان بكل السيارة.
  2. المستوى 1: تتحكم الحواسيب بشيء واحد في وقت واحد (مثل السرعة أو الكبح).
  3. المستوى 2: أتمتة وظيفتين في وقت واحد.
  4. المستوى 3: أتمتة جميع وظائف السلامة، لكن يمكن للسائق التدخل إذا حدث خطأ ما.
  5. المستوى 4: يمكن للسيارة أن تقود بنفسها، ولكن هناك حالات يجب أن يشارك فيها الإنسان.
  6. المستوى 5: السيارة ذاتية القيادة تمامًا.

تعد صناعة السيارات واحدة من أكبر الأسواق، ومن المرجح أن يؤدي الذكاء الصناعي إلى تغييرات مُدوّية. وفقًا لدراسة من Allied Market Research، من المتوقع أن يصل سوق هذه السيارات إلى 556.67 مليار دولار بحلول عام 2026، وهو ما سيمثل معدل نمو سنوي مركب بنسبة 39.47٪.

استخدام الذكاء الصناعي في الطب واكتشاف الأدوية

يمتلك برنامج الدردشة الآلي الجديد للذكاء الاصطناعي ChatGPT القدرة على تغيير مستقبل التشخيص الطبي، وذلك وفقًا لمقالة رأي نُشرت في 13 فبراير في STAT بالاشتراك مع أندرو بيم Andrew Beam، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة بجامعة هارفارد. لقد أجرى بيم وفريقه اختبارات على العديد من أدوات فحص الأعراض Symptom Checker (أداة تشخيص للأمراض) المنتشرة على مواقع الويب وتطبيقات الهواتف الذكية، ووجدوا أن تلك الأدوات كانت غير دقيقة في تقديم التشخيص مقارنة بالأطباء، ولكن عندما اختبر الباحثون لاحقًا قدرة ChatGPT على تشخيص الأمراض لاحظوا أن الذكاء الاصطناعي كان دقيقًا للغاية ويضاهي دقة الأطباء.

من جهةٍ أخرى، لقد كان التقدم في اكتشاف الأدوية معجزة تقريبًا، حيث يوجد الآن علاجات لأمراض مستعصية مثل التهاب الكبد C، مع تقدّم ملحوظ في علاج عدد لا يحصى من السرطانات. لكن هناك الكثير من التحديات، فشركات الأدوية تواجه المزيد من المشاكل في التوصل إلى العلاجات. إليك مثالًا واحدًا فقط: في 2019، أعلنت شركة Biogen أن أحد عقاقيرها لمرض الزهايمر، والذي كان في تجارب المرحلة الثالثة، فشل في إظهار نتائج ذات فائدة. نتيجةً لذلك، تراجعت أسهم الشركة بنسبة 29٪، مما أدى إلى القضاء على 18 مليار دولار من القيمة السوقية.

إن تطوير الأدوية بالأسلوب التقليدي يتضمن الكثير التجربة والخطأ، مما قد يستغرق وقتًا طويلًا، لذا يتطلع الباحثون والشركات إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي للحصول على المساعدة. بعض من هذه الشركات هي Insitro التي استثمرت 100 مليون دولار، وشركة Alexandria Venture Investments وشركة Bezos Expeditions التابعة لجيف بيزوس وشركة Mubadala Investment Company ...إلخ.

يعد الذكاء الاصطناعي في تسريع عملية اكتشاف الأدوية، لأن خوارزمياته قادرة على اكتشاف وفهم الأنماط المعقدة، كما يمكن أن يكون مفيدًا أيضًا في تطوير علاجات مخصصة -الموجهة للتركيب الجيني للفرد- والتي من المحتمل أن تكون حاسمة في علاج بعض الأمراض.

الذكاء الاصطناعي وخصوصية المستخدمين

أثار مقال من موقع Bloomberg في أبريل 2019 ضجة كبيرة. ألقى المقال نظرة من وراء الكواليس حول كيفية إدارة أمازون Amazon لنظام AI الخاص بالمساعد الصوتي Alexa، فإلى جانب اعتماده على الخوارزميات، هناك أيضًا الآلاف من الأشخاص الذين يعملون خلف الكواليس على تحليل المقاطع الصوتية للمساعدة في جعل النتائج أفضل (أي نوع من التنصت على كلامك مع المساعد الصوتي)، وذلك للتركيز على التعامل مع الفروق الدقيقة في اللهجات العامية والإقليمية، والتي كانت صعبة بالنسبة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي. سارع موقع أمازون إلى الإشارة إلى أن لديه قواعد ومتطلبات صارمة، ولكن هذا أثار المزيد من القلق!

انطلاقًا من ذلك، ومن العديد من حالات انتهاء خصوصية المستخدمين الأخرى، بدأت بعض الحكومات تفرض على الشركات قوانين جديدة. على سبيل المثال أعلن أعضاء الكونجرس الأمريكي برعاية مشروع قانون يسمى "The Algorithmic Accountability Act"، والذي يتضمن العديد من المبادئ والقوانين على الشركات التي تُنتج أنظمة الذكاء الصناعي، مثل أنه لا يمكن استخدام التكنولوجيا كذريعة أو طريق لتجنب الامتثال للقانون.

الفائدة العامة للمجتمع: الصالح الاجتماعي

كتبت شركة الاستشارات الإدارية McKinsey&Co دراسة مستفيضة بعنوان "تطبيق الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح الاجتماعي". يوضح كيف يمكن استخدام الذكاء الصناعي للتعامل مع قضايا مثل الفقر والكوارث الطبيعية وتحسين التعليم. الدراسة لديها ما يقرب من 160 حالة استخدام. إذن ، إليك نظرة على بعض منها فقط:

  1. يمكن أن يساعد تحليل منصات وسائل التواصل الاجتماعي في تتبع تفشي المرض.
  2. أنشأ باحثون شبكة عصبية دُرّبت على مقاطع فيديو للصيادين في إفريقيا (نموذج). يُستخدم هذا النموذج ضمن طائرة بدون طيار تُحلّق فوق مناطق معينة لاكتشاف المخالفين.
  3. استُخدم الذكاء الصناعي لتحليل بيانات 55893 طردًا في مدينة فلينت الأمريكية للعثور على دليل على التسمم بالرصاص.

الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة Industry 4.0

الثورة الصناعية الرابعة هي العصر الصناعي الرابع منذ الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر. تتميّز بدمج التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية. يأتي دور الذكاء الصناعي هنا في قدرته على إحداث هذه التغييرات بسرعة وسلاسة، ولاسيما من خلال الأنظمة الخبيرة ودعم الرؤية الحاسوبية والروبوتات وإنترنت الأشياء.

يمكن تنظيم تأثير الذكاء الاصطناعي على التصنيع في 5 مجالات رئيسية:

  1. التنبؤ بالجودة والعائد.
  2. الصيانة الوقائية (التنبؤ بأعطال قد تحدث).
  3. التعاون بين الإنسان والروبوت في أداء العديد من المهام: وفقًا للاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، اعتبارًا من عام 2020، كان هناك حوالي 1.64 مليون روبوت صناعي في جميع أنحاء العالم.
  4. المساعدة في ابتكار التصاميم.
  5. التسويق التكيفي/سلسلة التوريد: استخدام خوارزميات الذكاء الصناعي لتحسين سلسلة التوريد في عمليات التصنيع ومساعدتها على الاستجابة بشكل أفضل للتغيرات في السوق وتوقعها.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في التعليم

مع تقدّم التكنولوجيا في السنوات الأخيرة، كان هناك توجّه نحو دمج هذه التقنيات والممارسات الحديثة في التعليم من أجل تحسين التجربة التعليمية الشاملة. تُعد أنظمة إدارة التعلم والتلعيب gamification والتعلم بمساعدة الفيديو والواقع الافتراضي والواقع المعزز -بعضًا من الأمثلة على كيفية تحسين التكنولوجيا لمشاركة الطلاب والتخطيط التعليمي. فلنتحدث عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في التعليم.

في يومنا هذا تُستخدم تقنيات الذكاء الصناعي في التعليم بطرق مختلفة، بدءًا من روبوتات الدردشة التي توفر دعمًا للطلاب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وحتى خوارزميات التعلم المخصصة التي تتكيف مع احتياجات كل طالب. مثلًا يمكن استخدام روبوت المحادثة الشهير ChatGPT في التعليم لإنشاء نظام تعليمي ذكي يمكنه فهم استفسارات الطلاب والرد عليها.

تُستخدم الأدوات التي تعمل بالذكاء الصناعي أيضًا لأتمتة المهام الإدارية، مثل تصنيف المهام وتقديم الملاحظات. يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا لتحليل كميات كبيرة من البيانات لتحديد الأنماط والرؤى التي يمكن أن تساعد في تطوير استراتيجيات وسياسات تعليمية جديدة.

هناك العديد من الأمثلة على الأدوات والأنظمة التعليمية الناجحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قيد الاستخدام حاليًا. تشمل بعض أشهرها ما يلي:

  • دولينجو Duolingo: تطبيق محمول وموقع إلكتروني أمريكي خاص بتعلم اللغات. يستخدم الذكاء الصناعي لتخصيص الدروس لكل مستخدم.
  • ألكس ALEKS: برنامج تعليمي وتقييم عبر الإنترنت يتضمن مواد تدريبية في الرياضيات والكيمياء والإحصاءات التمهيدية والأعمال التجارية. ألكس مدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي يوفّر تقييمات قابلة للتكيف وخطط تعلم مخصصة.

ملاحظة: يُقصد "بالتلعيب" Gamification أو اللعبنة في العمل -تطبيق عناصر الألعاب وآليات عملها في سياقات ومجالات أخرى غير مرتبطة بالألعاب كالتسويق والأعمال والإعلام والتعليم، لمشاركة المستخدمين في حل المشاكل وتحقيق أهداف محددة، وزيادة تفاعل ومساهمة الفرد.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي

تقدّم الاقتصاد الصيني بشكل مذهل في العقد الأخير من الزمن، ومن المُرجّح جدًا أن يتفوق على الاقتصاد الأمريكي في الأمد القريب، وسيكون الذكاء الصناعي جزءًا رئيسيًا من النمو. حددت الحكومة الصينية الهدف الطموح المُتمثّل في إنفاق 150 مليار دولار على هذه التكنولوجيا حتى عام 2030، جنبًا إلى جنب مع استثمارات كبيرة من شركات مثل Baidu و Alibaba و Tencent. على الجانب الآخر، بالنسبة للولايات المتحدة، كانت الحكومة مترددة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي.

تتسابق أيضًا الكثير من الدول إلى ربط التكنولوجيا والاقتصاد وتطبيق الرقمنة والتحويل الرقمي في كل مجالات الحياة مما يسرع من عجلة الاقتصاد وهذا ما يظهر جليًا في دول الخليج العربي وتحديدًا في السعودية والإمارات وغيرهما.

الذكاء الاصطناعي ووسائل الإعلام

الصحافة ووسائل الإعلام يمكنها أن تستخدم الذكاء الصناعي أيضًا وبقوة، فمن المؤكد أن هناك تقنيات مبتكرة ستندمج في مجال الصحافة والإعلام. واحدة من هذه التقنيات المبهرة هي تقنية الدبلجة الصوتية وتحويل النصوص بلكنة وصوت الشخص نفسه عبر استخدام تقنيات تحويل الكلام إلى نص ثم الترجمة وإعادة تحويلها إلى صوت مع النبرات الواقعية. هذه التقنية تسمح بتوليد فيديوهات مدبلجة بشكل مدهش وواقعي.

من بين تلك التقنيات المذهلة هناك منصة مثيرة للاهتمام تسمى Murf.ai والتي تقدم حلاً للدبلجة والترجمة بشكل مبتكر. هذا الابتكار قد يقودنا إلى مرحلة يصبح فيها الأفراد غير مضطرين لتعلّم لغات جديدة، حيث ستقوم الآلات بالدبلجة والترجمة وكل ما يتعلق بذلك. إننا فعلاً على بُعد خطوات من تحقيق تغيير هائل في هذا المجال!

يمكن رؤية أحد الأمثلة الأخرى في استخدام وكالة Associated Press للتقنيات الذكية التي تُقدمها Automated Insights (شركة تقنية مقرها في أمريكا متخصصة في برامج توليد اللغة الطبيعية التي تحول البيانات الضخمة إلى روايات).

فيما يلي بعض الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها تطوير مجال الإعلام:

  1. إنشاء المحتوى: يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء عمليات إنشاء المحتوى وأتمتتها. على سبيل المثال، كتابة مقالات إخبارية أو إنشاء تقارير آلية أو حتى إنشاء محتوى فيديو. يمكن أن يساعد ذلك المؤسسات الإعلامية على تبسيط عمليات الإنتاج الخاصة بها وتقديم المحتوى بشكل أكثر كفاءة.
  2. النسخ والترجمة الآليين: يمكن للذكاء الاصطناعي توفير الوقت والجهد، من خلال استخدام تقنيات مثل التعرف على الكلام ومعالجة اللغة الطبيعية وأتمتة عمليات النسخ والترجمة.
  3. تحليل الفيديو والصورة: يمكن للذكاء الصناعي تحليل مقاطع الفيديو والصور لتحديد الأشياء والمشاهد والوجوه وحتى العواطف. يمكن للمؤسسات الإعلامية استخدام الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للتحكم في المحتوى وكشف انتهاك حقوق النشر واستخراج الرؤى من المحتوى المرئي.
  4. الكشف عن الأخبار الزائفة: يمكن تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد الحالات المحتملة للمعلومات المضللة أو الأخبار المزيفة والإبلاغ عنها.

ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن التقنيات مثل هذه تحمل معها تحديات وتساؤلات أخلاقية، مثل دقة الترجمة والتعامل مع اللهجات والثقة في المصادر المستخدمة. قد يكون هناك أيضًا تأثير على صناعة الترجمة والتدبير اللغوي. لذا، يتعين علينا استخدام هذه التقنيات بحذر ونقاش القضايا المتعلقة بها بعناية لضمان النتائج الدقيقة والأخلاقية.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني

مما لا شك فيه أن الأمن السيبراني هو أولوية لكل مؤسسة لضمان أمن البيانات. هناك بعض التوقعات بأن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني سيكون له التغييرات التالية:

  1. مراقبة الحوادث الأمنية.
  2. تحديد مصدر الهجمات الإلكترونية باستخدام معالجة اللغات الطبيعية NLP.
  3. أتمتة المهام والعمليات المبنية على القواعد بمساعدة روبوتات RPA.

التجارة الإلكترونية وخدمة العملاء في عصر الذكاء الاصطناعي

سيلعب قطاع التجارة الإلكترونية في مستقبل الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا قريبًا. سيؤثر بشكل إيجابي على كل جانب من جوانب قطاع التجارة الإلكترونية، بدءًا من تجربة المستخدم إلى تسويق المنتجات وتوزيعها.

ومن جهةٍ أخرى ستكون أدوات الذكاء الصناعي التي تدعم مهام خدمة العملاء في شكل روبوتات محادثة ومساعدين افتراضيين -ميزة حاسمة في أي موقع أو متجر إلكتروني، لقدرتها على تقديم الإرشادات والمساعدة للمستخدم خلال بحثه ومقارنته بين المنتجات أو خلال تصفحه لموقعٍ ما.

كان هذا جزءًا بسيطًا عمّا يمكن أن يفعله الذكاء الصناعي في الأمد القريب. دعونا الآن نرى حدود الذكاء الصناعي، ونستكشف بعض الخرافات المتعلقة به.

القيود الحالية التي تؤثر على مستقبل الذكاء الاصطناعي

مما لاشك فيه أن الذكاء الصناعي يجري بقدمٍ وساق باتجاه التطورّ المتسارع وقد ننبهر بمستقبل الذكاء الاصطناعي الذي سيؤول إليه والذي قد يغير عالمنا تغييرًا جذريًا في كل مجالات الحياة. وقد تحدثنا في مقالة الذكاء الاصطناعي: دليلك الشامل عن تلك المجالات وعلاقتها في الذكاء الصناعي.

في هذا الجزء من المقالة سنتطرق إلى موضوع مستقبل الذكاء الاصطناعي من جوانب مختلفة وما القيود والعوائق الحالية التي تؤثر فيه، لنحاول الإجابة على بعض الأسئلة مثل: إلى أي حد يمكن أن يصل الذكاء الصناعي؟ هل سيشكل الذكاء الاصطناعي خطرًا؟ هل سيسلب الذكاء الصناعي أعمالنا؟

حدود الذكاء الاصطناعي

يتفوق الذكاء الصناعي بشكل أساسي عندما يتعلق الأمر بالرياضيات والمنطق والذكاء الحركي، مما يحد من قدرته على حل أنواع كثيرة من المشكلات التي تحتاج إلى أكثر من ذلك لمعالجتها. فيما يلي نتحدث عن الأماكن التي لا يمكن للذكاء الصناعي العمل فيها لأنه تقنية فقط وليس شخصًا.

عند التحدث إلى أليكسا Alexa أو حديثًا ChatGPT، قد تنسى أنك تتحدث مع آلة. مثلًا ChatGPT ليس لديه فكرة عما تقوله، ولا يفهمك كشخص، وليس لديه رغبة حقيقية في التفاعل معك (ليس لديه مشاعر أصلًا)؛ إنه يعمل فقط وفقًا لما تحدده الخوارزميات التي أنشأته والبيانات التي تقدمها له. عمومًا كانت النتائج مذهلة. من السهل تجسيد الذكاء الاصطناعي بدون إدراكه لتلك الأمور واعتباره امتدادًا لكيانًا شبيهًا بالبشر.

يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى أمور جوهرية موضحة في ما يلي.

1. الإبداع

يمكنك العثور على مجموعة متنوعة لا حصر لها من المقالات والمواقع والموسيقى والفن والكتابات وجميع الأنواع (الإبداعية) من إنتاج الذكاء الصناعي. تكمن مشكلة الذكاء الصناعي في أنه لا يمكنه إنشاء أي شيء إبداعي في الحقيقة (انتظر قليلًا). عندما نتحدث عن الإبداع، فإننا نشير إلى أنماط التفكير. مثلًا، كان لدى بيتهوفن طريقة مميزة في التفكير في الموسيقى؛ يمكنك التعرف على مقطوعة بيتهوفن الكلاسيكية حتى لو لم تكن معتادًا على جميع أعماله لأن موسيقاه لها نمط خاص بها، إنها الموسيقى التي فكر بها بيتهوفن، إنها نمطه. يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء مقطوعة جديدة لبيتهوفن من خلال تمثيل عملية تفكيره رياضياً، وهو ما يفعله الذكاء الاصطناعي فعليًّا. مشكلة مساواة الإبداع بالرياضيات هي أن الرياضيات ليست إبداعية. أن تكون مبدعًا يعني تطوير نمط جديد من التفكير -شيء لم يره أحد من قبل. الإبداع ليس مجرد تفكير خارج الصندوق؛ الإبداع إنشاء صندوق جديد.

غالبًا ما يكون الإبداع الحقيقي نتيجة خيال ناجح!

2. التخيل

إن أفضل وصف للخيال هو أن نقول "تجرّد من الكيان والمكان"، والتجريد بحد ذاته يعني التخلص من جميع آثار الواقع والارتباط به، وبالتالي هو أبعد ما يكون عن نطاق قدرة الذكاء الاصطناعي. يميزنا الخيال عن كل شيء آخر وغالبًا ما يضعنا في مواقف غير حقيقية على الإطلاق. تقدم مقالة هافينغتون بوست خمسة أسباب تجعل الخيال أمرًا بالغ الأهمية في اختراق حدود الواقع.

إن الذكاء الصناعي مُقاد بالخوارزميات والبيانات التي يراها، أي لا يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء أنماط جديدة من التفكير أو تطوير بيانات جديدة دون استخدام المصادر الحالية، وبالتالي سيكون موجودًا دائمًا في حدود الواقع. لا يتطلب الخيال ذكاءً إبداعيًا فحسب، بل يتطلب أيضًا ذكاءً داخليًا، ولا يمتلك الذكاء الاصطناعي أيًا من أشكال الذكاء.

الخيال مثل العديد من السمات البشرية الأخرى، إنه "عاطفي"، والذكاء الاصطناعي يفتقر إلى العاطفة.

3. قصور البيانات

لا توجد معلومات كافية لإجراء تقييم سليم، إذ البيانات المستخدمة لاتخاذ القرارات سيكون لها دائمًا مستوى معين من القصور، وتأثير هذا القصور على قدرة الذكاء الصناعي على إنتاج قرارات مفيدة يعتمد على نوع ومستوى القصور، إلى جانب قدرات الخوارزميات. هذا ليس كل شيء، فأغرب نوع من قصور البيانات الذي يجب مراعاته هو عندما يريد الإنسان خطأً كناتج. هذا يحدث فعلًا في الحياة الواقعية، والطريقة الوحيدة للتغلب على هذه المشكلة هي من خلال التواصل الواعي الذي يوفره الذكاء الشخصي والذي سيؤثر تأثيرًا كبيرًا على مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي يفتقر إليه. مثلًا اشترى شخص ملابس تبدو بشعة بالنسبة لك (الملابس يمكن أن تكون رائعة في الواقع). ومع ذلك إذا كنت ذكيًا، فستقول أن الملابس تبدو رائعة، فهو لايبحث عن رأيك المحايد، وإنما يبحث عن دعمك وموافقتك.

للاستزادة حول هذه النقطة، يمكنك الرجوع إلى مقال تعلم الآلة: التحديات الرئيسية وكيفية التوسع في المجال.

تقدم الذكاء الاصطناعي

يعد فهم حقائق الذكاء الاصطناعي أمرًا بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات مستنيرة وتشكيل مناهج مسؤولة وأخلاقية لتطويره ونشره. بينما يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة، من المهم تبديد الأساطير والحصول على توقعات واقعية حول قدراته وقيوده:

  • الذكاء الخارق (يتضمن الإدراك). على الرغم من أن الذكاء الخارق هو أحد أنواع الذكاء الصناعي، إلا أنه مايزال مجرد فكرة فلسفية أكثر مما هي علمية.
  • أخذ جميع الوظائف البشرية. من المؤكد أن ظهور الذكاء الاصطناعي والأتمتة لديها القدرة على إلغاء الحاجة للعمال البشريين. إلا أن النظر إلى هذا على أنه نقل مباشر للعمالة من البشر إلى الآلات هو تبسيط مفرط للأمر، فكل تطوّر يترافق بحاجات جديدة تولّد فرصًا جديدة.
  • ستصبح أجهزة الحاسب فائقة الذكاء أفضل من البشر في فعل أي شيء. النوع الوحيد للذكاء الصناعي الذي يمكنه التفوق على البشر هو الذكاء الخارق. نستخدم في الوقت الحالي ذكاءً اصطناعيًا ضعيفًا يؤدي مهمة معينة ويحسن أدائها، أما الذكاء الخارق أقرب ما يكون إلى الخيال من الحقيقة.
  • لا يتطلب الذكاء الاصطناعي أي تدخل بشري. لدى الناس أيضًا فكرة خاطئة مفادها أن الذكاء الاصطناعي لا يحتاج إلى أي تدخل بشري، لكن الحقيقة هي أن الذكاء الصناعي لم يُطوّر بعد لاتخاذ قرارات خاصة.
  • سيسيطر الذكاء الاصطناعي على العالم: هذا مفهوم خاطئ شائع يغذيه الخيال العلمي. في حين أن الذكاء الصناعي لديه القدرة على أتمتة مهام معينة والتأثير على أسواق العمل، فإن فكرة سيطرة الذكاء الاصطناعي بالكامل على البشرية هي فكرة بعيدة المنال. تم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها من قبل البشر وهي مبرمجة للعمل ضمن حدود وأهداف محددة.
  • الذكاء الاصطناعي يعرف كل شيء ومعصوم عن الخطأ: أنظمة الذكاء الاصطناعي هي أدوات قوية، لكنها محدودة بالبيانات التي يتم تدريبها عليها والخوارزميات التي تستخدمها. يمكنهم تقديم رؤى قيّمة وتنبؤات، لكنها ليست بطبيعتها كاملة المعرفة أو مثالية. يمكن أن تنشأ الأخطاء والتحيزات والقيود بسبب البيانات المستخدمة أو الخوارزميات المستخدمة أو قيود النظام.

بعد أن فهمنا حدود الذكاء الصناعي، وقمنا بتبديد بعض المفاهيم الخاطئة حوله؛ دعونا نتحدث عن مكامن الخطر في هذه التقنيات.

هل الذكاء الاصطناعي مصدر للخطر؟

جيوفري هينتون هو عالم بمجال الحاسب والذكاء الاصطناعي، ومخترع خوارزمية التعلّم "الانتشار الخلفي Backpropagation" بأواخر الثمانينات، وهي الخوارزمية التي من خلالها يمكن للآلات أن تتعلم. منذ حوالي الشهر أعلن استقالته من شركة جوجل وأعلن بشكل غير مباشر ندمه على تطوير هذه الخوارزمية بقوله: "أواسي نفسي بأن غيري كان سيفعلها".

سبب استقالته المفاجئ من شركة جوجل -اللقاء كامل موجود هنا-، ومن كلامه يمكننا بوضوح أن نستنتج أن الأمور تتجه لمنحى سيئ.

القصة باختصار، من مدة قصيرة أطلقت شركة OpenAI إصدار جديد هائل من النموذج اللغوي GPT (نموذج يمكن استخدامه لتوليد NLG وفهم NLU اللغة البشرية). نتج عن هذا النموذج روبوت الدردشة ChatGPT، وأحدث ضجة هائلة بقدرته على التواصل مع البشر وكتابة المقالات والمحتوى والإجابة عن الأسئلة. أين المشكلة؟ المشكلة أن OpenAI شريكة مع مايكروسوفت المنافس الأول لجوجل. بالتالي شعرت جوجل بخطر محدق، لأن هذا النموذج سيجعل مايكروسوفت رقم واحد بالعالم ولاسيما بعد دمج مايكروسوفت روبوت الدردشة ChatGPT بمحرك البحث الخاص بها بينج Bing. وكردة فعل من جوجل، قاموا بتوحيد فريق ديب مايند DeepMind وفريق جوجل برين Google brain (فريقين بضمان مجموعة من أكبر علماء المجال بالعالم) للعمل على نموذج أفضل وأضخم.

جيوفري رأى أن مايحدث أمر خاطئ وقد يؤدي إلى نتائج سيئة ولخروج الأمور عن السيطرة، ولهذا السبب قرر الانسحاب، وعدم الخوض في ذلك. من خلال حديثه يمكننا تسليط الضوء عن النقاط التالية:

  1. برمجة الذكاء الاصطناعي لأهداف سيئة. الأسلحة المستقلة Autonomous weapons هي أنظمة ذكاء اصطناعي مبرمجة للقتل. يمكن أن تتسبب هذه الأسلحة بسهولة في وقوع إصابات جماعية إذا كانت في يد الشخص الخطأ. يمكن أن يؤدي سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي أيضًا عن قصد أو غير قصد إلى حروب تؤدي إلى خسائر جسيمة.
  2. غياب الوعي في استخدام الذكاء الاصطناعي. الاحتمال الثاني إذا صُمم لإجراء شيء مفيد، لكنه أدى إلى نتائج مدمرة. لنفترض أننا طلبنا من السيارة ذاتية القيادة اصطحابنا إلى وجهتنا بأسرع ما يمكن، وهذا ما قد يكون خطيرًا على حياة البشر.
  3. سباق التطوير: كما رأينا فأن جوجل ومايكروسوفت يتسابقان في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومن حديث جيوفري نستطيع أن نستنتج أن هذا السباق غير واعي، ولايهتم إلا بالهيمنة والسيطرة على الأسواق، وبالتالي قد يكون لذلك نتائج سيئة جدًا مثل تفشي الأخبار والتوقعات الكاذبة (يمكن لهذه الأنظمة تقليد الأصوات ونشر الأخبار والتوقعات الغير صحيحة، وبالتالي يمكن استخدامها من "جهات سيئة" للترويج لأفعال سيئة). باختصار قد يصل أحدهما لدرجة فقدان السيطرة على نتائج هذه الأنظمة، وهذا أمر جدي وحقيقي فعلًا.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مصدرًا للخطر في بعض الحالات أيضًا، وهنا بعض الأسباب المحتملة:

  1. تعقيد التحكم: بمرور الوقت، يمكن للأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتطور بشكل مستقل وتتعلم من بيئتها. إذا لم يكن لدينا آليات قوية للتحكم والرقابة، فقد يحدث تحول غير مرغوب فيه أو تطور غير متوقع في سلوك الذكاء الاصطناعي.
  2. تأثيرات اجتماعية واقتصادية: قد يؤدي تقدم الذكاء الاصطناعي والتأثيرات المرتبطة به إلى تغييرات هائلة في سوق العمل وتوزيع الثروة، مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
  3. استغلال البيانات الشخصية: يمكن للذكاء الاصطناعي جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات الشخصية، وقد يؤدي سوء استخدام هذه البيانات إلى انتهاك الخصوصية والأمان الشخصي.
  4. التمييز والتحيز: إذا تم تدريب الأنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات ذات تحيزات، فقد يؤدي ذلك إلى انعكاس هذه التحيزات في قراراتها وتأثيرها على الأفراد والمجتمع.
  5. الاستخدام في الأسلحة الذاتية: قد يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة أسلحة ذاتية القرار، مما يزيد من خطورة الصراعات وتأثيرها على الحياة البشرية.

للتعامل مع هذه المخاطر المحتملة، هناك جهود واسعة لضمان تنمية الذكاء الاصطناعي بطرق أخلاقية ومسؤولة، من خلال إطارات تنظيمية وأخلاقية قوية ومراقبة مناسبة. توجد منظمات ومؤسسات تعمل على تعزيز السلامة والأمان والأخلاقيات في تطور الذكاء الاصطناعي، مثل منظمة الأمم المتحدة، والتي عبر مندوبها السامي لحقوق الإنسان عن قلقه من التطورات الأخيرة التي شهدها العالم في الذكاء الصناعي والتي يبدو بأنها لاتتضمن قيودًا أو قوانين تحمي المجتمعات من مخاطره المحتملة، وبالتالي طرحت الأمم المتحدة مؤخرًا مشروع قرار لإنشاء هيئة استشارية لأصحاب المصلحة المتعددين بشأن التعاون العالمي للذكاء الاصطناعي بعنوان "دعم التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي"، وذلك لمعالجة القضايا المتعلقة بالإدماج والتنسيق وبناء القدرات وتوجيه هذه التقنيات فيما يخدم الصالح العام والأمن والسلام العالمي وليس العكس.

يتطلب النقاش حول خطورة الذكاء الاصطناعي توازنًا بين استشراف المخاطر المحتملة واستفادتنا من فوائده في مجالات مثل الطب والبحث وتحسين الحياة البشرية بشكل عام.

ولادة مهن بشرية جديدة

عندما يشاهد الناس الأخبار المتعلقة بالروبوتات والأتمتة التي أنشأتها التطورات في التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، فإنهم يميلون إلى رؤية السلبية أكثر من الإيجابية، وهذا من طبيعة البشر "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا". مثلًا، تنص المقالة التي نُشرت على موقع theverge أن استخدام الأتمتة سيُلغي ما بين 400 مليون إلى 800 مليون وظيفة بحلول عام 2030. على الرغم من أن المقالة تعترف بأن بعض التطورات التكنولوجية تخلق وظائف (مثلًا خلق الحاسب الشخصي ما يقدر بنحو 18.5 مليون وظيفة)، فإن التركيز ينصب على الوظائف المفقودة.

يمكن للذكاء الصناعي أن يزيد القدرات البشرية ويؤدي إلى تطوير صناعات وأدوار جديدة. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن يساهم بها الذكاء الاصطناعي في خلق فرص العمل:

نعم ، الذكاء الاصطناعي AI لديه القدرة على خلق فرص عمل جديدة. بينما يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة مهام وعمليات معينة ، إلا أنه يمكنه أيضًا زيادة القدرات البشرية ويؤدي إلى تطوير صناعات وأدوار جديدة. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن يساهم بها الذكاء الاصطناعي في خلق فرص العمل:

  1. تطوير وصيانة الذكاء الاصطناعي: مع استمرار تقدم الذكاء الاصطناعي، سيكون هناك طلب متزايد على المهنيين المهرة في تطوير الذكاء الصناعي والبرمجة وتحليل البيانات والتعلم الآلي. تتضمن هذه الأدوار إنشاء أنظمة وخوارزميات وبنية تحتية للذكاء الصناعي وصيانتها.
  2. أخلاقيات وحوكمة الذكاء الاصطناعي: مع ظهور الذكاء الصناعي، هناك حاجة متزايدة لخبراء في أخلاقيات الذكاء الصناعي وسياساته وتنظيمه. يمكن أن يساعد هؤلاء المحترفون في ضمان تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها واستخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي.
  3. تدريب ودعم الذكاء الاصطناعي: تتطلب أنظمة الذكاء الصناعي التدريب المستمر والتحسين والدعم. يمكن أن تظهر الوظائف المتعلقة بتدريب نماذج الذكاء الصناعي وتصنيف أو تسمية Labeling البيانات وضمان الجودة ودعم العملاء للمنتجات والخدمات المستندة إلى الذكاء الصناعي مع انتشار الذكاء الصناعي بشكل أكبر.
  4. علم البيانات والتحليلات: يعتمد الذكاء الصناعي بشكل كبير على البيانات، وتحتاج المؤسسات إلى مهنيين ماهرين في علوم البيانات وتحليل البيانات وهندسة البيانات لاستخراج الرؤى وبناء نماذج الذكاء الاصطناعي واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على التحليلات القائمة على البيانات.
  5. التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي: عندما تصبح أنظمة الذكاء الصناعي أكثر تقدمًا، ستكون هناك حاجة للأفراد الذين يمكنهم التعاون بشكل فعال مع تقنيات الذكاء الصناعي. من المرجح أن تنشأ الوظائف التي تنطوي على إدارة وتفسير ودمج الرؤى الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في عمليات صنع القرار.

تجدر الإشارة إلى أنه بينما يمكن للذكاء الصناعي أن يخلق فرص عمل جديدة، فإنه يمكنه أيضًا تغيير الأدوار الوظيفية الحالية. قد تصبح بعض المهام مؤتمتة، مما يؤدي إلى تغييرات في طبيعة العمل. وهذا يسلط الضوء على أهمية التعلم المستمر والتكيف للبقاء على صلة في سوق العمل سريع التطور.

بشكل عام، في حين أن المدى الكامل لتأثير الذكاء الصناعي على الوظائف معقد ويخضع لعوامل مختلفة، هناك إمكانية للذكاء الصناعي لتوليد فرص عمل جديدة، لا سيما في المجالات المتعلقة بتطوير مستقبل الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات وعلوم البيانات والتفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

خاتمة

يبدو لنا أن تقنيات الذكاء الصناعي تتطور بسرعة كبيرة جدًا، على الرغم من أن هذا الكلام يُخفي حقيقة أن الأمر لم يكن سلسًا أو سهلًا أبدًا، وأنه استغرق العديد من السنوات والتكاليف والكثير من العمل البحثي والمساهمات من مختلف الأشخاص -لأخذ مستقبل الذكاء الاصطناعي إلى هذه المرحلة.

بغض النظر عن جميع احتمالات الضرر والعواقب الوخيمة، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي يعد البشرية بأن يكون نقطة تحوّل للعالم، والخبر السار هو أن هناك العديد من الأشخاص الذين يركزون على جعل هذا حقيقةً واقعةً. الأمر لا يتعلق بجني مبالغ طائلة أو الحصول على الشهرة أو القضاء على الوظائف أو السيطرة علينا (هذا الكلام يمكن أن يكون قصص للأطفال فقط)؛ الهدف هو تغيير العالم إلى الأفضل.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...