اذهب إلى المحتوى

أنواع الذكاء الاصطناعي


هدى جبور

إن النمو السريع للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وقدراته القوية جعلت الناس يشعرون بالرهبة بشأن حتمية نجاح ثورة الذكاء الاصطناعي وقرب دخولها في كافة أشكال الحياة. كما أن التحول الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي في الصناعات المختلفة جعل قادة الأعمال والعامة يعتقدون أننا على وشك تحقيق ذروة أبحاث الذكاء الصناعي والوصول إلى أعظم إمكانات الذكاء الصناعي، وهذا غير دقيق تمامًا. هنا يأتي دور معرفة وفهم أنواع الذكاء الاصطناعي الممكنة والأنواع الموجودة الآن على أرض الواقع؛ إن معرفة أنواع الذكاء الصناعي سيعطي صورة أوضح لقدرات الذكاء الصناعي الحالية والطريق الطويل الذي ينتظر أبحاث الذكاء الصناعي.

إن أنواع الذكاء الصناعي هي تقسيمات لها طابع فلسفي أكثر من أي شيءٍ آخر، لذا عند الحديث عن أنواع الذكاء الاصطناعي، لابد من العودة بالزمن للخلف والنظر في المسائل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتي حاول الفلاسفة حلها، مثل: كيف يعمل العقل؟ هل يمكن للآلات أن تتصرف بذكاء كما البشر؟ وإذا تصرفت كالبشر هل سيكون لديهم عقول حقيقية واعية أو مدركة؟ ما هي التداعيات الأخلاقية للآلات الذكية؟

وفقَا للفلاسفة، إن الإشارة إلى إمكانية تصرّف الآلات كما لو كانت ذكية يسمى فرضية الذكاء الاصطناعي الضعيفة Weak AI، أما الإشارة إلى أن تلك الآلات التي تتصرف بذكاء يمكنها التفكير أيضًا (وليس مجرد محاكاة التفكير) يسمى فرضية الذكاء الاصطناعي القوية Strong AI. يعتبر معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي؛ أن فرضية الذكاء الاصطناعي الضعيفة أمرًا مفروغًا منه، ولا يهتمون بفرضية الذكاء الاصطناعي القوية، فطالما أن برنامجهم يعمل، فهم لا يهتمون بما إذا كنت تسميها محاكاة للذكاء أو ذكاء حقيقي.

إن المصطلحان الذكاء الصناعي الضعيف والذكاء الاصطناعي القوي يمثلان أول نوعين ظهرا من الذكاء الصناعي، أما لاحقًا فقد ظهرت أنواع جديدة وفئات سنتعرّف عليها بالتفصيل في هذه المقالة.

تجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث بدأنا السلسلة بإلقاء نظرة موجزة شاملة على كل مايتعلق بهذا العلم في مقالة الذكاء الاصطناعي: دليلك الشامل وسنتحدث في هذا المقال بالتفصيل عن أنواع الذكاء الاصطناعي.

أنواع الذكاء الاصطناعي

أنواع الذكاء الاصطناعي

نظرًا لأن أبحاث الذكاء الاصطناعي تهدف إلى جعل الآلات تحاكي الأداء البشري، فإن الدرجة التي يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي أن يكرر بها القدرات البشرية تُستخدم كمعيار لتحديد أنواع الذكاء الاصطناعي. بالتالي اعتمادًا على كيفية مقارنة الآلة بالبشر من حيث التنوع والأداء، يمكن تصنيف الذكاء الاصطناعي إلى عدة أنواع الذكاء. في ظل هذا المبدأ، سيتم اعتبار الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أداء وظائف بشرية بمستويات متساوية من الكفاءة -كنوع أكثر تطورًا من الذكاء الاصطناعي، في حين أن الذكاء الاصطناعي الذي لديه وظائف وأداء محدود يعتبر نوعًا أبسط وأقل تطورًا.

على وجه الدقة، فإن أنواع الذكاء الصناعي يمكن وضعها ضمن قسمين، الأول يعتمد على القدرات ومحاكاة التفكير البشري والثاني يعتمد على الوظيفية.

أنواع الذكاء الاصطناعي وفقًا لقدراته

أولى أنواع الذكاء الاصطناعي كانت مبنية على أساس القدرات، حيث قُسّم إلى ثلاث أنواع هي الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي والخارق.

لنبدأ مع أول نوع من أنواع الذكاء الصناعي ضمن هذا القسم وهو الذكاء الصناعي الضعيف.

ذكاء اصطناعي ضعيف Weak AI: هل تستطيع الآلات التصرف بذكاء؟

للإجابة على هذا السؤال سنرجع في الزمن إلى المقترح البحثي الذي أنتج أول تعريف للذكاء الصناعي والذي قدّمه جون ماكرثي وفريقه (McCarthy et al., 1955)، حيث أُكّد على أنه "يمكن وصف كل جانب من جوانب التعلم أو أي خاصيّة أخرى للذكاء بدقة بحيث يمكن صنع آلة لمحاكاته". بالتالي فإن الذكاء الاصطناعي تأسّس على افتراض أن الذكاء الاصطناعي الضعيف أمر ممكن. عمومًا أكّد البعض على أن الذكاء الاصطناعي الضعيف أمر مستحيل (Sayre, 1993)، لكن في العقد الأخير من الزمن أصبحنا نرى أنه ممكن.

الآن وبعد أن أجبنا على السؤال الذي طرحناه في البداية (إمكانية التصرف بذكاء)؛ آن الأوان لنعطي تعريفًا يوضح الذكاء الاصطناعي الضعيف نفسه. لذا يمكننا القول بأن الذكاء الاصطناعي الضعيف هو الذكاء الصناعي الذي يتخصص في مجال واحد أو الذي يستطيع تنفيذ مهمة محددة فقط، فمثلاً هناك أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها التنبؤ بمرض محدد أو عدة أمراض لكن لا يمكنها توقع حالة الطقس. يُسمى هذا النوع أيضًا بالذكاء الاصطناعي الضيق Narrow AI أو الذكاء الاصطناعي المتخصص Specialized AI. عمومًا كلمة "ضعيف" تعني أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه ليست قوية وغير قادرة على أداء مهام مفيدة، وهذا ليس هو الحال في وقتنا الحالي، فجميع التطبيقات الحالية للذكاء الاصطناعي تندرج تحت هذه الفئة والكثير منها يتفوق على البشر في المهام المحددة له (تسميتها بالضعيف أصبح غير دقيق).

يمكننا توضيح الذكاء الصناعي الضعيف بالنقاط التالية:

  1. الذكاء الاصطناعي الأكثر شيوعًا من بين جميع أنواع الذكاء الصناعي الأخرى (والمتوفر حاليًا) هو الذكاء الاصطناعي الضعيف.
  2. لا يمكن للذكاء الصناعي الضعيف أن يتعدى مجاله أو حدوده، حيث يتم تدريبه على مهمة واحدة فقط (يفشل في أي مهمة أخرى).
  3. المساعد الشخصي الذكي سيري Siri هو مثال جيد عن هذا النوع، إضافةً إلى حاسوب واتسون Watson العملاق الخاص بشركة IBM أيضًا، حيث يستخدم نهج النظام الخبير جنبًا إلى جنب مع التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية.
  4. من الأمثلة الأخرى على هذا النوع هي السيارات ذاتية القيادة، والتعرف على الكلام، والتعرف على الصور وتصنيف النصوص والترجمة الآلية …إلخ.

ذكاء اصطناعي قوي Strong AI: هل يمكن للآلات أن تفكر؟

ثاني نوع ضمن هذا القسم من أنواع الذكاء الصناعي هو الذكاء الصناعي القوي. يمكن تعريف الذكاء الصناعي القوي (يُعرف أيضًا بالذكاء الصناعي العام General AI أو العميق Deep AI أو الكامل Full AI) على أنه الذكاء الصناعي الذي يمتلك قدرات عقلية وعمليات تفكير ووظائف مُكافئة للدماغ البشري. أي إنشاء آلات ذكية لا يمكن تمييزها عن العقل البشري.

الفلاسفة هنا مهتمون بمشكلة مقارنة بنيتين: الإنسان والآلة، لذا طرحوا السؤال التالي "هل يمكن للآلات أن تفكر؟" هذا السؤال كان عليه العديد من الاعتراضات، فإمكانية تحقيق الذكاء الاصطناعي سيعتمد على كيفية تعريف الكلمة نفسها. قال عالم الحاسب Edsger Dijkstra إن "مسألة ما إذا كانت الآلات تستطيع التفكير، يتعلق بمسألة ما إذا كانت الغواصات تستطيع السباحة". أول تعريف للسباحة في قاموس American Heritage هو "التنقل عبر الماء عن طريق الأطراف أو الزعانف أو الذيل"، وبالتالي فإن الغواصات وفقًا لهذا التعريف لايمكنها السباحة. يعرّف القاموس أيضًا الطيران بأنه "التنقل في الهواء عن طريق الأجنحة"، إلا أن معظم الناس يتفق على أن الطائرات يمكنها الطيران والغواصات يمكنها السباحة. من هنا نستنتج أن الأسئلة والإجابات ليست فكرة دقيقة لتوضيح تصميم أو قدرات الطائرات والغواصات؛ نفس الأمر ينطبق على موضوعنا.

لقد رفض آلان تورينج هذا السؤال "هل يمكن للآلات أن تفكر؟" واستبدله باختبار سلوكي يُعرف باختبار تورينج. إلا أن العديد من الفلاسفة ادعوا أن الآلة التي تجتاز اختبار تورينج لن تفكر في الواقع، لكنها ستكون مجرد محاكاة للتفكير. إلا أن تورينج عاد وقدم العديد من الحجج التي تدعم كلامه، لكن لن ندخل فيها الآن. من هنا نجد أن البشر لا يمكنهم حتى الاتفاق على ماهية الذكاء والتفكير (حتى اللحظة هذه على الأقل)، وبالتالي من الصعب جدًا إعطاء معيار واضح لما يمكن اعتباره نجاحًا في تطوير الذكاء الاصطناعي القوي. يتضح لنا مما سبق أيضًا أن الذكاء الاصطناعي القوي هو نهج فلسفي أكثر منه نهج عملي.

يمكننا توضيح الذكاء الصناعي القوي بالنقاط التالية:

  1. مصطلح يشير إلى فكرة وجود آلة ذات ذكاء عام يمكنها التعلم وتطبيق ذكائها لحل كل مشكلة.
  2. يمكن للذكاء الاصطناعي القوي أن يفكر ويستوعب ويتصرف بطريقة مكافئة للبشر، كما يمكنه أداء أي مهمة فكرية بكفاءة مثل الإنسان.
  3. في الوقت الحالي، لا يوجد مثل هذا النظام.
  4. يركز الباحثون في جميع أنحاء العالم الآن على تطوير الآلات باستخدام الذكاء الاصطناعي القوي.

ذكاء اصطناعي خارق Super AI

أخيرًا هناك مايُسمّى بالذكاء الاصطناعي الخارق وهو النوع الثالث من أنواع الذكاء الاصطناعي. يصف هذا المصطلح سيناريو يتحسن فيه الذكاء الاصطناعي ذاتيًا بطريقة متسارعة ويتجاوز الذكاء البشري -بعبارةٍ أخرى، يصبح ذكاءً خارقًا.

يمكننا توضيح الذكاء الصناعي الخارق بالنقاط التالية:

  1. الذكاء الصناعي الخارق هو مستوى الأنظمة الذكية حيث يمكن للآلات فيه أن تتفوق على الذكاء البشري، ويمكن أن تؤدي أي مهمة بطريقة أفضل من الإنسان ذي الخصائص المعرفية. وهو نتيجة للذكاء الاصطناعي العام General AI.
  2. يتضمن الذكاء الصناعي الخارق أمورًا مثل الذكاء الحقيقي والتفكير والإدراك والوعي وحل الألغاز وإصدار الأحكام والتخطيط والتعلم والتواصل.
  3. يرتبط الذكاء الصناعي الخارق بمفهوم التفرد التكنولوجي، الذي يفترض أن الآلات فائقة الذكاء سوف تتفوق على الحضارة البشرية.
  4. لا يزال مفهومًا افتراضيًا للذكاء الاصطناعي.

أنواع الذكاء الاصطناعي وفقًا لوظيفته

يمكن تصنيف الذكاء الصناعي أيضًا وفقًا للوظيفة Functionality التي يؤديها، فيما يلي سنعرض هذه الأنواع الأربعة. نضع في البداية تعريفًا بسيطًا ثم نوضحه.

1. الآلات التفاعلية Reactive machines

اقتباس

"آلات قادرة على الاستجابة للمحفزات الخارجية في الوقت الفعلي Real time، ولكنها لا تمتلك أي ذاكرة لتخزين المعلومات لاستخدامها في المستقبل"

يمثل هذا النوع أبسط أنواع الذكاء الصناعي وهي آلات تفاعلية بحتة ليس لديها ذاكرة ولاتُخزّن أيّة معلومات سابقة (تتفاعل وفقًا لمعطيات الموقف الحالي؛ لاتستخدم خبرتها السابقة). يُعتبر الحاسب العملاق Deep Blue من شركة IBM الذي يمتلك القدرة على لعب الشطرنج، والذي تغلب على البطل العالمي غاري كاسباروف في عام 1997، أفضل مثال لهذا النوع من الآلات.

يستطيع الحاسب ديب بلو الذي يستخدم تقنيات الذكاء الصناعي -التعرف على القطع الموجودة على رقعة الشطرنج ومعرفة ودراسة كيفية تحرّك كل منها. يمكنه التنبؤ بأفضل الحركات التالية له ومايمكن لخصمه أن يفعل. إلا أن هذا الحاسب لا يتذكر أي شيء من الماضي، ولا أي ذكرى لما حدث من قبل خلال اللعبة (يتجاهل كل شيء قبل اللحظة الحالية). كل ما يفعله هو الاطلاع على القطع الموجودة على لوحة الشطرنج الآن، ثم اختيار أفضل حركة ممكنة.

يُعد برنامج AlphaGo من جوجل مثالاً آخر على الأجهزة التفاعلية، واستطاع هزيمة أفضل اللاعبين. أسلوب التحليل الخاص به أكثر تعقيدًا من أسلوب Deep Blue، حيث يستخدم شبكة عصبية لتقييم تطورات اللعبة.

تعمل هذه الآلات على تحسين قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على لعب ألعاب معينة بطريقة أفضل، لكن لا يمكن تغييرها بسهولة أو تطبيقها على مواقف أخرى. هذه الآلات ليس لها فهم للعالم (تفهم أشياء محددة للغاية)- مما يعني أنها لا تستطيع العمل خارج المهام المحددة الموكلة إليها ويمكن خداعها بسهولة. يمكن أن يكون هذا جيدًا لضمان أن يكون نظام الذكاء الاصطناعي جديرًا بالثقة: فأنت تريد أن تكون سيارتك ذاتية القيادة موثوقًا بها، فربما من السيئ أن نرغب في أن تتفاعل الآلات حقًا مع العالم وفقًا لتخيلاتها المبنية على سيناريوهات سابقة.

2. الذاكرة المحدودة Limited memory

اقتباس

"آلات يمكنها تخزين المعرفة واستخدامها للتعلم والتدريب على المهام المستقبلية"

تتمثل الخطوة التالية من خطوات تطور الذكاء الاصطناعي في تطوير القدرة على تخزين المعرفة. قال رافائيل تينا، كبير باحثي الذكاء الاصطناعي في شركة التأمين Acrisure Technology Group التي مقرها أوستن، إن الأمر سيستغرق ما يقرب ثلاثة عقود قبل أن يتم تحقيق هذا التطور.

أحرز مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2012 تقدمًا كبيرًا جدًا، حيث أتاحت الابتكارات الجديدة في جوجل و ImageNet للذكاء الاصطناعي إمكانية تخزين البيانات السابقة وإجراء التنبؤات باستخدامها. يشار إلى هذا النوع من الذكاء الاصطناعي على أنه ذكاء اصطناعي محدود الذاكرة، لأنه يمكنه بناء قاعدة معرفية محدودة خاصة به واستخدام تلك المعرفة للتحسين بمرور الوقت.

تندرج جميع التطبيقات الحالية التي نعرفها تقريبًا ضمن هذه الفئة من الذكاء الاصطناعي. يتم تدريب جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية من خلال كميات كبيرة من بيانات التدريب التي تخزنها في ذاكرتها لتشكيل نموذج مرجعي لحل المشكلات المستقبلية.

تعد السيارات ذاتية القيادة من أفضل الأمثلة على أنظمة الذاكرة المحدودة. يمكن لهذه السيارات تخزين سرعة السيارات القريبة ومسافة السيارات الأخرى وحد السرعة ومعلومات أخرى للتنقل على الطريق. من الأمثلة الأخرى هي روبوتات المحادثة (ChatGPT مثلًا) والمساعدين الافتراضيين.

ملاحظة: يمكن لأجهزة الذاكرة المحدودة تخزين التجارب السابقة أو بعض البيانات لفترة قصيرة من الوقت.

3. نظرية العقل Theory of mind

اقتباس

"آلات يمكنها الشعور والاستجابة للعواطف البشرية وكذلك أداء مهام آلات الذاكرة المحدودة"

في علم النفس، تُعتبر نظرية العقل أحد فروع العلوم الإدراكية وتتمثل بالقدرة على تمييز أو توقع ما سيفعله الشخص نفسه أو أشخاص آخرون وفهم أن للناس الآخرين معتقدات ونوايا ورغبات وآراء مختلفة. إذًا في هذا النوع يجب أن تتعلم الآلات الذكية المستقبلية كيفية فهم أن كل شخص (الأشخاص وكائنات الذكاء الاصطناعي) لديهم أفكار ومشاعر. يجب أن تعرف أنظمة الذكاء الصناعي المستقبلية كيفية تعديل سلوكها لتتمكن من السير بيننا.

من حيث تقدم الذكاء الاصطناعي، فإن تقنية الذاكرة المحدودة هي أبعد ما وصلنا إليه -لكنها ليست الوجهة النهائية. يمكن لآلات الذاكرة المحدودة التعلم من التجارب السابقة وتخزين المعرفة، لكنها لا تستطيع التقاط التغييرات البيئية الدقيقة أو الإشارات العاطفية. مثلًا المساعدين الافتراضيين مثل أليكسا Alexa وسيري Siri لا تُبدي أي رد فعل عاطفي إذا صرخت عليهم".

إن آلات الذاكرة المحدودة يمكن أن تنجز الكثير، لكن لا يمكنها الوصول إلى نفس مستوى الذكاء البشري حتى الآن. ربما يكون أداء السيارة ذاتية القيادة أفضل من أداء السائق البشري في معظم الأوقات لأنها لن ترتكب نفس الأخطاء البشرية. ولكن إذا كنت كسائق بشري تعلم أن ابن جارك يذهب إلى اللعب بالقرب من الشارع بعد المدرسة في يوم الخميس دومًا، فستعرف غريزيًا أنه يجب عليك أن تبطئ من سرعتك أثناء عبور ذلك الشارع -وهو شيء لن تكون عليه مركبة الذكاء الاصطناعي المزودة بذاكرة محدودة.

يمكن أن تجلب نظرية العقل الكثير من التغييرات الإيجابية في عالم التكنولوجيا، لكنها أيضًا تنطوي على مخاطرها الخاصة. نظرًا لأن الإشارات العاطفية شديدة الدقة، فقد تستغرق أجهزة الذكاء الاصطناعي وقتًا طويلاً لتتقن قراءتها، ويمكن أن ترتكب أخطاء كبيرة أثناء مرحلة التعلم والتطبيق في المراحل الأولى.

اقتباس

"قد تعمل الآلات بشكل أفضل منا بنسبة 90 بالمئة من الوقت، ولكن آخر عشرة بالمئة يمكن أن تصفه الفطرة السليمة فقط، لذا قد يكون من الصعب حقًا الوصول إليها"

ملاحظة: لا يزال هذا النوع من آلات الذكاء الاصطناعي غير مطوّر، لكن الباحثين يبذلون الكثير من الجهود والتحسينات لتطوير مثل هذه الآلات.

4. الإدراك الذاتي Self-awareness

اقتباس

"الإدراك الذاتي هي المرحلة الأخيرة من الذكاء الاصطناعي حيث لا تستطيع الآلات التعرف على مشاعر الآخرين فحسب، بل تمتلك أيضًا إحساسًا بالذات وذكاءً بشريًّا"

تتمثل الخطوة الأخيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي في بناء أنظمة يمكنها فهم نفسها وإدراك ذاتها. في آلات الإدراك الذاتي يتعين على باحثي الذكاء الاصطناعي بناء آلات تمتلك الوعي وليس فهم الوعي فقط.

هذا النوع من أنواع الذكاء الاصطناعي هو امتداد لنظرية العقل التي ناقشناها منذ قليل. الإدراك يختلف عن إدراك الذات؛ الأول هو إدراك بيئة الفرد وجسده ونمط حياته، أما الثاني هو الاعتراف بهذا الإدراك. الإدراك الذاتي هو كيف يعرف الفرد ويفهم بوعي شخصيته ومشاعره ودوافعه ورغباته ("أريد هذا العنصر" يختلف تمامًا عن "أعلم أنني أريد هذا العنصر"). نفترض أن شخصًا ما يصرخ خلفنا أثناء الانتظار من أجل حركة المرور لأنه غاضب أو غير صبور، فهذا هو ما نشعر به عندما نصرخ على الآخرين. بدون نظرية العقل، لن نتمكن من إنجاز تلك الأنواع من الاستدلالات.

في حين أننا ربما نكون بعيدين عن إنشاء آلات تدرك نفسها بنفسها، يجب أن نركز جهودنا نحو فهم الذاكرة والتعلم والقدرة على اتخاذ القرارات بناءً على التجارب السابقة. هذه خطوة مهمة لفهم الذكاء البشري تلقائيًا. ومن الأهمية بمكان إذا أردنا تصميم أو تطوير آلات تكون أكثر من استثنائية في تصنيف ما يرونه أمامهم.

على الرغم من أن تطوير الإدراك الذاتي يمكن أن يعزز تقدمنا كحضارة على قدم وساق، إلا أنه يمكن أن يؤدي أيضًا إلى كارثة. لأنه بمجرد إدراكه لذاته، سيكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على امتلاك أفكار مثل الحفاظ على الذات والتي قد تحدد بشكل مباشر أو غير مباشر النهاية للبشرية، حيث يمكن لمثل هذا الكيان أن يتفوق بسهولة على عقل أي إنسان ويخطط لمخططات غير متوقعة.

خاتمة

على الرغم من حقيقة أن الذكاء الصناعي لا يزال في بداياته وغير مستكشف تمامًا، إلا أنه ربما يكون أكثر إبداعات البشرية تعقيدًا وإذهالًا حتى الآن. مما يعني أن كل تطبيق ذكاء اصطناعي مذهل نراه اليوم يمثل مجرد قمة جبل الجليد للذكاء الاصطناعي.

تحدثنا في هذه المقالة عن جميع فئات وأنواع الذكاء الاصطناعي، وهذه التصنيفات مهمة للباحثين والمطورين لتحديد أهدافهم التقنية. ومهما كان ما يخبئه المستقبل، فإن الذكاء الاصطناعي هو مجال بحثي ضخم ومهم وسريع النمو. على الرغم من أننا بالكاد خدشنا سطح إمكاناتها، فقد غيرت بالفعل الطريقة التي تؤدي بها كبرى الشركات عملها والذي سيتمد أيضًا لتغيير أسلوب حياة البشرية ككل.

إن أردت الاستزادة، فإليك مصادر إضافية عربية لتعلم الذكاء الاصطناعي توفرها أكاديمية حسوب:


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...