اقتباساللعب ليس نقيض العمل، بل هو نقيض الاكتئاب.
-- بريان سوتون سميث.
يميل البشر بفطرتهم إلى الاستمتاع باللعب، ولطالما كانت الألعاب جزءًا لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية. يشير التلعيب إلى محاولة إدخال عناصر اللعب إلى الوسط غير المتعلق بالألعاب، وسندرس في هذه السلسلة من المقالات المتعلقة بمفهوم التلعيب في تصميم البرمجيات تطبيق هذه العناصر في برمجيات المشاريع التجارية بهدف تمكين العملاء والشركاء والموظفين من التفاعل مع عمليات المؤسسة وأنظمتها بطريقة ممتعة.
هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات حول التلعيب Gamification:
- مزج العمل باللعب
- التصميم المتمحور حول اللاعب
- اللاعب
- المهمة
- الدوافع
- التقنيات
- الإدارة والمراقبة والقياس
- الضوابط القانونية والأخلاقية
- أمثلة عن التلعيب في المؤسسات
إزالة الأوهام
إذا كنت تخطط لاستخدام التلعيب في برمجيات مشروعك التجاري، فعليك أن تستعد أولًا للتصدي للمشككين. يُعَد التلعيب مفهومًا جديًدا لا يزال في طور الظهور، لذلك فلا عجب في انتشار أفكار خاطئة حوله. سنستعرض بعض البيانات المتعلقة باللعب والتلعيب والطبيعة المتغيرة لبرمجيات العمل، والتي تساعدك على مواجهة هذه الأوهام والأفكار الخاطئة.
الخطأ الأول: رواد الألعاب جميعهم من المراهقين وبرمجيات المؤسسات مخصصة للكبار
يتمثل أكثر الأفكار الخاطئة شيوعًا بالاعتقاد بأن المراهقين هم الفئة الوحيدة المهتمة باللعب وأساليب التلعيب، وبالتالي فمن غير الملائم تطبيق هذه المفاهيم على برمجيات المؤسسات.
وفقًا لبيانات منظمة برمجيات الترفيه عام 2012، يبلغ العمر الوسطي لرواد الألعاب 30 عامًا، وتقدَّر مدة انخراط الفرد منهم في الألعاب وسطيًا بـ 12عامًا، و68% من رواد الألعاب تبلغ أعمارهم 18 فما فوق. لا يدل هذا فقط على أن رواد الألعاب ليسوا جميعهم من فئة المراهقين، بل يؤكد أن المراهقين باتوا يشكلون أقلية ضمن مجموع رواد الألعاب.
بالإضافة لذلك فإن الإحصائيات الديموغرافية المتعلقة بالعاملين في المؤسسات تتغير أيضًا، فقد دخل الإنسان الرقمي ساحةَ العمل؛ والإنسان الرقمي وفقًا لويكيبيديا هو الشخص الذي ولد بعد عام 1960، أثناء دخول التقنيات الرقمية الواسعة أو بعدها، وهو قادر على فهم مبادئ هذه التقنيات بصورة أفضل بسبب تفاعله معها في مراحل مبكرة من حياته. نشأت هذه الأجيال وهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى ألعاب الفيديو التفاعلية وبرمجيات المستخدمين، لذا فإن أفرادها لديهم توقعات مشابهة حول برمجيات مؤسسات العمل.
الخطأ الثاني: رواد الألعاب جميعهم من الذكور والعاملون في المشاريع التجارية ذكور وإناث
وفقًا لحقائق منظمة برمجيات الترفيه عام 2012، تشكل الإناث نسبة 47% من مجموع اللاعبين، والنساء فوق سن 18 هنّ من أكثر الفئات نموًا في هذا المجال. من أسباب انتشار المعلومات الخاطئة المتعلقة بذلك هو أن الناس يعمّمون تجربة ألعاب القتال (من نوع تصويب منظور الشخص الأول) على جميع الألعاب، رغم أن 33% من اللاعبين يلعبون ألعابًا اجتماعية، ويلعب الكثيرون ألعابًا تعليمية. تشكل النساء الجزء الأكبر من رواد ما يسمى بالألعاب البسيطة Casual game مثل Pogo وغيرها. أدى أيضًا انتشار تقنيات الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي واتساع نطاق الألعاب إلى جذب المزيد من اللاعبين ومنهم النساء إلى هذا المجال.
الخطأ الثالث: رواد الألعاب كسالى وتحتاج المشاريع التجارية إلى موظفين مندفعين لتحقيق النجاح
أشارت الباحثة في جامعة واشنطن جين ماكغونيغال في كتابها بعنوان "الواقع محطم Reality is Broken" وفي حديثها إلى منصة تيد TED تحت عنوان "يمكن للعب أن يصنع عالمًا أفضل"، إلى أن رواد الألعاب هم أشخاص مندفعون بشدة ومستعدون لتغيير العالم. على سبيل المثال، لعبة وورد أوف ووركرافت التي يشار إليها اختصارًا بـ WoW هي لعبة فيديو من نوع ألعاب تقمص الأدوار كثيفة اللاعبين على الإنترنت، ويقضي اللاعب وسطيًا 22 ساعة أسبوعيًا على هذه اللعبة التي تعتمد على الإستراتيجية وحل المشاكل، كما تأتي موسوعة WoW بنظام ويكي في المرتبة الثانية بعد ويكيبيديا مباشرةً في الحجم والمحتوى. تشير ماكغونيغال إلى وجوب استغلال هذه الطاقة والقدرات الإبداعية لحل مشاكل العالم الحقيقي.
تقول جين ماكغونيغال: "هدفي في العقد القادم هو محاولة جعل إنقاذ العالم الحقيقي بنفس سهولة إنقاذ العالم في الألعاب الإلكترونية على الإنترنت". عمل فريق من العلماء الأكفاء على مدى أكثر من عقد من الزمن على تقنية تدعى طيّ البروتين في خضمّ جهود بحثية تسعى لفهم أمراض معينة والوقاية منها وعلاجها، مثل عوز المناعة المكتسبة (الإيدز) والسرطان وألزهايمر، لكنهم لم يحرزوا التقدم المنشود، فقرروا الاستعانة بالتلعيب من خلال إنشاء لعبة Foldit التي تسمح للاعبين بطيّ البروتين بطرائق مختلفة، ومن ثم دعوة عامة الناس للعب هذه اللعبة على الإنترنت. تطوع 47000 شخص لخوض هذا التحدي وحُلّت المعضلة بغضون عشرة أيام! إذا كان استعراض التحديات بشكل ألعاب مصممة جيدًا قادرًا على إطلاق العنان للطاقات الكامنة لدى المتطوعين في حل المشكلات بطرائق إبداعية تساهم في الأبحاث العلمية، فتخيل ما يمكن أن تحققه هذه التقنيات على مستوى مؤسستك!
الخطأ الرابع: لا يمكن مزج العمل باللعب
يعتقد المدافعون عن هذه الفكرة بأن العمل واللعب نقيضان لبعضهما البعض، لكن وكما يقول بريان سوتون سميث؛ فإن اللعب ليس نقيض العمل، بل هو نقيض الاكتئاب. يحب الناس كلًا من العمل واللعب، ويهدف نظام التلعيب المؤسسي المصمم جيدًا إلى زيادة الارتباط بالعمل وعدم تشتيت الانتباه عنه. نبحث في هذه السلسلة من المقالات عن التلعيب كيفية إنشاء نظام تلعيب جيد التصميم موافق لهذه الغايات.
التلعيب موجود حولنا
إذا لم تكن المعلومات السابقة مقنعة للمشككين، يمكنك الإشارة إلى أنهم قد اختبروا التلعيب بالفعل في تطبيقات يستخدمونها مسبقًا، ومن أبرز تقنيات التلعيب التي قد واجهها معظم الناس:
برامج المسافر الدائم
من الأمثلة المهمة لعبة ولاء المسافر المتكرر لشركات معينة، التي خاضها الكثير من الناس، والتي تقدم عروض رحلات جوية وحجوزات فنادق للمشتركين. تعمل هذه الشركات على تحفيز العملاء وتوجيه سلوكهم من أجل اختيار الحجز على متن خطوطهم الجوية أو اختيار الإقامة في فنادقهم. تمكنت هذه الشركات على مر السنين من إضافة جوانب جديدة إلى اللعبة عبر بطاقات الائتمان والخصم المباشر ذات العلامة التجارية الشريكة، وكلما خضت في اللعبة أكثر ستربح أكثر، كما ستحقق لهم الربح أيضًا.
لينكد إن
يشجع موقع شبكة العلاقات المهنية مستخدميه على إضافة المزيد من المعلومات المهنية عبر تقنية تلعيب بسيطة؛ وهي مؤشر التقدم. لا شك بأن معظم الناس قد تعاملوا مع هذا المؤشر الذي يخبرهم مثلًا بأن ملفهم الشخصي مكتمل بنسبة 95%، وما الذي يمكن فعله للوصول إلى 100%. يعمل هذا المؤشر على تذكير المستخدم على الدوام بنقص معلومات ملفه الشخصي، كما يدله على طريقة إكماله.
نسبة اكتمال الملف الشخصي في لينكد إن
يستخدم لينكد إن أيضًا طريقةً أخرى تركز على قوة المجتمع من خلال إظهار إحصائيات شبكة العلاقات، والتي تُعَد بسيطة وفعالة في آنٍ واحد، مثل إظهار عدد الأشخاص في شبكتك، وعدد مرات استعراض الآخرين لملفك الشخصي، بالإضافة إلى إمكانية رؤية الإحصائيات الخاصة بالآخرين ضمن شبكتك. يُعَد هذا استخدامًا نموذجيًا لتقنيات التلعيب من أجل تحفيز الناس على توسيع شبكة علاقاتهم، وبالتالي تعزيز قيمة موقع لينكد إن.
إحصائيات شبكة العلاقات في لينكد إن
أضاف لينكد إن فيما بعد طريقةً للمصادقة على مهارات زملائك من خلال نافذة تفاعلية تشبه اللعبة تجذبك إلى المشاركة بتقييم زملائك في الشبكة.
طلبات المصادقة في لينكد إن
يعرض لينكد إن أيضًا لوحة متابعة للمصادقات التي قدمها جميع الأعضاء، من أجل استعراض المهارات التي صادقوا عليها، مع صور مصغرة للزملاء الذين قدموا هذه المصادقات.
تُعَد ميزة المصادقة التي صممها لينكد إن بسيطةً ومسلية للشخص الذي يصادق على المهارات، فضلًا عن كونها ممتعةً للشخص الذي يتلقى المصادقات.
تفيد هذه الخصائص في زيادة عدد المشاركين في موقع لينكد إن وإغنائه بمعلومات إضافية حول الأعضاء المشتركين.
إحصائيات المصادقة في لينكد إن
السيارات الموفرة للوقود
تشجع السيارات الموفرة للوقود على ممارسات القيادة الموفرة للطاقة بطرائق متعددة، فهي تعطي السائق معلومات آنية حول استهلاك الطاقة على لوحة التحكم عند تشغيل السيارة. تملك سيارات تويوتا بريوس لوحة تحكم مشابهة تبين ما إذا كان السائق يستخدم البطارية أو يشحنها أو يستخدم البنزين.
لوحة تحكم سيارات بريوس
بالإضافة لذلك، تقدم بعض السيارات مثل نيسان ليف موقع ويب للمالكين يجمع بيانات الاستهلاك من مجموع السائقين.
موقع الويب الشخصي لمالك سيارة نيسان ليف
مراجعات عملاء أمازون
المراجعات من أنجح طرائق تحفيز العملاء وأوسعها انتشارًا، ويعتمد أمازون طريقةً ممتعة للعملاء لمشاركة مراجعاتهم حول المنتجات التي اشتروها مع تعيين عدد النجوم وفقًا لمدى رضاهم عن المنتج. يُعَد تعيين النجوم وإشراك الجمهور في التقييم من أساليب التلعيب، كما يذهب أمازون إلى أبعد من ذلك، إذ أن المراجعات بحد ذاتها قابلة للتقييم، من خلال توفر خيار تحديد مدى فائدة المراجعة للآخرين، مما يوضح قيمة كل مراجعة على أمازون.
نظام تقييم الجمهور في أمازون
تجنب الحماس المفرط
إنّ كلًا من التوقعات المبالغ بها وسوء تقدير الجهد المطلوب لا يقلّان خطورةً عن التشكيك في فائدة التلعيب.
يختلف أسلوب التلعيب عن تصميم اللعبة
ليس بالضرورة أن يجعل التلعيب تطبيقك يبدو على شكل لعبة، إذ أن إضافة بعض أساليب التلعيب البسيطة (مثل مؤشر التقدم من لينكد إن) ذات الهدف الواضح أفضل من الإضافات الأخرى الطنّانة والرنّانة التي تفتقر إلى غاية محددة، مثل الرسوميات البرّاقة والأنماط اللافتة بصريًا وحتى المؤثرات الصوتية.
التلعيب ليس سهلا
التلعيب ليس مجرد إضافة بعض النقاط أو الأوسمة أو لوحات الصدارة إلى واجهة المستخدم دون عناية، فقد تؤدي بعض الأساليب الرديئة إلى تنفير المستخدمين. يتطلب التلعيب إدخال تقنيات مدروسة تجذب انتباه الجمهور.
تجنب الخداع
لا يهدف التلعيب إلى التلاعب بالمستخدمين بل إلى تحفيزهم، وهو بجوهره شكل من أشكال التصميم الجيد، الذي يحرص بدوره دائمًا على احترام المستخدم.
لا يمكن أن يصلح التلعيب نموذج مشروع سيئ
التلعيب ليس عصا سحرية تحسّن نماذج العمل الرديئة من خلال إضافة بعض الأوسمة والنقاط، إنما يفيد تطبيق تقنيات التلعيب بعناية في تعزيز نماذج العمل المدروسة بإحكام وتسريع تكيُّف وتفاعل الموظفين والمستخدمين وعموم المجتمع معها.
الألعاب تعلمنا الكثير
فكر قليلًا بلعبتك المفضلة واسأل نفسك لماذا تراها ممتعةً وتفاعليةً للغاية، ثم فكر بعملك، هل سيكون الأمر سيئًا لو كان العمل شبيهًا بعض الشيء بلعبتك المفضلة؟
إليك هذه الموازنة بين خصائص الألعاب والعمل:
الألعاب | العمل | |
المَهمة | متكررة لكن مسلية | متكررة ومملة |
التقييم | مستمر | مرة في السنة |
الأهداف | واضحة | متباينة وغير واضحة |
طريقة الامتياز | واضحة | غير واضحة |
القواعد | واضحة وشفافة | غير واضحة وغير شفافة |
المعلومات | مقدار مناسب من المعلومات في التوقيت المناسب | مقدار غير مناسب في توقيت غير مناسب |
الفشل | متوقَّع ويرافقه دعم وإثارة ويمكن الحديث عنه بكل أريحية | ممنوع ويعاقَب عليه ولا يمكن الحديث عنه أو وضعه ضمن الاحتمالات |
حالة المستخدم | واضحة في كل وقت | غير واضحة |
الترقي | يتبع للجدارة | يحتاج إلى التملق |
التعاون | موجود | محتمل |
السرعة والمجازفة | عالية | منخفضة |
الاستقلالية | موجودة | متوسطة أو منخفضة |
قابلية السرد على شكل قصة | نعم | في حالات خاصة فقط |
المعوقات | متعمدة | عارضة |
موازنة بين خصائص الألعاب والعمل.
من الواضح أن هناك الكثير من الخصائص التي يمكن أن نتعلمها من تصميم الألعاب لزيادة الارتباط بالعمل وجعله أكثر متعة.
الخلاصة
التلعيب مفهوم جديد في سياق برمجيات المؤسسات، وكما هو الحال في جميع المفاهيم الجديدة فهناك الكثير من الأفكار الخاطئة حوله. تحدثنا بإيجاز في هذا المقال عن أهم الأوهام الشائعة حول التلعيب وفنّدناها من خلال أمثلة ومعلومات من أرض الواقع، وأشرنا إلى وجود نماذج عديدة للتلعيب في برمجيات المستخدمين في الوقت الراهن، والتي صُممت لتحفيز المستخدم وزيادة تفاعله. أخيرًا، من الضروري عدم المبالغة بتوقعاتك أو توقعات الأطراف المعنية حول نتائج تقنيات التلعيب، لضمان القدرة على تحقيقها على الدوام.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال 1. Chapter 1: Mixing Work and Play لصاحبيه Mario Herger وJanaki Kumar.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.