أهم الأمور التي يجب أن يفكر فيها مصممو تجربة المستخدم هي كيف يرى المستخدم الواجهة وكيف يتفاعل معها، إذ يعتمد إدراك المستخدم وسلوكه وتفاعله اعتمادًا كبيرًا على التأثير النفسي للتصميم عليه، لذا يحتاج تصميم تجربة المستخدم إلى الإلمام بمبادئ علم النفس.
علم النفس المعرفي هو فرع محدد من علم النفس يدرس الإدراك الحسي والملَكات المعرفية لدى البشر، وله دور كبير في عملية تصميم تجربة المستخدم.
لنلقِ نظرةً على المبادئ المهمة لعلم النفس المعرفي التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا على تصميم تجربة المستخدم.
1- احرص على طلاقة الإدراك
يُقصد بطلاقة الإدراك سهولة معالجة الدماغ للمعلومات، تمامًا مثلما تشير طلاقة الكلام إلى سهولة وسلاسة التحدث بلغة معينة. وتسمح الواجهة للمستخدم بمعالجة المعلومات وفهمها بسهولة ودون عناء من خلال التفاعل مع المستخدم وجذب انتباهه، وتلعب عناصر التصميم دورًا رئيسيًا في ضمان تحقيق طلاقة الإدراك.
يتلقف الدماغ البشري المعلومات البسيطة بسرعة، ويسهُل عليه تذكرها إذا كانت مألوفة. فإذا كنت حريصًا على طلاقة الإدراك، فعليك أولًا الالتزام بالبساطة، إلى جانب الالتزام بأساليب التصميم المعيارية، وتجنُّب استخدام أي عنصر تصميمي يسبب التشوش أو يصعب فهمه.
نذكر فيما يلي المبادئ الجوهرية لطلاقة الإدراك في تصميم تجربة المستخدم:
- تجنب تضمين الكثير من الكتابة في الصفحة.
- احرص على إتاحة مجال للتروّي ضمن المحتوى النصي المتتابع، من خلال ترك فراغ أو استخدام فقرات قصيرة أو إضافة عناوين فرعية أو تعدادات، بحيث يتمكن القارئ من إدراك عناصر المحتوى بلمحة سريعة.
- استخدم عناصر مرئية ملائمة للسياق ضمن المحتوى لتسهيل التعبير عن أفكارك.
- اترك مساحات بيضاء كافية ضمن المحتوى لمساعدة المستخدم على التركيز.
- استخدم العناصر والأنماط التصميمية المألوفة كثيرًا، مثل جعل زر القائمة الجانبية على شكل ثلاثة خطوط أفقية متوازية (ما يسمى بقائمة هامبرغر) في شاشة موقع الويب على الجوال وفي تطبيق الجوال.
- لا تحاول إعادة تصميم كل عنصر من جديد، واستخدم العناصر التصميمية التي يألفها عملاؤك.
2- قلل عدد الخيارات المتاحة
يُعرف هذا المبدأ بقانون هيك Hick’s Law، الذي يدرس مدى سرعة معالجة المعلومات في الدماغ البشري عند مواجهة العديد من الخيارات. وفقًا لها القانون، كلما زاد عدد الخيارات المتاحة، تأخرت عملية اتخاذ القرار بصورة متناسبة. على سبيل المثال، تجري عملية الشراء بوجود خمسة خيارات مختلفة بصورة أسرع منها عند وجود عشرة خيارات مختلفة.
يمكنك الاستفادة من هذا المبدأ لتحقيق نتائج أفضل فيما يخص الواجهات الرقمية، مثل إضافة خيارات المشاركة الأكثر استخدامًا فقط، بدلًا من إضافة خيارات كثيرة. وقياسًا بذلك، يمكنك اختصار عدد الحقول التي يجب تعبئتها وأزرار الدعوة لاتخاذ إجراء CTA.
لقد استفادت منصات التجارة الإلكترونية من هذا المبدأ المعرفي، إذ أدّى تخفيض عدد الأصناف عند عرض خيارات لسلعةٍ ما إلى زيادة تفاعل المستخدم، وبالتالي زيادة شرائه.
يمكن أن تستفيد الكثير من العلامات التجارية أيضًا من هذا المبدأ لتحسين نسبة النقر إلى الظهور CTR لديها تحسينًا كبيرًا. وتُعَد الفكرة الجوهرية من هذا المبدأ هي تقليل مقدار التفكير المطلوب من الناس لاتخاذ القرار حول الخطوة التالية التي سيقْدمون عليها، مما يساعدهم على سرعة أخذ القرار.
3- أعط تلميحات حول ما سيحدث بعد قليل
تفيد تهيئة المستخدم لتلقّي المعلومات أو العمليات التفاعلية القادمة في تحسين إدراكه ومساعدته على اتخاذ إجراءات حاسمة. وقد يكون ذلك على شكل تحديد مدة إجراءٍ ما أو إشعار بعملية تفاعلية تالية أو أية معلومات جديدة. من الأمثلة على ذلك؛ نقل المستخدم إلى شاشة تنبيهية قبل تحويله إلى موقع خارجي، أو حساب الزمن اللازم للتحميل لتخفيف عبء الانتظار على المستخدم.
يجب استخدام هذه التهيئة (أو التكييف) بصورة مدروسة لكي لا تؤثر سلبًا على عملية اتخاذ القرار لدى المستخدم. على سبيل المثال، في حال كان موقع الويب لعلامة تجارية للأزياء يعرض ملابس نسائيةً فقط على صفحة الانتظار قبل تحميل الصفحة، فقد يظن المستخدم أن العلامة التجارية متخصصة بالملابس النسائية فقط.
4- تأثير الحرباء
يميل الناس إلى التأثر بالحالة النفسية للآخرين، فرؤية الكثير من الوجوه السعيدة تحرك لديك الشعور بالبهجة، وبالمثل، فإن إشارة الخطر تنبه دماغك إلى وجود شيء محظور أو مؤذٍ. يطلق على هذه الظاهرة في علم النفس اسم تأثير الحرباء، ويستفاد منها كثيرًا في عملية تصميم تجربة المستخدم.
الحيلة التي يمكنك اتباعها هي إنشاء محتوى وتصميم يبث مشاعر معينة لدى المستخدم لا إراديًا، وهناك أمثلة عديدة عن استخدام هذا التأثير في تصميم مواقع الويب والتطبيقات، مثل صورة الرجل الآلي المحطَّم على صفحة الخطأ 404 من جوجل، والتي توحي لك بحدوث خطأ تقني ما. ومن الأمثلة الأخرى، استخدام تطبيق تعليم اللغات دولينغو لطائر لطيف يعبّر عن مشاعر المفاجأة أو الفرح أو الحزن وفقًا لحالتك ومستوى تقدمك في التعلُّم، فإذا فاتك الدرس يومًا ما مثلًا، فسيظهر لك الطائر باكيًا على الشاشة، مما يجعلك تشعر بالأسف. هناك الكثير من الأدوات الممتازة التي يمكن أن يستخدمها مصممو تجربة المستخدم بالاستفادة من هذا التأثير.
ينطبق هذا أيضًا على صناعة المحتوى، إذ يحرّض الكاتب مشاعر الحماس أو الشك لدى القارئ من خلال استخدام تعابير معينة، وذلك بهدف إبقائه على درجة عالية من التفاعل. الفكرة الجوهرية من هذا المبدأ هي تحريض مشاعر وأحاسيس معينة لدى المستخدم ليتفاعل مع المنتج بالطريقة المطلوبة.
5- نقل الخبرات السابقة
يتفاعل المستخدمون باستمرار مع الكثير من واجهات مواقع الويب والتطبيقات بشتى أنواعها، وقد أصبحت بعض التفاعلات والسلوكيات الرقمية تجاه ميزات وواجهات معينة معروفةً وشائعة، لذا يمكنك تضمين عناصر مشابهة في تجربة المستخدم ليتفاعل المستخدمون بنفس الطريقة، وبذلك تختصر بعض الجهد عليهم وتجعل التفاعل أسهل.
يدعى هذا المبدأ المعرفي المستخدَم في التصميم بـ: النقل. على سبيل المثال، يلاحظ أي شخص يستخدم مايكروسوفت وورد وجود الكثير من التشابه في أدوات التحرير مع التطبيقات والبرامج الأخرى الخاصة بكتابة المستندات أو الملاحظات، إذ يعاد استخدام بعض الأساليب والأدوات لتسهيل الأمر على المستخدم وتمكينه من التلاؤم بسرعة.
6- التموضع من اليمين إلى اليسار & من الأعلى إلى الأسفل
هناك الكثير من الطرائق المثبتة لجذب انتباه المستخدم لمعلومة معينة؛ مثل تباين الألوان، أو تغيير حجم الزر أو نمط الخط المكتوب فيه، أو استخدام التأثيرات الضبابية، لكن يجب التركيز مع هذه الطرائق على التموضع من اليمين إلى اليسار (أفقيًا) ومن الأعلى إلى الأسفل (عموديًا)، إذ ينصّ هذا المبدأ المعرفي على أن دماغنا مهيَّأ مسبقًا لمعالجة المعلومات بصورة أفضل إذا كانت وفق الاتجاه من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل. يعود سبب ذلك إلى أننا معتادون على القراءة والكتابة بهذا الاتجاه بالنسبة للغة العربية. ينعكس الاتجاه أفقيًا ليصبح من اليسار إلى اليمين بالنسبة لمتحدثي اللغات الأجنبية التي تعتمد هذا الاتجاه، مثل الإنكليزية.
يستفيد مصممو تجربة المستخدم من هذا المبدأ المعرفي في تحديد موضع العناصر بطريقة تجذب انتباه المستخدم وفقًا للجمهور المستهدف. على سبيل المثال، يمكن أن تراعي منصات التجارة الإلكترونية هذا المبدأ عند عرض المنتجات الأكثر مبيعًا على صفحاتها.
7- الاستخدام الفعال للتكرار في كتابة تجربة المستخدم
عادةً ما يُعَد التكرار أمرًا سلبيًا في الكتابة، لكن الوضع يكون معاكسًا عند تكرار كلمات ومصطلحات معينة في النص بهدف إقناع القارئ أو ترك انطباع عميق، فقد لاحظ الباحثون أن مرور المعلومة لمرات عديدة على الشخص يجعله أكثر قابلية لتصديقها.
تتّبع بعض المواقع هذا المبدأ في كتابتها التسويقية، فتكرّر استخدام كلمات معينة لترك الانطباع المطلوب. على سبيل المثال، يمكن أن تعمَد شركة ما مختصة بتخطيط موارد المؤسسات إلى تكرار استخدام مصطلحات مثل "التخصيص/ الملاءمة/ وفقًا لحاجة كل مؤسسة.."، وذلك لترك انطباع قوي عن هذه الفكرة.
ليس من الضروري أن يكون التكرار حرفيًا، فاستخدام كلمات وتعابير مختلفة تحمل المعنى نفسه أجدر بإقناع المستخدمين، وهنا يبرز دور كتابة تجربة المستخدم. يلجأ كاتب تجربة المستخدم إلى التكرار بصورة مدروسة وفقًا للسياق، لإقناع المستخدمين بقيمة معينة يتطلب المشروع تسليط الضوء عليها.
8- الاستفادة من علم النفس اللوني
لنتحدث في النهاية عن بعض الأفكار حول تأثير ألوان التصميم على الإدراك. أولًا، ترتبط العلامات التجارية بألوان معينة، مثل مجموعة ألوان جوجل الزاهية التي تشير إلى تعدد مجالاتها، وتكرار استخدام اللون الأزرق في مايكروسوفت الذي يشير إلى المهنية والموثوقية.
بالنسبة لتصميم واجهات مواقع الويب أو التطبيقات، يجب أيضًا اختيار مجموعة ألوان تعبر عن الهوية، لكن مع أخذ التأثير النفسي للألوان بالحسبان.
يعتمد التأثير النفسي للألوان على طبيعة الجمهور المستهدف، إذ تختلف الاستجابة للألوان مثلًا بين الرجال والنساء، كما تختلف باختلاف المجموعات العِرقية، لذا يجب دراسة تلاؤم الألوان مع جمهورك المحدد.
أهم نقطة تجب مراعاتها عند اختيار التدرجات اللونية من عجلة الألوان هي الانسجام، فعندما تريد المشاركة بين لونين مختلفين مثلًا، فإن التباين الحادّ الذي يظهر عند اختيار لونين متقابلين تمامًا من العجلة يسبب التشتيت البصري، لذا فمن الضروري اختيار لونين متتابعين على عجلة الألوان لضمان الانسجام اللوني.
هناك طريقة أخرى تنص على إضافة لون حيادي يخفف من فجوة التباين ويحقق الانسجام. يمكنك اتباع قاعدة 60-30-10 اللونية عند استخدام ثلاثة ألوان من أجل ضمان التوازن. تنص هذه القاعدة على أن يشغل لون رئيسي محايد 60% من المساحة الملونة، ويشغل اللون المكمِّل له 30% منها، ويشغل لون تأكيدي الـ 10% المتبقية.
الخلاصة
يحتاج توظيف مبادئ علم النفس المعرفي في تصميم تجربة المستخدم إلى اتباع نهج دقيق جدًا، فلا يمكنك إدخال أي عنصر تصميمي جاهز عشوائيًا دون التحقق من توافقه مع نهجك الخاص. تذكر أنه يجب تبرير كل اختيار من خلال دراسة تأثيره على وعي المستخدم، ومدى إسهامه في تسهيل إيصال المعلومات، وتركه الانطباع المطلوب. تكمُن المفارقة في أن هذه العملية معقدة ومتعددة الجوانب، وكل ذلك بهدف الوصول إلى البساطة عند الاستخدام.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال 8 Cognitive Psychology Tricks for UX Design لصاحبه Tuhin Bhatt.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.