من الأمور المهمة التي لا يخبرك عنها العاملون في مجال إدارة المنتجات، أنهم لا يهتمون حقيقةً بالمهارات الفنية، أو ما يسمى Hard Skills، مثل كتابة وثائق المنتج PRD وإجراء مقابلات مع المستخدم وفهم تجربة المستخدم والمعرفة العميقة بعالم الأعمال، والخبرة الطويلة بالتقنيات الحاسوبية. والمغزى من ذلك، أن منصب مدير المنتجات يتطلب أكثر من مجرد مهارات في التصميم والتقنيات الحاسوبية وريادة الأعمال.
تقول الكاتبة ومديرة المنتجات Taruna Manchanda:
اقتباسعندما بدأت مسيرتي المهنية في إدارة المنتجات منذ بضع سنوات، كانت كل عمليات البحث التي أجريها على جوجل عن مهام ومهارات مدير المنتجات تنتهي بنتيجة واحدة، هي عبارة عن مخطط فين (الصورة في الأسفل، وهو مخطط يستخدمه علماء الاحتمالات لشرح التداخل بين المجموعات)، وهو يبيّن أن عمل مديري المنتجات يتركز ضمن تقاطع ثلاثة مجالات: التقنيات الحاسوبية والتصميم وريادة الأعمال؛ لذا بدأت أجمع الكثير من الكتب حول هذه الموضوعات الثلاثة، وقرأت ما لا يقل عن 50 كتابًا في أقل من عام واحد، ثم صدِمت بالواقع! استغرق الأمر مني الكثير من الأيام وتطلب بناء الكثير من المنتجات، حتى تعلمت أن إدارة المنتجات هي أكثر من مجرد أعمال تجارية وتجربة مستخدم وتقنيات حاسوبية، وأن هذه الأمور مجرد جزء من وظيفة إدارة المنتج، وليست كل الوظيفة. فهي ببساطة وظيفةٌ تتطلب جرأةً وصبرًا لا ينفد، وخوض معارك داخلية لا تنتهي، إلى جانب الرضا رغم كل ذلك. بعد مضي ما يقارب الأربع سنوات على دخولي المجال والعمل على إنتاج منتجات حقق بعضها الكثير من النجاح بالتعاون مع ألمع العقول في السوق، استطعت أن أملأ جعبتي بالكثير من المعلومات. ولا أخفي سرًا أن جزءًا كبيرًا من هذه الخبرة أتى نتيجة ارتكاب أخطاء عديدة، والفشل تارةً، وتمنّي لو أنني تعاملت مع بعض الأمور بأسلوب أفضل تارةً أخرى.
نقدم لك فيما يلي عصارة الدروس التي يجب أن يتعلمها مدير المنتجات:
الدرس الأول: لا مكان للحزن لدى مدير المنتجات
ليس من الشائع أن يعمل مدير المنتجات في جو من الاسترخاء، مثل الجلوس على شاطئ البحر وكتابة وثائق متطلبات المنتج PRD، بل يكون محاطًا دائمًا بمصممي تجربة المستخدم ومهندسي التقنيات ورجال الأعمال الذي يهزون رؤوسهم إلى الأعلى والأسفل أثناء سماعهم لملاحظاته وتوجيهاته، ويمتلئ جدوله اليومي بالاجتماعات والمحادثات والكثير من المواءمات والأفكار المتبادلة والاعتراضات.
إن وظيفة مدير المنتجات أشبه بوظيفة في مجال المبيعات، فهي تلك الوظيفة التي لا تنتهي فيها المكالمات أبدًا، وكل لحظة فيها هي عبارة عن فرصة يجب انتهازها. إنها الوظيفة التي سيتعين عليك فيها التفاعل مع عشرات الأشخاص من مختلف الطباع والشخصيات والدوافع والاحتياجات والحالات العاطفية في اليوم الواحد، ولا وقت للشعور بالحزن أو التجهم، فكيف تتعامل مع ذلك إذا لم تكن بأفضل حالاتك وأكثرها حماسًا؟ كيف يمكنك أن تصل إلى أكبر قدر من النجاح في اجتماعاتك الكبيرة والصغيرة إن كنت حزينًا أو مرهقًا أو غير متحمس؟
يجب ألا تفارقك السعادة في هذا المجال، ونعني ذلك حرفيًا.
الدرس الثاني: المنتج ليس طفلك المدلل
قد تسمع في العادة نصيحةً معاكسةً تنص على عد المنتج طفلك المدلل الذي عليك أن تعتني به وتربيه وتحبه وتدافع عنه، وذلك لكي تمنحه حبًا غير مشروط، واهتمامًا على مدار الساعة، وتبذل الكثير من الجهد والعرق، تمامًا مثلما تربي طفلك. لكن هذا الأمر خاطئ تمامًا. ليس لسبب واحد بل لسببين اثنين؛ أولًا، هل فكرت يومًا في قتل طفلك؟ هل ستكون سعيدًا بسماع انتقادات توجه نحو طفلك؟ إن كانت إجابتك لا، فتوقف إذًا عن عد المنتج طفلك، فهو مجرد منتج تعمل عليه، وعليك أن تنجح في بنائه مع فصل مشاعرك وعواطفك عنه؛ ثانيًا، يحتاج الطفل إلى عناية على مدار الساعة، بينما لا يحتاج المنتج كل هذا القدر من الاهتمام.
أحيانًا عليك أن تتوقف عن الركض حتى تتمكن من الإصغاء، وأن تخرج من الصندوق لتكون قادرًا على التفكير خارجه. افصل نفسك عن الوضع الحالي للمنتج كي تتمكن من العثور على فسحة للإبداع.
إدارة المنتج عبارة عن رحلة من التحسين المستمر، والتي تتطلب منك شجاعة التخلي عن الأفكار والمنتجات والميزات عندما يثبت أنها سيئة، بل وتسليط الضوء عليها عندما لا تعمل وفقًا للتوقعات، فوجود مشاعر تجاه منتجك يجعلك أعمى عن كل الانتقادات الموجهة له، وقد يجعلك في بعض الأحيان دفاعيًا وغير قادر على سماع وجهات النظر أو آراء المستخدم على نحو صحيح. لذا من أجل مصلحتك الشخصية، ولتتمكن من بناء منتج جيد؛ تعامل مع المنتج كما هو، وتذكر أنه عمل تجاري لتلبية احتياجات العملاء فحسب.
الدرس الثالث: لا تنتظر نتائج سريعة
خلافًا للعمل في مجال المبيعات، لن ترى هنا نتائج فوريةً لجهودك التي قدمتها، أي بفرض أنك قدمت منتجًا مقنعًا للبيع وأشارت التوقعات إلى أنه سيحقق أرباحًا ممتازة، فلن تسمع مباشرةً صوت رنين العملات النقدية وهي تتساقط في جيبك، لأن ذلك لا يعني أن المبيعات ستحصل اليوم أو غدًا أو حتى في وقت قريب.
المنتج ليس صفقة مبيعات أو عقدًا أو بضعة أسطر من التعليمات البرمجية أو مشروعًا تصميميًا، بل هو رحلة تتضمن ذلك كله. إنها رحلة طويلة ومستمرة، وأسوأ ما في الأمر أنك لن تعمل بصورة مباشرة على كل تلك التفاصيل والمراحل، لذا فمن النادر جدًا أن تشعر بالرضا لإتمام إنجاز شيء ما في نهاية يوم عمل طويل.
مع ذلك، ستكون منشغلًا دائمًا بإجراء تحسينات ومراجعة عمليات والتفكير برؤى مفيدة واتخاذ قرارات سليمة في كل حيثية من عملية بناء المنتج. ببساطة، هي دورة عمل لا تنتهي أبدًا، وتتطلب صبرًا لا ينفد، لتتمكن من مواصلة عملية التعلم والاستمرار في المراجعة والتحسين للوصول إلى النتائج المرغوبة، والتي تصبح بدورها في المرحلة التالية نقطة بداية لمجموعة أخرى من التحسينات، وهلم جرًا.
لذا إن كنت تبحث عن نتائج فورية، فلن يكون هذا المسار المهني مناسبًا لك.
اقتباسملاحظة جانبية: التحلي بالكثير من الصبر أمر سيئ أيضًا، إذ يجب أن يبدي مدير المنتجات اندفاعًا قويًا نحو العمل بالقدر الكافي لإطلاق المنتج إلى السوق في أقرب وقت ممكن.
لربما بت تشعر الآن أن الأفكار متضاربة، لكن مهمتك هي موازنة الأمور وفقًا للمعطيات.
الدرس الرابع: ابحث عن الحقيقة وليس القبول
كونك مديرًا للمنتجات، فعادةً ما يُتوقع منك أن تأتي بأفكار قادرة على حل مشكلات المستخدم جذريًا، والتي من المتوقع أيضًا أن تكون أفضل بأربعة أضعاف على الأقل من الحلول الحالية الأخرى. للتوضيح أكثر، سيتطلب منك الأمر إجراء الكثير من الأبحاث لتحديد المشكلة، والجهة التي تعاني منها، ومدى حجمها، وما هي مجموعة الحلول الحالية المتاحة لحل هذه المشكلة.
ما يحدث عادةً هو أن العديد من مديري المنتجات يميلون إلى وضع فرضية حول ماهية الحلول الممكنة، ثم يحاولون دعم الحل بمزيد من عمليات البحث، وذلك من أجل أن تتبين لهم مدى نجاعة حل معين في حل مشكلة المستخدم. وفي تلك العملية، تجمع الوثائق كلها، وتنشأ فرضية عن المنتج وتدون الرؤى اللازمة، ليجرى بعدها تحليل لأثرها.
كل شيء واضح حتى هذه النقطة، والآن بعد أن تكون قد أمضيت عدة أسابيع (أو ربما أشهر) محاولًا إيجاد حل للمشكلة (أو تحديد ماهيتها)، فما يحدث هو أنك ستتعلق بالحل الذي قدمته، وهنا تكمن المشكلة. فبمجرد العثور على حل معين، يميل مديرو المنتجات إلى البحث عن آراء تدعم صحة الحل الذي قدموه من بين جميع الحلول الأخرى، بدلًا من البحث عن الحقيقة. وكلما استثمروا في الفكرة أكثر، ازداد تعلقهم بها وبالتالي دفاعهم عنها. يُعَد هذا الأمر طبيعيًا جدًا من الناحية النفسية للبشر.
من الحيل التي يمكن اتباعها لحل هذه المشكلة؛ أن تترك التركيز على نجاح الحل الذي قدمته، وتطلب من الآخرين أن يحددوا لك ثلاثة أسباب برأيهم قد تؤدي إلى فشل فكرتك، ولا تقبل بأقل من ثلاثة، بحيث تتحدث مع 10 أشخاص فقط، وبالتالي سيكون لديك 3×10 أي 30 منظورًا مختلفًا عن أسلوب تفكيرك.
ورغم أن الآراء الثلاثين لن تكون جميعها سليمةً أو مهمةً أو قابلةً للتنفيذ على الفور، إلا أن الفكرة من هذا التمرين تكمن في تدريب عقلك على البحث عن الحقيقة، وليس السعي لإيجاد قبول للحل الذي جئت به والتمسك بأفكارك الشخصية.
الدرس الخامس: متلازمة "فعلت ما بوسعي وأنجزت مهامي.."
هنا نلقي الضوء على فكرة مهمة جدًا. لقد قلنا في بداية المقال أن مجال إدارة المنتجات لا يهتم كثيرًا بالمهارات الفنية، أي أن العمل على كتابة وثيقة متطلبات المنتج بصورة ممتازة أو أي مجهود تقدمه، لن يكون ذا أهمية إن لم يبصر المنتج النور.
في بداية مسيرتك المهنية في هذا المجال، قد تشعر بكثيرٍ من الإحباط، فتقدم أعذارًا لنفسك من قبيل "لكني فعلت ما بوسعي وأنجزت جميع مهامي"، وهذا صحيح، لقد كتبتَ وثيقة متطلبات المنتج، وأجريتَ مقابلات مع العملاء، وعقدت الكثير من الاجتماعات التقنية، وفعلت كذا وكذا أيضًا؛ لكن مع ذلك، تبقى الحقيقة أن المنتج لم يطلَق إلى السوق ولم يرَ النور.
لذا وبصفتك مديرًا للمنتج، فأنت بمثابة قائد الأوركسترا، أي لا يمكنك أن تؤدي مهمةً ما ومن ثم تجلس وتشاهد العرض مع الجمهور. لكي تنجح في هذا المجال، عليك أن تكون في خضم العلمية الإنتاجية وتتابع كافة تفاصيلها، كأن تساعد مثلًا مهندسًا يواجه مشكلةً ما، أو تقدم أفكارًا إبداعية من أجل تصميم تجربة مستخدم رائعة، أو تساعد فريق التسويق والمبيعات في فهم المنتج على نحو أفضل. باختصار، يجب أن تكون أول المتصدين لأية مشكلة تواجه رحلة المنتج، صغيرةً كانت أم كبيرة.
الدرس السادس: لا تصنع منتجا لنفسك
في كثير من الأحيان، نقع في خطأ التعميم، إذ نفترض أولًا أن هناك نوعين من الناس في العالم؛ أشخاص مثلنا، وأشخاص ليسوا مثلنا؛ وأن كل شخص مثلنا يفكر ويعمل ويتصرف مثلنا؛ فإذا واجهنا مشكلةً ما، فإن كل من مثلنا يواجه المشكلة ذاتها أيضًا، مما يجعلنا نعتقد أن هذه المشكلة مهمة جدًا وواسعة الانتشار وتحتاج إلى حل، وأنه بمجرد إيجادنا لحلٍ لهذه المشكلة على هيئة منتج، فستصطف طوابير من الناس بانتظار الحصول عليه على أحر من الجمر مهما كلفها ذلك.
للأسف، لن يحدث هذا في الواقع.
يكمن الخطأ عندما نعتقد بأن المشكلة التي نواجهها كبيرة بما فيه الكفاية من أجل أن تكون لها قيمة تجارية، وتستحق البحث عن حل بشغف كبير، لدرجة أننا لا نلقي بالًا إلى نهاية النفق أو نقيّم احتياجات السوق بالضبط، فلا ننظر حولنا لنرى إن كان هناك حلول موجودة مسبقًا دون أن ندري، وربما كافية لحل المشكلة بنجاعة أكبر من الحل الذي لدينا.
ونظرًا لأنها مشكلتنا التي نواجهها، فإننا نميل أيضًا إلى الاعتقاد بأننا نعرف كل شيء عنها، ولا نحتاج إلى سماع آراء الآخرين وأفكارهم في حال كانت هذه المشكلة تواجههم بالفعل، أي لا نتعمق داخل النفق.
هنا نؤكد على هذه القاعدة؛ لا تصنع منتجات لنفسك، بل اخرج من النفق وابحث جيدًا في النقاط التالية قبل أن تبدأ:
- هل المشكلة التي تواجهها يواجهها عدد كبير من الأشخاص بما يكفي لاستخلاص قيمة تجارية منها؟
- هل المشكلة كبيرة بما يكفي للبحث عن حل لها؟
- هل هناك حلول موجودة مسبقًا؟ وما هي القيمة التي سيضيفها الحل الذي لديك على الحلول الحالية؟
اقتباسملاحظة جانبية: بالنسبة لفيسبوك، وهو من أكثر المنتجات نجاحًا في تاريخ هذه الحقبة الرقمية. مع أنه أتى من شخص يحل مشكلته الخاصة، إلا أن هذه المشكلة كان لها سوق واسع لاحتضانها، وفي نفس الوقت تأسس بسرعة وفي وقت مبكر، لذا عليك أن تعرف حدود المشكلة وتجري أبحاثًا كافيةً عنها.
الدرس السابع: إطلاق المنتج لا يعني أنه حان وقت الاحتفال
أسابيع من البحث، تليها أسابيع من التنفيذ، تليها أسابيع للاستعداد للشحن، وأخيرًا، حان موعد الإطلاق. ألا نستحق بعد كل هذا العناء قسطًا من الراحة؟ احتفالًا صغيرًا؟
بالطبع نستحق، لكن المشكلة تكمن في أن الكثيرين منا يأخذون هذا الاحتفال على محمل الجد، ويعتقدون أن الأمر قد تم وأن النجاح قد تحقق، رغم أن الأمر ليس كذلك. الأمر هنا أقرب في شبهه إلى ما يكون عليه الزواج، فالزواج لا ينجح بمجرد عقد القران والاحتفال، بل حينها يبدأ الاختبار الفعلي. والوقت الذي يبدأ فيه الاختبار الحقيقي لعلاقتك بمنتجك، هو اليوم الذي يبدأ فيه المنتج بأخذ أبعاده الحقيقية، فالفكرة لم تَعُد مجرد فكرة بعد الآن، إنها منتج حقيقي له شكل ومساحة خاصة.
بمجرد إطلاق منتجك إلى السوق، ستعرف فعليًا ما تعنيه كل تلك الشهور من البحث والجهد، وستعرف ما إن كانت فرضيتك الأولية للحل تناسب قاعدة عملائك أم لا، وإن كانت كل الاجتماعات التي عقدتها ستجلب لك دراهم ذهبية أم لا. بالتالي، فإطلاق المنتج هو في الواقع بداية العمل الحقيقي.
لا ضرر من بعض الصراخ الحماسي والشعور بفرح عارم لحظة إطلاق منتجك، لكن الاحتفال الحقيقي هو حينما يستخدم العميل الأول منتجك، وعندما تتلقى أول دولار في حسابك المصرفي، وعندما يستخدم المزيد من العملاء منتجك، وعندما تتلقى المزيد من الأموال.
الاحتفال الحقيقي هو عندما تنجح الحلول التي قدمتها ويتبين أن منتجك مناسب للسوق، وعندما يصبح عملاؤك هم المسوقين ومندوبي المبيعات لشركتك.
لا بأس بالاحتفال بإنجاز مرحلة من العمل، لكن يجب أن تعرف ما هي الرسالة التي يفيدها هذا الاحتفال، هل هي "لقد نجحنا وانتهينا!"، أم أنها "انتهينا من هذا الهدف وحان وقت الانتقال إلى الهدف التالي".
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Product Management Skills NO ONE talks about ;) لصاحبه Taruna Manchanda.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.