اذهب إلى المحتوى

مفهوم واصفات الملفات File Descriptors وارتباطها بعملية التجريد في أنظمة التشغيل


زينب الزعيم

إحدى أولى المفاهيم التي يتعلمها مبرمج أنظمة يونكس هي أنّ عمل كل برنامج يبدأ بثلاث ملفات تكون مفتوحةً مسبقًا:

الاسم الوصفي الاسم المختصر رقم الملف الشرح
مجرى الدخل القياسي stdin 0 الدخل من لوحة المفاتيح
مجرى الخرج القياسي stdout 1 الخرج الظاهر على الطرفية
مجرى الخطأ القياسي stderr 2 خرج رسائل الخطأ على الطرفية

001Default unix files.png

(ملفات يونيكس الافتراضية)

يستحضر هذا إلى أذهاننا السؤال عمّا يمثله الملف المفتوح وكيفية فتحه، إذ تسمى القيمة التي يعيدها استدعاء open لفتح الملف اصطلاحًا بواصف الملف file descriptor، وهي أساسًا فهرس لمصفوفة من الملفات المفتوحة المخزَّنة في النواة.

002file-descriptors.png

(فائدة واصفات الملفات في عملية التجريد)

تُعَدّ واصفات الملفات فهرسًا لجدول واصفات الملفات تخزنه النواة، بحيث تنشئ النواة واصف ملف استجابةً لاستدعاء open وتربطه ببعض التجريد لكائن يشبه الملف سواءً كان جهازًا فعليًا أو نظام ملفات أو شيء بعيد عن هذا كل البعد، وبالتالي توجه النواة استدعاءات عمليات القراءة read والكتابة write التي تشير إلى واصف الملف ذاك إلى الموضع الصحيح لتنفذ مهمة مفيدة في النهاية.

تعرض الصورة نظرةً عامةً على تجريد العتاد، وباختصار يُعَدّ واصف الملف البوابة إلى تجريدات النواة للعتاد والأجهزة الأساسية.

لنبدأ من المستوى الأدنى، إذ يتطلب نظام التشغيل وجود مبرمج ينشئ تعريفًا للجهاز device driver أو برنامج تعريف حتى يتمكن من التواصل مع أحد أجهزة العتاد، ويُكتَب تعريف الجهاز هذا إلى واجهة API التي توفرها النواة بالطريقة نفسها والتي وردت في مثال المقال السابق، إذ سيوفر تعريف الجهاز مجموعة دوال تستدعيها النواة استجابةً للمتطلبات المختلفة، ويمكننا في المثال المبسَّط في الصورة السابقة رؤية أن تعريف الجهاز يوفِّر دالة القراءة read والكتابة write اللتين ستُستدعيان استجابةً للعمليات المماثلة التي تنفذ على واصف الملف، كما يعلم تعريف الجهاز كيف يحوِّل هذه الطلبات العامة إلى طلبات أو أوامر محددة لجهاز محدد.

تقدم النواة واجهة-ملف file-interface لتوفير التجريد لمساحة المستخدِم عبر ما يسمى بطبقة الجهاز device layer عمومًا، إذ تمثَّل الأجهزة المادية على المضيف بملف له نظام ملفات خاص مثل dev‎/، ففي أنظمة يونكس وما يشابهها تحتوي عقد الجهاز device-nodes على ما اصطلح تسميته بالعدد الرئيسي major number والعدد الثانوي minor number، مما يتيح للنواة ربط عقد محددة بما يقابلها ببرنامج التعريف الموفر، كما يمكنك الاطلاع عليها من خلال الأمر ls كما هو موضح في المثال التالي:

$ ls -l /dev/null /dev/zero /dev/tty
crw-rw-rw- 1 root root 1, 3 Aug 26 13:12 /dev/null
crw-rw-rw- 1 root root 5, 0 Sep  2 15:06 /dev/tty
crw-rw-rw- 1 root root 1, 5 Aug 26 13:12 /dev/zero

ينقلنا هذا إلى واصف الملف، وهو الأداة التي تستخدِمها مساحة المستخدِم للتواصل مع الجهاز الأساسي، وبصورة عامة ما يحدث عند فتح الملف هو أنّ النواة تستخدِم معلومات المسار لربط map واصف الملف بشيء يوفِّر واجهتّي API قراءة وكتابة وغيرهما مناسبة، فعندما تكون عملية فتح الملف open للجهاز مثل ‎/dev/sr0‎ في مثالنا السابق، فسيوفر العدد الرئيسي والثانوي لعقدة الجهاز المفتوح المعلومات التي تحتاجها النواة للعثور على تعريف الجهاز الصحيح وإتمام عملية الربط mapping، كما ستعلم النواة بعد ذلك كيف توجه الاستدعاءات اللاحقة مثل القراءة read إلى الدوال الأساسية التي يوفرها تعريف الجهاز.

يعمل الملف غير المرتبط بجهاز non-device file بآلية مشابهة، على الرغم من وجود طبقات أكثر خلال العملية، فالتجريد هنا هو نقطة الوصل أو الربط mount point، وكما تملك عملية توصيل نظام الملفات file system mounting غايةً مزدوجةً تتمثل في إعداد عملية الربط mapping، بحيث يتعرف نظام الملفات على الجهاز الأساسي الذي يوفِّر التخزين وتعلم النواة أنّ الملفات المفتوحة في نقطة التوصيل تلك يجب أن توجَّه إلى تعريف نظام الملفات، كما تُكتَب أنظمة الملفات على واجهة API محددة لنظام الملفات العام التي توفرها النواة على غرار تعريفات الأجهزة.

بالطبع الصورة الكاملة معقدة أكثر في الواقع، إذ تضم عدة طبقات أخرى، فتبذل النواة على سبيل المثال جهدًا كبيرًا لتخزين cache أكبر قدر ممكن من البيانات الواردة من الأقراص في الذاكرة الخالية، ويقدِّم هذا العديد من الميزات التي تحسِّن السرعة، كما تحاول النواة تنظيم الوصول إلى الجهاز بأكثر طريقة فعالة وممكنة مثل محاولة طلب الوصول إلى القرص للتأكد من أن البيانات المخزَّنة فيزيائيًا بالقرب من بعضها ستستعاد معًا حتى لو لم ترد الطلبات بترتيب تسلسلي، بالإضافة إلى انتماء العديد من الأجهزة إلى فئة أعم مثل أجهزة USB أو SCSI التي توفِّر طبقات التجريد الخاصة بها للكتابة عليها، وبالتالي ستمر أنظمة الملفات في هذه الطبقات المتعددة بدلًا من الكتابة مباشرةً على الأجهزة، أي يكون فهم النواة هو فهم كيفية ترابط واجهات API المتعددة تلك وتواجدها مع بعضها.

الصدفة Shell

تُعَدّ الصدفة بوابة التفاعل مع نظام التشغيل سواءً كانت باش bash أو zsh أو csh أو أيّ نوع من أنواع الأصداف الأخرى العديدة، إذ تشترك جميعها أساسًا في مهمة رئيسية واحدة فقط، وهي أنها تتيح لك تنفيذ البرامج، كما ستبدأ بفهم آلية تنفيذ الصدفة لهذه المهمة فعليًا عندما سنتحدث لاحقًا عن بعض العناصر الداخلية لنظام التشغيل.

لكن الأصداف قادرة على تنفيذ مهام أكبر بكثير من مجرد إتاحة تنفيذ برنامج، إذ تتميز بقدرات قوية لإعادة توجيه الملفات، وتتيح لك تنفيذ عدة برامج في الوقت نفسه وكتابة نصوص برمجية تبني برامج متكاملة، وهذا كله يعيدنا إلى مقولة كل شيء هو عبارة عن ملف.

إعادة التوجيه Redirection

لا نريد في معظم الأحيان أن تشير واصفات الملفات القياسية التي تحدثنا عنها في بداية المقال إلى مواضع محددة افتراضيًا، فقد ترغب مثلًا في تسجيل كامل خرج البرنامج على ملف تحدده على القرص أو في جعله يتلقى أوامره من ملف أعددته مسبقًا، وقد ترغب في تمرير خرج برنامج ليكون دخل برنامج آخر، إذ تيسّر الصدفة ذلك وأكثر بالعمل مع نظام التشغيل.

الاسم الأمر الوصف مثال
إعادة التوجيه إلى ملف filename < أخذ كامل الخرج الناتج عن Standard Out وتسجيله في الملف filename (استبدل filename باسم الملف). ملاحظة: استخدم << لتُلحق الخرج بنهاية محتوى الملف بدلًا من استبدال محتواه ls > filename
القراءة من ملف filename > نسخ كافة البيانات من الملف إلى دخل البرنامج القياسي standard input echo < filename
التمرير Pipe program1 | program2 أخذ كامل خرج standard out البرنامج الأول program1 وتمريره إلى دخل standard input البرنامج الثاني program2 ls | more

تنفيذ عملية التمرير pipe

يُعَدّ تنفيذ الأمر ls | more مثالًا آخرَ على قدرة التجريد، فما يحدث هنا بصورة أساسية هو أنه بدلًا من ربط واصف الملف لمجرى الخرج القياسي بإحدى الأجهزة الأساسية مثل الطرفية لعرض الخرج عليها، يوجَّه الواصف إلى مخزن مؤقت buffer في الذاكرة توفِّره النواة ويطلق عليه عادةً الأنبوب pipe، والمميز هنا هو إمكانية عملية أخرى أن تربط دخلها القياسي standard input بالجانب الآخر من المخزن المؤقت ذاته buffer وتستحوذ على خرج العملية الأخرى بفعالية كما هو موضَّح في الصورة التالية:

003Pipe in action.png

(الأنبوب)

الأنبوب هو مخزن مؤقت في الذاكرة يربط عمليتين معًا، وتشير واصفات الملف إلى كائن الأنبوب الذي يخزن البيانات المرسلة إليه من خلال عملية الكتابة ليصرِّفها من خلال عملية القراءة.

تخزِّن النواة عمليات الكتابة في الأنبوب حتى تصرّف عملية قراءة مقابلة من الجانب الآخر للمخزن المؤقت، وهذا مفهوم قوي جدًا وهو أحد الأشكال الأساسية للتواصل بين العمليات inter-process communication -أو IPC اختصارًا- في أنظمة يونكس وما يشابهها، كما لا تقتصر عملية التمرير على نقل البيانات، إذ يمكن أن تؤدي دور قناة إشارات signaling channel، فإذا قرأت إحدى العمليات أنبوبًا فارغًا، فستعطله أو تجمده block افتراضيًا أو تضعه في حالة سبات hibernation إلى حين توفر بعض البيانات، وسنتعمق في هذا أكثر في مقال لاحق من هذه السلسلة، وبالتالي قد تستخدِم عمليتان أنبوبًا للإبلاغ عن اتخاذ إجراء ما عن طريق كتابة بايت واحد من البيانات، فبدلًا من أن تكون البيانات الفعلية مهمةً، فإن مجرد وجود أية بيانات في الأنبوب يمكن أن تشير إلى رسالة، فلنفترض مثلًا أنّ إحدى العمليات تطلب طباعة عملية أخرى لملف وهو أمر سيستغرق بعض الوقت، لذا قد تُعِدّ العمليتان أنبوبًا بينهما بحيث تقرأ العملية التي أرسلت الطلب الأنبوب الفارغ، وبما أنه فارغ، فسيعطّل هذا الاستدعاء وتبطِل العملية، لكن بمجرد الانتهاء من الطباعة، ستكتب العملية الأخرى رسالةً في الأنبوب ويؤدي ذلك إلى إيقاظ العملية التي أرسلت الطلب بصورة فعالة وإرسال إشارة تدل على انتهاء العمل.

ينبثق عن السماح للعمليات بتمرير البيانات بين بعضها بهذه الطريقة مصطلح شائع آخر في يونكس للأدوات الصغيرة التي تنفذ أمرًا معينًا، ويضفي تسلسل هذه الأدوات الصغيرة مرونةً لا تستطيع أداة موحَّدة إضفاءها في معظم الأحيان.

ترجمة -وبتصرُّف- لقسم من الفصل Chapter 1. General Unix and Advanced C من كتاب Computer Science from the Bottom Up.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...