اذهب إلى المحتوى

لعلّك سمعت في السنوات القليلة الماضية عن لغة برمجة جديدة نشأت من داخل شركة Google تحمل اسم Go (أو Golang كمصطلح قابل للبحث على محركات البحث)، سنحاول من خلال هذه السلسلة التعرّف على هذه اللغة، مزاياها، عيوبها وما يجعلها مختلفة عن غيرها. سيكون الدرس الأول من هذه السلسلة درسًا كلاميا فقط، يركز على نقاط اختلاف اللغة مع باقي اللغات، وهو موجه لمن له خلفية برمجية نوعا ما مع باقي اللغات، لكن ستكون باقي الدروس موجهة للمبتدئين.

golang-intro.thumb.png.2822a5bfd479f5edd

كعادة كل عقد من الزمن، فإنه تظهر هناك أدوات وتقنيات جديدة تحاول الاستفادة من أخطاء أسلافها من الأدوات والتقنيات، هذا يشمل لغات البرمجة أيضا، لذلك دعك من قول "لماذا لغة برمجة جديدة؟" و "ما الحاجة للغة برمجة جديدة؟" أو "لماذا لا يتفقون على لغة برمجة واحدة؟"، فما لغة البرمجة إلا أداة تقضي بها مهامك، وكل منها يكون أصلح لنوع مهام ما. فاختر لكل مهمة أنسب أداة، ولا داعي لتقديس الأداة وإنشاء الحروب الكلامية -غير التقنية- حولها أو خلق هاجس وهمي يحول عن تعلمها. 

أَحَسَّ فريقٌ من المبرمجين (العريقين) من داخل Google أنه حان الوقت لتحسين سير عملهم بلغة C و ++C، وأنهم يحتاجون إلى أداة جديدة تلغي عيوب هاتين الأخيرين وتحسن من إنتاجيتهم أكثر، وتكون ملائمة لنوعية احتياجات Google الحسابية. أسسوا لغة البرمجة Go داخل Google عام 2007. الفريق العريق المؤسس لهذه اللغة يشمل مؤسس نظام Unix نفسه Ken Thompson (عَلَمٌ في عِلم الحاسوب، يُعرف اختصارًا بـ Ken) الذي عمل لدى Bell Labs، كذلك Robert Pike الذي كان أيضا من ضمن فريق Unix لدى Bell Labs وأحد مؤسسي ترميز UTF-8 وأخيرًا Robert Griesemer أحد العاملين على محرك جافاسكريب V8.

Ken_n_dennis.thumb.jpg.21feeb72450095df8

Ken على يسار الصورة بجانب Dennis Ritchie مؤسس لغة C

بمعرفة هذه النبذة التاريخية البسيطة عن Go، أحب أن أقتل فيك كل حماس مُفرط، فلا أحب منك أن تعشق لغة برمجة بسبب مؤسيسها، أو أنها خرجت من شركة تحبها، لذلك سأبدأ بسرد أشياء قد لا تحبها حول لغة البرمجة Go، حتى إذا قرأتها ولم تعجبك، فقد يجدر بك التوقف عن القراءة حينها. سأكون سعيدا شخصيا بمتابعة عدد قليل جدا من القراء لهذه السلسلة يدركون حقا ما يفعلون، عوض زخم يتحمس لكل جديد دون وعي وإلمام بالأمور.

أشياء قد لن تحبها حول لغة البرمجة Go

1. ليست كائنية التوجه

هذا إن كنت تظن أنها كذلك، فلا يوجد مفهوم الصنف (Class) ولا الكائنات (Objects) وبالتالي لا يوجد وراثة (inheritance). مع ذلك فإن Go تحمل بضعا من مزايا البرمجة الكائنية كتوفيرها لـ Interface و دوال البنيات (Struct methods) وتركيب البنيات (Struct composition). 

لماذا؟ مؤسسي اللغة يرون أن اللغات كائنية التوجه تحمل العديد من العيوب والتعقيدات التي يمكن إلغاؤها بالتخلي عن بعض هذه المفاهيم كلية. حتى مبرمجي Java أنفسهم ينصحون بـ Composition مثلا في كثير من الأحيان عوض inheritance، مؤسسي اللغة ممن يرون أن البرمجة كائنية التوجه غالبا ما تكون فكرة سيئة -تقنيا-.

2. لا توجد معالجة للاستثناءات Exception Handling

قد تكون هذه نتيجة طبيعية بسبب غياب مفهوم البرمجة الكائنية لدى Go، فمعالجة الأخطاء في Go تتم بطريقة واضحة وتقليدية نوعا ما، حيث أن الأخطاء تُرجع كقيم عادية من نوع error. حيث error هو نوع  بدائي في حد ذاته مثله مثل أي نوع أصلي آخر (int, string .. الخ). مع ذلك تسمح لك Go بقذف خطأ للحالات الاستثنائية عبر الكلمة المفتاحية panic (أشبه بـ raise  أو throw في باقي اللغات) وكذا التعافي من هذه الأخطاء عن طريق recover.

3. لا توجد معامِلات افتراضية أو اختيارية يمكن تمريرها للدوال (default/optional arguments)

ربما قد اعتدت في لغات البرمجة الأخرى على القيام بشيء مثل:

 function listFolders(path, subfolders=false, recursive=false){ ... }

 لكن في Go لن يمكنك تمرير subfolder=false ولا recursive=false كإمضاء للدالة listFolders لأنها لن تقبل مثل هذه المعاملات الافتراضية/الاختيارية، وسينتج عن ذلك خطأ عند التجميع (compile error).

لماذا؟ يرى مؤسسوا اللغة أن هذه السلوكيات تساهم في بناء واجهات برمجية (API) غير ثابتة أو تساهم في جعل تصرفها غير مُتوقع. في مثالنا السابق مثلا، هم يفضلون كتابة الدالة من دون معاملات افتراضية، أي: 

func listFolders(path string, subfolders bool, recursive bool) { ... }

يجبرك هذا على كتابة التصرف الذي تريده من الدالة بشكل صريح عوض ترك الواجهة البرمجية تملي عليك التصرف الافتراضي، هذا لتقليل الأخطاء البشرية. أيضا قد يدفعك هذا إلى كتابة ثلاث دوال، كل بتصرفها الخاص الواضح من اسمها، مثال: listFolders, listFoldersRecursivly و listFoldersWithFirstLevelSubFolders.

4. لا توجد ميزة إثقال الدوال (Method Overloading)

لنفس الأسباب السابقة، فإنه لا يوجد Method overloading، أي لا يمكنك إعادة تعريف دالة تحمل نفس الاسم لكن بإمضاء مغاير. مثلا، إذا وُجدت دالة باسم:

func listFolders(path string) { ... }

فلا يمكنك إنشاء دالة أخرى بنفس الاسم لكن بإمضاء مغاير مثل:

func listFolder(path string, level int) { ... }

بل عليك تغيير اسمها إلى مثلا:

dunc listFolderToLevel(path string, level int) { ... }

على الرغم من ذلك فهناك طريقة غير مباشرة لجعل دالة ما تقبل قيما اعتباطية عبر جعل الإمضاء من نوع {}interface سنتطرق إليها في الدروس القادمة.

5. لا وجود للعموميات (generics)

تمكّنك باقي اللغات من كتابة دوال أو أصناف عامة، حيث لا تصرّح عند كتابتها بنوع المعاملات التي تقبلها لكن تترك لها مهمة معرفة نوع المعاملات لاحقا عند استدعائها، لعل أقرب مثال هو ما توفره لغة Java مثلا في صنف <List<T حيث T يرمز إلى أي نوع يتم تحديده لاحقا، بالتالي يمكن إنشاء <List<String أو <List<Integer بكل سهولة مع الحفاظ على نفس الوظائف والعمليات التي يمكن إجراؤها على القائمة List بشكل عام.

لا يوجد في Go مثل هذا، وعوضا عن ذلك فهناك {}interface كنوع شامل يرضي جميع الأنواع، لكنه ليس كبديل تام لـ Generics.

لماذا؟ سبب عدم توفر العموميات (Generics) في Go هو أن مؤسسيها لم يتبيّنوا بعد الطريقة الأنسب لهم لإضافة هذه الميزة إلى اللغة دون زيادة حِمل أثناء وقت التشغيل (run-time).

6. Go لُغة مملة كما أنها ليست أفضل لغة برمجة!

لشدة بساطة اللغة وعدم إتيانها بشيء جديد، فإن الكثيرين يعتبرها لغة مملة. فعدد الكلمات المفتاحية بها والأنواع الأصلية فيها ضئيل مقارنة بباقي اللغات، كما أنها تقلل كثيرا من وجود أكثر من طريقة للقيام بمهمة معينة.  حتى أنها لا تحتوي على حلقة while وتقتصر فقط على حلقة for، الكثيرون يعتبرون هذا من مزايا اللغة، لكني ذكرتها لك حتى لا تتوقع شيئا جديدا يصلح للتباهي.

أيضا لن تسمح لك اللغة بترك متغير دون استعمال أو استيراد شيء غير مستعمل (unused import/variable) ولن يقبل المُجمع (compiler) أبدا بذلك.

7. لغة عنيدة

مؤسسوا اللغة متشبثون برأيهم وقراراتهم في تصميم اللغة، فلا تتوقع تغيرات جوهرية قد تحدث على المدى القريب أو المتوسط في اللغة أو تغيرات في طريقة القيام بالأمور وسلوك المُجمّع (compiler). ولا داعي لفتح نقاشات فارغة حول تصميم اللغة وعيوبها إلا إذا كنت في نفس مستوى خبرتهم وحكمتهم.

هم نفسهم يصرحون بهذا، ويذكرون أن هناك خيارات ولغات برمجة أخرى إن لم تعجبك Go.

8. لا يوجد إجماع على مدير حزم واحد

تملك بايثون pip، وجافاسكريب تملك npm، وغيرهم من اللغات تملك مدير حزم (package manager) شهير أو متفق عليه، لا تخلو Go من مدير حزم، فهي تملك الكثير من ذلك، لكنها لم تتفق بعد على مدير حزم واحد ولا عن كيفية جلب وسرد الاعتماديات بطريقة قياسية، لكن حديثا يتم العمل على ذلك عبر مفهوم Vendoring.

هذه الأمور الثمانية، للذكر وليس للحصر من أشد الانتقادات التي توجّه إلى Go كلغة برمجة، فإن كنت توافقها فقد لا تناسبك اللغة، وإن كنت ترى أن من ورائها حكمة -مثلي- فأكمل قراءة المقال حول أمور قد تعجبك حول Go.

أشياء قد تحبها حول لغة البرمجة Go

1. خيوط المعالجة المتوازية الخفيفة (goroutines)

تسمح لك Go بعمل معالجة متوازية والاستفادة من كامل قوة المعالج (CPU) لديك بكل بساطة، حيث تملك ما يسمى بـ goroutine وهو خيط معالجة متوازي أخف من thread في باقي اللغات. يسمح لك هذا بإطلاق عشرات الآلاف من خيوط المعالجة المتوازية (عوض مثلا عشرات أو مئات threads فقط) دون عناء إنشائها وجعلها تتواصل فيما بينها أو تُكمّل بعضها البعض. يكفي مثلا لعمل دالة تعمل في خيط معالجة لوحدها بسبقها بالكلمة المفتاحية go، مثلا:

go func(){ // دالة نكرة تقوم بعمل أمور في خيط معالجة لوحدها
  ....
}

هذا يسمح بكتابة تطبيقات عالية الأداء بشكل أسهل بكثير.

2. لغة تجميعية سريعة (compiled)

عكس Ruby, Python, Java و PHP فإن Go لغة تجميعية، حيث أن الناتج النهائي لبرنامجك سيكون عبارة عن ملف تنفيذي قائم بذاته يحوي جميع الاعتماديات اللازمة لتشغيله دون الحاجة لاعتماديات خارجية، هذا مفيد جدا في تطوير الويب مثلا للتخلص أو تقليص مشاكل الاعتمادية (dependency hell).

أيضا تساهم هذه الميزة في تسهيل عملية نشر التطبيق الخاص بك (deployment) حيث سيكون عليك فقط نقل الملف التنفيذي إلى الخادوم مثلا ثم تشغيله وكفى. لا حاجة لتنصيب أي شيء آخر لتشغيل برمجيتك، لا حاجة حتى لتنصيب Go على الخادوم نفسه.

قد يتبادر إلى الذهن أن عملية التجميع (compiling) قد تأخذ وقتا خاصة إذا كان حجم البرنامج كبيرا، لكن الحقيقة أن عملية تجميع Go سريعة جدا وفي كثير من الأحيان لن تلاحظها حتى.

3. لغة إنتاجية

بسبب أنها لغة مملة، فإنها تضيق عليك مجال المجادلة مع زميلك في العمل أو من يعمل معك على المشروع أو البحث عن أفضل طريقة -مذهلة- للقيام بشيء ما، فكل شيء واضح وبسيط.

4. متعددة المنصات بامتياز

نفس البرنامج يمكن إعادة تجميعه ليعمل على ويندوز، لينكس، Mac OSx أو حتى الهواتف الذكية ومعمارية ARM. حتى أنه بعد الإصدارة رقم 1.5 من Go يمكن إنشاء ملف تنفيذي لجميع المنصات من خلال المنصة التي أنت فيها، مثلا يمكن من خلال نظام لينكس إنشاء ملف تنفيذي لنظام ويندوز و Mac OS دون الحاجة ﻷن تكون على ذلك النظام.

5. مكتبة قياسية قوية (Rich Standard Library)

على الرغم من حداثة اللغة، فإن مكتبتها القياسية حققت تقدما في ظرف قياسي. وغالبا ما يُنصح بالاعتماد على المكتبة القياسية قدر الإمكان، حيث تحتوي على أمور كثيرة تحتاجها أغلب أنواع التطبيقات، حتى أنها تحتوي على محرك قوالب html، أدوات للتعامل مع ترميز json، تشفير كلمات المرور وغيرها من الأمور الصالحة للاستعمال في تطبيقات الويب على سبيل المثال.

6. كل شيء Unicode افتراضا

موضوع ترميز السلاسل النصية وكيفية التعامل مع الحرف رقميا كبير، لكن Go جعلت كل شيء unicode بشكل افتراضي إلا إذا تم تعيين غير ذلك صراحة. تملك Go نوع rune عوض نوع char في باقي اللغات، وهو ببساطة اختصار (alias) لنوع int32 فقط يشير إلى نقطة ترميز Unicode لذلك الحرف. بالتي فإن string في Go عبارة عن سلسلة rune وليس عن سلسلة char يشير إلى byte كما في C مثلا.

7. أدوات مساعدة جيدة مضمنة 

يمكن توليد توثيق برمجيتك بمجرد كتابة أمر godoc أو تحسين التنسيق بكتابة gofmt أو بدء إجراءات فحص الشفرة البرمجية (Unit testing مثلا) عبر كتابة go test وكلها أدوات تأتي مع تنصيب Go.

8. لغة سهلة من حيث الكتابة والتنسيق (Syntax)

تنسيق اللغة شبيه نوعا ما بلغة بايثون، حيث لا وجود للفاصلة المنقوطة بعد نهاية كل تعليمة (;)، كما يمكن عمل متغير جديد دون تحديد نوعه، على الرغم من أن اللغة شديدة النوعية strongly styped إلا أنها توحي أنها سَلِسَة وديناميكية، مثلا يمكن كتابة age := 35 وسيتم اسناد نوع int إلى المتغير age. كما أنه يمكن للدوال إرجاع أكثر من قيمة كما في بايثون مثلا.

لعل أكثر شيء مغاير لباقي اللغات هو طريقة كتابة الدوال، حيث أن القيمة التي تُرجعها الدالة تُكتب على يمين الدالة (كما في Pascal) وليس على يسارها، مثلا:

func HelloHsoub() string {
   return "Hello Hsoub Academy!"
}

لاحظ أنه تم كتابة string على يمين الدالة وليس يسارها، أي أن هذه الدالة تُرجع قيمة من نوع string. يمكن للدوال إرجاع دوال أخرى أيضا كقيمة كما يمكن للمتغيرات أن تشير إلى دوال (كما في جافاسكريبت وبايثون...) مثلا:

sayHi := HelloHsoub 

 

حتى لا أنحاز، فهذه 8 أشياء قد تحبها سأتوقف عندها مقابل 8 قد لا تعجبك كنت قد ذكرتها.

بهذا نكون وصلنا إلى ختام الدرس الأول -الكلامي- من هذه السلسلة، والتي رأيت أن أبدأها هكذا عمدا ولو أن بعضا مما قيل في هذا الدرس قد لا يكون بالضرورة موجها للمبرمج المبتدئ، لكني سأحاول جعل الدروس القادمة أبسط ما يكون وتُعنى بالمبتدئ أولا.

تم التعديل في بواسطة وليد زيوش


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

Mohamed Vall Ibrahim

نشر

معلومات جميلة صراحة يبدو انها معاصرة وقد تخلصت من الكثير من عيوب اللغات الاخري احببتها عليك المتابعة من هذا المستوي كفانا فلا يوجد مبتدئين :)تحت هذا .

دمتم بخير .



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...