اذهب إلى المحتوى

متلازمة المحتال: عن مساهمتي الأولى في البرمجيات مفتوحة المصدر


رشا سعد

تتحدث كاتبة المقال عن تجربتها الشخصية مع البرمجيات مفتوحة المصدر، وبالتحديد عن الخطأ الأول الذي ارتكبته في بداية مشوارها، وكاد يثنيها عن الشروع بالعمل، وقد عنونت المقال بمتلازمة المحتال Impostor Syndrome في إشارة منها إلى ذلك الشعور الداخلي الذي يتغلب علينا في بعض الأحيان ويزعزع ثقتنا بأنفسنا عبر التشكيك بقدراتنا وما أنجزناه، علّ المقال يكون مفيدًا لكل راغب بدخول هذا المجال.

تعلّمتُ -تقول الكاتبة- أساسيات البرمجة من خلال الإنترنت، اتبعت عددًا من البرامج التعليمية وأنجزت المشاريع الملحقة بها، وأحرزت تقدمًا، لكني تساءلت دومًا ماذا بعد؟ ما هي خطوتي التالية للارتقاء إلى المستوى الأعلى؟ وفي هذه المرحلة صادفني منشور على إحدى المدونات يخبر القارئ أن المساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر هي الطريقة المثلى لكل مبتدئ يرغب بتطوير مهارته البرمجية والانتقال إلى مستوى أعلى.

اقتباس

"يمكن لأي شخص القيام بذلك،" أصر كاتب المنشور أيضًا، "وهو جزء أساسي من المشاركة في مجتمع المطورين الكبار."

إذًا بعد أن قرأت ذلك المنشور انتابني شعورٌ قوي أني وصلت للطريق الصحيح، وأن المساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر هي السبيل الوحيد لأغدو مطورًا حقيقيًا، لذا بدأت باتباع الإرشادات التي يذكرها المنشور وأولها إنشاء حساب على GitHub، وخلال أقل من عشر دقائق شعرت بالارتباك الشديد لدرجة جعلتني أتخلى عن الفكرة تمامًا.

لم أكن شخصًا لا يحب التعلم بل على العكس، لكن المصادر التي اعتمدتها تتوقع من القارئ أن يمتلك معرفةً جيدة ومسبقة بمنصة Git و GitHub وكيف أنها أتاحت للعديد من المطورين حول العالم أن يتعاونوا في مشروعٍ واحد.

لذا عدت إلى دروسي ولكن الرغبة في دخول المجال لم تفارقني أبدًا، وعشت صراعًا داخليًا لسنوات بين أن المساهمة في المصدر المفتوح تجربة سهلة وقيمة وينبغي أن أخوضها، وذلك الانطباع الداخلي بأني لست أهلًا بعد لكتابة الأكواد في مشاريع مفتوحة المصدر.

لازمتني مشاعر عدم الثقة حتى بعد أن تآلفت مع Git، استمر جدل المحتال الداخلي بأني لم أكتب كودًا لمشاريع حقيقية بعد بل مجرد أكواد لمشاريع تعليمية وتدريبية بل حتى تجارب، وأني لست مؤهلةً للمساهمة في مشاريع حقيقية يستخدمها الآخرون ويعتمدون عليها، في الواقع حتى عندما عملت بصفتي مهندسة برمجيات وكتبت أكوادًا حقيقية، انتابتني المشاعر نفسها، وكانت الحجة أنني أعمل مع لغة برمجة واحدة، فما الذي يضمن نجاحي في مكانٍ آخر ومع أطر عمل وربما لغاتٍ برمجية أخرى.

استغرقت فعليًا حوالي السنة ونصف من العمل الجاد بدوامٍ كامل، لأشعر أخيرًا بالثقة الكافية لإغلاق حجج المحتال الداخلي، وتقديم طلب السحب الأول PR على GitHub وبدء رحلتي مع البرمجيات مفتوحة المصدر.

أساطير ضارة

سنكشف أمامكم زيف اثنتين من أكثر الأساطير الضارة انتشارًا حول البرمجيات مفتوحة المصدر.

الأسطورة الأولى: المساهمة في البرمجيات مفتوحة المصدر سهلة

تكررت أمامي مرارًا خلال هذه الرحلة رسالةٌ مفادها أن المساهمة في البرمجيات مفتوحة المصدر أمرًا سهلًا، وعندما لم أتمكن من البدء بسهولة بدأت أتساءل عن مهاراتي الخاصة وأشك فيها.

أما الآن أفهم معنى هذه الرسالة بطريقةٍ مختلفة، فعندما يصف الناس هذه المساهمة بالسهلة، فهم يقصدون أنها هدف قابل للتحقيق ويمكن للمبتدئين الوصول إليه إن اجتهدوا، أو أنك تستطع المساهمة في البرمجيات المفتوحة المصدر دون كتابة الكثير من التعليمات البرمجية المعقدة، هذا كله صحيح ولكن الأهم أن تعرف أن هذه المساهمة في الواقع صعبة وتتطلب منك وقتًا كافيًا تفهم خلاله قاعدة شيفرة جديدة وأدوات خاصة يستخدمها المطورون.

بالتأكيد لا نريد إثناء المبتدئين عن المحاولة، لكننا نرغب في إخبارهم أن مواجهة التحديات أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا للغاية خلال العملية.

الأسطورة الثانية: لابد أن يساهم كل مطور حقيقي بالبرمجيات مفتوحة المصدر

لطالما ذكرني المحتال الداخلي بأن عدم مساهمتي في البرمجيات مفتوحة المصدر يعدّ نقصًا واضحًا ووصمة عار في مسيرتي المهنية، بصراحة حتى وأنا أكتب هذا المقال أشعر بالذنب لأنني لم أساهم أكثر في المجتمع مفتوح المصدر.

العمل على هذه البرمجيات طريقة رائعة للتعلم والمشاركة في مجتمع المطورين الأوسع هذا كله لا ريب فيه، إلّا أنها بالتأكيد ليست الطريقة الوحيدة، إذ يمكنك التدوين أو حضور اللقاءات أو العمل في مشاريع أخرى أو القراءة أو الإرشاد أو حتى العودة إلى المنزل في نهاية يوم عمل طويل للاستمتاع بلقاء ودي مع الأهل أو الأصدقاء.

ما نريد قوله في النتيجة أن المساهمة في البرمجيات مفتوحة المصدر تحدي ممتع ومفيد حقًا، لكن بشرط أن يكون هو التحدي الذي اخترته.

خطئي الأول في المساهمة بالمشاريع مفتوحة المصدر

خطئي الأول كان السماح للمحتال الداخلي بالتحكم بقراري، فقد جعلني أتردد لسنوات بحجة أني لست مؤهلةً بعد، حتى أني لم أفهم في حينها حجم العمل الذي أحتاجه للوصول إلى مستوى أشعر معه بالثقة التامة لكتابة كود في مشروع غير مألوف (وهي بالمناسبة نقطة ما زلت أسعى تحقيقها حتى اليوم)، زد على ذلك أني استسلمت لفكرةٍ مفادها أن المساهمة في المجتمع مفتوح المصدر هي الطريقة الوحيدة لإثبات جدارتي بصفتي مطور جيد.

في النهاية بدأت، وقدمت طلب السحب الأول على أحد المشاريع واسعة النطاق، ولكن انعدام الثقة بالنفس أفسد علي التجربة بأكملها وجعلها أقل إمتاعًا.

لا تدع Git يحبط عزيمتك

إذا كنت تحاول تعلم المزيد عن Git ووجدت صعوبة بذلك، أو كنت مبتدئًا ويمنعك Git من تقديم مساهمتك الأولى في هذا المجتمع، فلا تقلق لست الوحيد الذي يشعر بذلك لأن Git معقد بالفعل، ولا يُتوقع منك أن تتعلمه على الفور وتفهمه بمجرد إلقاء نظرة عليه فهو يحتاج وقتًا، ولكن ما إن تتعلمه حتى تكتشف فائدته الجمّة وما يقدم من تسهيلات للمطورين ليعملوا معًا على مشروعٍ واحد وفي وقت واحد ومن ثم قيامه بدمج تعديلاتهم الفردية في الكود النهائي.

يوجد العديد من المصادر الجيدة لتتعرف على Git و GitHub (وهو الموقع الذي يستضيف الشيفرات البرمجية ويتيح للأشخاص أن يتعاون عليها باستخدام Git)، ويمكنك أن تبدأ من قسم Git على أكاديمية حسوب سيشكل نقطة انطلاق جيدة إضافة إلى أنه متاح باللغة العربية إذ فيه عدة سلاسل ومقالات مفيدة.

أنصحك أن تنتقل إلى سلسلة "المساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر" وأن تبدأ بقراءة المقال الأول فيها كيفية المساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر: ابدأ بتعلم نظام Git فهي سلسلة مفيدة مؤلفة من ستة مقالات، كما تجد بالقسم أيضًا سلسلة عن تعلم Git مؤلفة من سبعة مقالات.

ترجمة -وبتصرف- للمقال My first contribution to open source: Impostor Syndrome لصاحبته Galen Corey.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...