اذهب إلى المحتوى

قبل عقد من الزمن، كان مفهوم الذكاء الاصطناعي (AI) مقتصرًا على كونه تصنيفًا فرعيًّا لأفلام الخيال العلمي الذي تسيطر فيه الآلات وأنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة على البشر ويُنظر إليه على أنه مجرد خيال مستقبلي وليس شيئًا واقعًا يمكن التعامل معه في الحياة اليومية. أما اليوم فقد تطور الذكاء الاصطناعي وصار متاحًا للجميع، فلو سألت أي شخص اليوم ما هو الذكاء الاصطناعي فسيجيبك بأنه علم متطور يوفر العديد من التقنيات الذكية التي تتيح للآلات القيام بمهام عديدة تحتاج إلى ذكاء بشري، ويوفر أدوات عديدة تساعد البشر في إنجاز أعمالهم اليومية بأسلوب يحاكي ذكاءهم مثل التعرف على الصور، أو ترجمة المحتوى، أو تشخيص الأمراض، أو قيادة السيارات …إلخ.

تطور الذكاء الاصطناعي من مساعد بسيط لمنافس للإنسان

اقتصر الذكاء الاصطناعي في بداياته على بعض التطبيقات التي بدت بعيدة جدًا عن منافسة ذكاء الإنسان، مثل مساعدته في إكمال الجمل بالكلمات المتوقعة، أو توفير نماذج يمكنها لعب بعض الألعاب والتغلب على البشر فيها مثل نموذج آلفا جو AlphaGo الذي تغلب على بطل العالم لي سيدول (Lee Sedol) في لعبة جو GO عام 2016، وآلفا جو AlphaGo هو برنامج حاسوبي طُوّرته شركة DeepMind البريطانية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وهدفه الأساسي لعب لعبة جو المعروفة بتعقيدها واحتوائها على عدد كبير جدًا من  الاحتمالات.

حين تمكن حاسوب من التفوق على الإنسان في لعبة جو المعقدة للغاية التي تتضمن عدد احتمالات يفوق عدد ذرات الكون المرئي، عُدَّ هذا الأمر إنجازًا تقنيًا هائلًا وطرح الكثير من الأسئلة حول ماهية الذكاء الاصطناعي، وإلى أي مدى سيتطور الذكاء الاصطناعي؟ وهل من الممكن أن تتفوق علينا هذه التقنية التي طورناها بأيدينا؟

لقد تمكن الذكاء الاصطناعي من انتزاع الانتصار أربع مراتٍ من أصل خمس من بطل العالم الأفضل على الإطلاق في هذه اللعبة، وهذا شكل هزيمة صادمة إذ كيف لنابغةٍ في أحد المجالات أن يُهزم مرات عديدة من قبل آلة؟

لكن هل كان آلفا جو AlphaGo حقاً برنامجًا ذكياً أم مجرد برنامج حاسوبي قادر على حساب عدد كبير من الاحتمالات والتعمق فى شجرة من النقلات التى ضمنت انتصاره بسهولة؟ في النقلة ال 37 قام آلفا جو AlphaGo بلعب نقلة رابحة فرصة اختيارها 1 من 10000 وتخالف كل مبادئ البشر وطريقة تفكيرهم، وهذه الحركة التي قد لا يفكر بها أي بشري استطاعت تغيير موازين اللعبة.

AlphaGo vs Lee

مصدر الصورة

اقتباس

كنت أعتقد أن آلفا جو AlphaGo مجرد آلة تعتمد على حساب الاحتمالات وأنها مجرد آلة. لكن عندما رأيت هذا النقلة، تغير تصوري بالكامل ، بكل تأكيد آلفا جو AlphaGo كان مبدعاً.

لي سيدول

ما هو الذكاء الاصطناعي

قبل أن نستعرض ما هو الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) من الجيد أن نعرف بداية ما هو الذكاء الطبيعي (Natural Intelligence) أو الذكاء البشري (Human Intelligence) الذي يعبر عن قدرة ذهنية ناتجة من القدرة على التعلم من التجارب، والتأقلم في المواقف الجديدة، والقدرة على استيعاب المفاهيم المجردة، وتسخير المعرفة للتفاعل مع البيئة.

وتحاول أنظمة الذكاء الاصطناعي محاكاة تعريف الذكاء البشري لتتمكن من التأقلم و التعامل مع مشكلات جديدة بشكلٍ إبداعي دون برمجة حل مسبق لها في هذه الأنظمة، فَالقدرة على التعميم واستخدام ما تعلمه من مواقف سابقة لتطبيقه على مواقف جديدة ومهامٍ جديدة لم يسبق للآلة التعامل معها يجعلها تستحق وسمها بالذكاء وإن كان اصطناعيًا.

يمكننا الآن أن نصل إلى تعريف الذكاء الاصطناعي بعد أن فهمنا ما الذي نحتاجه لوصف الآلة أنها ذكية. فالذكاء الاصطناعي هو تقنية متطورة تُمكِّن الحواسيب والآلات من محاكاة الذكاء البشري في القدرة على الفهم والإدراك، وربط الأسباب ببعضها البعض، والتعلم والتفاعل مع بيئتها بشكل متكيف مع التغيرات لحل المشاكل بشكلٍ إبداعي.

يمكننا أن نستخلص مما سبق عدة مفاهيم ينبغي أن تتصف بها أو تملكها الأنظمة الحاسوبية حتى توصف أنها أنظمة ذكية:

  • القدرة على التعلم.
  • القدرة على الإبداع.
  • القدرة على التطور و تعميم التعلم.
  • القدرة على الإدراك.
  • القدرة على الفهم.
  • القدرة على ربط الأسباب.

نبذة عن تاريخ تطور الذكاء الاصطناعي

AI_timeline.png

في عام 1950، بدأ وضع معايير لتحديد ما هو الذكاء الاصطناعي من خلال اختبار تورينغ Turing test الذي يهدف إلى تحديد إذا كانت الآلة حقاً تتمتع بالذكاء وهو اختبار قائم على قدرة الآلة الذكية أن تجري محادثةً بشكل طبيعي فيظن المختبر أنه يتحدث مع إنسان وليس آلة، لكن لم يستطع آلان تورينغ Alan turing تطبيق مفهومه في ذلك الوقت، فقد كانت القوة الحاسوبية والتخزينية في ذلك الوقت محدودة للغاية وباهظة التكاليف.

في عام 1956 عُقد مؤتمر دارتموث الأول للبحث في الذكاء الاصطناعي (Dartmouth Summer Research Project on Artificial Intelligence) الذي ظهر فيه مصطلح الذكاء الاصطناعي بشكل علمي لأول مرة وعُدّ هذا المؤتمر الحدث التأسيسي الذي أطلق تخصص الذكاء الاصطناعي كمجال علمي قائم بذاته.

وشهد الذكاء الاصطناعي فترة ازدهار بين عامي 1957 و عام 1974 نظرًا لتطور القدرات الحاسوبية والتخزينة وإتاحتها بشكل أكبر للعامة، وكانت هذه فترة التوقعات المتفائلة بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي، لكن النتائج لم تقابل التوقعات مما أدى إلى فترة ركود في تطور الذكاء الاصطناعي.

في الثمانينيات عاد هذا المجال مجدداً للظهور نظرًا للتطور الملحوظ الذي حدث في خوارزميات تعلم الآلة، وبداية ظهور مفهوم التعلم العميق (Deep learning) الذي اقترح تنفيذ مهام الذكاء الاصطناعي بشكل مشابه للطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري، لكن لم يدم هذا التطور لفترة طويلة فمازالت القدرات الحاسوبية وكمية البيانات المتوافرة لا تواكب الآمال المرجوة.

لاحقًا في فترة التسعينات والألفية الجديدة عاد الذكاء الاصطناعي للساحة، وتحققت الكثير من التطورات والقفزات العلمية في الذكاء الاصطناعي في تلك الفترة، وسبب هذا التطور المتسارع هو التطور الهائل الحاصل في القدرات الحاسوبية والتخزينية التي مكّنت من الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتاحة لأقصى درجة ممكنة.

ai winters

وفي العصر الحالي أصبح الذكاء الاصطناعي من أكثر المجالات البحثية نمواً، وشهد سوق الذكاء الاصطناعي تطورًا متسارع الوتيرة، وأصبح من أكثر التقنيات طلبًا، فقدر حجم سوق تقنيات الذكاء الاصطناعي عام 2024 بحسب ستاتيستا statista بحوالي 200 مليار دولار، ومن المتوقع نمو هذا المجال والطلب عليه في السنوات القادمة ليصل إلى ما يقارب 800 مليار دولار بحلول عام 2030.

ai market size

يُبرز هذا التطور المستمر مدى أهمية الذكاء الاصطناعي وزيادة الاعتماد عليه في مختلف جوانب حياتنا اليومية، ويؤكد على دوره الحيوي في رسم ملامح المستقبل، وتغيير طريقة تنفيذ أعمالنا اليومية وتفاعلنا مع العالم.

ما هي تصنيفات الذكاء الاصطناعي

بعد أن تعرفنا على ماهية الذكاء الاصطناعي وتطوره وما المتوقع من الأنظمة الذكية أن تتسم به، لنتعرف على تصنيف الذكاء الاصطناعي وأنواعه. إذ تصنف الأنظمة الذكية بناءً على تطور قدراتها أو الوظيفة التى تحتاج القيام بها إلى عدة تصنيفات كما توضح الصورة التالية:

ai types

تصنيفات الذكاء الاصطناعي حسب القوة

تتفاوت قدرات الأنظمة الذكية فبعضها يتعامل مع مهام بسيطة وتكرارية لتوفير وقت الإنسان، والبعض الآخر مصمم ليتفاعل مع البشر ويقوم بطيف واسع من المهام لمساعدة الإنسان على اتخاذ القرارات، إذ يصنف الذكاء الاصطناعي بناء على قدرته على محاكاة ذكاء البشر إلى:

  • الذكاء الاصطناعي الضعيف Weak AI
  • الذكاء الاصطناعي القوي Strong AI

لنكتشف ما هو الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي وما الفرق بينهما.

الذكاء الاصطناعي الضعيف Weak AI

الذكاء الاصطناعي الضعيف (Weak AI) المعروف أيضًا بالذكاء الاصطناعي الضيّق (Narrow AI) هو النوع الذي نتعامل معه حاليًا فهو مصمم لأداء مهام محددة أو مجموعة من المهام المرتبطة بها، لكن دون امتلاك وعي أو فهم لها، فهو محدود في نطاقه وقدراته ولا يمكنه امتلاك الإدراك أو التكيف والتفكير بشكل مستقل خارج نطاق المهام التي صمم للتعامل معها.

تخيل أن لديك بوت محادثةٍ ذكي دربته كيف يتحدث مع العملاء ويجيب على أسئلتهم المتكررة، سيكون هذا البوت قادراً على فهم اللغة والصيغ المختلفة لطرح السؤال والتعامل مع أسئلة مثل "ما هي ساعات الدوام لديكم؟" أو "هل يمكنني القدوم في الساعة العاشرة لشراء هذا المنتج ؟" وإدراك أنها أسئلة عن أوقات العمل لهذا النشاط التجاري بالتالي الرد على السؤالين رغم اختلاف صياغتهما بنفس الإجابة التي توضح أوقات العمل. لكنه لن يتمكن من الدخول في نقاشات مفتوحة حول النشاط التجاري أو حول مواضيع عامة لا تخص هذا النشاط.

الذكاء الاصطناعي القوي Strong AI

بالمقابل يتميز الذكاء الاصطناعي القوي (Strong AI) أو ما يعرف أيضاً بالذكاء الاصطناعي العام Artificial general intelligence (AGI)‎ بتطوره وقدرته على القيام بالعديد من المهام المتنوعة بكفاءة تعادل البشر وتحاكي طريقتهم في التعامل مع أي مهمة معرفية.

لم تصل البشرية بعد إلى مستوى التعامل مع الذكاء الاصطناعي القوي (Strong AI) الذي يحاكي جميع القدرات البشرية الذهنية. ورغم التقدم الكبير في ماهية الذكاء الاصطناعي وتطور خوارزمياته ونماذجه التي تمكنت من الوصول إلى قدراتٍ مقاربة للبشر وربما تفوقت عليها في بعض المجالات المحددة، إلا أن هذه الأنظمة لا تزال تفتقر إلى الفهم والوعي العامين اللذين يميزان عقلنا البشري.

تصنيفات الذكاء الاصطناعي حسب الوظيفة

تصنف الأنظمة الذكية حسب الوظيفة ودرجة التعقيد إلى أربعة مستويات، وتتطور تدريجيًا من الأنظمة البسيطة إلى أنظمة أكثر تعقيدًا وأقرب إلى الذكاء البشري وهي كالتالي:

  • الآلات التفاعلية Reactive machines
  • الأنظمة محدودة الذاكرة Limited memory
  • أنظمة نظرية العقل Theory of mind
  • أنظمة الوعي الذاتي Self-awareness

لنوضح كل مستوى من هذه المستويات والوظائف التي يمكن القيام بها في كل منها.

الآلات التفاعلية Reactive machines

هي أنظمة ذكية لا تحتاج لامتلاك ذاكرةٍ للقيام بحل المشكلة التي تواجها، على سبيل المثال عند تصميم نظام ذكي يلعب الشطرنج، سيتحتاج هذا النظام للتعامل مع الموقف المعطى له فقط، وقد يكون هذا الموقف من منتصف المباراة ولكنه يستطيع تقييم الرقعة وقوة تمركز القطع واختيار نقلة تعظم من المكاسب أو تختار موقع استراتيجي بناءً على الموقف الحالي فقط .

الأنظمة محدودة الذاكرة Limited memory

هي الأنظمة الذكية التي تحتاج إلى تخزين البيانات بشكل مؤقت لاستخدامها في اتخاذ القرارات، فمثلًا عند تصميم نظام ذكي قادر على قيادة السيارات ذاتياً فأنت بحاجة لجمع بياناتٍ عن الطريق واللافتات المرورية والإشارات والسيارات الأخرى القريبة منك ليقوم النظام بالتحكم بالسيارة اعتماداً على البيانات الحالية والموقف الحالي، لن يكون النظام بحاجة للاحتفاظ بمعلومات عن السيارات التي ليست فى نطاق رويته أو سلكت طرقاً أخرى، فهذه الأنظمة تجمع البيانات بشكل مستمر لاتخاذ القرارات بشكلٍ فوري ولا تحتفظ سوى بما يلزم للتعامل مع الموقف الحالي.

أنظمة نظرية العقل Theory of mind

هي الأنظمة الذكية المتطورة التي تحتاج إلى فهم الأفكار والمشاعر والتفاعل الإجتماعي للقيام بوظيفتها، يمكن اعتبار روبوت المحادثة الذكي ChatGPT نظاماً قادرًا على فهم السياق من النص المرسل له ومعرفة المشاعر وراء تلك الكلمات بدرجة لا بأس بها، فهو قادر على استنتاج الأنماط المرتبطة بمشاعر معينة، لكنه لازال آلة غير قادرةٍ على التعاطف أو الشعور بتلك المشاعر.

أنظمة الوعي الذاتي Self-awareness

هي أنظمة ذكاء اصطناعي تحتاج إلى فهم المشاعر وتكوين وعي ذاتي للقيام بوظيفتها واتخاذ قرارات بناءً على هذا الوعي وتبريرها، في الوقت الحالي لا توجد أنظمة ذكاء اصطناعي تمتلك وعيًا ذاتيًا حقيقيًا كالبشر، ولكن هناك أبحاث تجري في هذا المجال، فهناك ورقة بحثية نشرت هذا العام بعنوان التعلم من خلال الشرح الذاتي Learning by Self-Explaining اقترحت طريقة تُمكّن أنظمة المحادثات الذكية من تبرير إجابتها بل وحتى انتقادها في سبيل تحسين الردود التي تنتجها.

تخصصات الذكاء الاصطناعي

ai fields

لقد تطورت مجالات الذكاء الاصطناعي وتشعبت فروعه وتخصصصاته ولعل أبرزها:

1. تعلم الآلة Machine Learning

هو تخصصٌ فرعي من الذكاء الاصطناعي يعني قدرة الآلات على التعلم من خلال البيانات دون برمجتها بشكلٍ مباشر للقيام بمهمة معينة، ويتضمن تعلم الآلة تطوير خوارزميات يمكنها تحليل البيانات واستكشاف الأنماط الموجودة فيها لتكوين معرفة يمكن تعميمها على مهامٍ أخرى.

تصنف مهام تعلم الآلة حسب البيانات المستخدمة في التعلم، فإن كانت البيانات المتاحة لديك موسومة Labeled تصبح مهمة التعلم مشرف عليها بشكلٍ آلي وتسمى التعلم مع إشراف Supervised learning حيث يتم استخدام الوسم الموجود في البيانات المستخدمة لتدريب النموذج في تقيم مخرجاته، وأما إن لم تكن البيانات المتاحة للتعلم موسومة تصبح مهمة التعلم دون إشراف Unsupervised learning حيث يحاول النموذج تعلم الأنماط الموجودة في البيانات وتجميع المتشابه منها فيما يعرف بالمجموعات أو العناقيد Clusters.

لنفترض أن لديك مجموعة من صور القطط والكلاب وترغب في بناء نموذج تعلم آلة قادر على التفريق بين القطط والكلاب، فوسم البيانات سيكون له تأثير في تحديد نوع خوارزميات التعلم المستخدمة في هذه المهمة، إن استخدمت صورًا موسمة للقطط والكلاب بحيث تكون كل صورة مرفقٌ معها تصنيفها في عملية التدريب فصور القطط ستحمل الوسم قط، بينما صور الكلاب ستحمل الوسم كلب، بالتالي تكون عملية التعلم هنا بإشراف بإستخدام هذه الوسوم، فعندما يقوم النموذج بتوقع الصورة على أنها قط يقارنها بوسمِها الحقيقي لتقييم صحة إجابات النموذج وتحسينها.

على النقيض إن قمت فقط بإعطاء النموذج التعلمي البيانات بدون تحديد وَسْم، فَسيتعلم الأنماط المشتركة للقطط ويتعلم أنها مجموعة أو عنقود Cluster منفصل وبالمثل للكلاب فَالمهمة هنا هو معرفة الأنماط المشتركة لكل مجموعة وعددها.

ml data

2. التعلم العميق Deep Learning

هو تخصص فرعي من تعلم الآلة يتميز باستخدامه الشبكات العصبية الاصطناعية (ANN)‎ التي تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري في معالجة البيانات، وتتميز خوارزميات التعلم العميق بقدرتها على الاستفادة من البيانات الضخمة لتحسين جودة نماذج تعلم الآلة، ويرجع هذا لقوة الشبكات العصبية الاصطناعية على تعلم أنماط أكثر تعقيداً من خوارزميات التعلم الآلي التقليدية، بحيث تصل خوارزميات التعلم التقليدية غير المعتمدة على الشبكات العصبية الاصطناعية إلى مرحلة ركود لا تستطيع فيها تعلم أي شيءٍ جديد من البيانات  وتواكب تعقيد المشكلة التي أمامها، فالأمر هنا لا يتعلق بجودة البيانات إنما بقدرة الخوارزمية على تعلم الأنماط المعقدة الموجودة في البيانات الضخمة.

mlvsdl

يقارن الرسم أعلاه بين أداء خوارزميات التعلم التقليدية وخوارزميات التعلم العميق في عدة نقاط

  • عندما يتوفر لديك مقدار قليل من البيانات عليك استخدام التعلم الآلي التقليدي، لأن خوارزميات التعلم العميق تحتاج لحجم بيانات أكبر لتعطى نفس الدقة و الأداء.
  • تصل خوارزميات التعلم التقليدي إلى مرحلة ركود في التعلم أو تطور تطفيف بالرغم من استخدام حجم بيانات أكبر ولا تتمكن من مواكبة تعقيد المشكلة.
  • تتفوق خوارزميات التعلم العميق عندما توفر لها حجمًا هائلًا من البيانات، فكلما استخدمت بياناتٍ أكثر فيها كلما تمكنت من تحقيق أداءٍ أفضل.

3. التعلم المعزز بالتجربة Reinforcement learning

هو نوع من مهام تعلم الآلة قائم على التعلم بالتجربة والتفاعل مع البيئة المحيطة، تتفاعل الأنظمة الذكية المدربة بهذه الطريقة مع بيئتها بشكل عشوائي في البداية وبناءً على هذا التفاعل تتوقع الآلة الحصول على مكافأة أو عقوبة، إذ نكافئ النظام على سلوكه اتجاهاً معيناً يضمن له أداءاً أفضل، ونعاقبه على القرارات التي لا ينجز فيها المهمة الموكلة إليه بشكل صحيح.

ينتشر استخدام هذا النوع من التعلم الآلي في مجال الروبوتات Robotics وفي ألعاب الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وفي أنظمة المحاكاة حيث توجد بيئة يمكن للنظام التفاعل معها.

4. الرؤية الحاسوبية Computer Vision

هي أحد المجالات الرئيسية في الذكاء الاصطناعي، حيث تهدف لتعزيز الآلات والأنظمة الحاسوبية بالقدرة على التعامل مع المحتوى البصري مثل الصور ومقاطع الفيديو، ويستخدم هذا المجال تعلم الآلة والتعلم العميق بشكلٍ خاص لتحليل البيانات البصرية الضخمة وتعلم الأنماط المرئية من أجل تمييز هذا النوع من المحتوى وفهمه، وتطبيقات الرؤية الحاسوبية كثيرة للغاية ولعل أبرزها أنظمة تحديد الوجوه والتعرف عليها، وأنظمة تحليل الأشعة الطبية وتشخيص الأمراض.

وتعد الشبكات العصبية الالتفافية Convolution Neural Networks أو اختصارًا CNN  أحد الأسباب التي ساهمت في تطور هذا المجال فهي تتميز بقدرتها الآلية على استخراج الأنماط الهامة وتعلم أي الأنماط البصرية تحتاج إلى التركيز عليها حتى تمتلك القدرة على التفريق بين الصور، وقبل اختراع هذا النوع من الشبكات العصبية كان على المطورين استخراج المعلومات البصرية والأنماط من الصور بشكل شبه يدوي.

5. معالجة اللغات الطبيعية

معالجة اللغات الطبيعية Natural Language Processing‎‎ أو ‎اختصارًا NLP هي أحد التطبيقات الشائعة للذكاء الاصطناعي، وهي مجال حيوي أيضًا ويعتمد على تعلم الآلة والتعلم العميق لبناء فهم جيد للغات الطبيعية والقدرة على التعامل معها.

من التطبيقات الشائعة لمعالجة اللغات الطبيعية أنظمة المحادثة الذكية مثل ChatGPT ونماذج التعلم اللغوية الضخمة Large Language Models أو اختصارًا LLMs التي تّدرّبُ مسبقاً على بيانات ضخمة لتمتلك فهماً مبدئياً للغة يُمكَّنها من القيام بمهام لغوية متعددة، نذكر منها تلخيص الفقرات الطويلة والإجابة على الأسئلة والترجمة الآلية وتحليل المشاعر في النصوص، والعديد من التطبيقات الأخرى.

الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative Artificial Intelligence

يتميز الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI بقدراته الإبداعية وقدرته على إنتاج وإبتكار نصوص جديدة ووسائط أخرى مختلفة كالصور والأصوات ومقاطع الفيديو بناءً على الأنماط التي تعلمها من كميات كبيرة من البيانات. وهو يختلف عن أنظمة الذكاء الاصطناعي التقليدية التي تعتمد على  التصنيف أو التنبؤ بناءً على البيانات المدخلة.
ذاع صيت الذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم لما يتميز به من قدرات فريدة في توليد محتوى إبداعي يشبه المحتوى المولد من قبل البشر، وأصبح له تطبيقات عديدة ككتابة المحتوى التسويقي، وتأليف القصص، وتصميم الصور، وكتابة الشيفرات البرمجية، وغيرها من المهمام التي سرعت إنتاجية البشر.

تحديات تطور الذكاء الاصطناعي وحلول مقترحة

لنختم المقال بتسليط الضوء على بعض التحديات والتساؤلات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وآفاقه المستقبلية.

تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف البشرية

لدى الكثير من الأشخاص تخوف من تطورالذكاء الاصطناعي وتساؤلات حول قدرته على استبدال الوظائف البشرية، بكل تأكيد سيغير الذكاء الاصطناعي الطريقة التي تعمل بها الكثير من الوظائف في الوقت الحالي، ليس بشكلٍ مدمر ولكن بشكل مساعدٍ للبشر، فبينما من المرجح اختفاء بعض الوظائف أو تأثرها فممن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيوفر فرص عملٍ أخرى، شأنه شان العديد من الثورات الصناعية والتقنية على مر التاريخ.

الاحتيال والتزوير باستخدام الذكاء الاصطناعي

من التحديات الخطيرة التي تواجه الذكاء الاصطناعي استخدامه في عمليات الاحتيال أو التزوير، فيمكن بكل سهولة استخدام تقنية التزييف العميق Deep fake من أجل انتحال شخصية أحد الأشخاص، يمكن مكافحة هذه الجرائم بعدة طرق منها استخدام الذكاء الاصطناعي نفيه لاكتشاف التزييف و تشريع قوانين تضمن حماية الأفراد من الاحتيال.

تحيّز الذكاء الاصطناعي

قد تعاني بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي من التحيز المقصود أو غير المقصود، على سبيل المثال عند بناء أنظمة التعرف على الوجوه وتدريبها على بيانات لصور وجوه بشرية بيضاء البشرة فقط، فلن تكون قادرة على العمل بكفاءة للتعرف على وجوه مختلفة الملامح والألوان، ولمنع تحيز الذكاء الاصطناعي ينبغي الاهتمام بتطويره وتحسين جودة البيانات التي يعتمد عليها للتدريب وجمع بيانات كافية تعبر عن كل الفئات المستهدفة.

احتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي

هناك مخاوف من سيطرة بعض الدول على تقنيات الذكاء الاصطناعي مما سيؤدي إلى تحيز مقصود، فمعظم الأشخاص تستخدم إجابات الذكاء الاصطناعي كأنها شيء مُسلَّم به، لكن الكثير من ردود الذكاء الاصطناعي ليست صحيحة بشكل كامل وأحياناً تكون خاطئة، ولتحسين جودة الإجابات ودقتها يجب دعم الإجابات بمصادر خارجية تؤكد صحة المعلومات، واعتماد تقنية تسمى توليد الإجابات المعززة بالحقائق Retrieval-augmented generation أو (RAG)‎ اختصارًا.

الخلاصة

تعرفنا في هذا المقال ما هو الذكاء الاصطناعي واستعرضنا مراحل تطوره حتى وصل لهذه القوة والانتشار، وناقشنا أهم تصنيفات الذكاء الاصطناعي وتخصصاته، وختمنا المقال بالحديث عن بعض التحديات والمخاوف المرتبطة بتطور الذكاء الاصطناعي في المستقل وتأثير الاعتماد المتزايد عليه في تنفيذ أعمالنا ومهامنا البشرية.

نرجو أن يكون هذا المقال قد قدم لك إجابات شاملة حول ماهية الذكاء الاصطناعي ووضح له أهم المفاهيم والتخصصات المرتبطة به. وإذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات حول ما ورد في المقال، فلا تتردد في كتابتها في قسم التعليقات أسفل المقال.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...