تتضاعف قدرة تصميم موقعك الإلكتروني على التسويق عندما يكون مقترنًا بمبادئ علم النفس، إذ إن فهمك لكيفيّة تفاعل الناس مع الرسومات والصور يساعد على توجيه تصميماتك وجهودك التسويقيّة في الاتجاه الصحيح.
وإذا لم تأخذ علم النفس في الحسبان أثناء التصميم، فذلك يعني أنك تتخبط فقط على أمل أن تنجح جهودك العشوائيّة في استقطاب العملاء. ورغم أن علم النفس يتسم بالتعقيد والتطوّر المستمر، إلا أنك لست بحاجة إلى الحصول على درجة الدكتوراه حتى تتمكن من استغلاله في عمليّة التصميم، فالعديد من مفاهيم هذا العلم بسيطة للغاية، وبالتالي يمكنك استخدامها دون الحاجة حتى إلى فهم النظريات التي تقف خلفها.
ثمة العديد من مبادئ علم النفس التي قد تساعدك على تحسين تصميم موقعك الإلكتروني، وفي هذا المقال سوف نلقي نظرةً على عشرة من هذه المبادئ.
1. ردود الفعل الغريزية
تنشأ التفاعلات العاطفية الأولية في النظام العصبي المركزي، ثم تؤثر على سلوكك في مستوى اللاوعي، أي أنك لا تلاحظ حتى تأثير هذه التفاعلات على سلوكك وقراراتك. يظن معظم الناس أنهم يتحكمون بسلوكهم وقراراتهم بطلاقة، ولكن للأسف ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. إذ يرغب دماغك بأن تعتقد أن قراراتك هي نتيجة التحليل المنطقي، ولكن الحقيقة أن معظم قراراتك هي نتيجة غرائز البقاء المغروسة فيك.
تنتج هذه الردود الغريزية في الغالب عندما تتعرض لعوامل خارجيّة مثل الطعام والخطر، أو حاجات فطريّة مثل الحاجة إلى التناسل والبحث عن المأوى. تؤثر هذه التفاعلات على أفكارك وأفعالك وقراراتك في مستوى اللاوعي، وذلك لأنها تأتي من نظامك العصبي المركزي وتصل إلى دماغك أسرع من تفكيرك الواعي.
هل سبق أن شاهدت لوحة وأحببتها ولكن لم تستطع إيجاد الكلمات المناسبة لتشرح سبب إعجابك بها؟ إذا مررت بمثل هذه التجربة، فذلك على الأغلب لأن ردود الفعل الغريزيّة هي ما دفعتك للإعجاب بهذه اللوحة وليس عقلك الواعي. تستند ردود الفعل الغريزيّة في جزء منها إلى الذاكرة الوراثيّة، وهو ما يجعلها متشابهةً للغاية بين الأجناس والثقافات والمجموعات الديموغرافيّة المختلفة.
يمكنك توليد ردود الفعل الغريزيّة لدى المستخدمين من خلال استخدام بعض العناصر في تصميم موقعك الإلكتروني، مثل استخدام درجة من اللون الأزرق الصافي المشابه للون المياه العذبة أو ألوان براقة تذكّر المستخدمين بنوع معيّن من الفاكهة. من جانبٍ آخر، يمكن للتصميم المرتب أن يُولد شعورًا لدى المستخدم بأنه في بيئة آمنة.
2. تحليل التكلفة والمنفعة
يمثل مبدأ التكلفة والمنفعة مبدءًا مشابهًا لمفهوم الردود الغريزيّة. ويشير هذا المبدأ إلى أن سلوك الإنسان يرتبط مباشرةً بصعوبة المهمة المنوطة به موازنةً بقيمة العائد المحتمل. يتفق معظم علماء النفس على تلخيص السلوك الإنساني في نمطين أساسيين، وهما: الابتعاد عن مصادر التهديد، والبحث عن الفرص. دماغك مثلًا، مبرمج جينيًا على البحث عن الأطعمة التي تمنحه أكبر قدر ممكن من الطاقة، ولهذا السبب تجد نفسك ميالًا إلى تناول الأطعمة الغنيّة بالسعرات الحراريّة، مثل الشوكولاتة والبيتزا، ولذات السبب لا تشعر برغبة في شرب الماء أو تناول الكرنب عندما تكون جائعًا.
في حقبة ما قبل التاريخ كان الطعام شحيحًا، وكان البحث عنه ضروريًا للبقاء وضمان استمرار الجنس البشري. ولهذا السبب نجد أن البشر ما زالوا -بلا وعي- يهربون من الجوع إلى درجة تناول سعرات حراريّة أكثر بكثير مما يحتاجون إليه. ولأن البشر في القديم لم تكن لديهم فرصة شراء الشيبس من المتجر القريب، فقد كانوا يحافظون على الطاقة ويبتعدون عن تنفيذ أي مهمة ليست مفيدة.
ورغم تقادم الأزمان وتبدّل العصور، إلا أن نفسيّة البشر لم تتغيّر، وما زال البشر المعاصرون يتصرفون بذات الطريقة إلى يومنا هذا. وما زال العقل البشري يدرس في مجاهل اللاوعي تكاليف وفوائد أي خطوة تريد الإقدام عليها.
هذه الحقيقة تُترجم أيضًا في سلوك المستخدمين عبر الإنترنت، فصعوبة المهام المطلوبة من المستخدمين سوف تمنعهم من إنجازها ما لم يكن العائد منها قيمًا بما فيه الكفاية. ولذلك، تجد أن الشعارات التفاعليّة التي تُظهر قيمة الموقع أو الغرض من المنتج أو الخدمة فعالة للغاية. ولعل إعياء النماذج من أبرز الأمثلة على هذا المبدأ، إذ تستغرق تعبئة النماذج عبر الإنترنت جهدًا كبيرًا، ولذلك فإن معظم المستخدمين يميلون إلى عدم تعبئة هذه النماذج ما لم يُعرض عليهم شيء قيّم في المقابل.
وإذا كان موقعك يستنزف جهدًا كبيرًا من المستخدمين، فذلك يعني أنهم على الأغلب سوف يبحثون عن ذات المعلومات في موقع آخر، ولكنه يقدّمها لهم بسهولة أكبر، ولا يقتصر مبدأ استنزاف الطاقة على النشاط البدني فحسب، بل يشمل النشاط الذهني أيضًا، لذلك كلما كان موقعك يبدو بسيطًا، ازدادت احتماليّة بقاء المستخدمين فيه.
3. قانون هيك Hick's Law
ينص قانون هيك على أنه كلما تعددت الخيارات، استغرق الشخص وقتًا أطول في اتخاذ القرار. وفي حين يزعم معظم الناس أنهم يفضلون وجود خيارات متعددة، إلا أن سلوكهم يشير إلى نقيض ذلك. فقد أظهرت بعض دراسات الحالة أن تعدد الخيارات بدرجة كبيرة قد يدفع الأشخاص إلى عدم اتخاذ قرار بالمطلق، لأن عمليّة الموازنة بين هذه الخيارات تستغرق وقتًا طويلًا.
يرتبط قانون هيك ارتباطًا مباشرًا بمبادئ التكلفة والفائدة التي ناقشناها أعلاه. ولذلك يمكن القول إن هذا القانون يرشدنا إلى ضرورة الالتزام بالبساطة في تصميم المواقع الإلكترونيّة.
فكلما ازدادت الصور والأزرار في الموقع، قلت احتماليّة تفاعل المستخدمين معها. ولذلك فإن أفضل طريقة لتطبيق هذا القانون في عالم تصميم المواقع الإلكترونيّة هي بتنظيف صفحتك الرئيسيّة من جميع الصور والعناصر والروابط غير الضروريّة لبناء واجهة بسيطة ومرتبة. تساعد بساطة التصميم المستخدمين على استيعاب المعلومات المعروضة في الموقع، وتمكنهم من الاحتفاظ بها في ذاكرتهم على المدى البعيد.
4. نظرية الغشتالت Gestalt Theory
خلال عشرينيات القرن الماضي، وجد مجموعة من علماء النفس الألمان أن العقل البشري قد يربط بين عنصرين غير مترابطين إذا كانا موجودين بالقرب من بعضهما. كذلك يمكن للتشابه بين عنصرين أن يدفع الدماغ إلى الاعتقاد بوجود ترابط بينهما. لذلك يجب أن تنتبه أثناء التصميم إلى العناصر المتشابهة والمتجاورة، وأن تحرص على الربط فقط بين العناصر المترابطة فعلًا.
5. التعرف على الأنماط
يمثل التعرّف على الأنماط أساس الإدراك البصري، فعندما يتعرض الإنسان لحافز بصري معقّد، مثل وجه أو كلمة أو غير ذلك من الأمور، فإن أول ما يفعله هو البحث عن الأنماط المشابهة له. وعندما يتعرف الإنسان على نمط مشابه لشيء قد رآه في الماضي، فإن دماغه سوف يستدعي تلقائيًا جميع الصور الإدراكيّة المرتبطة بذلك النمط.
وكلما شاهدت شيئًا، ازداد شعورك بمعرفته، لأن عقلك ببساطة أصبح أقدر على ربطه بالأنماط السابقة. في المقابل، قد يواجه العقل صعوبةً في التعرّف على الأشكال التي لا توجد لها أنماط سابقة لديه. وفي هذا الصدد، يمكن استخدام الأشكال والصور الغريبة وغير المعتادة لخلق صدمة لدى المستخدمين وجذب انتباههم.
6. التعرف على الوجه
يُعَد التعرّف على الوجه من أهم عمليّات التعرّف على الأنماط التي يجريها الدماغ، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ويعتمد في تفاعله مع الآخرين على اللقاء وجهًا لوجه، وهو ما يحتّم عليه التمييز بين الوجوه والأشخاص؛ أمّا تاريخيًا، فقد كان التعرّف على الوجه ضروريًا لاستكشاف نوايا الغرباء. صحيح أن أي شخص يستطيع رسم ابتسامة زائفة على وجهه، ولكن التعبيرات الدقيقة دائمًا ما تكشف عن المشاعر الحقيقيّة.
وإذا كانت هذه المشاعر عبارة عن خوف أو ذعر، فهذا يعني أن ذلك الشخص ربما يخطط لمهاجمتك، وبهذه الطريقة كان التعرّف على الوجه ضروريًا للبقاء، فهو يساعد على تمييز الأشخاص العدائيين. وفي هذا الصدد، يولي دماغك قدرًا أكبر من الاهتمام بتعابير الوجه العدائيّة.
يؤثر التعرّف على الوجه أيضًا على سلوك المستخدمين في الإنترنت، ولذلك يجب أن يؤخذ في الحسبان عند تصميم المواقع الإلكترونيّة، فرؤية صورة لشخص مبتسم تجعل المستخدم يشعر بأنه في موضع ترحيب؛ وفي المقابل، قد تُولد صورة لأطفال جوعى شعورًا بالحزن والكآبة لديه. لذلك، احرص في موقعك على استخدام صور لأشخاص حقيقيين بدلًا من الصور الرمزيّة أو الصور الجاهزة، فالمشاعر الحقيقيّة تنتقل إلى المستخدم وتُولد لديه ردود فعل حقيقيّة. كذلك تجنّب استخدام صور لأشخاص يحاولون التظاهر بمشاعر معيّنة لأن المستخدمين سوف يكتشفون ذلك بسرعة.
7. التأثير الاجتماعي
لقد اعتمد إنسان الكهف على العمل الجماعي من أجل البقاء، فالهروب من الحيوانات المفترسة والصيد والعثور على الطعام، جميعها أعمال تتطلب تعاون العديد من الأشخاص في سبيل تحقيق الهدف المشترك. ورغم أن السعي من أجل البقاء لم يَعُد الأولويّة الوحيدة بالنسبة إلينا، إلا أن عقولنا ما زالت مبرمجةً على تقدير آراء الآخرين. تذكر أن الأشخاص يصبحون أكثر قابليّةً للإعجاب بشيء ما عندما يلاحظون إعجاب الآخرين به؛ ولكن للاستفادة من هذه المبدأ، يجب أن تحرص على تقديم عمل عالي الجودة ليحظى بإعجاب وتقدير الآخرين.
8. التجاهل الانتقائي وعمى التغيير
ربما تظن أن عقلك يستطيع إدراك جميع ما يحدث من حولك، ولكن ذلك ليس صحيحًا، وذلك يرجع إلى مفهوم التجاهل الانتقائي. إن العقل البشري ليس قويًا بما فيه الكفاية لإدراك جميع ما يراه، لذلك يختار أن يتجاهل بعض العناصر التي يرى أنها غير مهمة. ولعل من أبرز الأمثلة على هذا المفهوم هو عمى البانرات، فقد تعلّم مستخدمو الإنترنت تجاهل الإعلانات الإلكترونيّة بلا وعي، ولكن هذه المبادئ لا تقتصر على الإعلانات فقط، فدماغك يتجاهل أي شيء يبدو هامشيًا أو غير مهم بالنسبة إلى المهمة الحاليّة التي ينفذها، لذلك يجب أن تحرص على إبراز جميع العناصر المهمة في موقعك الإلكتروني.
يُعَد عمى التغييرات من أشكال التجاهل الانتقائي، فالدماغ البشري يفعل جميع ما بوسعه لتوفير الطاقة، ولذلك يفترض أن كل شيء ما زال على حاله ما لم يثبت خلاف ذلك، ولهذا السبب فإن أدمغة المستخدمين قد تعجز عن ملاحظة تغييرات واضحة في موقعك الإلكتروني. ولتجاوز هذه المعضلة، احرص على أن تكون جميع التغييرات بارزةً بما فيه الكفاية حتى يستطيع المستخدمون ملاحظتها.
9. الكشف التدريجي Progressive Disclosure
إن التعلم ليس سهلًا، إذ إن استيعاب معلومات جديدة ومعالجتها في مستوى الوعي، ومن ثم نقلها إلى اللوزة الدماغيّة لتخزينها على المدى البعيد يتطلب كثيرًا من التركيز والجهد والطاقة. ولكن لا تقلق، فلست بحاجة إلى التعرّف على نظريات التعلّم لاستغلال هذا المبدأ، فكل ما تحتاج إليه هو أن تعرف أن الأشخاص يفضلون تذكر المعلومات التي يعرفونها بالفعل على تعلّم معلومات جديدة. عندما تحاول تعلّم شيء ما، فسوف تصل بالتأكيد إلى مرحلة تحتاج فيها إلى تخزين المعلومات التي استوعبتها قبل استيعاب معلومات جديدة.
ولهذا السبب ترى معظم الناس يمرون بسرعة على المقالات عندما تحتوي على كثير من المعلومات، ولكن ذلك لا يعني تقليص كميّة المعلومات في موقعك الإلكتروني، وإنما تقديم هذه المعلومات للمستخدمين على جرعات صغيرة، وهو ما يُعرف بالكشف التدريجي. إن الأمر أشبه بإطعام الطفل الصغير جرعات صغيرة لمساعدته على البلع حتى لا يختنق. وبالمثل، بدلًا من إغراق المستخدمين بالمعلومات، يمكنك أن تتيح لهم فرصة تخزين واستيعاب المعلومات شيئًا فشيئًا.
لنفترض أنك تريد كتابة دليل شامل حول موضوع معيّن. في هذه الحالة، يمكنك نشره في مقال واحد مكوّن من 10,000 كلمة، أو تقسيمه إلى 10-20 جزءًا حتى يسهل على المستخدمين فهمه واستيعابه، ولهذا السبب أصبحنا نشاهد في مواقع الإنترنت العديد من الموضوعات والأدلة المتسلسلة بدلًا من مقالات مفردة وطويلة للغاية.
10. نظرية التلقي المزدوج
نُشرت نظريّة التلقي المزدوج لأول مرة في 1986، وهي تحلل العلاقة بين الذاكرة والتعلّم من خلال الوسائط اللفظيّة وغير اللفظيّة. تشير النظريّة إلى وجود نظامين إدراكيين لدى الإنسان، أحدهما لاستيعاب ومعالجة الصور والآخر لإدراك واستيعاب المحفزات اللفظيّة، مثل اللغة المحكيّة.
لقد طرح المصممون دومًا سؤالًا حول مدى سهولة استيعاب الأشكال والصور عندما تقترن بالنصوص. وفي هذا الصدد، تشير معظم الدراسات إلى أن تعلم وتذكر المعلومات يصبح أسهل لدى معظم الأشخاص عندما تُقدّم لهم من خلال محفزات مرئيّة ولفظيّة معًا. وفي حين يستطيع معظم الأشخاص معالجة المحفزات المرئيّة بوتيرة أسرع من المحفزات اللفظيّة؛ إلا أن قدرتهم على تذكر المعلومات تصبح أكبر عند الدمج بينهما، لذلك يجب أن تعزز محتواك بمقاطع الفيديو والصور والإنفوجرافيك، وحتى الصور المتحركة GIF.
الخلاصة
في الختام، نأمل أن تكون قد استفدت شيئًا أو اثنين من مبادئ علم النفس العشرة التي ناقشناها في هذا المقال. ولكن تذكر أن هناك عدد لا يُحصى من مفاهيم علم النفس التي يمكنك استغلالها لتعزيز مهاراتك في التصميم. ولاستغلال هذه المبادئ على النحو الأمثل، لا تشغل بالك بالعلوم والنظريات التي تقف خلفها، وإنما حاول أن تطبقها مباشرةً في تصميماتك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال 10 Principles of Psychology to Improve Your Web Design.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.