سنتحدث في مقالنا هذا حول اللحظات الدقيقة، فنتيجةً للثقافة المنتشرة التي ولدتها الأجهزة المحمولة، أصبح من الضروري الاهتمام باللحظات الدقيقة في تصميم تجربة المستخدم، إذ نحتاج إلى تجهيز أنفسنا بالطرائق والأدوات المناسبة للبحث في أسلوب حياة مستخدمينا قبل الانتقال إلى مرحلة التصميم، وسنأخذ قصة إحدى المطاعم في مانهاتن لإظهار مدى أهمية ما تسميه جوجل بـ "اللحظات الدقيقة".
لقد غيرت الأجهزة المحمولة حياتنا أكثر مما يمكننا إدراكه، فقد أضحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لذا يجب على مصممي تجربة المستخدم أن يأخذوا دور خبراء السلوك البشري ليفهموا الكيفية التي يفكر بها المستخدمون المستهدفون.
هل تحتاج إلى هاتف محمول لتناول وجبتك في المطعم؟
في أوائل عام 2014، ظهرت قصة عن إحدى المطاعم في منطقة مانهاتن في مقاطعة نيويورك، حيث تلقى المطعم عدة شكاوى حول بطء الخدمة في المطعم، لذا قرر مسؤولو المطعم معرفة السبب الكامن وراء هذا التأخير، فأجروا مقارنةً بين تسجيلات الكاميرا عام 2014 وتسجيلات الكاميرا عام 2004.
ومن خلال هذه المقارنة المستندة إلى مراقبة تسجيلات الكاميرا، اكتشف مسؤولو المطعم أن متوسط المدة المستغرقة في تناول الوجبة عام 2004 كان 65 دقيقةً، بينما ارتفعت هذه المدة لتصل إلى 115 دقيقةً عام 2014، أي زادت مدة تناول الوجبة 50 دقيقةً خلال عشر سنوات فقط.
ونتيجةً لذلك، أخذ مسؤولو المطعم على عاتقهم مهمة معرفة سبب التأخير في تناول الوجبات، ليحددوا على من يقع اللوم وما سبب ذلك، فلاحظوا أن استخدام العملاء المهووس للهواتف المحمولة هو الذي أدى إلى إطالة أوقات الوجبات، وإليك فيما يلي مقارنة بين أحداث تناول وجبة الطعام عام 2004 وعام 2014:
أحداث تناول وجبة الطعام عام 2004
- يدخل العملاء إلى المطعم.
- يجلسون على الطاولات وتُقدَّم لهم قوائم المأكولات.
- في المتوسط، يقضي العملاء 8 دقائق قبل إغلاق قائمة المأكولات والاستعداد للطلب.
- يأتي النادل على الفور تقريبًا لأخذ الطلب.
- يُقدَّم لهم الطعام في غضون 6 دقائق تقريبًا، مع ملاحظة أنه كلما كان الطبق أكثر تعقيدًا، استغرق وقتًا أطول حتى يجهز.
- يراقب النُّدُل الطاولات حتى يتمكنوا من الاستجابة بسرعة إذا احتاج العميل إلى شيء ما.
- بعد انتهاء العملاء من تناول الوجبات، تُقدَّم لهم الفواتير على الطاولات، ثم يغادر العملاء في غضون 5 دقائق.
بالتالي كان متوسط الوقت المستغرق من دخول العملاء إلى المطعم حتى مغادرته هو ساعة وخمس دقائق.
أحداث تناول وجبة الطعام عام 2014
- يدخل العملاء إلى المطعم.
- يجلسون على الطاولات وتُقدَّم لهم قوائم المأكولات.
- يُخرج العملاء هواتفهم حتى قبل فتح القوائم، إذ يلتقط بعضهم صورًا بينما يفعل الآخرون أشياءً أخرى على هواتفهم.
- 7 من كل 45 عميلًا ينادون إلى النُدُل الذين يأتون إليهم على الفور، ويطلبون منهم المساعدة في الاتصال بشبكة Wi-Fi، ويأخذون 5 دقائق في المتوسط من وقت النادل.
- يعود النُدُل إلى الطاولات ليروا ما يرغب العملاء في طلبه.
- في معظم الحالات، يتجاهل العملاء فتح القوائم ويطلبون من النُدُل العودة لاحقًا.
- ثم يفتح العملاء قوائم المأكولات بالمزامنة مع استخدام هواتفهم.
- يعود النادل ليسأل العملاء عمّا إذا كانوا مستعدين للطلب أو لديهم أي أسئلة.
- يطلب العملاء المزيد من الوقت.
- إجمالي متوسط الوقت المستغرق من وقت جلوس العميل إلى أن قدم طلبًا هو 21 دقيقة.
- يُقدَّم لهم الطعام في غضون 6 دقائق تقريبًا، مع ملاحظة أنه كلما كان الطبق أكثر تعقيدًا، استغرق وقتًا أطول حتى يجهز.
- من بين كل 45 عميلًا، يقضي 26 عميلًا ما متوسطه 3 دقائق في التقاط صور للطعام.
- من بين هؤلاء الـ 45 عميلًا، يلتقط 14 منهم صورًا لبعضهم البعض مع الطعام أمامهم أو خلال تناوله، ويستغرق ذلك 4 دقائق في المتوسط، إذ يجب عليهم مراجعة الصور وإعادة التقاطها في بعض الأحيان.
- من بين كل 45 عميلًا، يرسل 9 منهم الطعام لإعادة تسخينه.
- من بين كل 45 عميلًا، يطلب 27 منهم من النادل التقاط صورة جماعية لهم، كما يطلب 14 منهم إعادة التقاط الصور لأنهم غير راضين عن الصورة الأولى، وتستغرق هذه العملية في المتوسط 5 دقائق إضافية، وتمنع النادل من خدمة طاولات أخرى.
- يكون العملاء في معظم الحالات مشغولين في هواتفهم، لذا يستغرق الأمر وسطيًا 20 دقيقةً إضافيةً من وقت الانتهاء من تناول الطعام حتى طلب الحساب.
- بمجرد ظهور الفاتورة أمامهم، يستغرق الأمر 15 دقيقةً قبل أن يدفعوا فاتورتهم ويغادروا المطعم.
- من بين كل 45 عميلًا، يصطدم 8 عملاء بالموظفين أو بعملاء آخرين خلال دخولهم إلى المطعم أو خروجهم منه، وذلك بسبب انشغالهم بإرسال الرسائل النصية.
أي كان متوسط الوقت المستغرق من دخول العملاء إلى المطعم حتى مغادرته هو ساعتان إلا خمس دقائق.
هل تبدو هذه التجربة وكأنها مألوفة؟ فكر في آخر مرة ذهبت فيها إلى مطعم مع بعض الأصدقاء، هل كنتم تستخدمون هواتفكم وتلتقطون الصور؟ حاول في المرة القادمة التي تذهب فيها مع أصدقائك إلى مطعم أن تراقب سلوكهم وتصرفاتهم، وتحقق مما يفعله الآخرون؛ وأين ينصب تركيزهم.
تقسيم حياتنا إلى لحظات دقيقة
في أوائل عام 2015، أصدرت شركة جوجل Google مجموعةً من المقالات حول ما يسمونه "اللحظات الدقيقة"، ومن الأمثلة على هذه اللحظات الدقيقة هي قصة المطعم السابق المليئة باللحظات الدقيقة، إذ يحصل خلالها المستخدمون على هواتفهم لإنجاز مهمة محددة. ويمكن تصنيف معظم اللحظات الدقيقة تحت عنوان "أريد المشاركة" الذي يشغل حاليًا الكثير من حياتنا اليومية.
دعنا نرى تصنيف اللحظات الدقيقة الذي حددته جوجل، ويمكنك كمصمم منتج أن تضيف أنواعًا جديدةً.
لحظات "أريد أن أعرف"
تخيل أنك أنت تجلس في المنزل في إحدى الأمسيات اللطيفة، ماذا ستفعل الآن؟ أنت تشعر وكأنك تريد مشاهدة شيء ما، لذا فإنك تريد الوصول إلى المكان الذي يمكنك من خلاله اختيار الفيلم الذي تريد مشاهدته. تريد الآن أن تعرف الإجابة أكثر من أي شيء آخر، لذلك اتصلت بشبكة الإنترنت، ثم فكرت باستخدام محرك البحث جوجل، وبدأت تبحث وتتصفح لاكتشاف الأفلام الجميلة؛ إضافةً إلى معرفة الأفلام غير الجميلة من خلال قراءة تعليقات المشاهدين الآخرين، أي أنك تريد أن تعرف الفيلم الأنسب لهذه الأمسية اللطيفة. وهذه كانت إحدى الأمثلة عن لحظات "أريد أن أعرف".
لحظات "أريد أن أذهب"
لقد قررت مشاهدة إحدى أفلام الأكشن الرائجة مؤخرًا، لكن أين؟ هنا تريد أن تحدد الأماكن القريبة منك.
لحظات "لحظات أريد أن أفعل"
قد ترغب في التعرف على عملية أو خدمة أو منتج، لذا يمكنك استخدام اليوتيوب YouTube لمعرفة ما يقوله الآخرون عن المنتجات، أو إذا أردت فقط معرفة كيفية القيام بوظيفة ما، فهنا تريد أن تتعلم كيفية القيام بشيء ما. فعلى سبيل المثال، إذا لم تعمل دراجتك النارية وأردت أن تعرف ما مشكلتها، فيمكن لليوتيوب أن يقدم لك ما تحتاج إليه.
لحظات "أريد أن أشتري"
قد تجعلك اللحظات الدقيقة النهائية تبدأ بمشاهدة الكثير من مقاطع الفيديو على يوتيوب، إذ تريد معرفة أي نوع من الدراجات النارية هو الأكثر موثوقيةً قبل الشراء. إذا ذهبت إلى السينما وأردت مشاهدة فيلم معين، ثم عرض عليك أحد الأصدقاء مقطعًا دعائيًا لفيلم آخر، ووجدته أفضل من الفيلم الآخر، فستغير رأيك وتشتري الفيلم الآخر. وهنا يمكن القول أنك قد أكملت العملية.
في ملاحظة مماثلة، قدم جوش كلارك Josh Clark مؤلف كتاب "تصميم تطبيقات آيفون رائعة Designing Great iPhone Apps" ثلاث فئات للوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وهم:
- مهام صغيرة: عندما يتفاعل المستخدم مع هاتفه لفترات نشاط قصيرة لإنجاز مهام سريعة.
- أنا هنا: عندما يريد المستخدم معرفة ما الذي يدور حوله.
- أشعر بالملل: عندما لا يكون لدى المستخدم ما يفعله ويتطلع إلى الترفيه أو إجراء نشاطات بطريقة مختلفة.
هناك تداخل جميل بين كل من تصنيف جوجل وتصنيف جوش كلارك Josh Clark، حيث ركزت جوجل على الغرض من المهمة، في حين ركز جوش كلارك على السياق.
العلاقة بين اللحظات الدقيقة وتصميم تجربة المستخدم UX
بصفتك مصممًا لتجربة المستخدم، يجب أن تحاول ربط العديد من العوالم ببعضها البعض، وربط المستخدمين المستهدفين بأهداف العمل، لذا فإنك بحاجة إلى أن تكون قادرًا على النظر إلى جانبي الشاشة، وأن تعرف ما الذي يفعله المستخدمون، وما الذي تريد أن تقدمه الشركة لهم.
من جملة الأمور التي يجب عليك مراعاتها هي اللحظات الدقيقة، إذ يجب أن تفهمها جيدًا وتأخذها في الحسبان خلال التصميم لرحلة العميل. فعلى سبيل المثال، يعرض تطبيق Postmates Delivery للمستخدمين قائمةً بالأشياء التي يمكنهم شراؤها، والتي تمثل لحظات "أريد أن أعرف" أو "أشعر بالملل"، كما يُظهر لهم الأماكن المحلية التي يمكنهم استلام الوجبات السريعة منها، وهي تمثل لحظات "أريد الذهاب" أو "أنا هنا، كما يتيح للأشخاص إمكانية التسوق وشراء المنتجات من البقالة، وهي تمثل لحظات "أريد أن أشتري" أو "أنا أقوم بمهام صغيرة".
في أغلب الأحيان، تبدأ الرحلة في اللحظة التي يبدأ فيها المستخدم في التفكير في منتج ما، إذ تحدد هذه المرحلة المبكرة ما يريده المستخدم أو ما يحتاجه، فربما يكون جائعًا ويسأل نفسه إذا كانت البيتزا مناسبةً لهذه الليلة، أو ربما يسمع عن تخفيضات ويتساءل عما إذا كانت تتضمن مكونات إضافية.
فيما بعد، تصل رحلة المستخدمين إلى مرحلة تقييم الخيارات المتاحة والمقارنة فيما بينها، أما المرحلة الثالثة، فهي عندما يشتري المستخدمون إحدى المنتجات فعلًا؛ وتأتي المرحلة الأخيرة بعد مرحلة الشراء، والتي يسميها البعض "لحظة الحقيقة المطلقة"، إذ يمكن تعريف هذه اللحظة على أنها اللحظة التي ينشئ فيها العميل محتوى بِناءً على تجربته مع هذا المنتج أو الخدمة، وينشره في مجتمعه ليجده الآخرون.
خلال هذه الرحلة، هناك الكثير من اللحظات التي يمكن الإشارة إليها على أنها لحظات دقيقة، وإذا تمكنت كمصمم من التعرف عليهم، فستكون قادرًا على تلبية احتياجات المستخدمين، إذ يعتمد الأمر على إنشاء محتوى أو تقديم أدوات تمكن الأشخاص من إنجاز ما يريدونه في تلك اللحظة تحديدّا، ولتحقيق ذلك، تقترح جوجل أداء الأنشطة التالية:
- رسم خريطة للحظات التي يعيشها المستخدمون.
- فهم احتياجات العملاء في كل لحظة.
- فهم سياق الاستخدام لتقديم تجربة جيدة.
- تحسين خطوات الرحلة.
- قياس كل لحظة مهمة.
بم تذكرك الاقتراحات السابقة؟ كما هو الحال دائمًا، يتعلق الأمر بوضع تجربة المستخدم في مقدمة إستراتيجية العمل، وذلك من خلال البدء باحتياجات المستخدمين ومعرفة سياق استخدامهم للمنتج، والانطلاق من واقعهم وتجاربهم.
دعنا نرى خريطة اللحظات أثناء العمل على تطبيق افتراضي للهاتف المحمول، بفرض أنه يمكن للأشخاص تعلم لغة جديدة من خلال هذا التطبيق.
ابدأ بخريطة رحلة العميل مع وضع خريطة اللحظات فوقها، ثم حدد كل اللحظات الدقيقة المحتملة وارسمها على الخريطة، وفيما بعد، حدد الأولويات والتصميم والقياس. وفي النهاية، اطلع على خريطة اللحظات بانتظام مع فريقك لمعرفة الأمور الناجحة والأمور غير الناجحة لتحسين رحلة المستخدمين.
في الختام
أدى التأثير المتزايد للأجهزة الإلكترونية المحمولة في العقد الماضي إلى تغيير الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، فقد ارتبطت الهواتف الذكية بالعديد من جوانب حياتنا اليومية، لدرجة أن ملايين الأشخاص يعانون من قلق الابتعاد عن هواتفهم، إذ تتمثل الكثير من جوانب العالم من حولنا في مستطيل إلكتروني أصغر من أيدينا.
لقد أدى استخدام الهواتف الذكية إلى تغيير طريقة معالجتنا للواقع من حولنا. ففي الماضي، كانت الحياة مقسمةً إلى أجزاء طويلة نسبيًا؛ أما في يومنا الحالي، فيمكن تقسيم تفسيرنا للواقع إلى لحظات دقيقة، أو ارتباطات سريعة وموجهة نحو المهام.
حددت جوجل مفهوم اللحظات الدقيقة في وقت مبكر من عام 2015، مشيرةً إلى أن الهواتف الذكية غالبًا ما تكون الشاشة الأولى التي يلجأ إليها المستخدمون، وقد حددت جوجل على وجه التحديد أربع لحظات دقيقة:
- أريد أن أعرف.
- أريد أن أذهب.
- أريد أن أفعل.
- أريد أن أشتري.
بصفتك مصممًا لتجربة المستخدم، فإنه لديك الكثير من نقاط الاتصال خلال رحلة العميل، حيث يفكر المستخدم في منتج ما أو خدمة، ويقيّم ويقارن بين الخيارات المتاحة، ومن ثم يختار ويشتري واحدةً منها، ويستخدمها بسعادة في نهاية المطاف. في ظل هذه المراحل، نحتاج إلى التفكير في كيفية تأثير اللحظات الدقيقة في تجارب المستخدمين. ولتحقيق ذلك، يمكنك استخدام خرائط رحلة العميل، والتي تساعدك على فهم المستخدمين ومعرفة احتياجاتهم في كل لحظة، ومن المهم أيضًا أن تأخذ سياق الاستخدام في الحسبان لتقديم تجربة مميزة وتحسين كل مرحلة من مراحل رحلتهم بأفضل ما يمكن.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Designing for Micro-Moments لصاحبه Muriel Garreta Domingo.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.