خلال استطلاعي لعدد من الشّركات النّاشئة في إحدى مساحات العمل التّشاركي co-working spaces التي أتواجد فيها، وجدتُ أنّ معظمهم لم يُحاول أن يبحث حتّى عن عشرة أشخاص من الممكن أن يقولوا له: “إذا أطلقت هذا المنتج فسوف أشتريه منك بكذا".
فكّر بالأمر، هناك مئات من الأشخاص مستعدّون لترك أعمالهم اليوميّة التي تشكّل مصدر رزقهم، ومستعدّون لإنفاق كامل مدّخراتهم وتعريض سمعتهم للخطر، مستعدّون للعمل عشرة ساعات يوميًّا بما في ذلك الإجازات، وتحمّل ضغوطات جمّة، كلّ ذلك قبل أن يتأكّدوا من وجود عشرة أشخاص فقط سوف يقومون فعلًا بدفع ثمن هذا المنتج الذي يرهقون أنفسهم من أجله.
ألا تشعر أن هناك مشكلة؟
عذرًا، لكن إن لم تتمكّن من العثور على عشرة أشخاص يرغبون حقًّا بشراء المنتج، عندها تأكّد أنّ ما تسمّيه عملًا ربحيًّا هو محض هراء!
ألم تصدّع رأسك كلّ تلك النّصائح من عالم الأعمال التي تخبرك بنفس الأمر؟ "عليك أن تفكّر وكأنّك من خارج المؤسّسة"، "دومًا احرص على التّأكّد من صحّة ما تعلّمته validated learning”، "تأكّد من ملاءمة منتجك للسّوق"، "أفضل طريقة لتتعلّم بدون إنفاق قرش واحد، هي أن تتكلّم مع النّاس".
وأنا كذلك أقول: "ابحث عن عشرة أشخاص متأكّدون من أنّهم سيشترون هذا المنتج.” وأقول أيضًا: “تحرّك وابحث عن دليل واضح وصريح على أنّ هناك أحدًا ما سوف يكون من زبائنك في المستقبل.”
رغم أنّك تحفظ هذه النّصائح عن ظهر قلب، إلّا أنّك لا تزال مصرًّا على ألّا تصغي إليها. ورغم أنّك تردّدها في كلّ لقاء تجتمع فيه مع روّاد أعمالٍ آخرين، إلّا أنّك نفسك لا تقوم بتطبيقها.
أتفهّم خوفك من أن تكون على خطأ، خاصّة بعد كلّ ذلك العناء في العثور على فكرة جديدة تستحقّ أن تكون عملًا ربحيًّا، وخاصّةً بعد أن أخبرت كلّ أصدقائك وأفراد أسرتك أنّك تعمل على هذا الأمر، فهم يتوقّعون منك أن تكمل حتى النّهاية.
أتفهّم ذلك كلّه، لكن ليس لدرجة أنّك لا تحاول مطلقًا! بل والأكثر من ذلك، تختلق الأعذار لتبرر عدم محاولتك:
"أنا أسير على مبدأ ما حك جلدك مثل ظفرك، فأنا واحد من الشريحة المستهدفة، وبالتالي أعرف بالضّبط ما يجب فعله"
عذرًا، لم أكن أعرف أنّ زبونك النموذجيّ يمكن مراقبته بسهولة لدرجة تستطيع إدراك احتياجاته ومشكلاته الماليّة، مبدع لدرجة أنّه بإمكانه صنع المنتج الذي يحتاجه بنفسه، قادر على إقناع الآخرين بالعمل مجانًا واستثمار المال والوقت معه، ولديه الشّغف الكافي ليترك مهنته ويعمل ليلًا نهارًا على فكرة غير مضمونة!
ليكن في علمك أنّك إن كنت تعتبر نفسك مؤسّس شركة ناشئة، عندئذ -حسب التّعريف- أنت تحديدًا لست زبونًا لهذه الشّركة.
بالنّسبة لي، كلّ من الشّركات الثلاث التي أنشأتُها اعتمدتُ في بداياتها على هذا المبدأ "ما حكّ جلدك مثل ظفرك" لكن هذه هي البداية فحسب، شرارة الإلهام الأولى، وليست استراتيجيّة العمل، إنّها حفنة الرّمل التي تحيط بالصدفة، وليست اللؤلؤة بذاتها!
استمع إلى ما يقوله الخبراء
- "كن أحد مستخدمي المنتج الذي تعمل عليه، قم بتحسينه وفقًا لرغباتك واحتياجاتك. لكن لا تحصر تفكيرك في كونك المستخدم الوحيد لهذا المنتج" Evan Williams
- "إذا كان المهندسون في شركتك يظنّون أنّ الزّبائن المستهدفين يشبهونهم تمامًا، فقد حكموا على المنتج بالفشل. وإذا كان مدير التّسويق لديك يظنّ أنّ الزّبائن المستهدفين يفكّرون مثله تمامًا، فقد حكم على المنتج بالفشل." Crank Product Manager
- "قام الزّبائن بعدد من الأفعال التي لم تكن تخطر على بالنا. نحن نفكّر بشكل مختلف، نحلّ المشاكل بطريقة مختلفة، وحتى احتياجاتنا مختلفة. كرّر ما أقول: أنتَ لستَ زبون شركتك." Eric Ries في إحدى محاضراته.
في الحقيقة أنا أتحدّاك أن تجد لي مؤسّسًا لعمل ربحيّ حقيقيّ يظنّ أنّ أسلوب "أنا الزّبون" وحده يكفي للتحقّق من ملاءمة المنتج للسّوق market validation.
هناك الملايين من الزّبائن المحتملين، لذا لا يهمّ كثيرًا كيف يفكّر عشرة منهم فقط. يجبّ عليّ البدء الآن ومن ثمّ أجري استبيانًا أحصل منه على بعض المعلومات التي لها وزنٌ إحصائيّ عالٍ.
إذا كان هناك الملايين بالفعل كما تقول، فسيكون من السّهل بمكان أن تجد عشرة منهم. فإذا لم تتمكّن من إيجادهم، فإمّا أنّ هؤلاء الملايين غير موجودين، أو أنّهم موجودون ولكنّهم لا يأبهون لك ولمنتجك.
لا تبدأُ المشاريع الربحيّة -عادةً- بملايين الزّبائن، بل تبدأ بواحد ثمّ عشرة ثمّ مئة ثمّ ألف.. رغم أنّ معظمها قد لا يتجاوز العشرة. بشكل عام، إذا كنتَ غير قادر على إيجاد عشرة سوف يشترون منك، فكيف تدّعي أن الآلاف سوف يفعلون ذلك!
"الزّبائن لن يفهموا النّماذج الأوليّة mock-ups عليّ أن أصنع منتجًا مكتملًا في البداية"
المفروض أن لا تحتاج أصلًا صورًا لواجهات المشروع screenshots، ولا حتى عروضًا تقديميّة لتقنع أحد الأشخاص ضمن الفئة المستهدفة target market بأنّ المنتج الذي تعمل عليه مثير للاهتمام. إذا كان المفهوم الذي تقوم عليه خدمتك متشابكٌ لدرجة أنّك لا تستطيع شرحه في ثلاثين ثانية أثناء استراحة شرب الشّاي، عندها إمّا أنّ الأمر معقّد جدًّا أو أنّك أنتَ لم تفهم فكرته بعد!
خذ شركة WPEngine على سبيل المثال، تمكّنتُ أثناء تأسيسها من العثور على ثلاثين شخصًا أخبروني بأنّهم سوف يدفعون خمسين دولارًا في الشّهر ثمنًا للخدمة، وذلك قبل أن أحصل على اسم لشركتي ولا موقعًا إلكترونيًّا ولا منتجًا ولا شركاء ولا حتى موظّفين. لا تقل أنّ الأمر كان سهلًا بالنسبة لي ﻷنّني جرّبته من قبل، كلّ ما في الأمر أنّني مررت بتجارب سابقة تبيّن لي فيها أنّ الفكرة التي كنتُ أعمل عليها سابقًا كانت مجرّد حماقة.
أعترفُ أنّك قد تحتاج في بعض الأحيان لعرض النماذج الأوليّة من المشروع، وأنّ بعض اﻷشخاص قد لا يتمكّنون حتّى من فهم هذه النّماذج، رغم ذلك تذكّر أنّ زبونك الأوّل هو -بالتّعريف- شخص يرغب بتبنّي منتجك بشكل مبكّر، ولا بأس لديه من استخدام النسخة البدائيّة منه Alpha. إذا لم تتمكّن من إيجاد بعضًا من هؤلاء فمشروعك -على الأغلب- لن يثير اهتمام أحد.
أنا لا أتقن التّسويق أو المبيعات، يجب أن أبتكر منتجًا لافتًا للأنظار يسوّق لنفسه بنفسه
أنت تعلم أنّ العالم مليء بالمنتجات اللّطيفة التي لا تعود على أصحابها بفلس واحد، أليس كذلك؟
إذا كنتَ تريدُ مثالًا عمليًّا، إليك مجموعةً من تطبيقات تويتر، بعد معاينتها بشكل سريع:
- بتصوّرك، كم تبلغ نسبة التطبيقات التي هي فعلًا صالحة للاستخدام وتعمل بشكل جيّد؟ (أتوقّع: 80%)
- كم منها تعود على صاحبها بعائد مادّي؟ (أتوقّع: 5%)
- كم منها تربح بالفعل، بعد خصم تكاليف الاستضافة والتسويق والتكاليف الأخرى، بشكل يجعلها شركة ربحيّة مستقلّة وتُغني صاحبها عن أيّ عملٍ آخر؟ (أتوقّع: أقلّ من 1%)
النتيجة: إذا كان ما تعمل عليه هو مشروع ربحيّ وليس هواية، فإنّ إصدار منتجٍ جميل وجذّاب ليس وحده كافيًا.
كلانا يعلم أنّك قادرٌ على تطوير منتجٍ جميل وجديد، أتّفق معك على أنّ الأمر ممتع ومثير. لكن هذا لا يكفي للوصول إلى عملٍ ربحيّ.
دعني أخمّن، أنت إنسانٌ تعشق البرمجة وكتابة الكود، لذلك فإنّ أوّل ما ستبدأ به -بغضّ النظر عن أيّ شيء آخر- هو الشيفرة المصدرية. لكن للأسف، ينبغي عليك أن تفعل العكس تمامًا، عليك أن تبدأ أوّلًا بالجزء من العمل الّذي لست متأكدًا من أنّك تستطيع إنجازه، أو الذي ليست لديك معلوماتٍ أو خبرة كافية عنه.
إذا لم تقتنع بعد، فكّر بالأمر على أنّه إدارة مخاطر في مشروع ما. إذا كان لديك مشروعًا برمجيًّا ضخمًا، فهل ستبدأ بالمهام ذات الخطورة الأعلى والتي قدرتك على تحديدها أقل ill-defined، أم أنّك ستضعها في آخر مهامك؟ بالتّأكيد ستبدأ بمعالجة المهام التي يصعب التنبّؤ بها أولًا ومن ثمّ تنتقل إلى الأمور الأخرى، فغالبيّة خطورة المشاريع تأتي من المجهول. لذلك كلّما كنتَ أقدر على معالجة الأمور غير المحدّدة بشكل مبكّر أكثر، كلّما كنتَ ذا قدرة أكبر على مواجهة أيّة مصاعب قد تواجهك في وقت لاحق.
أحاول في هذا المثال أن أقرّب لك الفكرة، فالمهام غير المحدّدة أو المجهولة في مثالي هذا تقابل في موضوعنا الأساسيّ أيّة مهمّة أخرى عدا كتابة الشيفرة البرمجية، أنت تتقن هذا الأمر بلا شك فستكون نتيجته جيّدة حتمًا، لكن على الأغلب باقي الأمور الأخرى هي التي ستسبّب فشل مشروعك، عندما لا تتمكّن من العثور على زبون مناسب للمشروع بعد اكتماله، أو حينما لا تستطيع إقناع جمهورك بأن يفتحوا لك جيوبهم على مصراعيها.
في الحقيقة لا أجد أي مسوغ لتأجيل هذه المهمة
"أخي، وصديقي، وطبيب الأسنان الخاصّ بي أخبروني أنّ فكرة المشروع رائعة"
إذا كانت والدتك تقول أنّك ذكيّ وبهيّ الطلّة، هذا لا يعني أنّك كذلك فعلًا.
لا تهتمّ كثيرًا لما يقوله الأشخاص البعيدون عن عالم ريادة الأعمال، هؤلاء ليست لديهم خبرة في دراسة ملاءمة المنتج للسّوق product/market fit، ولا يعرفون كيف يستخدمون مدّخراتهم المحدودة بالشّكل الصّحيح، ولم يسبق لهم قط أن استخدموا فيسبوك للإعلان والتّسويق بدلًا من نشر مقاطع الفيديو المسلّية.
في الحقيقة ليس عليكَ أيضًا أن تهتمّ بكلّ ما يقوله روّاد الأعمال entrepreneurs عن فكرتك، ذلك ﻷنّهم ليست لديهم الخبرة الكافية في مجال المشكلة التي تحاول حلّها بمشروعك. وربّما لديهم اعتباراتٍ ومفاهيم عفا عليها الزمن، وقد ينحازون تجاه فكرة معيّنة أو ينصحونك باستخدام تقنيّة ما لمجرّد أنّهم اعتادوا عليها.
الشّيء الوحيد الذي يجب أن تصبّ كلّ اهتمامك عليه هو رأي الأشخاص الذين سوف يدفعون في النّهاية! فعلى سبيل المثال، يُمكن لمجموعة من روّاد الأعمال الخبراء أن يجادلوك طوال النّهار ليثبتوا أنّه من غير المنطقيّ بتاتًا أن تقوم ببيع الأحذية عبر الإنترنت، لكن طالما أنّ شركة مثل Zappos تجني من النّاس في كلّ عام مليار دولار، عندئذ ارمِ كلام الخبراء في البحر وافعل ما تمليه عليك النّقود!
عندما يخبرك عشرة أشخاص أنّهم سوف يدفعون لك، هذا هو الإثبات الوحيد الذي أنت بحاجته.
ماذا أيضا؟
ماذا عنك أنت؟ هل تبرّر عدم قيامك بالتّحقق من ملاءمة منتجك للسّوق؟ ما الأعذار التي تختلقها؟ شاركنا النّقاش في التّعليقات.
ترجمة -وبتصرف- للمقال Yes, but who said they'd actually BUY the damn thing لصاحبه Jason Cohen.
حقوق الصورة البارزة: Designed by Freepik.
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.