يُمثل فهم المعوقات التي تمنع فرق العمل من إيجاد حلول مبتكرة تعالج المشكلات الأساسية، عنصرًا حيويًا في عملية التفكير التصميمي، وإذا تجاهلنا هذا العنصر المؤثر والرئيسي عند محاولة إيجاد حلول، فقد نحصل على نتيجة سلبية، أو نتسبب في تعقيد المشكلة التي نجتهد لمعالجتها. لذا، فلمساعدة فريقك في تهيئة بيئة عمل مثالية لحل المشكلات، هيا بنا نستعرض أبرز معوقات حل المشكلات والابتكار، ونسرد خطوات بسيطةً يمكنك تطبيقها للتخلص من تلك المعوقات.
معوقات حل المشكلات
تذكُر القائمة التالية بعض العوامل التي تمنع من إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات التي تواجهنا، فكلما ازدادت المعوقات أثناء حل المشكلة، صعُب ابتكار الحلول؛ ولذا يجب أن يتركز هدفنا دائمًا صوب استيعاب المعوقات جيدًا والتخلص منها أو تحييدها أثناء البحث عن حلول، ومن هذه المعوقات:
- أفراد الفريق.
- الغرور.
- المعرفة.
- الإدراك.
- العقليات (طرق التفكير).
- المعتقدات.
- ردود الفعل المتهورة.
- التفكير الجمعي.
- التعليم.
- اللغة.
- المهارات.
- متلازمة المطرقة.
- بناء الفريق.
- تحديد الصلاحيات.
- القيود التنظيمية وتحديد الصلاحيات.
- الثقافة.
- الموقع.
- بيئة العمل.
- الأحوال الاقتصادية.
- الأحوال السياسية.
- الترندات/النزعات الرائجة.
- التكنولوجيا.
- الاستدامة.
- القانون.
- الوقت.
- المال.
إذا كانت القائمة السابقة تبدو طويلةً ومتعددة البنود، فهذا هو بيت القصيد، إذ قد تؤثر مئات العوامل على مدى فاعلية الفريق أثناء حل المشكلات، لذلك يجب أن تدرك مدى التأثير السلبي للعوامل التافهة وغير المهمة ظاهريًا على إنجاز فريقك للمهام. وعلى الرغم من تعذر دراسة كل عامل على حدة وتحليله تفصيليًا، إلا أنه يجب عليك التركيز عليه ومعالجته أثناء تنفيذ مشروع العمل، ولنسلط الضوء على المعوقات الشائعة التي تُصعّب على فرق العمل إيجاد حل لمشكلة ما.
ردود الفعل المتهورة
عندما نتعرض لموقف عصيب، تتسم ردود أفعالنا بالعفوية، وذلك لأن عقولنا مفطورة على ضرورة الحل السريع عندما تواجهنا مشكلة مستعصية، لذا نجنح إلى تحديد العوامل السطحية الظاهرية والبحث عن حل لها، وإغفال العوامل الخفية الأكثر تأثيرًا، فقد نفند أعراض المشاكل ونحل كلًّا منها على حدة، في حين أنّ الحل الأنسب هو استيعاب المشكلة برمتها قبل محاولة تطبيق أي حل.
وبالمثل، قد تتفرع المشكلة الأم إلى مجموعة مشاكل متشابكة ومعقدة، وقد يبدو أن معالجة إحداها يحل المشكلة الأم، لكن ذلك قد يؤدي إلى تأثيرات سلبيةً كامنةً ربما تزيد من صعوبة المشاكل البسيطة، وتجعل الأمر برمته أكثر تعقيدًا. يدفعك هذا التهور إلى تحديد المشكلة وحلها بسرعة، لذا يمثل حجر عثرة يهدد نجاح مشروعك، إذ يتطلب الحل الناجع والمؤثر فهمًا عميقًا للمشكلة والتجاوب معها، لذا يتطلب الأمر التحلي بالحكمة وضبط النفس لكبح جماح هذا التهور، إلى جانب تذكُّر أنّ وجوب إيجاد حل للمشكلة لا يعني بالضرورة احتمالية التصرف بتهور، ويكمن الخطر هنا في تخلي فريق حل المشكلات عن التحليل الدقيق بزعم إضاعة الوقت، لأنه على ما يبدو يحرمه من إحراز السبق ومن تبوء مكانة عظيمة، كما يكمن الخطر في حرص الفريق على إيجاد حل فوري يُبرهن على سرعة بديهته.
والأكيد أنّ رد الفعل المتهور نادرًا ما يكون الحل الأنسب لأي مشكلة، إلا إذا كانت مألوفةً ومتكررةً لدرجة تجعل المرء خبيرًا في معالجتها بسرعة، مع العلم بأن تكرار حدوث مشكلة ما يدلل على العجز عن اجتثاثها من جذورها، لكن هذا ليس موضوعنا، ولا ريب أنّ التهور والاندفاع يمنعنا من استيعاب المشكلة برمتها وإدراك حقيقتها والاستفادة من تجارب غيرنا في التعامل مع نفس المشكلة وحلها.
يمكنك التعاون مع فريقك لحل مشكلة معقدة ومستعصية من خلال كبح جماح ردود الفعل المتهورة، ومن خلال تفحص أسباب المشكلة والفهم الشامل لها قبل البدء في إيجاد الحلول الممكنة لها.
الغرور عقبة شاقة
قد نؤذي أنفسنا أحيانًا إيذاءً لا يقدر عليه ألدّ أعدائنا خلال العمل الجماعي لحل المشكلات، فمن المُرجح أن نكون عرضةً للمشاكل إذا كنا لا نفكر إلا في أنفسنا، وفي التباهي والغرور وفي تأكيد تميزنا عن أقراننا. وبالتأكيد لن تقتصر العواقب على نشوب الصراعات بين أعضاء الفريق فحسب، بل سوف نحرص على التمسك بأفكارنا وعدم التنازل عنها حتى بعدما تؤكد التجارب أنها لا تنفع المستخدمين المستهدَفين.
يقتضي التعاون مع الآخرين لحل المشكلات وجود رغبة صادقة في تحقيق الأهداف المشتركة، والتحلي بالتواضع ومهارات التواصل الفعّال، لكن قد يحرص أحد أفراد الفريق على تأكيد تفوقه على أقرانه، واستعراض نفوذه أو خبراته أو ابتكاراته وإثبات صحة وجهة نظره، عندها تتلاشى فعالية الفريق، وقد لا تكون الحلول أو الأفكار التي يفرضها هذا الشخص هي الخيار الأنسب، ولا شك أنّ غرور أحد أعضاء الفريق سيُضعِف فعالية الفريق.
يضمن التحديد المثالي لصلاحيات أعضاء فريق حل المشكلات تبادل وجهات نظرهم وأفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم، مما يسمح بتطبيق نهج أكثر شموليةً لحل المشكلة، ويجب ألا يُسمح لأي مغرور بالمشاركة في مشروع تصميم ابتكاري.
لا بُد أنك لاحظت استعمال كلمة "شمولي" عدة مرات في هذا المقال، وعلى الأرجح سوف تقرأها مرارًا وتكرارًا في أي مقالات تتناول التفكير التصميمي، وذلك لأن الشمولية أبرز السمات المميزة لعقلية التفكير التصميمي، وأحد المصطلحات التي لا تستغني عنها أثناء الانشغال بالتفكير وتنفيذ مهام العمل، إذا كنت ترغب في تطبيق تفكير تصميمي شمولي.
التفكير الجمعي
اتفاقنا جميعًا على شيء لا يعني بالضرورة أنه حق.
تحدث ظاهرة التفكير الجمعي عندما تؤدي رغبة الانسجام مع المجموعة -أو إظهار التوافق مع أفرادها- إلى اتخاذ قرارات غير فعالة أو غير منطقية، فعند العمل ضمن فريق، نجد غالبًا أنّ أفراد الفريق يقبلون قرارات الفريق لانعدام الثقة بالنفس، أو الرضوخ لضغوطات الأقران، أو الخوف من رفض وجهة نظر معارضة، ولا تحدث ظاهرة التفكير الجمعي بسبب السلبية فحسب، بل قد تحدث بسبب تجنب إثارة الصراع أو الجدال حرصًا على إظهار دينامية وترابط الفريق، ويعتقد أفراد الفريق أنّ التعبير عن الولاء يقتضي عدم الإفصاح عن وجهات النظر التي قد تكون غير متوافقة مع ما أجمع عليه الفريق.
ويتجلى الأثر السلبي للتفكير الجمعي خصوصًا عند تطبيق مشروع في التفكير التصميمي، إذ يكرس الفريق جهده لابتكار حل ناجع لمشكلة مستعصية، وبينما تستدعي مشاريع التفكير التصميمي تكرار اختبار المستخدم واستيعابه جيدًا واتخاذ القرارات بناءً عليه، فإن فريقك -المتبني للتفكير الجمعي- يقمع وجهات النظر المعارضة، ولا يُولي اهتمامًا بتقييم الأفكار.
لتفادي هذا السيناريو، ينبغي لمديري الفرق تهيئة بيئة يسودها الأمان والمرح لأفراد الفريق، وذلك حتى يتسنى لهم التعبير عن آرائهم وطرح أفكارهم دون الشعور بأنهم مستهدفون، كما يجب ألا يُسمح لأحد بالهيمنة أثناء العصف الذهني وتبادل الأفكار، هذا إلى جانب وجوب تبني عقلية عمل تلائم المشروع قبل بدايته، وذلك حتى لا تتحكم الأهواء الشخصية مطلقًا في انتقاد الأفكار (ولا حتى مجرد شخصنة الانتقاد)، وينبغي اتباع نهج نقدي أكثر دقةً، بدلًا من تبني عقلية القطيع خلال مراحل تقييم الأفكار والانتقاء منها حسب ملاءمتها فيما بعد.
متلازمة المطرقة
يقول المثل:
اقتباسينظر الرجل الحامل للمطرقة لأي مشكلة وكأنها مسمار.
نحن ماهرون في معالجة المشكلات بالأدوات التي اعتدنا على استعمالها، فقد يَستحسن المهندسون والأطباء والمعلمون والمطورون والسياسيون مثلًا ممارسة مهاراتهم أو خبراتهم الأساسية في مجال عملهم، وربما ليس هذا هو النهج القويم لحل مشكلة معينة، ولا الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف المنشود، لا سيما إذا كانت للمشكلة عوامل مؤثرة ومتشعبة تتطلب تفكيرًا شموليًا، لذا يجب علينا أحيانًا أن نتجرد من ميولنا ومهاراتنا وخبراتنا الأساسية، وأن نتعامل مع المشكلة حسب مقتضياتها.
ونحن نميل في كثير من الحالات إلى محاولة حل المشكلات المشابهة لتلك المحلولة سابقًا باستخدام نفس الأساليب لأن ذلك يتماشى مع طبيعة عمل الدماغ البشري، على الرغم من وجود حلول أبسط أو أنسب، لأن ذلك يتماشى مع طبيعة عمل الدماغ البشري، ألا وهي حب اتباع أنماط مألوفة لتخفيف الحمل المعرفي، على الرغم من وجود حلول أبسط أو أنسب. لذا يتحتم علينا عند العمل على مشاريع التفكير التصميمي أن نتجرد من حب اتباع تلك الأنماط، إذ يحاول الدماغ مساعدتنا في تخفيف الحمل المعرفي، لكنه يعيق قدرتنا على التفكير خارج الصندوق في الآن ذاته.!
يمكننا أن نخرج من هذا المأزق بتشكيل فرق متعددة التخصصات تضم أفرادًا يحملون مطارق مختلفةً ويبحثون عن مسامير متنوعة، وبالطبع يجب على القائد أن يوضح لأعضاء الفريق أنّ كل المهارات وأنماط التفكير لها نفس القدر من الأهمية لتفادي صراع القوى، كما ينبغي عدّ اعتبار مهارات المُصمم المنضم مؤخرًا للفريق بنفس أهمية مهارات مدير الفريق وأفكاره، وعلى نفس المنوال، يجب أن تحظى مهارات وأفكار مصمم الويب والمهندس المعماري والمبرمج بالتقدير والاهتمام خلال عملية التفكير التصميمي.
سوء تشخيص المشكلات
ينبغي لنا أن نتأكد من سلامة تشخيص المشكلات، فقد لا يؤدي علاج الأعراض -كما هو الحال في الأمراض- إلى الشفاء، وإنما إلى راحة مؤقتة فقط، بل قد يتسبب الخطأ في وصف دواء يعالج الأعراض إلى تفاقم المرض.، وكأي نهج تصميمي بشري، يكشف التعمق في التجربة البشرية خبايا المشكلات التي نواجهها أكثر مما لو كنا نكتفي بفحص الأمور ظاهريًا، لذا فعندما ننغمس في التفكير حول جميع العوامل التي تؤثر على المشكلة، نكتسب فهمًا أعمق يساعدنا في حلها، لكن علينا توخي اليقظة والتركيز التام وإدراك الصعوبات التي قد تعيق تقدمنا، مع الحفاظ على تركيزنا مُنصَبًّا نحو تحقيق غايتنا.
الخلاصة
من الضروري قبل أن نبدأ في مشروع التفكير التصميمي، أن نتعرف على المعوقات المختلفة التي يمكن أن تمنعنا من إيجاد حلول مناسبة، وعلى المخاطر المحتمَلة التي يجب على فرق العمل تعلم كيفية تفاديها، ومنها أننا نميل إلى ردود الفعل المتهورة لمحاولة حل المشكلات بأقصى سرعة، فضلًا عن آفات الغرور والتفكير الجمعي، ويُعَد الفهم الشمولي للمشكلات التي تواجه المستخدمين المستهدفين عنصرًا أساسيًا في التفكير التصميمي، كما يُعتمد عليه عادةً لحل المشكلات المعقدة والمستعصية عندما تتعارض مجالات وحقول متعددة.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Obstacles to Problem Solving and Innovation in Design Thinking لصاحبيه Rikke Friis Dam وTeo Yu Siang.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.