للخوف دور مهيمن في حياتنا وفي كل المجالات، مع ذلك استفادت منه العديد من المشاريع التجارية والمنتجات ونجحت بفضله. سنتحدث في هذا المقال عن بعض المخاوف التي تؤثر على اتخاذنا للقرارات، وكيف تستفيد المشاريع التجارية والمنتجات من هذا الشعور الفطري في تحقيق مصالحها، وكيف يمكن للمصمم تطبيق هذه المعلومات في عمله من أجل تصميم منتجات أفضل.
تخيل أنك تمشي في طريق ترابية على مشارف غابة كثيفة، وفجأة تسمع حفيف الشجر وتلاحظ بطرف عينك أن هناك شيئًا كبيرًا برتقالي اللون في المكان، كيف ستكون ردة فعلك على ذلك؟ من المستبعد أن تواجه اليوم نمرًا بريًا إذا لم تكن تستقل شاحنة سفاري تحميك من التعرض للهجوم، لكن بالنسبة لأسلافنا فإن هذا كان يشكل تهديدًا حقيقيًا، وكما هو معروف، الخوف هو الاستجابة الغريزية للخطر المتوقع في هكذا مواقف، وهو مؤشر الإنذار في الدماغ الذي ينبهنا بأن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث، فعندما نواجه مواقف مهددة للحياة يتحتم علينا اتخاذ قرارات سريعة لإنقاذ حياتنا، مثل الاستعداد للقتال أو الفرار.
اليوم ولحسن الحظ، لا يفرض العالم الحديث مخاطر على حياتنا مشابهة لتلك التي واجهها أسلافنا، لكننا لا نزال نواجه مشاعر الخوف بدرجات متفاوتة في ظروف مختلفة غير مهددة للحياة. والكثير من مخاوف الحياة العصرية مشروطة؛ أي أننا نربط حالات معينة بتجارب سلبية أو أليمة.
وسواءً كانت مخاوفنا غريزيةً أو مشروطة، فإنها قد ألهمت عددًا لا بأس به من المشاريع التجارية على مر السنين. لنلقِ نظرةً على بعض المخاوف التي نواجهها وكيف استغلتها المشاريع التجارية، وكيف يمكن تطبيق هذه المفاهيم في التصميم.
الخوف هو نظام التحذير في الدماغ للأحداث الوشيكة غير المرغوبة، فنحن مفطورون على التقاط الإشارات السلبية وإعطائها حجمًا أكبر من المكاسب الإيجابية، إذ نخاف من تفويت الفرص أو من وجود خيارات أفضل مما اتخذناه، كما نخاف من خسارة ممتلكاتنا ونخشى من الفراغ، حتى أن بعض الناس يقولون أنهم يخافون من "اللاشيء"، وهو ما قد يبدو في هذا السياق مرعبًا للغاية.
الانحياز للسلبية
غالبًا ما نميل للتركيز على إشارات الخطر أكثر من مصادر السرور، وتؤثر هذه السمة التكيفية التي تتمثل بترقب المخاطر باستمرار على نمط حياتنا الأكثر أمانًا نسبيًا.
على سبيل المثال، تخيل أن أحد زملائك انتقد جانبًا من عملك بشدة، غالبًا ما سيؤثر ذلك عليك تأثيرًا عميقًا وسترافقك المشاعر السلبية لكلماته الجارحة أكثر من أي شيء إيجابي حصل معك في ذلك اليوم، مثل الطقس الجميل أو الإطراء من زميل آخر. هذا الانحياز نحو السلبية هو السبب الذي يجعل قنوات الأخبار تتجه في تقاريرها نحو نقل الأخبار السيئة. وبالرغم من أننا نعيش في عالم أفضل بكثير من الذي عاش به أسلافنا، إلا أن دماغنا الأولي لا يزال يرغب بالاستماع إلى الأخبار السيئة وتذكرها.
يؤثر الانحياز السلبي المرتبط بغريزة بقاء الإنسان تأثيرًا مباشرًا على عمل مصمم تجربة المستخدم: فوجود عيب واحد في قابلية الاستخدام لمنتجك كفيل بأن يغطي على جميع الميزات الرائعة التي صممتها في المنتج.
على سبيل المثال، إذا طلب التطبيق من المستخدم تسجيل الدخول قبل أن يتمكن من الوصول إلى أي ميزة للمنتج أو الخدمة، ثم طلب منه اجتياز اختبار التحقق من أنه ليس روبوتًا، فمن المرجح أن يسبب ذلك إحباط المستخدم ومغادرته.
تطلب مواقع كثيرة من المستخدم إثبات أنه إنسان من أجل التخلص من تأثير البرامج الآلية، لكن ذلك يكون على حساب تجربة المستخدم، وكلما ازداد تطور الروبوتات تصبح هذه الاختبارات أكثر تعقيدًا. كثيرًا ما تكون هذه الاختبارات صعبة الحل على المستخدمين، مما يعرقل عملهم لدرجة تحملهم على مغادرة الموقع أو التطبيق.
كره الخسارة
إذا طلب منك أحدهم رمي عملة بحيث تربح 10$ إذا ظهرت الصورة وتخسر 10$ إذا ظهرت الكتابة، فهل ستقبل اللعب؟ أجرى الباحثان الحاصلان على جائزة نوبل دانيال كانمان وعاموس تفيرسكي تجارب مشابهة على أرض الواقع ووجدا أن الناس رغبوا بالمشاركة فقط إذا كانت الأرباح ضعفَي الخسائر، وعرّفا من خلال هذه التجارب مفهوم كره الخسارة: الألم النفسي المرافق للخسارة أكبر بكثير من متعة الربح.
ينطبق خوفنا من الخسارة هذا على الأشياء التي نمتلكها ولا نرغب بفقدانها مثل المال والصور التذكارية وبطاقات الحفلات، كما ينطبق أيضًا على الأشياء التي لا نمتلكها، مثلما هو الحال عندما يتعارض توقيت حدث رياضي مهم مع حدث مهم نرغب بحضوره، وهو ما يعرَف بالخوف من فوات الشيء (FOMO فومو).
تعتمد معظم الحملات التسويقية على كره الخسارة والخوف من فوات الشيء، انطلاقًا من التخفيضات الموسمية إلى البضائع محدودة الإصدار، ومن حضور الحفلات إلى الأحداث الرياضية. على سبيل المثال، تجمع عروض لايتنينج Lightning من أمازون (العروض السريعة) بين التخفيضات على السعر ومحدودية الوقت والكمية لإثارة مشاعر الخوف من فوات العروض الجذابة لدى المستخدمين.
يقدم أمازون عروض لايتنينج قصيرة المدة لحث المستخدمين على الشراء، ويتضمن ذلك توفير المنتجات بسعر مخفَّض لمدة محدودة وبمخزون محدود. يُظهِر العد التنازلي أن هذا العرض الخاص متوفر لمدة 4 ساعات فقط، ويشير عدّاد التقدم الموجود فوق التوقيت إلى الكمية التي طُلِبت من هذا العرض، مما يجعل المستخدم يخشى نفاد المنتج قبل انتهاء العرض، كما أن المعلومات حول نسبة التوفير وطلب 65% من العرض تكررت مرتين على الصفحة لتحفيز المستخدمين أكثر على طلبه قبل أن ينفد.
تأثير الهبة
ربما لمست هذا التأثير عند محاولة تنظيف خزانتك والتخلص من الملابس والأشياء غير اللازمة. يشير تأثير الهِبة إلى ارتباطنا العاطفي بممتلكاتنا، إذ يصعب علينا التخلص من بعض الأشياء أكثر من غيرها، كما أننا نبالغ في قيمة هذه الأشياء أكثر مما تستحق، وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الناس يطلبون عند بيع أغراضهم المستعملة أسعارًا أعلى مما قد يدفعه الآخرون لشرائها.
ليس هناك ما هو أسوأ من أن تستيقظ لتجد أن ممتلكاتك قد اختفت، لكن هذا ما حصل بالفعل عام 2009 مع العملاء عندما حذف أمازون النسخ الرقمية للكتب من أجهزة كيندل، كما حصل أمر مشابه في عام 2018 عندما لاحظ مستخدمو آبل أن بعض الأفلام التي اشتروها قد اختفت من مكتبة أيتونز iTunes الخاصة بهم. خلافًا للكتب الورقية وأشرطة الكاسيت والأقراص المضغوطة، فإن ملكية الوسائط أو الخدمات المعتمدة على السحابة غير مطلقة، ويمكن للشركات الضخمة مثل أمازون وآبل الإفلات من العقوبات المترتبة على ذلك (إلى حد ما)، لكن من الأفضل للشركات الناشئة عدم استعداء المستخدمين.
استفادةً من طبيعتنا المحبة للتملك، تلمح الكثير من البرامج وأدوات العمل الجماعي إلى الملكية من خلال استخدام كلمات مثل "عملي" أو "ملفاتي". تُدرِج بعض الاشتراكات أو خدمات SaaS (البرمجيات كخدمة) إمكانية تخزين الملفات والنسخ الاحتياطي من ضمن الخدمات المدفوعة لتشجيع المستخدمين على اختيار الشراء.
تراعي خدمات التخزين السحابي مثل دروب بوكس هنا تأثير الهبة، وذلك من خلال تعهدها بحماية الممتلكات الرقمية عبر "أدوات مدمجة لاستعادة أي ملف وإصلاحه" والنسخ الاحتياطي التلقائي للصور ومقاطع الفيديو.
الخوف من وجود خيار أفضل
إذا اشتريت هاتفًا محمولًا فمن المرجح أنك قد وقعت تحت تأثير هذا الخوف، فالمواصفات المختلفة التي تحكم قرار الشراء مثل حجم الشاشة وعدد الكاميرات ودقتها والسعر وسعة البطارية لا حصر لها، كما أن هناك أجهزةً كثيرةً جدًا تحقق نفس المواصفات المطلوبة. وحتى بعد إتمام الشراء، قد يأتي صوت من داخلك ويتساءل عما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح.
أفسح الإنترنت المجال لعالم واسع من الخيارات، إذ يمكن لأي شخص في أي مكان من العالم تقديم عروض أسعار للمستهلكين حول العالم، ولا شك أن وجود خيارات مختلفة أمر مرغوب، فأربعة خيارات أفضل من اثنين (وبالمناسبة، الخيار الواحد لا يسمى خيارًا، بل هو حشر في الزاوية)، إلا أن المقارنة بين ألف خيار تربكنا لدرجة عدم تمكننا من اتخاذ القرار على الإطلاق.
لنلقِ نظرةً على خيارات التسعير في منصتين للاجتماعات عبر الفيديو: زوم Zoom وجوتوميتنج GoToMeeting. تقدم منصة زوم أربعة خطط رئيسية، لكن عند التدقيق نجد أكثر من 15 خيارًا موزعًا على فئات مختلفة مع إضافات أخرى ممكنة لكل منها. في المقابل فإن منصة جوتوميتنج المنافسة لها تطرح خيارات تسعير أبسط تساعد المستخدمين على اتخاذ القرار بسرعة.
تقدم زوم أربعة خطط موزعة على النحو الآتي:
- أساسية
- متقدمة
- خطة الأعمال
- خطة المؤسسات
لكن من خلال التدقيق نجد أن هذه الخطط هي فقط لاجتماعات زوم وأن هناك مجموعةً أخرى من الخطط للهواتف المحمولة وندوات الفيديو عبر الإنترنت والغرف. يضاف إلى ذلك خيارات تسعير منفصلة لكل من التعليم والرعاية الصحية عن بُعد والمطورين. لا شك بأن هذه المجموعة الكبيرة من الخيارات تسبب الحيرة لدى المستخدمين.
تتضمن صفحة التسعير في جوتوميتنج ثلاثة خيارات فقط، وهو ما يسهل على المستخدمين اتخاذ القرار حول الخطة المناسبة لمتطلباتهم.
رعب فاكوي
نشأ مفهوم رعب فاكوي في العصر الفكتوري (1837-1901)، وهو يعني الخوف من الفراغ. في ذلك الوقت كان ينظَر بازدراء إلى المساحات البيضاء في الأعمال الفنية، وكان الفنانون يخشون ترك أي مساحة فارغة، ويتبين من اللوحات المعقدة والأشكال المزخرفة والمنحوتات والنقوش المتشابكة أن المبدعين في الماضي كان لزامًا عليهم أن يملؤوا كل شبر من مساحة عملهم، كما لو كان ترك أي مساحة فارغة مؤشرًا على الكسل. في المقابل فإن التصميم العصري يدعو إلى البساطة، وبالنسبة لتصميم تجربة المستخدم فإن الأقل هو الأفضل، إذ تؤدي الواجهة المليئة بخيارات متعددة إلى إرباك المستخدمين.
يحتوي محرك بحث جوجل على حقل واحد فقط يتمركز في الواجهة، ورغم وجود روابط أخرى على الشاشة وزر لتسجيل الدخول، إلا أن الاستخدام السخي للمساحة البيضاء يركز انتباه المستخدم على الوظيفة الأساسية المتمثلة بالبحث.
يأخذ الخوف من الفراغ معنى آخر في الواجهات ذات الحالات الفارغة، كما هو الحال في الواجهات التي تتطلب من المستخدمين إنشاء محتوى ومعالجته، مثل تطبيقات تحرير النصوص والصور، والتي من المرجح ألا تحتوي الشاشة الرئيسية فيها على أية بيانات.
قد تثير الحالات الفارغة الشعور بالخوف، خصوصًا لدى المستخدم للمرة الأولى الذي قد يتساءل من أين يبدأ أو كيف يمكن أن يستخدم التطبيق بما ينسجم مع سير عمله الحالي، وهنا تبرز أهمية الرسائل المصممة بعناية في توجيه المستخدمين لأول مرة ومساعدتهم على استخدام التطبيق وتقديم التعليمات اللازمة لبدء الاستخدام.
يتعامل تطبيق ياهو Yahoo للبريد الإلكتروني مع الحالات الفارغة بطريقة أفضل من خلال الرسائل والعبارات التي تعبر عن الحالة للمستخدمين، وذلك عندما يصبح البريد الوارد خاليًا لدى المستخدم بعد التعامل مع جميع الرسائل وأرشفتها مثلًا، فبدلًا من إظهار عبارة عامة مثل "ليس هناك رسائل"، فإن التطبيق يحتفل بخلو البريد الوارد باعتباره إنجازًا.
يستخدم بريد ياهو رسوميات جذابة لإطلاع المستخدمين الجدد على الوظائف والميزات (على اليسار) وللاحتفال بخلو البريد الوارد عندما يعالج المستخدم جميع الرسائل ويؤرشفها (على اليمين).
ما هي مخاوف المستخدمين؟
الخوف عامل مهم جدًا في اتخاذ القرارات، والنقاط التي ذكرناها آنفًا ليست سوى بعض المخاوف العامة. هناك مشاعر أخرى قوية تؤثر على اتخاذ القرار، حيث تستغل تطبيقات التوصيل مثلًا الرغبة بالاستقلالية وحرية التنقل.
يجب التركيز على مشاعر المستخدم عند إجراء مقابلات مع المستخدمين أو كتابة أسئلة لاستطلاعات الرأي، كما يجب فهم ما إذا كان الحل المطروح يسبب سيطرة مخاوف معينة على سلوك المستخدم. في حال الكشف عن وجود مثل هذه المخاوف، يمكن استخدم تقنيات مثل طريقة لماذا×5 للتحري عن الأسباب وتحديد درجة هذه المخاوف.
إذا كانت القيمة المقترحة لمنتجك أو خدمتك لا تخاطب مخاوف الناس فهذا جانب إيجابي، لكن يمكنك الاستفادة من معرفتك للمخاوف في تصميم المنتجات والواجهات والعبارات الترويجية المصغرة والحملات التسويقية وسياسات التسعير. على سبيل المثال، تستفيد منصة ستيك stickK من مخاوف كره الخسارة لمساعدة المستخدمين على الإيفاء بالتزاماتهم، إذ يوقّع المستخدمون عقودًا مالية ويضعون أموالهم على المحك لتحفيزهم على تحقيق الأهداف التي وضعوها.
عند وضع الأموال على المنصة، تعمل منصة ستيك للالتزام ومقرها الولايات المتحدة على تحفيز المستخدمين لتحقيق أهدافهم باستغلال خوفهم من الخسارة، مثل إنقاص الوزن أو الإقلاع عن التدخين أو غيرها من الأهداف التي قد يصعب على الناس الالتزام بها.
ما مدى أخلاقية استغلال المخاوف؟
في العديد من الأحيان نجد أن المشاريع التجارية والتصاميم لا تتماشى مع المعايير الأخلاقية، وقد درجت مع الزمن تسمية أنماط التصميم التي تستغل سلوكياتنا الفطرية بالأنماط المظلمة.
تُعَد وسائل التواصل الاجتماعي من الأمثلة المباشرة للمشاريع والتصاميم الأكثر نجاحًا قياسًا بمدى تفاعل المستخدم واستخدام المنتج. تستفيد هذه المنصات من مخاوف كره الخسارة التي تحث المستخدمين على العودة إلى التطبيقات باستمرار، فأي إشعار من هذه التطبيقات يجعلنا نتساءل "ما الجديد؟ هل فاتني شيء ما؟".
لكن هذه الشعبية التي حظيت بها وسائل التواصل أدت إلى زيادة حالات القلق الاجتماعي، وذلك بسبب سعي المستخدمين باستمرار لإظهار أفضل صورة عن حياتهم وإبرازها على أنها أكثرها سعادة؛ كما أن هذه المنصات كثيرًا ما تحمل سيلًا من الأخبار السيئة انطلاقًا من انحيازنا نحو السلبية في نقل الأخبار التي تتخللها صور الحياة المثالية للأصدقاء.
نعيش في عالم فائق الترابط، وقد أصبح نشر المعلومات الحقيقية وكذلك المعلومات المضللة أسهل من أي وقت مضى.
الحديث عن الجانب الأخلاقي لاستخدام أو إساءة استخدام خبرتنا بالسلوك البشري لا نهاية له، لكن الأهم هو أنه يتعين على المصممين إدراك قوة التصميم واستخدامها بحكمة.
من السهل تجاهل الحالة العامة والتركيز على منتجاتنا ومستخدمينا، لكننا نعيش في عالم فائق الترابط يتعذر فيه أن ننظر إلى تصاميمنا بمعزل عن غيرها، لذا عندما تعمل على التصميم، حاول النظر إلى الصورة الكبيرة، يعني كيف سينسجم منتجك مع حياة المستخدم؟ وما تأثيره على المجتمع والبيئة؟
إساءة استخدام علم النفس البشري لها حدود، فقد ساهمت الاحتجاجات العامة الهائلة بشأن قضايا الخصوصية ومخاوف إدمان الهواتف الذكية بدفع الحكومات والشركات إلى وضع تدابير وقائية؛ ففي عام 2018 مثلًا، طبقت المفوضية الأوروبية اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR التي تنص على أن تكون التطبيقات الرقمية شفافة بشأن ماهية البيانات التي تجمعها وكيفية استخدامها واستئذان المستخدمين قبل جمعها.
تقدم آبل لمستخدم الآيفون ملخصًا أسبوعيًا لعدد الساعات التي قضاها على الهاتف وتتيح إمكانية ضبط إعدادات ساعات العمل وأوقات النوم لمساعدة المستخدم على تقليل مصادر التشتت وتحسين الاسترخاء، وينبه إنستجرام المستخدمين من خلال رسالة "استطعت الوصول له بشكل كامل"، في حين يسمح يوتيوب للمستخدمين بإمكانية تفعيل خيار "تذكيري بالتوقف عن المشاهدة" للتخفيف من قضاء الوقت على التطبيق.
تنطبق مقولة "لا يمكنك خداع جميع الناس طوال الوقت" على المشاريع التي تستغل علم النفس البشري لصالحها، فقد أدى الوعي العام بخطر إدمان الهواتف الذكية إلى إدخال شركات مثل آبل وفيسبوك وجوجل ميزاتٍ إلى منتجاتها للتخفيف من الأوقات التي يقضيها المستخدم على الشاشة. على اليسار: يقدم آيفون شاشة قفل مبسطة لإزالة الإشعارات. في الوسط: ينبه إنستجرام مستخدميه بأنهم شاهدوا منشورات الأيام الثلاثة السابقة مما يطمئنهم بأنهم لم يفوّتوا أي شيء. على اليمين: يوقف يوتيوب الفيديو لتذكير المستخدم بأنه وصل إلى حصته اليومية من استخدام التطبيق.
ليس بالضرورة أن تكون المخاوف مصدر لاستغلال المستخدمين، فقد شاهدنا منتجات مثل ستيك استفادت من الدوافع السلوكية لتغيير المستخدمين بطريقة إيجابية.
الخلاصة
للخوف دور كبير في اتخاذ القرار، ويمكن الاستفادة من معارفنا حول مخاوف المستخدم في إنشاء تصاميم تحفز المستخدمين على اختيار المنتجات أو شرائها.
يؤدي انحيازنا الفطري نحو السلبية إلى التركيز على أخطاء قابلية الاستخدام في التصميم ومحاولة تفاديها، فالمستخدمون أكثر ميلًا لتذكر الهفوات البسيطة في قابلية الاستخدام قياسًا بالميزات الرائعة التي تطلبت جهدًا كبيرًا لتصميمها. يساعد كره الخسارة المستخدمين على اتخاذ القرارات بدافع عدم تفويت الفرص، في حين أن الخوف من وجود خيار أفضل يعرقل القدرة على اتخاذ القرار عند وجود خيارات كثيرة.
يدفعنا تأثير الهبة إلى تقدير ممتلكاتنا بأكثر مما تستحق فعليًا، مما يمكّن المصممين من ربط المستخدمين عاطفيًا بمنتجاتهم. يرتبط رعب فاكوي بالخوف من الفراغ، ورغم أن البساطة محبذة في تصميم واجهة المستخدم، إلا أن المساحات الفارغة غير الملائمة يمكن أن تخيف المستخدمين الجدد.
عند استخدام معرفتك حول المخاوف بشكل مناسب، فعندها يمكنك الاستفادة منها في إنشاء منتجات جذابة، إلا أن التهور في إساءة استخدام الميل السلوكي البشري يمكن أن يكون كارثيًا.
يتمتع التصميم والمصممون بقوة هائلة يجب استخدامها بمسؤولية من خلال الالتزام بالمعايير الأخلاقية، من أجل توجيه المخاوف بطريقة إيجابية تساعد على جعل العالم مكانًا أفضل.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Be Afraid! The Silent Role of Fear in Decision Making لصاحبته Kasturika.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.