في سلسلة من عدة أجزاء سنناقش موضوعًا نظريًّا يُعتبر من أساسيّات هندسة البرامج، وهو أنماط التصميم (Design Patterns)، وسنعتمد لغة JavaScript في نقاشنا لتصاعد شعبيّتها ومرونتها التي تسمح لنا ببناء مشاريعنا وفق أنماط متنوّعة مما سيُسهّل علينا شرح موضوع السّلسلة
ما هي أنماط التصميم؟
عندما تبدأ بتعلّم البرمجة، فغالبًا ما يكون اهتمامك مُنصبًّا على أن يكون البرنامج قادرًا على إنجاز المهمّة الّتي تريدها قبل كل شيء، أمّا بعد أن تتطوّر مهاراتك، فسينتقل اهتمامك إلى مواضيع أكثر عمقًا، وستبدأ بطرح بعض الأسئلة على نفسك، حتّى قبل أن تبدأ بكتابة البرنامج، من هذه الأسئلة:
- كيف أبني برنامجي بحيث يسهُل تحسينه فيما بعد؟
- كيف أتأكّد أن برنامجي سيبقى يؤدّي ما يُتوقّع منه حتّى وإن قمت بتعديل أجزاء منه بعد زيادة تعقيده؟
- كيف أبني برنامجي بحيث أستطيع إعادة استخدام أجزاء منه في برامج أخرى في المستقبل؟
- كيف أجعل برنامجي يستخدم أجزاء من مشاريع أخرى كتبها مطوّرون آخرون؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي واحدة دومًا: اختر نمط التصميم المناسب لمشروعك.
لم نُعرِّف بعدُ مفهوم نمط التّصميم، لكنّنا بدأنا نُكوّن فكرة عنه. نمط التّصميم هو وصف لطريقة مُعيّنة في حلّ مشكلة برمجيّة ما، فالعديد من المُشكلات البرمجيّة يمكن حلّها بأكثر من طريقة، ولكلّ طريقة مساوئ ومحاسن، وبعضها قد يكون أكثر مُناسبةً للمشروع الحاليّ، واختيار نمط التصميم المُناسب سيضمن استمرار تطوّر المشروع بسهولة وربّما يُفيدنا في عزل أجزاء منه لإعادة استخدامها في مشاريع أخرى بحيث لا نُضطَّر لكتابتها مرارًا.
أغلب الظنّ أنّك تستخدم واحدًا أو أكثر من أنماط التّصميم وإن لم تعرف ما هي أنماط التّصميم بمعناها النّظريّ، فإنشاء أصناف (classes) لمفاهيم مُجرّدة في اللّغات الكائنيّة التّوجّه (object-oriented) وإنشاء نُسخ عنها (instances) وتوزيع هذه الأصناف في ملفّات مستقلّة، هو في الواقع نمط من أنماط التّصميم.
يُرجى الانتباه إلى أن التّطبيق العمليّ لأنماط التّصميم يفرض على المطوّر دمج أكثر من نمط معًا وشرحنا لأحدها لا يمكن أن يخلو من استخدام لأنماط أخرى كما سيتبيّن لك بعد انتهاء السّلسلة، إذ يمكن مثلًا إنشاء وحدة (module) تُصدِّر صنفًا (class) وهذا يعني أنّنا استخدمنا نمطين اثنين (نمط الوحدات، ونمط مُشيّد الكائنات constructor) في وقت واحد.
نمط الوحدات (Module Pattern)
بغرض تبسيط الأمور، سنبدأ بتوضيح أحد أنماط التّصميم الشّائعة في JavaScript، وهو ما يُعرف بنمط الوحدات (module pattern)، والتي ازدادت شعبيّة بعد ظهور Node.js وما أحدثته من تأثير انتقل حتّى إلى أساليب بناء وتصميم المكتبات البرمجيّة الّتي تستهدف المُتصفّحات.
الوحدات هي أجزاء مُستقلّة ومعزولة من النّص البرمجيّ للمشروع توفّر مهمّة مُعيّنة، الأمر الّذي يجعل الهدف من كل وحدة واضحًا ومحدّدًا ويُجنّب المشروع الفوضى التي تنتج عن كتابة كامل النّصّ البرمجيّ في كتلة واحدة متداخلة يصعب معها تنقيحه وصيانته.
فصل الأجزاء هذا ليس الفائدة الوحيدة الّتي يُقدّمها نمط الوحدات، إذ من خلاله يمكن مُحاكاة مفهوم المكوّنات السّرّيّة (private) والعلنيّة (public) وحماية بعض محتويات الوحدة من الوصول إليها من خارجها في JavaScript، وذلك بإخفائها ضمن الوحدة والامتناع عن تصديرها الأمر الذي يجعل الوصول إليها من خارج الوحدة مستحيلًا كما سنوضّح بعد قليل.
تتوفّر في عالم JavaScript أشكال مختلفة لتصميم الوحدات، منها:
- الكائنات الحرفيّة (object literals)
- الدّوالّ المغلقة المجهولة (anonymous closures)
- وحدات CommonJS
- وحدات AMD
- وحدات ECMAScript 6
الشّكل الأول ربّما هو أبسط الأشكال وأكثرها بدائيّة، وهو يعني ببساطة إنشاء كائن باستخدام صياغة القوسين المعكوفين {}
يضمّ خصائص ووظائف متعلّقة بمهمّة واحدة لعزلها وتسهيل استخدامها:
var userSettings = { preferences: { privacy: "strict", language: "ar", showEmail: false, available: true, }, updatePreferences: function(newPrefs) { this.preferences = newPrefs; } }
بعض خبراء JavaScript لا يعتبرون هذا النّمط وحدةً حقيقيّة لبساطته الشّديدة، فمن الواضح أنّ هذا النّمط أبسط من حاجات التّطبيقات المعقّدة، فغالبًا ما يكون توزيع الوحدات على ملفّات منفصلة أمرًا مرغوبًا أثناء تطوير التّطبيقات ولهذا نحتاج إلى وسيلة لاستيراد هذه الملفّات وتصديرها بما يسمح باستخدام وحدة واقعة في ملفّ من ملفّ آخر، ولهذا الغرض طوّر مجتمع JavaScript خلال الأعوام الماضية أساليب قياسيّة اتّفق على استخدامها على الرّغم من أن اللّغة ذاتها لم تقدّم مفهوم الوحدات إلّا في الإصدار الأخير (ES6)، والذي استلهم من الأساليب السّابقة أصلًا؛ كما أنّنا قد نرغب بحماية كائن مثل preferences
في مثالنا السّابق من تعديله بصورة مباشرة.
الشّكل الثّاني هو أسلوب أكثر تطوّرًا لإنشاء الوحدات، ويحتاج فهمه إلى فهم معنى الدّوال المُغلقة (closures)، فإذا كانت لدينا دالّة تُعيد عند استدعائها دالّة أخرى، فإنّنا ندعو الدّالة الأخيرة دالّة مُغلقة، ويتاح لهذه الدّالة الوصول إلى المتّغيّرات الّتي كانت مفروضة في الدّالة الأولى حتّى عندما تُستدعى من خارجها:
function addNumberToN(n) { return function(number) { return n + number; } } var addTo2 = addNumberToN(2); var five = addTo2(3); // 5
هذه الخاصيّة في JavaScript تسمح لنا بعزل المتّغيّرات (encapsulation) ضمن الدّالة الخارجيّة مع الاحتفاظ بإمكانيّة الوصول إليها من الدّوال والكائنات الفرعيّة، الأمر الذي يحاكي مفهوم خصوصيّة المتغيّرات في لغات البرمجة الأخرى (access modifiers).
لنفترض مثلًا أنّنا نريد أن نقوم بإنشاء عدّاد لعدد النّقرات على زرّ معيّن في تطبيقنا، ولا نريد الاحتفاظ بهذه القيمة في النّطاق العامّ لأنّ هذا قد يعرّضها للتّعارض من أسماء مُتغيّرات أخرى أو يجعلها قابلة للتّعديل من إضافات خارجيّة في المتصفّح، لهذا نقوم بإنشاء دالّة مُغلقة تُحيط بهذه القيمة:
function() { var counter = 0; return { increaseCounter: function() { counter++; } } }
وبهذا نكون قد قيّدنا إمكانيّة تعديل قيمة المتغيّر بزيادته فقط، وعبر الدّالة increaseCounter()
فقط. لا يمكن استخدام الدّالّة increaseCounter()
إلا بعد استدعاء الدّالة المجهولة (anonymous) الّتي تُحيط بها، ويتمّ هذا كما يلي:
(function() { var counter = 0; return { increaseCounter: function() { counter++; } } })()
لتُصبح الدّالة increaseCounter()
مُتاحة في النّطاق العامّ، وبهذا نكون حصلنا على شكل بدائي لفكرة "تصدير الوحدات" (module exports).
لنستعرض الآن الأساليب الأخرى لإنشاء الوحدات، ولعلّ أكثر هذه الأساليب شيوعًا أسلوب CommonJS المُعتمد في Node.js، والذي يُتيح استيراد الوحدات باستخدام الدّالّة require()
:
var UrlMaker = require("./url-maker"); var url_maker = new UrlMaker("Hello World!"); var url = url_maker.make(); console.log(url); // hello-world;
وأمّا تصدير الوحدات لإتاحة استخدامها، فيتم بإسناد الخصائص إلى الكائن module.exports
، كما في الملفّ url-maker.js
الموجود في مسار العمل الحالي:
module.exports = function UrlMaker(string) { return { make: function() { return string.toLowerCase().replace(/\s+/gi, "-").replace(/[!?*%$#@`]/gi, "") } } }
لا يقتصر استخدام أسلوب CommonJS على بيئة Node.js، بل يمكن نقله إلى المتصفّحات باستخدام برامج مثل Browserify.
من الأساليب الشائعة لإنشاء الوحدات كذلك نمط وحدات AMD (اختصارًا لـAsynchronous Module Definition) ولعلّه يُستخدم بكثرة مع مكتبة require.js في المتصفّحات والّتي تسمح بتحميل الوحدات (الموزّعة كلّ منها على ملفّ منفصل) عند الحاجة إليها، إذ يتمّ التّصريح عن كلّ وحدة وما تعتمد عليه من وحدات أخرى وتقوم require.js بتلبية هذه المتطلبات بتحميل ملفّات الوحدات المنفصلة. في المثال التّالي، نُصرّح عن حاجة موقعنا لمكتبتي jQuery وUnderscore ووحدة أخرى قمنا بإنشائها بأنفسنا:
require(["jquery", "underscore", "user_profile"], function($, _, UserProfile) { var user = new UserProfile(); user.firstName = $("#form input[name='first']").text(); user.lastName = $("#form input[name='last']").text(); user.username = $("#form input[name='username']").text(); // ... })
ويتمّ التّصريح عن الوحدة user_profile
في ملفّ منفصل باسم موافق:
define(function() { function Profile() { /* ... */ } return Profile; })
يوفّر الإصدار الجديد من JavaScript (ES6) دعمًا أساسيًّا لتعريف الوحدات واستيرادها وتصديرها، وسنتطرّق له بالتّفصيل في الجزء القادم من سلسلة التّعريف بميزات ES6 الجديدة، لكنّ لا بأس من أن نتعرّف عليه سريعًا:
import { jQuery as $ } from "/jquery.js"; import { Profile as UserProfile } from "/user.js"; var user = new UserProfile(); user.firstName = $("#form input[name='first']").text(); // ...
وتُنشئ الوحدة وتُصدَّر في الملفّ user.js
:
class Profile { constructor() { // ... } validate() { // ... } } export { Profile };
فوائد استخدام الوحدات
لنُلخِّص إذن فوائد الوحدات:
- تنظيم النّصّ البرمجيّ للمشاريع الضّخمة بحيث يسهل فهم بنية البرنامج وتنقيحه ومتابعة صيانته في المستقبل.
- إدارة المُتطلّبات (dependencies): توضيح العلاقة بين مكوّنات المشروع، بحيث نستطيع إدارة ما تتطلّبه كلّ وحدة وتحميل هذه المتطلّبات آليًّا بالتّرتيب الصّحيح بدل الحاجة إلى التّصريح عن روابط المكتبات الخارجيّة في الصّفحة الرئيسيّة للموقع وإعادة ترتيبها كلّ ما تطلّب الأمر إضافة مكتبة جديدة تعتمد على أخرى.
- العزل (encapsulation): حماية أجزاء من المشروع من العبث بها سهوًا أو من نصوص برمجيّة خارجيّة، وذلك بعزلها ضمن نطاق فرعيّ خلافًا لتركها في النّطاق العامّ. ففي الحالة الطّبيعيّة تكون متغّيرات JavaScript المفروضة في النّطاق العامّ مُتاحة لأي دالّة، وأما عند فرض هذه المُتغيّرات ضمن الوحدات، فإنّ الوصول إليها يُصبح محدودًا بما هو داخل الوحدة ذاتها، ويتمّ ذلك باستغلال مفهوم النّطاقات (scopes) في JavaScript وإحاطة هذه المتغيّرات بدالّة تُغلّفها بنطاق فرعيّ ثمّ إعادة كائن يحوي فقط الخصائص الّتي نريد إتاحتها للعموم.
متى أستخدم هذا النّمط؟
يُنصح باستعمال هذا النّمط في المشاريع الضّخمة كتطبيقات الويب المُعقّدة الّتي تعمل في المتصفّح، إذ تكون الحاجة مُلحّة لتجزئة المشروع وتطوير كلّ جزء بصورة مستقلّة ثم ربط هذه الأجزاء مع بعضها إمّا بهدف تسهيل تطوير المشروع أو إدارة المتطلّبات بحيث تُجلَب عند الحاجة إليها نظرًا لكبر حجمها أو تأثيرها على أداء التّطبيق، كما يُنصح باستخدامه عند الحاجة لعزل تفاصيل الوحدة عن النّطاق العامّ.
المصادر:
- كتاب JavaScript Design Patterns لمؤلّفه Addy Osmani
- JavaScript Module Pattern: In-Depth
- وثائق require.js
- وثائق Node.js
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.