اذهب إلى المحتوى

لوحة المتصدرين

  1. Hafsa Aly

    Hafsa Aly

    الأعضاء


    • نقاط

      4

    • المساهمات

      340


  2. Wael Aljamal

    Wael Aljamal

    الأعضاء


    • نقاط

      3

    • المساهمات

      6975


  3. Jana-alhob Shalgheen

    Jana-alhob Shalgheen

    الأعضاء


    • نقاط

      3

    • المساهمات

      191


  4. khaled0mohammed

    khaled0mohammed

    الأعضاء


    • نقاط

      3

    • المساهمات

      17


المحتوى الأكثر حصولًا على سمعة جيدة

المحتوى الأعلى تقييمًا في 01/15/22 في كل الموقع

  1. int[] arr1 = {5,122,1,44,1,6,4,1,33,1,89,1,225,162,1,1,1,75,11,1,1,1}; int remove = 1; for(int i = 0; i < arr1.length ; i++) { if(remove == arr1[i]) { for(int j = i; j <arr1.length - 1; j++) { arr1[j] = arr1[j+1]; } break; } } for(int i = 0; i<arr1.length-1; i++) { System.out.print(arr1[i] + " "); } } أريد إزالة الرقم 1 من المجموعة! ما بتنجح لماذا !! ولكن بعد تغيير الرقم واحد إلى أي رقم من المصفوفة سيتم إزالته! ولكن لماذا لا يمكنني إزالة الرقم 1 من هذه المجموعة؟
    2 نقاط
  2. متى يتم استخدام كل من notify و notifyAll ؟!
    1 نقطة
  3. كيف استخدم مكاتب node في صفحتي مثلا عندي صفحه html وابغا انادي عناصر html div مثلا واخليه يعرف القيم الي رجعت من node ل الصفحه
    1 نقطة
  4. لماذا لم يظهر معي عند الشيك بوكس والراديو والبعثرة في لوحة التسجيل كنت أحاول جعل وراء الكلام الذي باللون الأصفر لون الفضي gray لكن كلما حاولت أصبح الامر أسوء بكثير حاولت كثيراً وأشعر بالفشل حقيقة h1[name="1"] { color: rgb(245, 203, 16); background-color: rgb(130, 131, 130); border-radius: 20px; -moz-border-radius: 20px; -ms-border-radius: 20px; -o-border-radius: 20px; width: 50%; padding: 5px; background-size: contain; margin-top: 10px; border-color: rgb(205, 207, 86), 2px; margin-left: 500px; margin-bottom: 100px; text-align: center; margin: center; -webkit-border-radius: 20px; } .example-1 { background-color: rgb(102, 100, 100); border-radius: 17px; -webkit-border-radius: 17px; -moz-border-radius: 17px; -ms-border-radius: 17px; -o-border-radius: 17px; background-size: contain; } .example-2 { background-color: rgb(104, 103, 103); border-radius: 17px; -webkit-border-radius: 17px; -moz-border-radius: 17px; -ms-border-radius: 17px; -o-border-radius: 17px; background-size: contain; } table[class="1"] { color: rgb(247, 203, 9); padding-left: 1000px; border-color: aqua; border-style: groove; border-width: 1px; } table[class="1"] { background-image: url(2.jpg); background-size: cover; background-position: center; background-repeat: no-repeat; border-radius: 20px; -webkit-border-radius: 20px; -moz-border-radius: 20px; -ms-border-radius: 20px; -o-border-radius: 20px; padding: 20px; margin-left: 470px; margin-bottom: 10px; margin: center; text-align: center; border-color: rgb(133, 134, 133); border-width: 25px; } body { background-image: url(2.jpg); background-position: center; background-size: cover; background-repeat: no-repeat; border-style: outset; border-color: rgb(121, 122, 121); border-width: 20px; padding-right: 450px; margin: 100px; } input[type="submit"], [type="reset"] { color: rgb(21, 121, 1); background-color: rgb(247, 247, 247); border-radius: 7px; -webkit-border-radius: 7px; -moz-border-radius: 7px; -ms-border-radius: 7px; -o-border-radius: 7px; padding: 10px; margin: 60px; margin-left: 30px; } style.css
    1 نقطة
  5. الملف المرفق تالف ولا يحوي شيء مفيد، أرجو تعديل السؤال ووضع الشيفرة البرمجية و صورة للخطأ الذي تريد إصلاحه
    1 نقطة
  6. قمت باضافة select control لل modal الخاص بالنص ولكن ايضا يظهر لدي مشكلة في الكود $(document).ready(function(){ $("#myModal").modal('show'); $('#form1').submit(function(e){ e.preventDefault(); var num1 = $('#text1').val(); var num2 = $('#text2').val(); if(num1 != null && num2 != null){ $('#demo1').html(num1); // $('#demo1').css({ color:'red' }); $('#demo2').html(num2); } $("#sel1").change(function(e){ var nam1 = $('#sel1 option:selected'); $('#table_d').html(nam1.text()); }); // $("#sel1").change(); $("#myModal").modal('hide'); }); });
    1 نقطة
  7. الطريقة التي شرحتها هي التي تعمل مع change. ***** أما في حالتك، تريدين القيمة النهائية لاختيار المستخدم، فلا حاجة ل change . نقرأها بطريقة عادية ! $('#form1').submit(function (e) { e.preventDefault(); var num1 = $('#text1').val(); var num2 = $('#text2').val(); if (num1 != null && num2 != null) { $('#demo1').html(num1); $('#demo2').html(num2); // select var nam1 = $('#sel1 option:selected'); $('#table_d').html(nam1.text()); $("#myModal").modal('hide'); } }); وضعتها ضمن الشرط لأنه يجب إدخال أرقام و يمكنك وضع شروط إضافية
    1 نقطة
  8. عذرا ولكن لم افهم لماذا لم ترسل مع الفورم عند عمل submit مثل باقي ال contols
    1 نقطة
  9. نعم الارقام يتم اضافتها ولكن عند اختيار قيمة عادي او مستعجل من select control ليتم اضافتها بجانب الكلمه قرش جنية لايتم اضافتها فما السبب
    1 نقطة
  10. اخواني في الله ارغب في البدء في مجال Back end لاني اكتشفت بعد محاولات في مجال Front end اني لااحب التصاميم والتعامل معها رغم اني عملت جاهدا معها واكتشفت انني احب البرمجة بخد ذاتها و هو ماوجدته في مجال Back end حاليا انا ادرس دورة علوم الحاسوب و بعدها بأذن الله سادخل دورة الجافاسكربت لكن أريد معرفة أمر ليطمئن قلبي ... من الممكن ان اعمل كمستقل في مجال Back end ؟ وهل سأحتاج لتعامل مع لغة Css بشكل مكثف ؟
    1 نقطة
  11. لا تقلق مشكلتك تعتبر مشكلة طبيعية لدى كثير من المصممين ، مع مزيد من التدريب بـ إذن الله يمكنك التغلب عليها ، لكن بما أنك أردت الاستمرار في تعلم مسار Back end فحاول تطوير نفسك به الأن.
    1 نقطة
  12. الحمدلله انا متقن للغة HTML و بعض أساسيات CSS لكن مشكلتي هي عدم حبي لتعامل مع الالوان و الصور و التصاميم
    1 نقطة
  13. بالطبع سوف تعمل كمستقل في مجال Back end وهناك كثير من الأعمال والمشاريع تطلب خصيصاً للمتخصصين في Back end ، أما عن تعاملك مع css أتوقع أنك لن تحتاج التعامل معها في الأمور المتعلقة في Back end ، تحتاج css كثيراً في الأمور المعلقة في Front End وما يتعلق في تصميم المواقع ككل ، لكن كنصيحة لك وجود خلفية لو بسيطة في مجال Front End يكون جيد لك لأنه ربما تحتاج في أحد المشاريع التعامل مع Front End ، يمكنك العمل جاهداً في تطوير نفسك في مجال Back end ، يوجد دورات في الأكاديمية يمكنك الاطلاع عليها وترى الدورة المناسبة لك .
    1 نقطة
  14. حاول تأكد من المنطقة المسجل فيها حسابك على Zoho، هناك عدة اسماء نطاقات تابعة لخدمة البريد اللإلكتروني لها، حاول تبديل النطاق العلوي بدلًا من com. ووضع النطاق المتاح لمنطقة حسابك كقيمة ل MAIL_HOST في الملف env. مثلا حساب تابع لمنطقة الاتحاد الأوروبي smtp.zoho.eu حساب في الهند smtp.zoho.in
    1 نقطة
  15. حاولي في build.gradle (app) تبديل الشيفرة: androidResources { .. '...' } ب aaptOptions { noCompress '...' }
    1 نقطة
  16. في مقدمة هذه السلسلة، اللغة ومفهوم الترجمة بين اللغات، ذُكر أن كثيرين قد يسيؤون فهم الترجمة فيظنون أنها تسير في اتجاه واحد: إذ يخالون أن كل ما على المترجم هو إتقان لغة أجنبية ليترجم منها إلى لغته، وأما الواقع فهو أن الترجمة شطران: فالأول هو إتقان لغة جديدة والقدرة على قراءتها واستيعابها بعمق ودقة، وأما الشطر الثاني (الذي لا يقل أهمية عن الأول)، فهو إعادة صياغة هذا النص بلغة المترجم الأم، وهي العربية في حالتنا هذه، وهذا يعني أن المترجم هو -بدرجة أو بأخرى- كاتب أو أديب، وتستلزم مهنته استيعابًا دقيقًا لقواعد الكتابة واللغة والبلاغة. ربما أدت حركة الترجمة والعولمة والاحتكاك باللغات الأخرى؛ إلى تغيير طريقة تفكيرنا بلغتنا وصياغة الكلام فيها من جمل وكلمات، وترى هذا التغيير بسهولة لو وازنت أي كتاب عربي صادر في سنة 2020 بكتاب شبيهٍ به من القرن التاسع عشر أو الثامن عشر؛ أو أيّ زمن أسبق، والفرق الشديد الذي ستراه بينهما في اللغة والمفردات ليس سوى نتيجة لتراكم كثير من المؤثرات التي تغيرت لغتنا (كما ورد في مقال آفات الترجمة على اللغة)، والتي تتجلَّى كثير منها في الترجمة على مستوى الجملة. الفهم قبل الفعل من أول وأهم التزامات المترجم؛ أن لا يكتب كلامًا قبل أن يفهمه، إذ كيف يتوقع من القارئ أن يفهم كلامه، والمترجم نفسه يفتقر إلى فهم ما كتب؟ وقد يبدو هذا مبدأ بديهيًّا جدًّا، لكنه من أكثر المشكلات وقوعًا في الترجمة، حتى ولو كانت من دار نشر معروفة، أو مترجم صاحب خبرة وسمعة. والسبب في شيوع ذلك هو أن اطلاع المترجم ومعرفته محدودان؛ مثله في ذلك مثل أي شخصٍ سواه، إذ يغلب أن لا يكون متعمقًا بمجالات اختصاصية كثيرة خارج مهنته، على أن الترجمة تجبره -بالضرورة- على التعامل مع نصوصٍ من شتى المجالات والاختصاصات، فيقابل عددًا لا يستهان به من الكلمات والجمل؛ التي يعجز عن فهمها تمامًا، والمشكلة أن تلك ليست حجة جائزة له في الإخلال بتعريبها. لا سبيل لتوفير الوقت في هذه السياقات الصعبة، فعلى المترجم أن يكرس جهدًا لا يستهان به للاطلاع على موضوع ترجمته واستيعابه؛ سواء في معجم لفهم الكلمات الجديدة عليه، أو في مرجع علمي[1] لفهم موضوعها جملةً تفصيلًا. وقد يضطر المُعرّب هنا إلى استغراق وقت أطول مما يستغرقه في الترجمة؛ ليتعمق في الموضوع الذي يترجم عنه ويفهمه، فيتبحر في علم الفلك أو الهندسة أو الأحياء أو القانون؛ حتى يشعر أنه ملم بالنص، كما أنه قد يجد ضرورة -في حالات كثيرة- لإعلام القارئ ببعض ما تعلمه خلال الحواشي والملاحظات، فلو استغرق ساعة في مراجعة الموضوع والتوسع فيه، فمن الأولى أن يحتاج القارئ لذلك أيضًا. وتزداد تداعيات هذه المشكلة سوءًا في الكتب والروايات الطويلة، ففي مثل هذه الحالات يقدم الكاتب عبر النص أفكارًا، ومفاهيم تأسيسية يبني عليها باستمرار طبقة فوق طبقة، فمثلًا: لو كان موضوعه يتعلق بنظرية فيزيائية لآينشتاين؛ فسوف يبدأ بأفكار تأسيسية عن النظرية، كمجال الجاذبية والقصور الذاتي للأجسام، ومن ثم سينتقل منها إلى نسيج الفضاء والزمان، وامتزاجهما في الزمكان، وهلم جرّا، حتى تتضح كل فكرة في ذهن القارئ. ولو عجز المترجم نفسه عن فهم أفكار الكتاب الأساسية بعمق ووضوح شديد، فقد يسيء ترجمة تسلسل أفكار المؤلف كاملة، والنتيجة أن القارئ يفقد استيعابه من الصفحات الأولى في الكتاب ولا يستطيع أن يسترجعه أبدًا. ويحل كثير من المترجمين هذه المشكلة (رغبة منهم بتوفير وقتهم وجهدهم) بأن ينقلوا كل ما لا يفهمونه كلمة بكلمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية، ويقي هذا الإجراء المترجم من الاضطرار لاقتطاع أي جزء من النص الأصلي، فيتفادي إظهار قصور فهمه أمام صاحب العمل، ويضمن حصوله على أجره كاملًا (إذا كانت الجهة الناشرة متساهلة بما يكفي، وهذه هي الحال غالبًا)، إلا أنه لا يعني أي شيء بالنسبة للقارئ: لأن هذا الكلام الحرفي لن يضيف أي معلومة جديدة للقارئ، ولن يعينه على متابعة النص. وفيما يلي مثال بسيط من ترجمة قصة "الأولاد السود" (The Black Boys)، وهي قصة أطفال ألمانية مشهورة، وتحولت لاحقًا إلى مسلسل أنمي يعرفه بعض المشاهدين العرب باسم "عهد الأصدقاء"، وأقتبس من ترجمتها العربية الحوار الآتي من لقاء روميو بصديقه ألفريدو:[2] "مرحبًا بك. أنا ألفريدو. من أنت؟". "أنا جوليان. من أين أنت قادم يا ألفريدو؟". "أنا قادم من وادي ميسوكو. وماذا عنك؟". لم يفهم المترجم المبتدئ هنا معنى جملة أساسية هي "Where do you come from"[3] (ومعناها: "من أي بلد أنت؟") أو أن كتابته العربية ضعيفة جدًا فلم يفلح إلا بنقل الجملة إلى اللغة العربية كلمة بكلمة، فصار وقعها وكأن السؤال هو: "من أين أتيت إلى هنا؟" لا "من أي بلد أصلك؟". وهذا مثال متألق على الترجمة الحرفية التي يتجنب فيها المترجم إرهاق نفسه باستيعاب المعنى الحقيقي الكامن وراء الكلام، فيأتي بترجمة آلية لا معنى لها. والنقطة الجوهرية هنا هي: أن الترجمة لا تعني نقل نص من لغة إلى أخرى، فهذا لا يفي بأي غرض، ولكن الترجمة الحقيقية هي في فهم المعنى ثم إعادة صياغته للقارئ بلغته الأم، بحيث تصله الرسالة بأسلوب المترجم، وليس بأسلوبها الأصليّ. وسنعود لمناقشة هذه النقطة من خلال زوايا أخرى لاحقًا، وخصوصًا فيما يتعلق بتغيير الأسلوب؛ الذي قد يتردد بعض المترجمين في الإقدام عليه. ترتيب مكونات الجملة مما يلفت النظر، أن المكونات الرئيسة للجملة هي نفسها في معظم لغات العالم، وهي الفعل والفاعل والمفعول به (التي تقابلها بالإنكليزية Verb، وSubject، وObject، على الترتيب)، لكن الأهم من ذلك هو أن ترتيب هذه المكونات ليس عشوائيًا: ففي كل لغة تسلسل سائد لمكونات الجملة قد لا يتغير أبدًا (أو قد يتغير في حالات محددة معروفة)،[4] وترتيب الجملة العربية السائد؛ يختلف عنه في معظم اللغات اللاتينية، ولهذا الاختلاف أثر لا يستهان به في الترجمة. تعتمد اللغة الإنكليزية على ترتيب SVO في بناء الجملة، مما يعني أن كل جملة إنكليزية تبدأ دائمًا بالفاعل، ثم الفعل فالمفعول به، أما الجملة الفعلية العربية فتبدأ عادة بالفعل، ومن ثم يكون ترتيبها الصحيح هو VSO. وتقبل اللغة العربية البدء بالفاعل (بأن تسبق الجملة الفعلية أخرى اسمية) لأنها مرنة إعرابيًّا،[5] على أنها ليست الحال المألوفة. ولعل البدء بالفعل أصبح يندر بالفعل في اللغة العربية الفصحى بسبب تداعيات الترجمة؛ والاختلاط باللغات الأجنبية، فقد أصبح من المعتاد أن تبدأ بالفاعل كثير من الجمل العربية المترجمة أو الحداثية، على أن المترجم لو انجرف مع هذا التيار فإنه يؤثر على لغته وكيفية استخدامها بين الناس،[6] إذ إن الترتيب الجملة وقعًا كبيرًا في النحو والخطاب، وهو موضوع نال بحثًا معمقًا في دراسات الترجمة.[7] وعلى الرغم من مرونة اللغة العربية إجمالًا، إلا أن المترجمين قد ينقلون إليها (تأثرًا باللغة التي يترجمون عنا) تراكيب ليس من الطبيعي أو المألوف استخدامها فيها بكثرة. ومن أمثلة ذلك ضمير الغائب، الذي يعتاد الكتاب عمومًا (والصحفيون خصوصًا) في اللغة الأجنبية تقديمه على صاحبه بقصد التشويق أو التغيير، فيبدؤون كثيرًا من الجمل قبل الإفصاح عمَّن يرجع عليه الكلام فيها، مثل الآتي: In His speech, president Barack Obama promised to raise the salaries. إذ جاء هنا الضمير الذي يعود على "باراك أوباما" قبل صاحب الضمير، وأصبح هذا الأسلوب شائعًا في الصحافة العربية كذلك (سواء كانت مترجمة أو مكتوبة بالعربية أصلاً)، فيأتي على شاكلة: في خطابه، وعد الرئيس باراك أوباما بزيادة الرواتب. وعلى الرغم من الخلاف على جواز هذا التقديم[8] فإنه بلا شك يخالف المألوف، وكان من الأنسب تقديم الفاعل على ضمير الغائب، أو أن نحذف الضمير كله لأنه لا يضيف قيمة للجملة العربية فنقول: وعد الرئيس باراك أوباما في خطابه بزيادة الرواتب. وعد الرئيس باراك أوباما في خطابٍ بزيادة الرواتب. أنواع الجملة الإنكليزية تناولنا سابقًا مثال كلمة مشهور من الآية: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ» (سورة الحجر، الآية 22): تأتي كلمة "فأسقيناكموهُ" في هذه الآية بالمعنى التقريبي: "أنزلنا لكم [أو أسقيناكُم إياه] ماءً عذبًا"،[9] ولو درسنا إعرابها نجد فيها حرف العطف (الفاء) والفعل (أسقى) والضمير المتصل في محل رفع فاعل (نا الفاعلين) والضمير المتصل في محل نصب مفعول به (كُم) وضمير الغائب في محل نصب مفعول به ثانٍ (الهاء).[10] ولو تُرجمت هذه الكلمة إلى أي لغة لاتينية لأمست جملة كاملة من أربع أو خمس كلمات على الأقل، لكن يجوز في اللغة العربية جمعها كلها في كلمة واحدة: وهذا لأن أنواع الجملة وتراكيبها، تختلف بين اللغات، ومن المهارات الضرورية في الترجمة استيعاب أنواع الجمل هذه في كل لغة. تختلف اللغة الإنكليزية عن العربية؛ بأن الجملة فيها مقسمة إلى مجموعات من الكلمات، واسم كل مجموعة منها "clause" أو "الإسناد"، وربما من الأدق القول: إن الـ"clause" يماثل الجملة الفعلية باللغة العربية: فهو كل جملة فيها فعل، وأما ما يسميه أهل اللغة الإنكليزية "الجملة" (sentence) فيماثل باللغة العربية عدة جمل ملحقة بعضها ببعض. والقاعدة السائدة دائمًا وأبدًا في اللغة الإنكليزية هي أن كل جملة تبدأ بحرف كبير (CAPITAL) وتنتهي بنقطة، فالنقطة علامة مؤكدة وحاسمة فيها على نهاية الجملة،[11] وترتبط الجملة الإنكليزية بجمل بعدها وقبلها لتكون فقرة، وفي كل فقرة (أي كل مجموعة من السطور المتصلة) فكرة واحدة يعرضها الكاتب لا تقل أو تزيد؛ وهذه كلها معلومات جوهرية في عمل المترجم كما سنرى. من الصعب أن نتعمق في شرح الجملة الإنكليزية بهذا السياق، لكن لنا أن نتطرق -باختصار- إلى جوانبها التي تتعلق بوظيفة المترجم. في اللغة الإنكليزية ثلاثة أنواع للجملة، تختلف في بنائها النحوي؛ وهي الجملة البسيطة (Simple) والمركبة (Compound) والمعقدة (Complex).[12] وفيما يلي أمثلة توضيحية على هذه الأنواع بالترتيب، وهي مقتبسة من أحد فصول رواية "جزيرة الكنز":[13] [Simple] He is called Long John Silver [Compound] He is called Long John Silver, and has lost a leg [Complex] He is called Long John Silver, and has lost a leg; but that I regarded as a recommendation, since he lost it in his country's service. ولتفسير ما في هذه الأمثلة، قد يلحظ القارئ أن الجملة البسيطة هي جملة عادية من فعل وفاعل ومفعول به، وهي أساس الكلام وأبسطه في اللغة الإنكليزية،[14] وأما النوعان الآخران ففي كل منهما مزج لجملتين بسيطتين -معًا-، لكن بينهما اختلاف واضح: تجمع الجملة المركبة بين جملتين بسيطتين دون تغيير شيء فيهما، ما عدا أن تضع بينهما حرف عطف[15] يجمعهما، كحال المثال الثاني ففيه جملتان قائمتان بذاتهما، ومن أمثلة حروف العطف: and, or, but وغيرها.[16] تمزج الجملة المعقدة بين جملتين بسيطتين فترتبطان -معًا- ارتباطًا لازمًا، إذ لا يكتمل معنى الواحدة منهما إلا بالأخرى، ولو فصلت واحدة منهما عن الأخرى فستصبح جملة غير مفهومة. فلو أخذنا شطرًا من الجملة الثالثة دون الآخر؛ لنقص المعنى، ويقع ذلك بسبب أدوات تدخل على الجملة فتعدل تركيبها منها: while, although, since وغيرها.[17] وبما أن للغة الإنكليزية ثلاثة أنواع من الجمل لا غير (ويضاف إليها نوع رابع هو مزيج بين جملة مركبة وأخرى معقدة)، فإن من النافع للمترجم أن يدرسَ أسلوب ترجمة كل نوع من أنواعها في الظروف العامة؛ فالجملة البسيطة جملة فعلية عادية نترجمها إلى جملة اسمية أو فعلية قريبة في معناها، وأما الجملة المركبة فهي جملتان فعليتان أو اسميتان متواليتان، ولذا نستطيع ترجمة كل منهما منفردة ثم نجمعهما بحرف عطف عربي مثل الواو أو الفاء، وبذلك يبقى تركيبهما قريبًا من الأصلي الإنكليزي. لكن معضلة الترجمة العربية (كما يقول صفاء خلوصي) هي في الجملة المعقدة، لأنها تجلبُ إلى اللغة العربية تركيبًا نحويًّا دخيلًا وغريبًا عليها، ولهذا فإن الجملة المعقدة هي أصل معظم مشكلات الترجمة نحوًا،[18] ومن المهارات المتقدمة للمترجم العربي أن يتقن تعريبها. جون سيلفر، من رواية جزيرة الكنز. - منشورة ضمن الملكية العامة. المصدر: ويكيميديا كومنز لنعد إلى المثال السابق: قد نحاول ترجمة الاقتباسات التي أخذناها من "جزيرة الكنز" إلى الصورة الآتية: اسمه جون سيلفر اسمه جون سيلفر، وله ساق واحدة اسمه جون سيلفر، وله ساق واحدة، على أنه خسر ساقه الأخرى دفاعًا عن وطنه فرأيت هذه نقطة في صالحه. فتغدو -إذًا- الجملة الأولى جملة عربية إسمية (بدلًا من الجملة الإنكليزية البسيطة)، والثانية جملتين اسميتين جمع بينهما حرف عطف (بدلًا من الجملة المركبة)، ولو أننا عدلنا الثانية تعديلًا طفيفًا؛ لأن التعبير عن خسارة جزء من الجسم في العربية لا يصح أن يأتي فعله بضمير المتكلم، بعكس الإنكليزية (فلا نقول "قطع ساقه" بل "قُطعت ساقه").[19] وأما الثالثة فعربناها إلى جملتين فعليتين وعكسنا ترتيبهما، وستتبين أدناه الحاجة الماسة إلى تعديل ترتيب الجملة المعقدة في حالات كثيرة أدعى من هذه. يتعمد الكاتب الجيد التنويع في تراكيب الجمل وأنواعها، للتفنن بالأسلوب ولتجنب التكرار الممل الرتيب،[20] لكن هذه النعمة قد تنقلب نقمة في الترجمة؛ لأن أنواع الجمل ليست متساوية ومتماثلة بين اللغات، فلا يستطيع المترجم أن ينقل تراكيبها وبُناها النحوية دون حذر وتعديل، وبعض هذه الحالات تكون صعبة جدًّا لأنها تستدعي تفكيك الجملة وإعادة تركيبها جذريًّا، مما يقتضي من المترجم فهمًا دقيقًا لأنواع الجملة باللغتين. أسلوب الخطاب توثق كثير من الدراسات -في علم الخطاب- التباين في تركيب الجمل بين اللغتين العربية والإنكليزية. وتشير هذه الدرسات إلى أن الإنكليزية تميل إلى تركيب جمل بسيطة وقصيرة تيسيرًا للقراءة؛ وتفصل بينها بعلامات ترقيم دقيقة جدًّا، بينما تعمد اللغة العربية إلى الإطالة في الجملة الواحدة، وصهر أفكارٍ كثيرة متتابعة فيها.[21] فمن الطبيعي أن تشغل الجملة العربية الواحدة فقرةً كاملةً، فيما تعد هذه زلة مبتدئ للكاتب الإنكليزي. وقد يعْزى ذلك إلى أن علامات الترقيم جديدة على اللغة العربية؛ إذ قلّما استخدمت في تدوينها التراثي،[22]فلم تفرض ضوابط الترقيم فيها المباعدة بين الجمل إلا بالفاصلة؛ فظلت فقراتها مطولة ومتتابعة. ولهذا الاختلاف بين اللغتين أبعاد كبيرة قد لا يلحظها المترجم إن لم يكن حسن الاطلاع على الأدب العربي. رأينا أن اللغات تختلف في نحوها وتصريفها، فتعتمد كل منها على أسلوب في الكلام يتناسب معهما، وفي الإنكليزية سبب قوي يجبر من يكتب فيها على أن لا يطيل في الجملة الواحدة: وهو أن اللغة الإنكليزية ليس فيها تصريف للأفعال للجنس والعدد، ففعل "act" له شكلان فقط (act أو acts) بينما لو ترجمناه إلى العربية قد يصبح: "يُمثِّلُ" أو "تُمثِّلُ" أو "يُمثّلان" أو "تُمثِّلان" أو "يمثِّلون" أو "يُمثِّلْنَ". ويترتب على نقص التصريف في اللغة الإنكليزية صعوبة التمييز بين الفاعل والمفعول به، ولهذا يفضل أهل اللغة الإنكليزية كتابة جمل قصيرة منفصلة خشية الغموض اللغوي (وهو مسألة سنأتي على بيانها فيما بعد). وبسبب أهمية الوضوح والدقة من أوليات الكتابة الإنكليزية، نرى تكرارًا هائلًا للضمائر فيها للتوثق من أن القارئ يستوعب الشخص المقصود بكل فعل، ولا يضيع عليه معنى الكلام،[23] على أن هذا الأسلوب ليس ضروريًا في اللغة العربية لأن كثرة التصريف[24] تيسر على القارئ فهم الجملة ولو طالت وتفرعت، بينما يغدو تكرار الضمائر -في العربية- تكرارًا فارغًا لا مغزى له. وقد نرى ذلك في المثال الآتي (من رواية The Great Gatsby): "She didn't like it," he insisted. "She didn't have a good time." [حرفيًّا]: "هي لم تعجبها [حفلة الرقص]"، أصرّ هو، "هي لم تحظَ بوقت جيد". [بتصرّف]: قال مصرًّا:"لم تعجبها الحفلة ولم تستمتع بها". على عكس اللغة الإنكليزية، يستصعب القارئ العربي التوقف باستمرار أثناء القراءة؛ لأن تصريف الأفعال والأسماء في العربية يسمح بتدفق الكلام وبإطالة الجملة، وهذه سمة من سمات اللغة التي يجب أن يستوعبها المترجم ويحسن استعمالها، فيمكن لثلاث جمل أو أربع جمل إنكليزية أن تمتزج في جملة عربية واحدة (كالمثال أعلاه)، وينبغي على المترجم العربي أن يتعلم مزجها حينما يسمح السياق بذلك، إذ إن الضرورة اللغوية التي ألزمت فصلها بالإنكليزية تسقط حين تعريبها. وقد يستوجب مزج الجمل -كذلك- أن يعاد ترتيب علامات الترقيم فيها، إذ إن للمترجم حرية تركيب الجمل وتغييرها بما يتلاءم مع احتياجات اللغة، فيمزج بين الجمل البسيطة ويزيل النقاط بينها[25] ويحذف الضمائر الزائدة ويربط الجملة مع ما بعدها بحرف عطف. ويحدث كثيرًا- لهذه الأسباب- أن يقل طول النص الإنكليزي حين تعريبه باحترافية وبإلمام لغوي صحيح، على أن بعض سياقات التعريب قد تسلتزم العكس، ومنها تعريب الصفات والحال. الصفة والحال يقول الروائي الشهير ستيفن كينغ: "the road to hell is paved with adverbs"، وهو تحذير للكتاب المبتدئين من الإسراف بإضافة ألفاظ "الحال" إلى كتابتهم،[26] إذ تملي مَلَكة كثير من الكتّاب الجدد عليهم أن يكتبوا جملًا منمّقة بالحال مثل: "فتح شخص الباب مسرعًا، ثم دخل الغرفة لاهثًا، وتوجه إلى الخزانة فزعًا" (ربما بدلًا من: "دخل الغرفة وفتح الخزانة"). لكن هؤلاء الكتاب الهواة لا يُلامون تمامًا؛ لأنهم يقتدون بأصول الكتابة في اللغة الإنكليزية، وهي لغة تُثقل جملها بالأحوال والصفات لتحشد كمًّا هائلًا من المعلومات[27] في جملها القصيرة الكثيفة. وفيما يلي مثال متطرف (ولو أنه حقيقي) اجتمعت فيه خمس عشرة صفةً في جملة واحدة تتحدث عن فنون المسرح:[28] As broad farce surrendered to cloying melodrama, with its fitful bouts of frenzied shouting, wooden acting, and intermittent violence scenic effects, we were subjected to savage tickling, sentimental pleading, emotional blackmail, religious pandering, vehement exhortation and downright bullying. ولعلك تلاحظ في أي ترجمة كم تأتي هذه الصفات والأحوال ثقيلة على اللسان العربي؛ لأنها غير مألوفة فيه، فيحشرها المترجمون في الكلام حشرًا ويضطر القارئ لتفكيكها في ذهنه -بعضها عن بعض- إن أراد فهم النص، وهذا يجبرنا على البحث عن وسيلة لتكييف هذه السمة الصّعبة باللغة الأجنبية مع عادات الكتابة العربية. وفيما يلي أمثلة واقعيّة من عدّة روايات معرّبة تْظهر الجمل الصعبة التي ينتجها تعريب الصفات والأحوال (وقد ميزتها بخط أسفلها، مع ملاحظة أن المقصود هنا هو الطريقة التي تظهر بها الصفات والأحوال الإنكليزية بعد تعريبها، ولا يعني هذا -بالضرورة- أنها تعد "صفة" لا "حالًا" بالعربية): كان البحر المتلألئ يرتفع ويموج لأعلى، ويتحرك متفككًا إلى مستويات مسطحة صاخبة...أما الشعاب المرجانية وأشجار النخيل القليلة المتشبثة بالأجزاء المرتفعة فإنها كانت تطفو لأعلى في السماء (سيد الذباب، ص109).[29] وكان حين وجوده على سطح السفينة السفلي وسط زحام الأصوات المنبعثة من مائتين من أقرانه، ينسى نفسه ويسبق عمره بالعيش في خياله في حياة البحر (لورد جيم، ص6-7).[30] وكانت إحدى عابرات البحار من البواخر التي تحمل البريد، قد وصلت عصر ذلك اليوم (لورد جيم، ص121). لم تستطع السيدة بينيت -ولا حتى بمساعدة بناتها الخمس- أن تستدرج زوجها ليعطي أوصافًا وافية عن السيد بينغلي (كبرياء وهوى، ص17).[31] وهذه الجمل صعبة الفهم لأنها مثقلة بدفق كبير من المعلومات التي اختصرتها بضع صفات وأحوال في النص الأصلي، وذلك لأن اللغة الإنكليزية تسمح بإلصاق سوابق ولواحق كثيرة بالصفات تضيف إليها معانٍ يطول تعريبها، مثل كلمة: unremarkable (أي [un] [remark] [able])، التي تعرّب إلى: "غير جدير بالملاحظة".[32] ومن الطبيعي أن يُضطر المترجم هنا -كما رأينا أعلاه- إلى تعريب هذه المعاني المتشابكة بجمل إسمية متتابعة بالعربية، والتي تُصبح ثقيلة ومزعجة على القارئ الذي لم يعتد هذه الكثافة من المعلومات. وقد يحلّ المُعرّب مشكلة الصفات والأحوال بأن يُحوّل هذه الجملة الإسمية المتتابعة إلى جمل فعلية، فنقترح: أن يُفرّق المترجم الجملة الإنكليزية الواحدة -المثقلة بالصفات والأحوال- إلى جمل عربية قصيرة؛ نبدل فيها الصفة بفعل (أي أن نقلد أسلوب التعبير الإنكليزي بما فيه من جمل قصيرة وبسيطة). وفيما يلي الأمثلة السابقة نفسها، بعد تطبيق هذه الطريقة عليها: كان البحر متلئلئًا، وأخذ يموج ويرتفع فيتفكك إلى طبقاتٍ مستوية، فأحدث ضجة صاخبة…أما الشعاب المرجانية فبدت وكأنها تطفو نحو السماء، ومثلها أشجار النخيل، والتي تشبثت بعضها بالمرتفعات. وكان ينسى نفسه حين وجوده أسفل سطح السفينة، إذ تزدحم حوله أصوات مائتين من أقرانه، فيسبق عمره بالعيش في خياله في حياة البحر. وكانت تعبر البحر باخرة تحمل البريد، فوصلت عصر ذلك اليوم. لم تستطع السيدة بينيت أن تستدرج زوجها ليوفي بوصف السيد بينغلي، حتى حينما هبّت بناتها الخمس لمساعدتها. ليس من الضروري أن تدعو كل حالة إلى هذا الأسلوب المعقد قليلًا في التعريب، لكنه يصبح حلًا ثمينًا في الجمل المتطرفة التي يَجْهَد المُعرّب في نقلها. وفي ما سلف من أمثلة بعض من التصرّف في ترتيب الجمل الأصلية، وهو تغيير يجوز لسببين إن لزم: الأول هو أن يساير تركيب مكونات الجملة بلغة الترجمة (إن كان مختلفًا عن تركيبها باللغة الأصل)، والثاني هو أن يقرّب النص إلى جمهور الترجمة إن كانوا أقل دراية بموضوعه (مثل أن يكونوا أقل إلمامًا من جمهور النص الأصلي باللغة الأكاديمية والاختصاصية).[33] ولعل كلتا الحالتين تنطبقان على الأمثلة أعلاه؛ لأن التركيب اللغوي غريب عن العربية، ولأنه صعب -غالبًا- على جمهور القُرّاء. وينطبق هذا على أنواع أخرى من أدوات التعبير الإنكليزية. وعلى الرغم من.. يحدث في اللغة الإنكليزية أن تأتي أدوات للنفي في بداية الجملة المعقدة أو في منتصفها، ومن أكثرها ترددًا although (ومثلها while..وhowever)، وإذا صادف المترجم جملة تبدأ بهذه الطريقة[34] -وهي كثيرة- فعليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن لها شقين: الشق الأول يصف معلومة، والشق الثاني ينقضها أو يخلص إلى استنتاج غير متوقع منها. وهذا نوع من الجمل فيه صعوبة بالتعريب. ويعرف القارئ الأجنبي (مثل الكاتب) من تركيب هذه الجملة أن شقها الثاني سينقض الأول، ويحاول المترجمون العرب أن يقلدوا هذا التركيب بأن يبدؤوا الجملة العربية بكلمتي "على الرغم من.."، ولكنّ استيعابها يبقى صعبًا لأن بناءها دخيل، ولأن اللغة العربية لا تساعد على ربط شقي الجملة معًا، وقد يكون من الأسهل للمترجم والقارئ، حذف كلمتي "على الرغم من" في بداية الجملة، والاستعاضة عنهما ببديل مثل "لكن" و"إلا أن" و"على أن" و"مع أن" في بدء الشق الثاني، أي بتأخير النفي بدلًا من تقديمه. وفيما يأتي مثال على الفرق بين الطريقتين (من مقالة لويكيبيديا عن نوعٍ من الديناصورات):[35] Although the completeness, preservation, and scientific importance of this skeleton gave "Big Al" its name; the individual itself was below the average size for Allosaurus. [حرفيًّا]: على الرغم من أن اكتمال هيكله وحُسن حفظه وأهميته العلمية، أعطوا لـ"بغ آل" اسمه، إلا أنه كان تحت الحجم المتوسط للألوصور. [تصرُّفًا]: سُمّي هيكل الألوصور "بغ آل" لاكتماله وحُسن حفظه وأهميته العلمية، على أن حجمه كان أصغر من المعتاد بين بني جنسه. المبني للمجهول تتجلى الترجمة الحرفية بكثير من الكلمات والتراكيب الدخيلة على اللغة العربية؛ ولعل إحدى أكثر علاماتها انتشارًا هي كلمة "تم"، والتي جرت العادة على الاستعانة بها في ترجمة الأفعال المبنية للمجهول.[36] ولا تقع الركاكة في ترجمة هذه الأفعال بدون سبب، إذ إن صيغة المبني للمجهول صعبة ومربكة لأن فيها اختلافًا جوهريًا بين اللغتين العربية والإنكليزية: إذ إن فاعلها باللغة الإنكليزية ليس "مجهولًا" دومًا. مثلما تختلف اللغات في كثير من خصائصها؛ كالتي تناولها المقال الأول من هذه السلسلة، فإن صيغة المبني للمجهول هي واحدة من الاختلافات المعتبرة بين العربية والإنكليزية: ولا يقتصر ذلك على أنها تأتي في سياقات متفاوتة في هاتين اللغتين، بل في اختلاف فكرتها الأساسية. فقد نقول: "كُتِبَ الكتاب"؛ إن كان مؤلف الكتاب غير معلوم (أو لم نرغب بإعلام القارئ فيه)، فينوب عنه في هذه الجملة نائب الفاعل ("الكتاب"). وهذه صيغة لا يحتاجها الكاتب العربي إلا في سياقات محددة، لذا قد يبدو من الغريب أن تشيع الأفعال المبنية للمجهول في الإنكليزية حتى يكاد يصادفها المترجم في كل نص وكل فقرة يقف عليها.[37] حينما نقول أن اللغة الإنكليزية فيها أفعال "مبنية للمجهول" فإننا نحاول إسقاط قواعد لغتنا على لغة أخرى بالتشبيه والمقاربة، لكننا رأينا أن اللغات لا تترادف في معانيها ولا في قواعدها، وما يحل مكان "المبني للمجهول" (كما نعرفه) في اللغة الأجنبية هو ما يسمى -حرفيًا-: "النبرة الخاملة" (passive voice)، ومعناها أن الفاعل في الجملة يصبح مفعولاً به: فيتلقى فعلًا بدلًا من أن ينفذه، وهي عكس "النبرة الفعالة" (active voice). ومن أمثلتهما ما يأتي:[38] [Active]: Christopher Nolan directed “The Dark Night”. [Passive]: “The Dark Night” was directed by Christopher Nolan. لكلا هاتين الجملتين معنى واحدٌ، على أن الفاعل والمفعول به ينعكسان في الجملة الثانية، فيتصدر "كريستوفر نولان" الجملة الأولى فيكون "فاعلًا" فيها، بينما يمسي مفعولًا "خاملاً" في الثانية. وهاتان هما الطريقتان الأساسيتان لصياغة أي جملة في اللغة الإنكليزية، ولذا فإن كليهما شائعتان جدًا في لغتهما، وهذا فرق شاسع عن المبني للمعلوم كما نعرفه. السبب الرئيسي للخلط بين "المبني للمجهول" (بالعربية) و"النبرة الخاملة" (بالإنكليزية) هو إمكانية حذف ما كان الفاعل سابقًا (وأصبح مفعولًا به هنا) من الجملة الخاملة في اللغة الإنكليزية لتصبح "مبنية للمجهول" بحق، فقد يُقال: "The Dark Night was directed in 2008" (أي: بدون ذكر "كريستوفر نولان" الذي أدى فعل "الإخراج")، ويمكننا ترجمة هذه الجملة إلى صيغة المبني للمجهول بالعربية، فنقول: «أُخرِج فلم "ذا دارك نايت" في سنة 2008». لكن هذا لا يعني أننا نستطيع ترجمتها مع إضافة فاعل معلوم إليها، وهذه هي المشكلة التي ابتُدعت كلمة "تم" لحلها، والتي أصبحت عُرفًا راسخًا بين المُعرّبين الهواة في ترجمة الأفعال الإنكليزية حينما تأتي بالنبرة الخاملة؛ التزامًا منهم بقوانين الترجمة الحرفية الصارمة التي تملي تقليد كل جملة باللغة الأجنبية. بل إن كلمة "تم" أصبحت دارجة في مؤلفات كثير من الكُتَّاب العرب غير المترجمة، فيكتبون على شاكلة: تم الإخراج بواسطة كريستوفر نولان. وفي هذه الجملة مشكلتان بالعربية: الأولى والبديهية، هي أن المبني للمجهول -كما يدل اسمه- فاعله غير معروف، ولهذا فلا صحة (ولا منطق) في إتباع فعل مبني لمجهول ("تم الإخراج") بفاعل ("كريستوفر نولان"). وأما المشكلة الثانية، فهي أن هذه الترجمة الحرفية لا تأخذ بعين الاعتبار شروط اللغة الأجنبية التي استدعت اختيار المبني للمجهول، إذ إن قواعد اللغة الإنكليزية تفرض على الفاعل أن يسبق الفعل عادةً (كما ذُكر في ترتيب مكوّنات الجملة)، لكن المثال الذي نتاوله هنا خرق العادة؛ إذ تقدم الفعل الإنكليزي "directed" على الفاعل "Christopher Nolan"،[39] ولذا لزم -لدواع نحوية- أن يُضاف إليها حرف الجر by، بينما تبدأ الجملة العربية بالفعل أصلًا، فالأيسر أن نُعرّبها إلى صيغة المعلوم، ودون حاجة لكلمات زائدة فنقول: "أخْرَجَهُ كريستوفر نولان" أو "أخْرَجَ الفلمَ كريستوفر نولان". ينطبق هذا الأمر على سائر سياقات الكلمة الكثيرة، فنُعرّب "Computer was invented in 1871" إلى: "اختُرِعَ الحاسب في 1871"، و"America was discovered in 1492" إلى: "اُكْتُشِفَت أمريكا في 1492" (بدلًا من "تم اختراع الحاسب"، و"تم اكتشاف أمريكا"، وهلم جرّا). ومن المناسب تعريب "النبرة الخاملة" بتعريبها -أحيانًا- إلى صيغة المبني للمجهول السليمة بالعربية (بدون كلمة "تم")، ولو أن الأسلم منها هو الاستعاضة عن البناء للمجهول بالبناء للمعلوم؛ تماشيًا مع أعراف اللغة وأصولها. على المترجم أن يتجنب مخالفة أصول اللغة التي ينقل إليها، وعليه -كذلك- أن يأخذ بعين الاعتبار أعراف هذه اللغة. إذ على المُعرّب أن يُدرك هنا أن "النبرة الخاملة" متأصلة في الإنكليزية بسبب قواعدها، وحتى ولو احتجنا -في بعض الحالات- إلى تعريبها للمبني للمجهول، فهذا لا يفرض الإكثار منها في الترجمة العربية، والاختيار يقع على عاتق المُعرّب بناءً على فهمه لاختلافات اللغات وللوزن الأدبي لصيغة المجهول أو المعلوم فيها.[40] صيغة الملكية مثل جميع المشكلات التي تنتج عن الترجمة الحرفية، قد يحاول المترجم والكاتب غير المتمرس قد نقل صيغ الملكية كما هي، من لغة أجنبية، مما يؤدي إلى توليد كلمة جديدة مثل: "خاصّتي". ثمة طريقتان للتعبير عن الملكية باللغة الإنكليزية: إما بإضافة حرف s زائد في نهاية اسم أو بالاستعانة بضمائر التملك، وهي mine وyours وhers وhis وits وours وtheirs. وبما أن الالتزام بأصول الترجمة الحرفية يستلزم إبدال كل كلمة في اللغة الإنكليزية بمثيلة لها في العربية، فقد ابتدع المترجمون كلمات "خاصّتي" و"خاصّتكم" و"خاصّته" و"خاصّتها" و"خاصّتنا" و"خاصّتهم" لتكافئ كل هذه الضمائر، وخصوصًا حينما تأتي صيغة التملك لاسم مضاف معه مضاف إليه. وفي اللغة العربية ضمائر ملكية -أيضًا- لكنّها ضمائر متّصلة لا منفصلة، فهي تأتي ملحقة بالاسم المملوك، ومنها مثلًا: الياء للمتحدّث المفرد (بيتي) والنون وألف لجماعة المتحدثين (بيتنا). وفيما يلي مثال توضيحي لها من ترجمة لرواية "أقمار المشتري" لأليس مونرو:[41] [حرفيًا]: دلفتُ إلى غرفة جولي ووجدتها تحزمُ حقيبة الظهر خاصتها. [تصرُّفًا]: دلفتُ إلى غرفة جولي ووجدتها تحزمُ حقيبة ظهرها. ترابط مكونات الكلام مرت بنا لمحات من علم اللغة على مستوى المعنى (علم الدلالة) واللفظ (الصوتيات) والكلمة (الصرف) والجملة (النحو)، وهي أربعة من مستويات هذا العلم الخمسة، فيبقى أن نجمع بين هذه الجمل والكلمات وما لها من دلالات ومعان؛ لتكوين كلام متصل له معنى: وهذا مجال يدرسه علم تحليل الخطاب، ومن أهم مواضيعه دراسة العلاقة بين مكونات الكلام أو النص (Cohesion) لإيصال معنى مترابط متماسك، وهذه العلاقة هي التي تنظّم استخدام اللغة، وتسمح بفهم الكلام بناءً على ما يسبقه ويتبعه. وتختلف علاقة مكوّنات الكلام بين اللغات كثيرًا، وتصنع عوائق وعقبات للترجمة، وبعضها نال اهتمامًا كبيرًا من أساتذة اللسانيات ودارسيها.[42] اتصال الكلام لا يكفي أن ننظر إلى الترجمة وكأنها كلمات وجمل مجزأة، فمن السهل جدًّا على المترجم المبتدئ، وكذا البرنامج الآلي، أن ينقل كثيرًا من الجمل نقلًا متقنًا من لغة إلى لغة، ويأتي دور المترجم الماهر في سبك هذه الجمل؛ وما فيها من أفكار وكلمات -معًا- في فقرات ومقالات وفصول متكاملة. ويحتاج ربط هذه الأفكار بعضها ببعض إلى مهارة خاصة، مثل مهندس معماري يخطط لبناء تقوم فيه كل طبقة على غيرها، ولو فشل المترجم -بعد إتقانه ترجمة ما فيها- في ربطها معًا فقد يخرج ترجمة يستعصي فهمها: لا بسبب لغتها؛ بل لكلامها المتباعد الذي لا تتضح علاقته ببعضه.[43] رأينا أن المترجم يضطلع بعمل الكاتب، فهو يعيد صياغة الكلام وكأنه يكتبه من جديد، ولذا فعليه أن يوظف أدوات لتماسك الأفكار مثل الكاتب تمامًا، ومن هذه الأدوات؛ أن تبدأ كل جملة وتنتهي بما يربطها بسابقتها ولاحقتها، وبأن يلتزم فيها بزمن وسمت ثابت للأفعال.[44][45] فنقل الجمل أثناء الترجمة يعيد ترتيب مكوناتها، ومن السهل أن يضيع ترابط الأفكار بين فقرات المقالة أو فصول الكتاب. فيبدأ الكاتب الجملة -عادةً- بمعلومة يعرفها القارئ، ثم تلحقها معلومة مبنية عليها، ولم تأت سابقًا،[46] مثل القول: thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } لأن للإلكترونات شحنةً سالبة فإنَّ اجتماعها مع البروتونات الموجبة يُحيِّد شحنة الذرة. معنى معلوم معنى جديد من أهم مستويات ترابط الكلام هي الانتقال من جملة إلى أخرى، وتساعد على ربط هذه الجمل والأفكار ببعضها أدوات لغوية (مثل حروف العطف)، وهذه الأدوات ليست لها معانٍ بذاتها، وبالتالي فإنها ليست دائمًا مما ينقله المترجم من لغة أخرى، وإنما عليها إضافتها -في أحيان كثيرة- ضمن مهمة التعريب التي يؤديها. ولو تغاضينا عن تأثير اللغات الأجنبية؛ فإن أكثر أدوات ربط الجمل ومكونات الكلام تداولًا في اللغة العربية -تراثيًا- كانت الواو والفاء العاطفتان،[47] والمترجم ليس مضطرًا بأن يحصر استخدامه بهاتين الأداتين،[48] وإنما يمكنه المزج بينهما (في مواضع النقص) وبينما ما أتى في النص الأصلي؛ ليحفظ شيئًا من أسلوب المؤلف الإنكليزي لكن دون الإكثار منه بما يفسد السليقة العربية.[49] وفيما يلي مثال مقتطع من كتاب كليلة ودمنة، لابن المقفّع؛ للتدليل على طريقة ربط الكلام في اللغة التراثية:[50] قال دمنة: إن إرادة الأسد لما يريد ليس لشيء مما ذكرت من تحميل الأشرار ولا غير ذلك، ولكنه الغدر والفجور، فإنه جبَار غدّار، أول طعامه حلاوة، وآخره مرارة، بل أكثره سم مميت. قال شتربة: صدقت، لعمري لقد طعمت فاستلذذت، فأراني قد انتهيت إلى الذي فيه الموت. أحرف الجر قال بعض النحاة: إن «حروف الجر ينوب بعضها عن بعض» لأن حروف الجر هي -عمومًا- ما دل على معنى في غيره. وقد يؤخذ من ذلك جواز التبادل الوظيفي لحروف الجر، بحيث يستخدم أي حرف جر مكان الآخر دون وازع أو ضابط، وحروف الجر متعددة في وظائفها إجمالًا،[51] ولهذا السبب -تحديدًا- من السهل الخلط بينها، خصوصًا أثناء الترجمة. فلكل لغة استخدامات تخصها لحروف الجر، فلا يأتي كل فعل فيها إلا مع حروف محدّدة، ولا يمكن ترجمة هذه الحروف من لغة إلى أخرى حتى بأكثر مناهج الحرفية تطرفًا.[52] حروف الجر هي عنصر آخر من عناصر اللغة الوظيفية التي لا تحمل معنى في ذاتها، وإنما تضيف معنى إلى غيرها من الكلمات، ولهذا فإن ترجمتها بين اللغات ليست منطقيّة. إذ إن لحروف الجر في كل لغة أفعال أو سياقات محدَّدة ترد فيها، ويمكن التوثق من هذه السياقات بمعاجم التصاحبات اللفظية (إن وجدت)، إلا أن معرفة ذلك ترجع -أيضًا- إلى الحفظ والخبرة، وقد تكون متفاوتة جدًا بين أي؛ لغتين مهما كانتا متشابهتين جدًّا في أصولهما التاريخية وبنائهما اللغوي. ويظهر هذا بالمثال الآتي لحروف الجر بالإنكليزية والألمانية: [بالإنكليزية]: I write in German. [بالألمانية]: Ich schreibe auf Deutsch. يماثل حرف الجر "auf" باللغة الألمانية في معظم استعمالاته كلمة "فوق" العربية، وربما يبدو من المدهش أننا لو ترجمنا هذه الجملة آليًّا من الألمانية، سوف تعني -حرفيًا-: "أنا أكتب فوق الألمانية" أو "على الألمانية"، والقصد هو: "باللغة الألمانية". وبالمثل؛ فإن جميع أحرف الجر قد تختلف استخداماتها وسياقاتها، بطريقة لا تتبع نظامًا من الأنظمة. ولو أخذنا حروف الجر العربية مثالًا، فسنجد أن الحرف "في" يأتي بعشرة معانٍ مختلفة بحسب سياقه، ومنها الظرفية (جريتُ في الملعب) والتعويض (فيمَ تُفكِّر؟) والتعليل (دخلت امرأة النار في هرّة حبستها) وغير ذلك. وقد نجد أن حرف الجر in في اللغة الإنكليزية يقابله في معاني الظرفية المكانية والزمانية، ولكنه لا يقابل حرف الجر العربي في وظيفة التعليل والتوكيد وغيرها، ومن المستحيل أن تجد أي حرف جر إنكليزي يماثل "في" أو أي حرف جر عربي يماثل "in" فهذه من خواص اللغات. وهذا يعني أن ترجمة حروف الجرّ ترجع إلى خصوصيّة السّياق، كما يعني أن حروف الجرّ الإنكليزية قد تختلفُ في تعريبها، وقد يصلح أويلزم إهمالها تمامًا، ويتضح هذا إن عدنا للمثال أعلاه فجاز أن نقول: "أنا أكتبُ الألمانيَّة". فوجود حرف جر بلغة أخرى، لا يعني وجوب مقابلته بحرف جر عربي، بل ربما يقتضي البناء السليم للجملة غير ذلك. وينطبق هذا الأمر على كثير من الإضافات التي تختص بها اللغات. الإبداع بالألقاب تقول إحدى الباحثات: «لكل لغة أعرافها في وصف الأفعال وفاعليها، ولا سبيل لغض النظر عن هذه الأعراف في الترجمة، إلا إن أردنا غض النظر عن قارئها -كذلك-».[53] والمقصود هنا هو خصوصية طريقة الإشارة إلى الأسماء (reference) من فاعل أو مفعول به، كأن نقول: "ذهبت لين إلى مدرستها" فتعود على لين تاء التأنيث في "ذهبت" والهاء والألف في "مدرستها" فنعرف أنها هي المقصودة بفعل الذهاب، وأنها ذهبت إلى مدرسة هي طالبة فيها. وقد نلاحظ هنا أن الإشارة المعتادة في العربية تكون بالضمائر، وأما الإنكليزية ففيها إبداع وتفنن كبير بالألقاب. قد تتنوّع طرق الإشارة إلى اسم واحد، فتلقي كل طريقة ضوءًا على سمة من سمات هذا الاسم، فقد تكون الإشارة بضمير أو اسم عادي (رأيته أو رأيتُ الطالب)[54] ومنها ما يأتي باسم مرادف في معناه (رأيتُ التلميذ) أو أعمّ منه (رأيتُ الفتى) أو أخص (رأيتُ مُحمَّدًا)،[55] وفيما يلي مقتطفات من تقرير لقناة فرانس24 العربية فيها عدة إشارات لشخص واحد:[56] تحدث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما السبت إلى طلاب في حفل تخرج افتراضي… وأكد أوباما أن الأزمة الصحية كشفت اللامساواة التي يعيشها الأمريكيون السود… ولا يهاجم الرئيس الديمقراطي السابق -عادةً- دونالد ترامب بالاسم ... تحبّذ اللغة الإنكليزية التنويع في الألقاب[57] للتفنن بها وتشويق القارئ لها، وقد تُألف هذه الألقاب في الأدب الأجنبي فتأتي على شاكلة: "ذهب حسام"، "عاد العجوز"، "جلس المسنّ"، "ابتسم الهَرِمُ الذكي"، "غمزَ ذو اللحية البيضاء". وقد لا يكون هذا الأسلوب التعبيري مألوفًا دومًا للقارئ العربي، وإن لم يكن ذلك من منطلق لغوي فلأنّ مثل هذه الألقاب هي -كذلك- لها طابع ثقافي وقد يكون فهمها صعبًا بدون معرفة مسبقة بالثقافة (كما سيأتي في المقال الأخير). وقد نحفظ بعضًا من الألقاب الواردة في الأصل من باب الأمانة، لكن لعلّ من الحكمة التخفيف منها كلّما أمكن لأن فيها صعوبة كبيرة، خصوصًا إن أتت في نص غير أدبي، فهذه الإشارة ليست قائمة على قواعد النحو الصّرفة، بل تلزم القارئ معرفة ودراية مسبقة لفهمها، فهو لن يعرف معنى "الرئيس الديمقراطي السابق" (في المثال أعلاه) إن لم يسمع من قبل بالرئيس باراك أوباما، وتلزم إزالة الإشارات والألقاب إن كانت متجذرة بثقافة أجنبية تجعل فهمها محالًا على القارئ العربي.[58] الإبدال مثلما تحل الألقاب مكان الاسم الواحد، فقد تخدم أدوات لغوية مخصّصة وظيفة اسمها "الإبدال" (Substitution) أي: أن تحل مكان[59] كلمات أو جمل سبقتها في الكلام، وليس لهذه الأدوات مقابل حقيقي في اللغة العربية؛ لا لأننا لا نستطيع ترجمتها، بل لأنها تهدم في الإنكليزية وظيفة وغرضًا غير موجود بسياقاته نفسها بالعربية.[60] ومن أهم هذه الأدوات كلمتا Do و That. وقد نراها بالترجمة في المثال الآتي: هل تحب السباحة في الطقس البارد؟ نعم، أحبّ ذلك. هل أقفلت باب المنزل؟ نعم، فعلت. وفي المثالين السابقين حلّت كلمة That أو "ذلك" مكان جملة اسمية ("السباحة في الطقس البارد") وكلمة Do أو "فعلت" مكان جملة فعلية ("أقفلتَ باب المنزل")، فعلينا أن نُعرّبهما على هذا الأساس. وقد نُصحّح هذه الترجمة، فنُضيف إلى الجملة الأولى ضمير الغائب (لأنه يعود على الاسم وما يتبعه) فنقول: "نعم، أحبّها". ونُكرّر في الثانية الفعل مع ضميره، فنقول "نعم، أقفلتُه". ترجمة Already يواجه المُعرّب مفردات محددة قد يكثر استخدامها في اللغة الأجنبية بأسلوب يخص ثقافاتها وأسلوبها في التعبير، ومن أكثر الكلمات التي قد تثيرُ حيرته -على هذا الصعيد- "already"، فهي كثيرة الاستعمال والتكرار في اللغة الأجنبية المعاصرة؛ حتى لا تكاد تمضي بضع دقائق من أي فلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني بدونها، على أنها كلمة ليسَ لها مقابل بالسان العربي إلا "بالفعل"، وهي الترجمة التي شاعت لها، إلا أنها لا تنجح تمامًا في نقل معنى الكلمة الأجنبية حرفيًا ولا فعليًا. ولو سرنا على منهج التعريب، فقد نجد حلين للتعامل مع هذه المفردة: الحل الأول هو احتسابها كلمة زائدة لأن وظيفتها توكيدية بحتة، فلا فرق في المعنى الفعلي بين قولك: "I got there already" أو "وَصَلْتُ بالفعل" أو "وَصَلْت"، وأما ما زاد على فحوى الكلام فهو إيحاء إضافي أراده الكاتب بلغته الأجنبية، وهو إيحاء لا مقابل له في العربية، لذا لا حاجة لترجمته ولا فائدة ترجى منه. الحل الثاني هو الاستعاضة عنها بكلمة عربية تصف معناها بدقة أكثر حسب السياق، وهو أن الحدث قد وقع في الزمن الماضي، فلنا أن نقول "وصلتُ سلفًا" أو "وصلتُ منذ بُرْهة" أو "وصلتُ منذ فترة". وقد يصادف المُعرّب كثيرًا من المفردات التي جرت العادة على ترجمتها بطريقة معينة، حتى ولو لم يكن لهذه الترجمة -المألوفة- معنى كبير باللغة العربية. معان خادعة قد يستغرب الناطق باللغة العربية قبل مئات السنين إن قيل له: إن عازفًا "يلعب على العود" أو "يهوى لعب الأدوار بالمسرح". ويكثر في زمننا هذان الاستعمالان بسياقات لا تتوافق مع معنى فعل "لعب"، وربما نعزو هذه المعاني المحدثة إلى ظاهرة لغوية يقال لها -حرفيًا-: "الصداقات الخادعة" (False friends)، والمقصود بها أن يخال المرء أن لكلمة في لغته معناها نفسه بلغة أخرى؛ بسبب تشابه الكلمتين شكلًا أو دلالة، وهذا خطأ دارج يقع -عادةً- في اللغات التي لها أصول متقاربة،[61] لكن ظاهرة الترجمة ساعدت على انتشاره بأسلوب جديد. ومن المستغرب أن يقال عمّن يستعمل آلة العود أنه "يلعبُ عليها" بدلًا من "يعزفَ بها"، والتفسير الراجح لهذا المعنى الجديد هو أن اللغة الإنكليزية تختزل بكلمة واحدة أفعالًا منها اللعب والعزف والتمثيل والتشغيل (وهي play)، فانتقلت معانيها الأخرى إلى العربية -تدريجًا- بالترجمة وتعلم اللغة الأجنبية. وقد تستغرب لو توقفت وتمعنت قليلًا بجملة شاعت بالترجمة مثل: "يلعبُ الوزراء دورًا في السياسة.."، فكيف يصلح فعل "اللعب" فيها؟ على المترجم الجيد أن يستوقف نفسه مرارًا للتفكير بدقة الكلمات التي حفظها واعتادها قبل أن تقفز أنامله لكتابتها أو طباعتها. فمن الأمثلة المتكررة -أيضًا- على المعاني الخادعة في الترجمة فعل Enjoy، والذي يأتي بمعنى "الاستمتاع" وكذلك بنِسْبة صفة إلى الشيء: Amman, a mountainous city, enjoys good weather. [ترجمة حرفية]: تتمتَّعُ مدينة عمَّان الجبلية بطقسٍ لطيف. [ترجمة بتصرف]: تتَّسِمُ مدينة عمَّان الجبلية بطقسٍ لطيف. [ترجمة بتصرف]: لمدينة عمَّان الجبلية طقسٌ لطيف. كما تأتي كلمة special وparticular (ومشتقاتهما) بمعنى التخصيص؛ وكذلك بمعنى الكثرة، فيُقال: Superman was particularly popular during the time of World War II [ترجمة حرفية]: اكتسب سوبرمان شعبية خاصة في فترة الحرب العالمية الثانية [ترجمة بتصرف]: اكتسب سوبرمان شعبية كبيرة في فترة الحرب العالمية الثانية الإطناب والإيجاز يُشبّه صفاء خلوصي المترجم الجديد بــ"غريب تاه في مدينة حل بها حديثًا"، إذ يضرب في شوارعها وميادينها ساعات بدلًا من سلوك الطريق السهل إلى وجهته،[62] ويذكرنا نيومارك أن: «الترجمة الجيدة وجيزة كلما أمكن»،[63] فكل كلمة زائدة ولا تضيف جديدًا هي عبء على الورق والحبر والمحرر والقارئ، وإزالتها تزيد النص بلاغة وتأثيرًا وأما الإطالة والإطناب فيها فتسبب الغموض وصعوبة في استيعاب المعنى.[64] ويستشهد عمر محمد الأمين في كتاب "أساسيات التحرير وفن الكتابة بالعربية" بمثال عن الإيجاز في ذكر الأفعال الدالة على المشاركة الصريحة (ومنها "المنافسة" و"المساجلة")، فيقول: «ومن الخطأ أن يُقال تقاتل الخصمان مع بعضهما؛ لأن الوزن نفسه يدل على المشاركة ولا داعي لذكر (مع بعضهما)"، فيُقال: "تقاتل الخصمان"».[65] ولنا (مثلما يقول نيومارك) أن نميّز بين المترجم الجيد والمترجم المبتدئ بعدد الكلمات التي يترجمان بها جملة واحدة. وفيما يأتي اقتباسٌ من ترجمة لكتاب: "أثر العلم في المجتمع" للفيلسوف الشهير برتراند رسل:[66] (مع تحرير لها):[67] إذا اعتقدتَ أن قيصر قام بعبور نهر الروبيكون فإن اعتقادك صحيح لأن قيصر قام بعبور الروبكيون فعلًا. إذا اعتقدتَ أن قيصر عَبَرَ نهر الروبيكون فاعتقادُكَ صحيح، لأنه عَبَره حقًّا. وتركيبة "قُم بكذا" أو "قام بكذا" ليست شائعة في الترجمة فقط، بل هي -أيضًا- متداولة على ألسنة الناس في كثير من اللهجات العامية مثل: "قاعد عم أمشي" (أنا أمشي). ولا بأس في هذا بالكلام المحكي، ولكنه يجعل الكتابة أقل بلاغة ويضيّع وقت القارئ سدى، إذ تقول القاعدة إن: «كل ما يحذف من غير إخلال بالمعنى يكون أبلغ».[68] ومن المفيد جدًّا تحرير الترجمة لتتبّع الكلمات الزائدة وحذفها، ففيما يلي أمثلة أخرى متداولة على ما قد تصادفه من كلام زائد: "هذا يشكّل خطرًا" ← "هذا خطير" "ذلك يستلزم التعريب" ← "يلزمُ تعريبه" "يحتوي الكتاب على فصول" ← "الكتابُ فصول" "هناك نوعان من الإحباط" ← "الإحباطُ نوعان" "قُمْ بتغيير العجلة" ← "غيِّر العجلة" الغموض إحدى المشكلات الابتدائية التي يهتم بتقصيها علم الدلالة (وهو من فروع اللغة) هي ما نسمّيه الغموض اللغوي، والمقصود به أن يحتمل الكلام أكثر من معنى. وعادة ما يكون المعنى المقصود بالكلام واحدًا، ولو ضل عنه القارئ فهذا خطأ يقع على عاتق الكاتب (وهو في حالتنا المترجم)، وهو ما قد يأتي من الكتابة غير الناضجة أو غير الواعية. لو قيل -مثلًا-: "زار علاء حديقة المدينة الجديدة"،[69] فقد يجد القارئ المتعمق صعوبة في تحديد الموصوف هنا، إذ ربما يكون المقصد أن ما زاره علاء هو "حديقة جديدة" في مدينة، كما يمكن أن يكون حديقة في "مدينة جديدة". وبإمكاننا أن نحاول تخمين الصحيح منهما من السياق، ولكن الجملة ليس فيها أي دلالة حتمية على المعنى مهما حللناها، مما قد يؤدي -أحيانًا- إلى غموض وحيرة كبيرين. ولنا أن نعالج حالة واقعية تسببت فيها ترجمة رديئة بغموض لغوي يفسد تجربة القارئ، فنقتبسُ الآتي من ترجمة عربية لكتاب لعالم الفيزياء الأمريكي "ريتشارد فاينْمَان" عنوانه "متعة اكتشاف الأشياء" (Pleasure of Finding Things Out):[70] لي صديق فنان كان يلتقط -أحيانًا- صورة لمنظر قد لا أوافق عليه تمامًا. كان يمسك بالوردة ويقول: "انظر كم هي جميلة، وأوافق معه. ثم يقول: "ألا ترى، أنا كفنان أستطيع أن أرى كم هي جميلة ولكن أنت كعالم عندما تجرّدها من هذا كله" تصبح شيئًا باهتًا، وأنا أعتقد أنه غريب الأطوار. وقد لا يطول بك الأمر حتى تلاحظ أن في هذا النص مشكلات لغوية كثيرة فيكاد لا يُقرأ؛ وليس على القارئ أن يظن السبب في ما سلف أن هذا الاقتباس قطع من سياقه، وإنما ما اقتُبس -أعلاه- هو الفقرة الافتتاحية من كتاب "ريتشارد فاينمان" بترجمته العربية. غموض بصري مشهور في رسم من رسومات قصة "أليس في بلاد العجائب"، إذ قد يظهر فيه الكائن الذي يدخّن النارجيلة وكأنه رأس رجل له ذقن وأنف نحيلان وبارزان، أو وكأنه دودة قزّ برز رأسها وساقان من سيقانها. - منشورة ضمن الملكية العامة. المصدر: ويكيميديا كومنز تبدو الجملة الأولى واضحة تقريبًا، إذ يقول ريتشارد أن لديه صديقًا يهوى التصوير ويظهر أنه يلتقط صورًا لـ"مناظر" طبيعية، ولسبب ما فإن فاينمان "لا يوافق تمامًا" على هذه المناظر، ولكن، ما هو الذي لا يوافق عليه فاينمان في المنظر أو الصورة؟ يُفضل المترجم أن يتركنا حائرين على أن يُقدم لنا أي تفسيرًا، وهنا تكمن مشكلة الغموض الأولى.[71] تأتي المشكلة الثانية في استخدام علامات الترقيم (فثمة أسباب جيدة تُفسّر ولع الأساتذة بها، وإلا لامتلأت صفحات الكتب غموضًا وألغازًا). ويرتكب المترجم هنا خطأ كبيرًا هو عدم فصل الحوارات بعلامات الترقيم الصحيحة، فلا يتضح لنا من علامات التنصيص متى يتحدّث فاينمان، ومتى يتحدَّث صديقه الفنان، وقد نحاول استنتاج هذا من السياق. وأما أكثر ما ينبغي التركيز عليه هنا هو العبارة الأخيرة، التي تقول: "وأنا أعتقد أنه غريب الأطوار". فهل يمكن لقارئ حذر أن يُحدد من هو أو ما هو الشيء غريب الأطوار في النص؟ علينا أن نرجع إلى الاقتباس، وندرُسَ الاسم الذي يعود عليه كل ضمير فيه لنحل مشكلة الغموض، إذ على الضمير بالعربية أن يرجع دائمًا على آخر اسم ذُكرَ في الجملة. وتُصرّف اللغة العربية الضمائر للجنس بتذكيرها وتأنيثها مما يساعدنا على تجاوز هذه المشكلة أحيانًا (على عكس الإنكليزية)، فيمكنكَ القول: "شعرت سارة بالسعادة لأن محمدًا زارها اليوم" فتعود كلمة "زارها" على سارة. ولكن في هذا النص اسمان مختلفان من الجنس نفسه قد يعود عليهما الضمير، إذ يقول: «ولكن أنت كعالم عندما تجردها من هذا كله تصبح شيئًا باهتًا، وأنا أعتقد أنه غريب الأطوار»، وكما ترى، يمكن لاصطلاح "غريب الأطوار" أن يعود على "الشيء الباهت" أو على صديق "ريتشارد فاينمان"، فأيهما هو المقصود؟ نجد حين العودة إلى الأصل الأجنبي أن المقصود لم يكن أيًّا منهما، فما قاله ريتشارد فاينمان هو أن محاججة صديقه أو وجهة نظره تنم عن "غرابة الأطوار" عامة. وكان يمكن للمترجم أن يتنازل ويوضح هذه الجملة بأن يكتب: «"أنت عالم فتجرّد الوردة من كل جمالها لتُصبح شيئًا باهتًا"، وأنا أعتقد أن ما يقوله كلام غريب الأطوار». وإذا وضع المترجم نفسه مكان الكاتب والمُعرّب، فعليه الانتباه إلى تفاصيل ما يكتبه وإلى ما قد يحصل لقُرّائه من سوء فهم، على عكس ما رأينا من أمثلة هاوية. وهذه المهمّة ليست سهلةً أبدًا، فالمترجم ينغمس بقراءة نص أجنبيّ ثم عليه أن يخرج من غمار هذا النصّ ليكتب بقلم عربيّ، ولهذا فلا يمكنه أن يكتفي بدراسة اللغة كمفردات وجمل، بل عليه أن يعد نفسه لدراستها على مستوى ثقافة أجنبية مكتملة الأركان. _____ اقرأ أيضًا المقالي التالي: تعريب تراكيب اللغة المقال السابق: تعريب الثقافة: مسائل لغوية في الترجمة
    1 نقطة
  17. بعد أن تطرّقنا خلال الجزأين السّابقين إلى مجموعة من الأخطاء القاتلة التي ستقضي على شركتك النّاشئة، نختم اليوم بمجموعة أخيرة من الأخطاء التي يجب عليك تجنّبها إن رغبت في أن تعطي لشركتك النّاشئة فرصة للنّجاح. يُمكنك الوصول إلى الجزأين السّابقين من هنا: 18 خطأً سوف يقضي على شركتك الناشئة – الجزء 1 18 خطأً سوف يقضي على شركتك الناشئة – الجزء 2 13- الحصول على تمويل أكبر من اللازم من الواضح أن الحصول على تمويل قليل قد يرهن مُستقبل شركتك النّاشئة، لكن هل هناك ما يُمكن وصفه بـ "تمويل أكبر من اللازم"؟ نعم ولا. المشكلة الحقيقة لا تكمن بالمال بحدّ ذاته ولكن بالأشياء الأخرى التي تأتي معه. فكما قال أحد المُستثمرين في حديث له في YC: "اللحظة التي ستأخذ فيها عدة ملايين من أموالي، سيبدأ العدّ التنازلي"، إن قام مُستثمر مال جريء بتمويلك فلن يقبل أن تضع المال في البنك، لكن سيرغب منك أن تُوظّف هذا المال(6). على الأقل سوف تنتقل إلى مكتب لائق وسوف توظّف المزيد من الأشخاص الأمر الذي سوف يغير الأجواء قليلًا وقد لا يكون التّغيير إيجابيّا دائما. فغالبية من ستُوظّفهم لن يكونوا "مُؤسّسين" بل مُجرّد موظفين، ولن يكونوا مُلتزمين بالقدر الكافي وإنما سيحتاجون إلى أن تخبرهم على الدوام ما يجب فعله. ولكن قد يكون الأمر أخطر من ذلك، فعندما تحصل على استثمار سيصبح من الصعب تغيير مسار الشركة. لنفترض أن خطتك المبدئية هي أن تبيع مُنتجك للشركات، وبعد أن تأخذ المال من المُستثمرين سوف تقوم بتوظيف مندوبي مبيعات للقيام بذلك ولكن ما الذي سيحصل إن تبين لك بعد ذلك أنه يجب إعادة توجيه شركتك واستهداف المستهلكين مباشرةً عوضًا عن الشركات المختلفة؟ فتقنيات المبيعات المُوجّهة للأفراد تختلف كلّيّة عن المبيعات المُوجّهة للشّركات. لكن ما يحدث في حقيقة الأمر بأنّك لن تشعر أصلّا بضرورة تغيير وجهة الشّركة النّاشئة، فكلما كان لديك عدد أكبر من المُوظّفين ستظل في نفس التّوجّه وسيصعب عليك تغييره. إحدى عقبات الاستثمارات الكبيرة هي الوقت الذي تستغرقه فكلّما كبر حجم الاستثمار الذي ترغب في تحصيله كلما زادت المدّة اللازمة للقيام بذلك(7). فعندما يصل مجموع الاستثمار الذي ترغب في الحصول عليه إلى الملايين عندئذٍ يصبح المستثمرون متحفظين بشكلٍ كبير. وبدل أن يُجيبك المُستثمر بالإيجاب أو النّفي فإنه سيدخلك في نقاشات ومتاهات لا مُتناهية. الحصول على استثمار كبير هو أمر مُرهق أيضًا وقد يكون عملية أعقد من بناء شركتك النّاشئة نفسها. وآخر شيء ترغب فيه هو أن تُضيّع وقتك في النّقاش مع المُستثمرين في حين أن مُنافسيك يقومون ببناء مُنتجاتهم. عادة ما ننصح روّاد الأعمال الذي يسعون للحصول على تمويل جريء أن يقبلوا بأول صفقة جيدة يحصلون عليها، فإن حصلت على عرض من VC محترمة مع تقييم معقول لقيمة الشّركة ودون أي شروط غريبة فعليك القبول به والشروع في بناء الشركة (8). فمن يهتم إن أمكنك الحصول على صفقة أخرى أفضل بـ 30%؟ اقتصاديًا تعدّ الشركات الناشئة لعبة إما أن تحصل فيها على كل شيء أو لا شيء، وتعدّ لعبة القط والفأر مع المستثمرين مضيعة للوقت بشكل كامل. 14- سوء إدارة المستثمرين كمؤسس، عليك أن تقوم بإدارة مستثمريك. يجب عليك عدم تجاهلهم لأنّهم قد يطرحون عليك أفكار جيدة، ولكن في المقابل يجب ألا تدعهم يديرون الشركة فهذه مهمّتك أنت. فإن كان لدى هؤلاء المستثمرين البصيرة الكافية لإدارة الشركات التي يمولونها فلماذا لم يقوموا بإنشاء هذه الشّركات؟ غالبًا ما يكون إغضاب المستثمرين بتجاهلهم أقل خطرًا من ترك دفّة القيادة لهم. ففي بداية شركتنا الناشئة ارتكبنا خطأ واستُنزف مقدار كبير من طاقتنا في الجدال مع المستثمرين بدلًا عن العمل على المشروع. ولكن وعلى الرغم من ذلك كان هذا الأمر أقل تكلفة من الإذعان لهم وهو أمر كان من المُمكن أن يُدمّر الشركة بأكملها. ومن الأفضل على المؤسس الواثق من عمله أن يصرف فقط نصف اهتمامه على المنتج، بدلاً من أي يصرف كامل تركيزه على المُستثمر الذي لا يدري ما يجب عليه عمله. وغالبًا ما ترتبط صعوبة إدارة المستثمرين بقدر الاستثمار الذي حصلت عليه، فعندما تحصل على استثمار مال جريء VC فغالبًا ما يحظى المستثمرون بقدرة كبيرة على التحكم بك، فإن كانوا يحظون بالأكثرية في مجلس إدارة الشركة فهم حرفيًا سوف يصبحون أرباب عملك. ولكن في الحالات العادية عندما يكون كلاّ من المؤسس والمستثمر متساوين سوف يعود القرار إلى أعضاء مجلس إدارة خارجيين محايدين، وعندئذٍ كل ما يحتاج المستثمرون القيام به هو إقناعهم ليبسطوا سيطرتهم على الشركة. إن جرت الأمور بشكل جيد لا يجب القلق من أمور كهذه، وإن كُنت تتقدم بشكل سريع سيتركك معظم المستثمرون تعمل لوحدك، ولكن قد لا تجري الأمور بشكل سلس دائمًا في الشركات الناشئة. فقد قام المستثمرون بخلق بعض المشاكل لأكثر الشركات نجاحًا على الإطلاق، ويعدّ أحد أهم الأمثلة على الموضوع هي شركة Apple فقد كان يعصف قرار مجلس إدارة الشركة بطرد ستيف جوبز من أي يعصف بالشّركة، ويبدو بأن Google عانت أيضًا مع مستثمريها في بداياتها. 15 - التضحية بالمستخدمين بهدف تحقيق أرباح مُحتملة : عندما ذكرت في البداية أنك ستكون بخير ما دمت تقوم بما يريده المستخدم قد تكون لاحظت أنني لم أذكر أي شيء عن نموذج العمل الأمثل، وذلك ليس لأن المال غير مهم. وبالمقابل أنا لا أقترح أن يقوم المؤسسون بإطلاق شركات ناشئة دون أن تكون لديهم أدنى فرصة لتحقيق أرباح منها. يعود السبب في قولنا للمؤسسين بألا يهتموا لنموذج العمل في البداية هو أنّ صناعة ما يريده الناس يعدّ أصعب بكثير. لا أدري تمامًا ما هو السبب الذي يجعل صنع ما يريده الناس صعبًا لهذه الدرجة في الوقت الذي يجب أن يكون مباشر وسهل، وبإمكانك تمييز مدى صعوبته لقلة الشركات الناشئة التي تستطيع القيام به. وعليه وبما أن صنع ما يريده الناس يعدّ أصعب بكثير من التّربّح منه فعليك أن تهتم بنموذج العمل لاحقًا. تمامًا مثلمًا ستؤّخر إطلاق بعض الخصائص إلى الإصدارات القادمة من المُنتج . عليك في نسختك الأولى من المشروع أن تحل المُشكل الجوهري، ويعدّ المُشكل الجوهري في الشركات الناشئة هو كيفية إنشاء الثروة (وهي حاصل ضرب "ما مدى رغبة الأشخاص بشيء ما" بعددهم)، وليس كيفية تحويل تلك الثروة إلى مال. الشركات التي تُحقّق نجاحًا هي التي تضع المستخدم بالدرجة الأولى وأحد الأمثلة هي شركة Google، فقد كانوا قد اهتموا أولًا بصنع محرك بحث ومن ثمً فكروا كيف يمكنهم الربح عن طريقه. ومع ذلك هناك بعض المؤسسيين الذين ما يزالون يرون أنّه من السخف عدم التركيز على نموذج العمل منذ البداية، وغالبًا ما يشجعهم على ذلك مستثمرون كانوا قد حصلوا على خبرتهم من مجالات معروفة بقلّة مرونتها. الأمر بهذه البساطة، بالطبع إنه من الاستهتار عدم التفكير بنموذج العمل، إلا أنّه من السخف بعشرة أضعاف عدم التفكير بالمنتج أولًا. 16- عدم الرغبة في الغوص في تفاصيل الجوانب غير التّقنية معظم المبرمجين يفضلون أنّ يقضوا أوقاتهم في البرمجة عوضًا عن الانشغال والتّفكير في طريقة جنّي الأموال من ذلك، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الكسالى منهم. ومن الظاهر أنّ لاري وسيرجي كانت قد أصابتهما الحمى نفسها في البداية، فالأمر الوحيد الذي فكروا فيه بعد تطويرهم لخوارزمية البحث الخاصّة بهما، الخطوة التي كانوا سوف يقومون بها هي أن يبيعوها لإحدى الشركات. من الواضح أنّ لا أحد يجد متعة بإنشاء شركة جديدة، فمعظم المُبرمجين يفضلون أن تكون لديهم أفكار فحسب. ولكن اكتشف الثنائي لاري وسيرجي أنّه لا يوجد سوق للأفكار فحسب، فلا يوجد من يثق بفكرة مجردة فقط، بل عليك أن تدمجها مع منتج وتستخدمها كي تحصل على قاعدة مستخدمين كبيرة وهنا فقط سوف تحصل على مقابل مادي كبير. قد يتغير هذا الأمر يومًا ما ولكن لا أظنّ أنّ التغيير سيكون كبيرًا، لأنّه لا يوجد شيء مثل قاعدة مُستخدمين كبيرة لكي يقتنع المُستثمرون. الأمر لا يقتصر على تقليص الخطورة فحسب وإنما يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ المُستثمرين هم أشخاص وسيصعب عليهم أنّ يدفعوا ملايين الدولارات لمجموعة من الشباب فقط لكونهم أذكياء. ولذلك عندما يرون أنّ الفكرة مطبّقة في شركة ما مع الكثير من المستخدمين سيسهل عليهم تقبل الأمر لأنهم في هذه الحالة يدفعون مقابل المستخدمين وليس مقابل الذكاء فحسب (9). ولكن إن أردت جذب مستخدمين عليك أنّ تبحث عليهم بعيدًا عن حاسوبك، قد لا يكون هذا العمل مريحًا لك ولكنك إن أجبرت نفسك عليه سيكون لديك فرصة كبيرة في النجاح. في الدفعة الأولى من الشركات الناشئة التي مولناها، كان كل المؤسسين يقضون معظم أوقاتهم في تصميم تطبيقاتهم، ولكن واحد منهم فقط كان يقضي نصف وقته في الاجتماعات والحديث مع المدراء التنفيذيين لشركة هواتف محاولًا ترتيب صفقات معهم. هل يمكنك تخيّل عمل أصعب من هذا بالنسبة لمبرمج؟ (10) ولكن عمله هذا أثمر نتائج رائعة لأن شركته الناشئة حقّقت نجاحًا مذهلًا. ببساطة إن أردت لانطلاقة شركتك الناشئة أن تكون ناجحة عليك أن تقتنع أنّه لا يكفي التخصص بالأعمال البرمجيّة وإنما يتوجب على أحد المؤسسين أنّ يقوم بالأعمال التجاريّة أيضًا. 17- المشاكل بين المؤسسيين تعدّ المشادّات بين المؤسسيين إحدى الأمور التي تحصل بشكل دائم، نحو 20% من الشركات الناشئة التي مولناها غادرها أحد مؤسسيها. ومع هذا، خسارة أحد المؤسسيين ليس من الضروري أن يعني فشل الشركة الناشئة، فالعديد من الشركات الناجحة تعرضت لأمر مشابه (11). فغالبًا ما يغادر أقل المؤسسيين التزامًا، فإن كان هناك ثلاث مؤسسيين مثلًا فسوف يغادر أقلهم حماسة للعمل. ولكن إن كان هناك مؤسسيين اثنين وغادر الشخص ذو المهارات التقنية الناقدة فهنا تكمن مشكلة أكبر، ولكن حتى هذا الأمر يمكن تجاوزه. فعلى سبيل المثال Blogger في إحدى مراحلها اقتصرت على مؤسس واحد، ولكنها عادت للازدهار من جديد. معظم الخلافات التي رأيتها بين المؤسسيين كان بالإمكان تجنبها إن تم اختيار الشّريك المُؤسس بتأنٍّ ورويّة، فمعظم هذه الخلافات لا تتعلق بوضع معين وإنما بالأشخاص أنفسهم، وبالتالي هو أمر محتوم. معظم المؤسسيين الذين انتهوا بهذه الطريقة غالبًا ما كان لديهم بعض الشكوك التي أخفوها عندما بدأت الشركة. وعليه، لا تكبت مخاوفك أبدًا، فمن الأسهل حل المشاكل قبل إطلاق الشركة منه بعد أن تُطلق. وهناك بعض النصائح الأخرى، فمثلًا لا تشرك زميلك في السكن في شركتك الناشئة لمجرد أنك تخشى أن يشعر أنّه منبوذ لو لم تضمّه إلى فريقك. إضافة إلى ذلك لا تعمل مع أحدّ لا تحبه فقط لأنّه يمتلك خبرات أنت في حاجة لها وتتخوف من عدم القدرة على إيجاد شخص آخر. وبما أن الأشخاص هم المُكوّن الأساسي في انطلاقة شركتك الناشئة، فيجب أن تأخذ الأمر على محمل الجد. 18- العمل بتركيز جزئي فشل الشركات الناشئة التي تسمع عنها بشكل كبير غالبًا ما تكون عبارة عن فشل ذريع، ويمكن تسميتها بالفشل النخبويّ ولكنهم ليسوا أكثر الأنواع شيوعًا. فهنالك العديد من الشركات الناشئة التي تفشل ولا نسمع عنها أبدًا، من الممكن أن يكون بضعة شباب قد أطلقوها كمشروع جانبي يعملون عليه بعد الخروج من وظائفهم النّهارية، هذه المشاريع الجانبية لم تتطور أبدًا ونبذوها في آخر المطاف. وفقًا للإحصائيات، إن أردت تجنب الفشل يجب عليك أن تكرس نفسك بشكل كامل لشركتك الناشئة، فمعظم من فشل احتفظ بوظيفة نهارية إلى جانب الاهتمام بشركته ومن نجح منهم تفرغ بشكل كامل لها. فإن كانت الانطلاقات الفاشلة هي مرض فإن الحفاظ على وظيفة نهارية هو أحد مُسبّباتها. وهنا يطرح السؤال نفسه، هل يتوجب عليك التخلي عن وظيفتك النهاريّة؟ ليس بالضرورة. لست متأكّدًا من الأمر لكن يبدو لي بأن معظم الأشخاص الذين يودون أن يؤسسوا شركة يعلمون بأن الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا جدًا، وأنّهم لا يملكون الحزم الكافي للقيام بذلك، وهو يعلمون ذلك، وما يمنعهم من أن يستثمروا كامل وقتهم بهذا الأمر هو أنهم يعلمون مسبقًا أنه استثمار فاشل (12). كما أنني أعتقد أنّ شريحة كبيرة من المؤسسيين كان يمكن أن يقدّر لهم النجاح لو أنّهم التزموا بشكل كامل بشركاتهم الناشئة لكنهم لم يفعلوا ذلك. وأتوقّع أيضًا أن عدد المؤسسين الذين كان بإمكانهم النّجاح إن هم تفرّغوا لمشاريعهم بشكل كامل سيكون أكبر بكثير من عدد الذين ينجحون فعليًا (13). وإن صدق هذا الأمر، فإنّ معظم الشركات الناشئة فشلت لأن مؤسسيها لم يكرسوا لها وقتهم بالكامل، وهذا الأمر يطابق الواقع فعليًا. نصل إلى نتيجة أن معظم الشركات الناشئة تفشل لأنها لا تنتج ما يريده الناس، والسبب الذي يجعلها تفشل بذلك هو أنّ مؤسسيها لا يحاولون بما فيه الكفاية. أخيرًا، إنّ إطلاق شركة ناشئة هو كغيره من الأعمال، فإن لم تحاول بما فيه الكفاية وتبذل قصار جهدك ستكون هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير وعليك ألا تنكر أنّ هذا هو سر النجاح. الهوامش: [6] بما أنّ الناس يظنون أننا مستثمرون مُغامرون VC أودّ أن أنوه إلى أننا لسنا كذلك لأن VC تستثمر كميات كبيرة من أموال أشخاص آخرين، بينما نقوم نحن بالتمويلات الصغيرة ولكن من مالنا الخاص مثل المستثمرين الملائكة [7] ليس بشكل خطّي طبعًا لأنه سيأخذ الكثير من الوقت للحصول على 5 ملايين دولار [8] قد تقوم بعض شركات الاستثمار VC بإعطائك تقييمًا منخفضًا وذلك كي يعرفوا إن كنت جريئًا بما فيه الكفاية لطلب المزيد. وإنه لمن المعيب أن تقوم شركات الاستثمار بألاعيب كهذه ولكنهم يفعلون. فإن تعاملت مع إحدى هذه الشركات ارفع سقف التقييم قليلًا. [9] فلنفترض بأن مؤسس YouTube ذهب إلى شركة Google في عام 2005 وقال لهم أنّ Google Video مصممة بشكلٍ سيء، أعطوني 10 مليون دولار وسأصحح لكم كل الأخطاء، لو فعلوا ذلك لكانوا استهزؤوا به استهزاء تاريخياً. ولكن بعد ذلك بثمانية عشر شهرًا دفعت جوجل 1.6 مليار دولار لتحصل على نفس العرض وذلك لأنهم لم يستطيعوا تحديد ما إن كانوا يشترون ظاهرةً ما أو مجتمعًا أو شيء غامض شبيه بذلك. ولا أريد أن أقسو على شركة Google فقد كان بلاؤها أفضل من منافسيها الذين على الغالب فاتهم قارب مقاطع الفيديو نهائيًا. [10] بالحقيقة كان التعامل مع الحكومة، إلا أنّ شركات الهواتف كانت مرتبطة أيضًا. [11] أكثر بكثير مما يتوقعه الناس وذلك لأن الشركات لا تسوق لأمر كهذا. هل كنت تعلم أنّ شركة Apple كان لديها ثلاث مؤسسيين؟ [12] لا أريد انتقاد هؤلاء الأشخاص، فأنا لا أملك التصميم أيضًا. فقد كنت قريبًا من إطلاق شركتي الناشئة الخاصة مرتين منذ Viaweb وفي كلا المرتين انكفئ عن فعل ذلك لأنني استنتجت أنه بدون نكزه فقر لن تكون لدي الرغبة بخوض قسوة ضغط الشركة الناشئة. [13] يطرح السؤال نفسه، كيف يمكن أن نعرف إن كنا من شريحة الأشخاص التي يتوجب عليها التخلي عن عملها اليومي، أو من الشريحة التي من المحتمل أن تكون الأكبر والتي لن يتوجب عليها فعل ذلك؟ لقد وصلت لنتيجة أنه من الصعب على الشخص أن يحكم على نفسه وإنما عليه الحصول على نصيحة خارجيّة قبل الشروع بتقرير أي شيء. قد نرى في أنفسنا مستثمرين ولكن عليك أن تنظر للأمر من وجهة نظر أخرى فقد وفرت شركة Y Combinator خدمة لتقديم النصيحة للأشخاص حول التخلي عن عملهم النهاري أم لا. قد نكون مخطئين ولا شكّ في ذلك ولكننا على الأقل نراهن بالمال على استنتاجاتنا. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الثالث من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham
    1 نقطة
  18. بعد أن تطرّقنا في الجزء السّابق إلى مجموعة من الأخطاء التي تُعجّل بالقضاء على شركتك النّاشئة، نواصل اليوم مع مجموعة أخرى من هذه الأخطاء. إن لم يسبق لك قراءة الجزء الأول، فمن الأفضل أن تشرع في قراءته أوّلا. 7- اختيار المنصة (Platform) غير المُناسبة إحدى المشاكل المُرتبطة بتوظيف مبرمج سيء هو اختيار منصة غير مناسبة. فعلى سبيل المثال أعتقد أنّ العديد من الشركات الناشئة خلال تلك الفترة قضت على نفسها عندما قرّرت بناء تطبيقات تعتمد على خواديم Windows. ما لا يعلمه الكثيرون هو أن خدمة البريد الإلكتروني Hotmail واصلت العمل على نظام FreeBSD سنوات عديدة بعد شراء Microsoft لها وذلك لأن خواديم Windows لم تستطع التّعامل مع الحمل، فلو اختار مؤسسو Hotmail نظام Windows فلربمّا قد يكون ذلك سبب فشلهم. كانت PayPal على وشك أن تواجه هذه المشكلة، لكنّها تجّنبتها. فبعد أن اندمجت مع X.com أراد المدير التنفيذي الجديد أن ينتقل إلى خواديمWindows ولكن لحسن حظهم بعد أن بيّن ماكس ليفشن المؤسس الشّريك لخدمة PayPal أن أداء تطبيقهم على نظام Windows لن يتجاوز 1% من أداء التّطبيق على نظام Unix قامت Paypal باستبدال المدير التنفيذي عوضًا عن نظام التشغيل. تُعتبر كلمة "منصّة" غامضة بعض الشّيء، فيُمكن أن تعبّر عن نظام تشغيل أو لغة برمجة أو إطار عمل مبني على لغة برمجة ما، لكنّها تدّل على "أمر" يدعم ويكبح في نفس الوقت وهو أمر شبيه جدًا بأساس المنزل. ولكن الأمر المخيف في المنصات هو أن بعضها يبدو لغير المحترفين جيّدًا وخيارًا معقولًا ومع هذا سوف يقضي عليهم إن اختاروه مثل Windows في تسعينيات القرن الماضي. تُعتبر Java applets مثالًا آخر عن الأمر حيث كان يُفترض بها أن تكون الطريقة الجديدة في نشر التطبيقات، ولكنها بالعوض عن ذلك قامت بالقضاء على 100% من الشركات الناشئة التي آمن أصحابها بذلك. وهنا يأتي السؤال: كيف تختار المنصة الأنسب؟ الطّريقة الأفضل هي توظيف مبرمجين جيدين وترك لهم حرّيّة الاختيار، ولكن هناك خدعة صغيرة يمكنك القيام بها إن لم تكن مبرمجًا وهي زيارة أحد أشهر الأقسام المختصة بعلوم الحاسوب و معرفة أي منصّة يستخدمون في مشاريع البحث العلمي. 8- البطء في إطلاق الشركة الناشئة تعاني الشركات بمختلف أحجامها من صعوبة إنهاء برمجياتها، فالأمر له علاقة وثيقة بطبيعة البرمجيات في حدّ ذاتها، فأغلب البرمجيات التي يعمل المُبرمجون عليها ستصل مع بعض الجهد إلى نسبة 85% منها، لكن يتطلّب إنهاؤها وإيصالها إلى المستخدمين إلى عزيمة قويّة وإلى جُهد مُضاعف (3). تؤخّر الشركات الناشئة تأجيل إطلاق مُنتجاتها متذرّعة بأسباب شبيهة بالأعذار التي يُطلقها البشر في حياتهم اليوميّة. “هناك ما يجب القيام به قبل إطلاق المُنتج" هذا ما يقوله الجميع. لكن هناك من الشّركات النّاشئة من قد تؤجّل الانطلاق حتّى ولو كانت كل الأمور الضرورية قبل الانطلاق جاهزة. إحدى إيجابيات الإطلاق المبكر للمُنتجات هو أنّه يدفعك دفعًا إلى إنهاء أعمال يتوجّب القيام بها. فما يجب أن تأخذه في الحسبان هو أنه لا يُمكن للمُنتج أن يُصبح "جاهزا" أو أن يُصبح العمل مُنتهيّا ما لم يتم الإطلاق أولًا. ويمكنك ملاحظة ذلك من خلال كميّة الأعمال الواجب القيام بها قبل إطلاق أي شيء أو مشروع مهما صغر حجمه وذلك بغض النّظر عن الجاهزيّة التي تظنّ أنك قد حصّنت مشروعك بها. الأمر الآخر الذي يقتضي إطلاق شركتك الناشئة مبكرًا هو أنك لن تتمكن من فهم فكرتك بشكل كلّي دون مشاركتها مع المستخدمين. تظهر بعض المشاكل بشكل جلّي كمُسبّبات للتأخير في عملية الإطلاق نذكر منها العمل البطيء جدًا، عدم فهم صلب المشكلة، الخوف من التعامل مع المستخدمين، الخوف من الانتقاد السلبي، العمل على الكثير من الأشياء في وقتٍ واحد، وأخيرًا سعيك إلى الكمال المطلق. ولحسن الحظ يمكنك محاربة هذه المشاكل عن طريق دفع نفسك إلى إطلاق شركتك الناشئة بشكل سريع نسبيّا. 9- إطلاق الشركة بشكل مُستعجل (سابق لأوانه) من المرجّح أنّ إطلاق الشركات الناشئة ببطء قضى على المئات من الشركات مقارنّة بالإطلاق المبكر السّابق لأوانه، ولكن في المقابل عليك الحذر من إطلاق شركتك بسرعة أيضًا وذلك لأنّ خطورته تكمن في القضاء على سمعتك. فعندما تقوم بإطلاق شركتك الناشئة بشكل مُبكّر وسابق لأوانه فإنّك ستخسر أوائل المُستخدمين الذين سيجرّبون المُنتج الذي لن يرتقي إلى مُستوى تطلّعاتهم. وهنا يطرح السؤال نفسه، ما هو الحد الأدنى الذي يُمكن للشّركة النّاشئة الانطلاق به، بمعنى ما هو الحدّ الفاصل (من حيث بناء المُنتج، خصائصه ونضجه) الذي ينقل المُنتج من مرحلة الإطلاق السّابق لأوانه إلى مرحلة الإطلاق المُناسب؟ ما أقترحه هو أن تُحدّد الشّركة النّاشئة نواة ما ترغب في القيام به والذي يُفترض به أن يكون مُفيدًا في حد ذاته (يعني النّواة صالحة للاستخدام لوحدها) ويُمكن البناء عليه والتّوسع لاحقًا للوصول إلى كامل المشروع، ومن ثم العمل على إنهاء تطوير هذه النّواة في أقرب فرصة مُمكنة. وهذا هو المنهج الذي أتبعه أنا ويتّبعه العديد من المبرمجين الآخرين في كتابة البرمجيات. ابدأ بالتفكير بالهدف المنشود ومن ثمّ ابدأ بكتابة أصغر وأقصر شيفرة مُمكنة تجعل البرنامج يُنفّذ مهمّة مُعيّنة، وبحكم أن الأمر يتعلّق بجزء صغير من المشروع فإنّك لن تُضيّع أي وقت مع ذلك بحكم أن كتابة هذا الجزء ضروري لكتابة كامل التّطبيق. كتابة هذا الجزء الصّغير يلعب دورين: سيرفع من معنوياتك بحكم أنّك كتبت برنامجًا صغيرًا يُنفّذ مهمّة مُحدّدة، كما أنه سيُساعدك على رؤية الأمور بشكل أوضح ومعرفة الطّريقة التي يجب على باقي أجزاء البرنامج أن تعمل عليه. ما يجب أن تضعه في الحسبان هو أن أوائل المُستخدمين الذين سيهرعون إلى تجربة مُنتجك عادة ما يكونون "مُتسامحين" جدًا، فبحكم طبيعتهم التي تدفعهم إلى تجربة المُنتجات الجديدة فهم يعرفون بأنه لا يُفترض بمُنتج القيام بكل شيء وأن يحتوي على جميع الخصائص التي يُمكن التّفكير فيها، لكن في المُقابل يجب على المُنتج أن يقوم على الأقل بوظيفة واحدة وبشكل جيّد. 10- عدم وجود فئة مُحدّدة من المُستخدمين المُستهدفين لا يمكنك بناء مُنتجات ستنال إعجاب المستخدمين إذا لم تفهمهم أوّلًا. مثلما أشرت إليه سابقًا، معظم الشركات الناشئة نجحت بسبب انطلاقها من مُحاولة إيجاد حل لمشكلة واجهت المؤسسين أنفسهم. يُمكننا أن نلخّص الأمر في هذه القاعدة: مقدار النّجاح/ الثروة التي تبنيها تتناسب طردًا مع مقدار فهمك للمشكلة التي تحاول حلّها، والمشاكل التي تفهمها بالشكل الأفضل هي المشاكل التي تواجهك شخصيّا.(4) وتبقى هذه القاعدة مجرد نظرية ولكن ما يُقابلها ليس مُجرّد نظرية بل هو واقع ملموس، فإن بادرت إلى حل مشاكل لا تفهمها فبالتأكيد لن تفلح. وما يُثير الدّهشة أن عددًا كبيرًا من المؤسسين يعتقدون أو يفترضون بأن أحدًا ما (دون أن تكون لهم فكرة واضحة عن هذا الشّخص) سيكون مُهتمّا بما يقومون ببنائه بالرّغم من أن المؤسّسين أنفسهم لن يرغبوا في استخدام مُنتجهم الخاص، لأنهم ليسوا ضمن الفئة المُستهدفة من طرف المُنتج، ولكن يبنون افتراضات، فقد يكون هذا الشّخص مُراهقًا، أو أحد المهتمين بالأحداث العامة أو المؤتمرات، أو قد يكون رجل أعمال. لكن أيّ فئة من رجال الأعمال تقصد؟ من المُمكن بناء مُنتجات لا تستهدفك أنت شخصيّا، وقد قمت بذلك بنفسي، ولكن يتوجّب عليك أن تبقى حذرًا لأنك بذلك تكون قد دخلت منطقة محفوفة بالمخاطر. ويجب أن تبقى حذرًا لأنه لا يُمكنك الاعتماد على حدسك في هذه المنطقة. في هذه الحالة يجب أن تبقى قريبًا من مُستخدميك. يجب عليك أن تنتهج أسلوبًا تجريبيّا عندما تبني مُنتجًا لأشخاص مختلفين عنك، فلن يكون بإمكانك تخمين ما قد ينجح وما قد يفشل، وإنما سيتحتّم عليك إيجاد مستخدمين وقياس ردود أفعالهم. وعليه فإن قرّرت أن تبني مُنتجًا يستهدف المراهقين أو رجال الأعمال أو غيرهم عليك أن تجد بعضهم وتقنعهم باستخدام مشروعك وإن لم تتمكّن من ذلك فأنت على الطريق الخاطئ. 11- الحصول على تمويل صغير جدًا تلجأ معظم الشركات الناشئة إلى التمويل الخارجي في إحدى مراحل حياتها. مثلما هو عليه الحال مع فكرة إطلاق الشّركة النّاشئة بأكثر من مُؤسّس شريك فإن الأمر يبدو صائبًا من الناحية الإحصائية، ولكن يبقى السؤال الأعم هو: ما هو مقدار الاستثمار الذي يجب الحصول عليه؟ يُقاس تمويل الشركات الناشئة بالزمن، حيث أنه لدى الشركات التي لا تكون مُربحة بعد (أغلب الشّركات النّاشئة في بداياتها تكون غير مُربحة) فترة مُحدّدة قبل انتهاء مواردها الماليّة واضطرارها للتّوقّف ويُطلق على الأمر عادة مُصطلح "runway” أو ما يُمكن ترجمته بـ "المدرج" (نسبة إلى مدارج الطّائرات مثلا). والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالات هو "كم تبقّى لك في مدرجك الخّاص" حيث أنّه لدى وصولك إلى آخر المدرج فيجب عليك إما أن ترفع جناحين مُحلّقا أو أن تتوقّف نهائيًا. الحصول على تمويل قليل يعني بأنّك لن تُحلّق بعيدًا، والتّحليق هنا قد يختلف حسب وضعك.فبشكل عام عليك الانتقال إلى مستوى أعلى بشكل وبشكلٍ ملحوظ: فإن كانت لديك فكرة فالتّحليق يتمثّل في تطوير نسخة أوّلية، وإن كانت لديك نُسخة أوّلية فإن تحليقك يعني إطلاقك للمشروع، وإن كنت قد أطلقت المشروع فإن التّحليق يتمثّل في تحقيق نمو مُعتبر. كما أن للأمر علاقة وطيدة بالمُستثمرين، حيث أنه ما لم تُصبح شركتك النّاشئة مُربحة فإن مثل هذا الأمر هي الطّريقة الوحيدة لإقناعهم. فإذا حصلت على تمويل فيجب عليك أن تأخذ ما يكفي كي تنتقل إلى المرحلة المقبلة أيًّا كانت(5). ولحسن الحظ فإنّك أنت من سيُقرّر كم ستصرف وماهية الخُطوة القادمة. ننصح الرّياديين عادة في جعل كلا هذين العاملين مُنخفضين: إنفاق أقل قدر مُمكن من المال وبناء نسخة أوّلية تجريبية صلبة ومُتماسكة ما سيمنح لهم مرونة عالية. 12- التبذير من الصعب جدًا التفريق ما بين التبذير والحصول على استثمار محدود. فإن استهلكت كامل التّمويل الذي حصلت عليه فإنه يُمكنك تسمية الأمر مثلما يحلو لك. لكن أفضل أسلوب لمعرفة السّبب الحقيقي لاستهلاكك لكامل التّمويل هو أن تقارن نفسك بباقي الشّركات النّاشئة، فإن حصلت على تمويل يُقدّر بـ 5 ملايين دولار واستهلكتها كلّها فمن المُرجّح جدّا بأنّك تُبذّر. من المُلاحظ بأن استهلاك التّمويل بشكل سريع لم يعد شائعًا مثلما كان عليه الأمر في السّابق، وقد يرجع الأمر إلى تعلّم المُؤسّسين من أخطاء من سبقهم. كما أن عدم القيام بذلك (أي استهلاك التّمويل بشكل سريع) يُخفّض تكلفة إطلاق شركة ناشئة بشكل كبير. لدى كتابة هذه السّطور لم نشهد ذلك في أيّ من الشّركات النّاشئة التي موّلناها، وهذا ليس راجعًا إلى كوننا نستثمر مبالغ صغيرة فيهم فهناك العديد من الشّركات التي استطاعت الحصول على المزيد من الاستثمار. الطريقة التقليدية لإنفاق المال بشكل سريع هي عن طريق توظيف العديد من الأشخاص، الأمر الذي سوف يؤذيك مرّتين في الوقت ذاته، حيث تزيد مصاريفك كثيرًا وستُصبح الشّركة النّاشئة أبطأ. وكقاعدة عامة: المال الذي يُستهلك بسرعة يجب أن يبقى أثره طويلًا، وهي القاعدة التي يعيها الكثير من الرّياديين الحذقين ونجد تفصيل ذلك في كتاب The Mythical Man-Month لكاتبه Fred Brooks. هناك ثلاث اقتراحات عامّة متعلقة بالتوظيف: لا توظف أحدًا إن لم تكن بحاجة له. ادفع للمُوظّفين بأسهم في الشّركة وليس برواتب، وذلك ليس فقط لتوفير المال وإنما لأنك سوف تحتاج لهذا النوع من المُوظّفين الملتزمين بشكل كافٍ والذين يُناسبهم هذا العرض. لا توظّف سوى من يستطيع البرمجة أو جلب المُستخدمين لأن هذا كل تحتاجه في البداية. الهوامش: [3]:حاول ستيف جوبز أن يحفزّ موظفيه عبر مقولته "الفنّانون الحقيقيون ينهون أعمالهم ويُطلقونها" (Real artists ship)، ولكن لسوء الحظ هذه المقولة غير صحيحة لأن الكثير من الأعمال الفنية المشهورة غير مكتملة. قد تكون هذه الجملة صحيحة في بعض المجالات التي يتم فيها تحديد موعد نهائي للعمل مثل العمارة وصناعة الأفلام، ولكن حتى في مجالات كهذه يسعى الأشخاص إلى العمل على مشاريعهم إلى أن تسحب من بين أيديهم. [4]:هناك عامل آخر غالبًا، وهو أنّ مؤسسي الشركات الناشئة يسعون إلى أن يكونوا في طليعة التكنولوجيا الحديثة، وعليه فإن المشاكل التي يواجهونها تكون قيّمة بشكل خاص. [5]:عليك أن تأخذ أكثر من حاجتك بنسبة زيادة تصل إلى 50 أو 100% لأن كتابة البرمجيات وإتمام الصفقات يأخذ وقتًا أكثر مما يتوقع. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الثاني من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham
    1 نقطة
  19. في فترة الأسئلة والأجوبة بعد أحد المُحاضرات التي ألقيتها سألني أحدهم: ما الذي يجعل الشركة الناشئة تفشل، وبعد ثوانٍ من التفكير استنتجت أن هذا السؤال هو فخ، وليس من الأسئلة التي يسهل الإجابة عنها بسرعة، لأنه مرتبط تمامًا بكيفيّة جعل انطلاقة شركتك الناشئة ناجحة للغاية. فإن ابتعدت عن كلّ أسباب الفشل ببساطة سوف تحقق النجاح، والإجابة على مثل هذا السؤال أكبر من أن يتم بشكل مُتسرّع بعد ذلك، تبيّن لي بأنه من الأفضل معالجة المشكلة من هذه الزاوية: إنّ كان لديك قائمة من الأشياء التي لا ينبغي عليك فعلها عندئذٍ يمكنك أن تقوم بعكسها والحصول على وصفة نجاحك، والتي سيكون تطبيقها أسهل، حيث أنّ تذكر الأشياء التي لا يجب فعلها يكون أسهل مقابل ما يجب فعله. (1) منطقياً هناك خطأ قاتل واحد يمكن أن ترتكبه ويقضي على شركتك الناشئة وهو أن تصنع أمرًا لا يرغب فيه المُستخدمون. فإن التزمت بتوفير ما يرغب فيه المُستخدمون فإنك غالبًا ستكون بأمان، بغضّ النظر عن باقي الأشياء التي تفعلها أو لا تفعلها، ولكن بالمقابل إن لم تقم بصنع ما يريده المُستخدمون لن تنجح بغضّ النظر أيضًا عمّا تقوم به أو لا تقوم به. إليك قائمة تحتوي على 18 من الأشياء التي تجعل الشّركات تُطوّر مُنتجات لا يرغب فيها المُستخدمون، وغالبًا ما يكون ذلك هو سبب الفشل. ملاحظة: تم تقسيم هذا المقال لأجزاء نظرًا لطوله. 1- مؤسس وحيد هل سبق ولاحظت قلّة الشركات الناشئة التي تنجح والتي قام بتأسيسها مُؤسّس واحد فقط؟ حتى الشركات التي تظن أنّ مؤسسها شخص واحد مثل Oracle من المرجح أنّ لها عدّة مؤسسيين، وبالطبع هذا الأمر ليس مصادفة إطلاقًا. إن كنت تتساءل ما المشكلة إن كان هناك مؤسس واحد؟ يوجد هنالك العديد من الأسباب. بدايةً، يعدّ أمرٌ كهذا مُثيرًا للشّكّ، وذلك لأنه من المرّجح ألا يكون المؤسس قد استطاع إقناع أيّ من أصدقائه بإطلاق شركة ناشئة معه وهو أمر مريب لأنّهم أفضل الأشخاص الذين يعرفونه. وحتى إن كان أصدقاؤه مخطئين والشركة تعدّ رهانًا جيدًا فإنه ما يزال في منطقة الخطر وذلك لأن البدايات هي دومًا الأصعب فكيف لو كان شخص واحد فقط هو المسؤول؟. وحتى إن كنت قادرًا على القيام بالعمل لوحدك فأنت ما تزال بحاجة إلى أصدقاء كي تتشاركوا الأفكار سويةً، ولكي يُثنوك عن الأفكار السّاذجة و أيضًا كي يخففوا عنك عندما تسوء الأمور. وقد تكون الفكرة الأخير هي الأهّم حيث أنّ المراحل السيئة التي تصيب المشروع في بدايته قد تكون قاسية جدًا، الأمر الذي يصعب أن يتحمله شخصٌ واحد. فعندما يكون هناك عدد من المؤسسين سوف تُخلق بينهم حالة من التعاضد التي تتغلب على كل الأمور السلبية التي قد تحصل، حيث أنّ كل فرد من أفراد الفريق سيسعى كي لا يخذل الآخرين وتعدّ هذه من أعظم القوى في الطبيعة البشرية والتي بالمقابل سيفقدها من يعمل وحيدًا. 2- الموقع الجغرافي السيّئ للشركة الناشئة تزدهر انطلاقة الشركات الناشئة في بعض الأماكن دون غيرها، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يأتي في المرتبة الأولى من حيث جودة المكان وادي السيليكون تليه بوسطن ومن ثمّ سياتل وأوستن ودينفر وأخيرًا نيويورك، أما بقية المدن فلا تكاد تذكر. ولا تتجاوز نسبة الشّركات النّاشئة إلى عدد السّكان في نيويورك جزءًا من عشرين جزءًا من نفس النسبة في وادي السيليكون، وأما في المدن مثل هيوستن وشيكاغو وديترويت فالنّسبة صغيرة جدًا بشكل لا يسمح بحسابها. لماذا يعدّ الاختلاف ما بين المُدن كبيرًا جدًا؟ غالبًا ما يكون السبب نفسه في كل الصناعات على اختلافها. هل تساءلت يومًا ما هو سادس أكبر مركز للموضة في الولايات المتحدة الأمريكيّة؟ سادس أكبر مركز للنفط، للتمويل، أو للنشر؟ أينما كان هذا المركز فهو لا يرتقي لوضعه في مصافي المراكز الأولى ومن المعرض للخطأ تسميتها بمراكز. من المثير للاهتمام كيف تصبح المدن محاور مهمة للشركات الناشئة ويعود السبب إلى أنّ غالبية الخبراء يتواجدون في هذه الأماكن وهذا سبب نجاح مختلف الصناعات الأخرى أيضًا. بالإضافة إلى أنّ المعايير تكون أعلى والأشخاص يكونون متعاطفين بشكل أكبر مع عملك، بالإضافة إلى أنّ الأشخاص الذين قد ترغب بتشغيلهم معك سيرغبون بالعيش في مدن كهذه، داعمي الصّناعات يتواجدون في هذه الأماكن، ناهيك عن أن إمكانية التقائك بمن يشاركونك في مجال عملك كبيرة هناك. بالحقيقة لا يمكن لأي أحد أن يعرف بشكل دقيق كيف يمكن لكل هذه العوامل أن تجتمع معًا لتعزز انطلاقة شركتك في وادي السيليكون أو كيف لها أن تسحقها في ديترويت. لكن في المُقابل تؤكد نسب أعداد الشّركات مُقارنة بعدد السّكّان ذلك. 3- سوق مُستهدفة ضيّقة جدًّا معظم الفِرق التي تتقدّم إلى حاضنة Y Combinator تعاني من هذه المشكلة الشائعة: اختيار استهداف سوق صغيرة وغير معروفة من أجل تجنب المنافسة. إن راقبت بعض الأطفال وهم يلعبون بالكرة، فستلاحظ أنّهم يخافون منها تحت سن معيّنة، فعندما تقترب منهم سوف يبتعدون عنها غريزيًا. فبالنسبة لي لم أمسك الكرة كثيرا عندما لعبت البيسبول في الثامنة من عمري، فكلما اقتربت مني الكرة كنت أغمض عينيّ وأرفع القفاز طلبًا للحماية أكثر من رغبتي بإمساك الكرة. عندما تختار مشروعًا هامشيًا كبداية لشركتك الناشئة سيكون بمثابة إستراتيجيتي التي اتبعتها في الثامنة من عمري. حقيقةً إذا صنعت مُنتجًا جيّدًا فمن الطبيعي أن تخلق لك منافسين وسيتوجب عليك مواجهتهم، الطريقة الوحيدة لتجنب المنافسة هي بتجنب الأفكار الخلّاقة. أظن أنّ التنّصل من هذه المشاكل غالبًا ما يتمّ دون وعي، وذلك لأنّ الأشخاص لا يسعون لتطبيق الأفكار الصغيرة عوضًّا عن الكبيرة منها لأنها أأمن ولكن اللاوعي لديهم لا يسمح لهم بالتفكير حتى بالعظيمة منها. ويعدّ الحل الأمثل لهذه المشكلة هو أن تضع نفسك خارج الصورة وتفكر ماذا يمكن أن تكون الفكرة العظيمة لشركة ناشئة لأحد ما غيرك. 4- الأفكار المشتقّة معظم طلبات الانضمام إلى تردنا في YC هي تقليد لشركات موجودة أصلًا، ويعدّ هذا أحد منابع الأفكار ولكنه ليس الأفضل. فإن تتبعت أصل الشركات الناشئة الناجحة فسوف ترى أن قليلًا منها نجح مقلدًا غيره من الشركات. فمن أين أتَتهم تلك الأفكار؟ غالبًا ما تنبع من المشاكل غير المحلولة التي تعرّف عليها المؤسسون. فعلى سبيل المثال شركتنا الناشئة صنعت برمجيات لإنشاء المتاجر الإلكترونية، فعندما بدأنا بهذه الفكرة لم يكن هناك أيّ من هذه المتاجر، والمواقع القليلة المتوافرة للطلب منها آنذاك كانت مصنوعة يدويًّا و ذات كلفة عالية. وتأكدنا في ذاك الوقت أنّه إذا توسّع مجال التّسوّق على الإنترنت فإنه يُفترض إنشاء هذه المواقع برمجيًا، وهو ما دفعنا بكل بساطة إلى كتابة تطبيق للقيام بذلك. غالبًا ما تكون أفضل المشاكل لحلها هي التي تواجهك بشكل شخصي، فشركة Apple على سبيل المثال تم إطلاقها لأن صاحبها ستيف وزنيك أراد حاسوبًا، وGoogle أطلِقت لأن لاري وسيرجي لم يستطيعا إيجاد المعلومات على شبكة الإنترنت، وتم إطلاقHotmail لأن سابير بهاتيا وجاك سميث لم يستطيعا تبادل البريد الإلكتروني أثناء العمل. فبدلًا من نسخ فيس بوك مع إضافة بعض الاختلافات التي تجاهلها مؤسسوه، يمكنك البحث عن أفكار أُخرى. وعوضًا من البدء من شركات والوصول إلى المشاكل التي حلًوها، ابحث عن مشكلات وتخيل الشّركة التي يمكن أنً تقوم بحلها (2). ما الأمور التي يشتكي منها الأشخاص؟ ما الذي تتمنى الحصول عليه؟ 5- العناد في بعض المجالات يكون امتلاكك لرؤية عما تودّ إنجازه هو السبيل للنجاح بالإضافة إلى الإيمان به والسعي لتحقيقه بكافة السبل بغضّ النظر عن العقبات التي قد تواجهك، ولكن لا يُعدّ إطلاق شركة ناشئة إحدى هذه المجالات. التشبّث بالهدف والرؤية يصلح لأمور مثل الفوز بالميدالية الذهبية للألعاب الأولمبية حيث تكون المشكلة محددة بشكل جيّد، الشركات الناشئة هي أقرب إلى البحث العلمي، حيث يتوجب عليك متابعة الأثر التي تقتفيه أينما أوصلك. وعليه لا يجب أن تبقى مُتعلّقًا بخطتك الأصلية لأنها غالبًا ما ستكون خاطئة، فمعظم الشركات الناجحة انتهت بها المطاف بفعل شيء مختلف تمامًا عمّا خَططت له في البداية، وغالبًّا ما يكون مختلفًا لدرجة كبيرة بحيث أنها لا يُمكن أن تعرف بأنّها نفس الشّركة. عليك أن تكون مستعدًا لرؤية الفكرة الأفضل عندما تعرض نفسها عليك، وسيكون الجزء الأصعب هو التّخلص من فكرتك السابقة. لكن الانفتاح على الأفكار الجديدة عليه أن يتمّ بشكل معقول ومدروس، حيث أنّ الانتقال من فكرة لأخرى بشكلٍ أسبوعيّ سيكون كارثيًّا بالقدر نفسه. هل هناك اختبار ما يمكنك الاعتماد عليه؟ يمكنك أن تسأل نفسك إن كانت في هذه الأفكار نوع من التّطّور. فإن كنت قادرًا على مُواصلة بناء مشروعك اعتمادًا على ما سبق بناؤه فيمكن القول بأنك على طريق يُمكن أن تؤدّي إلى نتيجة صحيحة. لكن إن كنت في بداية كل فكرة تبدأ من الصفر فهذا دليل سيّئ. ولكن لحسن الحظ هناك من يمكنك سؤاله وهم مُستخدموك. فإن قررت الانتقال إلى منحى جديد وأبدى المستخدمون الحماسة له فهو غالبًا ما سيكون رهانًا جيدًا. 6- توظيف مبرمجين سيئين لقد نسيت إدراج هذه الفكرة في النسخ الأوليّة من القائمة وذلك لأنّ معظم المؤسسيين الذين أعرفهم هم مبرمجون ولهذا لن يشكل هذا الأمر مشكلة لهم، وعلى الرغم أنّهم قد يوظفون مُبرمجًا غير كفؤ إلا أنّ ذلك لن يقضي على الشركة، حيث أنهم سوف يستطيعون القيام بكل المتطلبات لوحدهم بكل سهولة. ولكن عندما أفكر بالأمر الذي سبب فناء معظم الشركات الناشئة المتخصصة في التجارة الإلكترونية في التسعينات من القرن الماضي أستنتج أن المشكلة كانت في المبرمجين السّيّئين. العديد من تلك الشركات أطلقها رجال أعمال ظنّوا أن مبدأ عمل الشركات الناشئة يقتصر على وجود فكرة ذكيَة ومن ثمّ توظيف أحد المبرمجين كي ينفذها. ولكن بالحقيقة الأمر أصعب بكثير مما يبدو لأنّ رجال الأعمال لا يستطيعون تمييز المبرمجين الجيدين من غيرهم، ولن يتمكنّوا أصلًا من توظيف أفضل المبرمجين، وذلك ببساطة لأنه لا يوجد مبرمج جيّد يقبل بتطبيق رؤية رجل أعمال. ولهذا يقوم رجل الأعمال باختيار أحد المبرمجين الذين يظنون أنهم جيدين ولنقل أنّ سيرته الذاتية تحتوي على شهادة كمطوّر من شركة Microsoft ولكنه بالحقيقة ليس بالمستوى المذكور. حينها فقط يتفاجؤون بتعثّر شركاتهم النّاشئة وبمرور منافسيهم السّريع بجانبهم.ويشابه هذا النوع من انطلاقات الشركات الناشئة لانطلاقات الشركات الضخمة ولكن من دون أيّ من الأفضليات التي تتمتع بها الأخيرة. وهنا يأتي السؤال كيف تقوم باختيار مبرمجين محترفين في حال لم تكن مبرمجا؟ للأسف لا يوجد جواب على هذا السّؤال. كنت أودّ أن أقول لك أنّه عليك إيجاد مبرمج جيّد لكي يساعدك في توظيف مُبرمجين جيّدين. ولكن إن كنت لا تستطيع تمييزهم فكيف لك أن تفعل ذلك؟ الهوامش: (1) هذه ليست لائحة كاملة بكل أسباب الفشل، وإنما فقط بتلك التي يمكنك السيطرة عليها. فهناك العديد من الأسباب التي لا يمكنك السيطرة عليها ومنها عدم ملائمة الوضع والحظ السيئ. (2) من المُفارقات أن إحدى تفرعات Facebook التي يمكن أن تنجح هو Facebook حصري لطلاب الجامعة. ترجمة -وبتصرّف- للجزء الأول من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ freepik
    1 نقطة
  20. يشكّل جذب أفضل الكفاءات أعظم قوّة لأي شركة، خصوصًا تلك التي توظّف موظّفين عن بعد، إلّا أنّ هذه الكفاءات لا تدقّ باب هذه الشّركات، بل يحتاج الأمر لمجهود كبير من قِبل هذه الشركات من أجل بناء فريق من النّخبة. لم يكن قرارنا في بداية إطلاقنا لمشروع Help Scout بأن يعمل كلّ منّا عن بُعد قرارًا مُخطّطًا له بقدر ما كان قرارًا اضطراريًّا، فقد كان أحد مؤسسي المشروع في حاجة للعمل من مدينة أخرى خلال السنة الأولى، كما أنّ عددًا من موظّفينا الأوائل لم يكونوا لينضموا للفريق إذا لم تكن هنالك إمكانية للعمل عن بعد، وعليه، فقد احتجنا منذ البداية للعمل بجدّ دون التّواجد في نفس المكان. تعمّدنا منذ ذلك الحين، بناء فريق يضمّ أعضاء يعملون عن بعد، حيث قضينا وقتًا طويلًا وأنفقنا مالًا كثيرًا للاستثمار في ثقافة العمل عن بعد، مع حرصنا على تمكين أشخاص من 28 مدينة من القيام بعمل رائع، ولم تكن ثقافة العمل هي الوحيدة التي يجب أن تتغيّر، بل حتّى عملية التّوظيف، فعمليّة جذب أفضل الكفاءات في مجال العمل عن بعد تتطلّب استراتيجيّة مختلفة. التعلم بالطريقة الصعبة اضطررت خلال السّنوات الثّلاث الأولى من عمر المشروع، لطرد حوالي 40% من الأشخاص الذين وظّفناهم، كان الأمر مؤلِمًا، وقد كان الخطأ خطئي وليس خطأهم. لم يسبق لي توظيف أيّ أحد قبل البدء بمشروع Help Scout، فما بالك ببناء فريق للعمل عن بعد. لقد استغرق الأمر بعض الوقت لفهم نوعية الأشخاص الذين ينجحون في بيئة العمل عن بعد، وتعلّم كيفية تمييزهم بسرعة أثناء عملية التّوظيف. ورغم أنّ أخطاءنا كانت كثيرة، إلّا أنّنا تعلّمنا بسرعة ولم نرتكب سوى أخطاء توظيف قليلة للغاية خلال السّنتين الماضيتين. مواصفات الموظف الذي يعمل عن بعد يمتلك نخبة موظفي مجال العمل عن بعد دوافع مختلفة جذريًّا عن الأشخاص الذين يودون العمل في شركة ناشئة واعدة، لذا فمن الطّبيعي أن تكون آليّة التوظيف مختلفة جذريًّا أيضًا، وبالتّالي تبرز هنا فائدة تحديد المواصفات التي تودّ الشركة توفّرها في المتقدّمين للوظيفة. ولا يختلف الأمر كثيرًا عن تحديد مواصفات موظّفي التّسويق، حيث استغرقنا وقتًا طويلًا لتحديدها ضمن مشروع Help Scout، ليكون أيّ شخص لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة غير جدير بإجراء مقابلة معه. سيكون الأمر مجرّد مضيعة للوقت إذا كان المتقدّم للوظيفة غير متحمّس للعمل عن بعد، حتّى وإن كان شخصًا بارعًا وذي إنجازات كبيرة. استطعنا من خلال تطوير مواصفات التّوظيف التي تتماشى وقيمنا وتشمل أفضل كفاءات مجال العمل عن بعد، تحديد عدد من العوامل، منها: 1. العمل بسرور ما يُرضي هؤلاء الأشخاص ليس امتيازات ولا طاولة بينغ بونج في المكتب، ولا خيارات امتلاك أسهم في الشّركة، ما يرضيهم هو تلك السّلطة التي يمتلكونها من أجل تقديم أفضل ما يمكنهم على مستوى العمل، فأفضل الأشخاص في مجال العمل عن بعد، يكونون شغوفين بمهنتهم، وأحد أكبر الأسباب التي تدفعهم لحبّ مهنتهم هي القدرة على التّركيز على العمل نفسه. من الواضح أنّ هذه الخصائص ستؤثر على ثقافة العمل الخاصة بالشّركة. 2. توفيق ممتاز بين العمل والحياة الشخصية يتميّز الأشخاص الذين يعملون عن بعد بانضباط كبير وعادات عمل مميزة، فهم يعلمون متى يجب عليهم العمل ومتى يجب أن يتوقفوا عن العمل، سواء كان ذلك بسبب العائلة، السفر، أو هوايات أخرى. نشدّد في Help Scout على رغبتنا في عمل الموظّف لمدة 40 ساعة أسبوعيًّا على أقصى تقدير، فعدم انضباط المتقدّم من هذه النّاحية، يشير إلى أنّه لن يكون ملتزمًا على المدى الطويل. 3. آراء مكونة بشكل جيد يمكن لهذه الآراء أن تصقل عبر سنين من الخبرة في مجال معين، كما أنّ العمل معنا لن يكون أوّل عمل لهم، لذا سيكونون قادرين على قيادة الآخرين. عند البدء بالعمل، سيضطرون للاعتماد يوميًّا على خبراتهم من أجل اتّخاذ قرارات بالنّيابة عن الشركة، وعلى مستوى فرق العمل عن بعد، لا يكون هنالك إشراف دائم عند اتّخاذ القرارات، لذا سيكون على المدير أن يثق بقدرة موظّفيه على اتّخاذ قرارات سليمة. حال إجراء مقابلات مع عدد كاف من المتقدّمين، لا يتطلب الأمر سوى محادثة مرئية لا تتعدّى 10 دقائق لتمييز تلك الصّفات ضمن المتقدّم. ويتمثّل مفتاح توظيف أفضل الكفاءات خلال هذه المقابلات في تجاهل كافة الإيجابيّات على الورق والتّركيز فقط على المواصفات التي تم تحديدها مسبقًا. بعد فهمنا لعدد من التّفاصيل المهمّة التي يجب أن تتوفر في مواصفات فريق العمل، من المهم صياغة نهج وثقافة عمل تتناسب ونقاط قوتهم. التوظيف حسب التميز وليس الإمكانيات يبحث الجميع عن توظيف أشخاص ممتازين، لكنّ ثقافة العمل في المكاتب تتيح توظيف أشخاص ممتازين لم يثبتوا أنفسهم بعد، حيث يمكن توظيف شخص ذكيّ للغاية تخرّج للتّو من الجامعة والإشراف عليه وإرشاده حتّى يصبح موظّفا متميّزًا مع مرور الوقت، إلّا أنّ هذا لن ينفع مع فريق عمل عن بعد، حيث يجب أن يكون كافّة أعضاء الفريق من النّخبة، فأعضاء فرق العمل عن بعد يكونون معتادين على العمل بتركيز من أربع إلى ستّ ساعات دون انقطاع يوميًّا، لذا يجب أن يكون المتقدّم قادرًا على تجاوز المشاكل بنفسه ومنتِجًا دون طلب المساعدة. لا بديل للمهارة والخبرة في هذه الحالات. ليس لدينا متدرّبون في Help Scout لأنّ ذلك لن يتماشى مع نمط حياة الجميع، كنّا قد ارتكبنا هذا الخطأ عدة مرّات باستقبال متدرّبين وموظفّين ذوي إمكانيّات عالية، لكنّ ذلك لم ينجح للأسف، لذا من الأفضل لنا توظيف المتميّزين. وتعتبر فوائد توظيف فريق من النخبة واضحة للغاية، حيث تجد كلّ عضو ينافس الآخر، يجذبون أشخاصًا متميّزين آخرين، ويتيحون لصاحب المشروع توظيف أقلّ عدد ممكن من الموظّفين. تجدر الإشارة كذلك إلى أنّ التّوظيف بهذه الطّريقة يعدّ أغلى تكلفة، لأنّ الأشخاص المتميّزين يستحقّون دائمًا الحصول على قيمة ماليّة تعادل براعتهم، لذا ستصرف كافّة الأموال التي تدّخرها من عدم اكتراء مكتب والمصاريف المرافقة له على هؤلاء الأشخاص الموهوبين. اطلب مشروعا أصبحت عمليّة التّوظيف فعّالة أكثر عندما بدأنا بطلب إنجاز مشاريع معيّنة، حيث يضمّ كلّ منصب مشروعًا يتطلّب من أربع إلى ستّ ساعات من العمل كإحدى خطوات التّقدم للعمل، وتكون لهذه المشاريع فوائد مهمّة إضافة إلى إمكانية متابعة وانتقاد العمل. أوّلًا، يكون كلّ أعضاء الفريق قادرين على الحكم على جودة المشروع دون الحاجة إلى اسم الشخص، جنسه، خلفيّته العرقية، أو أي معلومات أخرى قد تتسبّب في انحياز ضمني. ثانيًا، يمكن رؤية كيفية تعامل المتقدّمين مع الآراء والنّقد، ننتقد في معظم الحالات عمل المتقدّم ونلاحظ ردة فعله، وذلك حتّى يأخذ فكرة أفضل عن جوّ العمل معنا. لا تُقبل المشاريع غالبًا في بيئة التّوظيف المحلّيّة، حيث تشهد عمليّة التّوظيف في مدينة بوسطن على سبيل المثال، منافسة حادّة للغاية، إذ تضطر الشّركات إلى التّحرّك بسرعة من أجل تقديم عروض للموظّفين المحتملين لأنّ أفضل الكفاءات يتم توظيفها خلال أيام قليلة، عِلمًا أن السّوق المحليّ يتيح امتياز اعتماد الشّركات على ارتباطاتها ومعارفها بشكل أكبر، لكن فرصة تقييم جودة عمل المتقدّمين لا تتوفر غالبًا. تستغرق عمليّات التّوظيف عن بعد وقتًا أطول لسبب أو لآخر، إلّا أنّها تكون مفيدة لكلا الطّرفين. يجب استخدام هذا الوقت لبناء علاقة مع المرشّحين للعمل والتّأكّد أنّهم يتناسبون بشكل مثاليّ مع الوظيفة قبل قبولهم نهائيًّا، ويمكن أن تستغرق عملية توظيفنا لشخص جديد من أسبوعين إلى شهر. وتتنوّع المشاريع حسب ما تبحث الشّركة عنه، إلّا أنّها لا تتعلّق بشكل مُباشر بصميم ما نقوم به، فباستثناء منصب دعم العملاء، لن تودّ الشّركة أن تجعل المتقدّمين يتعلّمون جميع تفاصيل ما نقوم به من أجل إبراز ما يمكنهم القيام به، حيث أن المشاريع الهندسية/ البرمجية التي نطلبها عادة ما تكون سيناريوهات تخيّليّة تتيح للمتقدّمين إطلاق العنان لإبداعاتهم وإنجاز هذه المشاريع بطرق متنوّعة، من جهة أخرى، قد تكون مشاريع التّسويق مُتعلّقة بشكل أساسي بمُنجاتنا/خدماتنا، لكنّ المشكلة التي يحلّها المتقدّم في مثل هذه المشاريع تكون خياليّة غالبًا. كن جادا حول ضرورة التوفيق بين العمل والحياة الشخصية كلّما حرصت الشركة على تشجيع الموظّفين الحاليّين والمحتملين على التّوفيق بين العمل وحياتهم الشّخصية، كلّما استطاعت جذب كفاءات أفضل والإبقاء عليها، نقوم بهذا عبر طلب ذلك من قادة الفريق، حتّى يكونوا قدوة لأعضاء فرقهم. شخصيًّا، لذا في حال العمل لساعات طويلة أو عدم أخذ إجازة، سيتصل أحدهم مع الموظّف المعني ليذكّره بضرورة الإبقاء على التوازن لأنّنا نؤمن أنّ التّوفيق بين العمل والحياة الشّخصيّة جزء مهمّ من استمراريّة العمل عن بعد. يجب النّظر إلى قضية التّوفيق بين العمل والحياة الشخصيّة كأهمّ وسيلة للتّصدّي لإمكانية رحيل الموظّفين عن الشّركة. لا تستطيع ثقافة العمل في المكتب توفير نفس نوعية التّوفيق بين العمل والحياة الشّخصيّة، والاستقلاليّة التي يمكن أن تتوفر عبر العمل عن بعد، وهو امتياز نستغلّه قدر الإمكان من أجل جذب أفضل الكفاءات والإبقاء عليها. بناء الزخم تمتلك شركتنا الآن حوالي 40 موظّفًا، وقد استطعنا التّغلّب على عدد من التّحدّيات الأوّلية التي واجهتنا أثناء بناء فريق عمل من النّخبة، لذا بإمكاننا الآن أن نثق أكثر في عمليّة التّوظيف، صحيح أنّ عمليّة توظيف أشخاص بارعين ما زالت تتطلّب مجهودًا مهمًّا، إلا أنّها تصبح أفضل فأفضل مع مرور الوقت، كما أنّ فرص ارتكاب الأخطاء تقلّ أكثر فأكثر. يجب على كلّ شركة ناشئة أن تبدأ بكتابة مواصفات الموظّفين المثاليين بالنّسبة لها وتحديثها مع مرور الوقت، ثم تصميم عملية توظيف وترسيم تتناسب وخصوصيّاتها، وسيكون أهمّ شيء هو بناء شركة تجذب الموظّف المثالي. حال الاعتياد على نمط توظيف أشخاص يتناسبون والمعايير المطلوب، ستكون عمليّة اتّخاذ القرارات بسرعة وثقة سهلة للغاية. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Attracting Top Talent for Your Remote Team لصاحبه Nick Francis.
    1 نقطة
  21. هل سبق لك أن قمتَ بإعادة تمحور شركتكَ النّاشئة (Pivot) من قبل؟ نعم ربّما. هل قمتَ بذلك عن "كَسَل" ؟ أرجو أنّ الأمر لم يكن كسلًا. للأسف، مع انتشار منهجيّة الشّركات النّاشئة الرّشيقة Lean Startup (أو الشّركات اللّيّنة كما يحلو للبعض وصفها) والمفاهيم التي رافقتها، فقد وصل مصطلح "إعادة التمحور" pivot إلى درجة فقد فيها معناه لدى الكثيرين. بتنا نسمع هذه الكلمة كثيرًا في عالم ريادة الأعمال لكنّها - على الأغلب - أصبحت تُستخدم في سياق التّبرير فحسب. الجميع يعلم أنّ رياديّي الأعمال عادةً ما يفضّلون الوهم المريح! في الواقع هذا جزء من طبيعتنا لا يمكننا إنكاره، كثيرًا ما نحرص على أن نحيط أنفسنا بما يشوّه لنا الواقع ويُظهر شركاتنا النّاشئة على أنّها قويّة وباقية. ونؤمن بكلّ خليّة فينا بأنّ ما نعمل على إنجازه وابتكاره سوف ينجح بكلّ تأكيد. لكن في النّهاية علينا مواجهة العالم في الخارج، علينا إقناع الآخرين بنظرتنا، العملاء والمستثمرين والشّركاء وحتّى الموظّفين. وفي غياب الدليل الذي يثبت حقيقة ادّعاءاتنا، سنعتمد على الأوهام والتّهيؤات لتعيننا على المضيّ قدمًا. تظهر المشكلة عندما تصطدم بالواقع، وتتمزّق كلّ تلك الأوهام من حولك، وتصبح غير قادرٍ على التّمييز بين الواقع والتهيّؤات، عندها سوف تنهار وتتحطّم بشدّة. صدّقني ستكون الضّربة مؤلمة حقًا، كلّنا تعرّضنا لذلك في يوم من الأيّام. منهجيّة الشّركات الرّشيقة Lean Startup تصنع ثقبًا في جدار أوهامك، وتمنَحُكَ قدرًا من الصّراحة والصّدق مع ذاتك يعينك على تجنّب ذلك الاصطدام المريع (أو على الأقل يجعلُه أقلّ عنفًا وأذيّة). بعبارة أخرى، إنّه يُساعد شركتك على إعادة التمحور To pivot. ماذا أعني بمصطلح إعادة التمحور pivot؟ هكذا أعرّفه: إعادة التمحور pivot هو تغييرٌ صغير في الهدف، تُجريه في جانب واحد من جوانب شركتك النّاشئة بناءً على معلومات اكتسبتها وتحقّقت منها Validated Learning. انتبه أنّك إن قمتَ بتغيير أسلوب عملك بالكامل وعلى جميع الأصعدة، عندئذٍ هذا لا يسمّى تصحيح مسار أو إعادة تمحور، بل هو مجرّد محاولة للبدء من جديد. لا بأس بأن تبدأ من جديدstart over ، لكنّك بذلك لا يُمكن اعتبار ما تقوم به هو تصحيح مسار شركتك فعليًّا، بل لن تنجح إلّا إن بدأت من جديد وفي جعبتك خبرات ومؤشّرات تقودك في الطّريق. تذكّر أنّ إعادة التمحور أقلّ اتّساعًا من إعادة البدء من جديد، وتبدأ فيها بعدما تتعلّم شيئًا جديدًا. هذا ما يسمّى بالتّعلم المُحقّق validated learning. فأنت تبدأ بإعادة التّمحور بعد أن تعرف متى وأين ستطبّق ذلك، فمن خلال جهودك وتجاربك السّابقة حصلت على معلومات وخبرات تكفي لتدلّك على نقاط ضعفك، وتوجّهك إلى الطّريق الصّحيح (هذا ما ستحصل عليه في حال اتّبعت منهجيّة الشّركات الرّشيقة Lean startup). التعلم المحقق Validated learning يقع التّعلم المُحقّق في قلب منهجيّة الشّركات الرّشيقة Lean Startup. يبدأ الأمر بافتراض تضعه، يليه اختبار لصلاحيّة أو بطلان هذا الافتراض، وفي النّهاية تحلّل النّتائج المستخلصة. سنأخذ مثالًا على ذلك شركة Backupify. تقدّم هذه الشّركة خدمة التّخزين الاحتياطي السّحابي online backup storage. ربّما لم يبدؤوا بتطبيق منهجيّة الشّركة الرّشيقة منذ البداية، لكنّ مؤسّس الشّركة Robert May كان يختبر أفكاره الجديدة منذ اللّحظات الأولى. يقول: "في البداية كان جلّ تركيزنا على عدد زوّار الموقع، فكلّ ما كان يهمّنا في ذلك الوقت أن نجعل الآخرين يصلون إلى موقعنا." ربّما كان افتراضهم الأوّل يقول: "هل هناك عدد من الأشخاص المهتمّين بالتّخزين الاحتياطي السّحابي يكفي لدفع شركتنا للاستمرار؟" تجربة اختبار هذه الفرضيّة تمثّلت بالموقع الأوّليّ الذي قاموا بتطويره، وبالجهود التي بذلوها ليلفتوا انتباه الزوّار ويدفعوهم إلى التّسجيل في الموقع. وتثبتُ صحّة هذه الفرضيّة - وبالتّالي جدوى الاستمرار بالمشروع من وجهة نظرهم - إذا تبيّن أنّ هناكَ عددًا من الأشخاص المهتمّين بالفكرة يزيدُ عن حدّ معيّن. تعلّم Robert أنّ هناك عددًا كافيًا من المهتمّين. لكن عندما دارت العجلة وبدأ العملُ الفعليّ، وأخذوا يتقاضون أجر الخدمة من العملاء، وقعوا في مشكلة جديدة، إذ تبيّن لهم أنّ تكلفة الحصول على عميلٍ جديد تفوق بكثير العائد الذي يأتيهم من خلاله. يقول Robert موضّحًا: "في بدايات عام 2010 كنا ندفع 243$ لنحصل على عميل جديد، وهذا العميل نفسُه لا يدفعُ أكثر من 39$ في السّنة أجر خدماتنا. هذا مريعٌ في عالم الاقتصاد، معظم التطبيقات الأخرى تتغلّب على تكلفة الحصول على عملاء جدد من خلال الانتشار الفيروسي virality وإمكانيّة الوصول إلى أكثر من عميل في المرّة الواحدة. لكن هذا الأسلوب لا يمكن تطبيقه على خدمة التّخزين الاحتياطيّ. لذلك توجّب علينا تصحيح المسار، فبدلًا من التّركيز على البيع للمستهلكين الصّغار، علينا التّركيز على تقديم الخدمة للمؤسّسات التجاريّة businesses." هناك أمران مهمّان يجب أن نشير إليهما هنا: لم يكن بإمكان روبرت أن يتعلّم شيئًا بخصوص الجانب الاقتصادي لمشروعه لولا أنّه تعلّم قبله بعض الأمور الأخرى (أنّ هناك أشخاص مهتمّون بالخدمة، أن العملاء ظلّوا متفاعلين لمدّة من الزّمن طويلة بما يكفي، ..) بمجرّد أن تعلّموا كيف يحصلون على عملاء جدد، وكيف يحافظون عليهم، عندها فقط كان بإمكان روبرت أن يركّز على الجانب الاقتصاديّ من المشروع. فرضيّة روبرت بخصوص قدرته على بناء مشروع تجاريّ استهلاكيّ قابل للتّوسّع scalable consumer business أثبتت بطلانها عندما اختبرها اقتصاديًّا، وتبيّن له بالتّجربة أنّ هذه الأرقام غير منطقيّة قامت شركة Backupify بإعادة التمحور لتركّز على تقديم الحلول للشّركات بدل الأفراد، ومنذ ذلك الحين بدأت تتوسّع بنجاح، فالعميل المتمثّل بشركة ربحيّة يدفع أكثر من أجل نفس الخدمة تقريبًا. وبذلك كان روبرت قادرًا على السّيطرة على الجانب الاقتصاديّ من العمل من خلال مراقبة النّسبة ما بين تكلفة تحصيل العميل إلى القيمة المضافة التي تأتي من خلاله طوال فترة وجوده. في الواقع، إنّ عمليّة التعلّم بالتّجريب لا يُمكن تحديدها "كميًّا" دومًا، ففي المراحل الأولى من شركتك النّاشئة ستكون المعلومات التي تحصل عليها "نوعيّة" على الأغلب ولا يُمكن تمثيلها بالأرقام. معلوماتٌ من هذا النوع فوضويّة، ومن الصّعب تفسيرها، لكنّها في ذات الوقت مهمّة جدًّا. من خلال تجربتي، بمجرّد أن تجري مقابلات مع ما بين عشرة إلى عشرين شخصًا من عملائك، فبشكلٍ تلقائيٍّ ستجد أن بين يديك أنماطًا متشابهة من المعلومات أشار إليها الجميع، وهي مهمّة وكافية لتجعلك تتّخذ القرار الصّحيح. يُمكنك فيما بعد أن تحصل على أرقام دقيقة بإجراء الاستبيانات ونشرها على نطاق واسع. إعادة التمحور "الكسول" (The "lazy" pivot) إذا لم تجرّب وتتعلّم من تجاربك، عندئذٍ أيّة محاولة لإعادة التمحور لن تكون أكثر من ضربةٍ عمياء. هذا ما يسمّى بإعادة التمحور الكسول وغالبًا ما ستؤدّي بك إلى الفشل، في حالات كهذه تجري الأمور كالتّالي: "حسنًا، ما أقوم به حاليًّا لا ينفع، لا أدري لمَ لكن هذا الأسلوب الآخر يبدو مثيرًا للاهتمام وسوف أقوم بتجربته." على الأرجح أنّك لم تبذل الجهد الكافي على أسلوب عملك الأوّل، وبالتّالي لم تحصل على أيّة معلومة استخلصتها من تجربتك كي تستثمرها في أسلوب عمل جديدٍ وأفكار أخرى. كلّ ما تفعله إذًا هو أنّك تقفز من فكرة لطيفة إلى مجرّد فكرة لطيفة ثانية. إعادة التمحور بالاعتماد على تحليلات منهجية الشركة الرشيقة Lean Analytics حتّى تعيد التمحور بشكل صحيح، فأنت بحاجة إلى أمرين: التّركيز على شيء محدّد، والتعلّم من التّجربة. فأنت تبدأ بإجراء تغيير واحدٍ في شركتك، أسلوب الرّبح مثلًا أو الأسعار أو السّوق المستهدف، وتراقب ماذا يحدث. هذا المخطّط يوضّح عمليّة اختبار الفكرة أو المنتج واتّخاذ قرارٍ إعادة التمحور أو لا: يتّضح لك من المخطّط أنّك بحاجة إلى الكثير من توجيه الاهتمام والعقلانيّة والصّدق مع الذّات لكي تتمكّن من اختبار فرضيّاتك بشكل صحيح، ومن ثمّ تتّخذ القرار المناسب على أساس ذلك. هذه الطّريقة تركّز على معايير محدّدة، لكن لا يزال بإمكانك أن تطرح على نفسك أسئلةً أكبر وأكثر عموميّة. تقييم نموذج عملك التجاري Business Model أحبّ استخدام أداة Lean Canvas كعامل مساعد يدفعني لأسأل نفسي: "هل لديّ أيّة فكرة عمّا أقوم به الآن؟" إذا لم تكن تعرف ما هي هذه الأداة فيجب عليك أن تلقي نظرة عليها، هي عبارة عن تطبيق في صفحة واحدة يساعدك على بناء نموذج عملك التّجاريّ Business model. إذا نظرت إلى النّموذج الخاص بك (والذي لن تتجاوز مدّة بنائه باستخدام هذه الأداة عشرين إلى ثلاثين دقيقة)، هل ستجد ما يكفي من الأجوبة لتدفعك إلى الاستمرار؟ هل لديك فهم كاملٌ للمشكلة التي تحاول حلّها؟ هل أنت متأكّد تمامًا أنّ الحلّ الذي ابتكرته صحيح؟ هل تعرف ما هي القنوات التي تصلك بالسّوق وهل تتقن استخدامها؟ هل لديك أيّة مزيّة حقيقية تميّزك عن باقي الشّركات النّاشئة؟ عليك وبشكل دائم أن تعيد هذا التّقييم بين الحين والآخر، كي تتمكّن من اتّخاذ القرار الصّحيح بخصوص ما يتوجّب عليك فعله في المرحلة التّالية. بعض النّاس ينظرون إلى استراتيجيّة الشّركة الرّشيقة ويحسبون أنّها منهجيّة ميكانيكيّة بالكامل ذات خطوات محدّدة، وأنّ كلّ ما يلزم هو السّير وفق هذه الخطوات. وبأنّها فعالة للغاية لدرجة أنّهم بمجرّد أن يتّبعوا هذه الخطوات بدقّة وحرفيّة سوف يكون النّجاح بانتظارهم. هذه النّظرة خاطئة بالتّأكيد، فالشّركات النّاشئة لا تُبنى في المصانع وعلى خطوط الإنتاج، بل هي بأمسّ الحاجة أيضًا إلى شجاعتك وشغفك. استخدم أداة Lean Canvas واسأل نفسك إذا كنت تمتلك المعلومات الكافية والثّقة الكافية لتنتقل إلى الخطوة التّالية في سير شركتك النّاشئة. إذا كنت ما زلت في نقطة البداية، تحديدًا عند البحث عن المشكلة التي سيحلّها مشروعك، فهل بإمكانك أن تقول –وكن صادقًا مع ذاتك - بأنّك وجدتَ مشكلة هامّة وخطيرة وبحاجة ماسّة إلى أن تعمل على حلّها؟ من أين حصلتَ على هذه الإجابة؟ هل أجريت مقابلاتٍ كافية كمًّا ونوعًا مع العملاء المحتملين؟ إحدى الأفكار التي من الممكن أن تساعدك هي "تقييم مقابلات تحديد المشكلة". طالما أنّ المقابلات عادة لها ترتيب معيّن وبنية محدّدة، فمن المُمكن أن تضع لكلّ سؤالٍ فيها علامةً معيّنة، وبالتّالي تحصل على معلومة قابلة للقياس من خلال مقابلاتك مع النّاس. وهكذا بالإضافة إلى المعلومات "النّوعيّة" أصبح لديك معلوماتٍ كمّيّة لتستفيد منها في اتّخاذ قرارات إعادة التّمحور. الشغف أيضا مهم إذا لم يكن لديك الشّغف بما تقوم به فسوف تفشل بالتّأكيد. الجهد المطلوب منك لتصل إلى النّجاح كبير جدًّا ومن الصّعب أن تبذله إذا لم يكن مترافقًا مع دوافع ذاتيّة عاطفيّة. رغم أنّ الأمر يبدو وكأنّه إجرائيّ ومجرّد، إلّا أنّك لن تنجح إذا لم تتمكّن من دمج شغفك وحبّك لما تقوم به مع صدقك مع ذاتك وصرامتك في تقييم عملك. لنقُل أنّك وجدت أمرًا مثيرًا للاهتمام، حصلت على بعض المعلومات الهامّة المتعلّقة بسير عملِكَ الحاليّ، والتي تدلّك على المسار الجديد الذي عليك أن تعيد التمحور إليه. قبل أن تبدأ بالعمليّة بشكل تلقائيّ وتُباشر بالعمل، عليك أن تتوقّف قليلًا وتسأل نفسك: "هل يهمّني هذا حقًا؟" إذا أجبت بِلا، عندئذٍ عليك أن تراجِع موقفك من إعادة التمحور، فلم يعد منطقيًّا! قابلتُ عددًا من الأشخاص (وأنا كنتُ كذلك) الذين تاهوا في غمرة ما يقومون به واستثمروا الكثير في عملٍ وصلوا فيه إلى مرحلة نسوا فيها لماذا بدؤوا من الأساس. إنّها مرحلة من المخيف للغاية أن تصل إليها! قبل أن تُعيد تمحور شركتك عليك أن تسأل نفسك إذا كان لديك الشّغف الكافي للمجال الذي ستخوض به. إذا كان الجواب نعم فانطلق ولا تتوقّف، وإلّا فعليك أن تعيد التّفكير. ربّما عليك أن ترجع خطوةً إلى الوراء وتعيدَ التّقييم، أعط نفسك بعض الوقت لتأخذَ نفَسًا عميقًا وتفكّر. ربّما يكون قد حان الوقت للانسحاب، عندئذٍ أقرّ بهزيمتك وتراجع بهدوء، ويُمكنكَ أن تعود إلى الحّلَبة في يوم آخر لتُعيد المحاولة من جديد. قائمة مهام سريعة تأكد من تحقيقها قبل أن تعيد التمحور لنفترض أنّك حصلت على المعلومات الكافية التي تساعدُك على معرفة المسار الجديد لشركتك النّاشئة. ولنفرض أنّك ترغب بإعادة التمحور مباشرة والاستمرار في عملك، ما الذي ستكون بحاجته أيضًا؟ الرؤية العامّة. أمر أساسيّ عليك أن تمتلكَه لتتمكّن من تأسيس شركتك النّاشئة، وهو أن تمتلك رؤية عامّة لما تريد تحقيقه. بدون تلك الرّؤية سيكون من السّهل أن تسقط في فخّ بناء شركة صغيرة (تركّز على أمرٍ محدّد في البداية) لكن ليس لديها القدرة على التّوسّع والنّمو. في الواقع ليس هناك أيّ معنىً لاتّخاذ مسارٍ جديدٍ لشركتك النّاشئة إن لم يكن لديك في الأساس هدفًا كبيرًا بعيد المدى تسعى لأجله. إعادة التمحور تعني شيئًا واحدًا، هو أنّك تتلمّس المسار الأنسب من بين العقبات التي تواجهكَ في طريقك إلى رؤيتك الشّاملة. الفهم العميق للمشكلة التي تعمل لأجلها. معظمُ رياديّي الأعمال الذين أتّحدّث إليهم ليس لديهم الفهم الكامل – والصّادق – للمشكلة التي يسعون إلى حلّها، ولا حتّى إدراكًا إن كانت هذه المشكلة تستحقّ العمل على حلّها في الأساس. لم يتعمّقوا في المشكلة بشكل كافٍ، أو ربّما يحاولون فقط حلّ معضلة كونيّة ليس لها حلًا محدّدًا أصلًا (مثل: أرغب بجني الكثير من المال لكن لا أعلم كيف.) إذا لم تفهم المشكلة من جذورها، فلن تستطيع أن تصل إلى أيّ طريقة تخبرك بالمسار الصّحيح الذي يمكّنك من حلّها. فرضيّة حقيقيّة، يُمكن نقضُها أو إثباتُها. فالتعلّم من خلال التّجربة لا يكفي وحده. بل عليك أن تضع فرضيّات أوّليّة يمكنكَ أن تختبر صحّتها، وإلّا فمن الصّعب معرفة إذا كان المسار الجديد الذي تمحورت إليه فعالًا أو لا. معايير قياس، وأهداف. هناك مفهوم أساسيٌ في تحليل أداء الشّركة النّاشئة الرّشيقة، وهو اختيارُ الرّقم الصّحيح لمراقبة تغيّراته وامتلاكُ قيمة مرجعيّة للمقارنة معها. عليك أن تحدّد قيمة واحدةً مهمّة لتقيسها (هي القيمة التي تُخبرك إن كانت الأمور تسير على ما يرام أو لا) وأن ترسُم خطوطًا تمثّل أهدافًا تطمح لتحقيقها. إذا أخطأت الهدف تُعيد التّقييم، وإذا أصبته فستمتلك الثقة (والمعلومات) لتنتقل إلى الخطوة التّالية. إعادة التّمحور ليست بالأمر السّهل. تأكّد أن تغيير مسار شركتكَ النّاشئة بالشّكل الصّحيح الذي يتيح لك فرصة أكبر بالنّجاح هو بحدّ ذاته أمر صعب. تستطيع أن تتّخذ مسارات كثيرة بلا هدف، كل ما عليك فعله أن تعيد تمحور شركتك بِكَسَل وتتمنّى بعد ذلك أن تجدَ خيرًا، لكن لا أنصحك بذلك، فلن تُسدي إلى نفسك معروفًا بهذا الأسلوب من العمل. بل عليك أن توجّه شركتك بناءً على معلومات دقيقة وصدق مع الذّات، أعط نفسكَ الفرصة الكافية لإيجاد عملٍ ربحيّ يمكن أن يكون رائعًا في يوم من الأيّام. مترجم -وبتصرّف- عن المقال The *real* pivot لكاتبه Ben Yoskovitz (أحد مؤلّفي كتاب Lean Analytics). حقوق الصورة البارزة: Designed by Freepik.
    1 نقطة
  22. انتشر صيت نظام التشغيل غنو لينكس Gnu Linux (المعروف اختصارًا بلينكس) في السنوات الأخيرة، بعد استيلاء منصة الهواتف الذكية أندرويد على أكثر من 85% من السوق، وكثرة الحديث عن كون هذه المنصة مبنية على نواة لينكس القوية، والمشهود لها بالاستقرار، سرعة التطوير والأمان، وخلافًا لما كان الحال عليه من قبل فقد لوحظ تنامي الرغبة لتجريب لينكس على أجهزة سطح المكتب، تارةً بدافع حب الفضول والاستكشاف، وتارةً بغرض التعلم واكتساب الخبرة، وأحيانًا أخرى لاستخدامه في محاولات الاختراق وتجاوز الحماية. إلا أن أول ما يصطدم به الراغب في خوض غمار التجربة الجديدة عدم وجود نظامٍ باسم لينكس يمكن تنزيله من موقع رسمي واستخدامه على الفور! إذ يمكن لمستخدمي Microsoft Windows الحصول على أقراص ليزرية من السوق تتضمن نسخ Windows المختلفة أو تحميلها من الشبكة، بينما تأتي أجهزة Apple محملةً أصلا بنظام التشغيل OS X، أما كتابة Download linux في محرّك البحث فسيفضي لنتائج بأسماء مختلفة، ولن يطول الوقت حتى يتعرف القادم إلى هنا على مفهوم «التوزيعة» وهي أقرب ما تكون بالمعنى إلى كونها «تجميعة»، فلينكس ما هو إلا النواة، بينما نحتاج إلى أدوات أخرى كالمترجمات Compilers والواجهات المرئية ومدراء النوافذ إضافة إلى تطبيقات المستخدم النهائي كمتصفح الإنترنت ومشغل الموسيقى إلخ، كلّ هذا حتى يصبح لدينا أخيرًا نظام تشغيل متكامل، ولتوفير مثل هذه الخطوات على المستخدمين تقوم فرق برمجية متطوعة أو تابعة لمؤسسات تجارية بالعمل المطلوب، كلّ وفق أفكاره وميوله، طارحين تجميعاتهم تلك على شكل حزمة واحدة جاهزة للاستخدام تسمى بالتوزيعة Distribution. ومع عدم وجود أية قيود على العملية السابقة فقد فاق عدد التوزيعات المتاحة للتحميل والإستخدام المجاني ال 300 توزيعة، ليقف المستخدم المبتدئ أمامها في حيرة من أمره؛ ماذا يستخدم؟ ما التوزيعة الأنسب له؟ أو على الأقل بماذا يبدأ ومن أين ينطلق؟ ولا تشكل الحيرة السابقة مشكلة بحدّ ذاتها، إلا أن المشكلة تنجم عن الكيفية التي يُتعامل بها مع هذا السؤال، حيث إن التعاطي مع التوزيعات والفرق المجمّعة لها بات أشبه بالتحزب السياسي، بمعنى أن كلّ فريق يرى في خياره الصواب الأنسب، والأداء الأفضل، منوهًا إلى مثالب التوزيعات الأخرى ونقاط الضعف التي تعاني منها، لتدور أحيانًا حربٌ طاحنة، لا يكون الخاسر الأكبر فيها سوى المبتدئ، الذي تزداد حيرته أمام مقارنات لا يفقه منها شيء غالبًا. خلال سبع سنوات من إستخدامي لـغنو لينكس كنظام تشغيل وحيد على مختلف الحواسيب، تعاملت مع التوزيعات العشرة الرئيسية، مثل Mint, Ubuntu, Debian, OpenSUSE, Fedora, Arch, Puppy وغيرها، والتي تتفرع منها وتبنى عليها باقي التنويعات المختلفة، وكمهووس بلينكس استغرق ذلك منيّ وقتًا طويلًا للغاية، كان سببًا في بعض الأحيان لتعطّل مهامي أو ضياع ملفاتي، إلا أنني راكمت أيضًا خبرة أودّ مشاركتها هنا. لنتعرّف بدايةً على التوزيعات الرئيسيّة في عالم غنو لينكس: دِبيان Debianأثناء دراسته في جامعة بوردو فرع علوم الحاسوب، كتب إيان موردك مع صديقته ديبرا (والتي ستصبح زوجته فيما بعد) «عقد دبيان» ويقصد به الفلسفة التي سيبنى عليها نظام التشغيل دبيان (منحوتًا من اسميهما ديب يان) والذي أطلق اصداره الأول عام 1993م مستمرًا حتى يومنا هذا، ليكون واحدًا من أعرق المشاريع المتعلقة بلينكس وأكثرها شعبية. قاد إيان فريقًا كبيرًا مكونًا من المبرمجين المتطوعين من مختلف دول العالم لبناء دبيان (يبلغ عددهم اليوم ألف مطوّر). دبيان في نقاط- مشروع دبيان هو مؤسسة مجتمعية لا مركزية يطوره متطوعون حول العالم ويقوده قائد يجري انتخابه من قبل المجتمع بشكل دوري، إضافة إلى وجود نظام داخلي ودستور وقواعد تنظم عمل المشروع وتعطي الأولوية دومًا لرأي المطورين، نادرًا ما يوجد مثل هذا التنظيم لدى باقي الفرق. - طَوّر مشروع دبيان نظام تحزيم يسمى Deb يهدف إلى إنشاء برامج جاهزة للتثبيت بدون تدخل برمجي من قبل المستخدم، حيث كانت برامج لينكس متوفرة أولًا بشكلها المصدري src (أي على شكل أكواد) وهي تتطلب من المستخدم أن يقوم بعمل Compile لها، وهذا ما يتطلب معرفة برمجية واسعة، وحل عدّة مشاكل أثناء ذلك (كالاعتماديات، وتضارب النسخ وغيرها). عام 1995 بدأ مشروع دبيان بتحزيم البرامج على شكل ملفات.deb جاهزة للتثبيت باستخدام الأداة Apt (ولاحقًا تم تسهيل ذلك من خلال أدوات أخرى مثل aptitude، apt-get من على سطر الأوامر، أو Synaptic على الواجهة الرسومية)، فبات كل ما يحتاجه المستخدم النهائي لتركيب أو تحديث أو إزالة البرامج هي بضع نقرات لا غير، متفوقًا بذلك على نظيره ويندوز. يضم اليوم مستودع دبيان الرئيسي 43000 حزمة، بالإضافة إلى مستودعات أخرى تجعل من تثبيت الحزم وإداراتها أمرًا في غاية السهولة. - يعتمد مشروع دبيان معايير صارمة في التحزيم وبناء النسخ الجديدة، لذا توصف التوزيعة عادةً بانها ثابتة كالصخر، ما دفع قرابة نصف توزيعات لينكس الأخرى على بناء نسخهم الخاصة إنطلاقًا منها. - تعتبر دبيان من أكثر التوزيعات إلتزامًا بفلسفة غنو، حيث لا تضم مستودعاتها الرسمية سوى برمجيات مفتوحة المصدر. - خلافًا لمعظم توزيعات غنو لينكس لا تتبع دبيان خططًا زمنية في إصداراتها، بل تتبع سياسة مفادها تصدر دبيان عندما تجهز! - تأتي دبيان إفتراضيًا مع واجهة رسومية، ومثبت رسومي، وبالتكامل مع مدير الحزم فإن مشروع دبيان سهّل للمستخدم العادي استخدام وتثبيت لينكس. Ubuntuعندما أطلقت شركة Canonical في أكتوبر 2004 نسختها المعدلة من نظام التشغيل دبيان لم تدرِ أنها ستفتتح بذلك صفحة واحدة من أكثر توزيعات لينكس شعبية على الإطلاق، ويعود ذلك بفضل تركيز فريق العمل الخاص بالتوزيعة على تحقيق المزيد من سهولة تثبيت وإدارة توزيعة لينكس، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تضمينها أية برمجيات محتكرة. تأتي Ubuntu مع مثبّت رسومي أكثر بساطة، إضافة إلى حزم أوسع من البرامج المثبتة مسبقًا، إضافة إلى أداة رسومية لإدارة تعاريف العتاد الصلب، وإدارة المحليات (لغة الواجهة)، علاوةً على مركز البرمجيات الخاص بهم والذي يجعل من تثبيت وحذف البرامج ممكنًا بنقرة واحدة. منذ اصدار أكتوبر 2012 اعتمد فريق أوبونتو على الواجهة الرسومية Unity الخاصة بهم. تعقد Canonical المالكة لـ Ubuntu صفقات تجارية مع شركات مثل أمازون، مما يسبب لها انتقادات واسعة في مجتمع البرمجيات الحرّة والذي يرفض إرسالها بعض بيانات المستخدمين للشركات المعلنة بهدف تحقيق الربح، رغم إمكانية تعطيل ذلك. Mintخلال أقل من شهر على إنطلاق أوبونتو في 2006 قام فريق من المتطوعين بإنشاء نسختهم الخاصة بناء عليها، بهدف تقديم توزيعة أكثر أناقة وسهولة في الإستخدام، وأكثر استقرارًا في نفس الوقت، وإن جاء ذلك على حساب تضمين التوزيعة برمجيات محتكرة بشكل افتراضي مثل مشغلات الصوت والفيديو وخطوط مايكروسوفت. (يقول مطورو Mint بأن مستخدمي سائر التوزيعات يستخدمون هذه الأجزاء، فلمَ لا نجهزها لهم). تأتي مِنت كذلك مع كم أكبر من البرامج بحيث تغني المستخدم عن تثبيت أي شيء إضافي تقريبًا، وتعتمد على مستودعات Ubuntu. لاحقًا عمل فريق التطوير على إعادة كتابة عدد من الأدوات الموجودة في Ubuntu مثل مدير البرمجيات، مدير التحديثات، أداة النسخ الاحتياطي، أداة الرفع Upload وغيرها. إضافة إلى عملهم على تطوير واجهتين مشتقتين من غنوم Gnome وهما Cinnamon و Mate. فيدورا Fedoraفي 2003 رعت شركة RedHat إندماج مشروعين أحدهما نسخة المستخدم العادي الذي كانت RedHat نفسها تعمل على إصدارها، والثاني مشروع نظام فيدورا، لينتج مشروع فيدورا، وهو نسخة من نظام التشغيل غنو لينكس، تستخدم تحزيم .rpm للحزم والبرامج، وتحظى بدعم غير رسمي من شركة RedHat حيث25% من موظفي مشروع فيدورا هم من موظفي RedHat. تلتزم فيدروا بفلسفة غنو لينكس حيث لا تضمن برمجيات مغلقة بشكل مسبق معها، وإن كانت مضمنة في مستودعاتها والتي تحتوي على برمجيات أقل عددًا من تلك الموجودة في دبيان وبناتها. OpenSUSEفي عام 2004 قررت شركة Novell الألمانية إيقاف مشروع SUSE Linux مغلق المصدر وتحويله إلى توزيعة OpenSUSE مفتوحة المصدر، لتطلق إصدارتها الأولى في تشرين الأول 2005. يستخدم المشروع نظام RedHat في توزيع الحزم RPM، ويهتم بتسهيل تجربة المستخدم النهائي في إدارة نظام لينكس، لا سيما من خلال مركز تحكم YaST الذي يقدم مجموعة كبيرة من الأدوات لإنجاز مختلف العمليات الإدارية في لينكس في مكانٍ واحد ومن خلال الواجهة الرسومية. Archlinuxتهدف Arch إلى تقديم توزيعة مرنة كفاية ليتمكن المستخدمون من تشكيلها بالأسلوب الذي يناسب إحتياجاتهم ومتطلباتهم المختلفة، إضافةً للمرونة تركّز Arch على مفاهيم أخرى (لا تهتم بها معظم توزيعات لينكس) مثل الخفة، حيث التركيب المبدئي لا يشمل سوى الحزم الأساسية جدًا، وبدون أية واجهة مرئية، الإختزالية والتي تعني أقل حد ممكن من متطلبات العتاد الصلب والاعتماديات البرمجية، إضافة لأناقة الكود. تركيب Arch يتم من خلال سطر الأوامر، وإعدادها يكون بتحرير ملفات نصيّة وتعديل بعض القيم فيها، يمكن متابعة استخدامها على هذا المنوال، أو تركيب واجهة رسومية. تعتبر Arch توزيعة متدحرجة، بمعنى أنها لا تقوم بإصدار نسخ جديدة منها خلافًا لباقي التوزيعات، بل يعمل المستخدم على تركيبها ومن ثم دحرجتها، أي تحديثها باستمرار من خلال مدير الحزم. تستخدم Arch أسلوب تحزيم tgz وهو أكثر الأساليب بساطة، ويدار باستخدام مدير pacman، كما يعتمد مستخدموها على بناء الحزم من المصدر (src) من خلال مستودع المجتمع aur، بهدف الحصول على البرمجيات غير الموجودة في المستودعات الرسمية. إلى جانب التعدد الكبير في تجميعات غنو لينكس، هناك تعدد أقل عددًا وأكثر أهمية يواجه القادم الجديد وهو اختيار بيئة العمل Desktop Environment والذي يقصد به الحزم البرمجية التي تقدم واجهة رسومية في التعامل مع لينكس بدلًا من سطر الأوامر، وخلافًا لما هو الحال عليه من وجود بيئة عمل واحدة لكل من نظامي Windows و OS X، فلدى لينكس ما يزيد عن عشرين واجهة، يعدّ اختيار واحدة منها أمرًا أكثر أهمية وأولوية من اختيار التوزيعة، وهو ما سأوضحه تفصيلًا بعد عرضي ﻷشهر الواجهات: XFCE في عام 1996 أطلق أوليفر فوردان مشروع XFCE (بالاعتماد على مكتبات GTK+) ليكون أقدم مشروع يهدف إلى تزويد المستخدم النهائي ببيئة عمل رسومية متكاملة مضمنة سطح مكتب ومجموعة من التطبيقات الأساسية، تركز Xfce على الخفة والاستقرار إضافةً لإمكانية تخصيصها بسهولة، وهذا ما يجعلها خيارًا ممتازًا للباحثين عن البساطة، المبتدئين، أو لمستخدمي الأجهزة القديمة. KDE في وقت آخر من عام 1996 كان فريق KDE مشغولًا بكتابة وتصميم بيئة العمل الخاصة بهم والتي صدرت بعد ذلك بعامين لتشمل سطح المكتب وباقة كاملة من التطبيقات، بالاعتماد على مكتبات Qt البرمجية، تركز البيئة على تقديم بصمة بصرية جذابة وتأثيرات أنيقة للغاية، وتهتم بتقديم إمكانية تعديل حتى أدق تفاصيل مظهرها وسلوكها لتناسب أذواق المستخدمين، وهي بذلك موجهة لهذه الشريحة التي تهتم بالمظهر والتخصيص. Gnome هي بيئة سطح المكتب التي عمل فريق غنوGNU على تصميمها أثناء عملهم في كتابة أدوات النظام، وذلك باعتبار مكتبات Qt المستخدمة في مشروع كدي لم تكن مرخصة بشكل حرّ آنذاك، مما أقلق فريق عمل غنو، فباشروا عملهم بكتابة مكتبات GTK+ وبناء Gnome عليها، ورغم أن مكتبات Qt رُخصت لاحقًا بشكل حرّ (في عام 2000) إلا أن المشروع بقي مستمرًا ومحققا لنجاح كبير. تركز Gnome على كونها أكثر بساطة وسهولة في السلوك والإعداد. في عام 2011 تم إعادة تصميم الواجهة بالكامل مع إطلاق إصدارها الثالث، وهدف التصميم الجديد لإلغاء الطبقات التقليدية (شريط مع قائمة) والتركيز أكثر على تجربة الاستخدام من خلال شاشات اللمس، الأمر الذي لم يلقَ ترحيبًا كبيرًا، مما أدى لظهور مشروعين مشتقين من Gnome: Mate وهو عبارة عن استمرار لواجهة Gnome 2 التقليدية، للعمل على تزوديها بترقيعات الأمان وإضافة ميزات جديدة. Cinnamon وهي استثمار في Gnome 3 والاستفادة من امكانياتها الجديدة لكن مع المحافظة على الأسلوب التقليدي في تصميم سطح المكتب، وهي تجمع بين الخفّة والمظهر الجذاب. Unity رغم حداثة عمرها (4 سنوات) إلا أن Unity حققت إنتشارًا واسعًا، وهي ليست بيئة عمل بمعنى الكلمة وإنما سطح مكتب لبيئة Gnome يهدف إلى استغلال المساحة بشكل أفضل للشاشات الصغيرة كدمج شريط القوائم بالشريط العلوي، وتتيح Unity إمكانية أفضل لمحبي استخدام لوحة المفاتيح، كمطلق Dash والذي يسهل الوصول إلى البرامج والملفات من خلال كتابة الأحرف الأولى منها، وكذلك ميزة HUD والتي تتيح البحث في قوائم البرامج لتنفيذ الأوامر المختلفة بدون الحاجة لاستخدام الفأرة. وخلافًا لباقي واجهات غنو لينكس فلا يمكن استخدام Unity سوى مع Ubuntu، بعض محاولات تشغيلها على توزيعات أخرى لا يمكن اعتبارها ناجحة بعد. لدينا كذلك مشروع LXDE المكتوب وفق GTK وهو يقدم واجهة بالحدّ الأدنى من الاعتماديات مما يجعلها أكثر بيئات سطح المكتب خفّة. وهناك مشروع Pantheon الوليد والذي يعمل فريق توزيعة elementaryOS على تطويره كسطح مكتب بديل لبيئة عمل Gnome 3. حسنًا، ماذا بعد؟ بعد سنوات من تجريبي للتوزيعات المذكورة وغيرها وفق معظم بيئات سطح العمل، وصلتُ أخيرًا إلى ما يمكن تسميته بالقاعدة الذهبية، ورغم بساطتها فهي "تعمل" ويمكنني القول بأنه يمكن للمبتدى أن يثق بها وأنها يضعها موضع التجريب والاختبار؛ باختصار لا تهتم باسم التوزيعة التي تستخدمها، انسَ موضوع الإسم والميزات وتابعني قليلًا: عشرة نقاط، ونقطة1 - باستثناء ما إذا كان لديك غرضٌ خاص، فلا تستخدم سوى التوزيعات عامة الأغراض، على سبيل المثال تعتبر Kali Linux توزيعة موجهة ﻷغراض الحماية والإختراق وليس للمستخدم العادي أو المبتدئ، كذلك الأمر مع التوزيعات الموجهة لأغراض الميديا أو سواها. 2 - لا تستخدم توزيعة لم تعدّ تطوّر أو توزيعة بُدئ تطويرها للتوّ، فتلك التي لم تعد تطوّر قد تحتوي على مشاكل أمنية أو علل برمجية غير محلولة، وأما التوزيعات التي بدُئ تطويرها للتوّ (بمعنى أن عمرها لم يتجاوز عامين أو ثلاثة) فهي لا تزال تفتقر للدعم الكبير ومن الصعوبة أن تجد من يساعدك في حلّ مشاكلها، إضافةً لعدم ضمان توقف تطويرها خلال وقتٍ قصير بعد أن تكون صرفت عليها وقتًا طويلًا في التثبيت والتعلم. 3 - استخدم واحدة من التوزيعات الكبيرة، تعلمها وابق معها، هذا هو سرّ نجاح تجربتك مع غنو لينكس وتمكنك من الانتقال النهائي إليه. لقد بقيتُ أستخدم Ubuntu لأربع سنوات متتالية قبل أن أنتقل لتجريب باقي التوزيعات والواجهات، وهذا ما أتاح لي الوقت لفهم لينكس ووفر عليّ الكثير من التشتت الذي لا يناسب المبتدئ. 4 - أقصد بالتوزيعات الكبيرة مثل التي سبق ذكرها إضافة لتوزيعات تجاوزت العشر سنوات مثل CentOS PCLinuxOS، Slackware وغيرها. 5 - توزيعات لينكس إما مبنية على تقنيات معينة أو لتحقيق أهداف وقيم ما، فالسهولة التي تريح فيها Mint المستخدم النهائي عن إعداد نظامه تكون على حساب الخفّة أحيانًا، والخفة والمرونة التي تقدمها Arch تكون على حساب السهولة، وهكذا. 6 - ورغم اختلاف الأهداف إلا أن الأمر ليس على إطلاقه إذ نتحدث هنا عن مجتمع حرّ فأية فكرة تصدر من أي فريق تعمم على الباقي، في معظم نقاشات «أيها أفضل» ستجد من يتغنى بأمجاد دبيان، أو من يذكر أن فريق فيدورا من أكثر الفرق البرمجية مساهمة في تطوير المشاريع مفتوحة المصدر، إلا أن ذلك لا يغيّر شيئًا في تجربة المستخدم النهائي، فكل ما بذله فريق دبيان (مثلا) لتسهيل عملية تركيب لينكس وإدارة الحزم بات موجودًا على جميع التوزيعات، والمساهمات التي يقدمها فريق فيدورا للبرمجيات الحرّة توزّع على باقي التنويعات أيضًا، لذا انتبه من مثل هذه الأفكار التي يُستشهد بها في نقاشات «أيها أفضل» فهي لن تغيّر شيئًا من تجربتك كمستخدم سطح مكتب. 7 - القاعدة الذهبية: الواجهة المرئية مع مدير الحزم هما ما يشكل أكثر من 80% من تجربة المستخدم النهائي، والباقي تفاصيل قد لا تفضّل أن تصدّع رأسك بها، حسب هذه النظرية فإن Fedora KDE أو OpenSUSE KDE يعني مقارنات لا طائل منها. Mint Xfce أو Xubuntu يعني اختلافات لا تكاد تذكر. تجربة المستخدم النهائي تتعلق بالواجهة المرئية أولًا، ونوع مدير الحزم ثانيًا، وعلى هذا يجب أن يدور الحديث. 8 - مدير الحزم يرتبط بالأسلوب والمعايير التي تتبعها كل توزيعة في تحزيم برامجها مما ينعكس على استقرار البرامج، حجمها، وسرعة وصول التحديثات، وكم الحزم المتوفرة لها، على سبيل المثال تفوق عدد الحزم المتوفرة في مستودعات دبيان deb تلك الموجودة في مستودعات فيدورا، بينما يتفوق مدير حزم Arch بسرعة وصول تحديثات البرامج إليه أولًا بأول. رغم ذلك فلا يجب أن تهتم كثيرًا بهذه النقطة، فالحزم غير المتوفرة على هيئة rpm لن تكون شائعة الاستخدام بالتأكيد. 9 - اختر الواجهة المرئية التي ترجّح أنها تناسبك، ثم أعطها وقتها في التجريب وطالما كانت مناسبة فلا تفكّر بتجريب غيرها قبل عدة أشهر. 10 - المشاكل، الانهيارات والعلل، موجودة أينما ذهبت في أي نظام تشغيل، وتحت أي توزيعة، وباستخدام أية واجهة، في الحقيقة ونظرًا لخبرتي فإن معظم ما نصفه بالمشاكل تأتي من قلة المعرفة والخبرة في إدارة النظام. 11 - عندما تفكّر بالانتقال إلى لينكس اعلم أنك تحتاج إلى القراءة الطويلة والمعمقة لمعرفة استخدامه، هذا النوع من القراءة قد يكلفك شهرًا أو اثنين تبعًا لوقت فراغك، لكنه سيريحك تمامًا على المدى البعيد، بينما سيسبب الاكتفاء بمواضيع المنتديات والتدوينات السطحية ونصائح من هنا وهناك ارهاقًا ومشاكل كثيرة على المدى الطويل. الواجهات في كلمات: KDE: تصميم بصري جذاب، قدرة هائلة على التخصيص، أكثر الواجهات تطلبًا للموارد.Gnome: تصميم غير تقليدي، تجربة أفضل لشاشات اللمس، بساطة في الإعدادات.XFCE: تصميم تقليدي، واجهة خفيفة للأجهزة القديمة، لكنها لا تزال تدعم التأثيرات البصرية والتخصيص العالي.LXDE: تصميم تقليدي، أخف واجهة يمكن استخدامها للأجهزة الأكثر قدمًا، امكانية تخصيص متوسطة.Unity: تصميم غير تقليدي، قدرة تخصيص متوسطة، ملاحظات على الأداء ومراعاة الخصوصية من قبل المجتمع، لا يمكن استخدامها سوى مع Ubuntu.تذكّر أخيرًا، أن ما يهمك كمستخدم سطح مكتب هو سطح المكتب ببساطة! أشياء مثل اسم التوزيعة، تاريخها، أمجادها، البرامج المبدئية، وسواها هي أشياء تصلح للنقاش في عطلة نهاية الأسبوع لا أكثر.
    1 نقطة
  23. ضمن قائمة أبرز الكتب في مجال ريادة الأعمال يوجد كتاب The Four Steps to the Epiphany (كلمة Epiphany بمعناها الإغريقي -وليس الديني المسيحي- تدل على اكتشاف المعنى والإحاطة بالدلالة. أو بصيغة أخرى إيجاد القطعة الأخيرة من الأحجية والإحاطة بالصورة كاملة). في هذا الكتاب أسس ستفين بلانك (Steven Blank) لنظرية أسماها ”تنمية العميل Customer Development“، هي عبارة عن نظام يتكون من مجموعة من العمليات لبناء حلقة تكرارية من الاختبارات، استطلاعات الرأي والتغذيات الراجعة من الزبناء (Feedback) خلال مراحل تطوير المنتج. غالبا يكون السبب الرئيسي لفشل الشركات الناشئة هو نقص الزبناء/المستخدمين للمنتج. فإذا لم يكن للمنتج عدد كاف من المستخدمين، لن يكون للشركة دخل مالي كاف لمواصلة الحياة. السبب في نقص المستخدمين/العملاء، هو أن المنتج غير مناسب. إما أن الجودة ضعيفة جدا، أو غالبا لأن المنتج لا يلبي أي حاجة لدى المستهلكين. هذا أبرز الأخطاء التي يقع فيها رواد الأعمال: بناء منتج لا أحد يحتاج إليه. بناء منتج لا يحل أي مشكلة. هذا الخطأ من السهل تجاوزه في حالة اعتماد نظرية تنمية العميل. نظرية تنمية العميل هي إطار عمل يتكون من أربع خطوات تهدف إلى اكتشاف السوق المناسب للمنتج، التحقق من حجم السوق، بناء المواصفات المناسبة للمنتج لتلبية احتياجات حقيقية لدى العميل، اختبار الطرق الملائمة لجلب المزيد من العملاء وتوفير الموارد المناسبة لتطوير وتوسيع العمل التجاري. يشبه هذا الإطار، كثيرا، مبادئ التجربة العلمية: (1) ملاحظة ووصف الظاهرة، (2) صياغة فرضية لشرح الظاهرة، (3) استخدام الفرضية للتنبؤ بنتائج ملاحظات أخرى، ثم (4) قياس كفاءة التنبؤات بناءً على التجارب العملية. ففي حالة الشركات الناشئة، أو بصفة عامة أي عملية لإطلاق منتج جديد، يتم الأمر، عبر أربع مراحل، بالشكل التالي: تسمى المرحلة الأولى بـ اكتشاف العميل (Customer Discovery)، خلالها يتم ملاحظة احتياج معين -أو مشكلة ما- لدى فئة محددة من الأفراد، فيتم وصف ذلك الاحتياج ودراسته لبناء منتج يشبع تلك الحاجة. هذا المنتج لا يجب أن يكون منتجا متكاملا يتطلب شهورا، أو سنوات، للتنفيذ. بل هو منتج يمثل الحد الأدنى المطلوب لاختبار الفرضية المقترحة لإشباع الاحتياج. تسمى هذه النسخة الخفيفة من المنتج بـ ”Minimum Viable Product“. بعد أن ينجح المنتج في تلبية احتياج الفئة الصغيرة المستهدفة، يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية؛ التحقق من العميل (Customer Validation)، أي التحقق من حجم السوق المستهدف بالمنتج. يتم خلال هذه المرحلة التحقق من حاجة السوق للمنتج، اختبار النموذج الربحي (Business Model) وبناء خارطة الطريق للبيع والتسويق. تعتمد نظرية تنمية العميل على سلسلة متواصلة من الاختبارات، تتم في كل مرحلة، للتحقق دائما من فرضية: هل ثمة عدد كاف من العملاء الراغبين في هذا المنتج، وهل يمكن لهذا السوق أن يحقق إيرادات كبيرة للشركة. إذا أثبتت الاختبارات والتغذيات الراجعة خلال أي مرحلة من المراحل الأربع -بالأخص خلال المرحلتين الأوليتين- أن حجم السوق صغير أو الإيرادات محدودة، يتم تنفيذ عملية ”التحويل Pivot“، التي يتم خلالها العودة إلى المرحلة السابقة -عادة المرحلة الأولى- لطرح افتراضات جديدة وإجراء اختبارات أخرى، والنتيجة تكون إما بناء منتج آخر مختلف، البحث عن سوق آخر، أو أحيانا كلا الأمرين. بعد أن يتجاوز المنتج عنق الزجاجة -أي المرحلة الثانية- تبدأ المرحلة الثالثة؛ خلق العميل (Customer Creation)، وخلالها يتم التوسع في تطوير المنتج وتنفيذ خطة التسويق والمبيعات بتركيز أكبر للحصول على عملاء جدد للمنتج. بعد ذلك يأتي دور المرحلة الرابعة؛ بناء الشركة (Company Building)، وهي مرحلة التوسع الكبير على مستوى العمليات والانفتاح على الأسواق الجديدة. خلالها تكبر الشركة ولا تبقى مجرد شركة ناشئة. عملية تنمية العميل ليست حلا سحريا بمجرد تنفيذه فإن رائد الأعمال يضمن نجاح مشروعه. بل هي سلسلة خطوات تركز عمل المبادر وتوجهه لطرح الأسئلة الحقيقية والاحتكاك بالسوق منذ اليوم الأول، بدل الانعزال عن العالم لأشهر طويلة لبناء منتج جديد، ثم حين يتم إطلاق المنتج في السوق يتفاجأ المبادر بأن لا أحد اهتم بالمنتج، لأن لا أحد يحتاج إلى منتج لا يحل أي مشكلة ولا يلبي أي احتياج حقيقي. تنمية العميل هي خطة لتطوير المنتجات من خلال عملية تواصل مستمرة مع السوق، في كل مرحلة من مراحلها يتم اختبار فرضيات معينة والتحقق منها بأقل تكلفة ممكنة وأسرع وقت، لتكون النتيجة إما بناء منتج متوافق تماما مع احتياجات السوق، أو الفشل سريعا -بأقل تكلفة- والتوجه لبناء منتج آخر قد تكون حظوظه في النجاح أكبر من سابقه. ستكون لنا عودة لهذا الموضوع لتفصيل المراحل الأربع لتنمية العميل، في وقت لاحق.
    1 نقطة
×
×
  • أضف...