اذهب إلى المحتوى

تبنى مديرو الشركات والمستهلكون في السنوات الأخيرة وجهات نظر متباينة حول جودة المنتج، إذ تشير العديد من الدراسات الاستقصائية الحديثة إلى مدى اتساع فجوة إدراك الجودة بين عقل المستهلك والحقيقة. ومن أجل سدّ هذه الفجوة، لجأت العديد من الشركات إلى الأساليب الترويجية لتحسين صورتها أمام عملائها واستعراض قوة منتجاتها وجودتها.

تتجلى هذه الجهود في اتجاهين؛

  • الاتجاه الأول: وهو التركيز الأكبر على جودة الإعلانات والمحتوى والكلمات والموضوعات المراد إيصالها للمستهلك، مثل الموثوقية والمتانة والاتقان. فعلى سبيل المثال، تعلن شركة فورد Ford لصناعة السيارات على أن "الجودة هي الميزة الوظيفة الأولى في سيارتها".
  • الاتجاه الثاني: هو الانتقال إلى الضمان الحقيقي للجودة وبرامج خدمات ما بعد البيع. فمثلًا، تقدم كرايسلر Chrysler ضمانًا لمدة خمس سنوات أو 80467 كيلو متر (أي 50000 ميل)؛ في حين أن بعض الشركات الأخرى تقدم خدمات ما بعد البيع بطريقة أخرى، إذ تتعهد شركة Whirlpool Corporation مثلًا بأن الأجزاء لجميع الموديلات ستكون متاحةً لمدة 15 عامًا؛ أما شركة Hewlett-Packard المعروفة بالاختصار HP، فتمنح العملاء ضمان خدمة وقت التشغيل بنسبة 99٪ على أجهزة الحاسوب الخاصة بها.

إن معرفتنا في كيفية تصور المستهلك للجودة، ستُفيدنا في الإدارة الفعالة للأفراد في الشركة، ومع ذلك، نادرًا ما نستطيع العثور على المقالات الأكاديمية الواضحة لتطبيق هذا الأمر. نسعى في هذا الطرح أن يدرك الجميع مدى أهمية الجودة المدركة ليس فقط الأكاديميون، وإنما المسوقون ومديرو العلامات التجارية، وكذا مديري التسويق ومديري الاتصالات التسويقية أيضًا، وذلك لكي يستكشفوا هذا المفهوم بعمق ويستثمر في تعزيز وتطوير جودة المنتج المتصورة في عقول العملاء.

وعمومًا، عند تطوير منتجات أو خدمات ذات جودة عالية، غالبًا ما تفشل الشركات في مراعاة مجموعة من الأسئلة وهي:

تبدو هذه الأسئلة للوهلة الأولى عادية، إلا أن الإجابات ليست سهلة، ولكن بمجرد إجابتنا عليها، سنستطيع بناء معلومات أساسية حول كيفية إنشاء برنامج جودة فعال يحركه العميل. ويجب ألا ننسَ أن العملاء هم بمثابة الحكم النهائي للجودة في السوق.

ما هي الجودة المدركة Perceived Quality

حاول العديد من الباحثين تحديد تعريف مفهوم الجودة المدركة. فمثلًا، يرى زيتامل بأن الجودة المدركة هي "حكم المستهلك على الامتياز العام للمنتج أو تفوقه"، كما يعتقد بأن من خصائص الجودة المدركة هي:

  1. تختلف الجودة المدركة عن الجودة الحقيقة.
  2. صفة عالية المستوى ومجردة أكثر من كونها إحدى ميزات منتج معين.
  3. تُعَد تقييمًا عامًا وتشبه الحالة الموقفية تجاه منتج ما.
  4. حكم يُتخذ عادةً على منتج ضمن مجموعة مستحضرة من المنتجات Evoked Set.

أما أكار Aaker فيرى بأن تعريف الجودة المدركة هو "تصور العميل للجودة الشاملة أو تفوق المنتج أو الخدمة فيما يتعلق بالغرض المقصود منها بالمقارنة مع البدائل". وبالرغم من وجود الكثير من التعريفات من العديد من الباحثين، إلا أن كل تعريف له معنى مشترك؛ أي أن جودة المنتج المدركة هي تصور المستهلك للمكونات الإجمالية للمنتج، بمعنى الخصائص الملموسة وغير الملموسة. ويمكن أن تشمل أيضًا الأداء والميزات والموثوقية والتوافق والمتانة، وإمكانية تقديم خدمة ما بعد البيع، والجماليات وما إلى ذلك؛ كما يرى أكار بأن الجودة المدركة تختلف عن الجودة الفعلية Real Quality للمنتجات والخدمات.

علاقة الجودة المدركة مع شكل المنتج

يختلف تصور المستخدم لجودة المنتج وطريقة فحصه لها عن طريقة فحص الحكومات ومنظمات الجودة العالمية، مثل المنظمة الدولية للتقييس International Organization for Standardization، ويشار إليها بأيزو ISO، وذلك إشارةً إلى شهادات الجودة الخاصة بها، إذ تفحص هذه المنظمات الجودة من خلال فريق هندسي مختص، والذي يقيس معايير نجاح المنتج وفشله في الاختبارات المتنوعة، وفي تحقيق وظيفته الأساسية، وقيم التسامح مع النتائج الخاصة به، ودقة الأبعاد، وتحليل العيوب الهيكلية والعديد من الأمور الأخرى.

أما المستهلك فله طريقة أخرى لفحص الجودة، فعندما يذهب إلى السوق لشراء منتج ما، فلن يجلب معه مسطرةً لمعرفة ما إذا كانت أبعاد المنتج صحيحة، كما تنص المواصفات الموجودة على غلاف المنتج أو في الدليل الإرشادي، ومن المحتمل ألّا يحكم بوعي على مكون معين أو تفاصيل المنتج الدقيقة، وسوف يحكم غريزيًا على الجودة الإجمالية للمنتج بناءً على نظرة سريعة على المنتج ربما لمدة 10 إلى 15 ثانية.

وإذا كان المستهلك مهتمًا فعلًا بمعرفة المزيد عن المنتج، فعندها سيحاول التفاعل معه بقدر ما يسمح له مسؤول المتجر. بعد ذلك سينتقل لإلقاء نظرة على منتجات مماثلة للموازنة، وأخيرًا، سيقرر أي المنتجات سيشتري. في الحقيقة، يمكن أن يتأثر حكمهم دون وعي بسبب الاختلالات الصغيرة أو الخدوش والعيوب الأخرى الموجودة في المنتج أو الغلاف (العبوة)، مما يؤدي إلى تعميم هذا التصور على جميع المنتجات الأخرى للعلامة التجارية. ولتوضيح الفكرة أكثر، لنأخذ هذا المثال التالي: لدينا عبوتان مخصصتان لتعبئة المياه، لنلقِ عليهما نظرةً في الصورة التالية

علاقة الجودة المدركة مع شكل المنتج

نلاحظ بأن المنتجين لهما نفس وظيفة تخزين المياه، وأنهما متشابهين في الحجم، ولكن كيف سيحكم العملاء على الجودة من خلال الشكل؟ إذا دققنا النظر في زجاجة المياه البيضاء، فسنُلاحظ وجود خط أسفل الزجاجة. ينتج هذا الخط عن طريقة الإنتاج التي تتبعها الشركة وغالبًا ما يمكن تفاديها، غير أن هذا الخط يمكن أن يُشعر المستهلك بأن الزجاجة تتكون من مكونين على عكس مظهر الزجاجة الأرجوانية التي توحي بأنها تتألف من مكون الواحد.

2.jpg

في الواقع، إن هذا الخط يكسر الاستمرارية البصرية Visual Continuity للزجاجة وسيؤثر على جمالية الزجاجة وتصميمها، فبالرغم من إمكانية أن تكون وظيفتها -حفظ الماء- فعالة جدًا، إلا أن المستهلك يمكن أن يرى ذلك عيبًا فيها، ومن جانب آخر نلاحظ أن العبوة الأرجوانية لديها مظهر متسق وانسيابي.

3.jpg

بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ بأنه يمكن أن يكون ملمس الزجاجة البيضاء اللامعة أملس ومختلف عن الزجاجة الأرجوانية ذات الملمس الخشن، بالتالي يمكن أن يعطي ذلك شعورًا بالجودة، كما يمكن أن يمثل هذا السطح اللامع إشارةً للمتانة المنخفضة، وذلك لأن السطح اللامع يمكن خدشه بسهولة أكبر من السطح غير اللامع، كما أن الخدوش ستكون أكثر وضوحًا عليه. وبالتالي يمكن أن يهتم العملاء أيضًا بقدرة الزجاجة على إبقاء المياه باردة -أو ساخنة- لأطول فترة زمنية ممكنة؛ وفي هذه الحالة، سيكون الحفاظ على درجة حرارة المياه جانبًا من جوانب وظائف المنتج.

وبالرغم من صعوبة تقدير ذلك بمجرد النظر إلى الزجاجة في المتجر، إلا أن تغيير لون العبوة الأرجواني إلى الأزرق الفاتح مع إضافة صور كرات ثلجية على العبوة يمكن أن يعزز من تصور العميل لجودة العبوة، ألا تتفق معي في ذلك؟

في الحقيقة تختلف طريقة ملاحظة الجودة بحسب المنتجات والمستهلكين والصناعة، ولكل حالة لها طريقة معينة في إظهار جودة منتجها وتميزها عن منافسيها، فطريقة تفاعل المستهلكين مع المنتج الصناعي تختلف عن طريقة المنتج العادي، ويجب أخذها في الحسبان عند تطوير أي نوع من المنتجات أو الخدمات.

تختلف الطريقة التي تدمج بها كل شركة الجودة المدركة في منتجاتها، لكن الطريقة التي تؤثر بها على المستخدم النهائي متشابهة جدًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجودة المدركة لها تأثير كبير على تجربة المستخدم ويمكن أن يجعلها أكثر إمتاعًا إذا أُخذت بالحسبان مُبكرًا في مراحل تطوير المنتج.

تؤثر الجودة المدركة كثيرًا على الطريقة التي يرى بها المستخدمون منتجًا معينًا وحتى علامة تجارية، مما يجعل منتجًا أو علامةً تجاريةً معينةً تبرز عن منافسيها. وتضيف الجودة المدركة الكثير من الفوائد للشركات والعلامات التجارية لنستعرض بعضًا من هذه الفوائد في الفقرة التالية.

أهمية الجودة المدركة للمنتجات والخدمات

هناك تعطش سائد لإظهار أن الاستثمار في قيمة العلامة التجارية Brand Equity سيؤتي ثماره، بالرغم من صعوبة ربط الأداء المالي بأي أصل غير ملموس (سواءً تعلق الأمر بالأشخاص أو التكنولوجيا أو قيمة العلامة التجارية)، إلا أن الشركات مع ذلك استثمرت في تعزيز قيمة العلامة التجارية وانتشرت هذا الأمر في العديد من الشركات الأخرى، مما استدعى انتباه الباحثين لهذا الأمر ليبدأوا بعد ذلك في دراسة جدوى استثمار الشركات في تعزيز قيمة العلامة التجارية.

ومن بين الباحثين، كان هنالك الباحث ديفيد أكار David Aaker الذي اهتم بهيكلة طريقة الاستثمار في قيمة العلامة التجارية ونشر العديد من الأبحاث والكتب، ومن هذه الكتب، كتاب "بناء علامات تجارية قوية Building Strong Brands".

شرح ديفيد في هذا الكتاب كيف يمكن للجودة المدركة أن تساعد في تعزيز ربحية الشركات والعلامات التجارية من استعراضه لثلاث دراسات جاء فيها:

  • أظهرت الدراسة الأولى التي تستخدم قاعدة بيانات PIMS (البيانات السنوية التي تقيس أكثر من مئة متغير لأكثر من 3000 وحدة عمل) أن الجودة المدركة هي أهم مساهم في عائد الشركة على الاستثمار Return On Investment، ولها تأثير أكبر من الحصول على حصة سوقية أكبر، أو الاستثمار في البحث والتطوير، أو زيادة نفقات التسويق. بل يمكن أن تساهم الجودة المدركة في ربحية الشركة جزئيًا من خلال تحسين الأسعار وزيادة الحصة السوقية.
  • كشفت دراسة أخرى مدتها خمس سنوات أجراها كلايس فورنيل وزملاؤه في المركز القومي لأبحاث الجودة بجامعة ميشيغان على 77 شركة في السويد، ووجدوا بأن الجودة المدركة كانت الدافع الرئيسي لرضا العملاء، والذي بدوره له تأثير كبير على زيادة العائد على الاستثمار.
  • أظهرت الدراسة الثالثة والتي شملت 33 شركة مدرجة في البورصة على مدى أربع سنوات، أن الجودة المدركة كان لها تأثير على ربحية السهم والعائد على الاستثمار عليه. نظرت الدراسة في شركات مثل American Express و AT&T و Avon و Citicorp و Coke و Kodak و Ford و Goodyear و IBM و Kellogg’s و 23 شركة أخرى حققت لها العلامة التجارية للشركة قدرًا كبيرًا من المبيعات والأرباح.

وعمومًا، يمكن تلخيص أهم فوائد الجودة المدركة على الشكل التالي:

1. زيادة هوامش الأرباح والمبيعات

نظرًا لزيادة الجودة المدركة في أعين وعقول المستهلكين، فستكون أكبر ، وعندها يمكن رفع أسعار أرباح المنتجات بالمقارنة مع المنافسين بدون أن نرى أي تذمر من المستهلكين، في الحقيقة، يمكن أن يفسر المستهلكون بأن زيادة الأسعار لمصلحتهم في المستقبل من خلال إعادة استثمار الشركة في مراكز البحث والتطوير لصناعة منتجات جديدة تعزز من جودة حياة العملاء.

زيادة هوامش الأرباح والمبيعات

2. قوة العلامة التجارية والحصة السوقية

قد تؤدي جودة المنتج المتصورة إلى قوة العلامة التجارية وحصة السوق المهيمنة لنتأمل الشكل التالي.

قوة العلامة التجارية والحصة السوقية

نلاحظ من الشكل التالي بأن رواد الأعمال وأصحاب الشركات لديهم إحساس واضح باحتياجات ورغبة مجموعة محددة من العملاء، فهم ينتجون المنتجات ويقدمون الخدمات المرتبطة التي تلبي تلك الاحتياجات بطريقة جيدة للغاية، تضمن تدابير مراقبة الجودة الفعالة تلبيتهم للاحتياجات بطريقة صحيحة في المرة الأولى عند تقديم تلك المنتجات والخدمات، لذلك فهم يحققون جودةً عاليةً في المجالات التي تهم العميل مع هيكل تكلفة لا يزيد عن تلك الخاصة بالمنافسين الأقل جودة.

بعد ذلك، يعلنون عن مزايا منتجاتهم الإضافية والمميزة. وعندها سيُدرك العميل الجودة والقيمة الاستثنائية التي تقدّمها الشركة لتستطيع الشركة في نهاية المطاف الحصول على علامة تجارية قوية وتليها حصة سوقية مهيمنة.

3. زيادة قيمة العلامة التجارية Brand Equity

بما أن الجودة المدركة هي أحد الأبعاد الرئيسية لقيمة العلامة التجارية، فإن أي زيادة في الجودة المدركة تصحبها زيادة قيمة العلامة التجارية الأمر، الذي يساعد الشركة على زيادة كفاءة وفعالية برامج التسويق والولاء للعلامة التجارية، وتوسعات العلامة التجارية المستقبلية، والعديد من المزايا التنافسية الأخرى. علاوةً على ذلك، يمكن أن تكون جودة المنتج المدركة أساسًا لتوسع العلامة التجارية، فإذا كانت العلامة التجارية تحظى بتقدير جيد في سياق صناعة السيارات، فعندها سيكون أي توسع للعلامة التجارية مثل صناعة الشاحنات أو الدرجات الآلية، بمثابة تصور للعملاء عنه أنه ذو جودة عالية. بالتالي يمكن للإدراك العالي للجودة أن يوفر على العملاء ما يلي:

  1. تجنب صعوبة تفسير ومعالجة المعلومات.
  2. الثقة في قرار الشراء.
  3. الرضا عن عملية الشراء.

4. القيمة المدركة Perceived Value

تعرّف القيمة المدركة بأنها التقييم العام للعميل لفائدة المنتج أو الخدمة، بناءً على التصورات المبنية لما استلمه وقدمته له الشركة من خلال المنتج أو الخدمة (على سبيل المثال، تكون القيمة المدركة لخدمة تنظيف البيوت هي النظافة التي يشعر بها العميل بعد مغادرة عمال الشركة).

توفر القيمة المدركة تصورًا واضحًا للعلامة التجارية وللقيمة التي تقدمها، مما يجعل القيمة المدركة سببًا محوريًا للشراء، كما أن الجودة المدركة ستؤثر على العلامات التجارية التي تُضمن، وتستبعد من مجموعة الاعتبار Consideration Set، وهي مجموعة صغيرة من العلامات التجارية التي يوليها المستهلك اهتمامًا وثيقًا عند اتخاذه لقرار الشراء لحل مشكلة أو تلبية الحاجة التي يواجهها.

5. زيادة العائد على الاستثمار Returns on Investment

بما أن الشركة سيكون لها حضورًا قويًا في السوق وفي أذهان العملاء، فعندها سيؤتي أي استثمار فيها ثماره؛ لأن نجاح الشركة أو العلامة التجارية في اقناع المستهلكين بالجودة الحقيقية للمنتج سيعزز من ربحيتها والعائد على الاستثمار Returns on Investment، حتى وإن استثمرت المال في أقسام البحث والتطوير، والتي تكون نتائجها على المدى البعيد نسبيًا.

أبعاد جودة المنتج المدركة

يختلف المستهلكون بحسب المنطقة الجغرافية والثقافات والأذواق. ومع هذا الاختلاف، تبرز أهمية الاهتمام بالجودة الخاصة بعقل كل مستهلك. ومن هذا المنطلق، ظهرت فكرة أبعاد الجودة التي يمكن أن يَعُدها المستهلك قيّمةً، ومن هذه الأبعاد نذكر الآتي:

  1. الأداء Performance: المستويات التي تعمل فيها خصائص المنتج الأساسية (مستوى منخفض ومتوسط ومرتفع ومرتفع جدًا). فبالنسبة للسيارات مثلًا، يمكن أن تشمل هذه سمات التسارع وناقل السرعة وسرعة الانطلاق؛ أما بالنسبة لجهاز التلفاز، فإنها ستشمل وضوح الصوت والصورة واللون والقدرة على استقبال المحطات البعيدة وهكذا.
  2. المميزات Features: عناصر المنتج الثانوية والتي تكمل الخصائص الأساسية. تشمل الأمثلة المشروبات المجانية على متن طائرة، وأجهزة التوليف الأوتوماتيكية على جهاز التلفاز القديمة.
  3. الاتساق مع مواصفات المنتج Conformance with Specifications: درجة مطابقة المنتج للمواصفات، ويكون خاليًا من العيوب، وهي نظرة تقليدية للجودة موجهة نحو التصنيع.
  4. الاعتمادية Reliability: وهو اتساق الأداء من كل عملية شراء إلى التي تليها، أي أنها الاستمرارية في جودة الأداء مع مرور الوقت. عادةً ما يولي المصنعون اليابانيون اهتمامًا كبيرًا لهذا البعد من الجودة المدركة، ويستخدمونه لاكتساب ميزة تنافسية في صناعات السيارات، والإلكترونيات الاستهلاكية، وأشباه الموصلات، وآلات النسخ.
  5. المتانة Durability: وهي العمر الاقتصادي المتوقع للمنتج، أي إلى متى سيستمر المنتج بالعمل بطريقة صحيحة؟ لطالما جعلت شركة فولفو لصناعة السيارات سيارتها متينةً، بحيث يعكف المستهلكون لشراء هذا النوع من المنتجات في أوقات الأزمات والكساد.
  6. قابلية الإصلاح Serviceability: سهولة إصلاح المنتج أو صيانته والسرعة والكفاءة في إصلاحه. بدأ عدد من الشركات في التأكيد على هذا البعد للجودة المدركة، إذ تتعهد شركة كاتربيلر Caterpillar مثلًا بأنها ستوفر قطع غيار في أي مكان في العالم في غضون ثمانية وأربعين ساعة، كما أن ضمانات مرسيدس لخدمات 24 ساعة في كاليفورنيا وأريزونا تظهر أنه حتى كبار المنتجين يعتقدون أن هذا النهج له قيمة.
  7. الملائمة واللمسات النهائية Fit and Finish: يشير إلى المظهر والشعور بالجودة، ويُعَدّ هذا البُعد مهمًا لأن العملاء يستطيعون الحكم عليه بسهولة من نظرتهم للمنتج، وعادةً ما يكون الافتراض هو أنه إذا لم تستطع الشركة إنتاج منتجات ملائمة وذات ذات مظهر جيد، فمن المحتمل ألا تحتوي المنتجات على سمات الجودة الأخرى، فبالنسبة لشركات السيارات مثلًا، يمكن أن ينعكس بُعد الملائمة واللمسات النهائية من خلال جودة طلاء السيارة وملاءمة الأبواب.

من الأبعاد المختلفة للجودة المدركة، يمكن استنتاج أن جودة المنتج المدركة يمكن أن تختلف عن الجودة الفعلية للمنتجات (جودة التصنيع) كثيرًا؛ أي على الرغم من أن الجودة الفعلية للمنتجات جيدة، إلا أنه من الممكن أن يُنظر إلى المنتجات بطريقة سلبية. وبالتالي يجب الاهتمام بالبعد المناسب للجودة بحسب المستهلك والسوق والصناعة.

المؤثرات على الجودة المدركة

تتأثر الجودة المدركة بالعديد من الأمور يمكن تقسيم هذه المؤثرات إلى نوعين وهما:

1. الإشارات الداخلية Intrinsic Cues

وهي الخصائص الفيزيائية للمنتج نفسه، بما في ذلك الحجم أو اللون أو النكهة أو المظهر أو الرائحة. يمكن للمستهلكين استخدام هذه الخصائص الفيزيائية للحكم على جودة المنتج. ولذلك تستثمر بعض الشركات بكثافة في تحسين الخصائص الداخلية لمنتجاتها. فعلى سبيل المثال، استأجر قسم كاديلاك التابع لشركة جنرال موتورز شركة تصميم السيارات الإيطالية Pininfarina من أجل تصميم سيارة Allante الجديدة لإضفاء مظهر أوروبي عليها.

2. الإشارات الخارجية Extrinsic Cues

هي السمات التي لا تشكل جزءًا من المنتج المادي. مثل السعر، أو صورة العلامة التجارية، أو صورة الشركة المصنعة، أو صورة متجر البيع بالتجزئة، أو بلد المنشأ، أو قنوات التوزيع، أو صورة العلامة التجارية، أو الشهادات، أو الضمان، أو الإعلان، أو الحصة السوقية، أو اسم العلامة التجارية، أو اسم المتجر.

تشير التجارب العملية إلى أن تصورات المستهلك لجودة المنتج تتشكل على أساس مجموعة من الإشارات الخارجية، وذلك لأنه لا يمكن للمستهلكين استخدام الخصائص المادية للحكم على جودة المنتج بسهولة في بعض الحالات، بالتالي يمكن عندها استخدام الإشارات الخارجية، ولذلك لا ينبغي لممارسي التسويق التغاضي عن هذه الإشارات.

بناء تصورات واضحة عن جودة المنتجات

عادةً ما يكون تحقيق تصورات الجودة أمرًا مستحيلًا ما لم يكن للمطالبة بالجودة مضمونًا. ويتطلب تحقيق الجودة العالية فهم ما تعنيه الجودة لشرائح العملاء، فضلًا عن ثقافة داعمة وعملية تحسين الجودة التي ستمكن المنظمة من تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة. ومع ذلك، فإن إنشاء منتج أو خدمة جيدة هو انتصار جزئي فقط؛ إذ يجب إنشاء تصورات في أذهان العملاء أيضًا. ومن المشاكل التي تواجهها الشركات والعلامات التجارية عند السعي إلى بناء تصور عن الجودة، نجد الآتي:

  1. تأثر المستهلكين تأثرًا مفرطًا بالصورة السابقة للمنتجات ذات الجودة الرديئة، ولهذا السبب يمكن ألّا يصدقوا الادعاءات الجديدة، أو لا يكونون مستعدين لتخصيص الوقت للتحقق منها. وجدت كل من الشركات Suntory Old Whisky و Audi automobile و Schlitz بأن صنع منتجات ممتازة لم يكن كافيًا لمحو شكوك المستهلكين التي أثارتها جودة المنتجات السيئة سابقًا، وأحيانًا يكون من المستحيل إقناع المستهلكين.
  2. يمكن أن تحقق الشركة الجودة في بُعد لا يراه المستهلكون مهمًا. فمثلًا، عندما أراد مصرف سيتي بانك Citibank أحد أكبر المصارف في العالم زيادة كفاءة المكاتب الخلفية وتسريع العمليات في البنك أكثر من خلال أتمتة أنشطة المعالجة الخاصة بها، كان التأثير المتوقع على تقييمات العملاء مخيبًا للآمال، فقد اتضح أن العملاء إما لم يلاحظوا التغييرات، أو لم يدركوا أي فائدة منها؛ لذلك يجب التأكد من أن الاستثمارات في الجودة تحدث في المجالات التي سيكون لها صدى لدى العملاء.
  3. نادرًا ما يمتلك المستهلكون جميع المعلومات اللازمة لإصدار حكم منطقي وموضوعي على الجودة، حتى إذا كانت لديهم المعلومات، إذ يمكن أن يفتقروا إلى الوقت والحافز لمعالجتها. ونتيجةً لذلك، فإنهم يعتمدون على واحد أو اثنين من الإشارات التي يربطونها بالجودة؛ ويُعَدّ مفتاح التأثير على الجودة المدركة هو فهم وإدارة هذه الإشارات بطريقة صحيحة، ولذلك من المهم فهم الأشياء الصغيرة التي يستخدمها المستهلكون كأساس لإصدار حكم على الجودة.
  4. غالبًا ما يفتقر المستهلكون لمعرفة أفضل السبل للحكم على الجودة، ولذلك في بعض الأحيان إلى الإشارات الخاطئة، وفي هذه الحالة يجب أن تصحح الشركة طريقة الحكم على الشركة ومنتجاتها.

من المهم أن يجعل جميع مديري التسويق جودة المنتج المتصورة تتطابق مع الجودة الفعلية. إذا كانوا متأكدين من أن منتجاتهم ذات جودة فعلية وحقيقة. ولتحقيق ذلك، يُنصح باتباع هذه الملاحظات التالية:

  1. توصيل فكرة الجودة بصورة مستمرة: يجب عليك توصيل المعلومات حول جودة المنتج لعملائك بصورة مستمرة باستخدام أدوات الاتصالات التسويقية المتكاملة، مثل: الإعلانات، والعلاقات العامة، وترويج المبيعات، والتسويق المباشر، والبيع الشخصي وما إلى ذلك.
  2. لا تبالغ في التحدث عن جودة منتجاتك: بالرغم من أن منتجاتك ذات جودة عالية، إلا أن كثرة التباهي بالجودة سيجعل العملاء يبالغون في توقعاتهم أيضًا ليشعروا بأن المنتجات لا يمكن أن ترضيهم كما توقعوا، وهذا سيخلق استياءً من العلامة التجارية. لن تؤدي التكتيكات الترويجية وحدها المهمة هنا، وذلك لأن العملاء يمكن أن ينظروا إليها على أنها حيل.
  3. الاعتناء بالصورة الكاملة للعلامة التجارية: يجب الانتباه إلى سياسة الأسعار وصورة المتجر والإعلان والضمانات التي تقدمها الشركة وصورة العلامة التجارية وما إلى ذلك، كما يمكن أن تؤثر هذه العوامل على جودة المنتج المدركة تأثيرًا مباشرًا. فمثلًا، يجب ألا تستخدم استراتيجية التسعير المنخفض، لأن ذلك سيُخفض من الجودة المدركة في أذهان المستهلكين نظرًا لاعتقاد معظمهم بأن المنتجات الرخيصة للغاية رديئة وسيئة.

الجودة المدركة كمحرك استراتيجي

الجودة المدركة هي متغير استراتيجي رئيسي للعديد من الشركات على مدار العقد الماضي. وهي جانب من جوانب إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management، وعادةً ما تكون الجودة المدركة هي الهدف النهائي لبرامج إدارة الجودة الشاملة. تصرح العديد من الشركات بأن الجودة هي إحدى قيمها الأساسية وتدرجها في بيان مهمتها. على سبيل المثال، أحد المبادئ التوجيهية التي وضعها رئيس شركة IBM لو جيرستنر Lou Gerstner هو "الالتزام الطاغي بالجودة".

في الحقيقة، غالبًا ما تكون الجودة المدركة هي البعد الرئيسي لتحديد موقع العلامات التجارية في السوق وخصيصًا للعلامات التي تتوسع لمنتجات مختلفة، مثل توشيبا Toshiba، أو فورد Ford؛ والعلامات التجارية الأخرى التي تتنوع بين فئات المنتجات، مثل وايت ووتشرز Weight Watchers، وكرافت Kraft؛ والعلامات التجارية للمتاجر ،مثل سيفوي Safeway؛ ذلك لأن هذه العلامات التجارية الممتدة لفئات منتجات متعددة من غير المرجح أن تكون جميع منتجاتها مدفوعةً بالمزايا الوظيفية، ومن المرجح أن تلعب الجودة المدركة دورًا أكبر فيها.

المحافظة على الجودة في عالم متغير الأذواق

أذواق المستهلكين متغيرة بصورة كبيرة جدًا، إذ لا يكاد يظهر موضوع جديد في وسائل التواصل الاجتماعي إلا ويؤثر على طريقة حياة المستهلكين واختياراتهم، وبطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على وسائل التواصل فحسب، وإنما تتأثر أذواق المستهلكين بالعديد من الأمور؛ لذا ففي طريقنا لبناء جودة عالية لمنتجاتنا وخدماتنا، لا بد أن نصطدم بسؤال مهم جدًا كيف يمكننا المحافظة على الجودة في هذا التغير المستمر لأذواق المستهلكين؟ للإجابة على هذا السؤال سنستعرض قصة حدثت في نهاية القرن الماضي.

قرب نهاية العقد الماضي فشلت العديد من الشركات الأمريكية في ملاحظة التفاؤل الذي جاء بعد التشاؤم السائد في منتصف السبعينيات بسبب أزمة النفط التي عانت منها الدول الصناعية، فقد كانت هذه الأزمة تثير الكثير من السلبية وتُحجم المستهلكين عن الإفراط في الشراء بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.

لقد أشارت العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت خلال السبعينيات إلى طبيعة ومدى هذا التحول؛ فعلى سبيل المثال، أظهرت استطلاعات رأي أجرتها جالوب Gallup بأن 55% من المستجيبين للاستطلاع رأوا بأن "العام المقبل سيكون أسوأ من هذا العام"، وهذه النسبة مرتفعة جدًا؛ إذ كانت النسبة 21% في أوائل السبعينيات. وفي الواقع، كانت كل المقاييس تشير إلى أن الشعب الأمريكي متشائم بما يخبئه له المستقبل.

في ظل هذه الأجواء، بدأت تظهر أنماط وأولويات جديدة في طريقة استهلاك الشعب للمنتجات، وذلك بسبب النقص الحاد في النفط، فقد عدّل الأمريكيون نمط حياتهم من خلال عمليات شراء أكثر مسؤوليةً وموضوعية مثل الشراء النزيه Integrity، والشراء الاستثماري Investment، والشراء على أساس دورة حياة المنتج Life-Cycle.

الشراء النزيه هو عمليات الشراء التي تُجرى لأهميتها المدركة للمجتمع وليس للمصلحة الشخصية للمستهلك كما كان معتادًا آنذاك. على سبيل المثال، يكون شراء سيارة صغيرة موفرة للطاقة دليلًا على النزاهة الشخصية للمشتري وحرصه على المصلحة العامة؛ أما الشراء الاستثماري، فهو الشراء الموجّه نحو المنتجات طويلة الأمد، حتى لو أدى ذلك لدفع المزيد من الأموال، إذ ينصب التركيز هنا على قيم معينة، مثل المتانة والموثوقية والحرفية وطول العمر. ففي مجال صناعة الملابس مثلًا، بدأ المزيد من المصنّعين الأمريكيين في التأكيد على القيمة الاستثمارية للملابس وطول عمرها.

من ناحية أخرى، الشراء على أساس دورة حياة المنتج هو الشراء الذي يركز على طول دورة حياة المنتج، فعلى سبيل المثال، يرى البعض مصباحًا كهربائيًا يستخدم ثلث كمية الكهرباء بالمقارنة مع المصباح التقليدي، ويدوم أربعة أضعاف عمر التقليدي وسعره 10 دولارات أمريكية سيكون صفقة أفضل من المصباح التقليدي الذي يبلغ سعره 1 دولار.

أضاعت الشركات فرصة الاستفادة من هذا التحول الأساسي في مواقف المستهلكين عندما تجاهلوا رصد المعلومات، والاتجاهات الجديدة للمستهلكين، والاستجابة لها في الوقت المناسب، تعكس هذه التغييرات في سلوك الشراء النظرة المتشائمة للمستهلكين وتركيزهم المتزايد على الجودة بدلًا من الكمية مندفعين بجملة "إذا كنا سنشتري أقل، فليكن أفضل". وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ما يزال هذا النمط من الشراء في تصاعد، مع زيادة الاهتمام الزائد في البيئة واستخدام المواد المُعاد تدويرها والمواد التي تخفف من الانبعاثات الكربونية في المصانع.

إن المستهلكين المهتمين بقضايا البيئة لديهم تعريفًا مختلفًا للجودة يجب أخذها بالحسبان إذا أرادت الشركات البقاء في السوق والمنافسة.

الخاتمة

تعرفنا في هذا المقال على ماهية الجودة المدركة، فبدأنا أولًا بالاطلاع على تعريفها وعلاقتها مع شكل المنتج، بعدها انتقلنا إلى معرفة أهميتها للعلامات التجارية والشركات، من خلال زيادة هوامش الأرباح والمبيعات وقوة العلامة التجارية وحصتها في السوق، بالإضافة إلى زيادة القيمة المدركة والعائد على الاستثمار ROI، كما استعرضنا أيضًا أبعاد الجودة المدركة المعروفة لتنويع مفهوم الجودة واختلافه بحسب المستهلكين، واطلعنا أيضًا على المؤثرات التي تضعف الجودة المدركة سواء المؤثرات الداخلية والخارجية، وعلى كيفية بناء تصورات واضحة في أذهان المستهلكين عن الجودة، كما فهمنا كيفية جعل الجودة المدركة كمحرك استراتيجي للعلامة التجارية، لنصل في الأخير لمعرفة كيفية المحافظة على الجودة في عالم متغير الأذواق.

وختامًا يجب الاهتمام بالجوانب التسويقية لبرامج تحسين الجودة بنفس القدر من الاهتمام بالجودة، وذلك لأنه ما من جدوى لبناء جودة بدون أن يتعرف عليها أحد.

نادرًا ما يمتلك المستهلكون جميع المعلومات اللازمة لإصدار حكم منطقي وموضوعي على الجودة - وحتى إن كانت لديهم المعلومات، فيمكن أن يفتقروا إلى الوقت والحافز لمعالجتها وتحليلها. ونتيجةً لذلك، فإنهم يعتمدون على واحد أو اثنين من الإشارات التي يربطونها بالجودة.

مفتاح التأثير على الجودة المدركة هو فهم وإدارة هذه الإشارات بطريقة صحيحة. والتأثير عليها. وفي النهاية يجب أن تكون الجودة مدفوعةً بالعميل أولًا، وليست مدفوعةً بزيادة دمج بالتكنولوجيا، أو بزيادة الإنتاج، أو بالمنافسة.

المصادر

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...