اذهب إلى المحتوى

يواجه بعض مديري المنتجات الذين عملوا لفترات تتجاوز العقد في شركات صغيرة نوعًا ما صعوبات في التأقلم مع التغير الكبير في سوق العمل، والناجم عن تعاظم استخدام البيانات في مجال إدارة المنتجات مقارنةً بالفترة التي بدأوا العمل فيها وبنوا فيها مهاراتهم الأساسية في المجال. في هذا السياق تقول آنا بيرجس يان Anna Burgess Yan بأنها وجدت نفسها في سنة 2020 ضجرةً من دورها كمديرة منتجات متمرسة في شركة عملت بها لمدة 15 عامًا، ولهذا بدأت البحث عن وظيفة مماثلة لدى شركات أخرى، وهنا تلقت صدمةً كبيرةً حين عرفت أن لدى مديري المنتجات الآخرين أدوات تساعدهم على اتخاذ القرارات، كما أنهم يعتمدون على البيانات ويستطيعون قياس اعتماد المنتج، فالمنتج الرقمي الذي استخدمته Anna وطبقته وأدارته لمدة طويلة جدًا لم يكن مبنيًا على شبكة الإنترنت، ولم يكن حتى موجودًا على مضيف مواقع، بل استُعمل خادم أحد الزبائن بواجهة من نوع NET. وقاعدة بيانات من نوع SQL؛ كما لم تكن لديها قابلية للوصول إلى استعمالات أخرى له باستثناء ما يخص الحديث مع العملاء ومراجعة الأخطاء المبلغ عنها وطلبات التحسين. ونتيجةً لذلك، قضت سنينًا معتمدةً على حدسها الخاص بدل البيانات في قيادة القرارات المتعلقة بالمنتج، ولم تكن متأكدةً من أنها تستطيع النجاح كمديرة منتجات في مكان آخر.

على الرغم من ذلك، لا يمكننا الجزم بأن مهارة الفهم الفطري لاستخدام المنتج لم تكن ذات قيمة، فهي مهارة جوهرية لنجاح المنتج، إذ تبدأ إدارة المنتجات فعليًا اعتمادًا على فرضيات حول احتياجات المستخدم النهائي للمنتج، مدعومةً لاحقًا بالبيانات. وهنا، يعرف مديرو المنتجات الممتازون كيفية الدمج بين الإثنين.

فهم المستخدم هو جوهر إدارة المنتجات

تتيح التجارب الشخصية لمديري المنتجات، وخلفياتهم في مجالات العمل الأخرى إمكانية بناء فهم عميق لاحتياجات المستخدمين حتى دون بيانات تدعم هذا الفهم. تقول Anna هنا بأنها لم تتّبع الطريق التقليدي في إدارة المنتجات، إذ بدأت تستعمل منتجات التكنولوجيا المالية كمستخدم نهائي في جزء من حياتها اليومية كموظفة في بنك، وذلك قبل التحاقها بشركة أخرى كمتخصصة في تنفيذ المنتجات لتساعد على ضم عملاء جدد.

كانت الشركة صغيرةً ومتعثرة، ولم يوجد فيها دور مدير منتجات، ولاحظت Anna وجود حاجة إلى وسيط بين قسم خدمات العملاء ومجموعة المطورين، فكتبت توصيفها الوظيفي بنفسها واقترحت الدور، وهكذا أصبحت مديرة منتجات. ومن خلال هاتين التجربتين تعرفت على المنتج من الداخل إلى الخارج، وفهمت بالضبط كيف يجب أن يستخدم، حتى مع المنتج الرقمي الذي كانت تديره ودون إمكانية الوصول إلى أي بيانات حول مستخدميه، فقد كانت تعرف فطريًا أين واجه المستخدمون صعوبات بالتحديد، وتواجدت دائمًا إلى جانبهم عندما لا يفهمون خاصيةً ما أو عندما يتحصلون على نتائج غير متوقعة أو يصادفون بعض الحلول غير العملية. وإذا لم تستطع التوصل إلى حل لأي سبب كان، فقد كانت تتصل بالمستخدمين النهائيين هاتفيًا وتطلب منهم شرح ما كانوا يريدون فعله، أو تستخدم منصات التواصل عبر تقنية الفيديو وتشاهد مباشرةً كيف يستخدمون المنتج وما هو الإشكال يواجههم.

إن بناء حدس سليم مثل الوارد في المثال أعلاه يتوقف على فهم العملاء، وهنا يستطيع مدير المنتجات معرفة حتى ما إذا كانت مشكلة أو طلب مستخدم معين تنطبق على مستخدمين آخرين، فقد يكون من السهل على شركة صغيرة (خاصةً إذا كانت مؤسسةً ناشئة) أن تعبئ منتجها بخصائص تحت الطلب من أجل إرضاء عملائها، إلا أن ذلك قد يؤدي أيضًا إلى إخراج المنتج عن مساره وإبعاده عن قيمته الجوهرية أو سرقة الوقت من مجهودات تطوير أكثر أهميةً. على سبيل المثال، تشارك Anna تجربتها حول استخدامها لحدسها خلال الفترة الأولى لانتشار جائحة كوفيد 19، قائلةً بأنها في بداية انتشار جائحة كورونا، لمست حاجةً فوريةً إلى إضافة الإشعارات عبر البريد الإلكتروني إلى المنتج الرقمي الذي كانت تديره. ورغم أنها تعلم أن هذه الخاصية عادية جدًا، إلا أن المنتج كان متأخرًا عن زمنه في العديد من الجوانب، لهذا فكرت Anna بأن المستخدمين سيلجون إلى المنتج من خلال RDP، والآن من هذا هو أنهم ماكثون في المنزل وربما لديهم أطفال؛ وبالتالي فهم لا يجلسون على أجهزة الحاسوب طوال اليوم، وسيحتاجون إلى بعض الإشعارات الفورية على هواتفهم الجوالة مثل البريد الإلكتروني لتلعب دور تنبيهات مهمة؛ لهذا وضعت جانبًا الخطط المتعلقة ببعض المنتجات المستقبلية وكتبت مواصفات التنبيهات، ثم كلفت أحد المطورين بتفعيلها، وانطلقت الخدمة، وعندها راسلها أحد المستخدمين بعدها شاكرًا على إضافة التنبيهات ومؤكدًا أنها بالضبط ما كان يحتاج إليه.

مثل هذه النجاحات تعتمد على فهم المستخدم وتجربته أولًا، ويمكن دعمها بالبيانات لاحقًا.

البيانات يجب أن تكمل القرارات لا أن تتحكم فيها

على الرغم مما ذكرناه سابقًا، فإن البيانات تتيح لمديري المنتجات أدوات مرموقة لمتابعه ما يحدث فعليًا عندما يبدأ المستخدم في استعمال المنتج، وهي معلومات قيّمة. لكن ينبغي أن يعرف مديرو المنتجات كيفية إدماجها في عملية اتخاذ القرار دون مبالغة. تقول Anna في هذا الصدد أنها بعد أن غادرت مجال التكنولوجيا المالية اتجهت نحو التسويق بالمحتوى، وعملت حينها في وكالة تسويق أسندت إليها عميلين اثنين، أحدهما يمتلك أداةً تتيح إمكانية إنشاء تجارب للمنتجات داخل التطبيق مثل النصائح حول الأدوات والنوافذ المنبثقة؛ أما العميل الآخر فكان عبارة عن منصة لتحليل المنتجات. وهنا كانت Anna مندهشة، إذ لم تسمع من قبل حتى عن تحليل المنتجات، وفجأةً وجدت نفسها تكتب حول حالات استعمالها. لم تكن Anna تعلم أن الشركات تستطيع الحصول على نظرة ثاقبة حول المنتج بناءً على البيانات، فقد كانت تستخدم البيانات أحيانًا في عملية تحليل، ولكنها أخذت غالبًا شكل استقصاء في جدول لمعرفة عدد التسجيلات الموجودة، أدركت لاحقًا أن تحليلات المنتجات كانت غايةً في الدقة، وهي ما يسمح لمديري المنتجات بمعرفة كيفية استخدام المنتج بالتفصيل، إذ بإمكانهم تتبع مسارات المستخدمين ومعرفة ما إذا كان مستخدم ما قد ذهب إلى شاشة معينة وضغط على زر معين، لكنه لم يصل إلى القسم المرغوب على الموقع.

على الرغم من ذلك، فإن هذه البيانات الدقيقة لا تعني دائمًا أن مدير المنتجات سيتخذ القرار الصحيح، وتقول Anna هنا بأنها بدأت بالقراءة أكثر حول النمو المبني على المنتجات مستهدفةً المبيعات والتسويق المبني على استخدام المنتج، ومركزةً على تطوير المنتج بناءً على مجالات الاستخدام الأكثر انتشارًا، لكنها ذهلت وشعرت بقليل من الغيرة. تساءلت Anna عن مدى الاختلاف في القرارات المتعلقة بالمنتجات التي كانت ستتخذها لو حصلت على مثل هذه البيانات، إذ أن العديد من القرارات المتعلقة بالمنتجات التي اتخذتها سابقًا كانت خطيرةً وفشل بعضها، كما أنها عملت على إعادة تصميم جانب غير مستغل من المنتج الرقمي الذي كانت تديره معتقدةً أن شاشةً مزعجةً كانت عائقًا أمام استخدامه، بينما في الحقيقة لم تجد قاعدة المستخدمين هذا الجانب من المنتج مثيرًا للاهتمام ببساطة. قضت Anna أشهرًا تكتب نيابةً عن عملائها بأن البيانات يجب أن تقود إلى القرارات المتعلقة بالمنتج. كتبت عبارات مثل "كن ذا منهج علمي، واستخدم البيانات لقيادة فرضياتك واختبارها وقياس نتائجك"، ولكن كلما كتبت أكثر كلما قل تصديقها لما تكتبه.

أن تكون مدفوعًا كليًا بالبيانات هو أمر يخفض من عوائق الدخول إلى مجال إدارة المنتجات، إذ تصبح الوظيفة أسهل بالنسبة للكثيرين، فمدير المنتجات يؤدي العديد من المهام وكثيرًا ما يتحمل عواقب تبنّي المنتج، سواءً كانت إيجابية أو سلبية، وهو ما يدفع الكثير إلى التردد قبل دخول المجال، إلا أن الاعتماد على البيانات يعني أن مدير المنتجات يستطيع استخدام أدوات متطورة وتفسير النتائج، كما يمكنه قيادة المنتج للنجاح. لكن ومع كل ذلك، فإن البيانات لا تروي القصة كاملة، ولهذا ينبغي على مديري المنتجات القيادة من خلال فهم كيف يستخدم الأشخاص المنتج في الواقع، ثم دعم فكرتهم النظرية بالبيانات، ومن ثم قياس النتائج من خلال البيانات والحديث إلى العملاء، إذ لا يمكنك أخذ طريق مختصر إلى نجاح المنتج من خلال المبالغة في الاعتماد على البيانات.

هل فات الأوان بالنسبة لمديري المنتجات الذين تعودوا الاعتماد على حدسهم؟

عندما يريد أحد مديري المنتجات القدماء الذين لم يألفوا الاعتماد على قالبيانات الانتقال إلى شركة أخرى في وقتنا الحالي، فسيلاحظ بوضوح من خلال التوصيف الوظيفي للعروض المتاحة حجم الأمور التي كانت تفوته في المجال بسبب اعتماده على الحدس أكثر من أي شيء آخر في قرارات المنتج، وهنا سيشعر بحاجته إلى تعلم الكثير من المهارات الجديدة؛ وهو ما قد يؤدي به إلى النفور دفعةً واحدةً من المجال

تقول Anna بهذا الصدد أنها كانت متعبة، إذ أنها عملت في مجال التكنولوجيا المالية لمدة 15 عامًا، وإذا كانت ستحدث تغييرًا في حياتها وتتعلم أشياءً جديدة، فلماذا لا تنتقل إلى مجال جديد تمامًا. وهكذا وجدت نفسها تدخل مجال التسويق بالمحتوى والتدوين، رغم اشتياقها أحيانًا إلى إدارة المنتجات، ومع هذا مازلت تستطيع استخدام بعض المهارات التي طورتها، إذ تنظم بدقة كل شيء تفعله وتستمتع برؤية القصص التي تطورها تخرج إلى الحياة، ولكن الأمر ليس كما كان عندما كانت مديرة للمنتجات، إذ أحبت جانب العبث في عملها، كما أن بعضًا من أنجح قصص المنتجات المفضلة لديها كانت نجاحات بسيطة وسريعة اعتمدت فيها على حدسها، فبعض التغيرات في المنتج التي لم تأخذ وقتًا طويلًا لتطويرها كان لها أثر كبير جدًا (مثل إشعارات البريد الإلكتروني).

على الرغم من ذلك، فإن بقاء مثل هؤلاء الخبراء في عالم إدارة المنتجات ليس بالأمر المستحيل، إذ بإمكانهم تعويض ما ينقصهم من مهارات إدارة البيانات من خلال معرفتهم وفهمهم العميق للمستخدمين، فهم خبراء في أولويات ميزات المنتجات، وخطط طرقها، وأساليب الحصول على التأييد الداخلي من الأطراف ذوي العلاقة الآخرين. وحتى لو توجهوا إلى مجالات أخرى، فسيبقون يفكرون في وظائفهم الجديدة كنسختهم الخاصة من إدارة المنتجات، إذ يختبر بعضهم يختبر عمله على الجمهور بدل مجموعة من المستخدمين النهائيين، ويمكنهم النظر إلى البيانات ورؤية ما ينجع وما لا ينجح، ولكن في النهاية، يستمرون في الاعتماد على حدسهم.

ترجمة -وبتصرّف- للمقال Product Management: Gut Instinct vs. Data.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...