اذهب إلى المحتوى

سنتحدث في مقالنا هذا عن مفهوم قيمة العلامة التجارية، ولكن قبل ذلك، دعنا نفكر في سلسلة هواتف غالاكسي Galaxy الرائدة من سامسونغ Samsung، منذ الإعلان عن أول هاتف غالاكسي في عام 2009، واصلت سامسونغ قيادة مجال الصناعة من خلال إدخال أجهزة وبرمجيات تحطم القوالب الموجودة باستمرار.

قد لا يعرف الجميع أن بعض الابتكارات الأكثر تغييرًا لقواعد اللعبة في المجال حتى الآن قد جاءت من هذه الشركة، ويشمل ذلك أول هاتف ذكي ذي شاشة كبيرة مع جودة عرض ممتازة، ومزيج الهاتف الذكي وقلم الشاشة الذي عزز الإنتاجية والإبداع، وأول تقنية كاميرا ثنائية البكسل في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت سلسلة غالاكسي نوت Galaxy Note وسلسلة أجهزة غالاكسي اللوحية والأجهزة القابلة للارتداء المختلفة بما في ذلك ساعات غالاكسي Galaxy Watch وسماعات غالاكسي Galaxy Buds، في النظام البيئي الأوسع لغالاكسي الذي غيّر أنماط حياة المستخدمين.

تُعَد رحلة سامسونغ مثيرة للاهتمام، فقد تأسست عام 1938 على يد المهندس الكوري لي بيونغ تشول، شركة سامسونغ التجارية في مدينة دايغو بكوريا الجنوبية، والتي كانت مجرد متجر للبقالة، وخلال العقود القليلة التالية، تنوعت سامسونغ في مجالات مختلفة، بما في ذلك تجهيز الطعام والمنسوجات والتأمين والأوراق المالية والتجزئة، وما ميز رؤية لي بيونغ، كان رغبته في أن تكون شركته قادرةً على التوسع والتطور في عدة مجالات، بما في ذلك الصناعات الإلكترونية.

كان أول هاتف محمول من سامسونغ هو الطراز SGH-100، الذي أصدر في عام 1988 حصريًا في كوريا، غير أن القفزة الكبيرة للشركة في سوق الهواتف الذكية كانت مع إطلاق سلسلة سامسونغ جالاكسي الأصلية في عام 2009، والتي كانت أول جهاز يعمل بنظام أندرويد Android من سامسونغ، ومنذ ذلك الحين، أصبحت سامسونغ أكبر مُصنِّع للهواتف المحمولة والهواتف الذكية في العالم.

عملت شركة سامسونغ بعد ذلك على تطوير هواتف ذكية قادرة على دعم تقنية الجيل الخامس 5G، بما في ذلك جالاكسي إس 236؛ وهواتف قابلة للطي، بما في ذلك جالاكسي Z فولد 55؛ وقد جعلت هذه التحولات سامسونغ واحدةً من أبرز الأسماء المعروفة في مجال التكنولوجيا.

مع ذلك، لا يمكن ربط نجاح سامسونغ في سوق الهواتف الذكية بفرد معين، فهو نتيجة لتركيز الشركة على الابتكار الذي يخدم احتياجات المستهلك، إذ تستثمر سامسونغ بكثرة في البحث والتطوير كل عام، وكان تصورها هو تقديم هواتف ذكية عالية الجودة والابتكار للمستهلكين، وانعكست هذه الرؤية في كل شيء في سامسونغ، انطلاقًا من البحث والتطوير إلى غاية تدريب المهندسين؛ كما ساعد التفاني في تقديم تقنيات متطورة وخدمة عملاء مميزة الشركة على النمو من مصنع إلكترونيات محلي إلى شركة عملاقة عالمية.

وإذا نظرنا إلى السياسة الترويجية لسامسونغ، فسنلاحظ أنها شملت الوعي بالعلامة التجارية، إذ تستثمر سامسونغ كثيرًا أيضًا في الإعلانات والتسويق، وذلك من أجل جعل المستهلكين مدركين لمنتجاتها ولنقاط سعرها.

تساعد منتجات سامسونغ بتصميماتها المميزة وجودتها العالية على الترويج لنفسها بنفسها، ونتيجةً لهذه الجهود التسويقية، هناك نسبة إدراك مرتفعة بالعلامة التجارية سامسونغ، فشعارها واسمها أصبحا في حد ذاتهما مرادفًا للإلكترونيات المتقدمة التقنية للعديد من الأشخاص عبر العالم، كما نشأت لدى هؤلاء المستهلكين ارتباطات ذهنية تجعلهم يربطون سامسونغ بالابتكار والجودة والثقة، وينظرون إليها على أنها علامة تجارية تتمتع بجودة عالية، فمنتجاتها تأتي من أفضل التقنيات والمواد في العالم، وموظفوها مدربون على تقديم أفضل خدمة للعملاء.

بالتالي، فإن سامسونغ بنت مع مرور السنوات صورةً لعلامتها التجارية على أنها شركة إلكترونيات رائدة؛ كما اكتسبت ثقة وولاء المستهلكين من خلال الحفاظ على جودة المنتجات والخدمات، وأصبح العديد منهم أوفياء لها، ويفضلونها على علامات الإلكترونيات الأخرى، وعادةً ما يجعلونها جزءًا من حياتهم اليومية.

ولكن، ما علاقة كل هذا بقيمة العلامة التجارية؟

حسنًا، قصة نجاح سامسونغ تصف جيدًا قوة وأهمية قيمة العلامة التجارية في عالم الأعمال، فقيمة العلامة التجارية لا تتعلق فقط بأن يكون لدى الشركة شعار معروف وعبارات إشهارية جذابة، بل هي أعمق من ذلك، إذ تتعلق قيمة العلامة التجارية بامتلاك روابط عاطفية قوية مع المستهلكين، وخلق الثقة وتقديم تجربة وجودة ممتازة باستمرار، وشركة سامسونغ فهمت ذلك منذ البداية، فهي لا تبيع الأجهزة الإلكترونية فحسب، بل أنشأت ثقافةً كاملةً لاستخدام الهواتف الذكية وتجربةً فريدةً يريد الأشخاص أن يكونوا جزءًا منها.

على الجانب الآخر، تمكنت شركة سامسونغ من بناء قاعدة من المستهلكين ذوي الولاء الذين يمثلون قوةَ في السوق لأنهم مستعدون لمشاركة تجاربهم الإيجابية مع الآخرين، ونتيجةً لكل ذلك، هي علامة تجارية تمتلك قيمةً عاليةً جدًا في عيون المستهلكين، حيث أصبحت مرادفًا للجودة والثقة والتقنية العالية، وهذه هي قوة قيمة العلامة التجارية.

من خلال هذا المثال، نستطيع أن نفهم السياق الذي يُستخدم فيه مفهوم قيمة العلامة التجارية. ولكن، كيف ظهرت العلامة التجارية وأصبح لها قيمة؟ لنأخذ رحلة عبر الزمن لاستكشاف ذلك.

الأصول التاريخية لظهور مفهوم قيمة العلامة التجارية

تخيل أنك تتجول في الأزقة المزدحمة لأحد الأسواق القديمة، تحيط بك سلع غريبة من مختلف الدول، الهواء مثقل برائحة التوابل، والتجار من جميع أنحاء العالم يتساومون الكنوز والقطع الأثرية، ووسط هذا المشهد تلفت انتباهك جرة طينية أثرية تحمل علامةً مميزةً محفورةً بعناية.

قد تشعر بالحيرة أو بالإعجاب اتجاه هذه العلامة، ولكنك لا تدرك أنك تنظر إلى الجد القديم للعلامة التجارية التي نعرفها اليوم، فهذه البداية المتواضعة ستتطور لتصبح القوة الدافعة للعمليات التجارية المعاصرة.

قصة قيمة العلامة التجارية تشبه رحلةً مذهلةً عبر الزمن، فقد تطور هذا المفهوم جنبًا إلى جنب مع تطور التجارة والشركات ومفهوم القيمة لدى الأشخاص، ويمكن النظر إلى الأمر على النحو التالي: بدأت العلامة التجارية للدلالة على الملكية والنوع، وانتهى بها الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

لنعد هنا بالزمن إلى بضع آلاف السنين السابقة، أين استخدمت الحضارات القديمة، مثل المصريين والصينيين، العلامات والرموز للدلالة على ملكية أو نوعية سلعهم وحتى حيواناتهم. فتخيل أن تجد آنيةً طينيةً أثريةً، وعندما تفحصها تلاحظ علامةَ تدل على صانعها وعلى جودتها، هذا هو استخدام العلامة التجارية في القديم.

1  رجل يضع علامة ملكية على حيوان في مصر القديمة

يظهر لنا في هذه الصورة المأخوذة في أحد كتب التاريخ في مكتبة نيويورك العامة، رجل مصري من العصور القديمة يستخدم أداةً حديديةً ساخنةً لوضع علامة تمييز على حيوان للدلالة على ملكيته.

تؤكد الباحثة الأمريكية الباحثة الأمريكية جينيفير بيليتيير Jennifer Pelletier في ورقتها المقدمة لمؤتمر البحث والتحليل التاريخي للتسويق، أن أحد صور الممارسات التسويقية الشائعة في مصر القديمة كانت العلامة التجارية، والتي كانت أقل تعقيدًا من مفهومها المعاصر، فقد أعطى المصريون القدماء علامات موحدةً لحيواناتهم المملوكة لغرض تسهيل التعرف عليها، ومن المدهش أن نعرف أنه بحلول سنة 3150 قبل الميلاد، بدأ المصريون باستخدام النص الهيروغليفي لوضع علامات مميزة على السلع.

إذا انتقلنا إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أي عندما كانت الثورة في الصناعية على قدم وساق، وقد كان ذلك زمنًا قد تغير فيه كل شيء، وأصبحت المنتجات فيه أكثر نمطيةً نتيجة استخدام معايير التصنيع الموحدة. والذي ترتب عنه استخدام الشركات العلامات التجارية لتمييز منتجاتها عن منتجات منافسيها، لكن هذا الاستخدام لم يقتصر على أغراض الدلالة على الصانع، فقد أصبحت العلامة التجارية تدل على النوعية والجودة، فعندما تنظر إلى منتج من علامة معينة، ستعلم أنك ستحصل على تجربة جيدة.

ونتيجةً لذلك، بدأت الشركات تتحصل على ميزات تنافسية وسوقية مستفيدةً من ثقة المستهلكين بالعلامة التجارية والرغبة في الحصول عليها بغض النظر عن السعر.

لنوضح هذه الفكرة أكثر، دعنا نفكر في مانتشوس Munchos، وهي علامة تجارية معروفة للشيبس، والتي يظل مذاقها ثابتًا بغض النظر عن مكان شرائها، سواء كنت في شوارع مصر الشعبية أو في أسواق أمريكا الفاخرة. ستجد نفس الجودة والمذاق اللذيذ. لكن إذا نظرنا إلى منتج شيبس آخر بعلامة تجارية غير معروفة وجذابة بشعارها البارز والألوان الزاهية والشكل الجذاب، واشتريناه وفتحنا العبوة، فيمكن أن نكتشف أن شكل القطع يختلف عن الصورة على الغلاف، أو أن المذاق عادي أو حتى سيئ، أو نجد أن الطعم مختلفًا عن المرة الأولى أو عن كل كيس جديد.

هذا هو الفارق بين العلامة التجارية المعروفة والعلامات الأخرى، فإذا كانت مانتشوس تكلف ثلاث مرات أكثر من العلامة التجارية الغامضة، فإن المستهلك يفضلها دائمًا عن المنتج المجهول، لأنه يعرف بالضبط ما يحصل عليه، وبالتالي يظهر هذا المثال كيف يمكن للعلامة التجارية المعروفة أن تبني قيمتها وثقة المستهلكين عبر الزمن، بينما يمكن أن يفتقر منتج آخر بعلامة غامضة إلى تلك الثقة والاستدامة.

خلال أواخر القرن التاسع عشر، أخذت بلدان مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بوضع الأطر القانونية لحماية العلامات التجارية، بحيث صارت الشركات قادرة على أن تتابِع قانونيًا أي جهة تتعدى على اسمها وعلامتها التجارية؛ كما ظهرت الوكالات التجارية بقوة خلال هذه الفترة، حيث ساعدت الشركات على صقل هوية علاماتها التجارية واكتساب ولاء العملاء.

وفي القرن العشرين، ظهرت بعض من أشهر العلامات التجارية الأيقونية، ولم تكن هذه العلامات التجارية تبيع السلع فقط، بل أصبحت جزءًا من حياة الأشخاص، فأنت حين تريد مشروبًا طاقويًا تقول بأنك تريد ريد بول Red Bull وليس مشروب طاقة فقط، صحيح؟ هذه هي قوة العلامة التجارية القوية.

لننتقل الآن إلى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهي الفترة التي بدأ الأشخاص خلالها يدركون أن لسمعة العلامة التجارية وولاء العملاء قيمة تقابلها أموال طائلة. فكر مثلًا في علامة سامسونغ، التي عندما ترى شعارها تعلم مباشرةَ بأنك تتعامل مع جهاز ذي تقنية عالية، أليس كذلك؟

خلال القرن الواحد والعشرين، ومع انتشار استخدامنا للإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، نقلت العلامات التجارية اللعبة إلى مستوًى آخر، فقد كان عليها أن تدير صورتها على الإنترنت وتتواصل مع المستهلكين في العالم الرقمي. ففي عالم اليوم، عندما تندمج كبرى الشركات أو تستحوذ إحداها على الأخرى، تُشكل قيمة العلامة التجارية جزءًا كبيرًا من قيمة الصفقة، فعلامات مثل آبل، وغوغل، وأمازون لا تتعلق بالمنتجات فقط، بل تدل على الثقة وعلى تجربة المستخدم الجيدة، إذ أصبح من المعروف لدى خبراء التسويق والمحللين الماليين أن سمعة العلامة التجارية وولاء العميل تمتلكان قيمةً ماليةً ملموسةً، كما عملوا على تطوير مناهج وأساليب لتقييم قيمة العلامات التجارية.

لذا في المرة القادمة التي تشاهد فيها سيارة من علامة تويوتا Toyota، تذكر أنها ليست مجرد مركبة، بل هي قطعة من التاريخ، وعلامة للجودة، ورمز لقيمة العلامة التجارية المرتفعة.

لنعد الآن من رحلتنا عبر الزمن إلى جوهر مقالنا، ولنرى ما نعنيه فعلًا عندما نستخدم مصطلح قيمة العلامة التجارية.

ما هو مفهوم قيمة العلامة التجارية؟

هل تساءلت من قبل لماذا تبدو بعض العلامات التجارية وكأن لديها مظهرًا سحريًا؟ ولماذا لا يهتم الأشخاص كثيرًا بسعر بعض المنتجات حتى عند توفر خيارات أقل ثمنًا؟ في الحقيقة كل هذا يعود إلى ما نسميه بقيمة العلامة التجارية.

قيمة العلامة التجارية تشبه كنزًا مخفيًا في عالم الأعمال، فهي بمثابة وصفة سرية تحول المنتجات اليومية العادية إلى علامات أيقونية، يمكنك أن تنظر إليها على أنها الهالة التي تجعلك تختار هاتفًا ذكيًا دون الآخر رغم تشابه الخصائص

ما هي قيمة العلامة التجارية إذًا؟

لا تتعلق قيمة العلامة التجارية بالأصول الملموسة التي تمتلكها الشركة، بل أيضًا بالأمور غير الملموسة أو المعنوية، مثل الاسم، والشعار، وحتى الارتباط العاطفي الذي يكونه المستهلكون معها؛ فعندما ترى علامةً تجاريةً شهيرةً، نجد أنه لا تمثل فقط لونًا أو شكلًا، بل تمدك بإحساس من الراحة والموثوقية، فكر في شركة كونفرس Converse مثلًا، التي تتميز فعليًا بتصاميمها الأنيقة، لكن ما يبيع منتجاتها فعليًا هو إحساس الطاقة والحركة السريعة، وكل الذكريات التي يربطها المستهلك بحذائها الأيقوني تشاك تايلور أول ستار الكلاسيكي، إنها تلك الروح والرابطة العاطفية التي تجعلك تعود مرارًا وتكرارًا.

وبلغة أكثر تخصصًا، قيمة العلامة التجارية هو مصطلح يستخدم لوصف القيمة التي تُعطى لعلامة تجارية معينة في السوق، ويدل على القيمة المالية لهذه العلامة، والتي يمكن حسابها من خلال تقدير القيمة الحالية الصافية للعوائد المستقبلية المتوقع الحصول عليها من العلامة التجارية.

تعكس هذه القيمة التصور الجماعي لجودة العلامة التجارية، وموثوقيتها، وسمعتها لدى المستهلكين والأطراف ذوي الصلة والصناعة الخاصة بها.

ولكن، لماذا نهتم بقيمة العلامة التجارية؟ في الحقيقة، قيمة العلامة التجارية ليس مجرد مقياس أنيق تفتخر الشركات باستخدامه، بل هي قيمة تعكس قدرة العلامة التجارية على التأثير في خيارات المستهلك، إنها السبب خلف ثقتنا في علامات تجارية معينة دون الأخرى، وهي أيضًا السبب الذي يدفع المستهلكين إلى دفع أثمان مرتفعة مقابل هواتف أبل رغم كثرة الخيارات، فهم يعلمون أنه ليس مجرد هاتف ذكي، بل رمز للجودة والابتكار.

من خلال هذا التقديم، تعرفنا على المفهوم العام لقيمة العلامة التجارية، ولكننا نريد أن نفهمها أيضًا من زاوية المستهلك، وكذا من الناحية المالية في السوق، لذلك سنعود قليلًا إلى الوراء لفهم كل واحد من هذين المنظورين.

قيمة العلامة التجارية من وجهة نظر المستهلك

فكر في منصة خدمات البث على الإنترنت المفضلة لديك، والتي تلجأ إليها كلما أردت أن تسترخي في جلسة مشاهدة، قصيرةً كانت أم طويلةً، ربما تكون منصة ايتش بي آو HBO أو منصة أخرى، وهنا أنت لا تدفع الاشتراكات في هذه المنصة فقط للوصول إلى الأفلام والبرامج، ولكنك تستثمر في تجربة معينة، لماذا؟ لأنه بمرور الوقت، أصبحت HBO أكثر من مجرد علامة تجارية، بل هي مرافق موثوق في رحلتك للتسلية.

قيمة العلامة التجارية تشبه ذلك المكون السري الذي يجعلك تلتزم بمنصة خدمات بث معينة، فهي لا تتعلق فقط بالمحتوى، بل بما تمثله هذه المنصة بالنسبة لك، فعندما تفكر في HBO، ستجد أنك تربط بينها وبين السهولة، والواجهة الصديقة للمستخدم، والمكتبة الواسعة للمحتوى، وحتى تلك البرامج الأصلية التي لا يمكنك الاكتفاء منها.

تخيل الآن أنك وجدت منصة خدمات بث جديدة على الإنترنت لم تسمع بها من قبل، تعرض ثمن اشتراك أقل، لكنها غير معروفة نوعًا ما، ولستَ متأكدًا مما ستتحصل عليه معها، ويواجهك الخيارات التاليان: هل ستستمر في راحتك المألوفة مع HBO؟ أو أن تجرب المنصة الجديدة؟ وهنا يظهر دور قيمة العلامة التجارية في القصة.

أمضت منصة HBO أعوامًا تبني سمعةً بأنها ذات جودة وموثوقية وتجربة مشاهدة سلسة، لذا ستجد أنك تثق بما ستقدمه وتثق بأنها تمتلك قيمةً حقيقيةً، ولذلك، أنت لا تتأثر بسعر الخدمة حتى لو كانت الخيارات الأخرى أقل ثمنًا.

في هذه الحالة، تتعلق قيمة العلامة التجارية بالثقة التي بنيتها عبر الزمن كمستهلك، وبأنك عندما تضغط على زر البث، ستتحصل على تجربة مشاهدة ممتازة، فكر في قيمة العلامة التجارية من وجهة نظر المستهلك على أنها السبب الذي جعلك تختار منصة خدمات بث دون الأخرى، حتى وإن كانتا تقدمان نفس المحتوى، فهي القوة غير الملموسة التي تؤثر على قرارات المستهلك.

باختصار، قيمة العلامة التجارية هي ذلك الشيء الذي يجعل العلامة صديقًا موثوقًا في حياتنا اليومية، وهي السبب في اختيارنا لعلامة هاتفنا المحمول المفضلة، ولولائنا للمقهى المفضل لدينا. أو في هذه الحالة، هي السبب في استمرارك في استخدام منصة البث عبر الإنترنت التي تعرف جيدًا ما تحتاج إليه، فالموثوقية والجودة والاطمئنان بأنك اتخذت القرار الصحيح هي ما يجعل قيمة العلامة التجارية مهمةً في عالم خيارات المستهلك.

أخيرًا، وبعبارات أكثر تخصصًا، قيمة العلامة التجارية من وجهة نظر المستهلكين هي قياس دقيق للصفات الجوهرية للعلامة التجارية ولارتباطهم العاطفي بها، إذ تتشكل من التجارب الشخصية للمستهلك، وتفاعلاته مع المنتج أو السلعة، وتطور تصوره لهذه العلامة التجارية عبر الزمن، وتعكس قيمة العلامة التجارية من وجهة نظر المستهلك جودة المنتج أو الخدمة، واستمرارية ذات الجودة عبر الزمن، وجدارتها بالثقة، ومدى تناسبها مع القيم التي يؤمن بها.

حسنًا، ماذا عن قيمة العلامة التجارية من الناحية المالية في السوق؟

قيمة العلامة التجارية من الناحية المالية في السوق

يمكن التفكير في قيمة العلامة التجارية من منظور مالي بأنها ذلك العامل السحري الذي يحول اسم الشركة إلى ذهب، فهي تشبه امتلاك قوة خارقة في عالم الأعمال، تخيل أنك شركة أبل مثلًا، علامتك التجارية ليست مجرد اسم، إنها آلة لصنع النقود! وسأخبرك لماذا.

عندما يرى الأشخاص شعار سامسونغ فهم لا يشترون فقط الهاتف الذكي أو اللوحة الإلكترونية، بل هم يستثمرون في التجربة ككل، وتُترجم تلك التجربة إلى نقود حقيقية لشركة سامسونغ، فالمستهلك ولثقته وولائه للعلامة التجارية لن يمانع أن منتجات هذه الشركة أعلى ثمنًا من منافسيها، كما أن عملاء أبل الأوفياء سيستمرون في العودة إليها، ما يزيد من أرباحها.

بناءً على ما سبق، عندما ينظر المستثمرون إلى قيمة علامة أبل التجارية، فهم يرون علامات الدولار! والأمر هنا لا يتعلق بالأجهزة وحدها، بل بالأموال التي تجلبها. وتؤثر قيمة العلامة التجارية القوية هذه على أسعار أسهم الشركة، مما تجلب ثقة المستثمرين، وتستطيع حتى التأثير في قرارات الاندماج والاستحواذ الكبرى، فالأمر يشبه امتلاك بطاقة ذهبية في عالم الأعمال.

قيمة العلامة التجارية من منظور مالي إذًا هي أصل غير ملموس لكنه قابل للقياس المادي، يساهم مباشرةً في القيمة السوقية للشركة وأسهمها، تدخل في تقديره عدة أمور مثل القدرة على فرض أسعار أعلى مقابل منتجاتها، وتوليد عوائد اشتراكات متكررة، وجذب شريحة واسعة من المستهلكين.

اقتباس

قيمة العلامة التجارية والمفهوم المحاسبي للشهرة Goodwill

الشهرة Goodwill إذا كنت من المطلعين على المراجع المحاسبية، فربما سمعت من قبل بمصطلح الشهرة Goodwill، وهي مفهوم محاسبي شائع الاستخدام في مجال ما يعرف بالأصول غير الملموسة، وترتبط الشهرة في المحاسبة ارتباطًا وثيقًا بقيمة العلامة التجارية، إذ تتكون الشهرة من القيمة غير الملموسة للشركة، ويتضمن ذلك عوامل، مثل سمعة العلامة التجارية، والعلاقات مع العملاء، وغيرها من الأصول غير المادية. وعندما تمتلك شركة ما علامةً تجاريةً معروفةً وقويةً، يمكنها أن تتحصل على أسعار أعلى مقابل خدماتها وسلعها، مما يساهم في قيمة شهرتها الإجمالية.

تُسجل الشهرة محاسبيًا عندنا تستحوذ شركة ما على شركة أخرى مقابل سعر يفوق القيمة الحقيقية لأصولها الملموسة وغير الملموسة، بما في ذلك قيمة العلامة التجارية؛ وبالتالي فإن الشهرة مفهوم أوسع من مفهوم قيمة العلامة التجارية، يشمل عدة أصول غير ملموسة تساهم في زيادة قيمة الشركة وأرباحها المستقبلية المحتملة.

خاتمة

كان هذا المقال بمثابة مدخل لمفهوم قيمة العلامة التجارية انطلقنا فيه من تطورها التاريخي، واستطعنا عرض عدة أمثلة لتسهيل فهم هذا المفهوم من منظوره العام، وكذا من منظور كل من المستهلك والسوق، وسنكمل في المقال القادم في ذات السياق من خلال التعرض لتأثير قيمة العلامة التجارية على سلوك المستهلك.

المصادر

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...