عندما يأتي الحديث عن أطقم تحرير المُستندات الأكثر شهرة فإنّ الهيمنة ستكون من نصيب حزمة Office المُقدمة من Microsoft دون منازع، لكن هذا لا يُخفي حقيقة أن المزيد من الحكومات، المنظمات، والأفراد حول العالم ينتقلون للاعتماد على LibreOffice المجاني ومفتوح المصدر، والذي يوفّر ميزاتٍ عديدة تشمل قائمة من بعض أهم ميزات حزمة Microsoft Office.
وعلى الرغم من أن قواسم عدّة تجمع بين البرنامجين إلا أنّ فروقاتٍ مُهمة وجوهريّة تُميّز بينهما. سنُناقش في هذا الدرس باختصار بعض القواسم المُشتركة بين LibreOffice و MS.Office كما سنتحدّث عن الفروقات المُهمة بينهما، مُستهلين بذلك سلسلة دروس أكاديميّة حسوب عن حزمة LibreOffice.
نشأة LibreOffice
تعود بداية القصّة إلى عام 1985 عندما كتب المُبرمج الألماني Marco Börries المُحرّر النصيّ StarWriter لأنظمة Dos، وكان عمره آنذاك ستّة عشر عامًا. في السنة التاليّة أسّس Marco شركة StarDivision للبرمجيات ضمن مرآبٍ له في مدينة لونبورغ - ألمانيا، اشتهرت الشركة بإصدار طقم أدوات المكتب StarOffice.
في عام 1995 أصدرت الشركة النسخة الثالثة من حزمة StarOffice، حيث أعيد كتابتها بالكامل لتُصبح عابرة للمنصّات تعمل على كلّ من أنظمة Windows، OS/2، و Solaris Sparc، وذلك بهدف منافسة طقم المكتب Microsoft Office 95. وهذه هي أقدم شيفرة برمجيّة لا تزال مُضمّنة في تطبيق LibreOffice.
في نهاية الربع الثاني من عام 1999 استحوذت شركة Sun على StarDivision بصفقة بلغت قيمتها 73.5 مليون دولار أمريكي، لتفتح بعد ذلك الشيفرة المصدريّة للبرنامج بهدف بناء مجتمع مفتوح لتطويره، مُطلقة الإصدارة المبدئية من OpenOffice.org بناء على النسخة 5.2 من طقم StarOffice بُرخصة مُزدوجة LGPL/SISSL.
سارت عملية التطوير بأسلوب مشابه لما تتبعه Google اليوم مع متصفح chrome، حيث تفتح الشركة الجزء الأكبر من الشيفرة المصدريّة للبرنامج باسم chromium وتقود عملية تطوير يُشارك فيها مجتمع مفتوح المصدر، ثم تأخذ الشيفرة وتُضيف عليها ميزاتٍ خاصّة مُتقدّمة لتُعيد إصدارها بشكل مُغلق، أكثر تفوقًا من البرنامج الأساس باسم chrome.
لم يأتِ العام التالي (2000) حتى أضيف دعم أنظمة لينكس إلى الحزمة، علاوة على تحسين التوافقيّة مع MS.Office.
في عام 2005 تمّ إلغاء الترخيص المُزدوج للبرنامج والاكتفاء بترخيصه تحت رخصة غنو العمومية الصغرى، وفي تشرين الأول من عام 2009 صدرت النسخة الثالثة بتغييرات جوهرية وجذرية بهدف تحسين الأداء، زيادة سرعة الاستجابة، والتقليل من حجم الذاكرة المُستخدمة.
ومع بداية عام 2010 استحوذت شركة Oracle على Sun، ما أنتج ثلاث تغييرات بارزة:
- إنهاء مسيرة حياة StarOffice.
- إعادة تسمية مشروع OpenOffice.org باسم Apache OpenOffice.
- انشقاق المجتمع مفتوح المصدر والمُهتم بتطوير OpenOffice.org عن العمل برعاية شركة Oracle والذين كانوا يرغبون منذ فترة طويلة بالتمتع باستقلاليّة عن المشروع التجاري لشركة Sun وقيادتها لعملية التطوير، وإطلاقهم مشروع LibreOffice بالاعتماد على الكود المصدري لطقم Open Office 3.3.
اليوم وبعد أربع سنوات على تطوير LibreOffice وصل البرنامج إلى الإصدارة الخامسة، وتمّ اعتماده من قبل غالبية توزيعات لينكس الكبرى، وأعداد متزايدة من الحكومات، المنظمات، والأفراد.
فروقات عامة
يرى البعض أنّ مقارنة مُنتج مدفوع مثل MS.Office مع آخر مجاني يعمل عليه فريق تطوعي مثل LibreOffice أمرٌ غير عادل، إلا أن المُنتَجين يملكان العديد من الخصائص المُتشابهة. بل ما هو أكثر من ذلك؛ ففي حين أن MS.Office 2013 متوافق مع كلٍ من إصدار Windows السابع (وما يليه)، ونظام OSX؛ فإنّ المكتب الحرّ يدعم كافة إصدارات Widows علاوةً على توزيعات لينكس ونظام OSX.
بكل الأحوال فإنّ مقارنتنا هنا لن تدور حول أيّ واحدٍ منهما هو "الأفضل" أو "صاحب الميزات الأكثر"، وإنما لتتحقّق فيما إذا كان عملك يتطلّب ما تُقدّمه Microsoft أو أنّه يمكنك الحصول على ما تريد من بديل مجانيّ ومفتوح المصدر لتوفّر بعض المال.
تُقدّم حزمة MS.Office عددًا من البرامج الأساسيّة أهمها؛ محرّر نصي (Word)، مُحرر جداول حسابية (Excel)، العروض التقديميّة (PowerPoint)، إدارة قواعد البيانات (Access)، مدير معلومات شخصيّة وعميل بريد (Outlook)، تدوين الملاحظات ومدير تعاون جمعي (OneNote)، برنامج للنشر المكتبي (Publisher). إلى جانب عدد من الأدوات الأخرى الأقل شهرةً واستخدامًا.
في المقابل تشمل حزمة LibreOffice على محرّر نصي (Writer)، مُحرر جداول حسابية (Calc)، العروض التقديميّة (Impress)، إدارة قواعد البيانات (Base)، ويغيب عنها بدائل للأدوات الأخرى، إلا أنها تشمل علاوةً على ما سبق برنامج (Draw) للرسم المُتجهي والذي يُمكن اعتباره مُشابهًا لبرنامج Microsoft Visio بالإضافة لاحتوائه على إمكانيات تُرشحّه كبديل أيضًا لبرنامج النشر المكتبي (Publisher) الخاص بـ Microsoft. كما تشمل الحزمة برنامج (Math) لكتابة الصيغ الرياضية والعلميّة وتصديرها لباقي أدوات الحزمة، بينما يشمل برنامج Word على إمكانيات كتابة الصيغ الرياضيّة مباشرة بداخله.
نُوضّح في الجدول التالي أهم الخصائص العامة التي تُميّز كل طقم أدوات عن الآخر، يمكنك الإطلاع على القائمة كاملةً من هنا (أغفلنا المزايا المُشتركة بين الحزمتين):
ميزات عامة | LibreOffice 5.0 | Microsoft Office 2013 |
واجهة المُستخدم GUI | تقليديّة مع دعم تشغيل شريط جانبي | واجهة Ribbon المُعتمدة على الألسنة |
توفّر نسخ 64 بت | نعم، لجميع المنصّات | لمنصّة Windows فقط |
توفّر نسخة محمولة Portable | نعم، قابلة للتشغيل من وسيط usb | لا |
التوطين المحليّ Localization | 111 لغة | 96 لغة |
استيراد الصيغ الرسومية svg. psd | نعم | لا |
دعم ملفات Microsoft OOXML files | دعم جيد | دعم ممتاز ومُتقدّم |
دعم الصيغ الرسومية MEZ, WMZ, PCZ, CGM | لا | نعم |
دعم العمل الجماعي المتزامن | لا | نعم |
مُعاينة حيّة للتنسيقات | لا | نعم |
المحرر النصي
يتشابه كلّ من Word و Writer في المزايا الرئيسية وحتى الثانويّة كذلك، بدءًا من التدقيق الإملائي والنحوي، الحفظ التلقائي، القوالب، التصدير إلى صيغة pdf وغيرها الكثير، لذا سيكون التفضيل بين البرنامجين أمرًا صعبًا حقيقة.
يتميّز Writer بدعمه طُرز التنسيقات Styles format، هذا يُشبه أن تتعامل مع ملف css، فما إن تُعيّن قاعدة تنسيق للفقرات (p) مثلًا حتى تُطبّق بشكل تلقائي على كامل المُستند، دعم الإكمال التلقائي auto completion للكلمات المُستخدمة ضمن المُستند، دعم التصدير إلى XHTML و صيغة MediaWiki وكذلك تصدير المُستند على هيئة صور (jpg, png)، دعم التعامل مع أحجام صفحات تصل حتى (300سم*300سم)، دعم استبدال تلقائي للإيموجي، إمكانية تنسيق نصوص التعليقات وغيرها.
في المقابل يتميّز Word بدعمه التدقيق النحوي لـ 21 لغة بشكل تلقائي (مقابل 4 لغات فيWriter)، دعم التعديل على الصور المُدرجة في المُستند بتأثيرات ووضعيات عديدة (كالتدوير بمُختلف الزوايا)، دعم تصاميم وتعديلات مُتقدّمة للجداول المُدرجة، دعم وضع القراءة، دعم طوي وبسط أجزاء المُستند، دعم إضافة علامة مائية للصفحات، دعم اختصارات لوحة المفاتيح بشكل أكبر، دعم النشر الفوري إلى منصات التدوين الشهيرة وغيرها.
الجداول الحسابية
في المقارنة بين Excel و Calc سيعتمد الأمر على استخدامك، في العموم فإنّ كلا البرنامجين يعملان بأسلوبٍ واحد، فإذا كنتَ مُستخدمًا بسيطًا تُنظّم بعض الحسابات، تجري عمليات رياضيّة، وتستخدم المعلومات لإنشاء مُخططات بيانية إلخ فلن تجد فرقًا يُذكر بينهما.
أما إذا كنتَ قد استثمرت الكثير من الموارد لإنشاء وبرمجة وحدات ماكرو macros لعملك فغالبًا ما ستُفضّل البقاء مع Excel، إذ يملك Calc لغته الخاصة لكتابة الماكرو والتي لا تتوافق تمامًا مع لغة VBA الخاصة بـ Excel، وهذا ما سيُرتّب عليك إعادة كتابة كل شيء أو توفير الوقت والجهد والاستمرار في استخدام Excel.
يتميّز Calc بإمكانية مُقارنة ملفي جداول حسابية معًا، دعم طرز التنسيقات (بما في ذلك تنسيقات الخليّة)، دعم التدقيق الإملائي، دعم التصدير إلى صيغة CSV، دعم التعابير النمطيّة في البحث والاستبدال، القدرة على تدوير الجدول بالكامل، دعم تنسيقات أكثر للخلايا، وغيرها.
في المُقابل يتميّز Excel بدعم أكثر من 16 ألف عمود في الورقة الواحدة (مُقابل ألف في Calc)، دعم إدراج رسوم بيانيّة graphic في ترويسة وتذييل الجدول، دعم الرسوم البيانية التفاعلية (PivotChart)، دعم نشر الجداول إلى الويب لإجراء الاجتماعات، خيارات مُتعدّدة لخلفية الخلايا، نسخ الخلايا المرئية، طباعة الخلايا المُحدّدة فقط، وغيرها.
العروض التقديمية
يكاد اسم PowerPoint يختزل معنى ودلالة العروض التقديميّة؛ فهو برنامج أكثر من رائع يمكنه صناعة عروض مذهلة بمستوى أفضل من مُعظم المنافسين، وبينما يسعى Impress جاهدًا لتقليص الفجوة بينهما فلا يزال هناك عدّة خطوات لاعتبار الفجوّة بحجمٍ معقول.
إذا كنتُ تُخطّط لإنشاء عرض تقديمي من الصفر فسيكون Impress خيارًا مُعتبرًا ومناسبًا إلى حدٍ كبير، وإن لم يشمل ذلك على لمسات PowerPoint الجمالية، لا سيما مع إمكانيه تصدير العرض بصيغ عديدة تُسهّل عليك مُشاركة الملف دون أن تطلب من الآخرين تثبيت PowerPoint. أما إن كنتَ تعمل مع فريق يعتمد PowerPoint في مشاريعه فسيكون من الصعوبة استيراد الملف إذ ستعاني من فقدان بعض الخطوط، ومشاكل أخرى مهمة في التصيير rendering لإجراء التعديلات المطلوبة عليه.
يتميّز Impress بدعمه تصدير المشروع إلى صيغ (swf, svg, eps)، دعم إدراج وحدات ثلاثيّة الأبعاد 3D، دعم حتى 12 طبقة للشريحة الواحدة (مقابل 9 في PowerPoint)، دعم استيراد ملفات Apple Keynote وغيرها.
بينما يتميّز PowerPoint بدعمه للتأثيرات التفاعلية والمتحرّكة، إمكانية تعديل الشرائح أثناء العرض، مقارنة العروض، بثّ العرض مباشرة إلى الوِب، العمل الجماعي على نفس الملف، دعم تعديلات مُتقدمة أكثر على الشرائح، دعم تصدير المشروع كصيغة فيديو وغيرها.
قواعد البيانات
عندما نأتي إلى المقارنة بين برنامجي قواعد البيانات Access و Base فإنّه سيصعب علينا حقًا تفضيل أحدهما على الآخر، فالتطبيقان مُمتازان لإدارة قواعد البيانات، يعملان بأسلوبٍ متشابه، ويتمتعان بخصائص متقاربة للغاية، فإذا كنتَ تعمل على Access يُمكنك أن تبدأ بتجريب Base على الفور والشعور وكأنك في منزلك.
يتميّز Base بدعم مُذهل لـ MySQL، PostgreSQL و Thunderbird، بينما يتكامل Access بشكلٍ أفضل مع Outlook و Paradox، لذا قد يتحدّد خيارك بناءً على التقنيّات المُعتمدة في مكان عملك. أما إذا كنتَ تعمل لحسابك الخاص فيمكنك الاعتماد على Base دون قلق.
خاتمة
يمكننا القول إجمالًا بأنّ حزمة Office المُقدمة من Microsoft تتميّز بنقطتين أساسيتين: احتوائها على عميل البريد Outlook، وتقديمها خيارًا أكثر موائمة للتعامل مع العروض التقديميّة فيما يتعلق بالعمل الجماعي.
في المقابل يمكنك –مجانًا– تركيب حزمة LibreOffice والحصول على أكثر ممّا تحتاجه من ميزات وخصائص، بالإضافة إلى إمكانية تشغيل ملفات Microsoft Office بأسلوب جيّدٍ في أغلب الأحيان.
بهذه المقدمة أتمنى أن أكون قد قدّمت تصورًا متوازنًا عن حزمة LibreOffice ما لها وما عليها، وكليّ أمل أن تقرّروا الانضمام معنا في سلسلة الدروس هذه حول أدوات المكتب الحرّ.
- 5
- 1
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.