تحدّثنا في الدرس السابق عن أنواع الذاكرة وتناولنا بشيء من التفصيل الذاكرة العشوائية وأنواعها. نكمل في هذا الدرس المكوَّن من جزأيْن الحديث عن الذاكرة؛ ولكن هذه المرة عن الذاكرة الثانوية: القرص الصلب.
تمهيد
دعت الحاجة بعد اختراع الحاسوب إلى وجود ذاكرة تحتفظ بالبيانات على الدوام دون فقدانها لذا ظهر أول قرص صلب عام 1956، اخترعته شركة IBM ليلبّي بعد تطويره هذه الحاجة.
يعدّ القرص الصلب من أجهزة التخزين الدائمة، ويعتمد على المبدأ المغناطيسي لتخزين البيانات. يصنَّف القرص الصلب ضمن الأجهزة الميكانيكية لاحتوائه على عناصر ميكانيكية متحركة لتخزين البيانات وقراءتها. تُخزَّن البيانات في القرص الصلب عشوائيًّا، بمعنى أنه تمكن كتابتها وقراءتها في أي موقع من القرص دون أي تسلسل أو ترتيب.
أهمُّ المزايا في القرص الصلب التي أكسبته هذه الشهرة هي سعته الكبيرة وأداؤه الجيد وسعره المنخفض إذ تزيد السعة التخزينية له عن 2 تيرابايت، وأشهر الشركات المصنعة للقرص الصلب هي Seagate و Toshiba و Western Digital.
عناصر القرص الصلب
المصدر: WikiMedia Commons
يحتوي القرص الصلب على أربعة عناصر أساسيَّة وهي:
الأقراص Platters
هي أقراص دائرية مصنوعة من مادة الألمنيوم أو الزجاج أو السيراميك ومغلَّفة بطبقة من أوكسيد الحديد أو خليط من المعدن القابل للمغنطة لتخزين البيانات عليها، ويليها طبقة رقيقة من الكربون للحماية من الأضرار الناتجة عن رؤوس القراءة الكتابة.
رؤوس القراءة والكتابة Read/Write heads
تتموضع رؤوس القراءة والكتابة فوق الأقراص دون أن تلامس سطحها ويكون لكل قرص رأسا قراءة وكتابة، واحدٌ للسطح العلوي وآخر للسطح السفلي. تكتب هذه الرؤوس البيانات على الطبقة الممغنطة وتقرأ منها، وتُحمل على الأذرع التي تتحرك بواسطة محرك كهربائي.
المحركات الكهربائية
يحتوي القرص الصلب على محركين أحدهما لتحريك رؤوس القراءة والكتابة Actuator والآخر لتدوير الأقراص المتوضعة على محور الدوران Spindle. أمَّا الأول فهو يحرك الذراع وفق قوس دائري على طول نصف قطر القرص وبذلك عندما تدور الأقراص تغطي الرؤوس كامل سطحها، والثاني يدوِّر المحور الذي يحمل جميع الأقراص وفق عددٍ ثابتٍ من الدورات مثل 7200 دورة بالدقيقة (RPM). وتتحكم بهذه المحركات داراتٌ موجودةٌ على اللوحة الإلكترونية.
اللوحة الإلكترونية
هي لوحة دارات مطبوعة PCB تتموضع عليها الدارات التي تتحكم بالمحركات وتحويل الإشارات الداخلة والخارجة، والعناصر الإلكترونية، وذاكرة تخبئة من نوع SRAM (لتخزين البيانات فيها ريثما ترسل إلى الذاكرة الرئيسية أو تكتب على الأقراص نظرًا لوجود فرق شاسع في السرعات)، ومنفذ توصيل البيانات ومنفذ التوصيل بالطاقة.
ملحوظة: يمكن إصلاح أي عطلٍ يحدث في هذه اللوحة فهي ظاهرة في أسفل القرص الصلب بينما لا يمكن الوصول إلى العناصر السابقة لأنها داخل حجرة مفرغة من الهواء وأي محاولة لفتح القرص الصلب أو نزع اللاصق الذي يمنع دخول الهواء المحمل بذرات الغبار إلى الحجرة تؤدي إلى تلف القرص الصلب وتضرر رؤوس القراءة والكتابة، وعملية فتح الحجرة تتطلب محترفين في هذا المجال مع وجود أدوات اختصاصيَّة.
مواصفات القرص الصلب
للقرص الصلب مواصفات متعدِّدة يجب أخذها بعين الاعتبار لأنَّها تؤثر على أدائه وهي:
- زمن الوصول للبيانات: هو الزمن اللازم لتحريك رؤوس القراءة والكتابة إلى موقع البيانات على القرص.
- سرعة الدوران: هي سرعة دوران الأقراص وتقاس بواحدة دورة بالدقيقة RPM (Revolutions Per Minute)، ويتعلق بهذا العامل زمنٌ يدعى "زمن الاستجابة" وهو الزمن اللازم لوضع القطاع المطلوب أسفل رأس القراءة والكتابة، ويكون زمن الاستجابة 4.16 ميلي ثانية لقرص صلب عدد دوراته 7200.
- معدل نقل البيانات: هي كمية البيانات المنتقلة من وإلى القرص الصلب في واحدة الزمن ويتعلق بعدد المسارات والقطاعات وحجم القطاع وسرعة الدوران وزمن الوصول.
- السعة التخزينية.
تهيئة القرص الصلب
لا يستخدم نظام التشغيل والتطبيقات القرص الصلب إلا بعد تهيئته وهذه العملية تقسم إلى ثلاث مراحل.
التهيئة منخفضة المستوى
تجرى هذه التهيئة بواسطة الشركة المصنعة وتدعى "التهيئة الفيزيائية" أو "التهيئة منخفضة المستوى" Low-level formatting فهي تتخاطب مع العتاد وهي هيكلة سطح القرص التي تعتمد عليها رقاقة متحكم القرص في كتابة وقراءة البيانات.
يتألف القرص من سطحين علوي وسفلي وترقَّم الأقراص بدءًا من الرقم 1 بينما ترقم الأوجه بدءًا من الرقم 0 ثمَّ 1 ...إلخ. ويقسَّم السطح وفقًا لما يلي:
- المسارات Tracks: هي مسارات دائرية متحدة المركز تخزَّن ضمنها البيانات، ولكلِّ مسارٍ رقم فالمسار الخارجي رقمه 0 والذي يليه 1 ويتزايد باتجاه الداخل.
- الأسطوانات Cylinders: تتوضع الأقراص فوق بعضها بحيث تكون المسارات فوق بعضها أيضًا وبذلك يتشكل لدينا ما يسمى "الأسطوانة" وهي جميع المسارات الواقعة في المستوي الشاقولي المار بأحد المسارات. ويخزَّن الملف على القرص ضمن الأسطوانة لتقليل حركة رؤوس القراءة والكتابة من وإلى المسارات الأخرى وبذلك تزداد سرعة القراءة والكتابة.
- القطاعات Sectors: يقسم المسار إلى آلاف من الأجزاء الصغيرة تدعى "قطاعات" وهي أصغر وحدة تخزينية على القرص الصلب. ولكلِّ قطاع حجم ثابت يكون غالبًا512 بايت ويبدأ ترقيم القطاعات من الرقم 1.
- العناقيد Clusters: تتجمع القطاعات مع بعضها بعضًا لتشكل ما يسمى "العنقود" أو "الوحدة التخصُّصيَّة" والذي يُضبط حجمه أثناء تهيئة القرص الصلب من قبل نظام التشغيل. يكون تخزين الملفات على مستوى العناقيد فإن كان لديك ملف نصي بحجم 1 كيلوبايت وكان حجم العنقود 2 كيلوبايت (4 قطاعات)فإنَّ الملف يحتل كامل مساحة العنقود ويبقى 1 كيلوبايت دون استخدام وقس على ذلك بقية الملفات، لذا تجد عند عرض خصائص الملف حجمين أحدهما حجم الملف الأصلي والآخر الحجم الذي يحتله على القرص الصلب. كلما صغر حجم العنقود قلَّ الهدر في حجم القرص الصلب لذلك يفضل تصغيره إن كانت ملفاتك صغيرة الحجم.
التجزئة Partitioning
تتمثّل التجزئة في تقسيم كامل سعة القرص الصلب إلى مناطق أو أجزاء تدعى تجزئات Partitions. يخزِّن القرص الصلب جميع المعلومات عن هذه الأقسام كموقعها (بداية ونهاية القطاع) وحجمها في جدول يدعى جدول التجزئات Partitions table ويقرأه نظام التشغيل أولًا ليُظهر الأقسام الموجودة في ذلك القرص الصلب.
يوجد نظامان لتجزئة وهيكلة القرص الصلب وهما نظام التجزئة MBR (Master Boot Record) الذي يدعم أربع تجزئات أساسيَّة فقط أو ثلاث تجزئات أساسيَّة وتجزئة مُمَدَّدة Extended، ولا يدعم سعة تزيد عن 2 تيرابايت، وهو قديم. ونظام التجزئة GPT (GUID Partition Table) الذي ظهر في منتصف عام 2010 وتدعمه أغلب أنظمة الملفات اليوم، ويفضَّل استخدامه دائمًا.
يوجد نوعان رئيسيان للتجزئات وهما:
- تجزئة أساسية Primary: تحوي هذه التجزئة نظام ملفات واحد ويُثبَّت عليها نظام التشغيل وملفات الإقلاع.
- تجزئة مُمَدَّدة Extended: وهي تجزئة يمكن تقسيمها إلى تجزئات فرعية تدعى "تجزئات منطقية" Logical partitions. لا يمكن لقرص صلب أن يحوي أكثر من تجزئة مُمَدَّدة، إلا أنه يمكن استخدامها إلى جانب التجزئات الرئيسية.
تجب تجزئة القرص الصلب الجديد لتتمكن من استخدامه، ويوفر نظام التشغيل الكثير من البرامج لإنشاء أقسام جديدة أو التعديل عليها كإعادة ضبط حجمها أو حذفها.
من ميزات تجزئة القرص الصلب عزل نظام التشغيل والبرامج عن الملفات الشخصية (نظام التشغيل على تجزئة، والملفات الشخصية على تجزئة)، وتثبيت أنظمة تشغيل متعددة، وعزل الملفات أو حمايتها فإذا تضررت تجزئة ما فإن الملفات في التجزئات الأخرى تبقى سليمة، وزيادة كفاءة الحاسوب ككل وغيرها. ومن مساوئها تقليل أداء القرص الصلب لأن رؤوس القراءة والكتابة تضطر للانتقال ذهابًا وإيابًا بين التجزئات لقراءة الملفات.
التهيئة عالية المستوى
في هذا النوع من التهيئة يُنشأ نظام الملفات على أقسام القرص الصلب الذي يُستخدم للتحكم بكيفية تخزين واسترجاع وإدارة وتنظيم الملفات على الأقسام. لكل نظام ملفات هيكلة محدَّدة وقواعد منطقية يستعملها لتقسيم الملف ووضعه على القرص وتسميته ثمَّ معرفة عنوانه وإعادة قراءته، وتختلف أنظمة الملفات عن بعضها بالسرعة والمرونة والحماية والحجم التي تدعمه وغيرها من الخصائص.
تستخدم أنظمة التشغيل أنظمة ملفاتٍ متعددة كنظام الملفات NTFS و FAT32 اللذان يدعمهما ويندوز، وأنظمة الملفات من عائلة ext مثل (ext2 و ext3 وext4) و XFS و btrfs التي يدعمها لينكس، ونظام الملفات HFS Plus الذي يدعمه macOS. للمزيد حول مفاهيم التخزين في لينكس اقرأ هذه المقالة.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.