من منا لا يحب ذلك الشعور الغامض الدافئ الذي ينتابك عندما ترى شيئًا يذكرك بالماضي؟ ربما كان هذا الشيء المميز منتجًا أو لحظة تعتز بها وتعيد إليك أوقاتًا كنت بها أكثر سعادة وبساطة من الآن. في عالم يتطور بسرعة فائقة فإن الانغماس في الحنين إلى الماضي يشبه التفاف نفسك في بطانية مريحة وتذكر أيام الماضي، ورائحة طبخ والدتك، أو رؤية ألعابك القديمة أيام طفولتك، هناك العديد من المناسبات والمدخلات الحسية والمواقف الاجتماعية القادرة على إشعال شوق الحنين للماضي عندما كانت الأمور أبسط والحياة أسهل والعلاقات أقوى.
لاحظنا على مدار السنوات السابقة جليًا ظهور نمط جديد من التسويق وهو التسويق بالحنين إلى الماضي، لذا سنستعرض في هذا المقال ماهيّة التسويق بالحنين إلى الماضي وأهميته ومدى قوته بالتأثير على المستهلكين وعلاقته بعلم النفس كما سنتعرف أيضًا على بعض الشركات التي استخدمت هذا النمط من التسويق لجذب الجمهور ولفت الأنظار كما سنقدم بعض النصائح لاستثمارها في هكذا نوع من الحملات الإعلانية أو المنتجات على حد سواء.
ما هو التسويق بالحنين إلى الماضي؟
إن التسويق بالحنين إلى الماضي أو التسويق بالنوستالجيا Nostalgia Marketing هو استراتيجية الاستفادة من المفاهيم الإيجابية والمألوفة من العقود السابقة لبناء الثقة للأفكار الجديدة وتنشيط الحملات الحديثة. بمعنى آخر، إنه طريقة لربط شركتك بشيء يحبه العملاء بالفعل ولديهم ذكريات جميلة معه. يمكن النظر لفكرة التسويق بالنوستالجيا على أنها طريقة لمواءمة الحملات الإعلانية مع الأشياء التي تثير ردود فعل عاطفية من الماضي، فمعظمنا يعلم مدى قوة التسويق العاطفي وقدرته على إقناع العملاء باتخاذ فعل الشراء.
نبني جميعنا ذكريات جميلة عن أيام شبابنا مع تقدمنا في العمر، من الطعام الذي تناولناه والألعاب التي لعبناها، وحتى الموسيقى التي استمعنا إليها، إذ تجارب الماضي هي التي تساعد في الحقيقة في تكوين شخصياتنا وهوياتنا في الوقت الحاضر. عندما نرى هذه الذكريات من ماضينا لا نفكر فقط اللحظات السعيدة فقط بل غالبًا ما نشاركها مع من حولنا من أصدقائنا أو عائلتنا بحسب الذكرى. هذه الذكريات تجعلنا نفكر بأيام لم تكن لدينا أية أحزان أو مشاكل لأي شيء - باستثناء وجبة غداء كنا ننتظرها بفارغ الصبر عند عودتنا من المدرسة، إذ هذا الشعور يجعلنا نسافر عبر الزمن إلى وقت آخر وحقبة مريحة من حياتنا.
ولكن قبل أن نبدأ الشرح، يمكن أن يخطر على بالنا سؤال مهم وهو هل التسويق بالحنين إلى الماضي يناسب العلامات التجارية القديمة فقط؟ ليس بالضرورة إذ يمكنك استثمار بعض الأحداث العامة القديمة مثل لحظة الصعود إلى القمر أو ظهور أول جوال أو أي حدث مهم بحسب الصناعة، فالمهم أن تعرف الشركة كيف تستطيع محاكاة الحقبة أو اللحظة المنشودة من الماضي، وتستطيع أي شركة البحث عن الأفكار والمفاهيم المتعلقة بمنتجاتها واهتمامات جمهورها وإجراء تحليل عميق للأحداث، وعندها ستتمكن من إيجاد ما يناسب العلامة التجارية وتصميم إستراتيجية تسويقية بناء عليها تبعث على الحنين إلى الماضي.
أهمية الحنين للماضي من منظور علم النفس
إذا كنت مسوقًا أو مهتمًا في التسويق فغالبًا أنك تحاول معرفة ما يثير اهتمام المستهلك، وما الذي يحفزه على شراء المنتجات، لتحاول بعد ذلك إطلاق شرارة بدء عملية الشراء لشراء المنتج الذي تسوق له. في الحقيقة إن هذا النوع من الأسئلة هو من سيُميز المسوقين الموهوبين حقًا عن باقي المسوقين العاديين لأن الفهم الدقيق لأجوبة الأسئلة السابقة ومعرفة كيفية أخذ المستهلك لقرارات الشراء أو تنفيذ أي إجراء مثل الاشتراك في النشرة الإخبارية أو حضور حدث معين سيُساعد في بناء إعلان أو صفحات هبوط ناجحة. إذًا، نحن بحاجة للبحث عن إجابات للاسئلة التي تبدأ بكلمة "لماذا"، مثل لماذا نشعر بالدفء عندما نرى شيئًا من الماضي؟ أو لماذا نشعر بهذه الطريقة؟ ولماذا هو مهم للتسويق؟ في هذا السياق لا يمكننا العثور على إجابات دقيقة دون التطرق إلى علم النفس.
محفزات الحنين وعلم النفس
أشارت دراسة باسم Nostalgia marketing and (re-)enchantment نشرت عام 2019 في المجلة الدولية للأبحاث في التسويق على أن أنشطة التسويق باستخدام الحنين إلى الماضي تهتم معظمها بخلق السحر؛ أي تحويل الشيء العادي إلى شيء ساحر، ولخلق هذا السحر تسعى الشركات والعلامات التجارية إلى تسويق الأشياء المتعلقة بتاريخ الناس.
ويمكن أن نتذكر الحنين إلى الماضي عندما تُثار حواسنا، فيمكن أن تثار حواسنا من خلال الرائحة مثل العطر الذي يذكرك بمنزل جدتك أو طعم الطبق الذي يعيدك إلى طفولتك أو من خلال النظر مثل مشاهدة فيلم كرتون قديم اعتدت مشاهدته مع إخوتك، وعمومًا أقوى محفزين هما الشم والسمع. ووجد الباحثون أنه مهما خطر ببالك أفكارًا عن الحنين للماضي فحتمًا ستكون ضمن هذه الخيارات الثلاثة أو مزيجًا منها:
- أشياء ومنتجات ملموسة (مثل الراديو أو الأقراص المرنة …إلخ.).
- لحظات لا يمكنك إعادتها من جديد.
- أشخاص رحلوا (مشهورون وعلماء ..,إلخ.).
في الحقيقة هذا الأمر منطقي لأن الحنين هو كل شيء عن الحواس، وتحديدًا هو التصورات الحسية التي تثير المشاعر الإيجابية. في نفس الدراسة السابقة أبلغ معظم الناس الذين شملهم الاستطلاع عن شعورهم بالحنين إلى الماضي مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وما يقرب من نصفهم يمرون به ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع. غالبًا ما تتأثر هذه النوبات المبلغ عنها بالأحداث السلبية ومشاعر الوحدة، لكن الناس يقولون إن "الحنين إلى الماضي" يميزه الباحثون عن الذكريات يساعدهم على الشعور بالتحسن، ويجعلهم يشعرون بالتفاؤل.
كما حاول الباحثون تحليل كيفية بناء سحر الحنين إلى الماضي بناءً على طرائق مختلفة من الحنين اختاروها من الأدبيات الاجتماعية التي شرحت أنواع الحنين إلى الماضي (مثل الحنين المتردد، والحنين التدريجي، والحنين المرح ..إلخ) ووجدوا بأنه لاستحضار الشعور بالسحر هنالك ثلاث طرق وهي:
- إعادة إنشاء مثيل: إرجاع رمزي إلى الماضي.
- إعادة تمثيل للماضي: إعلام انعكاسي للحاضر بعلامات تجارية وممارسات قديمة.
- إعادة التخصيص: أي إعادة تفسير للماضي بطريقة الحاضر.
من خلال هذه الطرق المختلفة يمكن للمسوقين استغلال الحنين للماضي لخلق السحر، فإننا نلاحظ آثارًا مهمة للدراسة النظرية وإدارة العلامات التجارية ذات السمات السابقة فيما يتعلق باستراتيجية التسويق والاستهداف وتحديد المواقع وتصميم تجربة العلامة التجارية والاتصالات التسويقية.
يذكر أن هناك نوع آخر من الحنين إلى الماضي تستثمره بعض العلامات التجارية وهو الحنين التاريخي للماضي وهو الحنين إلى أحداث أو أوقات لم يكن الشخص فيها مولودًا بعد. ولكن بطريقة ما لا تزال هذه الأحداث أو الفترات الزمنية تجذب بعض الناس مثل المغناطيس. وغالبية الأشخاص الذين يتأثرون بهذا النوع من الحنين يكون لديهم ارتباط عاطفي أو اشتياق لأوقات في التاريخ تسبق ولادته.
وظائف الحنين من وجهة نظر علم النفس
يحدث الحنين إلى الماضي عندما تعالج اللوزة الدماغية أو اللوزة العصبية مدخلات معينة، واللوزة الدماغية هي جزء من الجهاز الحوفي ويتكون من حوالي 13 نواة و تنقسم هذه النوى إلى مجمعات أصغر، وترتبط بعض الأقسام مع القشرة المخية والمهاد وكذلك منطقة الحصين Hippocampus ويرتبط هذا الجزء بالعديد من الوظائف والاستجابات الجسمانية، والإثارة والخوف، وردود الأفعال العاطفية، والإفرازات الهرمونية، والذاكرة والمعلومات الحسية، فضلًا عن أن اللوزة تتلقى معلومات حسية من المهاد و من القشرة الدماغية. ثبت أن المحفزات مثل اللمس، والشم، والصوت، وحالة الطقس، والموسيقى تولد ذكريات عقلية شديدة، ثم يربط الدماغ هذه المحفزات بأحداث معينة أو بأشخاص من الماضي، مثل مكان العطلة المفضل لعائلتك أو صديق طفولتك المفضل، وعند مصادفتنا لإحدى هذه الذكريات تنطلق الشرارة ونسترجع الذكريات الجميلة أو شعور الحنين إلى الماضي مع بعضهما بعضًا.
يخدم الحنين وظيفة إنسانية مهمة تتجاوز مجرد "الشعور بالسعادة". إنه يخلق صلاحية وجودية لحياة المرء، ويشجع النمو البدني والعقلي ويعزز الحالة المزاجية والوعي الذاتي. كما تساعد على توحيد إحساسنا بذواتنا وهويتنا؛ لأننا مع مرور الوقت نتغير باستمرار بطرق لا تصدق. نحن لسنا نفس الأشخاص عندما كنا في الثالثة من العمر. فمثلًا، يساعد الحنين تذكرنا لماضي حياتنا ويوحدنا مع تلك الذات الأصيلة ويذكرنا بما كنا عليه ومن ثم موازنة ذلك بما نشعر به اليوم، ويمنحنا ذلك إحساسًا عميقًا بما نريد أن نكون على الطريق الصحيح في المستقبل.
الحنين إلى الماضي عاطفة اجتماعية
الطريقة الأخرى التي يخدم بها الحنين وظيفة نفسية أساسية هي أنها عاطفة اجتماعية للغاية، فإنها تربطنا بأشخاص آخرين. فمنذ الصغر ترتبط حياتنا مع عائلتنا وإخواننا وأصدقائنا. وبينما نكبر في هذه الحياة تتسع دائرة معارفنا لتشمل نطاقًا أوسع من الأشخاص الذين نتفاعل معهم ومع هذا التفاعل نشكل ذكريات جميلة ولذلك تساعد ظاهرة الحنين إلى الماضي على الترابط الاجتماعي فهي عاطفة اجتماعية مفيدة للصحة.
والطريقة الأخرى التي تجعلها عاطفة اجتماعة موحدة هي أنها تساعدنا على توحيد ما نشعر به أو نختبره كنزاعات داخلية. إنها تؤجج الصراع الداخلي فينا لأنها عاطفة حلوة ومرّة بنفس الوقت. فهي حلوة لأنها تذكرنا بأفضل أوقات حياتنا، ومرّة لأنها تشعرنا بأنه لا يمكننا أبدًا استراجاع تلك اللحظات الجميلة، أي أنها ستبقى ذكريات تدغدغ ذاكرتنا إلى الأبد.
يساعد الحنين على تهدئة صراع الشوق المرير لما لا يمكن أن يكون مرة أخرى مع حلاوة تجربته والقدرة على إعادة النظر فيه وإعادة إحيائه مرة أخرى. الأمر الآخر عندما يشعر العملاء بالحنين إلى الماضي، فإنهم يميلون بطريقة طبيعية لمشاركة أفكارهم ومشاعرهم. مثلًا عندما تتذوق طعمًا يشابه طعمًا تذوقته في شبابك أو طفولتك فغالبًا لا ترغب فقط في الاستمتاع بهذه التجربة لوحدك فحسب وإنما تريد مشاركتها مع من تعرفهم ليُشاركونك نفس الذكريات. في الحقيقة هذا يجعل الحملات الإعلانية المعتمدة على الحنين إلى الماضي قابلة للمشاركة بطبيعتها.
يساعدنا الحنين على زيادة إنفاق المستهلكين
تشير دراسة باسم Nostalgia Weakens the Desire for Money صادرة عن جامعة إكسفورد عام 2014 إلى أن الحنين إلى الماضي يلهم المستهلكين لإنفاق أموالهم لأن تنمية ذكريات الماضي والعصور الغابرة تعزز الشعور بـ "الترابط الاجتماعي"، إذ يُنظر إلى القيم المجتمعية القديمة والعلاقات مع الآخرين على أنها أكثر أهمية من المال. في مثل هذه الأجواء تقل قيمة المال بنظر المستهلكين ويبدو أن مثل هذا المزاج يقلل من مقاومة الإنفاق. يقول الباحثون: "تصبح قدرة المستهلكين على تحديد الأولويات والتحكم في أموالهم أقل إلحاحًا بعبارة أخرى يمكن أن يكون شخص ما أكثر ميلًا لشراء شيء ما عندما يشعر بالحنين إلى الماضي".
حتى عندما يكون الحنين إلى الماضي مزاجًا كئيبًا إلى حد ما، مثل استحضار ذكريات طفولة ضائعة أو وفاة شخص ما، تنخفض الرغبة في الاحتفاظ بالمال كما قال الباحثون في تلك الدراسة. اختبرت هذه النظرية من خلال إجراء سلسلة من تجارب المستهلكين، وقياس ردود الفعل على أنواع مختلفة من الإعلانات، والاستعداد للتبرع للأعمال الخيرية والاستعداد لتحمل الضغوط للحصول على مكافآت مالية.
يقول الباحثون في الدراسة السابقة إن الأمر المشترك في مشاعر الحنين إلى الماضي هو أنها تضعف مشاعر الحرص على المال الأمر الذي يسهل عملية بيع المنتجات للأشخاص الذين يهدأون في هذا المزاج السيئ عندما يعدهم المنتج باسترجاع المشاعر والأيام القديمة.
لهذه الأسباب نمت حملات التسويق بالحنين إلى الماضي بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة، إذ بدأت العلامات التجارية في اكتشاف قيمة التواصل مع عملائها على مستوى عاطفي أكثر تعمقًا. ولكن هنالك بعض المخاطرة مثل أي حملة إعلانية لذلك يجب التفكير جيدًا في الأمر لأنك إذا تسرعت في توظيف الحنين إلى الماضي دون تفكير وتخطيط، فيمكن أن تدمر سمعتك بدلًا من تحسينها.
الحنين يجعل الناس يشعرون بالرضا
وجد بحث بعنوان What Is Nostalgia Good For? Quite a Bit, Research Shows منشور في جامعة ساوثهامبتون أن الحنين إلى الماضي يمكن أن يكون مفيدًا للإنسان. ووفقًا للباحثين، يمكن أن يؤدي الحنين إلى "مواجهة الشعور بالوحدة والملل والقلق" بالإضافة إلى استحضار المشاعر الإيجابية، كما أنه يجعل الناس أكثر تسامحًا وكرمًا مع الغرباء، وكشفت دراسات أخرى أن الحنين إلى الماضي ساعد الناس على التعامل مع اللحظات العصيبة وتحولات الحياة. في الواقع، يمكن للحنين إلى الماضي أن يجعل الناس يشعرون بالدفء الروحي في يوم بارد.
يساعد الحنين إلى الماضي المسوقين لأن له تأثير عاطفي قوي للغاية على عملائهم. تحدثنا سابقًا عن مدى فعالية التسويق العاطفي؛ (ننصحك بقراءة المقال لفهم أعمق للموضوع) من المرجح أن يستجيب العميل بطريقة إيجابية أكثر لإعلانك إذا أثار نوعًا من الاستجابة العاطفية.
نصائح لإنشاء استراتيجية التسويق الخاصة بك بالحنين إلى الماضي
في سوق شديد التنافسية مثل أسواق اليوم، أصبح لزامًا على الشركات والعلامات التجارية طرق كل أساليب التسويق، ولما كان التسويق بالنوستالجيا أحد الأساليب القوية والمؤثرة على العواطف فهي استثمار مناسب لوضعها في الإعلانات. يمكن لأي شركة ربط هدف علامتها التجارية بالأفكار القديمة لإثارة مشاعر الأمان والراحة والمشاركة في جمهورها. بالرغم من أن هذا التكتيك كان موجودًا منذ عدة سنوات إلا أنه شهد انتعاشًا قويًا بصورة خاصة مؤخرًا، إذ يبحث جيل الألفية باستمرار عن ملاذ آمن من ضغوط وتشويش العصر الرقمي.
في حين أن العديد من الأمثلة المميزة هي من علامات تجارية كبيرة، فإن هذا لا يعني أن شركة صغيرة لا يمكنها أن تنشئ حملتها التسويقية الفريدة من نوعها للحنين إلى الماضي، وعمومًا عند التخطيط لحملة إعلانية من هذا النوع ضع هذه النصائح في الاعتبار.
1. ركز على هدف محدد
بغض النظر عن الموضوع أو الدافع، يجب أن يكون لاستراتيجية التسويق الجيدة دائمًا هدف واضح ومحدد. إذا رغبت في استخدام الأفكار القديمة بطريقة فعالة في حملتك فأنت بحاجة إلى أن تسأل نفسك: "كيف يمكنك جعل الحنين إلى الماضي يعمل بصورة جيدة مع حملتك الحالية، وما الميزات التي ستحتاج إلى التفكير فيها لضمان جذب انتباه جمهورك؟" وفي هذا السياق من بعض الأساليب المشهورة في تضمين الحنين إلى الماضي في الإعلان:
- إحياء منتج أو خدمة أوقفتها الشركة في الماضي.
- الاحتفال بالذكرى السنوية للشركة أو علامة فارقة.
- إعطاء علامتك التجارية صورة جديدة لإعادة نفسك إلى قلوب جمهورك (مثل تحديث العلامة التجارية أو إعادة العلامة التجارية).
- تسليط الضوء على تغيير في الشركة، مثل التعاون مع شريك جديد، أو التركيز على أهداف العلامة التجارية المختلفة، أو قرار تغيير الاسم أو الشعار.
تأكد من وجود سبب قوي وراء حملتك قبل أن تبدأ في استكشاف الفرص التسويقية لها.
2. ضع في اعتبارك جمهورك وشخصيتك
مفتاح أي حملة تسويقية هو فهم احتياجات وتفضيلات جمهورك. قبل أن تتمكن من الانخراط في استراتيجية تسويقية قوية للحنين إلى الماضي تأكد من أنك ترسم الصور والأفكار من الحقبة الزمنية المناسبة لكي تكسب رضا الجيل الذي تستهدفه. فكر في الفئة العمرية لجمهورك المستهدف، وتأكد من أنك تبحث في تفضيلاتهم بالتفصيل عند وضع خطتك التسويقية. وتأكد من أن أي تكتيكات تختارها تنسجم تمامًا مع شخصية العلامة التجارية الحالية ونبرة صوت علامتك التجارية (تحدثنا في مقال منفصل عن مكونات العلامة التجارية يمكنك الاطلاع على المقال لمزيد من التفاصيل). لا يعني التكيف مع أفكار التسويق القديم بالضرورة التخلي عن الشخصية التي أنشأتها لشركتك. كلما كنت أكثر اتساقًا زادت فرص نجاحك في إقناع عملائك بربط علامتك التجارية بذكرياتهم المفضلة.
جهز أبحاث دقيقة لشريحة العملاء المستهدفين، واعمل على شخصية المشتري لتحديد عمر جمهورك المستهدف واكتشف الأشياء التي تهمهم، فمثلًا إذا كنت تستهدف المستهلكين من جيل الألفية، فيمكنك أن تستمد الإلهام من التسعينيات أو من أوائل القرن الحادي والعشرين. أو إذا كان جمهورك من الجيل العاشر أو الجيل إكس Gen X، فيمكنك التفكير في سبعينيات القرن الماضي. المهم أن تبحث في المكان المناسب والزمن المناسب.
3. ادمج أفكار الحنين إلى الماضي بوسائل التواصل الاجتماعي
إذا كان الحنين هو الطُعم لحملتك التسويقية، فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي قصبة الصيد. إنها طريقة مثالية لبدء تعريف جمهورك بأحدث إستراتيجيتك، لأن الحنين إلى الماضي هو تجربة عاطفية بطبيعتها. هذه هي فرصتك للتواصل مع جمهورك من خلال المشاعر المرتبطة بأعمق ذكرياتهم وأعزها. من خلال نقل التجربة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإنك تزيد من تأثير حملتك على الفور، عن طريق بدء المحادثات بشكل طبيعي حول تلك الذكريات. لا يريد الناس الاستمتاع فقط بذكريات صورة أو صوت حنين إلى الماضي، بل يريدون أن يكونوا قادرين على ربط أصدقائهم وأفراد عائلاتهم بالتجربة ويقولون "مرحبًا، أتذكرون هذا؟"
كما يمكن أخذ المحتوى الحديث وتحويله إلى قديم ودمج الحنين إلى الماضي، وهذا شيء يمكن لأي منظمة تنفيذه دون بذل جهود كبيرة. ليس عليك أن تكون علامة تجارية عمرها 100 عام لتجد طريقة ذكية لاستخدام الذكريات. ولكن مع ذلك ستُواجه صعوبة في تحديد ما تريد عرضه بالضبط.
إليك أحد الأمثلة لتوجيهك في الاتجاه الصحيح. أجرى متجر التجزئة البريطاني Holiday Hypermarket مسابقة اجتماعية للاحتفال بعيد الأب لتشجيع الأشخاص على إرسال صور لآبائهم في العطلة عبر انستغرام وتويتر. بينما كانت الجائزة صغيرة (حقيبة هدايا)، كانت حملة وسائل التواصل الاجتماعي ناجحة بطريقة لا تصدق. هذا مثال رائع على كيفية الحفاظ على صدقك وإشراك معجبيك في حملتك، فيحب الناس مشاركة الذكريات مع الآخرين وكانت طريقة المتجر ذكية كفاية لإثارة ذلك.
4. الاستفادة من سجل العلامة التجارية (إذا كان بإمكانك)
إذا كانت شركتك موجودة بالفعل منذ بعض الوقت، فإن الطريقة الرائعة لزيادة تأثير استراتيجية التسويق بالحنين إلى الماضي هي الاستفادة من تاريخ العلامة التجارية القوي. فمثلًا يعد الفيديو الترويجي لمنصة البلايستيشن من شركة سوني في عام 2013 مثلًا رائعًا لطريقة استثمارًا الشركة بتاريخ العلامة التجارية واحتفل الفيديو باللاعبين من جميع أنحاء الجيل واعتمد على دمج العلامة التجارية بين الحنين إلى الماضي ووضع العلامة التجارية الحالية في الحاضر.
يمكن للعلامة التجارية بناء استراتيجيات الحنين إلى الماضي من خلال تذكير عملائها بالتجارب الجيدة التي مروا بها معهم في المناسبات السابقة. فمثلًا اعتمدت شركة Sony على تذكير جمهورها بالذكريات الجيدة التي جمعوها معًا في الماضي وتقنعهم بأنه يمكن صنع المزيد من الذكريات الرائعة في المستقبل إذا اشتروا فقط أحدث وحدة تحكم PlayStation من منتجها.
ذكّر المستهلك بتاريخك الثري، وأظهر مدى جدارتك بالثقة وأظهر قيمك الأساسية. ستحتاج للبحث في أرشيف علامتك التجارية وتحديد الصور ومقاطع الفيديو والحقائق حول شركتك، والتي تريد عرضها على عملائك. ابحث عن شيء ملهم في تاريخ شركتك. كل علامة تجارية لديها قصة لترويها. ربما بدأت علامتك التجارية في مرآب لتصليح السيارات. أو يمكنك إعادة منتج قديم وتجديده مرة أخرى. ضع في اعتبارك تضمين قصة علامتك التجارية في استراتيجية التسويق بالحنين إلى الماضي. من بين أهم الرسائل التي يمكنك إيصالها هي كيف وقفت علامتك التجارية بجانب عملائك عبر عقود أو حتى قرون. إن أحسنت صياغة الحملة فستكون بمثابة "ذهب تسويقي" لعلامتك التجارية.
5. انتبه جيدًا للتفاصيل
عند محاولة محاكاة حقبة زمنية معينة من الأهمية بمكان الحصول على التفاصيل المتعلقة بالموسيقى والألوان والخطوط والصور بطريقة صحيحة. فمثلًا إذا أردت صنع مقطع فيديو يسافر بالمستهلك بالزمن إلى حقبة زمنية يحبها يجب عليك الاعتناء بكل جوانب الفيديو يجب أن يشعر المستهلك بأن اللقطة مأخوذة فعلًا من الحقبة الزمنية المقصودة هذا يشمل لباس الممثلين وقصات شعرهم وطريقة تنظيم بيوتهم وانتبه جيدًا أنه كلما كانت اللقطة في مكان كبير وكثير المعالم زادت المسؤوليات الواجب الانتباه لها. من الجيد عمومًا الجمع بين المفاهيم القديمة والأفكار الجديدة لجعل التجربة أكثر جاذبية وإثارة لعملائك. تذكر أن المصداقية والأصالة هي مفتاح استراتيجية التسويق الخاصة بالحنين إلى الماضي.
تتطلب الحملات الإعلانية الناجحة سواء باستثمار أفكار الحنين إلى الماضي أو بدونها العمل على أدق التفاصيل والمفتاح هو معرفة كيفية تحديد أهم اللحظات في الجدول الزمني لعميلك واستخدام تلك الذكريات لتعزيز هوية شركتك. يعمل التسويق بالحنين إلى الماضي بشكل أفضل عندما تفهم الشركات جمهورها وتراقب نبض الثقافة الحالية وتستمع إلى أكثر ما يتوق إليه الناس. كلما شعر المستهلك بارتياح عند تجربته مع العلامة التجارية الجديدة أو القديمة، زاد انفتاحه على رسائل تلك العلامة.
شركات استخدمت التسويق بالحنين إلى الماضي
المتابع المدقق للأسواق سيجد بأن إعادة نشر المنتجات القديمة بالطرق الحديثة يؤتي ثماره إذا قدم بطريقة ممتازة. هل تذكر لعبة بوكيمون هل لاحظت كيف أنها استغلت الواقع المعزز لإعادة إحياء لعبة قديمة جدًا لعبة البوكيمون وعمومًا هذه نظرة سريعة على قصتها.
صدرت لعبة بوكيمون الأصلية في عام 1996 وكانت تلعب على جهاز Game Boy المحمول ذو الشاشة الصغيرة بسمك خمسة سنتيمترات مربعة وكانت تعرض بالألوان الأبيض والأسود. لاقت اللعبة نجاحًا آنذاك لأنه صدر معها مسلسل كرتوني مرتبط بشخصيات اللعبة ويحكي القصة الكاملة لهذه البوكيمونات.
من ذلك الحين حاولت العديد من الشركات بناء ألعاب واستنساخ هذه اللعبة وتطويرها إلى أن جاءت شركة نيانتيك Niantic المتخصصة في ألعاب الواقع المعزز وطورت أفضل لعبة بوكيمون وهي بوكيمون غو Pokémon Go والجدير بالذكر أن الشركة مقرها في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية وتأسست في الأصل كشركة داخلية ناشئة داخل شركة ألفابت (غوغل سابقًا).
أطلقت الشركة اللعبة في يوليو 2016 وسرعان ما أصبحت من الألعاب الناجحة بل أصبحت ظاهرة ثقافية عالمية. ففي صيف عام 2016، بدا الأمر كما لو أنه لا مفر من لعبة بوكيمون غو. حطمت عائدات اللعبة في الشهر الأول من صدورها أرقامًا قياسية، إذ بلغت 207 مليون دولار. بالرغم من أن النسخة اليابانية لم تصدر إلا بعد أسبوعين من الإصدار العام. لكنها أيضًا ما لبثت إلى أن تصدرت هي الأخرى الألعاب الأكثر تنزيلًا في اليابان، ووصلت اللعبة أيضًا إلى المرتبة الأولى بين التطبيقات الأكثر بحثًا على آبل ستور. تستخدم اللعبة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ويمكن للمستخدمين التقاط البوكيمونات وتدريبهم، ثم القتال ضد المستخدمين الآخرين، ومحاكاة طريقة اللعب في سلسلة ألعاب الفيديو.
السؤال المهم الذي يتبادر إلى الذهن عند الاطلاع على كل هذه المعلومات: ما الذي يجعل هذه اللعبة جذّابة إلى هذا الحد؟ في الحقيقة إن الأمر يعود لعدة عوامل أولها بأن الشركة اعتمدت على ربطها بذاكرة الشباب لا سيّما جيل التسعينيات هذا الجيل أحب اللعبة جدًا آنذاك ومازالوا يحنّون إليها، (أي أنها اعتمدت على الحنين إلى الماضي) ولطالما أحبها كل من عايشها، كما أن الشركة جعلت طريقة عمل اللعبة بالاعتماد على الواقع المعزز الأمر الذي جعلها تتميز ولا تشبه أي لعبة أخرى، وإجبارها المستخدمين على الخروج إلى الشوارع والطبيعة ودفعهم إلى الحركة، بالإضافة إلى ذلك إجبار المستخدمين على التفاعل بين الناس، وتمكينهم من توسيع دائرة معارفهم الاجتماعية إلى جانب التسلية والهروب من الضغط اليومي لبعض الوقت. إلا أن رئيس شركة إنترأكت ومحلل الألعاب هيراباياشي هيساكازو يعتقد بأنه من الأفضل ألا نقيم اللعبة على أنها مجرد لعبة تعتمد على خدمة تحديد الموقع والواقع المعزز وإنما كنقطة انطلاق لاتجاه أكثر حداثة من ألعاب الهواتف الذكية ذات الواقع المعزز باستخدام البيانات الوصفية المعتمدة على خدمة تحديد الموقع. هذا بالضبط ما جعلها تحطم الأرقام القياسية.
تباطأ نمو عدد اللاعبين بالرغم من إضافة الشركة المطورة نيانتيك ميزات جديدة كانت مطلوبة بشدة إلى اللعبة. إلا أنها مع ذلك لم تعود إلى القوة التي انطلقت بها، وهذا التحدي الصعب يواجه كل المنتجات التي تعتمد على الحنين إلى الماضي لأنها ستواجه فورة في الاستخدام ومن ثم هبوط حاد بسبب عدم تجديد اللعبة أو طرحها لتحديات ومغامرات جديدة. تجاوزت إيرادات الشركة المليار دولار في عام 2020 لأول مرة.
يذكر أن ألعاب الواقع الافتراضي تذهب إلى ما هو أبعد من التجربة البصرية ثلاثية الأبعاد المتاحة للاعبين. يخبرنا علم النفس المعرفي أننا نرى بواسطة أدمغتنا وليس عيوننا لأن وظيفة العيون تنحصر اكتشاف الضوء وتحويله إلى إشارات لترسل بدورها إلى الدماغ للتعرف عليها. أي أن الصور الرقمية المنقولة عبر الواقع الافتراضي يمكن أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من العالم الحقيقي ويصعب تمييزه بالعين المجردة، وهذا بالضبط ما يبرر خوف الناس من العالم الافتراضي ميتا المقدم من شركة ميتا (فيسبوك سابقًا).
الفكرة أنه عندما يصعب على العقل التفريق بين الحقيقة والواقع يصبح تأثير الحنين إلى الماضي أكبر بكثير على المستهلكين غير المطلعين على هذه الأمور وبالتالي سيكونون هدفًا سهلًا للمعلنين، بعبارة أخرى التطبيقات للتسويق بالحنين إلى الماضي من خلال الواقع الافتراضي سيكون تأثيره أشد وطأة من الطرق الحالية.
الخاتمة
تعرفنا في هذا المقال على ماهيّة التسويق بالحنين إلى الماضي وفهمنا ارتباطه مع علم النفس واطلعنا على أهم النصائح التي يجب علينا اتباعها عند إطلاقنا لحملة تعتمد على فكرة الحنين إلى الماضي، وأخيرًا إن الحنين إلى الماضي مهم للغاية إنه يجعلنا ننظر للوراء إلى المحطات التي تخطيناها في حياتنا، ويعيدنا لأوقات لم يكن لدينا أدنى فكرة عما يخبئه لنا المستقبل، ويظهر لنا ما كنا عليه ومن نحن اليوم.
تعمل الحملات التسويقية للحنين إلى الماضي لأن صداها يتردد مع الذكريات الإيجابية من الماضي. وتسمح للعملاء باستعادة لحظاتهم الأكثر جمالًا متجاهلين الضغوط والمسؤوليات والفوضى التي تصيبنا في الوقت الحاضر، ولذلك إذا كنت صاحب شركة أو علامة تجارية يجب ألا تهمل هذه الحملات الإعلانية، وجعل العميل يسافر عبر الزمن ويكتشف الذكريات التي يحبها.
المصادر
- Nostalgia Marketing and How Brands Recreate a Time From the Past لكتابه Chidinma Nnamani.
- Nostalgia Marketing: What Is It and Why Is It Hot? لكاتبته Angie Tran.
- Passion For The Past: Nostalgia Marketing And The Retro Revolution لمحرري الموقع.
- What Is Nostalgia Good For? Quite a Bit, Research Shows لكاتبه John Tierney.
- Pokémon Go Revenue and Usage Statistics (2021) لكاتبه Mansoor Iqbal.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.