اذهب إلى المحتوى

فهم السوق والتعامل معه


علاء أيمن

سنتابع في سلسلتنا الفريدة عن مبادئ وأسس التسويق في بابنا الثاني "فهم السوق والتعامل معه"، والذي سنخوض عبره في جُملةٍ من المواضيع والمفاهيم التسويقية الجوهرية، حيث سنستعرض دور التسويق في عملية التبادل وكيفية التفريق بين أنواع السوق المختلفة، كما سنتطرّق إلى الفرق بين مفهومي التسويق الموّحد وتجزئة السوق، وسنذكر في نهاية هذا الجُزء من سلسلتنا قواعد تجزئة السوق وكيفية اختيار السوق المستهدفة بدقّة.

استخدام الإنترنت في تجزئة السوق

أضحت الإعلانات الإلكترونية في وقتنا الحاضر تمثل سوقًا كبيرةً نسبيًا. وفي ظل محدودية الميزانيات التي خصصتها الشركات لها، باتت العديد من الشركات تطالب المعلنين وشركات الإعلان الإلكتروني باستثمار الأموال التي تخصصها للإعلانات بمسؤولية وكفاءة أكبر.

وعلى الرغم من أن بدايات الإعلانات الإلكترونية لم تكن موفّقة بسبب عدم تواجد أدوات يمكنها قياس حجم الجمهور الإلكتروني والزوّار للمواقع المختلفة بدقة، إلا أن الوضع قد اختلف في عصرنا الحالي، مع تطوّر وتوفّر أدوات حديثة لقياس وتحديد الجمهور المُستهدف.

وتُعد شركة Relevant.Knowledge من أولى الشركات التي وضعت أسس أدوات قياس عدد زوار المواقع الإلكترونية بدقة. وقد تأسست الشركة على يد إداريين سابقين من شركة تيرنر للبث Turner Broadcasting وبموظفين متمرسين في حساب عدد المتابعين في وسائل الإعلام التقليدية، مثل التلفزيون والراديو. وتقدم الشركة، من بين خدمات أخرى، بيانات سريعة ومفصلة جغرافيًا حول زيارات المواقع الإلكترونية، وذلك لعدد من كبرى الشركات، مثل سي إن إن وسوني وسي نت وميكروسوفت.

ويمكن القول إن شركة Relevant.Knowledg استهدفت -في وقتها- حل واحدة من أكبر المشكلات المستعصية على المعلنين والناشرين وهي: شح المعلومات الموثوقة التي يستطيع المعلنون استعمالها لتبرير شراء الإعلانات على الإنترنت. فقد عانى المعلنون حالة من الصدام الثقافي بين التقنيات الحديثة وطرق البحث التقليدية، والنتيجة أنه لم تكن توجد معلومات كافية يمكن تطبيقها على المواقع الإلكترونية.

صحيح أن المواقع تقدّم معلومات حول عدد زوارها، ولكن ليس من السهل الموازنة بين هذه النتائج ونتائج المواقع الأخرى، كما أن معظم المواقع لا تستطيع معرفة إن كانت الزيارات مصدرها شخص واحد يزور الموقع مرارًا وتكرارًا أم أن مصدرها أشخاص مختلفين. ولذلك اعتمد مشترو الإعلانات على أدوات بدائية، مثل التقارير حول ما ينفقه المنافسون.

معرفة السوق وفهمه

تُعد معرفة السوق بدقة شرطًا لنجاح التسويق، ولكن ذلك قد يكون صعبًا، وخصوصًا للشركات التي تحاول الإعلان من خلال الإنترنت. وكما أشرنا سابقًا، فمن المتوقع أن يتواصل هذا التوجه نحو الإنترنت ويستمر بقوّة في المستقبل. في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا سوف نناقش ثلاثة مفاهيم أساسية متعلقة بالسوق وهي: تعريف طبيعة السوق، ومعرفة أنواعه، ومناقشة التسويق الموحد وتجزئة السوق.

تعريف السوق

يمكن النظر إلى السوق من زوايا عديدة، وبالتالي يستحيل تعريفه بدقة. ولكن لابدّ من تعريف أساسي يعطينا فكرة عامة عن ماهيّة السوق، ويمكن القول إن السوق هو مجموعة من الزبائن المحتملين الذين يحملون حاجات ورغبات معينة، ولديهم القوة الشرائية لإشباعها.

السوق هو الناس

بما أن أي تبادل يتضمن شخصين فأكثر، فمن الطبيعي النظر إلى السوق على أنه عبارة عن أفراد أو مجموعات من الأفراد. ومن الواضح أنه بدون أفراد يشترون ويستهلكون البضائع والخدمات، فلن تكون هناك حاجة للتسويق.

ويشكل الناس سوقًا فقط إن كانت لديهم حاجات ظاهرية أو كامنة، أي أن الناس يجب أن يكونوا مدركين لحاجاتهم الحالية والمستقبلية. وفي حين أن التعرف على الحاجات الحالية قد يكون سهلًا ومباشرًا، إلا أن التعرف على الحاجات المستقبلية يُعد أمرًا أكثر تعقيدًا، فهو يجبر المسوق على تطوير منتجات جديدة لإشباع حاجات ليست موجودة بعد. وبالتالي، يُعد التعرف على الزبائن المستقبليين وفهم حاجاتهم أمرًا ضروريًا للغاية.

وعندما نتحدث عن السوق بوصفه مجموعة من الناس، فنحن لا نعني بذلك الأفراد المستهلكين فقط. ورغم أن الأفراد يمثلون أكبر وأهم الأسواق، إلا ان المؤسسات والشركات وغيرها من أنماط السلوك الجماعي المنظم تُعد أسواقًا أيضًا. وعليه يمكن القول إن الأسواق تتشكل من الناس والشركات والمؤسسات.

مع ذلك، يجب أن تتوفر في الناس أو الشركات عدد من المعايير الأساسية حتى يشكلوا سوقًا:

  • يجب أن يكون هناك حاجة حقيقية، سواءً كانت ظاهرة أو كامنة، للمنتج أو الخدمة.
  • يجب أن يكون الفرد/الشركة قادرًا على الدفع لشراء المنتج بوسائل مقبولة لدى المسوّق.
  • يجب أن يكون الفرد/الشركة مستعدًا لشراء المنتج.
  • يجب أن يكون الفرد/الشركة يمتلك صلاحيات شراء المنتج.
  • يجب أن يكون إجمالي عدد الأفراد/الشركات الذين تنطبق عليهم المعايير السابقة كبيرًا بما فيه الكفاية لتحقيق الربح للمسوّق.

يجب أن تنطبق جميع المعايير الخمسة السابقة على مجموع الأفراد أو الشركات حتى يشكلوا سوقًا، إذ أن غياب معيار واحد منها يلغي وجود السوق، ومثال ذلك صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية، فهناك العديد من الأمراض الخطيرة التي ما زالت بلا دواء، والسبب في ذلك عدم وجود عدد كافٍ من الأشخاص المصابين لتبرير تكاليف البحث وإنتاج الدواء المناسب، وتحقيق الربح لشركات الأدوية. ورغم تحقق المعايير الأربع الأولى في هذه الحالة، إلا أن قاعدة المستهلكين الصغيرة حالت دون وجود السوق لهذا المُنتج.

السوق مكان

ينظر العامّة إلى السوق عادةً باعتباره مكانًا تجري فيه المعاملات التجارية. وفي هذا السياق، يمكن إطلاق لفظ السوق على الأسواق العالمية، والدولية، والإقليمية، والولايات، والمدن، والأحياء، والمتاجر، وحتى المولات.

صحيح أن "الناس" يمثلون جزءًا مهمًا من السوق، ولكن "المكان" لا يقل أهمية أيضًا، فالشركات تنقل بضائعها إليه، والزبائن يتوجهون إليه لإجراء المعاملات التجارية. كما أن العديد من العوامل تتأثر بموقع السوق الجغرافي وتشمل هذه العوامل مزايا المنتج، وسعره، ومكان المنشآت، وتوزيع مندوبي المبيعات، والتصميم الترويجي وغير ذلك.

أخيرًا، قد لا يشغل السوق موقعًا جغرافيًا بالضرورة، فقد يكون السوق عبارة عن كتالوج أو إعلان يسمح للمستهلكين بشراء المنتجات التي يرغبون بها دون الحاجة إلى الاستعانة بالوسطاء، أو إجراء المكالمات الهاتفية.

السوق نظام اقتصادي

في معظم الحالات، يتسم السوق بوجود نظام متغيّر من القوى الاقتصادية، ولعل من أبرزها: العرض، والطلب، والمنافسة، وتدخل الحكومة. وتعكس بعض المصطلحات مثل "سوق المشترين" و"سوق البائعين" حالة القوة التفاوضية في السوق، فيما تعكس مصطلحات أخرى مثل "الاحتكار المطلق" و"احتكار القلة" و"المنافسة المثالية" حالة المنافسة في سوق معيّن، في حين ينتج عن مقدار الحرية الشخصية و مدى سيطرة الحكومة إمّا أسواق حرة، أو أسواق اشتراكية، أو غيرها من الأنظمة التجارية والاقتصادية.

إن تصنيف السوق يسمح للمسوق بتصميم استراتيجيات ملائمة للوضع الاقتصادي، فكما نعلم يتميز سوق المشترين بوفرة المنتجات، وتدني الأسعار، وتحكم الزبائن بشروط البيع، لذلك تضطر الشركات الأمريكية إلى إجراء تعديلات هائلة على استراتيجياتها عند بيع منتجاتها في أسواق العالم الثالث. وباختصار، يمكن القول إن التفاعل بين جميع هذه العوامل الاقتصادية هو ما يصنع السوق.

هناك أيضًا ضغط المنافسة الناتج عن دخول شركات جديدة إلى السوق ومغادرة أخرى. وفي إطار ضغط المنافسة يستعمل المسوقون أسلحة لحماية مكانتهم في السوق، وتشمل هذه الأسلحة الإعلان وضغط البيع، والسعر والسعر المقابل، والزعم والزعم المقابل، والخدمة والخدمة الإضافية. ولكن الحقيقة الثابتة هو أن تركيب السوق يتّسم بالتغيّر المستمر.

أنواع السوق

الآن وبعد أن عرّفنا السوق تعريفًا عامًا، سوف نناقش أبرز أنواع الأسواق ومواصفات كل منها، وهي:

  1. الأسواق الاستهلاكية.

  2. الأسواق الصناعية.

  3. الأسواق المؤسساتية.

  4. أسواق البيع بالتجزئة.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه التقسيمات ليست واضحة دومًا، ففي بعض المجالات، قد تكون الشركة في تصنيف مختلف كليًا، وقد ينطبق عليها أكثر من تصنيف، أو التصنيفات الأربع مجتمعة. وبالتالي، من المهم معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه الأسواق والفرق بينها، وذلك لبناء الأنشطة التسويقية الملائمة لها.

الأسواق الاستهلاكية

عندما نتحدث عن الأسواق الاستهلاكية، فنحن نقصد الأفراد والعائلات الذين يشترون ويستهلكون المنتجات والخدمات بصفة شخصية، أي أنهم ليسوا مهتمين بإعادة بيع المنتج أو استعماله لإنتاج منتج آخر. وبالنظر إلى آلاف المنتجات والخدمات التي تُطرح في السوق كل يوم، وزيادة قدرة المستهلكين على شراء هذه المنتجات، يمكن القول إن حجم وتعقيد نمو الأسواق الاستهلاكية مربك حقًا، ولذلك يتناول الباب القادم "بحوث التسويق: نحو قرارات أفضل" من سلسلة مقالاتنا عددًا من هذه القضايا.

001adcamera.PNG

إعلان: نموذج من إعلانات الأسواق الاستهلاكية.

الأسواق الصناعية

تتكون الأسواق الصناعية من الشركات والأفراد الذين يعملون لديها، والذين يشترون المنتجات والخدمات لاستعمالها في شركاتهم الخاصة، أو لإنتاج منتجات أخرى. على سبيل المثال، قد يشتري مصنع للحديد والصُلب في إطار عمله برامج حاسوب، وأقلام رصاص. وبالمثل أيضًا، قد يشتري مصنع ثلاجات صفائح من الحديد، وأسلاك، ورفوف، وغير ذلك مما يلزم لصناعة المنتج النهائي الخاص بالشركة، فهذا النوع من الشراء يحدث في السوق الصناعية.

وتؤكد التجارب أن الأسواق الصناعية تسير بشكل مختلف عن الأسواق الاستهلاكية وأن آليات الشراء فيها مختلفة أيضًا.

الأسواق المؤسساتية

يتكون هذا السوق من المؤسسات، سواءً كانت ربحية أو غير ربحية، مثل المستشفيات، والمدارس، والوكالات الحكومية. وتختلف المؤسسات عن الشركات الاعتيادية في أن هدفها الأساسي ليس الربح أو زيادة الحصة السوقية، كما أنها تميل إلى إشباع حاجات غير ملموسة لدى فئات معينة، وأما الأرباح المتبقية بعد دفع جميع المصاريف فيُعاد وضعها في المؤسسة مرة أخرى.

وبما أن هذه المؤسسات تعمل ضمن قوانين وأُطر مختلفة، وتسعى لتحقيق أهداف متنوعة، فإن هذا يفرض على المسوقين أيضًا استعمال استراتيجيات مختلفة لتحقيق النجاح.

002adkids.png

إعلان: نموذج من الإعلانات في الأسواق المؤسساتية.

أسواق البيع بالتجزئة

يشمل هذا السوق جميع الوسطاء الذين يشترون منتجات نهائية أو شبه نهائية بهدف إعادة بيعها وتحقيق الربح. ويعمل في هذا السوق حوالي 383,000 تاجر جملة و1,300,000 تاجر تجزئة في الولايات المتحدة فقط.

وباستثناء المنتجات التي يشتريها المستهلكون من المُنتِج مباشرة، تُباع جميع المنتجات الأخرى للمستهلكين عبر تجار التجزئة. وتتميز أسواق التجزئة بمواصفات فريدة، وهو ما يوجب التعامل معها بحذر، ويدرك المنتجون أن التسويق لتجار التجزئة لا يقل أهمية عن التسويق للمستهلكين.

التعامل مع السوق

يمتلك جميع أطراف التبادل بالعادة قدرة اختيار الطرف الآخر، إذ يُعد اختيار المنتجات عملية يومية لدى الزبائن، سواءً كانوا مستهلكين أو مصانع أو مؤسسات أو تُجّار تجزئة. في المقابل، يشير المنتجون إلى الزبائن المحتملين بعبارة "السوق المستهدف" إذ يجب على المُنتِج أن يسأل نفسه دومًا: بما أن منتجاتي ليست مرغوبة لدى الجميع، وبالنظر إلى نقاط القوة والضعف لديّ، ما هي الفئة التي يجب أن أستهدفها في السوق؟ الرسم التوضيحي رقم 2 يوضح هذه العملية.

والخلاصة أن الشركات قد تتبنى التسويق الموحد، أو مبدأ تجزئة السوق، أو تعمل بخليط بين الطريقتين. وتوضح الأقسام التالية جميع هذه المفاهيم.

التسويق الموحد (التسويق غير المتمايز)

يمكن القول إن مسوقًا يتعامل مع السوق بصورة موحدة عندما يتجاهل التباينات الواضحة في السوق، ويتبنى استراتيجية تسويق تهدف لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الزبائن. وفي الواقع، ينظر المُسوّق في هذه الحالة إلى السوق على أنه كتلة متجانسة من الزبائن أو العملاء المحتملين.

والحقيقة أن هذه الفرضية قد تكون خطيرة للغاية، فهناك احتمالية أن يعجز المُسوّق عن استقطاب أحد، أو أن تكون كمية المصادر أو التكاليف المهدرة في عملية التسويق هذه أكبر بكثير من إجمالي الربح العائد من المبيعات.

ولكن التعامل مع السوق بصورة موحدة قد يكون ملائمًا لبعض أنواع السلع الاستهلاكية الشائعة (مثل البنزين، والمشروبات، والخبز). فقط تجوّل في محل البقالة وسوف تلاحظ وجود المئات من المنتجات الغذائية التي ينظر إليها المستهلك على أنها منتجات متطابقة، ويعاملها المنتجون بذات الطريقة أيضًا.

وحتى ينجح التسويق الموحد لابدّ أولًا من تحديد هذه المنتجات الشائعة التي يكثر شراؤها، إذ يجب أن يكون عدد المستهلكين الذين يحتاجون إلى شراء هذا المنتجات (غير المتمايزة) كبيرًا بما فيه الكفاية لتحقيق أرباح مُرضية. على سبيل مثال، يتسم الحليب بكونه منتجًا شائعًا (غير متمايز) يحظى بسوق واسع، على خلاف أدوات تثقيب الخشب التي تستميل أصحاب المهنة فقط (متمايزة). مع ذلك، حجم السوق الملائم ليس محددًا بسقف معيّن، وهو ما يوجب دراسة كل منتج على حدة.

هناك أيضًا عاملان آخران مهمان وهما: هامش الربح لكل وحدة، وحجم المنافسة. على سبيل المثال، يحظى الخبز بهامش ربح منخفض، في ظل وجود العديد من المنافسين، وبالتالي يتطلب قاعدة كبيرة جدًا من المستهلكين، في المقابل يتميز منتج آخر مثل السراويل الرجالية القصيرة بأنه يدر قدرًا كبيرًا من الأرباح في ظل وجود عدد قليل من المنافسين.

ويعتمد نجاح التسويق الموحد على قدرة المسوق على تحديد الزبائن المحتملين بصورة صحيحة، وتصميم استراتيجية تنافسية فعّالة. وبما أن قيم الأفراد ومواقفهم وسلوكياتهم تتغير باستمرار، فمن المهم للغاية مراقبة هذه التغيرات.

أضف إلى ذلك الاختلافات الثقافية المتعددة والتي تزيد الوضع تعقيدًا. فهناك احتمالية أن يستهدف المنتج عددًا كبيرًا من الناس على اختلاف ثقافاتهم وأذواقهم، ولكنه ليس جذابًا أو يستهدف ذوق أيًّا منهم بشكلٍ خاص.

أخيرًا، قد تؤدي حالة التنافس إلى تبني استراتيجية موحدة في التعامل مع السوق، فقد تكون الشركة مسيطرة على السوق، وبالتالي لا يوجد لديها سبب لتجزئة السوق . ومن الواضح أن التسويق الموحد ملائم للشركات التي تحظى بحصة كبيرة للغاية من السوق، أما في حالة الشركات الصغيرة، فقد تكون هذه الطريقة كارثية.

003approachestomarket.png

الرسم التوضيحي رقم 2 : التعامل مع السوق.

تمييز المنتجات

تنطوي معظم الأسواق الموحدة على قدر كبير من المنافسة، ولكن كيف يمكن لشركة أن تنافس في هذا الوضع الذي تتشابه فيه جميع المنتجات وتتنافس فيه مع الكثير من الشركات الأخرى؟ تكمن إجابة هذا السؤال في استراتيجية تمييز المنتجات، وهي محاولة لتمييز المنتجات في نظر المستهلكين سواءً بصورة ملموسة أو غير ملموسة عن المنتجات المنافسة.

وقد تشمل هذه الاستراتيجية على سبيل المثال لا الحصر تحسين مزايا المنتج، وأداءه، ومدة عمله، ومكانه، وخدمات الصيانة. وكانت شركة كرايسلر للسيارات قد نجحت في تمييز منتجاتها من خلال عرض ضمانة لمدة 7 سنوات/70 ألف ميل على الموديلات الجديدة. كذلك استطاعت شركة بيبسي أن تقنع العديد من الزبائن بأن طعم منتجاتها أفضل من طعم منتجات شركة كوكا كولا. ومن طرق تمييز المنتجات أيضًا عرض المنتجات بسعر منخفض، أو بأسعار مختلفة، كما تفعل شركة Timex للساعات.

ولكن بعض المنتجات في الحقيقة لا يوجد بينها أي اختلاف، وعليه فإن محاولة تمييزها بطرق ملموسة سوف تكون عديمة الجدوى، إضافة إلى إمكانية تقليد هذه المحاولات بسهولة. في هذه الحالات، يُفضل تمييز المنتج بوسائل غير ملموسة، أي بوسائل لا ترتبط بالمنتج ارتباطًا مباشرًا.

على سبيل المثال، تحاول شركات العصائر التركيز على المتعة التي يحصل عليها الزبون عند تجريبه لمنتجاتها، وقد لا تكون عصائر شركة Snapple الأمريكية الأفضل من ناحية الطعم أو السعرات الحرارية، ولكنها تميزت بإعلانات تلفزيونية مضحكة ظلت محفورة في ذاكرة الزبائن.

كذلك استعانت شركة Jell-O المختصة بصناعة الجيلاتين والحلويات بالممثل الكوميدي بيل كوسبي لتقديم إعلانات ممتعة وجذابة للجمهور، في حين أن شركة مايكروسوفت استطاعت أن تميز نفسها من خلال الابتكار وتقديم خدمات استثنائية لزبائن الشركة. ويمكن القول إن تمييز المنتجات بالوسائل غير الملموسة يركز على استعمال قنوات الترويج الجماهيري مثل الإعلانات.

مع ذلك، ينطوي تمييز المنتجات على بعض المخاطر. أولًا، يجب على المسوق الذي يسعى إلى تمييز منتجه ألا ينشغل بذكر المزايا الإضافية عن المزايا الأساسية التي يبحث عنها الزبون في المنتج. على سبيل المثال، يمكن لشركة تنتج الخبز أن تمُيّز منتجاتها بالتركيز على محتواها الفريد من المعادن والفيتامينات، وهو أمر جيد طالما أن الشركة لم تغفل عن ذكر الميزة الأساسية التي يبحث عنها الزبون في الخبز، وهي أن يكون طازجًا. ثانيًا، إن تسليط الضوء على مزايا بعيدة للغاية عن المعتاد قد لا يكون فعالًا.

أخيرًا، يجب على المسوق أن يتجنب تمييز المنتج من خلال مزايا غير مهمة أو مزايا قد يواجه الزبائن صعوبة في فهمها، ولهذا السبب باتت شركات السيارات تنأى عن ذكر التفاصيل التقنية في إعلاناتها فمعظم الزبائن لا يفهمونها أو لا يهتمون بها أصلًا.

على الرغم من ذلك، هناك بديل آخر عن استراتيجية تمييز المنتجات، وهو استراتيجية تجزئة السوق.

تجزئة السوق

يُعد تمييز المنتجات استراتيجية فعّالة لإبراز منتجات شركتك في مواجهة منتجات الشركات المنافسة، وتمييز منتجاتك عن بعضها أيضًا. على سبيل المثال، تميّز شركات المعكرونة منتجاتها من خلال توفير أحجام ونكهات وأشكال مختلفة، والهدف من ذلك هو بيع المزيد من المنتجات، للمزيد من الأشخاص، بوتيرة أكبر. وقد فعلت ذلك شركة كرافت مع توابل السلطة الخاصة بها، وشركة زيروكس مع عدد من منتجاتها المكتبية. في الواقع إن المشكلة التي تعالجها استراتيجية تجزئة السوق ليست مشكلة المنافسة، وإنما وجود أنواع متعددة من الزبائن في السوق، وتلبية حاجاتهم المختلفة.

وتفترض استراتيجية تجزئة السوق أن التعامل الفعّال مع الزبائن والشركات يقتضي إدراك الاختلافات بينهم والتعامل معهم على أساسها. وتساعد استراتيجية تجزئة السوق على تحسين عملية التبادل، إذ أنها تجعل الشركة أقدر على تلبية حاجات الزبائن بدقة. حتى شركات العصائر باتت تدرك هذه الحقيقة، وهو ما دفعها إلى تقديم منتجات خالية من السكر، وأخرى خالية من الكافيين، وأخرى خالية من السكر والكافيين.

وعلى الرغم من أن التعرف على أنواع الزبائن المُحتملين (السوق المُستهدف) قد يكون أمرًا سهلاً نسبيًا، إلا أن معظم الشركات لا تمتلك القدرة أو حتى الحاجة لتسويق منتجاتها لجميع أنواع الزبائن، ولذلك تكتفي بتحديد نوع واحد أو أكثر من الأسواق المستهدفة. وفي الواقع، تُعد استراتيجية تجزئة السوق عملية تجزئة وتجميع في ذات الوقت. ففي حين أن الاستراتيجية تتطلب تقسيم السوق إلى شرائح صغيرة ومتجانسة، إلا أنها تقتضي أيضًا إيجاد العوامل المشتركة بين هذه الشرائح وتجميعها مجددًا في شرائح تسويقية مربحة وأكبر حجمًا.

وبالتالي، يمكن القول إن تجزئة السوق عبارة عن عملية مزدوجة تتضمن:

  1. تصنيف الزبائن في شرائح متجانسة.
  2. ثم تحديد الشرائح التي تصلح لأن تكون أسواقًا مُستهدفة للشركة.

وخلاصة القول إن استراتيجية تجزئة السوق تهدف إلى تحقيق أمرين:

  • تقليل المخاطرة عند اختيار مكان ووقت وكيفية تسويق المنتج، وزبائنه المحتملين.
  • زيادة فعالية التسويق من خلال تركيز الجهود على شريحة معيّنة من الزبائن على نحو يتلاءم مع صفات هذه الشريحة.

استراتيجيات تجزئة السوق

يمكن للشركات عند تجزئة السوق اتباع استراتيجيتين مختلفتين: استراتيجية التركيز، واستراتيجية الشرائح المتعددة.

أما الشركات التي تتبنى استراتيجية التركيز فتصب جهودها التسويقية على جزء واحد فقط من السوق، ولا تطور سوى مزيجًا تسويقيًا واحدًا. فقد اختارت شركة روليكس للساعات، على سبيل المثال، التركيز على الساعات الفخمة فقط.

وتكتسب الشركة بهذه الاستراتيجية تفوقًا على الشركات الأخرى، إذ أنها تركز على تحليل احتياجات ورغبات شريحة واحدة فقط من السوق، ثم تصب جميع جهودها التسويقية عليها، وذلك على خلاف الشركات الأخرى التي تستهدف هذه الشريحة من السوق ولكنها لا تركز جميع الجهود عليها.

ولكن المشكلة الأساسية في استراتيجية التركيز هو ارتباط حجم الطلب بشريحة محددة فقط من السوق، وطالما أن الطلب في تلك الشريحة قوي ومستمر، فسوف يكون الوضع المالي للشركة قويًا أيضًا، أما إذا تراجع الطلب، فسوف يتراجع الوضع المالي للشركة كذلك.

في المقابل، تركز الشركات -التي تتبنى استراتيجية الشرائح المتعددة- جهودها التسويقية على شريحتين أو أكثر من السوق، وتبني مزيجًا تسويقيًا وبرامج تسويقية ملائمة لكل شريحة منها. وتحقق الشركات عادةً في هذه الحالة ارتفاعًا إجماليًا في عدد المبيعات، وذلك لأنها تستهدف عددًا أكبر من الزبائن، لكنها قد تعاني من ارتفاع التكاليف بفعل الحاجة لأكثر من برنامج تسويقي.

أسس التجزئة

هناك العديد من الطرق المختلفة لتجزئة السوق، وتختلف الطريقة المختارة من منتج لآخر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التجزئة تُعد نشاطًا مستمرًا ومتواصلاً، وأن أسسها تتغير باستمرار بتغيّر الأسواق والمنتجات والظروف المحيطة.

أسس التجزئة
أساس التصنيف السوق الاستهلاكي السوق الصناعي
مواصفات الزبون أو الشركة المنطقة الجغرافية، الفئة العمرية، الجنس، العرق، الدخل، دورة الحياة، الشخصية، نمط الحياة المجال، الموقع، الحجم، التقنية، الأرباح، الجوانب القانونية، وضع الشراء
طبيعة الشراء الغرض، الفوائد، طريقة الشراء، معايير الاختيار، الولاء للعلامة التجارية، الأهمية الحجم، الوتيرة، معايير الاختيار، آلية الشراء، الأهمية

الجدول رقم 3: أسس تجزئة الأسواق: الأسواق الصناعية والاستهلاكية

في ضوء هذه التقسيمات الأساسية، سوف نناقش أسس تقسيم المستهلكين، ثم نتطرق بعد ذلك إلى العوامل الداخلة في تقسيم الزبائن الصناعيين في المقالات اللاحقة.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and approaching the market) من كتاب Core Concepts of Marketing

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...