اذهب إلى المحتوى

تُعَد التمارين الرياضية علاجًا لكافة مشاكل الحياة، من الإكتئاب إلى فقدان الذاكرة، وصولًا إلى الوقاية من ألزهايمر وباركنسون وغيرها من الأمراض، وتُعَد معرفتنا العلمية حول ما تقدمه التمارين الرياضية لأجسادنا وأدمغتنا ضئيلةً جدًا.

ربما يحدّث البعض نفسه قائلًا: "نعم، هذا معروف، حيث يشعرني الإندورفين بالتحسن، لذا عليّ أداء التمارين، أليس كذلك؟"، لكن هل بحثنا جيدًا عن العلاقة بين التمارين الرياضية وطريقة تأثيرها علينا؟ وانطلاقًا مما كتبه الكاتب جول كاسغوين، سنناقش اليوم تأثير التمارين الرياضية على صحتنا.

ما الذي يحفز أدمغتنا على الشعور بالسعادة عندما نؤدي التمارين الرياضية؟

يعلم أغلبنا ماذا يحدث لجسدنا عندما نمارس التمارين الرياضية، حيث تسهم التمارين في بناء كتلة عضلية أو تحسين قوتنا الجسدية، وهذا ما يفسّر سهولة النشاطات اليومية، مثل صعود الأدراج بعد ممارسة التمارين بانتظام، ولكننا لا نعرف تأثير التمارين الرياضية على دماغنا ومزاجنا بدقة.

فعندما نقول إن التمارين تحرر هرمون الإندورفين، لا نعلم تمامًا كيف يحدث ذلك، لذا إليكم آلية تأثير التمارين الرياضية.

إن بدأت بممارسة التمارين الرياضية، فسيفهم دماغك هذه النشاطات على أنها فترة من الإجهاد، وبالتزامن مع ارتفاع معدل ضربات القلب، سيتعامل الدماغ مع الوضع وكأنك تقاتل عدوًا أو تحاول النجاة بحياتك.

بهدف حماية نفسك ودماغك من التوتر والإجهاد، يطلق دماغك بروتينًا يُدعى عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ أو BDNF، ويحوي هذا البروتين عنصرًا مسؤولًا عن حماية وترميم عصبونات الذاكرة، فيعمل مثل مفتاح إعادة الضبط، وغالبًا ما تكون الآلية السابقة سبب شعورنا بالارتياح بعد أداء التمارين، وازدياد قدرتنا على التركيز وشعورنا بالسعادة في نهاية المطاف.

في الآن ذاته، يُطلق الإندورفين في دماغنا كذلك، وهو هرمون يعمل على محاربة التوتر والإجهاد، والهدف الرئيس من الإندورفين وفق الباحث (ماكغوفن)، هو التالي:

اقتباس

"يعمل الإندورفين، أثناء أداء التمارين الرياضية، على تخفيض شعورنا بالانزعاج إلى الحدود الدنيا، ويعيق شعورنا بالألم، بل يُربط حتى بين الإندورفين وشعورنا بالنشوة".

تجري الكثير من التفاعلات داخل دماغنا إجمالًا، وغالبًا ما تكون تلك التفاعلات أكثر نشاطًا عند أداء التمارين موازنةً بحالات أخرى، مثل الجلوس أو التركيز عقليًا على أمر ما.

لذا، يُعَد كلّ من عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ والإندورفين سببين وراء شعورنا الجيد، ولكن هناك أمرًا مخيفًا نوعًا ما، وهو امتلاكهما لتأثير مشابه لمواد أخرى تسبب سلوكًا إدمانيًا، مثل المورفين والهيروين والنيكوتين، لكن الفارق الوحيد هو أنهما مفيدان لصحتنا وليس العكس.

مفتاح تحقيق السعادة القصوى من خلال التمارين الرياضية

لا تركز على أداء المزيد بل على توقيت التمارين. وصلنا الآن إلى القسم المثير للاهتمام، فقد بِتنا نعلم الأسس الجوهرية وراء شعورنا بالسعادة بعد أداء التمارين، والتفاعلات التي تجري في خلايا دماغنا، وما يهمنا الآن هو معرفة كيفية إطلاق هذه الآلية بأفضل السبل وأكثرها استدامةً.

ألقت دراسة حديثة، أجرتها جامعة ولاية بنسلفانيا، الضوء على تلك القضية، وجاءت النتائج مفاجئةً جدًا، حيث وجد الباحثون أن تحسين إنتاجية المرء وشعوره بالسعادة، في أي يوم من أيام العمل، يرتبط بأداء التمارين الرياضية في ذاك اليوم بالتحديد، ولا يعتمد كثيرًا على أداء التمارين الرياضية بانتظام ولمدة طويلة:

اقتباس

"خلال اختبار الذاكرة، جاءت نتائج مَن مارسوا التمارين الرياضية خلال الشهر الماضي، باستثناء يوم الاختبار، أن ذاكرة هؤلاء أفضل ممن لم يمارسوا الرياضة، بينما لم يحقق هؤلاء نتائج أفضل ممن مارسوا التمارين الرياضية في صباح يوم الاختبار".

ألّفت غريتشن رينولدز، الكاتبة الأكثر مبيعًا في جريدة نيويورك تايمز، كتابًا كاملًا عن هذا الموضوع بعنوان الدقائق العشرون الأولى، حيث لا يتوجب عليك أن تصبح رياضيًا محترفًا حتى تحقق أقصى مستويات السعادة والفوائد المهمة لصحتك، بل على العكس، تحتاج إلى كمية قليلة جدًا من التمارين حتى تصل إلى مستوى السعادة والإنتاجية في كل يوم من أيام حياتك.

اقتباس

"إذا كنت من الأشخاص الذين يقضون أغلب وقتهم جالسين، فستوفر لك الدقائق العشرون الأولى من الحركة معظم الفوائد الصحية، وستحصل على حياة أطول وتخفّض خطر الإصابة بالأمراض، وستجني كل تلك الفوائد خلال الدقائق العشرين الأولى من النشاط".

استرح ولا تقلق من التمارين الرياضية الشاقة التي ستؤديها، فما عليك فعله هو التركيز لمدة 20 دقيقةً حتى تحصل على السعادة القصوى في كل يوم.

اقتباس

"في أيام التمارين الرياضية، يتحسن مزاج الناس إلى حد كبير بعد أداء التمارين، بينما يظل مزاجهم ثابتًا تقريبًا في الأيام التي لم يمارسوا فيها التمارين، باستثناء تردي وانخفاض شعورهم بالهدوء". -جامعة بريستول.

كيف تنمي عادة أداء التمارين الرياضية بانتظام

مما لا شك فيه أن الشروع بأداء التمارين الرياضية بانتظام أو يوميًا ليس بالأمر السهل، وعلى أي حال، ستحتاج إلى التركيز كي تتمكن من جعل ممارسة تلك التمارين عادةً يوميةً، والأهم هو إدراكك أن ممارسة التمارين الرياضية عادة أساسية أو مركزية، وذلك وفقًا للكاتب تشارلز دويغ من صحيفة نيويورك تايمز وكتابه الأكثر مبيعًا قوة العادات: لماذا نعمل ما نعمله في الحياة الشخصية والعملية The Power of Habit: Why We Do What We Do in Life and Business، ويعني ما سبق أن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا لا تمهّد طريقنا نحو السعادة فحسب، بل تساعدنا على النمو في مختلف مجالات حياتنا.

كتب جول في المنشورات الأخيرة عن القوة التي تكسبنا إياها التمارين اليومية لمواجهة ظروف الحياة اليومية، وفي الوقت ذاته، يتبع جول القواعد السابقة بدقة، ويمارس تمارينه الرياضية اليومية منذ بداية يومه، حيث يقول:

اقتباس

"بحلول التاسعة والنصف صباحًا، أنهي ساعةً كاملةً من برمجة إحدى أهم الوظائف التي أعمل عليها في موقع Buffer، بعدما أذهب إلى النادي الرياضي وأنجز جلسةً رائعةً من التمارين، ثم أرد على الرسائل الإلكترونية لمدة 30 دقيقةً، لقد أنهيت كل تلك الأمور ولا تزال التاسعة والنصف صباحًا، ذلك شعور عظيم".

تحدث جول كثيرًا عن عادة التمارين التي دأب على ممارستها، وإليكم بعض الأمور المهمة كي تقوموا بها بهدف تحقيق النجاح والاستمتاع بأداء التمارين اليومية:

  • ضع ملابس النادي الرياضي فوق المنبه أو هاتفك عندما تخلد إلى النوم. قد يبدو هذا التكنيك بسيطًا، لكن تأثيره بالغ الأهمية، فإذا جهّزت كل أمورك استعدادًا للذهاب إلى النادي قبل موعد النوم، ووضعت ساعة المنبه أسفل ملابس النادي، فلن تجد صعوبةً في إقناع نفسك بارتداء تلك الملابس والذهاب إلى النادي عندما تستيقظ صباحًا.
  • تتبع التمارين التي تؤديها وسجّل أداءك بعدما تنتهي من كل تمرين، فمفتاح النجاح -عندما تحاول ممارسة التمارين الرياضية بانتظام- هو جعل هذه التمارين عادةً أساسيةً، وكي تحقق ذلك، عليك إيجاد جائزة لتحفيز نفسك، وبالتالي ستتذكر تلك المشاعر الجيدة والإيجابية التي ستكسبها جراء أداء التمارين.
  • ضع مخططًا سهلًا لأداء التمارين في البداية، ثم ابدأ بمستوى أقل من المخطط له، وإليكم هذا السر الذي اكتشفه جول: عندما بدأ ممارسة التمارين الرياضية، أدى 3 جلسات خلال الأسبوع، مدة كل واحدة منها 5 دقائق. قد ترى أن هذه المهمة سهلة جدًا ولن تعود عليك بالنفع، وهذا هو السر في الحقيقة، فالمهمّة المطلوبة سهلة جدًا وبإمكان أي شخص إنجازها، وهو ما يسهّل عليك تحويل تلك المهمة إلى عادة يومية، لذا إن كنت مبتدئًا، فيجب أن تتراوح مدة جلسة التدريب الواحدة بين 5 إلى 10 دقائق.

هناك الكثير من الأفكار الرائعة الأخرى التي بإمكاننا استخراجها من منشور جول حول عادة ممارسة التمارين الرياضية، والتي ستساعدك في خلق عادتك الخاصة، لذا تأكد من الاطلاع عليها، فمن المؤكد أن تكريس وقت ضئيل لممارسة التمارين، سيمكّنك من خلق روتين رائع لممارسة التمارين الرياضية، مما سيجعلك أكثر سعادةً وقدرةً على الإنتاجية والاسترخاء موازنةً بالسابق.

معلومة أخيرة وسريعة

ستصل إلى أعلى مستوى من السعادة عندما تمارس التمارين الرياضية للمرة الأولى، فأثناء أداء التمارين الرياضية، سيؤدي بروتين عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ وظيفة محسن للمزاج في دماغنا، ويماثل التأثير الذي يخلفه تأثير المخدرات المسببة للإدمان، وفقًا لإحدى الدراسات، لذا ستشعر بأقصى درجات النشوة عندما تبدأ ممارسة التمارين للمرة الأولى:

اقتباس

"يؤدي تحرير الإندورفين إلى تأثير يسبب الإدمان، مما يتطلب مزيدًا من التمارين الرياضية لتحقيق المستوى ذاته من النشوة مع مرور الزمن" -ماكغوفرن.

فإذا لم تمارس أي تمارين رياضية في السابق، أو خلال فترة طويلة على الأقل، فستكسب أكبر مقدارٍ من السعادة إن بدأت الآن.

ترجمة -وبتصرّف- للمقال What Happens to Our Brains When We Exercise and How It Makes Us Happier لصاحبه Leo Widrich.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...