لن تكون الإجابة على هذا السؤال صريحةً ومباشرةً، وذلك بسبب امتلاء الإنترنت بحراس اللغة الذين ينشغلون بالتقاط الأخطاء، طبعًا تطوعيًا دون أي مقابل سوى نشوة الانتصار!
يُعَد المقال الخالي من الأخطاء اللغوية أقل أهميةً من المقال الذي يلامس عقول القراء وحواسهم، وفيما يلي ثلاثة أسباب لتفسير ذلك، بالإضافة إلى مجموعة من النصائح.
الكمال شيء ممل
إن كان أهم شيء بالنسبة لك هو كتابة مقال بقواعد نحوية وعلامات ترقيم صحيحة، فسيكون ما تكتبه جافًا ومملًا بعض الشيء، خاصةً إن كنت تكتب على الإنترنت. لماذا؟ لأن الإنترنت غيَّر قواعد التسويق فيما يتعلق بكيفية الكتابة، أي أن الهدف الأساسي لما يسمى بالتسويق عبر المحتوى (أو إنتاج محتوى لأغراض تسويقية) هو إثارة مشاعر المستهلك وأفكاره، إذ تُعَد أفضل طريقة للتواصل مع قرائك هي عبر الكتابة بأسلوب يناسبهم، وقد يكون ذلك عبر تبني أسلوب المخاطبة مع القارئ (الكتابة كما لو كنت تتحدث معه)، وهذه الطريقة غالبًا لا تكون خاليةً من الأخطاء النحوية.
الكمال يمنع النشر
إن كنت في كل مرة تكتب فيها مقالًا ترفض نشره أو إرساله إلى حين أن يصبح خاليًا من الأخطاء، فستجلس سنينًا طويلًا دون أن تفعل شيئًا سوى تنقيحه.
صحيح أن كتابة مقال خالٍ من الأخطاء النحوية ليس بالأمر الصعب، لكن إتقان أسلوب الكتابة والتعبير الصحيح عن الأفكار يتطلب وقتًا ومجهودًا، وفي حال كنت مُصِرًّا على جعله مثاليًا، فلن يكفيك عمر بأكمله، فهذا المقال الذي تقرأه مثلًا، لو أن كاتبه أصر على جعله مثاليًا، فسيظل شهورًا يكتبه، لكنه كتبه خلال ساعة. لماذا؟ لأنه ببساطة ليس لديه وقت لذلك.
خاصةً إن كانت لديه الكثير من المهام لينجزها، وذلك على الصعيدين، الشخصي والمهني، سواءٌ تربية الأطفال أو الاهتمام بالمنزل أو كتابة مقال آخر أو تأليف كتاب جديد أو التخطيط لرحلة خلال الأسبوع القادم.
اقتباسنصيحة عملية: إن كنت قلقًا حيال القواعد النحوية، فعليك استخدام أدوات للتدقيق، أو استعن بصديق ذي خبرة بقواعد الصرف والنحو، أو اكتبها وعدّلها ثم اقرأها بصوت عالٍ.
التواصل مع جمهورك سيأتي من النقصان وليس الكمال
ليس المقصود هنا أن تتعمد ترك الأخطاء فيما تكتب، بل أن الأخطاء إن وُجِدت، فستقربك من جمهورك أكثر، إذ ستجعلك تبدو واحدًا منهم يكتب ويخطئ، والبشر كما نعلم جميعنا خطاؤون.
يقول الرندي في رثاء الأندلس:
اقتباسلكل شيء إذا ما تم نقصان…
وعندما يقرأ الكثير من الكاتبين تعليقات القراء وهم يصححون أخطاءهم، يكون أسلوبهم جارحًا عادةً، لكن لا تدع ذلك يحبطك، فمهما فعلت ومهما نقحت، فستظل هناك أخطاء، وستظل هناك أشياء يمكن تحسينها أو تعديلها.
لقد طور علماء الحاسوب في السنوات الأخيرة برمجيات آليةً (روبوتات) يمكنها كتابة المحتوى والمقالات بنفسها. هل تظن أنها قادرة على فعل ذلك دون الوقوع في الأخطاء؟ بالطبع لا، فحتى الروبوتات تخطئ، لذا فلا بأس علينا نحن البشر في أن نخطئ.
ومن ثم، فالنقصان أو عدمية الكمال يعني تواصلًا أكبر مع القراء، إذ يجعلك ارتكاب الأخطاء أكثر إنسانيةً في نظرهم، فيرونك واحدًا منهم، خاصةً أن تعاملك معهم يكون من خلف الشاشات فقط، فحتى من يصحح لك أخطاءك من الجمهور ويكتب تعليقات جارحةً، سيخطئ في حال قرر كتابة مقال أو أي مادة أدبية.
عادةً ما تكون بعض المقالات بنبرة تخاطبية، وقد يميل كاتبوها في بعض الأحيان إلى استخدام ألفاظ عامية، وهو ما قد يستفز بعض القراء، لكن بالنسبة لغالبية المتابعين، فهم يحبون هذا الأسلوب، خاصةً أنهم عندما يقرؤون المقالات يشعرون كأن الكاتب يتحدث معهم ويشرب معهم فنجانًا من القهوة، فلا تبدو المقالات مثل كتاب قديم مكتوب منذ 100 عام بأسلوب صخري جاف.
نصائح لمن لاحظ خطأ في مقالة
الآن، وبعد أن توصلنا إلى استنتاج مفاده أن التواصل مع القراء أكثر أهميةً من القواعد النحوية المثالية، دعنا نناقش بسرعة ما يجب فعله في حال اكتشفت أخطاءً في كتابات شخص ما.
عندما لا يكون من الضروري تصحيح الأخطاء
إذا كان لدى شخص ما خطأ إملائي في رسالته الإخبارية الأسبوعية ولم يكن ذلك مفصليًا أو ضروريًا، فتجاهله ببساطة، ولا ترد مشيرًا إليه، إذ لا يستطيع كاتبه فعل شيء لإصلاحه في تلك المرحلة، فقد أرسل الرسالة وانتهى الأمر، ولا يمكنه إلغاء إرسالها.
عندما يكون من الضروري تصحيح الأخطاء
من ناحية أخرى، إن كان الموعد المذكور مثلًا خاطئًا وكان من الضروري تصحيحه، فعليك لفت انتباه كاتبه بأدب، حتى لو نبهه آخرون قبلك، فلا بد من أن يكون التنبيه بأدب.
قل شيئًا مثل: "ذكر بريدك الإلكتروني بالأمس أن موعد ندوتك التعليمية القادمة.. هل هذا ما قصدت قوله؟" وليس: "بريدك الإلكتروني ذكر موعدًا مختلفًا عن الأمس. كيف يمكن لشخص ما حضور حدث في الماضي.. هل أنت أحمق أو عديم المسؤولية؟"، وحتى لو لم تذكر كلمة "أحمق" فسيشعر الكاتب بها من أسلوبك.
عند العمل في مجال التحرير
إن كنت تعمل في مجال التحرير، فلا تحاول أن تهين الكاتب أبدًا، فغالبًا لم ولن يتعامل الكاتب مع محرر يبدأ الحديث بإخبار الكاتب أنه ضعيف في الكتابة أو أن أسلوبه سيئ، دون مراعاة أدنى معايير الاحترام والأدب.
في حال كنت تتطلع إلى الحصول على وظيفة محرر، ووجدت شخصًا يبدو بوضوح أنه يحتاج إلى مساعدتك، فاحرص على توخي الحذر الشديد في بداية تواصلك معه، لذا ابدأ رسالتك بمجاملة صادقة، فبدلًا من الإشارة إلى الخطأ الذي ارتكبه الكاتب، اعرض مساعدتك عبر إظهار كيف يمكن لتعامله معك أن يفيده، بدلًا من التحدث عن مهاراتك وقدرتك على تصحيح أخطائه.
إليك هذا المثال عن أسلوب فظ: "مقالات مدونتك مليئة بالأخطاء النحوية. هل فكرت يومًا في تعيين محرر؟ أنصحك بفعل ذلك، وأنا جاهز لتقديم خدماتي في التحرير"؛ أما الأسلوب المهذب، فسيكون: "يا له من موقع رائع عن العناية بالحيوانات الأليفة! لقد تعلمت الكثير وأشكرك جزيلًا على ما كتبته عن سبب روائح القطط"، ثم ضع رابط المقال لإظهار أنك تعرف مكانه أو أنك قرأته بالفعل، كما يمكن أن يكون أسلوبك مهذبًا بأن تقول: "لقد أنقذت حياة قطتي عندما نصحت بفعل كذا وكذا. بالإضافة إلى كوني من محبي الحيوانات الأليفة، فأنا أيضًا محرر مستقل. هل فكرت يومًا في العمل مع شخص مثلي ليعينك في أعمالك، ويجعل عملية إنشاء محتوى جديد أقل استهلاكًا لوقتك، مع إبراز جودة المحتوى لتتمكن من تقديم المزيد؟ إن كنت مهتمًا بخدماتي، فما عليك سوى النقر على زر "رد" للتواصل. سلامي لك".
لا تكن كسولا
رجاءً لا تظن بعد قراءة هذا المقال أن القواعد النحوية الصحيحة وعلامات الترقيم ليست مهمةً، بل هي مهمة جدًا، خاصةً إن كنت تتطلع إلى كسب عوائد مادية مقابل الكتابة عبر الإنترنت، لكن ليس مهمًا أن تكون كتاباتك مثاليةً بقدر أهمية التواصل مع القراء واستمرارية تقديم محتوى يثير اهتمامهم، وفي النهاية، الخيار يعود لك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال What’s More Important: Connecting with Your Readers or Perfect Grammar? لصاحبته GINA HORKEY.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.