هذا المقال عبارة عن ترجمة -وبتصرف- للمقال The Emergency Survival Manual For Freelancers لصاحبته Shayna Hodkin.
صحوت قبل عدة أشهر على ألم شديد بالكاد استطعت التنفس معه، بعد أن قضيت ليلة أعاني من تقلصات حادة في بطني، فقفزت بسرعة في سيارة أجرة إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى، حيث تم تشخيص حالتي بأنها حصوات في الكلية.
كنت وقتها في منتصف اﻷسبوع، ومُجهَدة من كثرة العمل، بدون حاسوبي، ودون دفتري، وبالتأكيد دون أن أنبّه عملائي مقدّمًا عن هذه الإجازة التي على وشك أن آخذها أنا وكُليَتي اليمنى. وكان أفضل ما بيدي هو مراسلتهم برسائل أسَفٍ مستفيضة ثم أغلق هاتفي.
من الصعب أن يجادل أي أحد مستقلًا في مستشفى، فلا يتوقع أحد منك أن تعمل وأنت موصول بمحقنة وريدية، لكن ماذا لو كانت حالتك غير تقليدية؟، فقد ﻻ يكون اﻷمر حصوة في كليتك بالضرورة، بل يمكن أن يكون والدك أو طفلك المريض، أو حيوانك اﻷليف، أو حتى زوجك. بل قد يكون اﻷمر متعلقًا بسيارتك التي تعطلت، أو تلك اﻷيام التي يكاد العالم حولك ينهار فيها لكن ﻻ زال عليك أن تنهي المليون مهمة التي لديك! إنها تلك المشاكل التي تأتيك بغتة، إن أردت وضعها في صورة عامة. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف تعمل بدوام كامل رغم هذه الظروف؟
كن مستقلا أمينا
إن أول خطوة للخروج من كارثة تمر بها هي أﻻ تتظاهر أنك بخير. دعنا نعود إلى كليتي قليلًا، فقد راسلت -من غرفة الطوارئ- أكثر عميلين ألتزم بأعمال ذات أولوية لهما، أخبرهما أن الأطباء أوصلوني بمحقنة وريدية تمدني بمسكنات للألم، بسبب قصة ربما لا يرغبون بسماعها، غير أني سأظل أرسل لهما تحديثات بالعمل وبحالتي الصحية.
وقد أخبرتهما بتشخيص حالتي بدقة فور أن أخبرني الطبيب بها، وبأني سأخرج من المستشفى يوم الجمعة تقريبًا، وأعود للعمل يوم الاثنين، وحينها يمكننا أن نتحدث جديًا بشأن العمل.
أما العملاء الذين أنهيت طلباتهم بداية الأسبوع، فإني لم أرسل إليهم تحديثات حالتي أولًا بأول عبر الهاتف؛ بل أرسلت إليهم بلاغًا واضحًا عبر البريد يفسّر حالتي الطبية، وأني كنت طريحة الفراش، ووعدتهم بإرسال تحديثات في الأسبوع التالي.
إن كل ما يود عملاؤك معرفته هو أنك لم تمت بعد، وأنك لم تنس أعمالهم. ولْتَعلَم أن مواعيد التسليم في مجال العمل الإبداعي ليست مصيرية، بعكس صحتك، إذ أن جسدك يحتاج إلى الراحة أيضًا، ويجب أن يتفهم عملاؤك ذلك. إن المستقل سليمُ البدنِ مفيد أكثر من طريحِ الفراش.
معرفة من يقف إلى جانبك
لقد كان العميل س -أحد الاثنين الذيْن أبقيتهما على اطلاع بحالتي الصحية- مصدر سعادة ودعم لي في فترة الفوضى الطبية الذي عشتها، أما اﻵخر، العميل ص، فقد كان ذلك الكابوس الذي يخشاه كل مستقل.
وقد اعتمد علي كلا العميلين في تسليم مهمات كبيرة، ولم أستطع تسليمهما أي من ذلك بينما كنت طريحة الفراش.
لقد كان العميل س بمثابة حلم لي، فقد بادرني حين أخبرته بحالتي بالسؤال عما أحتاجه وكيف يمكنه مساعدتي. وقد تابع حالتي أولًا بأول بينما كنت أتعافى، وراعى قدرتي المحدودة على التعامل مع ضغط العمل حينها، يمكن القول أنه كان يدللني.
بينما كان رد العميل ص حين أخبرته بتشخيص حالتي هو "جيد، يبدو أن لديكِ وقت فراغ كبير اﻵن، هل يمكنكِ أن تراجعي بعض النصوص التي كتبتها؟". أخبرته بعد أن امتصصت هذه الصدمة أني لن أستطيع العمل حتى أخرج من المستشفى، ويمكننا التحدث حينئذ.
ووجدت نفسي من تلك اللحظة إلى حين تم وضعي على ﻻئحة الخروج من المستشفى أتجاهل اتصالاته الهاتفية، وأرد عليه باستمرار عبر نصائص نصّية قصيرة أني ﻻ أستطيع العمل في الوقت الحالي. ثم اكتشفت حين عدت إلى العمل يوم الاثنين أنه قد فسخ عقدي معه، ﻷن مشروعه كان ذا "أولوية قصوى" وأنه يحتاج إلى شخص لن يختفي فجأة.
إن العميل الذي يريدك للعمل معه على المدى الطويل، يريدك دومًا أن تكون ملتزمًا معه وبصحة جيدة. وبرغم أن ذلك ﻻ يعني أن تستغل كل فرصة ﻷخذ إجازة بداعي الحفاظ على إنتاجيتك، لكن على اﻷقل فإن الأمور الطارئة التي تمثل لك نقاط ضعف ستكون استثناءً مقبولًا.
إعداد نفسك للفوز
رغم أن أن الطوارئ ﻻ يمكن الاستعداد لها، إﻻ أنك تستطيع أن تجهز عملاءك وتجهز نفسك للأحداث غير المتوقعة. وأول خطوة لفعل ذلك هي بناء ثقة عمياء بينك وبين عملائك.
وإن أول أركان بناء علاقات طويلة الأمد مع عملائك هو التأكد أنهم يثقون بك أنت، وليس فقط بمهاراتك، فإذا وثقوا بك فسيكون من السهل أن تأخذ بضعة أيام كإجازة تعالج فيها أحداثك الطارئة في هدوء.
أما إذا وجدت نفسك تخشى أن تخبر عميلًا أنك مريض، أو أن هناك طارئًا يهدد حياة أحدهم، فقد حان وقت إعادة تقييم علاقتك مع هذا العميل، هل القلق موجود من ناحيتك أنت فقط، أم من ناحية عميلك، أم موجود لدى كليكما؟
لقد وثق بي العميل س ﻷني كنت أمينة وواضحة معه، ولطالما كنت (وسأظل) مستعدة للعمل معه، وهو يعلم كيف يجدني في أي وقت تقريبًا. كما أن لديه شركة قائمة بالفعل ومستقرة، فلن يحدث شيء غريب أو غير متوقع في هذه الأيام الخمسة، لذا لم يجادلني كثيرًا حين أخبرته أني أحتاج بعض الوقت للراحة.
أما العميل ص فكان حديث عهد ببدء الشركات، فلم يمض وقت طويل على بدء شركته، بل كان حينها على بعد أسبوع من إطلاق حملته البريدية اﻷولى (والتي كنت أنا مسؤولة عنها)، وقد كان الإجهاد الناتج من اﻹعداد لمدة ستة أشهر لإطلاق هذه الحملة إضافة إلى مَرَضِي أكبر من أن يستطيع السيطرة عليه.
والخطوة الثانية هي أن تتأكد أنك تسبق دائمًا بخطوة، فبالنهاية ستعود للعمل بشكل أو بآخر، فهذه سُنّة الحياة على أي حال، فلتجعل هذه العودة للعمل أسهل على نفسك.
فإذا استيقظت مثلًا على ألم مبرح ومرض مُقعِد، فتذكر أن اﻷمر سيكون أسوأ إن لم تستطع العمل على الإطلاق. لن تشلّ الطوارئ حركتك وﻻ عملك، لكن إن كانت تؤخرك عن إنهاء عملك كما يجب وفي وقته، فستشل حركتك عاجلًا أو آجلًا.
ولقد أصبحت أكثر دراية بحالة شؤوني وعلاقاتي منذ أن مرضت، إذ علمت أن عملائي سيحتاجون أحيانًا أن يحصلوا على ملفات ومسوّدات في الوقت الذي أكون فيه غير متاحة، فصرت أكثر وعيًا بشأن ما علي إنجازه في وقته وبالحفاظ على شفافية عملي مع العملاء.
وإنك حين تحافظ على ذلك الاتصال مع عميلك بصفة مستمرة بشأن الأهداف الصغيرة أو الكبيرة، فسيكون ذلك أسهل في تعاملهم مع أي مشكلة قد تظهر من ناحيتك، دون أن تحتاج لبذل الكثير من الجهد.
وأما الخطوة الثالثة هي أن تدّخر أموالًا للطوارئ، فقد ﻻ تكفي أحيانًا كل استعداداتك وتحضيراتك المسبقة في دفع الضرر.
الحقيقة المرة
اعلم أن الحياة ﻻ تتوافق دائمًا مع العمل، فقد أخبروني أني سأحتاج إلى خمسة أيام للتعافي، وأُخرجت من المستشفى لكي أكمل فترة النقاهة في منزلي، لكنهم لم يخبروني بشأن خطورة العدوى التي قد تحدث، فتحولَت تلك الأيام الخمسة إلى ستة أسابيع من المسكنات والنوم.
ولقد كان مقدار العمل الذي أنجزته في تلك الأسابيع الستة ضئيلًا جدًا، على عكس المبلغ الذي كان يجب أن يوضع في حسابي البنكي، فقد كان رصيدي في البنك هو ما يقلقني طيلة شهر ونصف، ربما أكثر من مواعيد التسليم التي أخَّرتها ومن فترات نومي التي زادت. لكن لم يكن يجب أن يكون اﻷمر هكذا أبدًا.
إننا جميعًا نعمل من أجل المال، فلتدخر منه لإطار سيارتك الذي قد يُثقب، أو لسقف منزلك الذي قد يسرِّب قطرات المطر، أو لحصوات قد تتكون في كليتك، أو لمرض يصيب حيوانك الأليف. ثم بعد ادخارك لهذا المبلغ، ضع في حساباتك أن تدخر مالًا إضافيًا، فقد تحتاج يومًا إلى الترفيه عن نفسك بشراء مثلجات!.
الدرس الذي تعلمته
ضع كل شيء في نصابه وترتيبه الصحيح مسبقًا، ﻷنه حين يأتيك ذلك الوقت الذي تحتاج فيه إلى الراحة، فستريد أن ترتاح دون أن يعكر صفوك عارض ما.
عليك أن تتأكد أن يعرف عملاؤك أهمية صحتك وقيمتها، لذا فلتحرص على أن تكون حاضرًا حين تكون صحيحًا معافى، ولتحرص أيضًا أن تكون أكثر مستقل من بين من حولك يمكن الوثوق به، حتى لو دفعك هذا للتأهب الدائم والعمل على قدم وساق. فلتقبل ما يمكنك قبوله من المشاريع، ولتنجزها على أكمل وجه، وإني أثق أنكم ستجتازون مصاعبكم أيها المستقلون.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.