عند الحديث عن إعطاء تقييم أو ملاحظات، ينصرف ذهننا مباشرة إلى تصحيح أخطاء الآخرين. لكنه لا يقتصر على ذلك في الواقع، بل يعني الإضاءة على ما يفعله الناس على نحو صحيح، مثلما يعني الإضاءة على يفعلونه على نحو خاطئ. كما يُعنى إعطاء التقييم بتعزيز السلوكيات الجيدة، مثلما يُعنى بإنهاء السيئة منها؛ وبالمديح الذي يُقال بسهولة، كما بالانتقاد البنّاء الذي يُشعرك بالانزعاج.
إذا كنت مديرًا أو قائدًا، فإبلاغ موظفيك ما عليهم سماعه ليس عملك، بل هو مسؤوليتك؛ إذ يعول عليك العديد منهم يوميًا لتحقيق النمو. وبذلك، تكون متنصّلًا من مسؤوليتك تلك إذا لم تُقيّم العمل الذي يؤدّيه موظفوك، وإذا لم تُخبرهم ما يمكنهم إنجازه، فقط لأن ذلك يُشعرك بالانزعاج.
اقتباسهناك العديد من الأعذار التي تمنع إعطاء التقييمات، منها: أنك مشغول، أو لست مرتاحًا، أو تريد تجنّب الخلافات مع موظفيك أو الحفاظ على علاقتك بهم، أو تأمل أن تُحلّ المشكلة ذات الصلة من تلقاء نفسها، أو أن يُلاحظها الموظف بنفسه.
فالمشكلة الأكبر هنا هي وهمُ الشفافية، الذي يجعلك تظن أن موظفيك يعلمون بالفعل كيف تشعُر. لكنهم في الواقع لا يعلمون ذلك؛ فهُم ليسوا قارئي أفكار، ولا يمكنهم الشعور بما تشعر به. فقد يكون الأمر شديد الوضوح بالنسبة لك، لكنه ليس كذلك بالنسبة لهم؛ لذا عليك أن تخبرهم بذلك بالفم الملآن وعلى مسمع منهم.
تلقّينا جميعًا تقييمات لم تكن مُساعِدة، ولا فائدة منها أحيانًا، بل كان بعضها هدّامًا حتى. إنّ إعطاء التقييمات أمرٌ صعب حتى بوجود أحسن النوايا، فهو ليس بَدهيًا، ومعظمنا لا يُتقنه. قد نعدّ أنفسنا ماهرين في إعطاء التقييم، لكن النتائج لا تظهر إلا إذا أردنا رؤيتها. كيف هو أداء الفريق؟ هل يُبلي أعضاؤه حسنًا، أم يجهدون لتحقيق أهدافهم؟ هل يؤدون عملهم ببساطة، أم يطمحون إلى التميّز؟ هل يبذلون جهدًا لتصحيح الأخطاء أم يختبئون وراءها؟ هل يعُدّونك مستشارَهم الموثوق ويتواصلون معك عندما يحتاجون إلى التوجيه؟
وحتى عندما نُقدِم على فعل الشيء الصحيح، فقد لا نتقن تطبيقه. إنّ تبرير فشلنا في تقديم التقييم السليم، وعَقلَنَة ذلك الفشل، هما الكذبة الكبرى في هذا السياق؛ أي البحثُ عن عُذر نقوله لأنفسنا (أنا مُذنِب لأبعد حد)، مثل: لقد تواصلتُ مرارًا؛ ينبغي أن يكونوا هم السبب؛ ليس لديهم الإمكانات التي يتطلبها الأمر، حقًا؟ هل أخذتَ وقتك في استيعاب ما إذا كان تقييمك لهم فعالًا؟ كيف شعرَ المتلقي حيال ذلك؟ ما الذي استوعبه؟ هل تعلم ما يخطط لفعله في الخطوة التالية؟ هل يُحتَمل أن تكون قد خدعت نفسك لتصديق أن "العمل قد اُنجِز" بعد أن تكون بالكاد تواصلت مع الموظف المقصود؟
لا يكفي أن تقول للموظفين ما يفعلونه على نحو صحيح أو خاطئ؛ بل عليك تعلُّم كيف تفعل ذلك جيدًا. ليس الأمر لعبة تخمين، أي ليس كأن ترمي كل شيء باتجاه الحائط وتأمل أن شيئًا ما سيعلق به، ولا كأن تُطلق سهامًا عشوائية متمنيًا أن يصيب أحدُها الهدف. بل إنّ هناك تفسيرات علمية لنجاح بعض الأمور وفشل بعضها الآخر؛ فالتقييم مهارة لا يتقنها سوى القليل من الأشخاص. ولكن، يمكنك تطوير قدرتك على فعل ذلك جيدًا، وبعدها فقط تصبح قادرًا على مساعدة موظفيك على البقاء متحفزين، ويسيرون على الطريق الصحيح.
لن تنجح في تحقيق ذلك من المرة الأولى، ولا الثانية حتى، بل سيتطلب الأمر كثيرًا من الممارسة، وساعات طويلة من النقاشات الفاشلة. كما ستُشعر بالإحباط عند شعورك بأن مَن حولك لا يستوعبون ما تحاول إخبارهم به، فتقتنع بأنك لا تتقن إيصال الفكرة إليهم. ومع ذلك، تفعلها مرة أخرى، فتعلم أنك ستُبلي على نحو أفضل.
تقول سيدة الأعمال جولي زو Julie Zhou:
اقتباستعلمت الكثير بالممارسة، ورغم نوايايَ الحسنة، فقد ارتكبتُ أخطاء لا حصر لها. ولكن، هذه سُنّة الحياة: تُجرّب أشياء عديدة، فتكتشف ما نجح منها وما لم ينجح. تدّخرُ دروسًا للمستقبل، ثم تغدو أفضل، وهكذا دواليك.
فن الانتقاد البنّاء
نتردد عندما يكون علينا إخبار الآخرين بأنهم لا يؤدون على قدر إمكاناتهم، ونأمل في سرّنا أن تختفي المشاكل، أو أن يأتي شخص غيرنا لينقل الأخبار السيئة نيابة عنّا. كما إننا نتبنى التكتيكات التي تنطوي على تأجيل؛ ومنها تجاهل المشكلة، وإشغال أنفسنا بعمل هامشي، ونعطي فرصة أخرى مع أمل ضعيف بأن الموظفين سيُبلون أفضل هذه المرة. ثم نأتي بردة فعل عندما لا ينجح أي شيء. لا يؤدي تجاهل المشكلة إلى حلها، بل يجعلها أكثر تعقيدًا، وهو ما يعني إما أن الأوان قد فات، أو أنّ تلك المشكلة قد باتت شديدة الوضوح.
لم نتصرّف عندما كان الوقت مناسبًا للتصحيح، لكننا أصبحنا نشعر الآن بأننا محقون في ردة فعلنا على الوضع. ورغم كل شيء، فإصلاح الأمور عندما لا يكون الوضع على ما يُرام هو جزء من عملك. من لديه الوقت للتفكير بالكيفية التي كان يمكن وفقًا لها تجنّب الأمر في بدايته؟ إنّ اتّباع السلوك القائم على ردة الفعل بدلًا من التفكير العملي المُبادِر سببٌ لكثير من المشاكل في العمل. وهو ذاته السبب الذي يؤدي إلى فشل العديد من المديرين في تجنّب المشاكل قبل وقوعها، والذين لا يشعرون بأنهم على حق فيما يطلقونه من أحكام فحسب، بل وفي تبنّي تفكير جامد على نحو مستمر، ومن الأمثلة على ذلك قولُهم: إنّ قدرات الناس ثابتة، ولا يمكن فعل شيء لإتقان مهارات جديدة أو لتكريس سلوكيات أفضل.
ولذا، ورغم أن توجيه انتقاد بنّاء مهمة يصعب إتقانُها، يمكنك إحداث فرق كبير ببعض التغييرات البسيطة حتى. فبمجرد أن تتعلم ما هي الطريقة الصحيحة والخاطئة لفعل ذلك، تغدو قادرًا على مراقبة سلوكك واتخاذ خطوات لبناءٍ تدريجي للمهارات التي تحتاج إليها لتكون فعالًا في أداء دورك بوصفك مديرًا وقائدًا.
وبينما نتفحص الاستراتيجيات، سأدحض مفاهيم محددة حول الانتقاد البنّاء، وسأقدّم أمثلة عن الطريقة الصحيحة لممارسته.
1. الشعور السيئ أمر جيد
أكبر خطأ يمكن ارتكابه عند إعطاء انتقاد بنّاء أن نكون لطيفين أكثر من اللازم؛ إذ لا يفيد أن نحاول مراعاة شعور المتلقّي بقول أشياء غير معقولة لا تقدّم أي إضافة. التعاطف أمر جيد، لكنه لا يكون كذلك عندما يهدف إلى تجنّب جرح شعور الشخص الآخر؛ فالتقييم السلبي سيكون جارحًا للمتلقي مهما كانت الطريقة التي يُوجَّه فيها. كما لا يقلل الاعتراف بأهمية التقييم من الوقع المؤلم الذي يتركه على نفس المتلقّي؛ فهو دائمًا تذكيرٌ شديد الوطأة على الشخص الآخر بأن الأمور لا تسير على ما يُرام.
الناس مفطورون على التركيز على الجانب السلبي، ومُخطِئٌ من يدعي أنّ الشعور السيئ أمرٌ سيئ. تقول الأخصائية النفسية الاجتماعية هايدي غرانت Heidi Grant:
اقتباسليس الشعور السيئ مجرد نتيجة مؤسِفة لسماع تقييم صادق، بل هو نتيجة ضرورية. إذ يعمل القلق والحزن بوصفهما وظيفة تحفيزية رئيسة تتجسد في جعل الدماغ راغبًا في التخلّص منهما.
وتُضيف هايدي غرانت قائلة:
اقتباستُركّز المشاعرُ السلبية الاهتمامَ والموارد على المهمة الحالية؛ فهي أشبه بالوقود لنارك من حيث التحفيز الذي تُطلِقه. وإنّ تجريد الشخص من الحس بالمسؤولية بسبب أدائه الضعيف يُفقِده حسّ السيطرة والتحكّم؛ أي إذا لم تكن على قدر المسؤولية بالنسبة لما فعلتَ في السابق، فكيف لك أن تطوّر أداءك في المستقبل؟
أي بمعنى آخر، الشعور السيئ أمر جيد؛ فهو شر لا بد منه لتحريك طاقة موظفك وتوجيهها نحو عمل بنّاء. ولكن ذلك لا يعني أن عليك جعل الناس يشعرون بالسوء لكي تُخرج الجيد منهم، بل الفكرة أن نعترف بأنه لا يمكن أبدًا استساغة الاستماع إلى الانتقاد البنّاء. ولذا، يجب ألا تمنعك مراعاةُ شعور الشخص من تسمية الأمور بمسمياتها، أي عليك مصارحته بالحقيقة.
ومن الاستراتيجيات السيئة في التقييم التي يتّبعها كثير من المديرين ما يُعرف بتقنية السندويش (Shit Sandwich)، وتعني إعطاء تقييم سلبي حول نقطة ما بين تقييمين إيجابيين، فيكون ترتيب التقييم كما يلي: جيد-سيئ-جيد. ببساطة، إنها استراتيجية غير ناجحة، فهي من جهة متوقعة؛ أي حتى لو لم يعلم بها الموظف في المرة الأولى، فيمكنه رؤيتها في المرة القادمة، وتنطوي على خداع من جهة ثانية؛ أي يُقصَد بها تهيئة الموظف لتلقّي التقييم السلبي. وأخيرًا، يميل الناس إلى التركيز على الجانب السلبي ويحيّدون أي كلام إيجابي ألقيتَه على مسامعهم بالتوازي مع ذلك.
لا تلعب مع موظفيك هذه اللعبة، ولا تُهدر طاقتهم في محاولة لفك شيفرة الرسالة التي تنوي إيصالها إليهم؛ أي لا تجعل الأمر يبدو كحلّ لغز. بل من الأفضل أن تكون مباشرًا وصريحًا في قول ما تريد دون مواربة.
مثال على انتقاد بنّاء:
لا تقل شيئًا مثل هذا: أعلمُ يا جو أن هذه الصفقة لم تسِر على النحو الذي أردتَه. لقد فعلت ما بوسعك، وليست غلطتك في النهاية. ربما لا تعلم كيف تتفاوض حتى الآن.
قل شيئًا مثل هذا بدلًا من ذلك: جو، أريد التحدث إليك حول هذه الصفقة. لاحظتُ أنك لم تكن جاهزًا للتعامل مع تساؤلات العميل. وآمل أن تستوعب التأثير الذي ستتركه خسارة هذه الصفقة على أرباح شركتنا. ما الخطأ الذي ارتُكبَ برأيك؟
2. الأمر في متناول أيديهم
من الأجزاء المهمة في الانتقاد البنّاء ضمان أن الطرف الآخر يشعر بأنه متحكَّم بالوضع. وحتى عندما يحسّ بالضعف والتعرّض للانتقاد، فيجب ألا يؤدي ذلك به إلى الشك بنفسه، لأن الإحساس بعجزهم عن فعل الكثير لإصلاح الوضع قد يؤدي إلى التشاؤم؛ أي التفكير في الوضع على أنه مستمر ومتشعب بدلًا من تفسيره على أنه مؤقت ومحدود. وقد يقع موظفوك في دوامة من فقدان الأمل يرافقها خوف من أنّ لا شيء مما يفعلونه قادر على إصلاح الوضع، فتخطر على بالهم عبارات مثل: "لا أمل، لا فائدة، ليس هذا جيدًا كفاية، ليس جديرًا بالمحاولة"، إلخ.
إذا أردت من موظفيك أن يتحملوا مسؤولية أخطائهم، فلا تُضعِف حسهم بالتحكم في أدائهم، بل شجعهم على إدراك كيف أنّ إدخال تغيير في سلوكهم وأفعالهم قد يفيدهم في اجتياز هذه العقبة التي تواجههم. فبدون امتلاكهم الحس حول كيفية جعل الأمور أفضل، فقد ينظرون إلى أنفسهم على أنهم فاشلون ويصبحون دفاعيين بغرض حماية احترامهم الذاتي.
ومن الخدع البسيطة التي طالما نجحت معي تذكيرُ الآخرين بما يتمنون أن يكونوا، أي إخبارهم أن ليس بإمكانهم تحقيق أهدافهم إذا بالغوا في التفكير في وضعهم بدلًا من استغلال الوقت في اتخاذ الأفعال. تحفّزهم تلك الخدعة على التخلص من السلبية واتخاذ موقف إيجابي تجاه وضعهم. وبذلك، يتوقفون عن النظر إلى الانتقاد البنّاء على أنه هجوم على ذواتهم، بل بوصفه وسيلة توصلهم إلى أن يكونوا الأشخاص الذين يتمنون.
ومن العناصر الأخرى المهمة في إعطاء تقييم فعال الحفاظ على التحديد والوضوح عند فعل ذلك. فلا تكن غامضًا، بل تحدثْ عن مهارات محددة، ولا تُعمِّم، إذ إنّ هناك فرقًا كبيرًا بين القول إنّ شخصًا ما لا يجيد حل المشاكل، وبين الحديث عن مشاكل محددة لا يمكنه حلها. ليس الشخص فاشلًا، بل يمكن أن توصَف أفعاله المحددة (أو قلة أفعاله) بأنها فاشلة. اقصر الأمر على السلوكيات والأفعال، وابتعد عن الشخصنة.
مثال على انتقاد بنّاء:
لا تقل شيئًا مثل هذا: جوليا، أنك لا تحسنين التواصل.
قل شيئًا مثل هذا بدلًا من ذلك: جوليا، أريد التحدث إليك بخصوص الاجتماع الذي عُقد البارحة حول المنتج. لاحظتُ أنك التزمتِ الصمت طوال مدة الاجتماع تقريبًا. اعلمي أنك عندما لا تتكلمين، فإنك لا تفرّطين بفرصة مشاركة معلومات يمكن أن تضيف قيمة إلى المنتج فقط، بل وتجعلين الآخرين يفترضون أنّك لا تستوعبين المنتج جيدًا. ما رأيك؟
3. كن طالبا لا معلما
قد يعبث بدماغك الإحساسُ بالقوة والسلطة؛ إذ يُحتمل أن يجعلك ذلك تُطلق الأحكام بدلًا من إظهار الفضول لاستيعاب وضع الشخص الآخر، فقد تنظر إلى عضو من فريقك يتأخر يوميًا عن الالتحاق بالعمل بوصفه مُستهترًا (هذا حُكم أطلقتَه عليه)، أو قد تصف موظفًا آخر لديك يبذل جهده للتعامل مع موقف عصيب بأنه فضوليّ. ماذا لو كان على أيِّ منهما إيصال أطفاله إلى المدرسة قبل المجيء إلى العمل؟ ألا يُحتَمل أن لدى أحدهما مريضًا من أسرته عليه الاعتناء به؟
يتحدد كلُّ موقف، والنتائج التي تستخلصها منه، وفقًا للرواية التي تُخبر نفسك بها، والتي ما هي سوى مزيج من معتقداتك وافتراضاتك. ولكن، اعلم أنّه قد يكون لدى الشخص الآخر رواية مختلفة تمامًا عن تلك التي رسمتَها في مخيلتك. فلتتوقف إذًا عن إطلاق الأحكام المسبقة، ولتعبّر عن روايتك بوصفها مجرد ملاحظة بدلًا من ذلك، ولتُعطِ فرصة للشخص الآخر لمشاركة روايته. في معظم الحالات، لا تطابِقُ روايتُك الحقيقةَ، وهذا أمر جيد لأنه يمثل فرصة لكليكما للعمل على ذلك معًا. إنها فرصة لك للإصغاء.
لا تمارس دور المعلّم، لأن ذلك يجعل انتقادك يبدو كالحصول على درجة سيئة؛ ولا أحد يحب الحصول على درجة كتلك.
يقول دوغلاس ستون Douglas Stone -المُحاضر في كلّية هارفارد للحقوق Harvard Law School-:
اقتباسقبل أن تخبرَني كيف أفعل الأمر على نحو أفضل، وقبل أن تضع لي خطط التغيير العظيمة، وقبل أن تُصلِحَني وتطوِّرَني وتعلّمني كيف أنهض بعد سقوط بحيث أُصبح مشرقًا وناجحًا، أريدك أن تعلم ما يلي: لقد سمعتُ بذلك من قبل، ومُنِحتُ درجات، وصُنِّفت، وأُعطيت ليَ الرُتَب، ودُرِّبت، وفُحِصت، وسجّلتُ الأهداف. ووقع عليّ الاختيار في البداية، وفي النهاية، ولم أُختَر أبدًا في أحيان أخرى. ولم يكن كل ذلك سوى مرحلة أشبه بروضة أطفال.
مارس دور الطالب بدلًا من ذلك، الطالبِ التوّاق إلى تعلّم المزيد حول الوضع، والذي يريد إيجاد الحلول، أو كما يصف ذلك دوغلاس ستون إذ قال:
اقتباسأهم قاعدة حول إدارة التفاعل هي التالية: لا يمكنك دفع المحادثة باتجاه أكثر إيجابية ما لم يشعر الطرف الآخر بأنه مسموع ومفهوم ممن يتحدث إليه. ولن يكون كذلك إلا إذا أصغيتَ إليه. فعندما يغدو الشخص الآخر عاطفيًا إلى حد كبير، أضعِ إليه وقدّر ما يمر به. وعندما يقص عليك روايته ويقول إنها الرواية الوحيدة المنطقية، أعِد صياغة ما تسمعه، واطرح عليه بعض الأسئلة حول السبب الذي يجعله يفكر على ذلك النحو. وإذا ساق اتهامات ضدك، وقبل أن تدافع عن نفسك، حاول أن تستوعب وجهة نظره. وحينما تشعر بالهزيمة، أو لا تعلم كيف تتقدم في الحديث معه، تذكّر أن ذلك دائمًا ما يكون وقتًا مناسبًا للإصغاء.
عندما تفعل ذلك، فإنك تجعل الشخص الآخر يتخلى عن ميله إلى إظهار استجابة الكَرّ أو الفر (Fight-or-Flight-Response). ويدفعه هذا الوضع إلى الخوض في حوار بنّاء؛ فعندما تكون منفتحًا لرؤية الوضع مثلما يراه ذلك الشخص، يجعله ذلك يردّ بالمثل، ويحاول استيعاب وجهة نظرك أيضًا. وبذلك، يتحرر كلاكما من وجهة نظره، وتجدان المعرفة المشتركة حول كيفية المضي قُدُمًا؛ فيتحول الانتقاد البنّاء إلى فرصة للتوافق على التوقعات، والعمل على وضع حدود سليمة، ومناقشة ممارسات يمكنها مساعدة الشخص الآخر على التعلّم والنمو.
استخدِم معادلة التقييم هذه للوصول إلى حوار بنّاء: الوضع + الملاحظة + التأثير+ السؤال.
- الوضع: وصِّف الوضع.
- الملاحظة: اكتب ملاحظتك.
- التأثير: اذكر التأثير.
- السؤال: اطرح سؤالًا مفتوح الطرف (مفتوح الإجابة).
مثال على انتقاد بنّاء:
لا تقل شيئًا مثل هذا: بوب، أنت شخص لا يُعوَّل عليه.
قل شيئًا مثل هذا بدلًا من ذلك: بوب، أريد الحديث حول العمل الذي أنجزتَ مؤخرًا (وضع). لاحظتُ أنك تأخرتَ عن الموعد المحدد لتسليم العمل (ملاحظة)، وآمل أن تستوعب أنّ عدم تسليم العمل في الموعد المحدد يؤثر على أشخاص آخرين يعتمدون على عملك ويؤخّر المنتَج الكلي (التأثير). ما الذي تعتقد أنه لم يسر على ما يرام هنا (سؤال مفتوح الطرف)؟
تذكّر في النهاية أنَّ عملك بوصفك مديرًا لا يُعنى بإصلاح المشكلة. بل عليك ألا تفكر أبدًا في إصلاح أي شخص أو شيء، إذ إن تغيير الآخرين ليس ضمن مجال سيطرتك، وأفضل ما بوسعك فعله توجيه موظفيك إلى فعل الأمور الصحيحة. ساعدهم في رؤية واقع وضعهم، وأشعِرهم بأنهم مسؤولون عن أفعالهم، ودعهم يأخذون قراراتهم بأنفسهم. درّبهم على معرفة ما إذا كان الأداء الضعيف ناتجًا عن قلة الجهد المبذول، أو ما إذا كانوا بحاجة إلى استراتيجيات محددة. اسألهم عن الخطوات التي يفكرون في اتخاذها للانطلاق من حيث هم الآن إلى المكان الذي يريدون الوصول إليه.
فن التقييم الإيجابي
كيف تخبر موظفيك بأنهم يؤدون عملًا جيدًا؟ هناك طريقة صحيحة، وأخرى خاطئة، للإشادة بأداء الموظف. ونظرًا لأن المديح يصدر بسهولة، في أغلب الأوقات، فإننا لا نركّز على الأسلوب الذي نوصله فيه إلى الشخص المقصود. ونفترض أنه مهما قلنا للشخص الآخر فسيحفزه ذلك على أداء عمل أفضل ما دام أن كلامنا ينطوي على إشادة به؛ لكن الواقع ليس كذلك.
هناك ثلاثة أخطاء عليك تجنّبها أثناء الإشادة بالآخرين.
1. المديح الكاذب
لا يحب أحد أن يُمدَح بسبب عمل غير مهم أنجزه. لذا، احتفظ بهذه الإشادة لأصحاب الأداء الحقيقي الجيد؛ إذ يشعر الأشخاص بأنهم يُخدَعون عندما تمدحهم على أمور صغيرة أدّوها، أو عندما يشعرون بأنك تحاول الحؤول دون جعلهم يحسّون بشعور سيئ.
فمثلًا، لو قلت لموظف لديك إنه كان رائعًا في العرض التقديمي الذي نفّذه، وهو يعلم، وأنت كذلك، أنه ارتبك ولم يكن ناجحًا فيه، فذلك سيزيد الطين بلة. أو كأن تقول لموظف إنه أدى عملًا ممتازًا عندما نجح في الانتهاء من إعداد تقرير ما خلال فترة قصيرة، ولكنك تعلم أنه لم يكن بتلك العظَمة، وأنه عمل بسيط كان يمكن لأي عضو في الفريق إنجازه؛ فذلك يجعله يشعر بالغباء، ويقول لنفسه: "يظن مديري أن هذا أفضل ما يمكنني تقديمه"، أو بأنه يُتلاعَب به، فيقول لنفسه: "يخبرني مديري بذلك ليستمر في تكليفي بإنجاز مهام هامشية في آخر الدوام".
عندما لا يكون مدحُك للموظف صادقًا، لا تتطابق كلماتُك مع لغة جسدك؛ فتتجنّب الحفاظ على تواصل بصري معه، ويلاحِظ أنك تمسك أشياء بيدك أو تحرّكها من مكانها، أو تستغرق وقتًا طويلًا في التفكير بما ستقول. وبذلك، يُوصِلُ سلوكك هذا رسائل للموظف كافية لجعله يُدرك أنك غير صادق فيما تقول.
امدح لأسباب حقيقية فقط، وابق صادقًا.
2. الإشادة بالموهبة
إن الإشادة بذكاء موظفك -عندما ينجز عملًا ممتازًا- تكرس لديه اعتقادًا يعلق في ذهنه مفاده أن الموهبة والنجاح هما كل ما يهم. فكيف والحال كذلك تعتقد أن ذلك الموظف سيتصرف إذا لم تسر الأمور على ما يرام في المستقبل؟
سيرفض الاعتراف بالأخطاء، وسينظر إلى الفشل على أنه انعكاس لقلة كفاءته، كما سيعزف عن مواجهة تحديات جديدة خشية الفشل، وسيحاول قول وفعل أمور تُظهِر ذكاءه، وسيوجِّه كل شيء لإثبات نبوغه.
ليست الإشادةُ بموهبة الآخرين النوعَ السليم للمديح. بل يُمنَح المديح بهدف تعزيز عقلية النمو؛ أي إن المهارات والإمكانات يمكن أن تُبنى بالجهد الصحيح. يتطلب ذلك مدحَ الأشخاص على جهودهم، وعلى مثابرتهم أثناء تنفيذ مهام عصيبة، وتجربة استراتيجيات جديدة، والسعي لطلب المساعدة، وعلى بقائهم مصرّين على تحقيق أهدافهم. لِمَ يُعدّ هذا أفضل؟
لأن الذين يتلقون الإشادة على جهودهم وعملهم المتفاني، يستمتعون في التعلّم بدلًا من إثبات أنفسهم. وبذلك، لا يخشون الخروج من دائرة الراحة، ويواجهون التحديات دون خوف من الفشل. كما إنّهم يتقبلون الأخطاء لأنها لا تؤثر في كفاءتهم، بل هي مؤشرات مفيدة ترشدهم إلى فعل شيء أفضل. كما لا يختبئ أولئك الأشخاص وراء أخطائهم وعثراتهم؛ بل يرونها فرصة للتعلم، فيسألون أنفسهم: ما الخطأ الذي ارتُكب؟ ما الذي كان بوسعي فعله على نحو أفضل؟ ما الدرس الذي تعلّمتُه عن نفسي بفضل هذا الإخفاق؟
إذًا، عليك الإشادة بالشيء الصحيح؛ أي بالجهد المبذول والعمل المقدّم، وليس بالموهبة.
مثال على التقييم الإيجابي:
لا تقل شيئًا مثل هذا: عمل رائع يا مايا! أنت ذكية جدًاَ!
بل قل شيئًا مثل هذا: عمل رائع، يا مايا! أعجبني منك أنك طبّقتِ استراتيجيات عديدة لإنجاح هذا المشروع. فرغم الصعوبات العديدة التي واجهتكِ عبره، لم تستسلمي. كما أحببتُ تلقّيكِ المستمر للتقييمات من الفريق، واستخدامك لها لتحقيق تقدّم مستمر.
3. الغموض المفرط
لا تفيد العبارات الموجزة مثل: عمل رائع! إنجاز عظيم! أنت مُبدع! إذ لا يستطيع الأشخاص ربط سلوكياتهم وأفعالهم بتلك الإشادة حسنة المعنى؛ فكيف لهم أن يكرروا السلوك المرغوب، أو أن يبنوا عليه، إذا لم يعلموا الجزء الذي كان مفيدًا من العمل الذي أنجزوه؟
شدِّد على سلوكيات محددة، وذلك بالتصريح عن الجزء من عملهم الذي استحق الإشادة؛ فعندما يفهم الأشخاص تأثير أفعالهم الإيجابية، يتحفزون لتكرارها، أو يحاولون تحقيق مزيد من التميّز في عملهم. كما إنّ هذا التحديد يتواءم مع تفكيرك بوصفك مديراً يهتم بإعطاء تقييم ذي قيمة لموظفيه، وهو نقلةٌ نوعية تسهم في بناء ثقة، وتعزيز علاقات أفضل، مع أعضاء فريقك.
مثال على تقييم إيجابي:
لا تقل شيئًا مثل هذا: عمل عظيم يا رون!
بل قل شيئًا مثل هذا: كان مذهلًا أني رأيتك اليوم بهذا الاستعداد للتعامل مع جميع تساؤلات العميل. يبدو أنك أمضيت وقتًا طويلًا تدرس شروطه، وتحضّر اقتراحًا يحقق الفائدة لكلينا؛ عمل رائع! حافظ على هذا المستوى!
الخلاصة
عند تقييم موظفيك:
- عزّر السلوكيات الجيدة، وضَعْ حدًا للسيئ منها.
- لا يكفي أن تخبر موظفيك بما يؤدونه على نحو صحيح أو خاطئ؛ بل عليك تعلّم كيف تفعل ذلك جيدًا.
- يتطلب إعطاء تقييم فعال ممارسةً وتدرّبًا؛ فلا يمكنك إتقان هذه المهارة في وقت قصير.
- من مسؤوليتك بوصفك مديرًا أن تعطيَ انتقادًا بنّاءً، حتى لو أزعج ذلك الشخصَ الذي تخاطبه.
- لا تحاول مراعاة مشاعر موظفيك بقول أشياء لا تحمل أي إضافة؛ فليس من واجبك -بوصفك مديرًا- أن تُسعِدَهم، بل أن تخبرهم بما عليهم سماعه، حتى لو كان مزعجًا.
- لا تُضعِف حسَّ التحكم لديهم بأدائهم الخاص. بل شجعهم على تحمّل مسؤولية أفعالهم، فالتعرّض والمواجهة أمران جيدان، أما الشك الذاتي فليس كذلك.
- عند إعطاء انتقاد بنّاء، تحدَّث عن مهارات محددة، ولا تُعمِّم.
- اجعل الانتقاد والتقييم مقتصرَين على أداء الموظف وأفعاله، وتجنّب الشخصنة.
- امتنع عن إطلاق الأحكام، وشارك روايتك بوصفها ملاحظة، وأصغِ بتمعّن لاستيعاب وجهة نظر الموظف.
- ادعُ موظفيك إلى الخوض في نقاش بنّاء.
- لا تحاول إصلاح موظفيك أو تغييرهم. بل دربهم على اتخاذ القرارات الصحيحة بأنفسهم.
- الإشادة المفيدة هي التي تكون صادقة، والتي لا تنطوي على تلاعب بالموظفين أو خداعهم.
- لا تمدح الموظفين على ذكائهم؛ بل على جهودهم وعملهم المتفاني.
- لا تكن غامضًا؛ بل قدّم إشادة يمكن ربطها بسلوك أو فعل محدد.
ترجمة وبتصرف للمقال Your Employees are Not Mind Readers: How To Give an Effective Feedback as a Manager لصاحبته Vinita Bansal.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.