لكل الأشياء الجميلة نهاية؛ إذ سيأتي وقتٌ على كل مدير يودّع فيه موظفين مميزين يتركون العمل بحثًا عن فرص مختلفة. وتؤسِّسُ كلُ نهاية لبداية جديدة تتمثل -في الحالة المذكورة أعلاه- في توظيف أشخاص جدد بمواهب جديدة، وإعدادهم، وتدريبهم.
ولكنّ ظروفًا قاهرة مشابهةً للأوبئة العالمية التي تسببت -وما تزال- في ارتفاع معدل الاستقالات في مشهد غير مسبوق؛ فملايين الموظفين يتركون وظائفهم بمعدلات متسارعة بالتوازي مع رفع القيود وإعادة فتح الشركات لمكاتبها. ما السبب وراء ذلك؟ وكيف بوسعنا منع الموظفين من ترك العمل؟
الحقيقة أنّ ذهنية الموظف تغيرت؛ إذ لم تَعُد الوظائف متعلقةً بالأجور أو المزايا، بل أصبح الناس يتوقعون المزيد من العمل، وبات على أصحاب العمل تقديم المزيد لتحقيق معدل احتفاظ أفضل بالموظفين. ويبدأ كل ذلك بإعداد الموظفين الجدد.
الفرص المتوفرة لديناميكية العمل الجديدة في السنوات اﻷخيرة
توظِّف العديدُ من الشركات حاليًا جيلًا جديدًا من الأشخاص الذين لم يَعُد العمل المعهود مُرضيًا لكثير منهم ببساطة. فرغم كل شيء، باتَ العملُ عن بُعد يُجسِّدُ بالنسبة للموظفين معنى حقيقيًا للتوازن بين الحياة والعمل، فقد انخفص مستوى التنقّل ما بين المنزل ومكان العمل، وبات لديهم وقتٌ أطول يقضونه مع عائلاتهم، ومُنِحوا خيارَ العيش في أماكن يحبونها بدلًا من اضطرارهم إلى التواجد بالقرب من مكاتب الشركات التي يعملون لصالحها. والموظفون الأكثر سعادةً ورضًا في حياتهم الشخصية، هم في نهاية المطاف الأكثرُ اندماجًا، وتعاوُنًا، وإنتاجيةً في الأعمال التي يُنجِزونها.
لقد ثبتَ اليوم أنّ العمل عن بُعد -عمومًا- يعادل بجودته العملَ بدوام كامل من المكتب (هذا إن لم يكُن أفضل منه في بعض الحالات)؛ فقد جرّب كلٌّ مِن الموظفين وأصحاب العمل مزايا ديناميكية العمل البديلة تلك. ومع تقدُّمِنا باتجاه مرحلة جديدة في السنوات اﻷخيرة، فقد باتت تلك النتائج التي لَمسناها تساعد مزيدًا من أصحاب العمل على تحديد فرصٍ لجذب مهارات جديدة وزيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين. فأصحاب العمل الأذكياء يُكيّفون اليوم عروضَ التوظيف بحيث تتواءم مع هذا الواقع الجديد، إذ باتوا يصوغون اتفاقيات عمل مرنة، ويحدِّثون التجهيزات والبرامج والعمليات للتواصل افتراضيًا على نحو أفضل، وللاستثمار أكثر في أمور مثل التطوّر الشخصي والصحة النفسية لموظفيهم. أي بدأ أصحابُ العمل يلمسون العائدَ على الاستثمار Return on Investment الخاص بالاحتفاظ بموظفيهم، ويدركون التكلفة الحقيقية لدوران الموظفين على فِرَق العمل التي تُنجِز لهم أعمالهم.
يبدو أنّ بوسعك الاستفادة فعليًا إلى أقصى حد من كِلا العالَمَين. وبوصفك صاحب عمل، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- هل توفر مرونةً حول المكان الذي يعمل منه موظفوك، وتوقيت ذلك العمل؟
- هل تُعزز بيئةَ عملٍ داعِمة؟
- هل تشجع على بناء روابط بين زملاء العمل لديك؟
- هل تتعرف جيدًا إلى موظفيك، وإلى ما يجعلُهم سُعَداء؟
التحضير لإعداد جيل جديد من الموظفين
يتوازى الارتفاع في معدل الاستقالات بين الموظفين مع ازدياد في أنشطة توظيف أشخاص جدد مكانهم. وبدورها، نفّذتِ الشركاتُ نقلةً سريعةً لعروض التوظيف لديها، وواءَمت الثقافاتِ التي تتبناها، بحيث "تفعل الشيء الصحيح" مع الجيل الجديد من الموظفين منذ البداية.
إليك بعض الطرق التي تُمكّنك من تحقيق ذلك مع أعضاء فريقك الجُدد:
- تكيّف مع نظام العمل عن بُعد أو العمل الموزَّع: يزداد وقت الاستراحة الذي ينعم به الموظفون بفضل عدم اضطرارهم إلى التنقّل بين منازلهم ومكان العمل؛ كما يساعدهم ذلك في تجنّب الضغط المالي الذي ينتج عن تكلفة ذلك التنقّل، مع توفير الوقود وتكاليف الرعاية اليومية بأقاربهم الذين يحتاجون إليها أيضًا؛ وهو ما من شأنه جعل أولئك الموظفين أكثر سعادةً وإنتاجية. إنّ توفير المرونة في العمل أمر لا بد منه بالنسبة للقوة العاملة حاليًا.
- عزِّز تقدير الموظفين: لقد مرّ الموظفون بظروف قاسية للغاية مع بدء وباء كوفيد 19 مثلًا؛ مِن فقدان أحبّاء، وإلغاء أحداث بارزة، أو المعاناة من العزلة؛ لذا كان من شأن تقدير إنجازات الموظفين، ومكافأتهم على التفاني في العمل، أن يعزز ثقتهم بأنفسهم وشعورَهم بالدعم، وجعلَهم يلمسون أنّ هناك من يرى عملهم.
- أجرِ مقابلات بقاء: تُجري الشركاتُ عادةً مقابلاتِ خروج Exit Interviews مع الموظفين الذين يتركون وظائفهم لديها لجمع تقييمات منهم، ولكنّ على المديرين إجراء مقابلات بقاءٍ Stay Interviews لتقييم كيفية سير الأمور في شركاتهم، ولتعزيز تجربة الموظفين قبل فوات الأوان.
- ركِّز على ثقافة الإنسان أكثر من ثقافة الشركة: يفوق الوقتُ الذي يقضيه الموظفون في عملهم ذاك الذي يُمضونه مع عائلاتهم. ولذلك، على أصحاب العمل تكريس بيئة يتطلع إليها موظفوهم؛ ومن هنا يبدو أن تعزيزَ الروابط بين زملاء العمل، وإظهارَ التعاطف والمُراعاة، ولفتاتِ الامتنان البسيطة؛ كلها أمور تصنع فرقًا ملموسًا.
إعداد الموظفين الجدد سبيل إلى الاحتفاظ بهم
عليكَ تقييمُ أساسِ أي شيء إن أردتَ إصلاحه أو تطويره. يُعرَّف إعدادُ الموظفين الجُدد بأنه الصيغة التي تُرحِّبُ بموجبها بموظفي شركتك الجُدُد، مع ضمان إحساسهم بالثقة ضمن فريقهم الجديد. وأثناء ممارستهم الدور الذي أُسنِدَ إليهم حديثًا. يرسم إعدادُ الموظفين الجُدُد مسارَ الجزء المتبقّي من تجربتهم في شركتك بعدما بدؤوا العمل معها؛ كما يُحدِث ذلك الإعداد -إذا طُبِّقَ جيدًا- فرقًا ملحوظًا في إدماج الموظفين مُستقبَلًا؛ وهو ما يجعل هذا الأمر يحظى بأهمية كبرى بالنسبة لجهود الاحتفاظ بالموظفين التي تبذلُها.
وعلى أي حال، يُساعِد تركُ انطباع أوّلي جيد في استدامة ذلك؛ إذ يمكن أن يتحول حماسُ الموظف الجديد -الذي ينتابه ابتداءً- إلى فخرٍ والتزام تجاه عمله يستمران لوقت طويل. وعلى المدى البعيد، يبقى الموظفون المُندمِجون مع الشركة، ويعملون سفراءَ لها، فيكون ذلك بمثابة رَجْعِ الصدى للاندماج المتين للموظف.
أضِف إلى ما سبق أن المواهب الجديدة من الموظفين تميل إلى الثقة بالشركات التي تُحقق معدلات احتفاظٍ بموظفين مرتفعة؛ فكلما بقي مزيد من الموظفين مع الشركة، أعطى ذلك انطباعًا مفاده أنها شركة جديرة بالعمل لديها.
الدليل في اﻹحصاءات والدراسات
- يمكن لإعداد الموظفين الناجِح تعزيز الاحتفاظ بهم بنسبة 82%، وذلك بحسب دراسة أجراها موقع غلاس دور Glassdoor. كما وجدت تلك الدراسة أنّ إعداد الموظفين الناجح يؤدي إلى زيادة إنتاجية الموظف بنسبة 70%.
- تزداد احتمالية بحثِ الموظفين عن فرص عمل أخرى بمعدل ضعفين إذا مرّوا بتجربة إعداد موظفين جُدُد سلبية، وفقًا لما أشارت إليه شركة البرمجيات ديجيتيت Digitate.
- تزداد احتمالية بقاء الموظفين مع شركاتهم بنسبة 50% بعد ثلاث سنوات من بدء العمل لديها إذا حظوا بتجربة إعداد موظفين جدد إيجابية، وذلك بحسب موقع كونتراكت ريكروترز Contract Recruiters.
خمس نصائح لتعزيز عملية إعداد موظفيك الجدد
بينما أدمَجت العديدُ من الشركات إعدادَ الموظفين الجدد ضمن عملية توظيف الأشخاص الجدد وتدريبهم، فما يزال العديد منها لم يلحق بالرَّكب. لذا، فلتُتقِن إعداد موظفيك الجدد إن قررت البدء به.
النصيحة الأولى: اجعلها لطيفة وإنسانية
سواءٌ أكانت عملية إعداد الموظفين الجدد تُجرى عن بُعد، أو بإشراف شخصي من المدير، فمن المهم مراعاة ما يجعلها لطيفة. ووسط دوّامة رسائل الدردشة والبريد الإلكتروني الخاصة بالعمل التي علينا التعامل معها، يمكن لأنشطة إعداد الموظفين الجدد التي تشمل زملاء آخرين، أو لإعطاء تعليمات عبر الفيديو مسجّلة من زملاء فعليين، أن تجعل عملية إعداد الموظفين تلك أكثر إدماجًا لهم وأكثر تعزيزًا للتواصُل فيما بينهم. كما يمكن للمديرين الترتيب لعقد اجتماعات فردية بالموظفين الجدد لنسج علاقات معهم منذ البداية.
النصيحة الثانية: ادمج أنشطة تعزيز الروابط بين أعضاء الفريق
تخلو أنشطة إعداد الموظفين الجدد -التي تُقام أثناء التدريب والقراءة وتقديم الاستمارات- من الحماس والروح المعنوية، لذا احرص على تضمينها أنشطةَ إدماجِ موظفين ممتعة؛ مثل الخروج لشرب القهوة مع الموظفين الزملاء، أو الترتيب لفعالية ترحيب بالموظفين تتضمن تناول الغداء معًا، وذلك للارتقاء بالتجربة وتعزيز اندماج الموظفين. طبِّق نظامَ الصديق المقرّب، بحيث يصبح لدى الموظف الجديد صديقُ مكتبٍ منذ البداية.
النصيحة الثالثة: حافظ على اتساق عملية إعداد الموظفين الجدد
وفقًا لشركة إتش سي آي HCI، فإنّ غياب الاتساق في تجارب إعداد الموظفين الجدد يمثّل إحدى أكبر العقبات التي تعوق نجاحها. وينبغي لبرنامجك الخاص بإعداد الموظفين الجدد أن يعكس ثقافتك، وأن يُشارِك المعرفةَ التأسيسية، ويوفر مستوى من العناية والدعم على نحو متساوٍ لكل موظف جديد.
النصيحة الرابعة: أضف الطابع الشخصي على كل تجربة إعداد موظفين جدد
يستغرق إعدادُ موظف جديد وقتًا، وينطبق ذلك أيضًا على التحضير لعملية الإعداد تلك؛ ولكن ليس عليك إعادة إنشاء عملية إعداد الموظفين الجدد من الصفر في كل مرة بهدف ترك لمسة شخصية على تلك العملية، بل يمكنك توفير ذلك الوقت عبر إنشاء نموذج إعداد موظفين جدد مُنظَّم وقابل للتعديل لاحقًا، بحيث يتيح المجال لإضفاء طابع شخصي إذا اقتضى الأمر.
النصيحة الخامسة: لا تثقل كاهل الموظفين الجدد
بينما تتضمن عملية إعداد الموظفين الجدد وسطيًا أكثر من خمسين نشاطًا، فمن المهم أن تجعل تلك التجربةَ سَلِسةً ومنظَّمةً وديناميكية. وتذكّر أنه عادةً ما يكون على الموظف الجديد الكثير لتلقّيه وتعلُّمه في بداية توظيفه، ولذا من الضروري أن تتفادى إثقال كاهله بعملية إعداد الموظفين الجدد.
استراتيجية إعداد موظفين متماسكة سبيل إلى زيادة الاحتفاظ بهم
الخلاصة هنا هي أنّ العلاقة الحديثة بين الموظف وصاحب العمل باتت تقتضي مراعاةً وتقديرًا واستيعابًا بطابع إنساني. فالموظفون اليوم يبحثون عن قيمة وظيفية لا تتمثل فقط في عوامل ملموسة مثل الراتب، بل ويتطلعون أيضًا إلى قيمة غير ملموسة، مثل ثقافة شركة متميزة.
وبتقديم تجربة إعداد موظفين فريدة، فإنك لا تكون في طور إعداد موظفيك للنجاح في الأدوار المنوطة بهم فحسب، بل وتحضّرهم للشعور بالاندماج والبقاء مع شركتك وقتًا أطول، وهذا ما يجعل الاستثمار في إعداد الموظفين الجدد لا يحتاج إلى كثير من التفكير؛ فالعائد على الاستثمار فيما يتعلق بالإنتاجية، وتوفير النفقات التي يتطلبها دوران الموظفين، أكبر دليل على أهمية إعداد الموظفين الجدد لتحقيقهما.
ترجمة وبتصرّف للمقال Great employee onboarding is the foundation of retention لصاحبته Jules Rollet.
اقرأ أيضًا
- لماذا يترك الموظفون الأكفاء العمل وكيف تتجنب ذلك؟
- 5 أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك أولا قبل أن تترك وظيفتك لتعمل كمستقل
- الأسباب الرئيسية لدوران الموظفين وكيفية التعامل معها
- ثلاث طرق لتقليل دوران الموظفين (تركهم لوظائفهم) في شركتك الناشئة
- الفرق بين دوران الموظفين والاحتفاظ بهم
- 9 أفكار للاندماج الوظيفي ستعجب الموظفين
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.