اذهب إلى المحتوى

نظرية GLOBE وتأثيرها في فهم القيادة


هيفاء علي

كيف تُصنَّف مناطق العالم باستخدام نظرية GLOBE؟ كيف يزيد هذا التصنيف من فهمنا للقيادة عبر الثقافات؟ في مقالنا هذا سنستعرض أبرز جوانب نظرية GLOBE ودورها في تحديد نمط وأسلوب الإدارة والقيادة الدولية المناسب.

ما هي نظرية GLOBE؟

من النظريات الثقافية المهمة الأخرى نظرية GLOBE (اختصارًا لـِ Global Leadership and Organizational Behavior Effectiveness وتعني القيادة العالمية وفعالية السلوك التنظيمي). تقدِّم هذه النظرية للمديرين وسيلة إضافية تساعدهم على فهم كيف يمكنهم العمل بطريقة جيدة في بيئات العمل العالمية.

في حين أنَّ نظرية هوفستد للأبعاد الثقافية قد وُضعت في الستينيات من القرن العشرين، فإنَّ نظرية GLOBE وُضعت في التسعينيات من القرن العشرين، وهي محاولة ونزعة عصرية لفهم الأبعاد الثقافية. لقد طوّر 170 باحث من أكثر من 60 دولة نظرية GLOBE من خلال جمع بيانات عن 17000 مدير من 62 دولة من مختلف أنحاء العالم.

على غرار نظرية هوفستد، فقد كشف الباحثون الذين طوّروا نظرية GLOBE عن تسعة أبعاد ثقافية، ومن غير المستغرب أن نلاحظ بأنَّ خمسة أبعاد منها مشابهة لأبعاد نظرية هوفستد لأنَّ هؤلاء الباحثين قد استندوا في دراستهم إليها، وهذه الأبعاد هي:

  1. تجنُّب عدم اليقين
  2. مسافة السلطة
  3. التوجُّه المستقبلي (درجة اهتمام المجتمع في المستقبل البعيد)
  4. التوجُّه الحازم (الذكورة)
  5. المساواة بين الجنسين (الأنثوية)
  6. الجماعية المؤسساتية
  7. الجماعية المجتمعية (تشبه الفردية/ الجماعية)

إنَّ البعدين الثقافيين الوحيدين اللذين تتفرَّد بهما نظرية GLOBE هما التوجه الأدائي (درجة تركيز المجتمع على الأداء والإنجاز) والتوجه الإنساني (درجة اهتمام المجتمع بالعدل والإيثار والرعاية).

على غرار نظرية هوفستد، فقد صنَّف الباحثون الذين قاموا بتطوير نظرية GLOBE الدول إلى مجموعات ذات خصائص ثقافية متشابهة. يوفِّر هذا التصنيف طريقة ملائمة لتلخيص المعلومات الثقافية التي تتشابه فيها الدول ووضعها في خندق واحد، كما يبسِّط مهمة المدير الدولي الذي يحاول أن يدير الشركة بفعالية في الدول التي تتضمَّنها هذه المجموعات، إذ يمكن إجراء عمليات تكيُّف وملائمة توجّهات المؤسسة في كل مجموعة، نظرًا لأنَّ المجموعات تشتمل على مجتمعات ذات ملامح ثقافية متشابهة. على الرغم من أنَّ نظرية GLOBE حدَّدت عشر مجموعات، إلَّا أنَّنا سنقتصر في حديثنا على المجموعات السبع الأكثر صلة بالمديرين الدوليين وهي: مجموعة الأنجلوسفير، ومجموعة آسيا الكونفوشيوسية، ومجموعة أوروبا الجرمانية، ومجموعة أمريكا اللاتينية، ومجموعة أوروبا الشمالية، ومجموعة الشرق الأوسط، ومجموعة أفريقيا جنوب الصحراء. يوضِّح الجدول التالي هذه المجموعات المختلفة والدول التي تتضمَّنها كل مجموعة.

GLOBE-Country-Clusters.jpg

أنماط نظرية GLOBE

حدَّد الباحثون الذين قاموا بتطوير نظرية GLOBE ستة أنماط للقيادة لمقارنة الأنماط ونوعية الإدارة المُثلى في كل مجموعة من المجموعات:

  • القيادة الكاريزمية (ترتبط بمدى قدرة القائد على إلهام الآخرين وتحفيزهم)
  • القيادة المهتمة بفِرق العمل (ترتبط بمدى قدرة القائد على تعزيز فريق عمل عالي الفعالية)
  • القيادة التشاركية (ترتبط بمدى إشراك القائد للآخرين في عملية اتخاذ القرارات)
  • القيادة المتعاطفة (ترتبط بمدى إظهار القائد للتعاطف والكرم)
  • القيادة الاستقلالية (ترتبط بمدى اتصاف القائد بالاستقلال والفردية والاعتماد على الذات)
  • القيادة النرجسية (ترتبط بمدى تمركز القائد على نفسه وسعيه لحفظ كرامته)

Preferred-Leadership-Styles.jpg

يبيِّن الجدول السابق كيف تصنِّف مجموعات الدول المختلفة هذه الأنماط القيادية، ويتضمَّن معلومات تساعد على فهم طريقة تأثير الاختلافات الثقافية على أنماط القيادة. على سبيل المثال، فإنَّ مجموعة أوروبا الشمالية -ومن ضمنها الدول الاسكندنافية مثل الدنمارك وفنلندا والسويد- هي دول ذات ذكورة منخفضة وسلطة منخفضة وفردية مرتفعة، لذلك ليس من المستغرب أن نجد أنَّ الأفراد في مثل هذه المجتمعات يفضِّلون القادة الأكثر كاريزمية الذين يميلون إلى القيادة التشاركية، كما أنَّ نمط القيادة الأقل تفضيلاً لهذه المجموعة هو القائد النرجسي الذي يمثِّل الثقافات الفردية بصورة أكبر.

تميل دول مجموعة أمريكا اللاتينية (التي تتضمَّن بعض الدول ذات الأسواق الناشئة مثل الأرجنتين والمكسيك والبرازيل) إلى أن تكون دول جماعية وذات مسافة سلطة مرتفعة، وتميل أيضًا إلى تجنُّب حالات عدم اليقين إلى حدٍّ كبير، لذلك ليس من المستغرب أن يكون القادة الناجحون في هذه المجموعة هم الذين يتخذون القرارات بطريقة جماعية والذين تتَّسم تعاملاتهم مع مرؤوسيهم بالطابع الرسمي والذين يمتلكون كاريزما.

من جهة أخرى، تميل دول مجموعة الشرق الأوسط (ومن ضمنها مصر والمغرب وتركيا) إلى أن تكون ذات درجة تجنُّب عدم يقين مرتفعة وجماعية مرتفعة ومسافة سلطة متوسطة. غالبًا ما يُحجم المرؤوسون في هذه الدول عن اتخاذ القرارات التي تتطلَّب مجازفة نظرًا لارتفاع مستويات تجنُّب عدم اليقين فيها، وهذا ما يفسِّر المرتبة العالية التي تحتلُّها نمط القيادة الاستقلالية فيها، كما أنَّه ليس من المستغرب أن تفضِّل مجموعة الشرق الأوسط القادة الأقل تشاركية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ القائد المفضَّل في هذه المجموعة هو الذي يتصرَّف بطريقة جماعية ويحاول الحفاظ على التناغم والانسجام بسبب ارتفاع درجة الجماعية كما ذكرنا.

على الرغم من وجود اختلافات ثقافية بين المجموعات، إلَّا أنَّه من المهم الانتباه إلى وجود بعض أوجه التشابه بينها. على سبيل المثال، نمط القيادة الكاريزمية من الأنماط المفضَّلة في جميع المجموعات باستثناء مجموعة الشرق الأوسط، كما يبيِّن الجدول السابق أنَّ نمط القيادة المتعاطفة من الأنماط المفضَّلة في جميع المجموعات باستثناء مجموعة أوروبا الشمالية. في المقابل، غالبًا ما تكون أنماط القيادة القائمة على النزعات الفردية -مثل القيادة الاستقلالية والقيادة النرجسية- الأقل تفضيلًا.

الصفات والسلوكيات المقبولة وغير المقبولة عالميًا
الصفات والسلوكيات التي تعدُّ إيجابية في جميع أنحاء العالم
صادق جدير بالثقة
ذكي عادل
أمين حازم
يُخطِّط للمستقبل مفاوِض فعَّال
داعم للآخرين يضع حلول للمشكلات تُرضي الجميع
إيجابي مدير ماهر
نشيط يجيد التواصل
يحفِّز الآخرين ذو علم واطلاع
يبني الثقة قادر على بناء فرق عمل
الصفات والسلوكيات التي تعدُّ سلبية في جميع أنحاء العالم  
انعزالي متمركز حول ذاته
معادي للمجتمع عنيف
غير متعاون مستبد
غير صريح  
مقتبس من الدراسة «Culture specific and cross-culturally generalizable implicit leadership theories: Are attributes of charismatic/transformational leadership universally endorsed?» المنشورة في مجلة «The Leadership Quarterly» مجلد 10، ص 219-256.

يبيِّن الجدول السابق الصفات التي اتفقت مختلف المجموعات على كونها إيجابية أو سلبية. لقد وجد الباحثون الذين قاموا بتطوير نظرية GLOBE أنَّ هناك صفات إيجابية متفق عليها عالميًا بغض النظر عن الثقافة، مثل أن يكون القائد أمينًا وصادقًا وإيجابيًا ونشيطًا، كما أنَّ هناك صفات تراها جميع المجموعات الثقافية سلبية، مثل أن يكون المدير انعزاليًا ومتمركزًا حول ذاته ومستبدًّا.

لقد تحدَّثنا في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا في مبادئ الإدارة عن بعض الوسائل التي يمكن للمديرين الاستعانة بها لفهم الاختلافات الثقافية بين الدول وتهيئة أنفسهم للتعامل معها ومعرفة تأثيرها على سلوكيات الموظفين الذين يعملون في الشركات متعددة الجنسيات، كما لاحظنا أنَّ هناك العديد من أوجه التشابه بين الثقافات، ولكن الاعتماد على هذه النظريات فقط في فهم الثقافة قد يكون مضلِّلًا، لذا سنتناول الحديث في المقال التالي من سلسلتنا عن بعض المساوئ التي قد تنتج عن الصور النمطية الثقافية، كما سنتطرق إلى ضرورة الانتباه إلى التأثير المتبادل بين ثقافة الدولة ومؤسساتها الاجتماعية.

إدارة التغيير

المفاوضات في ماليزيا والصين

تخيَّل أنَّك موظف بارع في الشركة التي تعمل بها، وأنَّ الرئيس التنفيذي للشركة طلب منك أن توافق على مهمة شيقة وواعدة في ماليزيا والصين ستتقابل خلالها مع ممثلين من الشركات المنتسبة لها. تعرَّفت على المسؤولين التنفيذيين في ماليزيا في حفل مثير للإعجاب، وكنت تظنُّ أن اسم المدير التنفيذي للشركة المنتسبة هو «روجر» وقد أمضيت وقتًا رائعًا في التواصل معه لدرجة أنَّك قررت أن تبيِّن إعجابك به من خلال مناداته بـِ «روج»، ولكنَّك اكتشفت لاحقًا أنَّ اسم مضيفك هو «راجا». بعد أن أنهيتَ رحلتك في ماليزيا، ذهبتَ إلى الصين وقد رحَّب بك المسؤولون التنفيذيون المحليون للشركة المنتسبة بحرارة ودُعيت لعدة وجبات، ولاحظت خلال الأيام القليلة التالية أنَّك تقضي معظم الوقت في حضور دعوات الغداء والعشاء. كلَّما حاولت مناقشة تفاصيل المنتجات مع المضيفين، وجدت أنَّهم يهتمُّون أكثر في الطعام والشراب. لقد حاولتَ تقديم العقود التي صاغتها الشركة التي تعمل بها للمضيفين، ولكنَّك لم تنجح في ذلك. على الرغم من تحفُّظاتك، إلَّا أنَّك عدت إلى وطنك وأنت تشعر بفعالية جهودك، ولكن طلب رئيسك التنفيذي بعد فترة وجيزة أن يجتمع معك، وأخبرك خلال الاجتماع أنَّ كلًّا من الشركتين الماليزية والصينية غير راغبتين في إجراء معاملات تجارية أخرى مع الشركة التي تعمل بها؛ بل قررت الشركتان التعامل مع المنافسين لها. يريد الرئيس التنفيذي أن يعرف ما حدث، ويتوجَّب عليك معرفة لماذا لم تسر الأمور على ما يرام.

ترجمة -وبتصرف- للفصل The GLOBE Framework من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...