اذهب إلى المحتوى

تظهر البيئة المباشرة للشركة باللون الأخضر في الشكل الذي يبيِّن عناصر بيئة العمل. إنَّ جميع العناصر التي تتضمَّنها الدائرة الخضراء ترتبط مباشرة بالشركة بطريقة أو بأخرى، لذلك يجب على الشركات فهم تأثيرات البيئة المباشرة حتى تتمكَّن من المنافسة في قطاع الأعمال الذي تخصَّصت به. جميع الشركات تتخصّص في صناعة مُنتجات أو تقديم خدمات مُحدّدة، ويُدعى ذلك بقطّاع الأعمال. يُقصد بقطاع الأعمال (industry): مجموعة من الشركات التي تنتج جميعها منتجات متشابهة أو تقدِّم خدمات متماثلة، ومن الأمثلة على قطاعات الأعمال: شركات تصنيع السيارات أو شركات الطيران. قد تكون هناك منافسة مباشرة بين الشركات التي تنتمي إلى إحدى قطاعات الأعمال وقد لا تكون (كما سنبيِّن قريبًا)، لكن جميع هذه الشركات تواجه أوضاعًا متشابهة فيما يتعلَّق باهتمامات الزبائن والعلاقات مع الموردين وازدهار قطاع الأعمال الذي تنتمي إليه أو تراجُعِه.

Firm-Environment-Components.jpg

عناصر بيئة العمل (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

وضع مايكل بورتر -بروفيسور متخصّص في مجال استراتيجيات الأعمال في جامعة هارفارد- أداة تحليلية لتقييم حالة البيئة المباشرة للشركة. تسمَّى هذه الأداة القوى التنافسية الخمسة لبورتر (Porter’s Five Forces) وتستخدم في دراسة الفئات المختلفة التي تشتمل عليها البيئة المباشرة (المنافسون، الزبائن، الموردون، الوسطاء) بهدف فهم تأثير كل فئة على إحدى الشركات التي تنتمي لأحد قطاعات الأعمال (يوضِّح الشكل التالي القوى التنافسية الخمسة لبورتر). تمثِّل كل واحدة من القوى جانبًا من جوانب المنافسة التي تواجهها الشركات والتي تؤثِّر على قدرة الشركة على النجاح في قطاع الأعمال الذي تنتمي إليه. تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الأداة تختلف عن استراتيجيات بورتر العامة التي سنوضِّحها لاحقًا.

Porter-Five-Forces.jpg

القوى التنافسية الخمسة لبورتر (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

أولًا: حدة المنافسة داخل السوق

أول عنصر من عناصر القوى التنافسية التي حدَّدها بورتر هو حدة المنافسة داخل السوق، ويوجد في منتصف الشكل السابق. لاحظ أنَّ الأسهم الموجودة في الشكل تُبيِّن العلاقات المتبادلة بين حدة المنافسة وكلٍّ من القوى الأخرى، إذ إنَّ كل واحدة من هذه القوى يمكن أن تؤثِّر على الجهود التنافسية التي تبذلها الشركات التي تنتمي إلى قطاع أعمال معيَّن لكي تستحوذ على الزبائن وتقيم علاقات جيِّدة مع الموردين وتحافظ على مكانتها في السوق ولا تدع مجالًا لتفوق الشركات الجديدة عليها.

يساعد نموذج بورتر المحلِّلين الاستراتيجيين على تحديد ما إذا كان تأثير كل واحدة من القوى التنافسية على الشركات التي تنتمي إلى قطاع أعمال معين قويًا أم ضعيفًا. فيما يتعلَّق بحدة المنافسة داخل السوق، فإنَّ تحديد مقدار هذه القوة يعتمد على مدى صعوبة تغلُّب الشركة على المنافسين الذين ينتمون إلى نفس قطاع الأعمال من أجل كسب الزبائن والحصول على حصة في السوق.

إنَّ وجود منافسة قوية بين الشركات داخل السوق يقلِّل من قيمة الأرباح التي يمكن أن تحصل عليها كل شركة من تلك الشركات، لأنَّه بإمكان المستهلكين الاختيار من بين العديد من الشركات التي تقدِّم نفس المنتجات أو الخدمات وبإمكانهم -إلى حدٍ ما- اتخاذ قرارات الشراء بناءً على الأسعار المتاحة. في المقابل، يحتوي قطاع الأعمال الذي يتميَّز بوجود منافسة ضعيفة فيه على عدد قليل من الشركات، وهذا يعني أنَّ هناك عددًا كافيًا من الزبائن لكل شركة من الشركات، أو قد يحتوي هذا القطاع على شركات ذات مكانة متميِّزة مما يعني أنَّ الزبائن سوف يكونون أكثر ولاءً للشركة التي تلبي احتياجاتهم على النحو الأمثل.

ثانيًا: تهديد دخول منافسين جدد

تُنافس الشركات التي تنتمي إلى قطاع أعمال معيَّن بعضها بعضًا، لكن قد يرغب منافسون جدد بالانضمام إلى نفس قطاع الأعمال إذا كان لهذا القطاع سوقًا متنامية أو كان مُربِحًا بدرجة كبيرة. قد يكون المنافسون الجدد شركات جديدة تريد البدء بممارسة نشاطها التجاري في ذلك القطاع أو شركات تنتمي إلى قطاع أعمال آخر وترغب في توسيع إمكانياتها واستهداف أسواق جديدة في قطاع أعمال لم تخضه من قبل.

يختلف مدى سهولة أو صعوبة دخول الشركات في قطاعات أعمال معينة، ويعتمد ذلك على عوائق الدخول إلى السوق، والتي يُقصد بها العوامل التي تحول دون نجاح الشركات الجديدة في المنافسة في قطاع الأعمال الذي ترغب في دخوله، ومن هذه العوائق الشائعة: التكاليف اللازمة، وولاء الزبائن للعلامات التجارية القائمة، ومعدل نمو قطاع الأعمال. على سبيل المثال، نادرًا ما تواجه الشركات التي تعمل في قطاع الطيران تهديد دخول منافسين جدد، وذلك لأنَّ الحصول على المعدات وتراخيص الهبوط في المطارات والخبرات اللازمة لإنشاء شركة طيران جديدة يكلِّف الكثير من المال.

ولاء الزبائن للعلامات التجارية القائمة قد يجعل الشركات الجديدة متردِّدة في دخول قطاع أعمال معيَّن، إذ تدرك هذه الشركات أنَّ الزبائن المعتادين على علامة تجارية قوية قد لا يرغبون في تجربة التعامل مع علامة تجارية جديدة غير معروفة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ معدل نمو قطاع أعمال معيَّن قد يزيد أو يقلِّل من فرص نجاح المنافسين الجدد، إذ تعاني قطاعات الأعمال ذات النمو المنخفض من قلة عدد الزبائن الجدد، ولن تتمكَّن الشركات الجديدة من الحصول على حصة سوقية في هذه القطاعات إلَّا من خلال جذب الزبائن الذين يتعاملون مع الشركات الأخرى.

على سبيل المثال، تعاني الشركات التي تقدِّم خدمات الهاتف الخلوي من تناقص معدل نمو هذا القطاع، ويتوجَّب عليها أن تقدِّم مجموعة من الحوافز لكي تجذب المستهلكين الذين يتعاملون مع الشركات الأخرى التي تقدِّم نفس الخدمات. هل عرفت الآن لماذا نصادف ذلك الكم الهائل من الإعلانات التي تعرضها الشركات المتنافسة التي تقدِّم خدمات الهاتف الخلوي؟ في المقابل، يتزايد عدد الزبائن باستمرار في قطاعات الأعمال ذات النمو المرتفع، وتستطيع الشركات الجديدة التي ترغب في دخول هذه القطاعات أن تنجح في جذب زبائن جدد عن طريق تقديم أشياء لا تقدِّمها الشركات القائمة. تجدر الإشارة إلى أنَّ عوائق الدخول إلى السوق لا تكون خارجية دائمًا، وهناك العديد من الشركات القائمة التي تضغط على واضعي السياسات من أجل وضع قوانين تعيق من دخول أي منافسين جدد إلى السوق.

ثالثًا: تهديد البدائل

البدائل -وفق نموذج بورتر- هي المنتجات أو الخدمات التي يمكنها أن تحل محل المنتجات أو الخدمات التي تقدِّمها الشركة وأن تلبِّي احتياجات الزبون نفسها. ينبغي التمييز بين البدائل والمنافسين وعدم الخلط بينهما، إذ يقدِّم المنافسون منتجات أو خدمات مشابهة لتلك التي تقدَّمها الشركة ويتنافسون بشكل مباشر فيما بينهم.

في المقابل، فإنَّ البدائل هي منتجات أو خدمات مختلفة تمامًا عمَّا تقدِّمه الشركة ولكن يرغب المستهلكون في استخدامها بدلًا من المنتج الذي يستخدمونه في الوقت الحالي. على سبيل المثال، يقدِّم قطاع الوجبات السريعة وجبات تُعدُّ في وقتٍ قصير وتلائم رغبات الأفراد وذات تكاليف منخفضة، وهناك العديد من المطاعم التي تتنافس فيما بينها في هذا المجال مثل: ماكدونالدز ووينديز وبرجر كنج وتاكو بل، ويستطيع الزبائن التوجُّه إلى أيِّ منها عندما يشعرون بالجوع. لكن ما الذي يمكن أن يفعله المرء أيضًا إذا كان جائعًا؟ يمكنه الذهاب إلى متاجر البقالة وشراء ما يلزم لتحضير الطعام في المنزل. إنَّ شركة ماكدونالدز لا تنافس شركة كروجر المتخصِّصة في البيع بالتجزئة بطريقة مباشرة؛ نظرًا لأنَّ الشركتين تنتميان إلى قطاعين مختلفين، لكن حقيقة الأمر هي أنَّ المطاعم -مثل شركة ماكدونالدز- تواجه تهديدًا تنافسيًا من متاجر البقالة لأنَّها جميعًا تبيع الطعام.

قد يخطر ببالنا الآن السؤال التالي: كيف يمكن لشركة ماكدونالدز أن تتغلَّب على التهديد المتمثِّل في إقدام الزبائن على شراء الطعام من متاجر شركة كروجر بدلًا من الشراء منها؟ يمكنها ذلك من خلال الحرص على تجهيز الطعام مسبقًا وتسهيل عملية الشراء؛ كأن تكون شطائر البرغر أو السلطات جاهزة للأكل مباشرة دون الحاجة إلى الانتظار، وبإمكان الزبون الحصول عليها دون أن يتكلَّف عناء الخروج من السيارة.

McDonalds-menu.jpg

قائمة طعام يوفِّرها أحد مطاعم شركة ماكدونالدز لمساعدة الزبائن على اختيار الوجبات التي يريدونها بسرعة والحصول عليها مباشرة من شباك تسليم الطلبات دون الخروج من السيارة (مصدر الصورة: حساب Caribb/ فليكر/ عمل خاضع للملكية العامة)

رابعًا: قوة الموردين

تتعامل جميع الشركات تقريبًا مع مورِّدين يزوِّدونها بقطع الغيار أو المواد أو الأيدي العاملة أو المنتجات اللازمة لتصنيع مُنتجاتها أو تقديم خدماتها؛ لذلك تعدُّ قوة المورِّدين إحدى القوى التنافسية التي حدَّدها بورتر، وتشير قوة المورِّدين إلى درجة توازن القوة بين الشركات والمورِّدين في قطاع معين من قطاعات الأعمال. يمكن أن يكون للمورِّدين النفوذ الأكبر في حال كانوا يقدِّمون منتجات مخصَّصة أو عندما تكون الموارد النادرة تحت سيطرتهم.

على سبيل المثال، عندما تطوِّر شركة سوني طرازًا جديدًا من جهاز البلايستيشن (PlayStation)، فإنَّها غالبًا ما تتعامل مع مورِّد واحد فقط لإنتاج أنواع متطوِّرة من رقاقات المعالجات التي تستخدمها في وحدة التحكم في الألعاب، ويتيح هذا الأمر لذلك المورِّد إمكانية بيع المعالجات مقابل سعر مرتفع إلى حد ما، ويُعدُّ هذا دليلًا على تمتُّع المورِّد بالقوة في هذه الحالة. في المقابل، عندما تكون إحدى الشركات بحاجة إلى الحصول على مجموعة من السلع الأساسية، مثل النفط أو القمح أو الألومنيوم، فإنَّها تستطيع الاختيار من بين العديد من المورِّدين المُتاحين، ويمكنها أيضًا استبدال مورِّد بآخر بسهولة إذا وجدت أنَّ الأسعار أو الجودة التي يقدِّمها المورِّد الجديد أفضل من المورِّد الحالي، لذلك عادةً ما يكون مورِّدو السلع الأساسية ذوي نفوذ منخفض.

خامسًا: قوة المشترين

العنصر الأخير من عناصر القوى التنافسية التي حدَّدها بورتر هو قوة المشترين، وتشير قوة المشترين إلى درجة توازن القوة بين الشركات وزبائنها. إذا استطاعت إحدى الشركات تقديم منتجات أو خدمات متميِّزة، فسوف تكون قادرة على فرض أسعار مرتفعة، لأنَّ الزبائن لن يعثروا على شركة أخرى تقدِّم نفس المزايا.

في المقابل، إذا كان بإمكان الزبائن الحصول عليها من مصادر متعددة، فإنَّ على الشركات جذب الزبائن من خلال فرض أسعار مناسبة ومعقولة أو تحسين القيمة أو الميّزات التي تقدِّمها حتى تستطيع بيع منتجاتها وخدماتها. تعدُّ تكاليف التحويل إلى مقدِّمي خدمة آخرين (switching costs) التي تفرضها بعض الشركات على زبائنها من التدابير الوقائية التي يمكنها مساعدة الشركات على مواجهة قوة المشترين، ويُقصد بهذه التكاليف ما سيتكبَّده المستهلكون من جرَّاء إقدامهم على استخدام منتج معين تقدِّمه شركة أخرى، وقد تكون هذه التكاليف مالية (السعر الإضافي الذي يدفعه المستهلكون للحصول على منتج مختلف) أو فعلية (مثل الوقت أو المتاعب المصاحبة للتحويل إلى منتج مختلف). لنأخذ الهواتف الذكية على سبيل المثال؛ إذا كنت تمتلك جهاز آيفون في الوقت الحالي، فما هي التكاليف التي ستتكبَّدها للتحويل إلى هاتف ذكي آخر غير الذي توفِّره شركة أبل؟ هل ستقتصر على الثمن الذي ستدفعه لشراء الهاتف الجديد فقط؟

إنَّ الهواتف الذكية ليست رخيصة الثمن، ولكن حتى لو قدَّمت الشركات الأخرى الهواتف مجانًا أو بأسعار زهيدة من أجل كسب زبائن جدد، فلن يُقدِم الكثير من الأشخاص على التحويل إليها؛ إذ سيترتَّب على عملية التحويل هذه عدة أمور مثل: عدم توافق الهاتف الجديد مع منتجات شركة أبل الأخرى، والحاجة إلى نقل التطبيقات وإعدادات الهاتف إلى نظام آخر، وفقدان المزايا المفضَّلة التي توفِّرها هواتف الآيفون مثل خدمة iMessage. جميع هذه الأمور كفيلة بالمحافظة على ولاء الزبائن وتشبّثهم بهواتف الآيفون الخاصة بهم.

ترجمة -وبتصرف- للفصل A Firm's Micro Environment: Porter's Five Forces من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...