اذهب إلى المحتوى

البيئة الداخلية للشركة


هيفاء علي

تظهر البيئة الداخلية للشركة باللون البرتقالي في الشكل الذي يبيِّن عناصر بيئة العمل، وتتألَّف هذه البيئة من أعضاء الشركة نفسها والمستثمرين والأصول التي تمتلكها الشركة. الموظفون والمديرون هم من أعضاء الشركة ولديهم المهارات والمعارف التي تُعدُّ من الأصول المهمة للشركة التي يعملون بها. في الواقع، لا يرتبط تقييم البيئة الداخلية للشركة بإحصاء عدد العاملين فيها فحسب؛ فمن المعلوم أنَّ الشركات الناجحة تمتلك العديد من الموارد والإمكانيات التي تستغلّها في المحافظة على نجاحها وفي التوسُّع وإنشاء مشاريع جديدة، لذلك ينبغي على المديرين إجراء تحليل شامل للبيئة الداخلية للشركة لكي يحقِّقوا الاستثمار الأفضل والأمثل للموارد المُتاحة بهدف المُضي قّدمًا في الابتكار وتنفيذ مبادرات جديدة والنجاح في التخطيط للمستقبل.

Firm-Environment-Components.jpg

عناصر بيئة العمل (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

الموارد والإمكانيات

تتضمَّن موارد الشركة وإمكانياتها ما تمتلكه من أصول ومهارات مميزة. تشير الموارد (resources) إلى العناصر التي تمتلكها الشركة وتتعامل معها مثل: المعدّات والمرافق والمواد الخام والموظفين والأموال، في حين تشير الإمكانيات (capabilities) إلى الأمور التي يمكن للشركة أن تؤدِّيها مثل: تقديم خدمات جيِّدة للزبائن أو تطوير منتجات مبتكرة ذات قيمة. تساهم كلٌّ من الموارد والإمكانيات في تحديد خطط الشركة وأنشطتها، ويعدُّ توفُّرهما ضروريًا لكي تتفوَّق الشركات على منافسيها، إذ تستغل الشركات مواردها وإمكانياتها حتى تتمكَّن من تقديم منتجات وخدمات ذات مزايا تنافسية، مثل تقديم منتج ذي جودة أعلى أو مميزات أفضل أو سعر أقل. تجدر الإشارة إلى تفاوت درجة إسهام الموارد والإمكانيات المختلفة في تحقيق النجاح، لذلك يساعد التحليل الداخلي للشركة على تحديد الأصول التي تحقِّق أعلى قيمة لها.

سلسلة القيمة

قبل أن نبيِّن دور الموارد والإمكانيات في نجاح الشركة، سنوضِّح أهمية طريقة استغلال الشركة لهذه العناصر خلال عملياتها، لذلك سنتطرق إلى مفهوم سلسلة القيمة، والذي يشير إلى مجموعة الأنشطة المتتالية التي تؤدِّيها الشركة من أجل توليد منتجات أو خدمات ذات قيمة يرغب المستهلكون في شرائها والحصول عليها. ينبغي على الشركة أن تحرص على إضافة قيمة في كل خطوة من الخطوات التي تتّبعها لتصنيع منتجاتها، والهدف من ذلك هو أن تكون الحصيلة النهائية للقيمة كافية لكي تتمكَّن الشركة من بيع المنتج للزبائن بسعر أعلى من التكاليف التي تتكبَّدها أثناء عملية تصنيعه. على سبيل المثال، يبيِّن الشكل التالي سلسلة قيمة افتراضية لبعض الأنشطة التي تؤدِّيها شركة وول مارت.

Value-Chain-Example.jpg

مثال على سلسلة القيمة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

نلاحظ من هذا المثال أنَّ القيمة تزداد من اليسار إلى اليمين بسبب تزايد عدد الأنشطة التي تؤدِّيها شركة وول مارت. إذا كانت الشركة تستطيع إضافة قيمة كافية من خلال الجهود التي تبذلها، فسوف تتمكَّن من تحقيق الأرباح في نهاية المطاف عندما تبيع المنتجات للزبائن. تقدِّم شركة وول مارت لزبائنها مجموعة متنوعة من المنتجات داخل المتجر الواحد وبأسعار منخفضة، وذلك يعدُّ قيمة بالنسبة للزبائن، وهي تستطيع توليد هذه القيمة من خلال التعاون مع مورِّدي المنتجات (عمليات التوريد في الشكل)، وجلب تلك المنتجات للمتاجر بكفاءة (اللوجستيات الداخلية في الشكل)، ومتابعة المبيعات والمخزون بطريقة آلية (تكنولوجيا المعلومات في الشكل).

نلاحظ من خلال الشكل أنَّ هناك نوعين من الأنشطة وهما: الأنشطة الأولية وأنشطة الدعم. توجد الأنشطة الأولية في النصف السفلي من الشكل، وتشير إلى الإجراءات التي تتخذها الشركة لتقديم منتج أو خدمة للزبائن مباشرة. في المقابل، توجد أنشطة الدعم في الجزء العلوي من الشكل، وتشير إلى مجموعة من الإجراءات التي تعزِّز الأنشطة الأساسية التي تؤدِّيها الشركة ولكنها لا تساهم إسهامًا مباشرًا في توليد المنتج أو الخدمة.

استغلال الموارد والإمكانيات في بناء ميزة تنافسية

موارد الشركة وإمكانياتها ليست مجرد قائمة بالمعدات والأمور التي بإمكان الشركة تأديتها؛ بل هي مجموعة من الأصول والأنشطة التي تميِّز الشركة عن غيرها من الشركات. إنَّ قدرة الشركات على جمع الموارد المهمة وتطوير إمكانيّات التصنيع سيُمكِّنها من التغلُّب على منافسيها في السوق، لذلك يقيِّم الخبراء الاستراتيجيون موارد الشركة وإمكانياتها لتحديد ما إذا كانت على قَدّرٍ كافٍ من التميّز بحيث تكون قادرة على النجاح في ظل سوق يتسِّم بحدة المنافسة.

تحليل VRIO

تحليل VRIO هو الأداة التحليلية المستخدمة في تقييم موارد وإمكانيات الشركات، وقد جاءت تسميته من أوائل حروف الكلمات الإنجليزية التالية: Value (القيمة)، Rarity (الندرة)، Imitation (صعوبة التقليد)، Organization (التنظيم)، وقد وُضع هذا الاسم المختصر لتذكير المديرين بالأسئلة التي ينبغي عليهم طرحها عند تقييم موارد شركاتهم وإمكانياتها. هذه الأسئلة الأربعة موضَّحة في الشكل التالي.

VRIO.jpg

تحليل VIRO الذي يستخدم في تقييم موارد وإمكانيات الشركة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

إذا كانت إجابة كل سؤال من الأسئلة السلبقة هي «نعم»، فإنَّ الموارد أو الإمكانيات التي تمَّ تقييمها يمكن أن تُحقِّق ميزة تنافسية للشركة. سيساعدك المثال التالي على فهم تحليل VRIO على نحو أفضل: تخيَّل أنَّك من كبار المديرين في شركة ستاربكس وترغب في فهم الأسباب التي تمكِّنك من التغلُّب على المنافسين في مجال إعداد القهوة، لذلك وضعت قائمة ببعض موارد شركة ستاربكس وإمكانياتها واستخدمت تحليل VRIO لتحديد أيٍّ من هذه الإمكانيات يُشكِّل العوامل الرئيسية لنجاحك. يبيِّن الجدول التالي عددًا من هذه الموارد والإمكانيات.

الموارد والإمكانيات الخاصة بشركة ستاربكس
الموارد الإمكانيات
العلامة التجارية إعداد مشروبات قهوة عالية الجودة
آلاف الفروع في مختلف أنحاء العالم تقديم خدمة ممتازة للزبائن
السيولة النقدية تدريب طاقم عمل ممتاز
ولاء الزبائن دفع أجور أعلى من المتوسط
الموظفون المدرَّبون تدريبًا جيِّدًا الاحتفاظ بالموظفين المتميِّزين

(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

بعد ذلك، تأمَّلت في القائمة وقرَّرت تقييم بضعة عناصر باستخدام تحليل VIRO، فكانت النتيجة كما هو مبيَّن في الجدول التالي.

نظرية هوفستد للأبعاد الثقافية
الموارد/ الإمكانيات هل تحقِّق قيمة؟ هل هي نادرة؟ هل يصعُب تقليدها؟ هل طريقة تنظيم شركة ستاربكس مناسبة للاستفادة من هذه القيمة؟ هل يمكن أن ينتج عنها قيمة تنافسية؟
العلامة التجارية نعم نعم نعم نعم نعم
تقديم خدمة ممتازة للزبائن نعم نعم نعم نعم نعم
آلاف الفروع في مختلف أنحاء العالم نعم لا لا نعم لا

(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

نلاحظ من التقييم الذي يظهر في الجدول السابق أنَّ شركة ستاربكس تمتلك علامة تجارية مميزة وتقدِّم خدمة ممتازة لزبائنها، وكلا هذين الأمرين يساعدان هذه الشركة على النجاح والتغلُّب على منافسيها. في المقابل، فإنَّ امتلاك الشركة للكثير من الفروع في مختلف أنحاء العالم لا يكفي لوحده للتغلُّب على المنافسين. فمثلًا، تمتلك شركتا ماكدونالدز وصب واي آلاف الفروع المنتشرة على مستوى العالم وتقدِّمان القهوة أيضًا، ولكنَّ شركة ستاربكس تتفوَّق عليهما بسبب علامتها التجارية والخدمة الممتازة التي تقدِّمها للزبائن.

إدارة التغيير

التكنولوجيا والابتكار، السيارات ذاتية القيادة ووسائل النقل المستقبلية

لقد شهد قطاع تشارك ركوب السيارات نموًا كبيرًا على الرغم من أنَّه لا يزال جديدًا إلى حدٍّ ما، وتحاول شركتا أوبر (Uber) وليفت (Lyft) المتنافستان والرائدتان في هذا المجال إيجاد طرق لزيادة قدرتهما على خدمة الركاب. تعمل هاتان الشركتان وغيرهما من الشركات المتنافسة في هذا المجال بنفس الطريقة تقريبًا، إذ يستخدم الشخص الذي يحتاج إلى ركوب سيارة أحد تطبيقات الهواتف الذكية من أجل إعلام شخص آخر يقود سيارة بالقرب منه بمكان وجوده، وعادةً ما يكون السائق شخصًا لديه سيارة ومتعاقدًا مع هذه الشركات لتقديم خدمة توصيل الركاب مقابل الحصول على نصيب من الأجرة التي يدفعها الزبون. يُقلِّ السائق الزبائن وينقلهم إلى وجهتهم، ويتمُّ الدفع مقابل الركوب من خلال التطبيق، ويحصل السائق على 75-80% من الأجرة تقريبًا، بينما تحتفظ شركة أوبر أو شركة ليفت بالنسبة الباقية.

Rideshare-pickup-area.jpg

منطقة تحميل الركاب على متن سيارات تشارك الركوب في مطار مونتريال الدولي. نظرًا لتزايد الطلب على خدمات تشارك الركوب التي تقدِّمها شركات مثل أوبر و ليفت، اضطرت البلديات والمطارات إلى تلبية متطلبات الزبائن المتغيرة. (مصدر الصورة: حساب Quinn Dombroski/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC BY-NC 2.0)

لقد زاد انتشار خدمات تشارك ركوب السيارات، وتوظَّف شركتي أوبر وليفت باستمرار المزيد من السائقين. على الرغم من ذلك، فقد حاولت الشركتان استكشاف بدائل يمكن أن تحل محل السائقين المستقلين وهي: السيارات ذاتية القيادة. سلكت كلٌّ من شركتي أوبر وليفت مسارات مختلفة لتطوير هذه الإمكانية، إذ عملت شركة أوبر على تطوير برامج وتقنيات للسيارات ذاتية القيادة داخل مركز الأبحاث الخاص بها، بينما ركزَّت شركة ليفت على الواجهات البرمجية التي يمكنها أن تتوافق مع السيارات ذاتية القيادة التي تطوِّرها الشركات الأخرى.

لقد تفوَّقت شركة ليفت على شركة أوبر في هذا المجال لأنَّ لديها شراكات مع بعض الشركات الرائدة، مثل شركة جوجل وشركة GM التي قد بدأت العمل على تطوير سيارات ذاتية القيادة، واستطاعت شركة ليفت أيضًا اختبار سيارات ذاتية القيادة في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق عقد شراكة مع شركة NuTonomy في عام 2017. قدَّمت شركة ليفت عرضًا لمجموعة من الصحفيين في معرض (Consumer Electronics) في مدينة لاس فيغاس الأمريكية في عام 2018، وأتاحت لزوار المعرض ركوب السيارات ذاتية القيادة التي طورَّتها شركة Aptiv. في المقابل، أجرت شركة أوبر اختبارات على تقنية مماثلة في مدينة بيتسبيرج التي تقع في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ولكنَّها أوقفت برنامج السيارات ذاتية القيادة الخاص بها بعد وقوع حادث أدَّى إلى مقتل امرأة كانت تحاول عبور الشارع في ولاية أريزونا الأمريكية.

ترجمة -وبتصرف- للفصل The Internal Environment من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...