اذهب إلى المحتوى

تحدّثتُ مُؤخّرًا مع بعض مؤسسيّ الشركات الناشئة ممن لا يزالون في المراحل المبكّرة في أعمار شركاتهم النّاشئة؛ وكان حديثي معهم حول التسعير، الأمر الذي يعتبره الكثيرون عقبةً كبيرة (ولذلك ما يبرّره في الحقيقة)، فهناك قرارات كثيرة يتوجّب عليهم اتخاذها: متى تبدأ بمطالبة المُستخدمين بالدّفع؟ كم يجب أن تطلب؟ هل لديك اشتراكات مجّانية؟ هل لديك مدّة تجريبية للمنتج؟ كم عدد الخطط والمستويات التي تقدّمها؟

early-product-pricing.thumb.jpg.77a359c1

وقد تواجه صعوبة أخرى في تخيّل أن هناك من سيدفع لقاءَ شيء ما بنيته -كما كان الحال بالنسبة لي-، بالإضافة إلى كل ما ذكرنا، يُعتبر التسعير أمرًا مفصليّا نهائيًّا، لذا من الممكن أن نستصعب المخاطرة بقفزة كهذه، واتخاذ قرار بتحديد سعر.

سأشارككم في هذا المقال بعضًا من أفكاري حول التسعير بناءً على تجربتي على Buffer؛ وعلى أحاديثي مع بعض مؤسسي شركات ناشئة ناجحة تلتزم بخطط تسعير.

لماذا يجدر بكَ أن تُسعّر منتجك باكرًا؟

واحدة من الأمور المهمّة في هذا الصدد، أنه في حين يُمكن اعتبار التسعير كعقبةٍ كبيرة في مسار الشّركة النّاشئة، في الواقع أعتقد أنه يمكن أن يكون أيضًا واحدًا من أكثر ما يعطيها القوّة، البدء بطرح سعر لقاء منتجك هو قفزة نحو الأفضل؛ لهذه الأسباب:

"الزّبائن الذين يدفعون" هو أحد أفضل أشكال التحقّق من رغبتهم بالمنتج

الهدف النهائي من أية شركة ناشئة هو كسب المال، فلم التأخير؟ بغض النظر عن استخدامنا لمقاييس أخرى للتأكّد من رغبة الزبائن بالمنتج والنتيجة التي حصلنا عليها من هذه المقاييس؛ فإنّ تحقيق إيرادات هو إشارة واضحة جدّا على الرغبة بمنتجك، عندما ترى الأموال تتدفق إلى حسابك المصرفيّ فهو سببٌ أكثر من كافٍ للاحتفال.

دفع الزبائن دافع محرّك لك أكثر من أي شيء آخر

أذكر تمامًا أن الحفاظ على الحماسة في العمل كان أحد الأمور التي ناضلت لأجلها في العامين الأوليين من محاولاتي لبناء شركة ناشئة، من العسير عليك أن تستمر بالعمل مع شعورك أن شيئًا لا يتغيّر، أو أن الناس لا يلاحظون عملك، حتى لو سجّل بعضهم بخدمتك فمن الصعب أن تبقى مُلهَمًا دائمًا. بينما كنتُ أعملُ" على الجانب" حصلتُ على أولى الاشتراكات من مشروع Buffer؛ وكان ذلك محفّزًا كبيرًا لي، إذ أصبح من السهل أن أبقي على تركيزي في العمل مع قدرتي على تخيّل الإيرادات الشهرية المتزايدة؛ لدرجة تسمح بترك أعمالي الأخرى.

الإيرادات تعطيك الحريّة

أحد أفضل القرارات التي اتخذتُها في حياتي كان توفير اشتراك مدفوع في Buffer منذ اليوم الأول. كمؤسسّ للمرة الأولى؛ شعرتُ أنه من الصعب أن تحصّل على تمويل لفكرة فحسب، لذا فضّلت التركيز بشكل أكبر على بناء شعبية للمنتج، وبعد الوصول إلى ربحيّة الكفاف Ramen Profitability؛ لم يُصبح بإمكاننا الحصول على تمويل فحسب؛ وإنما حصلتُ على فرصتي بالسفر حول العالم.

لماذا يجب أن لا يكون التسعير مهمّةً صعبة؟

هناك العديد من الأسئلة حول التسعير، ومن السهل الاعتقاد أنها جميعًا بحاجة لإجابات دقيقة، بالإضافة إلى ذلك؛ غالبًا ما نخطئ بالتفكير أن تحديدنا لسعر ما يعني عدم إمكانية تعديله لاحقًا، إذ سيسبّب هذا خللا في تعاملنا مع العملاء الحاليين.

لا حاجة لأن تكون مثاليًا

نتيجةً لاتّخاذي قرارَ تسعير الخدمة منذ اليوم الأول، إضافة إلى قرار إطلاق أصغر شكل ممكن من المنتج الفعّال القاعدي MVP، كانت النسخة الأولى من Buffer مليئة بالخصائص غير المكتملة؛ وكان مُجمل ما يُمكن تنفيذه محدودًا نسبيّا؛ وكانت هناك الكثير من العِلل؛ وكانت ثمة مزايا مدفوعة الثمن لم نبدأ ببنائها بعد؛ أما الترقية من مستوى خدمة لآخر فلم تكن أوتوماتيكيّة؛ إذ يرسل الزبائن اشتراكاتهم باستخدام PayPal، و كنت أنقل البيانات من البريد الإلكتروني إلى قاعدة بيانات Buffer لأقوم بالتّرقية يدويًّا.

لا شيء من هذا مهمّ فعليّا؛ إذ على الرغم من كل العلل والمزايا المفقودة، حصلتُ على أول زبائني الدّافعين بعد ثلاثة أيام من الانطلاقة، ومن المهمّ أن تتذكّر مدى اختلاف نوعية المستخدمين الأوائل عن باقي المُستخدمين؛ إذ لا يكونون متسامحين معكَ فحسب؛ بل يستمتعون بكونهم جزءًا من المراحل المبكّرة للمشروع؛ حيث يندر أن يكون المشروع خاليًا من العلل والأخطاء.

لن يكون تسعيرك مُناسبًا منذ المرّة الأولى

"من المستبعد أن تستطيع تحديد سعر مُناسب من المرة الأولى التي تحاول فيها ذلك؛ بغض النظر عن كمّ الدراسات والأبحاث التي اطّلعت عليها حول الموضوع"

Dharmesh Shah

أحد أفضل المفاهيم التي صادفتني في رحلتي في عالم الشركات الناشئة؛ هو أن المفتاح الأساسيّ لأيّ مؤسس هو ألّا يُحاول أن يكون مثاليًّا في كل قرار يتّخذه؛ المهمّ أن يحسم قرارته بسرعة:

"روّاد الأعمال يعلمون أن عليهم التّحرّك واتخاذ القرارات يوميًا على الرغم من عدم توفّر مُعطيات كافية، ويعلمون أنه في أفضل الأحوال ستكون 70% من قراراتهم خاطئة، لكنهم سيجدون السبل المناسبة لتصحيح الوضع".

Mark Suster

من غير الممكن أن تعرف كيف سيتفاعل المستخدمون مع فكرتك إلّا عقبَ إطلاقها، لذا دعنا نمضي وقتًا أقل في التخطيط ووقتًا أكبر في البناء، ونراقب ما الذي سيحصل؟

من السهل تعديل السعر

أذكر أنني اعتدت التفكير بطريقة "من المستحيل تغيير السعر، فما الذي سيحصل مع زبائني الحاليين؟ ألن يسيء هذا لهم؟" بعدها واجهنا هذا التحدّي في Buffer عندما شعرنا أننا بحاجة لتغيير السعر؛ بالفعل عدّلنا السعر، والمفاجأة أنّ شيئًا لم يتغيّر، في الحقيقة كان الأمر مدهشًا جدّا، إذ اتّبعنا هذه القاعدة:

"لدينا قاعدة مهمّة في HubSpot نعتمد عليها منذ خمس سنوات؛ فقد غيّرنا الأسعار، زدناها بشكل منتظم ونسبيّ مرتين أو عدة مرات سنويّا وعلى مدى خمسة أعوام، ونحن مستمرّون بالقيام بهذه الخطوة التي تعود علينا بالنفع، لكنّ السر في هذا أننا لا نُسيء إلى العملاء الحاليين" .

Dharmesh Shah

النقطة الأهم في ما قاله Dharmesh هي "لا نُسيء إلى العملاء الحاليين"، إذا احترمت هذه القاعدة واتّبعتها؛ سيكون تعديل الأسعار سهلًا، الأمر الذي يعني أنك تفعل ما هو أفضل للعميل عبر رفعك سعر الخدمة؛ واستمرارك باتفاقك مع العملاء الحاليين بالسعر الأصليّ، بل حتى وإتاحتك الاشتراك بالسعر السابق لأي شخص سجّل في خدمتك قبل تاريخ تعديل السعر.

غالبًا ما ستصبح الأسعار التي بدأت بها غير مناسبة بعد مدّة

النقطة المهمّة التي توصّلنا لها أن السعر يجب أن يتغيّر عند نقطة محدّدة، وهو أمر محتوم لسبب واضح: إذا كنت تعملُ يوميّا وبجدّ على تحسين منتجك وتطويره، ما لم يستحقّ منتجك سعرًا أفضل بعد ثلاثة إلى ستة أشهر من العمل على هذا المنوال، فهذا يعني أن شيئا ما لا يسير كما ينبغي بالتأكيد.

بالإضافة إلى ذلك، قد تتغيرّ أهدافك بمرور الوقت، كحالنا في Buffer، فعندما بدأنا كانت الإيرادات هي الأولوية القصوى؛ إذ كنا نحتاج المال لتأمين معيشتنا وطعامنا، اليوم؛ نحن محظوظون للغاية بأن مشروعنا يسير بخطى ثابتة، وأننا نحصّل إيرادات شهرية تفوق مصاريفنا؛ بالإضافة إلى التمويل الذي نحصل عليه، لذا فإن تركيزنا الكامل اليوم بنسبة 100% هو على النمو والحصول على المزيد من المستخدمين مع الحفاظ على معدّل التحويل ذاته؛ وهو أمر أفضل من زيادة الإيرادات التي نحصل عليها والبقاء على نفس عدد المستخدمين. وبناءً على هذه النظرة والأهداف؛ بسّطنا أسعارنا ولدينا الآن خطّة تسعير واحدة. في حقيقة الأمر طلبات ترقية الخدمة تضاعفت بشكل كبير بين ليلة وضحاها.

كل منتج يغيّر سعره عدة مرات

من المُلفت للانتباه أنني كلما تحدّثت مع المزيد من مؤسسي الشركات الناشئة الراسخة حاليّا؛ كلما ازداد يقيني بأنهم جميعًا غيّروا أسعار منتجاتهم عدّة مرات، الأسباب غالبًا ما تكون واحدة أو أكثر مما ذكرت آنفًا، وجميعها سارت أعمالهم بشكل جيّد بعد تعديل السعر، أشار Dharmesh أن شركته غيّرت السعر مرتين سنويّا على مدار خمسة أعوام، إذا كان الحال كهذا، فبالتأكيد لا يجدر بنا أن نخاف إزاء اختيار السعر الصحيح من المرة الأولى؟

تحرّر من الصورة النمطية عن "التسعير" وقم بتسعير مُنتجك

بناء على كل ما سبق، أعتقد بأنه يُمكن أن نخرج بخلاصة أن قرار التسعير هو قرار مرحليّ ومؤقّت، وأن أفضل ما يمكن القيام به هو البدء بالتسعير وإعطاء نفسك فرصة لجني نتائج مذهلة على طول الطريق:

"امض قدمًا وتصرّف كما لو كانت قراراتك مؤقّتة، لأنها بالفعل كذلك، كن جريئا، أخطئ، تعلّم درسًا وأصلح ما لا يعمل بشكل صحيح، لا حاجة للخوف، لا حاجة للهلع".

Seth Godin

هل بدأت بتسعير منتجك؟ أو هل تفكر بكيفية تسعير منتجك؟ شاركنا تجربتك في التّعليقات.

ترجمة -وبتصرف- للمقال: Pricing your product: it doesn't have to be so complicated لكاتبه Joel Gascoigne.


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...