"لا يمكن للبيانات مهما كانت كبيرة أن تضمن اتّخاذ القرارات الصائبة، بدون السياق الصحيح لا تعني البيانات شيئًا."
تنطبق هذه العبارة على العديد من المقاييس في الشركة الناشئة، وتنطبق كذلك على سلوكيات الموظفين فيها، وعلى وجه الخصوص فريق الدعم الفني خاصّة إن كان مقياس النجاح بالنسبة إليه هو الوصول إلى أرقام مُعيّنة فقط (كعدد الرسائل التي تمت الإجابة عليها مثلا).
وهذه هي المشكلة الأساسية في تقديرات رضا العملاء وتلعيب سلوكيات الموظفين Gamification of emplyee behavior بشكل عام، حيث يصبح الهدف هو الحصول على تقرير سعادة أفضل بدلًا من إرضاء العملاء، وتصبح الغاية الوصول إلى تقديرات مرتفعة بدلًا من الهدف الحقيقي لخدمة العملاء ألا وهو إرضاء العملاء وإسعادهم.
نعرف جميعًا أن عدد التذاكر المغلقة، ومعدل زمن الاستجابة، والعدد الكلي لرسائل البريد الإلكتروني التي تم الردّ عليها، لا تعني بالضرورة دعمًا فنّيًا ممتازًا للعملاء.
غالبًا ما يتناسى البعض أن مقاييس رضا العملاء تعاني من القدرة على التحسين، وليس ذلك من ناحية العميل بل من ناحية الموظّف، فعلى سبيل المثال، قد يحصل الموظف على تقييم إيجابي عندما يقوم بحلّ مشكلة بسيطة لأحد العملاء، وهذا التقييم الإيجابي هو نفسه الذي سيحصل عليه موظّف آخر يقوم بحل مشكلة كبيرة يستغرق حلّها أكثر من 45 دقيقة.
والأسوأ من ذلك، فإن الموظّف الثاني قد يحصل على تقييم سيّء بعد أن بذل جهدًا كبيرًا في حل المشكلة، وليس العيب في أداء ذلك الموظّف، بل قد تكون المشكلة كبيرة إلى درجة تؤدي إلى شعور العميل بخيبة الأمل.
يدرك موظفّو الدعم الفني المتمرّسين هذه الحقيقة. يقول Jack Welch:
اقتباس"في نهاية المطاف، ستحصل على السّلوك الذي تُكافئ عليه."
ولكن إن كان تقييم العملاء غير متناسب مع ما يقدّمه موظف دعم العملاء من جُهد، فلماذا لا يبحث إذًا عن الأعمال السهلة؟
سيبدأ فريق الدعم الفني بالتوجّه إلى حل المشاكل السهلة بشكل تدريجي وذلك للحصول على مكسب سهل.
ما الذي تعجز الأرقام عن إخبارنا به
يدرك Dave Cole باعتباره أحد أعضاء الدّعم الفنّي في Wistia، كيف أنّ مقاييس رضا العملاء قد تتهاوى عند استخدامها بالشكل الخاطئ.
ويناقش Dave كيف أن نظام التقييم المستند على معايير خاطئة سيؤدي إلى حثّ الموظفين على سلوكيات سيّئة:
اقتباس"ما أعارضه في مسألة تقييم أعضاء فريق الدعم الفني على أساس إحصائيات رضا العملاء فقط، هو أنّ هذا التقييم سيؤدي إلى تحفيز أعضاء الفريق على محاولة الحصول على أرقام مرتفعة بصورة غير صحيحة.
فموظّف الدعم الفني الذي يكون هدفه الوحيد هو الحصول على أكبر عدد ممكن من العملاء السعداء، قد يجيب فقط على رسائل البريد الإلكتروني التي يرى أن المشكلة التي تُطرح فيها سهلة الحلّ، وسيتجاوز العملاء الذين يطرحون أسئلة صعبة، أو يطلبون ميزة لا يمكن توفيرها على الإطلاق، أو الذين يمرّون بمشاكل كبيرة جدًّا.
يمكن أن نشبه هذا بتقييم رجال الشرطة على أساس عدد الاعتقالات التي يقومون بها، حيث سيبدؤون باختراع طرق مختلفة لاعتقال أكبر عدد من الأشخاص، وهذا لن يجعل المجتمع أكثر أمنًا على الإطلاق.
إن تشجيع موظّفي الدعم الفني على الحصول على تقديرات جيّدة من العملاء لا يعني بالضرورة أن يكون العملاء كلهم سعداء."
إن المشكلة في التقييمات هي أنّها لا تشجّع موظّفي الدعم الفني على مواجهة المشاكل الكبيرة. لو عدنا إلى المثال الذي سقناه قبل قليل عن رجال الشرطة، فإنّ اعتقال شخص قد ارتكب مخالفة بسيطة ليس مماثلًا لاعتقال زعيم عصابة.
إن صعوبة التعامل مع المشاكل الكبيرة تكمن في وجود عملاء يشعرون بالسوء الشديد، وإيجاد الحلول المناسبة لمثل هذه المشاكل قد يأخذ الكثير من الوقت والجهد، ومن المحتمل أن تحصل في نهاية الأمر على تقييم متدنٍّ من طرف العميل.
ويضيف Dave أنّه يجب أن يتذكّر أصحاب الشركات الناشئة بأنّ الإحصائيات ليست سوى نقطة للانطلاق:
اقتباس"لقد أذهلني الأسلوب الذي يتبعه أعضاء فريق Slack في تفسير الأرقام في إحصائيات مدير الفريق. فبعد عرض المعلومات حول نشاطات أعضاء الفريق في Slack، تقدّم الإدارة الرسالة التالية:
اقتباس"ملاحظة حول إحصائيات الفريق: نقدّم إليكم بعض الحقائق حول طريقة استخدام الفريق لـ Slack. نحن نحاول بحذر تجنّب اتخاذ أي حكم تجاه أيٍّ من هذه الأعداد.
على سبيل المثال، قد لا يستخدم أحد الأشخاص Slack لعدة ساعات لأنّه يحاول التهرّب من العمل، ولكن قد يكون شخص آخر مشغولًا عن Slack لأنّه منهمك جدًّا في العمل على ما هو مطلوب منه.
ولا توجد طريقة للتمييز بين الحالتين، لذا ننصح كل من يطّلع على هذه الإحصائيات أن يتوخّى الحذر وأن لا يتّخذ أي قرارات متسرّعة".
أعتقد أنّه يمكن تطبيق هذا على تقارير رضا العملاء في Help Scout، فقد يحصل عضو الفريق على تقييم متدنٍّ لأنّه لا يؤدي عمله بالشكل المطلوب، أو لأنه يمتلك رغبة أكبر في الاستجابة للحالات الصعبة وللعملاء الغاضبين.
لا يمكن أن تقدم الأرقام الصورة الكاملة، وهناك احتمال كبير في إساءة تقدير المساهمات التي يقدّمها أحد أعضاء الفريق إن تمّ الاعتماد على الأرقام بشكل كامل."
في العبارة الأخيرة يكمن بيت القصيد.
"قد تعطي الأرقام صورة مغلوطة عن المساهمات الكلية لأعضاء الفريق عندما يتم التعامل مع هذه الأرقام خارج سياقها."
يمكن لموظّفي الدعم الفني المتميّزين أن يتعاملوا بنجاح مع عميل صعب أو معالجة مشكلة في تذكرة ذات 800 كلمة، ولكن قد يتجاوزهم أعضاء آخرون (الذين يعرفون كيفية التّلاعب بالأرقام) إن انخفض تقييم رضا العملاء لديهم بسبب رغبتهم في العمل على حل المشكلات الصعبة.
إيجاد الحل الوسط
كما ذكر Dave فإن هناك مقاييس للإنتاجية ورضا العملاء موجودة بشكل مباشر في Help Scout ويمكن لأي فريق الوصول إليها. ولكن بالنظر إلى ما أوردناه في هذا المقال، فقد تتساءل عن سبب وجود هذه المقاييس أصلًا.
هذه المقاييس موجودة لأنّها تساعد على تشخيص المشاكل المحتملة من خلال التفسير والتحليل الدقيقين، ويوضّح لنا Dave كيفية استخدام هذه المقاييس بالشكل الصحيح، وذلك للحصول على نظرة عامة وشاملة عن أداء الفريق:
اقتباس"أنا أدعم فكرة تقييم رضا العملاء، ولكنّي أعتقد أن هذا التقييم ليس سوى مجموعة من البيانات الأولية، والتي تحتاج إلى التفسير والتحليل بالشكل المناسب.
نحن لا نستخدم تقييم رضا العملاء في Wistia لتمييز الموظّف الجيد عن السيّئ، بل لنستفيد من التقييمات السلبية لتجارب العملاء في تطوير أدائنا في دعم العملاء ومساندتهم."
إن حصل أحد الموظفين على تقييم منخفض، فهذا يعني أن هناك خطبًا ما، ولكن هذه المعلومات تساعد في بدء عملية التحرّي والاستقصاء فقط، ولا تعني بالضرورة أن هذا الموظّف متكاسل في عمله، فقد يكون السبب وجود مشكلة تحتاج إلى حلّ.
ربما يكون عمل هذا الموظّف مقتصرًا على معالجة المشاكل المعقّدة والصعبة، وفي هذه الحالة يمكن لمحادثة فرديّة بسيطة أن تحدّد أسباب المشكلة وما يمكن القيام به لمعالجتها.
ما السبب الذي يدعو العملاء إلى ترك ردود الأفعال السلبية؟ هل هناك مشكلة في التعامل مع العملاء، أم في المنتج، أم في شيء آخر؟
بهذه الطريقة، يمكن للمقاييس أن تساعد في تنبيهنا إلى المشاكل الطارئة وبشكل سريع، أي أنّها تساعد في تشخيص المشكلة، ولكن ليس بمقدورها تحديد الخطوة التالية.
عندما لا تصبح المقاييس أساسًا لتقييم الأداء، يمكن لأعضاء الفريق أن يتّخذوا القرارات الصائبة. حيث سيعلمون بأن الهدف هو حل المُشكل الحقيقي الذي يُعاني منه العميل وليس إيجاد طريقة للارتقاء في ترتيب أفضل موظّفي الدّعم الفنّي.
ويذكرني هذا بكلمة ألقيت في Stanford بحضور مجموعة من رواد الأعمال الذي كانوا يناقشون استراتيجية الإنتاج، وأقتبس من الكلمة هذه العبارة:
اقتباس"في كل مرة أرى فيها شخصًا يعمل مديرًا أو مسوقًا لمنتج ما ويبدي قلقه حيال المنتج بدلًا من العميل، فإني أعتقد بأنّه يتّجه نحو الفشل".
وأنا أضيف: "في كل مرة أرى فيها قسم دعم فني يقلق بشأن الإحصائيات بدلًا من أن يقلق بشأن العميل، فأعتقد بأنّه يتّجه نحو الفشل".
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Customer Support is More Than High Scores لصاحبه Gregory Ciotti.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.