كانت الحوسبة السحابيَّة إحدى التقنيات التي ظهرت في أواخر العقد الحالي وأخذت بالانتشار بسرعةٍ كبيرةٍ على المستوى العالمي بعد أن اقتصر استخدامها على مجالاتٍ وتقنياتٍ محدودةٍ؛ وفي المقابل، فإنَّ الحوسبة السحابيَّة باتت محطَّ جدلٍ ونقاشٍ واسعٍ بين الكثيرين، خصوصًا السحابة الهجينة (hybrid cloud) التي تجمع بين عدَّة أنواع من الحوسبة السحابيَّة، قد تنتهي بالحيرة أو عدم الثقة بهذه التقنيَّة. تجيب هذه المقالة على عددٍ من تلك الأسئلة الشائعة حول السحابة الهجينة لتزيل بعضًا من الغموض والالتباس.
ما هي السحابة الهجينة؟
السحابة الهجينة هي أحد أنواع الحوسبة السحابيَّة وهي مزيجٌ من البنية التحتيَّة المتواجدة في موقع العمل (on-premise infrastructure)، والسحابة الخاصَّة (private cloud)، والسحابة العامَّة (public cloud). تجمع السحابة الهجينة الخدمات والمزايا التي يمكن أن تقدمها خدمات السحابة العامة والخاصة وتُنسِّق بينها رغم أنَّ كلَّ نوعٍ منهما له كيانه المنفصل والمختلف عن الآخر؛ يعتمد اختيار الخدمات السحابيَّة العامَّة والخاصَّة على عوامل عدَّة منها الأمن، والتكلفة، والمرونة.
توفِّر السحابة الهجينة مزايا متطورة مثل التوسع الرأسي والتوسع الأفقي والتي تسمح بتوسعة البنية التحتية للتطبيق عند الحاجة مما يجعل السحابة الهجينة خيارًا رائجًا للخدمات متغيرة المتطلبات؛ التوسع الرأسي هو إمكانيَّة زيادة موارد الحوسبة (الذاكرة والمعالج) لنُسخ (instance) محدَّدة من أنظمة التشغيل، بينما التوسع العرضي هو تزويد نُسخ متعدِّدة بإعداداتٍ متشابهة ونشرها على عقدة (cluter).
تُشكِّل البرمجيات مفتوحة المصدر الجزء الرئيسي من الحلول التي تستخدم السحابة الهجينة، مثل تطبيق «OpenStack» الذي صدر أوّل مرة في تشرين الأول من عام 2010 والذي ذاع صيته عالميًا؛ بعضٌ من الأدوات المُضمَّنة فيه توفِّر الخدمات الرئيسيَّة والأساسيَّة للحوسبة السحابيَّة مثل توفير خدمات الحوسبة والشبكات والتخزين وخدمات الاستيثاق (المكوِّن identity)؛ وبذلك تستطيع باستخدام هذا التطبيق إنشاء وإدارة ونشر سحابة هجينة مميزة وذات كفاءة عالية.
مكونات السحابة الهجينة
تتألف السحابة الهجينة من سحابة خاصَّة، وسحابة عامَّة، وشبكة داخلية تكون جميعها مُتصلة ومُدارة باستخدام أدوات النشر المؤتمتة(orchestration) وأدوات أتمتة المهام الأخرى وإدارة النظام (system management).
مكونات السحابة العامَّة
تتكون البنية التحتيَّة للسحابة العامة من:
- البينة التحتيَّة كخدمة (Infrastructure as a Service) اختصارًا (IaaS): هي توفير مصادر الحوسبة مثل التخزين، والشبكات، والجدر النارية، وخدمات منع التطفل (IPS) وغيرها من الموارد؛ تُدار هذه الخدمات عبر واجهة المستخدم الرسومية (GUI) أو واجهة سطر الأوامر (CLI). يستفيد المستخدمون من هذه الخدمات بالدفع حسب استخدامهم وبذلك يوفرون شراء ودفع كامل تكاليف إنشاء وإعداد بنية تحتيَّة مخصَّصة بهم.
- منصة عمل كخدمة (Platform as a Service) اختصارًا (PaaS): تسمح هذه الخدمة للمستخدمين بتشغيل التطبيقات والخوادم وفحصها وتطويرها وهذا يتضمن أنظمة التشغيل والتطبيقات الوسيطة (middleware) وخواديم الويب وقواعد البيانات وغيرها. تُعرَّف هذه الخدمات على شكل نماذج مُعدَّة مسبقًا وجاهزة للعمل والاستخدام من قبل المستخدمين وقابلة للنسخ والتكرار بسهولة ويسر بدلًا من ضبطها وتهيئتها للعمل على البنية التحتيَّة يدويًا.
- البرمجيات كخدمة (Software as a Service) اختصارًا (SaaS): وهي خدمةٌ تتيح توفير تطبيقات عبر الإنترنت التي يمكن أن يستفيد منها المستخدمون عبر دفع رسوم اشتراك أو إنشاء حساب يتضمن مستويات متعدِّدة يدفع عبره المستخدمون بقدر حاجتهم، أو تحت رخصة ما. المزايا التي توفِّرها البرمجيات كخدمة كثيرة منها الكلفة المنخفضة، تقليل عمليات صيانة وتحديث التطبيقات، عدم الحاجة لشراء عتاد أو تطبيقات جديدة أو ترقيته لاستمرار الدعم في ظل التطور التقني المتسارع.
مكونات السحابة الخاصَّة
تتكون بنيتها التحتيَّة من:
- بنية تحتيَّة كخدمة (IaaS) ومنصة عمل كخدمة (PaaS) خاصَّة: يتواجد هذان المكونان ضمن مراكز بيانات (data centers) منعزلة كما يدمجان مع سحابة عامَّة مما يتيح لهما استخدام البنية التحتية التي توفرها مراكز البيانات البعيدة؛ ويمكِّن ذلك أيضًا مالك السحابة الخاصَّة الاستفادة من البنية التحتيَّة للسحابة العامة لتوسيع التطبيقات واستخدام مواردها وشبكاتها ومساحات تخزينها ...إلخ. على نطاق عالمي.
- البرمجيات كخدمة (SaaS): يديرها ويتحكم بها مزودو السحابة العامة بشكل كامل؛ تبقى هذه الخدمة محصورة غالبًا ضمن السحابة العامة ولا تتشاركها مع السحابة الخاصة.
أدوات النشر المؤتمتة وأدوات أتمتة المهام الأخرى
تفيد هذه الأدوات في التخطيط والتنسيق بين نسخ السحابة العامَّة والخاصَّة؛ يجب أن تمتلك هذه الأدوات القدرة على تبسيط وتنظيم عمليات المعالجة وأتمتة المهام المتكررة. تكون مسؤوليَّة أداة الأتمتة المدمجة هي التوسع الرأسي والتوسع الأفقي تلقائيًّا عندما يصل استهلاك الموارد والخدمات إلى حدٍ معيّن، بالإضافة إلى محاولة الإصلاح الذاتي عند حدوث أي عطل مهما كان ضئيلًا أو عند التوقف عن العمل.
أدوات إدارة النظام والإعدادات
مهمة هذه الأدوات في السحابة الهجينة هي إدارة كاملة لدورات حياة (lifecycles) الأجهزة الافتراضيَّة الموجودة في مراكز بيانات السحابة العامَّة والخاصَّة مثل الأداة «Foreman»؛ تؤمِّن هذه الأدوات لمدراء الأنظمة القدرة على التحكم بالمستخدمين وأدوارهم، والنشر، والترقية، وبنسخ الأنظمة التي تعمل على السحابة ...إلخ. بالإضافة إلى تطبيق الترقيعات (patches)، وإصلاح الأخطاء، وإجراء التحسينات دوريًا. إن وجود الأداة «Puppet» ضمن «Foreman» يعطي مدراء الأنظمة القدرة على إدارة الإعدادات وتعريف كامل الوضع النهائي لجميع المضيفين المضبوطين لاستخدام هذه الخدمة.
مزايا السحابة الهجينة
تشكِّل السحابة الهجينة خيارًا ممتازًا لأغلبية المنظمات لما تحمله من مزايا رئيسية ومنها:
- قابلية التوسع: تتشارك نسخ السحابة العامَّة والسحابة الخاصَّة المدمجة في السحابة الهجينة مجموعةٌ من موارد الحوسبة لكل جهاز افتراضي موجود، أي أنَّ كلَّ نسخة (instance) قادرة على التوسع رأسيًا أو أفقيًا في أي وقت عند الحاجة لذلك.
- سرعة في الاستجابة: تكمن مرونة السحابة الهجينة في دعمها سرعة استجابة كبيرة للأجهزة الافتراضيَّة في السحابة العامَّة عندما تتجاوز موارد السحابة الخاصَّة حدَّها المسموح، ولهذه الخاصيَّة فائدة كبيرة عندما يصل الطلب على تطبيق ما إلى أعلى مستوياته مما يؤدي إلى ازدياد الحمل عليه بدرجات متفاوتة؛ من الأمثلة على ذلك زيادة الطلب على المتاجر الإلكترونيَّة للتسوق خلال مواسم العطل.
- الوثوقيَّة: يمكن للمنظَّمات اختيار مزوِّد السحابة العامَّة بما يناسب احتياجاتهم اعتمادًا على السعر، والكفاءة، والأمان، وسرعة نقل البيانات ...إلخ؛ أضف إلى ذلك أنَّ بإمكان المنظَّمات في السحابة الهجينة اختيار مكان تخزين البيانات الحسَّاسة إما ضمن نسخ السحابة الخاصَّة وإما عبر توسعة البنية التحتيَّة العامَّة الخاصة بها؛ يمكن أيضًا تخزين البيانات والخدمات بتوزيعها على مواقع متعدِّدة (كنسخٍ احتياطيَّةٍ) وذلك للتأكد من توافرها دومًا والقدرة على استعادتها عند حدوث كارثة ما.
- الإدارة: إنَّ إدارة الشبكات والتخزين والأجهزة الافتراضيَّة والبيانات قد يكون مضجرًا في بيئات السحابة غير المدمجة. أدوات النشر المؤتمتة التقليدية بسيطةٌ جدًا، بالموازنة مع الأدوات في السحابة الهجينة، وبالتالي فهي محدودة القدرة على اتخاذ القرار وأتمتة كامل المهام والعمليات؛ تطبيقات الإدارة الفعَّالة في السحابة الهجينة تستطيع أن تتتبع المكونات والمهام كلها وتحسينها بانتظام مهما زاد حجمها وعددها وهذا قد يقلل من التكاليف السنويَّة.
- الأمن: يعتبر الأمن والخصوصيَّة من أهمِّ الأمور الحرجة التي تشغل بال الجميع عند اختيار موقع تخزين البيانات والتطبيقات في السحابة. يجب على قسم تكنولوجيا المعلومات (IT) التحقق دومًا من مطابقة الشروط المطلوبة وسياسات النشر. يمكن في السحابة الهجينة تخزين البيانات المهمَّة في سحابة خاصَّة بينما تخزن البيانات الاعتياديَّة أو الأقل أهمية في السحابة العامَّة ويجدر بالذكر أنَّ الأمان فيها آخذٌ في التحسن والتطور بشكل دائم.
- السعر: يعتمد السعر في السحابة عادةً على حجم البنية التحتيَّة والخدمات المطلوبة؛ يستطيع المستخدمون في السحابة الهجينة الموازنة بين الكلفة المدفوعة والموارد الحاسوبيَّة (المعالج والذاكرة) والسعة التخزينيَّة وسرعة نقل البيانات والشبكات وعنوان IP العام ...إلخ. بما يحتاجون له. تُدفع الكلفة شهريًا أو سنويًا أو ساعيًّا ويمكن أن تحسب بالثانية وقد تكون قيمة ثابتة أو متغيرة (السعر حسب الاستخدام) وهكذا يمكن للمستخدمين اختيار مزود السحاب الذي يقدم أفضل سعر.
ما هو موقع السحابة الهجينة هذه الأيام من بين الأنواع الأخرى
هنالك طلب واسع ومتزايد على السحابة العامَّة كما أنَّ شركات كثيرة بدأت بنقل أنظمتها ومواردها إليها؛ مع ذلك، إنهم ما زالوا قلقين جدًا من فقدان السيطرة على بياناتهم وتطبيقاتهم أو من عمليات الاختراق والسرقة التي تتعرض لها البنية التحتيَّة العامَّة؛ يكمن الحل هنا في اللجوء إلى السحابة الهجينة التي تقلل من خطر حدوث مثل تلك المشكلات.
أين سيكون موقع السحابة الهجينة بعد خمس سنوات من الآن؟
أتوقع أن تنتشر السحابة على المستوى العالمي في غضون بضع سنواتٍ، وستندر الحالات التي لا يعتمد فيها على خدمات السحاب؛ سأورد بعض النقاط التي أظن أننا سنراها مستقبلًا وهي:
- سيكون هنالك تعاونٌ متزايدٌ بين الشركات ومزودي السحابة العامَّة لتحسين درجة الأمن للحد من هجمات الاختراق والتطبيقات الخبيثة وتسرُّب البيانات وسرقتها ...إلخ.
- سنشاهد ازديادًا كبيرًا في أداء وسرعة النُسخ السحابيَّة.
- سيزداد ذكاء وتطور أدوات النشر المؤتمتة وأدوات أتمتة المهام الأخرى (مثل الأداة Ansible) وستعلب دورًا مهمًا في حل المشاكل المعقدة.
- سينتشر المفهوم "الدفع بحسب الاستخدام" بين جميع المستخدمين ويكون أكثر وضوحًا، وستتوفر أدواتٍ تمكِّن المستخدم من اختيار النُسخ بأفضل سعر أو تساعدهم على اختيار نسخة جديدة وحذف النسخة الحالية بشكل آمن حتى يحصل المستخدم على أرخص سعر متوافر.
مالذي تتوقعه حول السحابة الهجينة خصوصًا والحوسبة السحابيَّة عمومًا خلال السنوات الخمس القادمة؟ شاركنا رأيك في التعليقات.
ترجمة -وبتصرف- للمقال What you need to know about hybrid cloud لصاحبه Amit Das.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.