يبدو الحديث عن التكرار والأنماط والانسجام أمرًا بسيطًا بدايةً وتبدو مفاهيمًا بسيطة وبديهية للغاية، لكننا سنناقشها رغم كونها لا تحتاج للشرح ظاهريًا. يحسّن استيعاب هذه المفاهيم وزيادة كفاءة تطبيقها في جذب انتباه المستخدم بالإضافة لتحسينها كفاءة تصميماتك.
قد تتخيل عند سماعك كلمة "تكرار Repetition" شخصًا يكرر قولًا محددًا مرارًا. يختلف مفهوم التكرار في مجال التصميم، لا يُشترط أن يكون تكرار الأشياء مملًا، ويمكن تحسين التصميم بالاستخدام الصحيح للتكرار، بالإضافة لضمان فهم أفضل للرسائل. يستخدم المصممون ثلاثة أساليب للتكرار وهي التكرار والأنماط والانسجام.
التكرار Repetition
التكرار ببساطة هو تكرار العنصر ذاته عدة مرات في التصميم. يمكنك مثلًا رسم خط أفقي ثم تكرار رسم عدة خطوط أخرى بجانبه.
يمكن الاستفادة من التكرار في تصميم المواقع والتطبيقات. نتوقع مثلًا رؤية شعار متجر ما مُكررًا بمكان ثابت في كل الصفحات، وتُكرر عناصر القائمة غالبًا في المكان ذاته من الصفحة. الأمر الذي يساعد على انسجام تجربة المستخدم. يساعد تكرار العناصر المصممين على تقديم المحتوى وفقًا لتوقعات المستخدمين وتحسين تجربتهم. يريح حفاظنا على التناسق المستخدم. تذكّر أن العين ترى بآلية معينة فطريًا، يمكننا الاستفادة من هذه الفكرة عندما نستخدم التكرار لتألف العين عناصر التصميم. يمكننا أيضًا استخدام الأشكال والألوان والبُنى والخطوط وغيرها لنحافظ على تناسق التصميم.
يمكنك أيضًا تحقيق التكرار بتكرارك للرسائل. إذا أردت إعلام عُملائك أنك تقدم الخدمة الأرخص أو الأسرع في المجال، فقد ترغب باستغلال عدة مناسبات لإخبارهم بذلك لترسيخ الفكرة في أذهانهم، نستخدم التكرار في هذه الحالة لتعزيز الفكرة. ربّما تتذكر أنك حفظت جدول الضرب بعد تكراره حتى ثبُت في ذهنك. والمبدأ مشابه هنا، حيث يتحسن تذكرنا للمعلومات عند تكرار تلقّينا واستيعابنا لها.
الأنماط Pattern
النمط ببساطة عبارة عن تكرار متناسق لأكثر من عنصر في التصميم. النمط التكراري Seamless Pattern هو نمط تتحد فيه عناصر التصميم مع بعضها عند تكراره بالتجانب ليبدو مستمرًا بغض النظر عن عدد مرات التكرار. تستخدم الأنماط التكرارية كثيرًا في خلفيات صفحات مواقع الإنترنت والتطبيقات، كما يكثر استخدامها في تصميم السجاد وورق الجدران. انظر حولك إلى غطاء السرير أو ورق الجدران أو غلاف دفترك، وقد تجد نمطًا تكراريًا في أحدها يمكنه تفحصه عن كثب. هل لاحظت ظهور العناصر ذاتها مرارًا كالدوائر أو الأشكال الحلزونية أو ثمار الصنوبر أو الأناناس أو غيرها؟ يمكن أن تتجاور العناصر مباشرةً أو أن تحوي بينها فراغات.
يعتمد المصممون في معظم الأنماط على الألوان والبُنى والأشكال أكثر من اعتمادهم على الكلمات، لأن إدراكنا للأشكال أسرع من إدراكنا للكلمات التي تحتاج القراءة مهما كانت السرعة. يمكنك إيجاد أنماط مشابهة في هندسة العمارة أيضًا. يتوجه المهندسون المعماريون لاعتماد زخارف موحدة داخل المباني وخارجها لتعزيز الجمالية، ولا يُعد هذا التوجه حديثًا إذ استُخدم في المباني اليونانية العريقة كالبارثينون. برع المصممون القدماء في استخدام أنماط مكونة من عناصر كالخطوط والأشكال الحلزونية.
عندما تقرر استخدام الأنماط في تصميمك للتطبيقات أو لمواقع الإنترنت، ستحتاج إلى التفكير بمدى تعقيد النمط، فقد يبدو استخدام صورة نمط بالتجانب لملء الخلفية فكرةً جيدةً إلا أنه قد يؤثر على وضوح الكلام المكتوب فوقها. إذا أردت إنشاء تصميم لموقع معني بالسفر إلى اليونان، يمكنك استلهام تصميميك من الجزء العلوي لعمود قديم. ستحصل مباشرةً على تصميم جميل يحوي دوائر وأوراق عنب، ثم سترغب بإضافة نص. ستواجه مشكلة عند محاولة الكتابة فوق هذا التصميم حيث تتداخل الكتابة الداكنة أحيانًا مع خطوط الصورة، يمكنك استخدام نص أفتح، كاللون الأبيض أو الأصفر، إلا أنه سيبقى صعب القراءة بسبب اللون الرمادي للحجر في الخلفية. يرغب المستخدمون بالتفاعل مع التصميم لا بذل الجهد في محاولة قراءة نص. تعد البساطة والدقة عاملان أساسيان في الحفاظ على تجربة المستخدم وإبقاء المستخدمين ضمن الصفحة.
الانسجام Rhythm
توحي المسافات الفاصلة بين العناصر المكررة للمشاهد بالانسجام والحركة. يحصل العازفون على هذا الانسجام الإيقاعي من خلال الفواصل بين النغمات الموسيقية، إذ تتكامل فواصل الصمت مع النغمات. يفصل المصممون بين العناصر للحصول على الانسجام. توجد 5 أنواع للانسجام البصري عامّةً.
الانسجام العشوائي Random Rhythm
نحصل عليه بتكرار العناصر بمسافات غير منتظمة بينها. يمكن أن يتنوع التباعد من ميليمتر في جزء إلى سنتيمتر في جزء آخر مع إمكانية توزع العناصر في كل مكان. مثل الثلج المتساقط أو الحصى على الشاطئ أو حركات المرور، كلها أمثلة عملية للانسجام العشوائي.
ومن الجدير بالذكر أن أي انسجام قد يبدو عشوائيًا عند تفحّص جزء صغير منه عن كثب، ثم عند التبعيد وتفحّص جزء أكبر من التصميم قد يتضح وجود انسجام منتظم معقد. كما يمكن عكس بعض الصور لونيًا وبالتالي تصعب إمكانية توقّع التصميم بسبب كل من العناصر والفراغات. يمكنك استخدام عناصر كثيرة للحصول على احتمالات لانهائية تتلاعب بها بصريًا. يُعد استخدام الفنان رينييه ماغريت René Magritte للانسجام العشوائي مثيرًا للاهتمام.
الانسجام المنتظم Regular Rhythm
يتبع الانسجام المُنتظم مسافات متساوية مرارًا مثل خفقان القلب. يمكنك الحصول على انسجام منتظم بسهولة من خلال إنشاء شبكة أو سلسلة خطوط عمودية. تُدرك عين المستخدم الانسجام المُنتظم مباشرةً وتبحث عن أي خطأ في انتظامه. تذكر أن العين تنجذب فطريًا إلى العناصر المميزة، وبالتالي يحمل استخدام الانسجام المنتظم في التصميم خطر الوقوع في الرتابة مثل صوت تقطير صنبور مفتوح.
الانسجام المتناوب Alternating Rhythm
يمكنك تكرار عدة عناصر في التصميم الواحد. يمكنك استخدام نموذج 1-2-1-2-1-2 في الانسجام المُتناوب. تُعد المربعات البيضاء والسوداء على رقعة الشطرنج مثالًا واقعيًا عن الانسجام المُتناوب. يمكننا القول أن الانسجام المُتناوب هو درجة أعقد من الانسجام المُنتظم. قد يكون ببساطة رقعة الشطرنج وقد يحمل بعض التعقيد. تحوي بعض تصاميم الانسجام المُتناوب صفوفًا من الأسماك أو الطيور أو حيوانات أخرى. بأخذ الأسماك على سبيل المثال، يمكننا رؤية أن كل سمكة متطابقة تتبع اتجاه الأخرى.
يُكرر هذا التناوب بالأسفل، وتعرض المسافة السلبية بين الصفوف أسماكًا بلون آخر تشكل الخلفية تسبح بالاتجاه الآخر، وتتشابك الخطوط الدقيقة لزعانفها وذيولها مع خطوط أسماك النمط الأول. وتعد سحلية M.C. Escher (1942) مثالًا ممتازًا عن الانسجام المُتناوب، حيث يحوي ثلاثة ألوان للسحالي مع زوج من كل لون متجاوران عند الذيل وينظران بعيدًا عن بعضهما. وسواء اخترنا انسجامًا مُتناوبًا بسيطًا أو معقدًا، فإنه أسلوب سهل للخروج عن رتابة الانسجام المُنتظم.
الانسجام الانسيابي Flowing Rhythm
يعرض الانسجام الانسيابي العناصر المُكررة على انحناءات أو تعرجات أو تموجات. نجد هذا الانسجام في الطبيعة في أمواج الشاطئ أو الكثبان الرملية، ويمكننا محاكاة الطبيعة لإنشاء أنماط رائعة للعناصر بانسجام انسيابي. يمكننا وضع مجموعة أعشاب بحرية تحت الماء، مع توجيه أوراقها في سلسلة اتجاهات، ليتخيل المستخدم أن الأوراق تلوح باتجاه بعضها.
الانسجام المتدرج Progressive Rhythm
يمكننا إنشاء انسجام متدرج ببساطة وذلك بتغيير إحدى خصائص العنصر أثناء تكراره، يمكننا رسم مجموعة دوائر فوق بعضها مع تكبير كل دائرة بالاتجاه للأسفل، يوحي ذلك للمشاهد باقتراب الدائرة الأكبر في الأسفل منه. يمكنك تغيير الانسجام المُتدرج شيئًا فشيئًا أو بشكل مُفاجئ، يمكنك إضافة ظل مُتدرج للدوائر الصغيرة بحيث تكون الدوائر الصغيرة بالأعلى داكنة، وظل الدوائر الوسطى معتدل، وظل الدائرة الأكبر بالأسفل خفيف. تحيط بنا أمثلة عن الانسجام المُتدرج في كل مكان، إن صورت شخصًا يرقص في تسجيل فيديو ثم تفحّصته إطارًا تلو الآخر ستحصل على انسجامٍ مُتدرج.
استخدام التكرار والأنماط والانسجام في التصميم
يستخدم مصممو المواقع الإلكترونية العناصر المرئية المكررة عادة، يمكنك تكرار عناصر التصميم للحفاظ على تناسق التجربة البصرية، إذ يسهل تركيز المستخدمين على المحتوى لمعرفتهم أي يجدون أنواع المحتوى أو خيارات التنقل المحددة. كما يمكنك استخدام التكرار لجذب التركيز إلى جزء معين من التصميم أو المحتوى أو لإظهار العلاقات بين أجزاء المحتوى، يمكنك أيضًا استخدام الأنماط في الخلفيات لإضافة بنية وتناسق أو توحيدها بين الصفحات المتشابهة للحصول على التناسق.
نستخدم الانسجام كمصممين لزيادة الإثارة أو الطمأنينة تدريجيًا بمرور الوقت أو لعكس مشاعر أخرى، على سبيل المثال من المُناسب جدّا إضافة ترسيم نبضة قلب في صفحة موجهة للأمهات.
الخلاصة
يستخدم المصممون 3 أساليب من التكرار:
- التكرار Repetition
- الأنماط Patterns
- الانسجام Rhythm
يمكنك استخدام الأساليب السابقة لبناء تجربة المستخدم للموقع أو التطبيق. يحدد استخدام التكرار والأنماط والانسجام طابع واجهة المستخدم وتستخدم هذه العناصر إما لتعزيز رسالتك أو لعكس شكل المُنتج والشعور الذي يمنحه.
يعد التكرار أسهل العناصر استخدامًا، أما الأنماط فهي مزيج من العناصر المكررة، بينما يستخدم الانسجام المسافات بين العناصر للتعبير عن الانسجام والحركة. يمكننا استخدام 5 أنماط من الانسجام:
- الانسجام العشوائي Random Rhythm
- الانسجام المُنتظم Regular Rhythm
- الانسجام المُتناوب Alternating Rhythm
- الانسجام الانسيابي Flowing Rhythm
- الانسجام المُتدرج Progressive Rhythm
وضع المهندس المعماري كريستوفر ألكسندر Christopher Alexander مفهومًا آخر للنمط Pattern، يمكن تشبيه الانسجام بالموسيقى فهو يمنح تصميمك إيقاعًا ويشرك المستخدمين بغض النظر عن اختلافهم. يمكنك تعزيز تأثير رسالتك بالعمل على الانسجام المناسب لتصميمك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Repetition, Pattern, and Rhythm لصاحبه Mads Soegaard.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.