لا يملك مصممو تجربة المستخدم الإرادة الكاملة في اتخاذ القرارات ضمن عملهم، فهم مضطرون للخضوع إلى الإدارة التقليدية لأصحاب المصلحة، وهو ما قد يشكِّل خيبة أمل كبيرة للمصمم عندما لا يتمكن من فرض تصاميمه والحصول على موافقة فورية من أصحاب المصلحة الكبار.
عند العمل في مجال تصميم تجربة المستخدم، يصبح التعاون مع أصحاب المصلحة أهم من أي وقتٍ مضى، وتزداد أهمية ذلك كلما حصلت ترقية في المنصب. في هذه المراحل، يصبح ابتكار تصاميم مدروسة وإجراء أبحاث دقيقة هو الجانب الأسهل من العمل؛ أما إقناع أصحاب المصلحة بالتصاميم وجعلهم يتبنّون نتائج الأبحاث ويتبعون منهجية تصميم متمحورة حول المستخدم فهو الجانب الأصعب.
يرى بعض المتخصصين في المجال أن تصميم تجربة المستخدم يشبه الرياضة الجماعية التي تحتاج إلى تعاون جميع الأطراف وتوافقهم في العمل. ومثلما تختلف طبائع الناس في الظروف الحياتية المختلفة، سنجد أن بعض أصحاب المصلحة ليّنون في التعامل، في حين أن بعضهم الآخر مرهِقون ويصعب التعامل معهم. ولتسهيل اجتياز هذا التحدي، سنشرح بعض الإستراتيجيات الفعالة للتعامل مع أصحاب المصلحة من النوع الثاني.
1. التركيز على أصحاب المصلحة الرئيسيين
يختلف أصحاب المصلحة في مستوياتهم ومناصبهم. وبينما تقتصر سلطة بعضهم على إمكانية تعكير صباح العمل، تصل سلطة بعضهم الآخر إلى تعطيل العمل على مشروعٍ بأكمله. فإذا تمكنا من تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين والتخطيط مسبقًا لأسلوب التعامل معهم، سيكون بإمكاننا تركيز الجهود على تحسين العلاقات الأكثر أهمية بدلًا من تشتيت طاقاتنا.
تُعَدّ مصفوفة السلطة والاهتمام الموضَّحة في الصورة أدناه وسيلةً رائعة لتحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين ومعرفة كيفية التعامل مع جميع أصناف أصحاب المصلحة بالطريقة المناسبة، بمن فيهم أصحاب المصلحة صعبو المراس.
لإعداد مصفوفة السلطة والاهتمام، سنحتاج أولًا إلى تصنيف أصحاب المصلحة حسب درجة اهتمامهم بعملنا من جهة، وسلطتهم أو تأثيرهم علينا من جهة أخرى.
يمكن استخدام مصفوفة السلطة والاهتمام لتحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين. وبهذه الطريقة يمكننا تحديد أسلوب التعامل مع كل فئة من أصحاب المصلحة كما يلي:
الحرص على تلبية توقعاتهم
أصحاب المصلحة الذين يتعين علينا الحرص على تلبية توقعاتهم هم الفئة التي تملك سلطةً كبيرةً على عملنا واهتمامًا مباشرًا به، وهذه هي الفئة التي يجب أن نبذل مجهودنا في التعامل معها، خصوصًا ممن يتصفون منهم بصعوبة التعامل.
التحقق من رضاهم
أصحاب المصلحة ذوو السلطة العالية والاهتمام المحدود بعملنا هم الفئة الأصعب تعاملًا في معظم الأحيان، ذلك أن فرصة التعاون والتفاعل معهم ضئيلة، لذا فمن الضروري التفكير في كيفية إبقائهم راضين لكي لا يؤثروا علينا سلبيًا.
إطلاعهم على التحديثات باستمرار
بالنسبة لأصحاب المصلحة الذين يهتمون بعملنا لكن لا يملكون سلطةًً أو تأثيرًا علينا، سيكفينا إبقاؤهم على اطلاع بما يهتمون به، ولا داعيَ لبذل الكثير من الجهد إذا كان بعضهم صعب التعامل. لكن من المهم الأخذ بالحسبان احتمال أن يترقّى بعضهم مع الزمن وتزداد سلطته علينا.
الحفاظ على علاقة جيدة معهم
صحيح أنه يجب أن نكون على دراية بأصحاب المصلحة الذين لديهم سلطة محدودة واهتمام ضئيل بعملنا، لكن لا داعي لبذل الكثير من الجهد في هذه الفئة أيضًا. من الجيد عمومًا تحسين العلاقات مع جميع أصحاب المصلحة ولو كان التعامل معهم صعبًا، لكن لا ينبغي أن تكون هذه الفئة ضمن أولوياتا.
2. الاستفادة من المهارات المكتسبة من تصميم تجربة المستخدم UX
مصممو تجربة المستخدم هم الأشخاص الأكثر قدرةً على فهم الآخرين، فهذا جزء أساسي من عملهم. لا بد من تذكر أن أصحاب المصلحة هم أشخاص مثل المستخدمين، لذا يمكنك تطبيق مهاراتنا عليهم، تمامًا كما نفعل مع المستخدمين في عملنا.
يمكن إجراء مقابلات مع أصحاب المصلحة صعبي التعامل على غرار مقابلات المستخدمين، والتحرّي عن أهدافهم والتحديات التي تواجههم، وصولًا إلى تفهّمهم والتعاطف معهم. يمكن أيضًا إنشاء شخصيات لأصحاب المصلحة بما يوازي شخصيات المستخدمين في حال كان ذلك مفيدًا.
في النهاية، لا يبدي أصحاب المصلحة صعوبةً التعامل لمجرد الرغبة بالتسلط، لذا من المهم البحث وفهم أسبابهم ولماذا يعارضون أو لا يشاركون أو لا يُبدون دعمهم، لكي نصل إلى حلّ في التعامل معهم.
3. البحث عن الأهداف المشتركة
قد يبدو أصحاب المصلحة أحيانًا صعاب أو متسلطين لأنّ لديهم أهدافًا مختلفة عن أهداف مصمم تجربة المستخدم، أو هذا ما يبدو عليه الأمر عند النظر بسطحية؛ وكما هو الحال في لعبة شد الحبل، فإن كل طرف يسحب في اتجاه معاكس للآخر. على سبيل المثال، ربما يسعى المصمم إلى تحسين تجربة المستخدم، بينما يقول أحد أصحاب المصلحة أنه لا يعطي أولوية لتجربة المستخدم بل يركّز على المبيعات.
من خلال إيجاد الأهداف المشتركة، يدرك كلا الطرفين بأنهما يسيران بالاتجاه نفسه، فعلى سبيل المثال، يمكن توضيح كيف ينعكس تحسين تجربة المستخدم إيجابيًا على المبيعات، كما يمكن استخدام طريقة اللماذات الخمسة لتحديد الأهداف العامة المشتركة.
4. توضيح الأدوار والمسؤوليات
لا أحد يرغب بأن يقوم شخص آخر بدوره، فإذا لم تكن الأدوار والمسؤوليات موضَّحةً وموزعةً من البداية فلا بد من حدوث التوتر والاضطراب الذي يؤدي إلى الخلافات بطبيعة الحال.
من الأساليب الرائعة لإرساء فهم مشترك للأدوار والمسؤوليات، من المهم استخدام نموذج RACI المكون من اختصار الحروف الأولى بالإنجليزية لأربع أدوار، وهي:
- منفِّذ
- مسؤول
- مستشار
- مطّلع.
ولتطبيق هذا النموذج يجب أن يجتمع الأطراف ويراجعوا المهمات ليقرروا توزيع الأدوار والمسؤوليات كما يلي:
- من المسؤول عن ضمان إنجاز المهمة؟
- من المنفذ للمهمة؟
- من الذي يجب استشارتُه أثناء المهمة؟
- من الذي يجب أن يبقى على اطلاع لكن ليس بالضرورة استشارته بصورة مباشرة؟
5. كسب ثقة أصحاب المصلحة
في الحياة أمورٌ كثير يصعب اكتسابها، ومنها ثقة أصحاب المصلحة، فالأمر يحتاج إلى بذل مجهود كبير أولًا. من المهم تخصيص وقت للتفكير في كيفية إرضاء أصحاب المصلحة، مثل مساعدتهم في إنجاز مهمة ما أو توفير دراسات سابقة لهم.
يُعَد تحقيق انتصارات مبكرة على مستوى العمل طريقةٌ ممتازةً لبناء الثقة بيننا وبين أصحاب المصلحة. لذا من المهم تحديد هدف مفيد وواقعي وقابل للإنجاز للعمل على تحقيقه وإظهار التأثير الإيجابي لجودة التصميم وقوة الأبحاث على سير العمل.
6. عدم الاعتماد على القول بل على الفعل
بدلًا من إخبار أصحاب المصلحة كيف يجب القيام بالأمور أو محاولة إقناعهم بالموافقة على أشياء لم يقتنعوا بها بعد، من الأفضل إظهار ذلك لهم عمليًا. على سبيل المثال، يمكن إعداد نموذج أولي يبين كيف ستبدو تجربة المستخدم، أو إعداد خريطة رحلة المستخدم التي تبرز نقاط الألم والفرص التي يجب استهدافها، أو إنشاء مقطع فيديو يوضح مشكلات اختبار سهولة الاستخدام التي يجب معالجتها.
7. التحدث بلغة أصحاب المصلحة
من الأسهل بناء علاقات عمل جيدة عند استخدام المصطلحات نفسها في الحديث، لذلك يتعين علينا التحدث مع أصحاب المصلحة بلغتهم وبكلمات تترك تأثيرًا لديهم، لا بمصطلحات تصميم تجربة المستخدم. على سبيل المثال، بدلًا من الحديث عن تحسين سهولة الاستخدام، يمكن الحديث عن تسهيل إنجاز المستخدمين للأهداف والمهمات الرئيسية.
8. إشراك أصحاب المصلحة في دائرة العمل
من المهم إشراك أصحاب المصلحة المرهِقين في خطوات عملية التصميم، وقد يكون ذلك من خلال ورشات العمل أو التعاون الشخصي أو المقابلات، مما يساعد على فهمهم للعملية ومساهمتهم فيها، وعندها لن يتمكنوا من انتقاد عمل كانوا جزءًا فعالًا منه.
9. مشاركة العمل مع أصحاب المصلحة
إذا تعذر إشراك أصحاب المصلحة صعبي التعامل في رحلة التصميم بصورة مباشرة، فيجب على الأقل أن نشارك عملنا معهم باستمرار. تقول تيريزا توريس مدربة تطوير المنتجات في كتابها المميز بعنوان عادات الاستكشاف المستمر:
اقتباسمفتاح التعامل مع أصحاب المصلحة هو عرض عملك عليهم. لا تبدأ معهم من النتائج، بل شاركهم العمل خطوةً بخطوة بطريقة يسهل عليهم استيعابها.
- تيريزا توريس، مدربة تطوير منتجات.
إذا كنا نشارك عملنا باستمرار مع أصحاب المصلحة فإن ذلك سيمكّنهم من رؤية ما نقوم به وفهم الأساس المنطقي الذي يبرر القرارات والتوصيات فهمًا أفضل. من المهم تحديد وتيرة ثابتة لمشاركة العمل مع أصحاب المصلحة، والتفكير بالطريقة الأنسب التي تسهّل عليهم استيعابه. يمكن مثلًا عقد جلسات عرض وإبلاغ دورية، أو إعداد مقاطع فيديو منتظمة لعرض التحديثات، أو إرسال بريد إلكتروني أسبوعي بالتحديثات إلى أصحاب المصلحة.
10. العمل فرديًا مع صاحب المصلحة صعب المراس
تختلف عمومًا تصرفات الناس عندما يكونون ضمن فريق عمّا هي عليه في التعامل الفردي، فبعض الأطفال مثلًا يصبحون أكثر عدوانيةً ضمن مجموعة من أصدقائهم، وبعض المديرين يرغبون بفرض سيطرتهم ضمن الفريق. ينطبق هذا الأمر تمامًا على بعض أصحاب المصلحة الذين يتعاملون فرديًا مع الشخص الآخر بطريقة مثالية لكنهم يتحولون إلى كابوسٍ حقيقي عندما يكونون ضمن فريق تسوده مشاعر الغرور والتكبر.
في هذه الحالات قد يكون الابتعاد عن جو العمل الجماعي واللجوء إلى العمل الفردي حلًّا مثاليًا، مما يفسح المجال لتوطيد علاقة عمل جيدة واستغلال الوقت باجتماع فردي مثمر.
11. التواصل المستمر
عندما يتعلق الأمر بأصحاب المصلحة فإن الغياب بالطبع لن يزيد الأشواق بل سيزيد العلاقات الشائكة سوءًا. تحتاج العلاقات دائمًا إلى جهدٍ مستمر، سواءً في العمل أو في الحياة الشخصية، ولا يمكن التفاؤل بازدهار العلاقات دون بذل هذا الجهد؛ ولهذا السبب من الضروري التواصل باستمرار مع أصحاب المصلحة صعاب التعامل. وقد يكون ذلك عبر المتابعة نصف الشهرية أو الأسبوعية أو حتى اليومية، من خلال لقاءات مباشرة أو على الأقل بمكالمات الفيديو.
12. عدم التهرب من الخلافات
كما يقول مستشارو العلاقات، فإن حدوث بعض الخلافات هو جزء طبيعي من العلاقة الصحية، لا كثرة الخلافات ولا انعدامها؛ فالعلاقات التي تخلو من الخلافات إما يطغى فيها طرفٌ على آخر، وإما يسود فيها الخوف من المواجهة.
رغم أن الأمر قد يكون مربكًا، لكن يُنصَح بعدم التهرب من الخلاف مع أصحاب المصلحة صعاب التعامل، وهنا ليس المقصود بالطبع الدخول في صراع حادّ معهم، لكن يجب الانفتاح على أية مسألة تختلف فيها وجهات النظر، من خلال توفير بيئة تدعم الحوارات الصريحة والشفافة.
خاتمة
يُعَد التعامل مع أصحاب المصلحة صعاب المراس أمرًا مرهقًا، لكنه جزءٌ من التحديات الواقعية التي تواجه مصممي تجربة المستخدم، مع ذلك يجب عليهم تعلُّم كيفية تجاوزها.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال How to work with difficult stakeholders لصاحبه Neil Turner.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.