لقد كان من فوائد الإنترنت إظهار أهميّة التركيز على العملاء في التسويق والعمل التجاري. قد تبدو هذه الحقيقة واضحةً في الوقت الحالي، لكنها لم تكن كذلك في بدايات التسويق عبر وسائل الإعلام، إذ ساد اعتقاد حينها بإمكانيّة إقناع العملاء بشراء أي منتج شريطة وجود إعلانات كافية لترويجه. ورغم أن عبارة "الزبون دائمًا على حق" تُعلق على جدران المتاجر والمطاعم منذ زمن بعيد، إلا أن الزبون لم يكن يمتلك قدرةً كبيرةً على التعبير عن رأيه خارج تلك المتاجر والمطاعم.
وبالانتقال بضعة عقود إلى الأمام، أصبح المجتمع والسوق أكثر ترابطًا، وبات العملاء أقدر على التعبير عن آرائهم من خلال المدوّنات، والمنتديات، ومراجعات المنتجات، وغيرها من أشكال التواصل الاجتماعي. كذلك، أصبح العملاء قادرين على التواصل معًا – ولو افتراضيًا – لمشاركة تجاربهم مع الخدمات والمنتجات.
تستند إدارة علاقات العملاء كما يتضح من اسمها، إلى منهجيّة تجاريّة تسعى إلى تعزيز العلاقات مع العملاء، بصفتهم أهم المساهمين في نجاح أي شركة. ويُشار إلى التسويق الإلكتروني في كثير من الأحيان بمصطلح (إدارة علاقات العملاء الإلكترونيّة)، وهو ما يعكس أهميّة الإنترنت في إدارة علاقات العملاء، ويُظهر أيضًا أهمية العملاء باعتبارهم العامل الأهم في نجاح التسويق الإلكتروني.
لماذا الإدارة الإلكترونية لعلاقات العملاء؟
يمثل العملاء العامل الأهم في نجاح أي شركة، فبدون عملاء يشترون المنتجات والخدمات، لن تحظى معظم الشركات بأي إيرادات، ولكن إدراك هذه الحقيقة المهمة شيء، وتطبيقها في استراتيجيّة الشركة وقراراتها اليوميّة شيء آخر.
يكمن مفتاح العلاقة الناجحة مع العميل في تلبية (وربما تخطي) احتياجاته، وبمعنى آخر، اكتشاف المشاكل التي تواجهه والعمل على حلها.
يلعب الحفاظ على علاقات جيّدة مع العملاء دورًا مهمًا في نجاح أي شركة، إذ إن تكلفة استقطاب عملاء جُدد تفوق عمومًا تكلفة الحفاظ على العملاء الحاليين، ولهذا السبب يؤدي الاستثمار في إدارة علاقات العملاء إلى زيادة عائدات الشركة.
تبدأ دورة إدارة علاقات العملاء بتحديد المشاكل التي قد تواجه العملاء المحتملين وإيجاد حلول لها، ومن ثم تنفيذ تلك الحلول والحفاظ على العلاقة مع العملاء من خلال الخدمة المستمرة. لنفترض على سبيل المثال أن شخصين يريدان حجز رحلة لقضاء عطلة في الخارج، أحدهما شاب في الثالثة والعشرين من عمره، وقد تخرّج حديثًا، وهو يرغب بزيارة الأرجنتين برفقة أصدقائه وقضاء ثلاثة أشهر هناك؛ أمّا الآخر، فهو سيدة في الثامنة والثلاثين من عمرها، وأم لطفلين، وهي تخطط لقضاء عطلة مع عائلتها في تايلند. بمجرد دخول هذين الشخصين إلى وكالة السياحة والسفر، سوف يقفز الوكيل إلى عدد من الاستنتاجات المهمة بناءً على ملابسهما ومظهرهما الخارجي، إذ يمكنه استنتاج كيفية مساعدتهما في حجز رحلتيهما، وحجم العمولة التي سوف يحصل عليها. بعد ذلك، سوف يبدأ وكيل السفر بطرح المزيد من الأسئلة في محاولة لبيع المزيد من الخدمات الإضافيّة لهذين العميلين، فقد يرغب الشاب ذو الثلاثة وعشرين ربيعًا بالحصول على تأمين يغطي الأنشطة الرياضيّة الخطرة، بالإضافة إلى شريحة اتصال تمكّنه من التواصل مع عائلته من أي مكان في العالم؛ أمّا السيدة، فقد ترغب بالحصول على خدمات رعاية الأطفال ضمن حجزها الفندقي.
إذا جلس هذان العميلان أمام شاشة الحاسوب، فلن يكون عليهما التعامل مع وكلاء السفر واستنتاجاتهم السريعة بناءً على الشكل والمظهر، أو محاولاتهم لبيع المزيد من الخدمات الإضافيّة؛ كما أنهما لن يضطرا لدفع تكاليف باهظة لوكالات السياحة والسفر. لكن مع ذلك، يجب أن تعلم أن تكنولوجيا الإنترنت تخرج أيضًا باستنتاجات مشابهة، وربما أكثر دقة، ناهيك عن قدرتها على اكتشاف فرص البيع المحتملة.
عند استخدام الإنترنت، سوف يبحث هذان العميلان في محرّكات البحث عن نصائح للسفر، وهو ما يتيح الفرصة لوكالات السياحة والسفر أن تنشئ صفحات هبوط مصممة خصيصًا لكل عمليّة بحث، وأن تقدم منتجات خاصّة بكل عميل.
تتيح التكنولوجيا أيضًا لوكالات السفر التفاعل الشخصي مع زوار مواقعها من خلال الإنترنت، ولكنها تسمح في المقابل للعملاء بالحصول على معلومات لم يكونوا ليحصلوا عليها في وكالات السفر، مثل مراجعات العملاء الآخرين المنصفة وغير المنحازة. من جانب آخر، تتيح التكنولوجيا أيضًا معاملة العملاء المختلفين بطرق مختلفة؛ كما تسمح تكنولوجيا الويب كذلك باتخاذ القرارات التسويقيّة المرتبطة بالعملاء واختبارها بسرعة نسبيّة وتعديلها بحسب الحاجة.
على سبيل المثال، أتاحت شركة أمازون -لصاحبها جيف بيزوس- في عام 2002، إمكانية الشحن المجاني للطلبات التي تفوق قيمتها 99$. وحينها، أعلنت الشركة أن هذا العرض محدود بسقف زمني، وذلك بهدف اختبار تأثيره على أداء الشركة، والتراجع عنه عند الضرورة، ولكن بعد مرور عدّة أشهر، انخفض سقف الشحن المجاني ليشمل الطلبات التي تفوق 25$ فقط. مع ذلك، لا يحتل الشحن المجاني أولويّةً في الشحن، وبالتالي يمكنك دفع رسوم الشحن للحصول على الطلبات في مدّة أقصر.
تسعى الإدارة الإلكترونيّة لعلاقات العملاء إلى استغلال الأساليب التكنولوجيّة المتعددة بغرض تعزيز العلاقات مع العملاء، وليس استبدالها بعلاقات جديدة، وهذا هو مبدأ عملها الأساسي.
كيف يمكن لمعرفة الكلمات المفتاحية التي يستخدمها العملاء عند الشراء أن تساعد في تعزيز إدارة علاقات العملاء؟
في البداية، تُستخدم البيانات التي تُجمع من خلال الإنترنت في بناء شخصيّات العملاء المحتملين، وتكوين علاقات معهم، إذ تستطيع أدوات تحليل الويب جمع الكثير من البيانات عن العملاء، بدءًا من الكلمات المفتاحية التي استخدموها للوصول إلى الموقع الإلكتروني وحتى مسار تصفحهم داخل الموقع، بل من الممكن أيضًا جمع هذا النوع من المعلومات عن عملاء بعينهم أثناء تنفيذهم لإجراء محدد، مثل الشراء أو الاشتراك في الموقع. تتيح تكنولوجيا الويب أيضًا جمع المصادر المحيلة للزيارات ومسار تصفح الزوار للموقع بدون علمهم، وذلك إلى جانب تفاصيل التسجيل والشراء، والتي يمكن تخزينها لاستخدامها في المستقبل.
تستطيع الشركات بفضل برمجيات إدارة علاقات العملاء أن تدير معلومات جميع عملائها الفعليين والمحتملين في الأقسام المختلفة من مكان واحد، بحيث يستطيع جميع الموظفين الحصول على رؤية شاملة عن العميل، وذلك بغض النظر عن القسم الذي يتعامل معه؛ بمعنى أن أي موظف في الشركة يستطيع في أي وقت الولوج إلى معلومات العميل، ومشاهدة جميع تفاعلاته مع الشركة، وجميع استفساراته السابقة، وكيفيّة حلها في الماضي.
كذلك، تمكّن برمجيات إدارة علاقات العملاء الشركات من أتمتة الجزء الأكبر من دورة المبيعات، وبالتالي تمكين أفراد المبيعات من قضاء المزيد من الوقت مع العملاء الحاليين والمحتملين وتعزيز العلاقات الشخصيّة معهم.
لقد غيّرت التكنولوجيا بالطبع طرق تفاعل العملاء مع الشركات، وقد سلطنا الضوء في أجزاء ومقالات سابقة من هذه السلسلة، على أهميّة السماح للعملاء باختيار قنوات التواصل الملائمة لهم، إذ لم تَعُد علاقات العملاء تستند إلى مراكز الدعم الهاتفي، وإنما إلى المدوّنات، وحسابات تويتر، ورسائل البريد الإلكتروني، وبرامج التراسل الفوري؛ والتي تُستخدم كقنوات لتقديم الخدمة للعملاء قبل البيع وبعده.
هل العميل محور الشركة أم محركها؟
إن وجود العميل في محور خطط الشركة أمر، وكونه المحرك لتوجهاتها التجاريّة أمر آخر تمامًا. تعتمد العديد من شركات الإنترنت الجديدة على العميل كونه محركًا لها؛ وذلك من خلال تشجيع العملاء على أخذ زمام المبادرة والمشاركة في زيادة قيمة الشركة. وتُعد مواقع الإنترنت مثل فليكر وتويتر، مثالًا على هذه الشركات، فهي توفر أدوات تمكن العملاء من الحصول على خدمتهم الخاصّة، وذلك من خلال السماح في أغلب الأحيان لمطورين من الخارج بالوصول إلى الخدمات لإنشاء خدمات مكمّلة.
تلجأ شركات أخرى إلى تمرير بعض المهام إلى عملائها، بدلًا من تنفيذ هذه المهام بنفسها كما جرت العادة. على سبيل المثال، باتت العديد من خطوط الطيران تسمح للمسافرين بتسجيل الوصول إلكترونيًا قبل وصولهم إلى المطار. ومع تزايد أعداد المسافرين الذين يسجلون وصولهم بأنفسهم، فإن ذلك يوفر على خطوط الطيران تكاليف الطاقم اللازم لتسجيل الوصول، فقد بات المسافرون يتولون هذه المهمة بأنفسهم وبشكل مجاني.
أنواع إدارة علاقات العملاء في الشركات
يجب أن تتغلغل إدارة علاقات العملاء إلى جميع جوانب العمل في الشركة (تمامًا مثل التسويق)، ومع ذلك قد يكون من المفيد إلقاء نظرة على الأساليب المختلفة المستخدمة في إدارة علاقات العملاء.
- إدارة علاقات العملاء التشغيليّة Operational CRM: وهي تُعد أوضح قنوات التواصل مع العملاء، وتمثل واجهة عمل الشركة وخدماتها. وفي مجال الويب، تساعد إدارة علاقات العملاء التشغيليّة في التعرّف على تجربة المستخدم للموقع الإلكتروني، كما تقدّم طريقةً فعالةً لخدمة العملاء، بدءًا من قنوات التواصل العديدة التي توفرها شبكة الويب، وانتهاءً بتسجيل جميع أشكال التواصل مع العملاء.
ملاحظة: التنقيب عن البيانات هو تحليل كميات ضخمة من البيانات بهدف اكتشاف الأنماط والعلاقات والاتجاهات في هذه البيانات.
- إدارة علاقات العملاء التحليليّة Analytical CRM، والتي تعمل على تحليل البيانات التي تجمعها الشركة بهدف الخروج بمعلومات حول العملاء، والمساعدة في اتخاذ قرارات التسويق والمبيعات.
يلعب التنقيب عن البيانات دورًا حساسًا في إدارة علاقات العملاء، وينظر البعض إلى جهود تحليل الويب وتحسين التحويل بصفتها جزءًا من هذه العمليّة، فهي تتضمن جمع البيانات حول طبيعة الزيارات للموقع الإلكتروني، ومن ثم استخدام هذه البيانات لاتخاذ قرارات مبنية على معلومات حول المجالات التي يجب على الشركة أن توليها مزيدًا من الاهتمام. كذلك، تجمع الشركات البيانات المتعلقة بسلوك الشراء السابق لدى العملاء، ومن ثم تحلله لتتوقع سلوك الشراء لديهم في المستقبل. وبالمحصلة، يمكن استخدام هذه البيانات لتجزئة العملاء، ومن ثم تخصيص التواصل ليلائم كل فئة منهم.
على سبيل المثال، تستخدم شركة أمازون سجل الشراء السابق لدى العميل لاقتراح المزيد من المنتجات عليه في المستقبل، ولذلك فإن عميلًا اشترى عددًا من كتب الطبخ في الماضي، سوف يحصل على المزيد من العروض المرتبطة بكتب الطبخ. كذلك، تأخذ الشركة في حسبانها سلوك الشراء لدى العملاء الذين يشترون ذات الكتب، وتستخدم هذه البيانات لاقتراح كتب على العميل الذي يحمل توجهات مشابهة، ويُطلق على هذه العمليّة اسم التصفية المشتركة.
تُستخدم برمجيات إدارة علاقات العملاء في أتمتة قوة المبيعات Sales-force Automation، وذلك من خلال إدارة دورات المبيعات، وجمع البيانات حول مبيعات العملاء. تساعد هذه البرمجيّات على تتبع العملاء المحتملين، وجدولة الصفقات، والتواصل مع العملاء الحاليين والمحتملين، بالإضافة إلى إعداد تقارير مفصلة حول عمليّة المبيعات. ثمة العديد من مزودي هذه البرمجيات، مثل salesforce.com.
- إدارة علاقات العملاء التكافليّة Collaborative CRM، وهو مصطلح يشير إلى عمليّة جمع بيانات العملاء من جميع أقسام الشركة. على سبيل المثال، تصل الاستفسارات عادةً إلى قسم الدعم الفني أو خدمة العملاء، مع ذلك قد تكون هذه البيانات مفيدةً لأغراض متعددة، منها على سبيل المثال تطوير منتج أو تحديث محتوى الموقع للإجابة على استفسار يُطرح باستمرار. وبدلًا من جمع كل قسم لبيانات عملائه بشكل منفصل، تتشارك الأقسام هذه البيانات للمساعدة في اتخاذ قرارات مبنيّة على معلومات دقيقة حول تجربة العملاء.
ترجمة وبتصرف للفصل Customer Relationship Management، من كتاب eMarketing: The Essential Guide to Online Marketing.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.