إن الخلاف حول طريقة حساب السّعر بين المستقلين وعملائهم قديم قِدَم المجال نفسه، ويعلو ضجيج هذا الخلاف على ما سواه من المسائل التي يمكن التطرق إليها في العمل الحر، من أخطاء التسعير وصولًا إلى أمر مثل التسويق. ويغلب على المستقلين في هذا الخلاف أن يتخذوا أحد جانبين، فإما أن يقدِّروا أعمالهم حسب عدد الساعات التي قضوها في هذا العمل فيكون أجرهم بالساعة، وإما أن يتفقوا على سعر ثابت للمشروع بالكامل فيكون أجرهم حسب طبيعة المشروع.
ونناقش اليوم مناظرة حول هاتين الطريقتين في حساب التّسعير، لم يخلص الطرفان فيها إلى نهايةٍ قاطعةٍ لأحدهم على صاحبه، وإني أود سماع وجهة نظرك أنت أيضًا في الأمر بعد عرض بيِّنة كلِّ فريق وحجته.
وسيمثِّل كل جانب من المناظرة أحدَ المستقلِّين البارزين، لنرى نقاط القوة والضعف في هاتين الطريقتين في حساب الأجر في سوق العمل الحر.
تحديد سعر لكامل المشروع
يطرح توم إيوَر، وهو كاتب مستقلّ ومؤسس لمدونة Leaving Work Behind نقاشًا حول تنظيمك لمعدل أسعارك وفقًا للأجر الثابت لكل عمل أو مشروع، فهو يرى أن قبضك لأجرك على كامل العمل أفضلُ من تأخذ أجرك على عدد الساعات التي عملتها.
يقول إيوَر:
اقتباس"إن تسعير أجر المستقل بناءً على عدد الساعات التي عملها من أسوأ الأخطاء التي يقع فيها، وأرى أن هناك سببين لهذا:
- يمنعك من زيادة دخلك
- إنك تملك رصيدًا محدودًا من الساعات في يومك، ولا يمكنك زيادة عدد هذه الساعات في اليوم الواحد، حرفيًّا. يمكنك بالطبع أن ترفع من أجرك في الساعة الواحدة من خلال توجيه عروضك للعملاء المستعدين حقًا للدفع، والتركيز على قيمة العمل التي ستفيد العميل عوضًا عن المنافسة على السعر. لكن بالرغم من كل ذلك سيكون إنتاجك أقل ممن يسعِّر عمله حسب طبيعة المشروع أو العمل.
أما في حالة التسعير بناءً على طبيعة المشروع نفسه، فإن العامل الذي يتحكم في زيادة دخلك هو سرعتك في إنهاء المشروع، وستتعلم مع الوقت كيف تعمل بكفاءة أعلى، وبالتالي تنجز المشاريع في وقت أقل، ما يعني أنك ستزيد من دخلك (وتبهر عملاءك بأسلوبك المميز والسريع)".
يبدو بيان إيوَر جريئًا بعض الشيء، لكنه بأي حال يقول إنّ هذا الأسلوب يؤتي أُكلَه معه هو شخصيًا (لاحظ أنه كاتب مستقل يعمل أساسًا على مشاريع تدوين وتخطيط محتوى).
فمن منظور توم إيوَر، إذا كنت تستطيع إنهاء عمل قيمته 500 دولار في ساعتين، فهذا يعني أن أجرك في الساعة الواحدة كان 250 دولار، هذا إن كنت تحدد أجرك حسب طبيعة كل مشروع.
أما إذا اتبعت نظام الأجر بالساعة، فستجاهد كثيرًا لكي تصل إلى هذا المعدل (250 دولار في الساعة)، خاصة إن كنت لا تزال جديدًا في السوق ولا تملك الكثير من الأعمال التي تستطيع المساومة بها.
ثم يحتج إيوَر على سوء نظام الأجر بالساعة بالنسبة حتى للعميل (برغم ما يظهر من خلاف ذلك)، بأنه يشوِّش رؤيتهم لقيمة العمل، كما ترى من كلامه هنا:
اقتباس"... يؤثر في حكم عملائك على جودة العمل
قد يدهشك اختلاف ردود أفعال العميل على عرضك الذي تقدمه لنفس الوظيفة إذا اختلف أسلوب تقديمك لهذا العرض، حتى لو كان العميل سيدفع نفس القيمة، بسبب التأثير النفسي الذي يحدثه أسلوبك على العميل.
دعني أضرب مثلًا لتوضيح الأمر، لنقل إن عميلًا عرض عليك كتابة مقال من 1500 كلمة عن موضوع تقني معقد، ويصادف أن يكون هذا الموضوع هو مجال تخصصك، ولنقل إن العميل مستعد أن يدفع 150 دولار كي يحصل على المقال في ثلاث ساعات (بالتالي فهو يعتبر أن 50 دولار للساعة الواحدة أجرًا مجزيًا للغاية).
لنختبر الآن كيف يكون رد فعل العميل إذا سمع العرض بالأسلوبين التاليين:
- إن المقال سيكلف 150 دولار لكتابته.
- إن المقال سيأخذ ساعة تقريبًا، وسيكلف 150 دولار لكتابته.
إذا فرضنا أنك ستجرب الطريقتين مع العميل، فإنه سيتقبل العرض الأول بلا شك، برغم أن القيمة التي سيدفعها العميل واحدة في كلا العرضين.
إن هذا علم نفس بحت، يدور حول استشعار قيمة العمل. لقد تحدث كِريسْ جوليبو عن هذا الأمر في كتابه The $100 Startup، حيث قال إنه دفع خمسين دولار لخبير أقفال كي يفتح قفل سيارته، ثم شعر أن هذا الخبير خدعه في هذه الصفقة حين أنهى العمل سريعًا، وقد حلل هذا الشعور غير المنطقي بقوله:
" ...لقد أدركتُ أني أردته أن يستغرق وقتًا أطول في فكّ القفل، برغم أن ذلك سيؤخّرني أنا. لقد أردته أن يعاني أكثر مع قُفل سيارتي كنوع من الجهد المبذول في العمل، لكي أشعر بالرضا كونه بذل مشقّة أكبر تساوي في نظري الحصول على أجره، بقدر ما يبدو أن هذا ليس له أساس منطقي أبدًا. لم أكن راضيًا عن هذه الصفقة دون سبب وجيه، فقد لبى صانع الأقفال حاجتي بحل سريع وشامل لمشكلتي."
إني أتفق مع إيوَر في مجمل هذه النقطة الثانية بشأن مدى إدراك العميل لقيمة عملك، وقد رأيت هذا بنفسي حين قيَّمت أحد المقالات التي طلبتها من أحد المُستقلّين، إذ أن أهمية المساومة على قيمة العمل ككل تتعدى أي شيء آخر حقَّا.
وإن رجعنا إلى المثال الذي ذكرتُه بالأعلى (إنهاء مشروع قيمته 500 دولار في ساعتين)، فإن العميل سيرفض فكرة دفع 250 دولار في الساعة (ليس كل العملاء، لكن فئة منهم على أي حال). ويجعلك هذا تتساءل كمستقل عن سبب غضبهم إذا كانوا سيحصلون على قيمةٍ -ممثلةٍ في المشروع- ثمنها 500 دولار في كلا الحالتين، فلماذا يغضبون إذًا في حالة تقديم العرض بالصورة الثانية التي ذكرها إيوَر قبل قليل؟ بكلمة أخرى، لماذا يريدونك أن تعمل أكثر إذا كنت تستطيع أن تنهي العمل في وقت أقل؟ هل يستكثرون عليك أجرك؟
إن وجهة نظر توم في هذا الأمر تبين أن العامل المستقل سيستفيد من التسعير الثابت لكل مشروع عبر إنهاء المزيد من المشاريع بسرعة أكبر، في حين أن طريقة الأجر بالساعة ستقيدك وتشغل وقتك أن تعمل على مشاريع جديدة.
حالة الأجر بالساعة
إن الطرف الذي يمثل هذا الجانب في مناظرتنا هو برينن دون، مؤسس Planscope -برنامج لإدارة المشاريع-، ومؤلف Double Your Freelancing Rate ، وهي دورة لزيادة أرباحك كعامل مستقل، بناءً على ما تطلبه كأجر لك.
وهو يرى أن نظام الأجر بالساعة يقدم مزايا لا يمكن لنظام الأجر الثابت أن يقدمها، حيث أن كل ساعة تعملها ستصب مالًا في حسابك البنكي، ويفصل وجهة نظره قائلًا:
اقتباس"ما لم تقدر طبيعة المشروع جيدًا وكم الوقت الذي ستحتاجه لإنهائه، فإن طريقتك في عرض تسعيرك حسب المشروع فيها مخاطرةٌ كبيرة. لعلك وضعت افتراضات كثيرة أثناء تقديرك لأجرك، إن هذه الافتراضات تكثر لدرجة أنه يمكن تخصيص كتاب كبير لفن تقدير حساباتك فقط! -أرشح لك كتاب Agile Estimating and Planning-.
غير أن هذه الافتراضات تدفعنا لتبسيط مزايا المشروع أكثر من اللازم، ثم نقضي الكثير من الوقت لاحقًا لإخراجها كما يريد العميل. في حين أن العميل نفسه لا يملك تصورًا واضحًا على الأرجح عن طلبه، وبالتالي سيطلب الكثير من التعديلات، وكل تعديل سيأخذ مزيدًا من وقتك وسيضيّع عليك أرباحًا كان بإمكانك تحقيقها من مشاريع أخرى.
إن أبرز الأمثلة على متطلبات العملاء الشخصية، وغير الموضوعية في كثير من الأحيان تكون في مجال تصميم الويب Web Design.''
إن برينن لا يقدم هنا وجهة نظره الشخصية فقط، بل إن هناك أوراقًا بحثية نشرتها مدرسة كيلوج Kellogg، تقول في مجملها أننا سيئون جدًا في توقع أمور مثل معدل إنتاجنا المستقبلي.
إذًا، حين قلت لنفسك قبل ثلاثة أسابيع أن هذا المشروع سيستغرق أسبوعين فقط، فإنك بالغت في تقدير كفاءة إنتاجك. بل إن الأهم من ذلك هو أن قوة تحكُّمك بشأن بعض طلبات العملاء الغريبة في منتصف المشروع ستكون أقل بالتأكيد، لأنك فقدت أحد أوراق قوتك في المفاوضة أثناء المشروع على الأجر أو التعديلات أو غير ذلك.
لعلك تحظى ببعض العملاء المميزين الذين يريحونك من هذه الطلبات الغريبة، لكن هؤلاء ليسوا قاعدة ولا يقاس عليهم، فإن شخصيات العملاء وتوقعاتهم تختلف في كل مرة. إن معظم المستقلين الذين يتبعون هذا النظام منذ زمن لديهم حتمًا بعض العملاء ذوي الطلبات العجيبة. لهذا السبب تحديدًا فإني أتفق مع برينن عوضًا عن توم إيوَر.
من الملاحظ أيضًا أن برينن يستشهد بصناعة مثل تصميم الويب، وهذا ما يجعل نصيحة توم إيوَر مفصّلةً بحيث تناسب عمله في الكتابة فقط.
فقد وجدت بسبب عملي في تخطيط المحتوى أن العملاء لا يدققون في التفاصيل إذا كان العمل متعلقا بالتسويق، وإنما يركزون على النتائج، وهذا مفيد لإيوَر حيث أنه كاتب بارع، ولا يقابل الكثير من العملاء الذي يطلبون آلاف التعديلات على ما يكتب، إذ أنهم يركزون على النتائج كما قلت.
لكن من الناحية الأخرى، فإن برينن دون يعرف جيدًا حال أناس مثل مصممي الويب، حيث يمكن بسهولة أن يتحول مشروع بسيط إلى جحيم كلما طلب العملاء مزيدًا من المواصفات التي تتجاوز الحد، فيكمل قائلًا:
اقتباس"...إن العميل في خطر أيضًا في حالة الأجر الثابت، خاصة حين تعمل مع مستقل ذكي، فإن المستقلين المحنكين يعلمون أن هذه السلسلة غير المنتهية من التعديلات ستؤذي دخلهم بلا شك، لذلك فإنهم، أي المستقلين، يكونون أكثر مقاومة للتغيير، وسيتعلمون مع الوقت رفع ذلك الشعار الذي يكرهه العملاء "هذا خارج نطاق الاتفاق".
وكلما تطور المشروع فإن تغيير نطاقه ومداه مفيدٌ اقتصاديًا، ولكوني مستقلًا محترفًا أطلب سعرًا متميزًا لخدماتنا، فإننا نريد تسليم نتائج أفضل من المتوقع. لكن حين نربط أنفسنا بنطاق ثابت للعمل، فلن يمكننا فعل ذلك بالمستوى الذي نريده."
إنني أتفق مع برينن هنا أيضًا، لكن بشكل أقل من النقطة السابقة. إذ أني أشعر أن العملاء يطلبون أكثر من اللازم إذا تعرضوا لمشكلة ما أثناء تنفيذ المشروع (رغم أن ذلك لا يحدث بكثرة)، وبالتالي فإنهم يدفعون المستقل دفعًا إلى قول "هذا خارج نطاق الاتفاق". لكن إذا حدثت مشاكل في فترة تنفيذ المشروع فإن الأمر في الغالب يكون سوءُ تقدير من العميل لحجم المشروع.
ماذا عنك أنت؟
لقد اطلعنا الآن على أدلة الفريقين، وقد رأينا بعض النقاشات المقنعة من كلا المعسكرين، وقد حان الوقت لنعرف وجهة نظرك في الأمر. وبما أن تلك المناظرة قد تحمل دائمًا هذين الجانبين المختلفين، فإني لا أملك سوى سؤال واحد لك:
ما هو نظام الدفع الذي تفضله كمستقل، نظام الأجر بالساعة أم الأجر المرتبط بالمشروع؟ لعلنا نستفيد من تجربتك في الأمر.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال (The Great Freelance Debate: Hourly vs. Fixed Rates (Which is Better لصاحبه Gregory Ciotti.
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.