عندما نُسدي نصائح حول العمل عن بُعد، فإننا ننطلق من منظورنا الخاص بوصفنا فريق عمل مكونًا مئة بالمئة من موظفين يعملون عن بعد.
وعلى أي حال، لم يكن هذا النوع من التفكير هو القاعدة ولا المعيار حتى. وقد تبين للمعنيين في Bufferخلال أول دراسةٍ أجروها حول وضع العمل عن بعد أن غالبية الشركات التي توفر العمل عن بعد ليست كذلك مئة بالمئة؛ بل إن 65 بالمئة منها تجمع ما بين موظفين يعملون ضمن مكاتب تابعة لها وبين آخرين يعملون عن بعد.
ويتعامل هذا النوع من الشركات "المركّبة"، وهي واحدة من أنواع متعددة على مقياس العمل عن بعد، مع مجموعة فريدة من التحديات:
- كيف للمؤسسات أن تحتويَ الموظفين عن بُعد؟
- ما هي المزايا التي يحققها وجود بعض الموظفين عن بُعد على صعيد العمل؟
- كيف للمؤسسات أن تتعامل مع وجود موظفيها في مناطق زمنية مختلفة؟
- بماذا تردُّ على المشككين في أن بوسع الموظفين العملُ أثناء السفر وأن يكونوا مُنتجِين في آنٍ معًا؟
- ما النصيحة التي توجّه إلى مؤسسةٍ لها مقرٌ ومكاتب بدأت للتو العملَ عن بُعد؟
- كيف تبني ثقافةً خاصة بشركةٍ لها يتبعُ لها موظفون يعملون ضمن مكاتبها بالتوازي مع آخرين يعملون عن بعد.
وقد لجأ المعنيون في Buffer إلى أصدقائهم في شركة RemoteYear للحصول على إجاباتٍ على ما سبق طرحه من أسئلة، إذ تتيح تلك الشركة المجال لموظفيها العاملين عن بُعد العملَ من موقعهم الجغرافي المنفصل عن مقرها وكذلك السفرَ حول العالم أثناء عملهم لمدة سنة واحدة أو أربعة أشهر فيقضون شهرًا واحدًا في كل مدينة. وتوفر هذه الشركةُ وسائل النقل والإقامة ومساحات العمل وخدمة WiFi تُلبّي حاجات العمل.
وقد تكرَّمَ السيد غريغ كابلان (Greg Caplan) بمنح فرصة إجراء مقابلة تمخّض عنها هذا المقال، ليتحدث عن أفضل ممارسات العمل عن بعد والأفكار المتعلقة بمستقبل مكان العمل.
1.- كيف للمؤسسات أن تحتويَ الموظفين عن بُعد؟
عند بدء الحديث مع فريق العمل في شركة RemoteYear، كان واضحًا أنهم على دراية بهذا التحدي: كيف للمؤسسات التي لديها موظفون يعملون ضمن مكاتبها، وآخرون يعملون عن بُعد، أن تُدير العمل اليومي بالنسبة لكل من أولئك الموظفين؟
وتُمثل قوة العمل المنقسمةُ هذه تحولًا كبيرًا بالنسبة للعديد من المؤسسات والقطاعات التي عليها الآن أن تكون مسؤولة عن موظفين "غير مرئيين وجهًا لوجه" وأن تقدم لهم الدعم اللازم للمرة الأولى.
وإليكَ ما أجاب به غريغ حول تلك الخطوة الأولى المتعلقة باستقطاب العمل عن بُعد إلى المؤسسة:
يتجلى الفرق بين الموظفين عن بعد والموظفين العاديين في طريقة التواصل فقط. والسبيل إلى احتواءٍ أكبر لأولئك الموظفين عمومًا هو عبر اللجوء إلى أفضل الممارسات الطبيعية من قبيل تحديد الأهداف والحصول على نتائج واضحة، بدلًا من التعويل على تفاعل عشوائي ضمن المكاتب. عليك أن تكون أكثر جدية في الطريقة التي تتواصل فيها.
ولدى الحديث عن الكيفية التي يبدو عليها ذلك التواصل الجدّي، فقد حرِص غريغ على التركيز على تحديد الأهداف.
يختلف الأمر بالنسبة لكل شخص، ولكنك بحاجة إلى بلوغ أهداف محددة. وبالنسبة للقائمين على Buffer، فإنهم يبنون تلك الأهداف على الأهداف السنوية التي يقسّمُون إلى أرباعٍ (يمثل كل منها ثلاثة أشهر في السنة) وإلى أشهر كذلك، ويكون لديهم أولوياتٌ خاصة بكل أسبوع يسعى موظفوهم إلى بلوغها. وتتحقق معظم نقاط التواصل خلال الاجتماع الأسبوعي الذي يُجرى مع كل موظف على حدة. وهناك اعقتادٌ أن كلًا منهم بحاجة إلى عقد اجتماعات من ذاك النوع مرة كل أسبوع مع كافة موظفيه الذين يأتون بعده مباشرةً في الترتيب الوظيفي، والذين يوافونه بتقارير مباشرة.
ومن بين الأمور الرئيسة التي شدّد عليها غريغ هي أنه بوجود الموظفين عن بعد، فمن المهم قياس أدائهم على أساس النتائج التي حققوا وليس على أساس وجودهم جسديًا من عدمه.
ووفقاً لما قاله غريغ فإنه بوسعك استخدامُ أي نظام ناجحٍ بالنسبة لفريق العمل لديك مادمتَ تعمل مع موظفيك على تحديد أهدافٍ واضحة، وجادًّا حول الهدف المتوخى من ذلك النظام.
2. ما هي المزايا التي يحققها وجود بعض الموظفين عن بُعد على صعيد العمل؟
بيَّنَ غريغ (ونوافقه الرأي) أن هناك مزايا كثيرة ترتبط بالعمل عن بُعد. وفيما يخص الشركات التي ترسل موظفيها عن طريق شركة RemoteYear لأربعة أشهر أو سنة واحدة، استطرد غريغ في الحديث عن أربع مزايا رئيسة تحققها تلك الشركات.
1. استقطاب المواهب
بدأنا نلاحظ كثيرًا من الشركات التي شرعت في اللجوء إلى شركة RemoteYear ومثيلاتها من الشركات التي توفر خياراتٍ مرِنة للوصول إلى ذوي المواهب. وثمة أنواعٌ من المواهب التي بات صعبًا العثور عليها وتوظيفها، فكان العملُ عن بعدٍ خير فرصةٍ لتحقيق ذلك.
وقد طرح غريغ هذا المثال: عندما بدأت منصة Fiverr السماح للموظفين بالاستفادة من خدمات شركة RemoteYear، ارتفع عدد طلبات العمل التي وردتها إلى ما يزيد عن 200% بما في ذلك ارتفاعُ نسبة الطلبات المقدمة من مرشحين مؤهلين بمقدارٍ أعلى بمرتين.
2. الحفاظ على المواهب
لولا العملُ عن بُعد لشاهدنا كثيرًا من الموظفين يتركون وظائفهم لكونهم قد يرغبون في السفر أو كسب مزيد من المرونة في نمط حياتهم، ولذلك يُعَدُّ توفير مزيد من المرونة سبيلًا ناجعًا للحفاظ على ذوي المواهب.
3. الاندماج الوظيفي والتقدير
بالنسبة لهذه النقطة بالذات، كان لدى غريغ بيانات مثيرة للاهتمام ليشاركنا إياها:
تبيَّن أن لدى الشركات التي يحظى موظفوها بخياراتٍ مرنة مؤشرُ ترويج صافٍ بمعدلٍ يبلغ +48.
4. التعلم والتطور
لو فكرتَ في ما تقوم به شركة RemoteYear من إتاحة المجال للموظفين لخوض تجربة عالمية الطابع، لعلمتَ أن من شأن ذلك بناءُ كافة أنواع المواهب من قبيل ما يُعرف بالمنظور العالمي، إذ تتصاعدُ أهمية تلك التجربة مع اهتمام مزيد من الشركات ببناء قاعدة زبائن على المستوى العالمي.
3. كيف للمؤسسات أن تتعامل مع وجود موظفيها في مناطق زمنية مختلفة؟
كثيرًا ما يواجه المعنيون في Buffer التحديَ المتمثل في اختلاف المناطق الزمنية؛ فوحده فريق التسويق التابع لهم يعمل في سبع مناطق زمنية مختلفة.
وقد أسدى غريغ نصيحتين رئيستين:
1. اجعل التواصل لاتزامنيًا.
2. شكِّل فِرَقَ عملٍ يُراعى فيها اختلافُ المناطق الزمنية.
ينطوي المنهج الذي نسجهُ غريغ بحنكةٍ على تفهٌّمٍ عميق لاحتياجاتِ كل فريق عمل.
عليك التفكير بكل فريقٍ وتحديدًا بما من شأنه جعل الأمور منطقية بالنسبة له. وإذا ما احتجتَ إلى تواصلٍ آنيّ، عليك عندها تشكيل فِرَقِ عملٍ بشكل يكون أكثر مراعاةً للمناطق الزمنية.
ويشرح غريغ قائلًا إن هذا لا يؤثر بالضرورة على الميزة المتمثلة في مَجمَع المواهب، وهي الميزة التي يوفرها العمل عن بُعد، وإن فِرَق العمل لا يزال بوسعها مع ذلك التوظيفُ على المستوى العالمي. بل كل ما عليهم فعله هو البقاء متيقظين إلى الحالات التي يكون التواصلُ الآنيُّ فيها ضروريًا مقابل إمكانية التواصل بشكل لامتزامن.
وكما هو الحال في Buffer، فقد تفاعلَ غريغ مع شركاتٍ كانت جادّة في نشر أعضاءٍ في فِرق عمل عبر مختلف المناطق الزمنية.
اقتباس"أفادت بعضُ المؤسسات بأن هناك مزايا متأتية من وجود أُناسٍ على الجانب الآخر من الكرة الأرضية حيثُ يمكنهم هناك التركيز على متطلباتٍ مختلفة للزبائن".
4. بماذا تردُّ على المشككين في أن بوسع الموظفين العملُ أثناء السفر وأن يكونوا مُنتجِين في آنٍ معًا؟
كثيرًا ما يرِدُ هذا السؤال في Buffer ويتفقون كليًّا مع الجواب الذي أعطاه غريغ إذ يقول:
يتعلق الأمرُ بثقتك في موظفيك.
وقد تبيَّن أنه من المستحيل بناء تلك الثقة في أول بداية العلاقة مع الموظفين، بالرغم من أن غريغ كان قد ذكرَ أن تحقيق ذلك قد يكون أسهلَ مع الموظفين الذين كانوا على تماس شخصي مع الشركة لبعض الوقت. يقول غريغ:
اقتباس"من الصعب جدًا بدءُ علاقة جديدة مع أحدهم والانتقال إلى مستوى الثقة. ويتحقق ذلك عادةً عندما يصبح لديك مستوى من الثقة والفهم لذلك الشخص يعقب عملك معه بفترةٍ تسبقُ دخولك وإياه في رحلة كسب الثقة تلك".
ويجيب غريغ على هذا السؤال بطريقة أخرى بالتأكيد على أهمية توفير الخيارات المرتبطة بالعمل عن بُعد وعلى ضرورة أن يكون ذلك محوريًا بالنسبة للشركات، فيقول:
اقتباس"ستخسر الشركاتُ غير القادرة على تبنٍّ ناجح للسياسات وثقافة مكان العمل تلك حربَ استقطاب المواهب التي تخوضها مع غيرها من الشركات وستُمنى بهزيمة المنافسين لها".
وعندما سألتُ غريغ عن حروب استقطاب المواهب، فقد وسّع ذلك المفهوم بقوله:
اقتباس"سيزداد الأمر صعوبةً على الناس لشُغل الوظائف بمعيار الجودة الذي كانوا يحققونه تاريخيًا في حال لم يكونوا منفتحين على الوجود في مناطق جغرافيّةٍ مختلفة أبعد بعشرين ميلًا من مقر الشركات التي يعملون لصالحها".
5. ما النصيحة التي توجّه إلى مؤسسةٍ لها مقرٌ ومكاتب بدأت للتو العملَ عن بُعد؟
في حال كُنتَ عازِمًا على البدء في توفير عملٍ عن بُعد، إليك بعض الطرق التي تُساعدك على إنجاز ذلك.
إن أفضل ما تقوم به هُنا هو البدءُ رويدًا رويدًا؛ فمن الصعب إنجازُ نقلةٍ نوعية من اليوم الأول. وتبدأ كثير من الشركات التي أتواصلُ معها بإتاحة يوم عملٍ واحدٍ من المنزل وذلك لمرةٍ واحدة في الأسبوع. وأعتقد أنّ إتاحة المجال للموظفين للابتعاد عن المكتب تترافق مع شعور بالراحة والاعتياد على ذلك، كما تجبر المؤسسةَ على تكييف ذلك بما يتلاءم وظروف الموظفين الآخرين.
أما عن فكرته الأخرى حول الكيفية التي تبدأ فيها المؤسسات بإتاحة العمل عن بُعد، فهي تنطوي على اختيار شخصٍ واحد لدفعِ المشروع قُدُمًا. يقول غريغ:
اقتباس"تتمثل الطريقة الأخرى للبدء رويدًا رويدًا في البدء بشخصٍ واحد وجعلِه رائدَ أفضل الممارسات المتعلقة بذلك. وللقيام بذلك على أحسن وجه، عليك تمكينُ ذلك الشخص ليوافيَك بالملاحظات ويساعد المؤسسة بدلًا من أن يكون معزولًا عن جوِّ تلك المؤسسة".
ويضيف غريغ قائلًا:
اقتباس"من المهم ألّا تتسرع المؤسسةُ كثيرًا في إتاحة العمل عن بُعد، بل عليها أيضًا عندما تخطو أول خطوة في ذلك النحو أن تكون واعيةً له تمام الوعي وأن تتشرَّبَ هذه التجربة عبر تلك العملية برمّتها، وبعدها يمكنها أن تتكيف معها وتبني عليها".
6. كيف تبني ثقافةً خاصة بشركةٍ لها يتبعُ لها موظفون يعملون ضمن مكاتبها بالتوازي مع آخرين يعملون عن بعد
يبرزُ هذا السؤال كواحد من أكثر الأسئلة شيوعًا حول دعم الموظفين عن بُعد، ويقول غريغ ردًّا على ذلك:
اقتباس"أعتقدُ أن من الصعب حقًا بناءُ ثقافةٍ ضمن نظام ساعات عملٍ من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً عندما يكون لديك موظفون ليسوا جسديًا على مكاتب المؤسسة خاصتك، فأنت لا تحتك بهم ولا تتفاعل معهم مطلقًا ضمن بيئةٍ مكتبية".
ما الحلُّ إذًا؟ وفقًا لوجهة نظرغريغ:
اقتباس"تُبنى ثقافةُ العمل والعلاقاتُ والثقة المتبادلة خارج جدران المكتب، كما في الخروج معًا لتناول الغداء والعشاء أو حضور الفعاليات".
وقد بلغت به اللطافة أن سمّى الفعاليات التي تقيمها Buffer على سبيل المثال. فالقائمون على Buffer يأخذون فريق العمل كاملًا في رحلةٍ تتضمن فعاليةً واحدة كبرى مرة كل سنة، كما أنهم بدؤوا تنظيم فعالياتٍ سنوية صغيرة يُتاحُ فيها المجالُ لفرق العمل في Buffer أن تجتمع معًا لمدة أسبوعٍ في مكان آخر خلال السنة.
ويقول غريغ إنّ السبب الكامنَ وراء النجاح الباهر لهذا النوع من الاجتماعاتِ خارج أسوار الشركة في خلقِ ثقافة شركةٍ يتمثل في > "أنّ من شأنها بناءُ علاقاتٍ وتفاعلاتٍ وثقة مع الموظفين الآخرين بالنطر إلى أنك تخوضُ تجربة سفرٍ وبوسعك التواصل مع الآخرين بشكلٍ حقيقي".
وأضاف غريغ:
اقتباس"لا أعتقد بوجود ثقافة غنية أو قيمة مرتبطة بالمكان تنبع من الوجود ضمن مكتب، ولكن هناك كلفةً كبيرة لذلك، وينتبه الناسُ إلى القيمة التي يفقدون وليس إلى المكتسبات التي عليها يحصلون".
ترجمة -وبتصرف- للمقال How to Run a Workplace with Office and Remote Workers: An Interview with the CEO of RemoteYear لصاحبته [Hailley Griffis].
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.