في عالم التكنولوجيا، يوجد تهديد متكرر يشمل المتناقضات التالية:
- المنهج الفلسفي للشركات التي تبنت مقاربة الشركات الرشيقة، المتضمن دورات سريعة للحصول على عملاء، والتركيز على التعليم.
- الشركات المدفوعة بأطروحات ولديها مهام أكبر تسعى لتحقيقها بكل ما لديها من موارد، مغيرةً في خضم ذلك الواقع حسب رغبتها باستخدام نماذج من أصحاب الرؤى في المنتجات مثل Jobs و Gates و Musk.
أحد الأمثلة على ذلك هو تغريدة أحدهم على منصة تويتر القائلة بأن تقييمات الطلبة بنظام الدرجات مبالغ في تقديره، وفي المقابل فإن أصحاب الرؤية مستخف بهم.
تحولت النقاشات في هذا السياق إلى حوار حب/كراهية تجاه الشركات التي تجري التجارب، وكأن الشركات الحذرة حول افتراضاتها والتي ترغب في إبطال الفرضيات الأكثر خطورةً من خلال التجارب، تفتقر لرؤية مستقبلية ويمنعها إجراؤها للتجارب من امتلاك رؤية أو تغييرها.
يركّز هذا المقال على الطريقة التي ينبغي أن يفكر بها مدير المنتجات في المستقبل، وكيف يمكنه بناء رؤية منتجه على أسس مادية وتحويلها إلى استراتيجية منتج، ومن ثم تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال إجراءات فعلية تسمح للمنتج النهائي بالظهور اعتمادًا على كل من القناعات على المستوى الكلي والتجربة على المستوى الجزئي.
ما هي الإستراتيجية؟
حاول العديد من الكتاب وممارسي استراتيجية المنتجات خلال السنوات القليلة الماضية توضيح تعريف الاستراتيجية وكيف تترجم إلى ممارسة فعلية، ورغم أن التفكير في الاستراتيجية ليس أمرًا جديدًا بطبيعة الحال، إلا أن العشر سنوات الأخيرة عرفت توضيحًا أفضل لتعريف تطبيقها على اقتصاد الإنترنت والمنتجات الرقمية، كما أن الكتب -لصاحبها هاميلتون هيلمر Hamilton Helmer- الموصى بها من طرف أفضل المؤسسين والمستثمرين في المجال مثل“ استراتيجية جيدة/ استراتيجية سيئة Good Strategy/Bad Strategy” وكتاب 7 قوى 7Powers ساعدت على صقل قاعدة هذه المعرفة الجماعية من خلال توليفة ممتازة.
من جهة أخرى، فإن روادًا آخرين أمثال Ben Thompson و Tren Griffin و Web Smith و Gibson Biddle أو Ryan Singer، يكتبون ويعلّمون، ويختصرون استراتيجية المنتج من خلال كتابتهم وقياساتهم وتحليلهم، ويمكن تعريف الاستراتيجية من خلال بعض أفكارهم كما يلي:
اقتباس
- تعمل الاستراتيجية الجيدة من خلال تركيز الطاقة والموارد على هدف واحد فقط أو على عدد قليل من الأهداف، والتي يؤدي تحقيقها إلى سلسلة من النتائج الإيجابية"— كتاب Good Strategy/Bad Strategy المشار إليه مسبقًا.
- "كيف يمكن لمنتجك أن يسعد عملاءك بطريقة يصعب نسخها وتزيد في نفس الوقت من هامش الربح؟" Gibson Biddle—
- "القوة هي مجموعة الشروط التي تخلق احتمالية استمرار العوائد التفاضلية، أما الاستراتيجية فهي الطريق التي تستخدمه القوة المستمرة في الأسواق الكبرى" — 7 Powers.
ترتبط فكرة كل من الاستراتيجية والقوة مباشرةً بحقيقة أنك حققتهما، أي أنك حققت ميزةً تنافسيةً يمكن تحديدها من خلال كل من المنافع الاقتصادية التي تعود على شركتك، وكذا العوائق التي تفرضها على منافسيك وعلى الداخلين الجدد إلى السوق.
بعبارة أخرى، تخلق الاستراتيجية والقوة فجوة، وتنطبق هذه الفجوة عادةً على الشركات عندما تكون كبيرةً كفايةً لتبدو غير قابلة للتجاوز من قِبل المنافسين في ظل الوضعية الحالية للسوق. وتُعَد هيمنة جوجل على محركات البحث عبر الإنترنت مثالًا عن الفجوة المذكورة (في كل مكان في العالم ما عدا الصين وروسيا)، إذ يتعين على أي شخص يرغب في إحداث تغيير في عمليات البحث على الإنترنت أن يواجه ما تمتلكه جوجل من هيمنة تكنولوجية وقوة العلامة التجارية وامتيازات التوزيع (مثل التسعة ملايير دولار أمريكي التي تدفعها لتكون محرك البحث الافتراضي على نظام تشغيل الهواتف IOS)، وليتمكن أي منافس من تعطيل جوجل في هذا المجال، يجب أن يحدث تغيير جذري في السوق (أمر ما مثل انفجار محتوى الانترنت غير الممركز الذي قادنا إلى الحاجة إلى جوجل المقام الأول).
من الجدير بالذكر أن جوجل تحولت إلى ألفابت Alphabet، وهي تكتل مهيمن لشركات الإنترنت، وربما تكون نمت بما يتجاوز هدفها الأصلي المتمثل في تنظيم المعلومات حول العالم وجعلها متاحةً ومفيدةً عالميًا. لقد أعطت هذه الرؤية طريقًا لرؤى جديدة، وتطورت استراتيجيتهم معهم، فقد نشأت انطلاقًا من أطروحتهم من خلال ثقافة تجريبية على المدى الواسع، وبالتالي فإنه رغم وضوح التغير الجذري الذي مرت به الشركة خلال حياتها، فمن الواضح أيضًا أن شركةً بنفس الحجم والقدرة على تغيير العالم من غير المرجع أن تنشأ من استراتيجية مختلفة.
الاستراتيجية المدفوعة بالأطروحة مقابل الاستراتيجية الناشئة: الانقسام الخاطئ
قبل أن ننتقل إلى العدسات السبعة حول الإستراتيجية والقوة وكيف يمكن تطبيقها على تطوير منتجك، فإن هناك صورةً قد بدأت بالتبلور حول كيفية وضع استراتيجيتك وتطوير أطروحتك فيما يتعلق برؤيتك للعالم (أو لشركتك)، ومدى اختلافه عندما تحقق أهدافك الأكبر والأكثر طموحًا، حيث لا يغير ذلك حقيقة أنك ستجمع العديد من الافتراضات حول مشكلتك، بالإضافة إلى الحلول ومساحات التنفيذ، وهو ما يمكن اختباره تأكيده أو نفيه من خلال التجارب الصارمة السريعة على المستوى المحلي.
طريق شركتك إلى النجاح ستقوده كل من نتائج تجاربك - والمتمثلة في طرق إبعاد المخاطر عن مجازفاتك وقياس مدى توافق رؤيتك مع السوق- واقتناعك بأطروحتك وسعيك الدؤوب للالتزام بها.
كتابة الاستراتيجية
حسب كتاب Good Strategy/ Bad Strategy، فإن أحد أهم مبادئ الاستراتيجية الممتازة هو حقيقة أنها يجب أن تبدأ مما يلي:
- التحديد الواضح للعائق الحالي الذي يمنع من الوصول إلى قوة استراتيجية قوية.
- وضع سياسة إرشادية (الحدود الحامية للاستراتيجية واتجاهها).
- وضع مجموعة من الإجراءات المتماسكة التي تسمح معًا بتجاوز العائق.
غالبًا ما تغيب هذه الممارسة على المستوى الأعلى لقيادة المنتج، وذلك عندما يفكر الأشخاص العاملون في مجال المنتجات في نسخة أفضل من العالم، فهم يفكرون أيضًا في سلسلة من الخطوات (تُصمم عادةً لتلائم العرض على شرائح برامج العروض التقديمية)، حيث يمكن استخدامها لإطلاق محرك المنتج، ولكن عادةً ما تغيب سياسة جيدة للتوجيه، والتي يمكن أن تسمح للأفراح بالتبادل تجاريًا بحكمة، وكذا غياب خطوات متناسقة وداعمة، والتي يمكن لنجاحها أن يساهم في تجاوز العوائق في الطريق نحو قوة السوق.
على سبيل المثال، يبدو أن وظيفة المنتج في شركة أمازون (والتي يقف وراءها توجه مديرها التنفيذي الموضح في رسالته رقم 97 لحملة الأسهم) قد أدركت كلًا من عجز الإنسان عن التصور الواضح، ووصف التغيرات التي يريد إدخالها مستقبلًا بعد نجاح المنتج؛ وكذا عجزه عن إبراز الحدود الحامية والخطوات الفعلية وتحليلها نقديًا بفعالية وفي الوقت المناسب؛ وقد انعكس ذلك على إعداد الشركة لملخصات المنتج، إذ تستعمل شركة أمازون تقنية الست صفحات كملخصات للمنتج، بالإضافة إلى منهجية العمل إلى الخلف.
تهدف هذه المناهج إلى عرض أطروحة المنتج، والتي تتمحور حول السوق والمستهلك، ومن ثم تتبع الطريق من النهاية إلى البداية وكيف ستوضح خطةً وخطوات واضحة للفوز، وهو ما يمنح مديري المنتجات والفريق التنفيذي المساحة الكافية لشرح المنتج بالتفصيل واختبار فرضياته الرئيسية ومخاطره؛ إلى جانب تحديد خطة للاستجابة لها عن طريق الإجابة على ما يلي:
- ما هي الفرضيات الأساسية التي يمتلكونها؟
- كيف سيتعاونون وينسقون العمل؟
- كيف سيتعاملون مع العوائق في طريقهم؟
- كيف سيحققون في النهاية فجوةً؟
اقتباسيعني ذلك بلورة رؤيتك للمستقبل بطريقة قابلة للتنفيذ مع ترك مساحة كافية للفشل العادي غير الكارثي في سعيك لتحقيق هذه الرؤية، وهذا تعريف المنتج الجيد.
من أجل المزيد حول إدارة تطوير المنتجات الجيدة، يمكن الاطلاع على دورة إدارة تطوير المنتجات على أكاديمية حسوب.
القوى الاستراتيجية السبعة
لعل كتاب القوى الاستراتيجية السبعة لصاحبه هاميلتون هيلمر يحتاج إلى مقال مستقل لوحده نظرًا لأهميته من جهة، ولضرورة التفصيل فيه إذا أردنا تحقيق الاستفادة المثلى من أهم الدروس الواردة فيه من جهة أخرى، إلا أننا ارتأينا أن نذكره في هذا المقال خدمةً لسياق الحديث، فالكتاب يعطينا إطار عمل للتفكير في الأنواع المفتاحية للقوى الاستراتيجية (المعروفة بالفجوات) ومواردها، والمنافع التي تعود بها على الأشخاص التي يحوزونها، والعوائق التي تضعها أمام الأشخاص الذين يتحدونها. يستطيع مديرو المنتجات استخدام إطار القوى الاستراتيجية السبعة لتصميم سياساتهم وخطواتهم، وهو ما يخلق مقاربةً لتحقيق أهدافهم.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Good Strategy, Bad Vision? Product Management Paradoxes — Part I.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.