اذهب إلى المحتوى

في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتعرف على أهم الدراسات، والنظريات؛ التي تمت لمعرفة أثر التحفيز على تحسن الأداء، ونخص هنا كلًّا من: دراسة هوثورن، نظرية ماسلو، نظرية ماكغريغور، نظرية ويليام أوتشي، وأخيرًا نظرية هيرزبرج.

دراسات هوثورن

ما الذي كشفتْهُ دراسات هوثورن؛ التي أجراها إلتون مايو عن تحفيز العمال؟

جاء بعد الحقبة الكلاسيكية للإدارة حقبة العلاقات الإنسانية Human Relations Era التي بدأت في ثلاثينات القرن العشرين، وركَّزت تركيزًا رئيسًا على كيفية تأثير السلوك الإنساني، والعلاقات الإنسانية في الأداء المؤسسي، وقد مثَّلت دراساتُ هوثورن Hawthorne Studies بدايةَ تلك الحقبة، وغيَّرت نظرةَ العديد من المديرين إلى التحفيز، وإنتاجية العمل، ورضا الموظفين، وقد بدأت تلك الدراساتُ في مصنع هوثورن، التابع لشركة الكهرباء الغربية Hawthorne Western Electric في الولايات المتحدة، عندما قرر المهندسون في ذلك المصنع، دراسة تأثيرات مستويات متنوعة من الضوء على إنتاجية العمال، وهي تجربة كانت مثيرة لاهتمامَ فريدريك تايلور؛ أبو الإدارة العلمية، وتوقَّعَ المهندسون أن يؤدّيَ الضوءُ الساطعُ إلى مزيدٍ من الإنتاجية، ولكنَّ النتائج أظهرت أنَّ تنويع مستوى الضوء (سواءٌ بجعله أكثر سطوعًا، أو أكثر خفوتًا) أدَّى إلى زيادة إنتاجية مجموعة العمال الذين أُجريت عليهم التجربةُ، وفي عام 1927، طلب مهندسو مصنع هوثورن من الأستاذ في جامعة هارفارد Harvard، وهو إلتون مايو Elton Mayo، ومن فريقٍ من الباحثين الآخرين مشاركتهم تلك الدراسة.

وبين عامَي 1927 و1932 أجرى الأستاذ مايو مع زملائه تجارب على إعادة تصميم العمل؛ طولِ يوم، وأسبوع العمل، وأوقات الاستراحة، والخطط الخاصة بالحوافز، وقد أشارت نتائجُ تلك الدراسات إلى أنَّ الزياداتِ في الأداء، قد ارتبطت بمجموعة معقدة من مواقف الموظفين، واتجاهاتهم، وادَّعى الأستاذ مايو أنَّ أفراد المجموعتين المشاركتين في الدراسة؛ وهما المجموعة التجريبية، والمجموعة الضابطة، قد أظهرتا إحساسًا بالفخر؛ لوقوع الاختيار عليهم؛ كي يكونوا جزءًا من الدراسة، وهو إحساسٌ حفَّزَ العمال لزيادة إنتاجيتهم، كما تبيّنَ أن المشرفين الذين سمحوا للعمال بممارسة بعض التحكُّم، والسيطرة، في ظل الظروف التي كانوا يعملون فيها، قد نجحوا في زيادة تحفيز أولئك العمال، وقد أفضت نتائجُ تلك الدراسة إلى اكتشافِ ما يسمَّى تأثير هوثورن Hawthorne Effect، الذي يفيد بأنَّ الموظفين سيقدمون أداءً أفضل؛ عندما يشعرون بأنهم يُخَصُّونَ، أو يُقصَدون، بنوعٍ خاصٍ من الاهتمام، أو عندما يشعرون بأنَّ الإدارةَ مهتمةٌ برفاههم وراحتهم، كما قدمت تلك الدراسةُ دليلًا على أنَّ مجموعاتِ العمل غير الرسمي (أي العلاقات الاجتماعية بينَ الموظفين)، والتأثيرَ الجماعي الناتج عنها، لهما تاثير إيجابي على إنتاجية جماعة الموظفين تلك، وقد عزَّزت نتائجُ دراسات هوثورن من فهمِنا لما يُحفِّزُ الأشخاص في مكان العمل، كما تشير تلك الدراسات إلى أنَّه إضافةً إلى الاحتياجات الاقتصادية الشخصية التي جرى التأكيدُ عليها، خلال الحقبة الكلاسيكية للإدارة؛ فإن الاحتياجات الاجتماعيةَ تلعب دورًا مهمًا في التأثير على المواقف، والاتجاهات ذات الصلة بالعمل.

تراتبية الاحتياجات عند ماسلو

ما هي تراتبية الاحتياجات الإنسانية لدى ماسلو، وكيف ترتبط تلك الاحتياجات بتحفيز الموظفين؟

هناك صاحبُ نظرياتٍ آخر مشهورٌ منتمٍ إلى الحقبة السلوكية Behavioral Era من تاريخ الإدارة، وهو عالِم النفس أبراهام ماسلو Abraham Maslow، الذي اقترحَ نظرية للتحفيز، قائمةً على الاحتياجات الإنسانية العالمية، ويعقتد ماسلو أنَّ لكل فردٍ تسلسلٌ هرميٌّ من الاحتياجات، أو تراتبيّةُ احتياجات، تتألف من الاحتياجات الفسيولوجية، واحتياجات الأمان، والاحتياجات الاجتماعية، والحاجة للاحترام، أو التقدير، والحاجة لتحقيق الذات، مثلما تُظهِرُ الصورة 9.4.

تؤكِّد نظرية التحفيز لدى ماسلو على أنَّ الناس يتصرفون؛ إشباعًا لاحتياجاتٍ غير مُلبَّاة؛ فعندما تشعر بالجوع مثلًا، تبحث عن طعام، فتتناوله، فتُشبِعُ بذلك حاجةً فسيولوجية (عضوية) أساسية، ومتى أشبعتَ حاجةً ما، تتناقصُ أهميتُها بالنسبة إليك، فيزدادُ احتمالُ أن تُحفِّزك حاجةٌ أخرى أعلى مستوىً.

ووفقًا لتراتبية الاحتياجات عند ماسلو، أو تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات Maslow's Hierarchy of Needs، فالاحتياجات الإنسانية الأكثر أهمية هي الفسيولوجية، أي الحاجة إلى الطعام، والمأوى، والملبس، وتحفّز الاحتياجاتُ الفسيولوجية الشخصَ لإيجاد عمل بنسبةٍ كبيرة، فالناس بحاجة لكسب المال لتأمين الطعام، والمأوى، والملبس لهم، ولعائلاتهم، وحالما يُشبِعُ الناسُ تلك الاحتياجات الأساسية، يصلون إلى المستوى الثاني في تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات، الذي يتضمن احتياجات الأمان Safety Needs، إذ يحتاجُ الناس إلى الشعور بالأمان، وإلى الحماية من الأذى الجسدي، وتجنُّبِ الأمور غير المتوقَّعة، وفي سياق العمل، يحتاج الناس إلى أمانٍ وظيفي وحماية من مخاطر العمل.

 

صورة 9.4 فصل 9.png

تُعَدُّ الاحتياجاتُ الفسيولوجية، واحتياجات الأمان جسديةَ الطابع، مهمة لدى الأشخاص، وبعد أن تُشبَعَ تلك الاحتياجات، يركِّزُ الأشخاصُ على الاحتياجات التي تتضمن علاقاتٍ مع الآخرين، حيث تحتل الاحتياجاتُ الاجتماعية، أو الحاجاتُ إلى الانتماءِ (القبول من الآخرين)، وتبادلِ الصداقة، والحُب...تحتل المستوى الثالثَ في هرم الاحتياجات لدى ماسلو، كما تساعد المجموعاتُ الاجتماعية غير الرسمية -ضمن العمل وخارجه- في إشباع تلك الاحتياجات الاجتماعية؛ أما المستوى الرابع من هرم الاحتياجات لدى ماسلو، فيشمل الاحتياجات المتعلقة بالاحترام والتقدير، والتي تمثّل الحاجة إلى الاحترام من قِبَلِ الآخرين، وإلى الإحساس بالإنجاز، وتحقيق الأهداف، وينعكس إشباعُ تلك الاحتياجات شعورًا بالقيمة الذاتية، أو تقدير الذات، وأخيرًا، تأتي الحاجة إلى تحقيق الذات، أو إلى بلوغ الفرد أقصى إمكاناته، أو إلى استخدامه لكل طاقته، في المستوى الأعلى من هرم الاحتياجات لدى ماسلو، وبهدف إحاطتك بفهمٍ أفضل حول كيفية تطبيق تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات في عالم الأعمال الواقع؛ نلقِ نظرة على المثال التفصيلي حول متاجر شركة ويغمانس Wegmans. إذ عندما تفكِّر في عملٍ يمثل خيارك الأول، فغالبًا لن يكونَ العملُ في سوبرماركت على رأس قائمة الأعمال التي ستختار، وذلك بسبب ساعاتِ العمل الشاقة هناك، والأجر المنخفض، واستبدال الموظفين بشكل سنوي، والذي يكاد يقترب من نسبة 100%؛ وهي أسبابٌ لا تجعل السوبرماركت أفضل الأماكن للعمل بوجه عام، باستثناء تلك التابعة لشركة ويغمانس Wegmans التي لم يغِب اسمُها عن قائمة مجلة فورتشن Fortune "لأفضل الشركات للعمل لديها Best Company to Work for" ولا سنةً واحدة منذ بدئها، وحتى اليوم، مما منحها مكانًا ضمن قائمة "أساطين أماكن العمل العظيمة Great Place to Work Legends" في المجلة المذكورة.

ومما يجعل شركة ويغمانس ناجحة؛ هو اهتمامُها باحتياجات موظفيها في جميع مستويات تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات، حيث تدفع تلك الشركة أجورًا تفوق متوسط الأجور التي تُدفَع في السوق (ليست رخيصةَ الأجر، فموهبةٌ بحجم تلك التي يمتلكها مساعد رئيس طباخين، عمِلَ سابقًا لدى مطعم الغسيل الفرنسي French Laundry في وادي نابا Napa Valley، لصاحبه توماس كيلر Thomas Keller، الذي يعمل -حاليًا- في أحد متاجر مدينة بيتسبرغ Pittsburgh، وحتى عام 2003، كانت شركة ويغمانس تدفع كامل تكاليف اشتراكات التأمين الصحي لموظفيها (احتياجات فسيولوجيّة)، ويبلغ معدّل استبدال الموظفين لديها 5% فقط، في حين أنَّه يصل لدى أكبر منافسيها إلى 19%، وهي نسبة لا تقترب منها على كل الأحوال، وقد بدأ أكثرُ من نصف مديري المتاجر لدى ويغمانس العمل لصالحها منذ سنوات مراهقتهم (احتياجات الأمان).

ولأن الموظفين يبقون طويلًا مع شركة ويغمانس، فقد غدت ثقافتُها أقوى، وأكثرَ تَجَذُّرًا بمرور الوقت. يقول إدوارد ميكلوكلن Edward McLaughlin؛ وهو مدير برنامج جامعة كورنيل لإدارة صناعة الطعام Cornell's Food Industry Management Program: "إنَّ آخر شيءٍ تودُّ فعله عندما تكون في السادسة عشرة من عمرك؛ هو أن ترتديَ قميصًا غريب المظهر، وأن تعمل في سوبرماركت، ولكنَّ العمل في سوبرماركت تابع لشركة ويغمانس؛ هو وسام شرف، إذ لن يكون هناك مُحاسبَ صندوقٍ غريب الأطوار، بل ستكون جزءًا من النسيج الاجتماعي" (احتياجات اجتماعية)، وهناك طالبة جامعية ذات تسعة عشر ربيعًا تُدعى سارة غوغنز Sara Goggins حازت مؤخرًا على ثناءِ رئيس مجلس إدارة شركة ويغمانس شخصيًا، وهو داني ويغمان Danny Wegman، لما قدمته من مساعدةٍ في تحضير حلوياتٍ مُستوحاة من الطريقة الفرنسية، خلال أحد العروض (احتياجات الاحترام، والتقدير)، ولا تزال سارة محتفظةً بصورتها مع داني ويغمانس، تعرضها خلف طاولة البيع التي تجلس إليها في الشركة، ومن الأمثلة الأخرى؛ فتاةٌ تُدعى ماريا بنيامين Maria Benjamin، التي اعتادت تحضير كعك الشوكولا الكروي chocolate meatball cookies احتفالًا بأعياد ميلاد زملائها في العمل، وقد بلغت تلك الحلويات من الشهرة ما دفعها إلى الطلب من داني ويغمان السماح لها ببيعها في قسم المخبوزات التابع للشركة، فوافق، وكان لها ما أرادت، وعادة ما يتلقى موظفون مثل: سارة، و ماريا، التقديرَ بفضل ما يقدمون لشركاتهم من مساهمات (احتياجات الاحترام، والتقدير). لقد أنفقت شركة ويغمانس ما يزيد على 54 مليون دولار على المنح الجامعية، لما يزيد على 17,500 موظف من موظفيها العاملين بدوام جزئي، وكامل، على مدى 20 سنة، ولا يرى مديرو الإدارة العليا في الشركة أيَّ مشكلةٍ في إرسال مديري قسم المتاجر في بعثاتٍ تدريبية، فقد يُرسَل مدير الجبنة في الشركة ضمن رحلة عمل تستغرق عشرة أيام لزيارة صانعي الجبنة، وتعلُّم صناعتها في باريس، أو لندن، أو روما (احتياجات تحقيق الذات).

ومع ذلك، لم تسلم نظرية ماسلو من الانتقاد؛ إذِ ادَّعي أنَّها لا تُلبَّى حاجة من مستوىً أعلى، إلا بعد أن تُشبَع حاجةٌ أدنى منها مستوىً؛ وأنَّ الحاجة المُشبَعة لا تمثل حافزًا، فالفلاح الذي لديه وفرة في الطعام، لا يحفزه مزيدٌ منه (الحاجة الفسيولوجية المتمثلة بالجوع)، ولمَّا يتحققِ الباحثون من تلك المبادئ تحققًا دقيقًا، كما أن نظرية ماسلو تركِّزُ على الاتجاه نحو الأعلى، عبر هرم الاحتياجات من دون الحديث حديثًا وافيًا عن إعادة الاتجاه؛ نزولًا عبره، ولكن، على الرغم من تلك القيود؛ إلا أن أفكارَ ماسلو مازالت تقدم مساعدةً كبيرة في فهم احتياجات الناس خلال العمل، وتحديد ما الذي يمكن فعلُه لإرضائهم.

4 النظريتان X وY لماكغريغور

كيفُ تُستخدَم النظريتان X وY للأستاذ دوغلاس ماك غريغور، والنظرية Z للعالِم الياباني أوتشي، في شرح تحفيز الموظفين؟

تركَ دوغلاس ماك غريغور Douglas McGregor، وهو أحد تلاميذ ماسلو، بصمةً في دراسة التحفيز، من خلال صياغته لمجموعتين متناقضتين من الافتراضات حول الطبيعة البشرية، وهما النظريتان X و Y.

يُبنى نمطُ الإدارة حسب النظرية X على وجهة نظر متشائمة للطبيعة البشرية، ويفترض ما يلي:

  • يكره الشخصُ العادي العملَ، وسيتجنَّبُه إذا استطاعَ ذلك.
  • نظرًا إلى أنَّ الناس لا يحبون العمل، فلا بد من إخضاعهم للرقابة، والتوجيه، والتلويح بالعقوبة، لجعلهم يبذلون جهدًا.
  • يفضِّلُ الشخصُ العادي أن يوجهه الآخرون، ليتجنب تحمُّلَ المسؤولية، وهذا الشخص يتصف -عادة- بأنه عديم الطموح نسبيًا، ويريد الأمان قبل كل شيء.

تقترحُ هذه النظرةُ إلى الآخر، أنَّ على المديرين حثُّ العاملين حثًّا مستمرًّا على العمل، وممارسةُ رقابة لصيقة على سلوكهم، أثناء تنفيذهم العمل المطلوب منهم، ويتّصفُ المديرون وفقًا للنظرية X بأنهم يُمْلون على الأشخاص ما عليهم فعلُه، وبأنهم توجيهيّون إلى حدٍّ كبير، ويحبون أن يكونوا في موقع سيطرة، ولا يظهرون ثقةً كبيرة بالموظفين، وغالبًا ما يؤدي أسلوبهم ذاك في الإدارة إلى جعل مرؤوسيهم اتكاليين، وسلبيين، وممتعضين.

وبخلاف النظرية X، تُبنى النظريةُ Y على نظرةٍ أكثر تفاؤلًا تجاه الطبيعة البشرية، وتفترضُ ما يلي:

  • العملُ أمرٌ طبيعي مثلُ اللعب، أو الراحة، ويريد الأشخاصُ -وبوسعهم ذلك- أن يكونوا ذاتيي التوجيه، وذاتيي الرقابة، وسوف يحاولون تحقيق أهداف المؤسسة التي يؤمنون بها.
  • يمكن تحفيز العمال باستخدام الحوافز الإيجابية، وسيحاولون جاهدين تحقيق أهداف المؤسسة، إذا اعتقدوا أنهم سيُكافَؤون على ذلك.
  • وفقًا للظروف الملائِمة، فإنَّ الشخص العادي لا يقبلُ المسؤوليةَ فحسب، بل، ويسعى نحوها -أيضًا- ولدى معظم العمال درجة عالية نسبيًا من الخيال، والإبداع، ويرغبون في المساعدة بحل المشاكل.

يُقرّ المديرون الذين يعملون على افتراضات النظرية Y بوجود فوارق فردية، ويشجّعون العمال على التعلم، وتطوير مهاراتهم، فقد يُكلَّفُ مساعدٌ إداري بمهمة إعداد تقرير شهري، وقد تكون المكافأة مقابل قيامه بذلك، الإشادةَ بأدائه خلال أحد الاجتماعات، أو فوزه بدورة تدريبية خاصة، لتعزيز مهاراته على الحاسوب، أو زيادةً في الأجر. باختصار، تعمل النظرية Y على فكرة أنَّ مصالح العمال هي ذاتُها مصالح المؤسسة، ومن السهل العثور على شركاتٍ كرَّست ثقافاتٍ مؤسسيةً، بناء على افتراضات النظرية Y. وفي الواقع، تعُجُّ قائمةُ مجلة فورتشن Fortune، التي تتضمن "أفضل 100 شركة للعمل لديها"، وقائمة جمعية إدارة الموارد البشرية "Society for Human Resource Management" التي تضم "أماكن عظيمة للعمل"، تعجُّ بالشركات التي تعمل وفقًا لنمط الإدارة الخاص بالنظرية Y. ومن الأمثلة على شركاتٍ تشجِّعُ موظفيها، وتدعمُهم؛ شركةُ ستاربكس Starbucks، وشركة جي إم سماكر J.M. Smucker، و معهد ساس Sas Institute، وهول فود ماركت Whole Food Market، وشركة ويغمانس Wegmans. فشركة التقنيات الحيوية جينينكور Genencor، التي سبق أن أُدرِجَت على قائمة "أفضل الشركات الأمريكية للعمل لديها" لخمس مرات؛ لديها ثقافة تحتفي بالنجاح في كافة مظاهر عملها التجاري، إذ يمكن للموظفين مكافأةُ زملائهم بشكل فوري، مقابل الجهد الاستثنائي الذي يبذلون، ووفقًا للرئيس التنفيذي السابق لتلك الشركة، روبرت ماير Robert Mayer: "تعد شركة جينينكور -إحدى الشركات الفريدة بحق- بين الشركات الأمريكية من أي حجمٍ كانت؛ إنها نموذجٌ للابتكار، والعمل الجماعي، والإنتاجية، وهذا كله، نتيجة مباشرة لفلسفتنا القائمة على (العمل المتفاني، والجادّ، وعلى تغيير العالم)، ولطالما كان استثمارُنا في موظفينا عملًا رابحًا لشركتنا جينينكور".

النظرية Z

اقترحَ عالم الإدارة الياباني لدى جامعة كاليفورنيا؛ ويليام أوتشي William Ouchi، نظريةً تجمع بين ممارسات الأعمال التجارية اليابانية، وتلك الخاصة بالولايات المتحدة، وقد سَمَّاها النظرية Z. يُقارن الجدولُ 9.1 بين نمطَي الإدارة؛ الياباني، والأمريكي، وبين منهج النظرية Z. وتشدد هذه النظرية على التوظيف طويل الأمد، والتطوُّر المهني البطيء، والتخصص المعتدل، واتخاذِ القرارات بصورة جماعية، وعلى المسؤولية الفردية، والرقابة على الموظفين غير الرسمية إلى حدٍّ ما، والحرص على العمال، وللنظرية Z عناصر يابانية عديدة، ولكنها تعكس القِيَمَ الثقافية الأمريكية.

خلال العقد المنصرم، تراجع الإعجابُ بالفلسفة اليابانية في الإدارة، التي تركز على إنشاء علاقاتٍ طويلة الأمد؛ فقد عفا الزمن على المعتقداتِ الثقافية العائدة للتفكير الجماعي، وتجنُّبِ المخاطرة، وعدمِ تفكير الموظفين بأنفسهم، وأدّى التزامُ اليابانيين بما سبق من معقتداتٍ إدارية، إلى تقييد قدراتهم التنافسية في السوق العالمية، وثمة اليوم إدراكٌ لحاجة الشركات اليابانية إلى أن تكون أكثر سَبقًا ونشاطًا، وفطنة، وسرعة؛ إذا ما أرادتِ الازدهار، وهذا ما دفعَ شركة سوني Sony اليابانية إلى تعيين رئيسٍ تنفيذي أجنبي، إذ شهد أداءؤها انخفاضًا على مر السنوات، حتى شهر أبريل من العام 2005، وهو التاريخ الذي سجَّلت فيه تلك الشركةُ أكبرَ خسارةٍ مرَّت بها، وقد ورث الرئيس التنفيذي السابق لشركة سوني، السيد نوبوكي إيدي Nobuki Idei، ديونها الضخمة، وخطوط إنتاجها التي كانت تشهد ركودًا، ثم أدرك أنَّ استراتيجيته لم تكن ناجحة، فصمَّمَ على تعيين خَلَفٍ له سيتمكن من تحويل تلك الشركة من وضعها الذي كان سائدًا وقتها، إلى شركة ذاتِ تفكيرٍ تقدُّمي، وهذا ما نجح في تحقيقه، فجاء بعده السيد هاورد سترينجر Howard Stringer، وهو أمريكيٌّ من مواليد ويلز التابعة للمملكة المتحدة، والذي كان مديرًا لعمليات شركة سوني في الولايات المتحدة، وكان السيد نوبوكي إيدي يأمل في مفاجأة من يعملون في شركة سوني، إلى جانب المحللين في المجال الذي تعمل فيه، على حدٍّ سواء. فيقول: "من المضحك أنَّ كل الناس هنا يتفقون على أننا بحاجة لتغيير، ولكنَّ 90% منهم لا يريدون تغيير حتى أنفسهم، ولذلك خَلُصتُ إلى أنَّ إدارتنا العليا بحاجةٍ -تحديدًا- إلى تغيير نهجها". وبعد مضي 7 سنوات على شغله منصب الرئيس التنفيذي لشركة سوني، تولّى السيد هاورد سترينجر منصب رئيس مجلس إدارتها، وعَيَّنَ السيدَ كاز هيراي Kaz Herai رئيسًا للشركة، ومديرًا تنفيذيًا لها.

الاختلافات في مناهج الإدارة

العامل الإدارة التقليدية للولايات المتحدة الإدارة اليابانية النظرية Z (الجمع بين الإدارة اليابانية، وإدارة الولايات المتحدة)
طول مدة التوظيف مدة قصيرة نسبيًا، والموظفون عُرضةٌ للتسريح في حال كان العمل التجاري سيئًا. مدى الحياة، ولا يُسرَّحُ الموظفون أبدًا بهدف تخفيض النفقات. مدة طويلة، ولكن ليس لمدى الحياة بالضرورة. لا يُحبَّذُ تسريحُ الموظفين. توظيف مستقر. قوة عاملة ذات ولاء. لا يستدعي تطوُّرُ ظروف العمل فتح الباب للتوظيف، أو التدريب.
معدل التقييم، والترقية. سريع نسبيًا. بطيء نسبيًا. بطيء وفقًا للتصميم. يُقيَّمُ المديرون، ويُدرَّبون تدريبًا معمَّقًا.
التخصص في ناحية وظيفية معينة. عالٍ؛ يكتسب العامل خبرةً في ناحية وظيفية محددة. منخفض؛ يكتسب العامل خبرة عامة في المنظمة، بدلًا من الخبرة في تخصص وظيفي بعينه. معتدل؛ يختبر الموظفون نواحيَ وظيفيةً متنوعة في الشركة، ويراعون ما فيه مصلحتُها بدلًا من التخصص في ناحية وظيفية محددة.
اتخاذ القرارات على أساس فردي. من قبل كافة الأطراف المعنية. بشكل جماعي لاتخاذ قراراتٍ، وتنفيذها تنفيذًا أفضل.
المسؤولية عن النجاح أو الفشل فردية. جماعية. فردية.
رقابة المدير رسمية وصريحة جدًا. أكثر ضمنيةً وأقل رسمية. غير رسمية نسبيًا ولكن بمقاييس أداء صريحة.
الحرص على الموظفين التركيز على مناحي حياة العامل المرتبطة بوظيفته. تمتد لتشمل كافة مناحي حياة العامل. تهتم نسبيًا بحياة العامل برمّتها، بما فيها عائلته.

الجدول: 9.1.

نظرية العامل الثنائي (أو الحافز - الصحة) لهيرزبرج؟ ما المضامين اﻷساسية لهذه النظرية؟

ما هي المكونات الرئيسة لنظرية "العامل الثنائي" التي وضعها فريدريك هيرزبرج؟

ثمة إسهام آخر مهم في إدراكنا للحافز (الدافع) الذاتي، تقدمه لنا دراسات فريدريك هيرزبرج Frederick Herzberg، التي عالجت سؤالًا: "ما الذي يسعى إليه الناس حقًا من ممارستهم للعمل؟ في أواخر خمسينات القرن العشرين، أجرى هيرزبيرج مسحًا استقصائيًا على العديد من الموظفين؛ لاكتشاف العناصر الخاصة بالعمل، التي تجعلهم يشعرون بالرضا، أوالسُّخط في وظائفهم، وقد أشارت النتائج إلى أن عوامل محددة في الوظيفة، ترتبط باستمرار برضا الموظفين عن عملهم، بينما هناك عوامل أخرى يمكنها -أيضًا- أن تؤدي إلى السخط، وعدم الرضا عن العمل، ووفقًا لهيزربرج، فالعوامل المحفِّزة، (والتي تُسمَّى -أيضًا- العوامل المُرضية عن العمل) هي أساسًا العناصرُ الداخلية، أو الذاتية المرتبطة بالعمل، والتي تؤدي إلى الرضا، أما العوامل الصحية، (وتدعى -أيضًا- مُسخطات العمل)، فهي عناصر خارجية لبيئة العمل. ويتضمن الجدول 9.2 ملخصًا عن العوامل المحفزة، والصحية.

ومن أكثر نتائج دراسات هيرزبرج متعةً؛ هو تلميحُها إلى أنَّ الرضا ليس عكس السخط، إذ يعتقد هيرزبرغ أن اﻹدارة المناسبة لعوامل الصحة، يمكن لها أن تمنع سخط الموظفين، ولكنَّ تلك العوامل لم تكُن مصدرًا للرضا، والتحفيز، فشروط العمل الجيد، مثلًا، كفيلة بأن تبقيَ الموظفين في وظائفهم، ولكنها لن تجعلهم يعملون بجدٍّ أكثر، أما شروط العمل السيئة، والتي هي مثبطات للعمل، فقد تجعل الموظفين يتركون وظائفهم، ووفقا لهيرزبرج؛ يحتاجُ المدير الذي يهدف إلى زيادة رضا الموظف، إلى التركيز على العوامل المحفزة، أو اﻻسترضاءات، فالعمل الذي يتضمن استرضاءات كثيرة؛ من شأنه أن يحفِّزَ العمّال -عادةً- ويضمن رضاهم عن العمل، ويحثهم على أداءٍ فعّال، ولا تؤدي قلةُ اﻹرضاءات في العمل -دائمًا- إلى السخط، وهزالة اﻹنجاز، ولكنها بالمقابل تجعل العمال يقدِّمون أداءً يفي بالمراد -فقط- بدلَ أن تدفعهم إلى بذل قصارى جهدهم.

مع أن أفكار هيرزبرج تُقرأ على نطاق واسع، ويُعمل بتوصياته على مدى السنوات التي تلت طرحَه تلك الأفكار، من قبل عدد هائل من الشركات، إلا أن هناك بعضَ المخاوف المشروعة بشأن عمله، ومع أن استنتاجاته قد استُخدِمت لشرح تحفيز الموظفين، فقد تركزت دراساته في الواقع على الرضا الوظيفي، وهو مفهوم مختلف عن التحفيز (مع أنه متعلق به)، وهناك انتقادات أخرى تركزت على عدم واقعية منهجية هيرزبرج؛ أي على حقيقة أن نظريته تتجاهل تأثير المتغيرات الظرفية، والعلاقةَ المفترضة بين الرضا واﻹنتاجية، ومع ذلك، فالأسئلة، والقضايا التي يطرحها هيرزبرج حول طبيعة الرضا الوظيفي، وتأثيرات العوامل الذاتية، والخارجية على سلوك الموظف، مثَّلت إسهامًا قيِّمًا في نشوء نظريات التحفيز، والرضا الوظيفي.

العوامل المحفزة، والصحية لدى هيرزبرج
العوامل المحفزة العوامل الصحية
الإنجاز سياسة الشركة
التقدير الإشراف
العمل بحد ذاته ظروف العمل
المسؤولية العلاقات الشخصية في العمل
التقدُّم الراتب، والمزايا
النمو الأمان الوظيفي

الجدول: 9.2

ترجمة -وبتصرف- للفصل Motivating Employees من كتاب introduction to business

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...