اذهب إلى المحتوى

الإدارة بالأهداف: أسلوب للتخطيط والرقابة


هيفاء علي

عندما يكون لدى الأفراد التزام شخصي تجاه الخطط التي تضعها مؤسساتهم، فإنَّ تلك الخطط تُنجز على أكمل وجه وتتحوَّل إلى واقع؛ هذه الحقيقة البديهية هي الفلسفة التي يستند إليها أسلوب الإدارة بالأهداف.

تُعدُّ الإدارة بالأهداف (Management by objectives) فلسفة إدارية، وأسلوبًا للتخطيط والرقابة، وطريقة تتيح مشاركة أكبر وأعمق للموظفين. تعتمد الإدارة بالأهداف بوصفها فلسفة إدارية على نموذج إدارة الموارد البشرية ونظرية Y التي تفترض أنَّ الموظفين يستطيعون توجيه أنفسهم والتحكُّم بإمكانيّاتهم ذاتيًّا، وترتكز أيضًا على نظرية ماسلو للاحتياجات.

الفكرة هي أنَّ مشاركة الموظفين في عمليات التخطيط والرقابة تتيح لهم الانخراط في أنشطة العمل، وتزيد من إدراكهم لأهمية العمل، وتُلبِّي لهم احتياجات إنسانية أعلى (مثل احترام الذات وتقديرها)، ممَّا يؤدِّي إلى زيادة دافعيتهم وتحسين أدائهم الوظيفي (انظر الشكل التالي). بالإضافة إلى ذلك، هناك افتراض ينصُّ على أنَّ مشاركة الموظفين تُسهم في تعزيز التزامهم بخطط العمل وزيادة رضاهم الوظيفي.

MBO-Effect-on-Employees.jpg

تأثيرات الإدارة بالأهداف على الموظفين (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

على الرغم من وجود طرق عديدة لتطبيق الإدارة بالأهداف، إلَّا أنَّها ببساطة عمليةٌ يتعاون خلالها المديرون وموظفوهم من أجل تحديد أهداف المؤسسة وخططها وأنظمة الرقابة الخاصة بها؛ إذ يُحدِّدون معًا الأهداف المشتركة والنتائج المتوقَّعة من كل فرد، ويستخدمون هذه المعايير في توجيه سير عمل المجموعة وتقييم إنجازات الأفراد. يُمكن من خلال هذه العملية الاستفادة من معارف ومهارات مُختلف أفراد المؤسسة، يطلب المديرون من الموظفين المشاركة في تحديد الأهداف الخاصة بهم، بدلًا من أن يفرضوا على الموظفين الأهداف التي يجب عليهم تحقيقها (أسلوب الإدارة التقليدية).

بعد وضع مجموعة من الأهداف المقبولة لكل موظف من خلال المُشاورة والمناقشة، يُشارك الموظفون مشاركةً فاعلةً في صياغة خطط العمل لتحقيق تلك الأهداف، ثمَّ يشرعون في تنفيذ هذه الخطط، وفي المرحلة الأخيرة من عملية الإدارة بالأهداف يُحدِّدون كيف سيُطبِّقون عمليات الرقابة ويُتابعون أداءهم ويقترحون إجراء تصحيحات إذا حدثت أية انحرافات عن الخطط المحدَّدة، وعند اكتمال هذه المرحلة تبدأ عملية الإدارة بالأهداف مرة أخرى. يوضِّح الشكل التالي المراحل الرئيسية لعملية الإدارة بالأهداف.

MBO-Process.jpg

عملية الإدارة بالأهداف (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

نظرية الإدارة بالأهداف

يُمكن أن تُسهم عملية الإدارة بالأهداف في تعزيز فعالية المؤسسة؛ لأنَّها تتألف من العناصر الأربعة الرئيسية التالية:

  1. وضع أهداف محدَّدة: إنَّ أداء الموظفين الذين لديهم أهداف يعملون من أجل تحقيقها أفضل من أداء الموظفين الذين يعملون بدون أهداف، كما وضَّحنا سابقًا.
  2. وضع أهداف واقعية ومقبولة: إنَّ تحديد أهداف واقعية ومقبولة ضروريٌ لتحقيق نتائج ناجحة، وما يزيد من دافعيّة الفرد أيضًا أن يُشكّل الهدف تحدّيًا جيّدًا لقدراته وإمكانيّاته.
  3. التعاون المشترك في تحديد الأهداف، وفي عمليتي التخطيط والرقابة: يُفترض أن يُسهم التعاون المشترك في تحديد أهداف واقعية تحظى بتقبُّل الموظفين والتزامهم تجاهها.
  4. التغذية الراجعة: تُعدُّ التغذية الراجعة مهمة للغاية؛ فبدونها لن يَعرف الموظفون ما إذا كان يتوجَّب عليهم الاستمرار في بذل الجهود في نفس المسار أو إعادة توجيهها بُغية الوصول إلى هدفهم المنشود، وبدونها لن يعرفوا ما إذا كانت الجهود التي يبذلونها كافية أم لا.

من الناحية النظرية، هناك العديد من الأسباب التي توضِّح لماذا تؤثِّر الإدارة بالأهداف تأثيرًا إيجابيًا على أداء الموظفين ودافعيتهم والتزامهم ورضاهم الوظيفي. سوف نتناول فيما يلي باختصار نتائج الدراسات حول فعالية برامج الإدارة بالأهداف.

نتائج الدراسات حول فعالية الإدارة بالأهداف

يُستخدم أسلوب الإدارة بالأهداف على نطاق واسع في كلٍّ من القطاعين العام والخاص. يظهر لنا من خلال الاطلاع على الدراسات التي أُجريت حول الإدارة بالأهداف صورة واضحة لتأثيرات برامج الإدارة بالأهداف. لقد درس روبرت رودجرز (Robert Rodgers) وجون هنتر (John Hunter) 70 حالة، وقد أظهرت 68 حالة وجود تحسُّن في الإنتاجية، بينما كشفت حالتان فقط عن وجود خسائر، كما بيَّنت الدراسة التي أجراها رودجرز وهنتر أنَّ التحسُّن في الأداء كان كبيرًا؛ إذ أشارا إلى أنَّ متوسط التحسُّن تجاوز 40%.

على الرغم من أنَّ النتائج إيجابية عمومًا، إلَّا أنَّه تبيَّن أنَّ التأثير الإيجابي للإدارة بالأهداف على الأداء يختلف حالة إلى أخرى ويرتبط بمدى التزام الإدارة العليا، إذ غالبًا ما يكون تأثير أسلوب الإدارة بالأهداف على الأداء أقوى عندما تكون الإدارة العليا ملتزمة تجاهه وُجدانيًّا وفكريًّا (أي أن تُؤمن الإدارة العليا بأهمية الإدارة بالأهداف) وسلوكيًّا (أي أن تُطبِّق الإدارة العليا الإدارة بالأهداف ذاتيًا)، في حين يكون تأثير أسلوب الإدارة بالأهداف ضعيفًا عندما يكون اهتمام الإدارة العليا به ضئيلًا أو وعندما لا تُبادر بالالتزام به انطلاقًا من نفسها، على الرغم من أنَّها قد تُطبِّقه إذا طلبت جهات أخرى ذلك منها.

تُخبرنا هذه المعلومات أنَّ الطرق المستخدمة لتطبيق الإدارة بالأهداف قد تُحوِّل برنامج الإدارة بالأهداف الذي يمكن أن يكون فعَّالًا إلى برنامج غير فعَّال، لذلك يتوجَّب على المديرين ألَّا يهتمُّوا باستخدام الاستراتيجيات التي تُسهِّل عمليتي التخطيط والرقابة (مثل الإدارة بالأهداف) فحسب؛ بل يجب أن يهتمُّوا أيضًا بكيفية تطبيقهم للاستراتيجيات والخطط. تتطلَّب الإدارة بالأهداف التزامًا من الإدارة العليا، وينبغي أن تبدأ من أعلى الهرم الإداري إلى أسفل.

تُبيِّن الدراسات أنَّ برنامج الإدارة بالأهداف يمكن أن يُسهم إسهامًا كبيرًا في التزام أفراد المؤسسة بمسار العمل وفي تحسين الأداء، وفي الواقع هناك دراسات تُوثِّق بوضوح حالات أدَّى فيها استخدام برامج الإدارة بالأهداف إلى زيادة فعالية المؤسسة، ومع ذلك كانت هناك حالات فشل أيضًا، إلا أنها كانت قليلة.

لقد استنتج أحد الباحثين، بعد مراجعة 185 دراسة حول برامج الإدارة بالأهداف، أنَّ الإدارة بالأهداف تكون فعَّالة في ظل ظروف معينة ولا تُثمر في كلّ الظروف. على سبيل المثال، تميل الإدارة بالأهداف إلى أن تكون أكثر فاعلية إذا طُبّقت لفترة قصيرة (أقل من عامين)، وفي القطاع الخاص، وفي المؤسسات التي لا تتواصل مباشرةً مع الزبائن. تؤثر العوامل الآتية أيضًا في نجاح برنامج الإدارة بالأهداف:

  • شدة التزام المديرين الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا: يكون معدل فشل نظام الإدارة بالأهداف أعلى إذا لم يكن التزام المديرين به قويًا.
  • عنصر الوقت: هل هناك وقت كافٍ لكي يتعلَّم الموظفون كيف يُشاركون في عملية الإدارة بالأهداف؛ أي أن يتعلَّموا كيفية تحديد أهداف جيّدة، ووضع خطط عمل مناسبة، ووضع أنظمة رقابة فعَّالة؟ هل هناك وقت كافٍ لكي يتعلَّم الموظفون كيف يتحمَّلون المسؤولية في سياق خطّة عمل جديدة؟ هل هناك وقت كافٍ لكي يتعاون الموظفون والمديرون معًا في التخطيط والرقابة؟
  • شرعية النظام: هل يندرج نظام الإدارة بالأهداف ضمن فلسفة إدارية شاملة؟ أم هل هو مجرَّد وسيلة لتشجيع الموظفين لكي يُصبحوا أكثر إنتاجية؟
  • تكامل أهداف الموظفين: هل تتكامل أهداف كل موظف جيِّدًا مع أهداف وحدة العمل أو المؤسسة؟

لكي تكون برامج الإدارة بالأهداف فعَّالة على المدى الطويل؛ يجب أن تُصاحبها برامج مشاركة المكاسب (برامج تنظيميّة تتقاسم المؤسسات من خلالها بعض المكاسب المالية التي حصدتها نتيجةً لمشاركة الموظفين في طرح الأفكار وتحسين الإنتاجية وتوفير التكاليف). يشير إدوارد لولر الثالث (Edward E. Lawler III)، بناءً على دراسته المستفيضة للمؤسسات القائمة على المشاركة، إلى أنَّ المعلومات والمعارف والسلطة والمكافآت هي أربعة عناصر أساسية للمشاركة الفعَّالة والمستمرة. غالبًا لا توفِّر أنظمة الإدارة بالأهداف آليات تُمكِّن الموظفين من أخذ نصيبٍ مُرضٍ من المكاسب الاقتصادية التي قد تجنيها المؤسسة بفضل إسهاماتهم وأفكارهم واقتراحاتهم. في حقيقة الأمر، يواجه المديرون تحديًا في سبيل توفير الظروف المناسبة لوضع نظام إدارة بالأهداف فعَّال والمحافظة على كفاءته.

الموازنة بين أساليب التخطيط والرقابة القائمة على السيطرة وتلك القائمة على المشاركة

تختلف أساليب تنفيذ عمليتي التخطيط والرقابة في ظل كلٍّ من الإدارة القائمة على السيطرة والإدارة القائمة على المشاركة. في المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية الميكانيكية، غالبًا ما يُحدِّد المديرون في مستويات الإدارة العليا في التسلسل الهرمي التنظيمي أنشطة التخطيط والرقابة التي سوف يُنفِّذها الأفراد الأقل منهم مستوىً؛ إذ إنَّ التسلسل الهرمي للإدارة في هذه المؤسسات هو الذي يحكم مسار عمليتي التخطيط والرقابة، وغالبًا ما يكون دور الموظفين مقتصرًا على تنفيذ ما يُوجَّه إليهم من تعليمات بشأن أنشطة التخطيط والرقابة.

في حين تمنح المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية العضوية، والتي تتبنَّى الإدارة القائمة على المشاركة، تمنح الموظفين دورًا نشطًا في عمليتي التخطيط والرقابة ويتولَّون مسؤولية تنفيذ كلا العمليتين؛ ومن ثمَّ يُصبح دور المديرين في هذه المؤسسات إمَّا مستشارين أو مُيسِّرين أو داعمين أو مفكِّرين أو مرشدين أو مدرِّبين ومزوِّدي موارد.

يتحمَّل المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا مهمة التخطيط والرقابة في الوحدات التي يكونون مسؤولين عنها، في حين يتولّى الموظفون مسؤولية التخطيط والرقابة في نطاق المستوى الذي يعملون فيه. بالإضافة إلى ذلك، يحصل المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا على المعلومات التي تُفيدهم في تنفيذ أنشطة التخطيط والرقابة من الأفراد الأقل منهم رتبةً في التسلسل الهرمي التنظيمي.

يكثُر استخدام أنظمة التخطيط والرقابة، المماثلة لنظام الإدارة بالأهداف، في المؤسسات القائمة على المشاركة، ويقل استخدامها في المؤسسات القائمة على السيطرة. إنَّ الرقابة في المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع تتوزَّع على العديد من المجموعات، ويتمحور تركيزها عمومًا حول إنجاز المهام وتجاوز العقبات، وتبتعد عن إلقاء اللوم على فرد معين إذا حدث فشل في الأداء. في المقابل، فإنَّ مسؤولية الرقابة في العديد من المؤسسات القائمة على السيطرة تتركَّز في يد الإدارة العليا، وتُراقَب الأنشطة التي يؤدِّيها أفراد هذه المؤسسات بدقة، ولذلك يُحمَّل أفراد هذه المؤسسات مسؤولية تقصيرهم في الأداء.

في النهاية، غالبًا ما تُنشئ المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية الميكانيكية أقسامًا كبيرة للتخطيط، وتتركَّز مهمة التخطيط في هذه المؤسسات في يد المتخصصين، ولكن عندما تواجه المؤسسات حالات من عدم اليقين والغموض بسبب المُتغيّرات التكنولوجية وسرعة تبدّل بيئة العمل وعدم استقرارها، فإنَّها تتجه إلى السماح للأفراد، الذين يعملون يوميًا على تنفيذ الخطط، بالمشاركة في عمليتي التخطيط والرقابة، ويزداد اعتمادها على الموظفين المحترفين وفرق العمل الماهرة في مراقبة أعمالهم بأنفسهم أثناء تنفيذهم للخطط التنظيمية.

Maersk-Line-ship.jpg

تظهر في الصورة سفينة (ميرسك لاين). ستُساعد حلول تقنية (البلوك تشين) الجديدة التي تُقدِّمها شركة آي بي أم (IBM) بالتعاون مع شركة ميرسك (Maersk) في إدارة المعاملات الورقية لعشرات الملايين من حاويات الشحن في مختلف أنحاء العالم وتعقُّبها من خلال أتمتة عملية سلسلة التوريد.(مصدر الصورة: حساب Kees Torn/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))

إدارة التغيير

تقنية البلوك تشين وإدارة تقلبات أسعار العملات

عندما تقرِّر شركة الانتقال من كونها شركة محلية -حتى لو كان ذلك يعني أنَّها تخدم دولة بأكملها- إلى أن تصبح شركة عالمية، فإنَّها ستواجه مجموعة جديدة من العقبات التي يجب عليها التخطيط لمواجهتها وتخطّيها. غالبًا ما تكون تقلبات أسعار العملات من التحديات المثيرة للاهتمام والصعبة التي تواجه الشركات العالمية، ولكنَّها ازدادت صعوبةً مع ظهور التقنيات الحديثة.

لقد تحدَّثت العديد من كتب الاقتصاد والتمويل والمحاسبة عن تأثيرات تقلُّبات أسعار العملات على الربحيّة لدى الشركات العالميّة. إنَّ هناك مجموعة من الأسئلة التي يجب أن يأخذها مديرو الشركات بالحسبان عند اتخاذ خطوة الدخول إلى الأسواق العالمية، ومن هذه الأسئلة: ما هي العملة التي ينبغي استخدامها لشراء المخزون؟ وما هي العملة التي ينبغي استخدامها لبيع المخزون؟ كيف تقلِّل خيارات البيع والشراء للأسهم من تقلبات أسعار العملات؟ هل سيؤدِّي فرض تكاليف إضافية إلى تغطية الخسارة المحتملة؟

على سبيل المثال، تُعدُّ شركة (تاتا) للخدمات الاستشارية (Tata Consultancy Services) أكبر مُصدِّر للخدمات البرمجية في الهند، وعندما أعلنت هذه الشركة عن نتائج أرباح الربع الأول للعام 2017 والتي كانت أقل من التوقُّعات، أُلقي جزء كبير من اللوم على تقلبات أسعار العملات؛ إذ أدَّت إلى انخفاض الربحية بمقدار 80 نقطة أساس (basis points).

لقد أصبحت المعاملات المالية، بما فيها المعاملات المالية العالمية، منذ عام 2009 أكثر تعقيدًا؛ فقد ظهرت العملة الرقمية التي تُدعى البيتكوين (Bitcoin) في ذلك العام من مصدر غير معروف يُطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto). تعتمد عملة البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفَّرة على تقنية البلوك تشين (والتي تُعرف أيضًا بسلسلة الكتل)، وما زال مستقبلها غير معروف في مجال التبادل والتمويل.

إنَّ آلية عمل تقنية البلوك تشين ومجالاتها التطبيقية معقَّدة إلى حدٍّ ما، ولكن يُمكن الإلمام بالآثار التي قد تترتَّب عليها دون الاضطرار إلى فهمها. في الواقع، تُعرَّف البيتكوين بأنَّها: «نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند ويعتمد مبدأ تقنية السجل الموزّع (تقنية دفتر الأستاذ الموزع distributed ledger) لتخطي أنظمة الرقابة المركزية على المعاملات».

بما أنَّ العملات الرقمية تعتمد على مبدأ الند للند، فإنَّها تتجاوز القنوات الوسيطة المعتادة، مثل: البنوك وشركات بطاقات الائتمان، وهذا يُقلِّل من تكاليف المعاملات لكلٍّ من المشتري والبائع. لا يقتصر مجال تطبيق تقنية البلوك تشين على العملات الرقمية فقط؛ بل تتيح هذه التقنية أيضًا للشركات جمع الأموال مباشرةً من المستثمرين دون الحاجة للتعامل مع البنوك الاستثمارية وأصحاب رأس المال المخاطر. وفقًا لما نُشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة فاينانشيال بوست (Financial Post)، فإنَّ مستويات التشفير العالية تحمي المعاملات المالية عن طريق التحقُّق من صحة أطراف المعاملة وتمنع اختراق البيانات أو محوها أو تعديلها.

تَستخدِم البيتكوين تقنية البلوك تشين للاحتفاظ بسجل العمليات التي تحدث عبر نظام العملة الخاص بها، ولكن يجب إدراك أنَّ تقنية البلوك تشين في حد ذاتها ليست سببًا لتقلبات أسعار عملة البيتكوين التي شهدت ارتفاعًا (وانخفاضًا) هائلًا؛ فالأسباب الحقيقية لهذه التقلبات الهائلة هي عمليات تبادل عملة البيتكوين غير الواضحة، بالإضافة إلى حدوث تغييرات على التنظيمات المعمول بها نتيجةً لرغبة الحكومات في فرض قيود على وسائل التبادل.

لكن على الرغم من تقلب العملات الجديدة، فإنَّ تقنية البلوك تشين أصبحت تُستخدم في تطبيقات أخرى مستقرة نسبيًا. على سبيل المثال، استخدمت إيزابيل كوك (Isabel Cooke) التي تعمل في شركة باركليز (Barclays) تقنية البلوك تشين (التي تُعرف أيضًا بتقنية دفتر الأستاذ الموزع)، من أجل إجراء معاملة تمويل تجاري حقيقية، ووصفت هذه التجربة قائلةً:

اقتباس

«لقد أدَّى استعمالنا التجريبي لهذه التقنية إلى تقليل الوقت الذي يستغرقه توقيع المعاملات من عشرة أيام إلى أربع ساعات، وتخفيض التكاليف، وتعزيز الشفافية، وتقليل المخاطر، ويبدو أنَّه حسَّن تجربة الزبون».

ميزة إجراء الأعمال باستخدام تقنية دفتر الأستاذ العام (غير القابل للتعديل)، ميزتها هي توفير مسار تدقيق شديد الوضوح في المؤسسات، سواء فيما يتعلَّق بمعاملات تسجيل الأراضي أو بالتمويل التجاري. الفكرة الأساسية هي أنَّه إذا كان بإمكان جميع الأطراف المعنية مشاهدة نفس البيانات على دفتر الأستاذ العام، فإنَّ هذا النظام يُصبح موثوقًا، ويمكن استخدامه في تطبيقات أخرى، مثل: مقايضات أسعار الفائدة أو العقود الذكية في البنوك الاستثمارية.

حسنًا، هل سوف تُصبح تقنية البلوك تشين والعملات الرقمية المشفرة التوجُّه السائد في المستقبل أم أنَّها مجرد فقاعة مالية عابرة أو أنَّها في الواقع تهديد للأمن المالي العالمي؟ يُشير بعض المؤلفين في هذا المجال إلى أنَّ لامركزية التقنية وانخفاض تكاليفها سيُحوّلانها إلى ضرورةٍ مستقبليّة، وأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى استخدامها في المزيد من المجالات. من المثير للاهتمام أنَّه حتى الحكومات والبنوك المركزية بصدد دراسة الفوائد التي قد تترتَّب على استخدام العملات الرقمية وما يُصاحبها من وفورات في التكاليف.

على سبيل المثال، يظنُّ أليكس تابسكوت (Alex Tapscott)، الذي يعمل في إحدى المؤسسات الاستثمارية، أنَّ الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيرتفع بمقدار 3% إذا استبدل بنك إنجلترا 30% من العملة البريطانية التقليدية بالعملات الرقمية؛ فمن المتوقع أن يؤدِّي استخدام العملة الرقمية إلى خفض أسعار المستهلك وزيادة أرباح البائعين، وستحمي تقنية التشفير من حدوث أيَّ تزوير أو احتيال أو تلاعب.

في الوضع المثالي قد يحدّ التبادل باستخدام عملة عالمية، مثل العملات الرقمية القائمة على تقنية البلوك تشين، من تقلبات أسعار العملات، ولكن الواقع عكس ذلك؛ فالتقلُّبات الهائلة في قيمة العملات الرقمية المشفرة يدلُّ على أنَّ تقنية البلوك تشين ما زال أمامها الكثير لكي تصل إلى حالة الاستقرار، والذي قد لا يحدث إطلاقًا.

ترجمة -وبتصرف- للفصلين Management by Objectives: A Planning and Control Technique وThe Control- and Involvement-Oriented Approaches to Planning and Controlling من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...