تُعَد إدارة المنتجات مجالًا مثيرًا ومليئًا بالتحديات، لكن إدارة المنتجات في السوق الإلكتروني تُعَد عالمًا مختلفًا تمامًا بمزاياه ومساوئه المغايرة. هناك الكثير من المصادر التي تتحدث عن أفضل ممارسات توسيع نطاق إدارة المنتجات في السوق الإلكتروني، إلّا أننا سنتحدث اليوم عن الجوانب التي يجب الانتباه لها في المنتج عند البدء بإدارته في السوق الإلكتروني، وكيف يمكن لمدير المنتج تعزيز الجدوى في هذه المرحلة الابتدائية وأثناء إطلاق السوق الإلكتروني، مع مشاركة بعض النصائح المبنية على تجارب عملية للمختصين في هذه المجالات.
ما هو السوق الإلكتروني؟ وكيف يعمل؟
السوق الإلكتروني باختصار هو الوسيط الذي يربط بين العرض المتمثل في البائعين أو المورّدين، والطلب المتمثل في المستخدم النهائي؛ وقد ساهم التطور التقني في تسريع هذا النموذج، كما هو الحال في تطبيقات النقل والتوصيل التي تربط المسافرين بسيارات الأجرة أو تطبيقات توصيل الطعام التي تربط المستهلكين بالمطاعم.
يأخذ السوق الإلكتروني نسبةً مئوية من الصفقات التي تجري عبره، ويسميها عمولة أو رسوم خدمة.
ما دور إدارة المنتجات في ذلك؟
قد يعتقد البعض أن دور مدير المنتجات لا يتغير مع نمو الشركة، إلا أن مرحلة إطلاق المنتج في السوق الإلكتروني قد تتطلب عقليةً مختلفةً تمامًا. فكما أن هناك رئيسًا تنفيذيًا لمرحلة الأزمات ورئيسًا تنفيذيًا لمرحلة الاستقرار، من الممكن أن يكون هناك مدير منتجات لمرحلة الإطلاق ومدير منتجات لمرحلة نمو السوق الإلكتروني.
يعتمد نجاح الأسواق الإلكترونية المطروحة حديثًا على عاملين أو ثلاثة في حال لم يتوفر تمويل من مستثمرين:
- التدفق: يتميز السوق الإلكتروني بالسماح بالطلب الفوري، فإذا أردنا حجز سيارة أجرة على سبيل المثال، يمكننا حجزها آنيًا وليس قبل بضعة أيام. وبالنسبة لأصحاب المشروع، هذا يعني ضرورة الحفاظ على التوازن الجيد بين حجم العرض وحجم الطلب بما يتوافق مع الطبيعة المتغيرة لكل منهما، وهنا تكمن أهمية إنشاء أدوات لتسهيل استقطاب الموردين وتسريع تسجيل دخول العملاء، التي تساعد على تعزيز جدوى المنتجات في السوق
- تأثير العلاقات: كلما ازداد عدد مستخدمي المنتجات والراضين عن جودتها، ازدادت فرصة التوصية بها لأصدقائهم، مما يعني المزيد من الطلب على البائعين والموردين، وبالتالي زيادة إيراداتهم. يمكن أن يحصل ذلك عبر الإحالات أو عبر العروض الترويجية للمستخدمين، وكلا الأسلوبين يتطلب أن يعمل عليه فريق منتجات
- اقتصاديات الوحدة في حال كان هناك تركيز على الاستدامة المالية خلال مرحلة الإطلاق: اقتصاديات الوحدة هي تحليل لما إذا كان المشروع التجاري يربح أو يخسر على مستوى العميل الواحد. وفي حال كانت اقتصاديات الوحدة من أولويات الشركة، فستزداد الحاجة إلى وجود أدوات لإعداد الأسعار والعروض الترويجية للمستخدمين وحوافز البائعين وغيرها أثناء مرحلة الإطلاق؛ أما بالنسبة للشركات التي تعتمد على تمويل المستثمرين، فهي تؤجل التركيز على هذه الأمور إلى مراحل لاحقة بعد الانتهاء من تحقيق توافق المنتجات مع متطلبات السوق.
باختصار، هناك حاجة إلى فريق منتجات قوي لمعالجة هذه الجوانب الثلاثة من السوق.
كيف يمكن لمدير المنتج تعزيز الجدوى خلال مرحلة الإطلاق والبدء من الصفر؟
هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول دور مديري المنتجات في مرحلة الإطلاق. إذا كان هناك مدير منتجات واحد أو مجموعة مديري منتجات يشاركون في إطلاق سوق إلكتروني جديد أو فئة جديدة للسوق أو نسخة مختلفة جغرافيًا لسوق إلكتروني موجود مسبقًا، فلا بد لهم من مراعاة الأمور التالية:
- عدم المبالغة في تصميم الواجهة: عندما يتعلق الأمر بتصميم واجهة المستخدم UI أثناء مرحلة الإطلاق، فإن الحد الأدنى الكافي من التصميم هو الخيار الأفضل، وكلّ ما يزيد عن ذلك ينعكس سلبًا على السوق. لن يهتم العملاء والبائعون بالألوان والشعار طالما يمكنهم تحقيق غاياتهم من المنصة، مثل سهولة الشراء بالنسبة للعملاء، وتحقيق مردود أكبر بالنسبة للموردين؛ لذا يُنصح بالاكتفاء بتصميم واجهة بسيط واستثمار الموارد المحدودة في مكان آخر، مثل تجربة المستخدم UX والاهتمام بقابلية الملفات للتحميل بدلًا من الاهتمام بالأزرار والألوان
- التركيز على الجانب الصحيح من السوق الإلكتروني: رغم أن معادلة العرض والطلب في السوق الإلكتروني كثيرة التغيُّر، إلا أن هناك دائمًا جانبًا يحتاج إلى تحسين. سواءً كان لدينا طلب أكثر من العرض أو عرض أكثر من الطلب، فإن وظيفة السوق هي تحقيق التوازن بين الجانبين مع محاولة زيادة أرباح السوق
يجب أن يكثف مديرو المنتجات جهودهم في حل هذه الأمور لتحسين التدفق؛ إذ لا معنى للعمل على تحسين مسار المستهلك إذا لم تكن هناك سيارات متوفرة للحجز حسب في مثالنا السابق، بل يجب أن يستغل مدير المنتجات وقته في استقطاب السيارات بطريقة أسرع؛ إذ تتجلى عواقب عدم فعل ذلك في جعل السوق يستقطب الكثير من العملاء دون القدرة على تلبية متطلباتهم من خلال عدد كافٍ من الموردين، مع عدم السعي لجلب موردين جدد
- عدم تأجيل إضافة خاصية التقييم للعملاء أو الشركاء لوقت لاحق: فالتقييمات في مرحلة الإطلاق لا تقل أهميةً عن التقييمات اللاحقة، ومن المرجح أن تصبح أول دفعة من العملاء والشركاء مستخدمين فعالين في المستقبل، وقد يجلبوا أصدقاءهم من خلال تأثير العلاقات، لذا فإن معرفة المشكلات التي تواجههم وترتيبها حسب أهميتها تساعد على تحقيق نتائج أفضل، وقد يكون تأثيرها أكبر من بناء خوارزميات متقدمة لمطابقة العرض والطلب.
على سبيل المثال، تُعَد الثقة والأمان عاملان مهمان بالنسبة لتطبيقات سيارات الأجرة، لذا يجب طمأنة العملاء والشركاء من ناحيتهما باستمرار. وبالعموم، يمكن إنشاء مجموعات تجمع أبرز المستخدمين مع طلب تقديم ملاحظاتهم وآرائهم وتحديد الثغرات في العروض الترويجية الموجَّهة للمستخدمين
- تقديم الجودة على الكمية: يتضمن إطلاق السوق إلكتروني إنشاء أدوات داخلية للشركة، وهي عبارة عن برمجيات تستخدمها الشركة ولا يلاحظها المستهلكون والموردون أو يهتموا بها، ومن الأمثلة العملية على ذلك بناءُ أداة داخلية للعروض الترويجية تسهل إعداد الخصومات. يجب أن تكون هذه الأدوات الداخلية بسيطة وأن تضاف بالتدريج وليس دفعةً واحدة،، فعلى سبيل المثال، يُنصح بالبدء بخصومات النسبة الثابتة بدلًا من إدراج جميع أنواع الخصومات دفعةً واحدة، من قبيل: "اشترِ 2 واحصل على واحدة مجانية"، أو "اطلب 5 طلبيات واحصل على طلبية سادسة مجانية"؛ كما أن إنشاء عدد محدود من الميزات المدروسة بعناية أفضل من إنشاء العديد من الميزات العشوائية غير المفحوصة جيدًا
- ليس كل شيء بحاجة للتتبع: يجب أن تكون التحليلات مسؤولية الجميع في مرحلة الإطلاق، لكن لا فائدة من تتبع أو تحليل البيانات التي لا تسهم بنمو السوق الإلكتروني، مثل عدد العملاء الذين يطلبون المثلجات بين منتصف الليل والرابعة صباحًا، فهذه الإحصائية لا يترتب عليها أي قرار متعلق بالمنتج في مرحلة الإطلاق، إلا إذا كان السوق الإلكتروني مخصصًا للمثلجات وليس هناك مورّودون يقدمون المثلجات في ساعات الليل. وحتى لو كان الأمر كذلك، فيمكن التعامل معه من خلال النقطة الثانية المذكورة أعلاه، والمتعلقة بالتركيز على الجانب الصحيح من السوق الإلكتروني
- التجربة والتعلم والتقدم: لا شك بأن التجارب مهمة جدًا لتحسين المنتجات، لكن قد لا تتوفر لدينا البيانات الكافية لها في مرحلة الإطلاق، لذا عندما تسنح الفرصة لإجراء التجارب فلا بد من الحرص على أن تكون بسيطة وسريعة. من المهم هنا التأكد من عدم الوقوع في هاجس إجراء التجارب على كل شيء، فقد يكون الاعتماد على رؤيتنا الشخصية أو حدسنا أحيانًا خيارًا أفضل في هذه المرحلة، لكن ذلك لا ينطبق على مرحلة إجراء التغييرات الكبيرة بعد تحقيق توافق المنتجات مع متطلبات السوق.
أمور أخرى يجب مراعاتها من قبل مديري المنتجات
- الالتزام بإستراتيجية الشركة: يجب أن تعتمد خارطة طريق المنتج على الوجهة التي تتخذها الشركة. على سبيل المثال، إذا كانت إستراتيجية الشركة تهدف إلى استقطاب مورّدين من المؤسسات بدلًا من التعاقد مع مستقلين أو كيانات صغيرة، فيجب أن يعبّر المنتج عن ذلك
- إبقاء الجميع على اطّلاع بآخر التحديثات: من الضروري إخبار الأطراف المعنية بمجريات الأمور، فغالبًا ما يتطلب التغيير على المنتج إجراء تغييرات موازية على العمليات الأخرى، والتي قد لا يكون فريق المنتج على دراية بها، مثل الاستعداد لمزيد من الأسئلة الشائعة في خدمة العملاء
- التواصل مع العملاء والشركاء: يساهم الحفاظ على علاقة قوية مع الشركاء وأبرز المستخدمين في اختصار الوقت الذي تستغرقه دورة الآراء والملاحظات، وتسريع إجراء عمليات التكرار والتحسين على المنتج
- تشجيع الاستخدام الذاتي للسوق: من الواجب على فريق الإدارة على الأقل أن يكونوا من أول مستخدمي السوق الإلكتروني. وفي حال كان السوق منخفض الزيارات مثل بعض الأسواق الموجهة للشركات، فسيصبح من الضروري اختبار مسار المستخدم باستمرار عبر إنشاء حساب مستخدم بطريقة اعتيادية وتجربته؛ إذ يساعد الاستخدام الذاتي للسوق على اكتشاف الكثير من الملاحظات والنواحي المهمة، خصوصًا في المراحل المبكرة.
خاتمة
دور مدير المنتجات في مرحلة الإطلاق أشبه بمخاطرة في سبيل غاية تستحق المغامرة، بحيث إذا نجح سيعود عليه ذلك بالجزاء الوفير؛ أما إذا فشل فقد تكون العواقب مدمِّرة. مع ذلك، يمكن الاستفادة من النصائح المذكورة أعلاه للمساعدة على إنجاز هذه المهمة بنجاح.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Zero-to-one Product Management in Marketplaces لصاحبه Jaskaran Sachdeva.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.