ما هي أوجه الاختلاف بين الأخلاق المرتكزة على القيم والامتثال في المؤسسات في الواقع تُحدَّد ثقافة المؤسسة بالقيم والمعاني المشتركة التي يحملها أعضاؤها والتي يبيِّنها ويمارسها قائد المؤسسة، كما تعدُّ أهداف المؤسسة وطموحاتها جزءًا من ثقافة المؤسسة وهي تساعد على تحديد طبيعة العمل وآليّة التنظيم داخل المؤسسة.
عرَّف إدغار شين -أحد الخبراء الأكثر تأثيرًا في مجال الثقافة- ثقافة المؤسسة بأنَّها:
اقتباسنمط من الافتراضات والمبادئ الضمنية المشتركة التي تضعها إدراة المؤسسة وموظفوها أو تتعلَّمها أثناء معالجتها للمشكلات المرتبطة بالتكيُّف مع بيئة العمل الخارجية للمؤسسة والتكامل الداخلي فيها والتي ثبتت فاعليتها وصلاحيتها في تنظيم هيكلية المؤسسة، ولذلك يمكن تعليمها للأعضاء الجدد على أنَّها الطريقة الصحيحة لفهم تلك المشكلات والتفكير فيها وإدراكها ومعرفة كيفية التعامل معها.
يوضِّح الشكل التالي الدور التكاملي المهم الذي تؤدِّيه الثقافة في المؤسسات على الصعيد الداخلي والخارجي، إذ يتأثَّر كلٌّ من الأشخاص والاستراتيجية والهيكلية والأنظمة بثقافة المؤسسة التي تعدُّ بمثابة الغراء الذي يربط مختلف أجزاء المؤسسة ببعضها.
الدور التكاملي المهم لثقافة المؤسسة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
تؤثِّر القيادة بدرجة كبيرة على الثقافة، وقد أشار شين إلى أنَّ الثقاقة والقيادة وجهان لعملة واحدة وأنَّه لا يمكن فهم أحدهما بمعزلٍ عن الآخر. تنتشر الثقافة من خلال ما يلي:
- الأساليب والقيم التي يتبنَّاها القادة ويمارسونها.
- الأشخاص الذين تكافئهم الشركة وتتخذهم قُدوة.
- الممارسات والرموز التي تقدِّرها المؤسسة.
- طريقة تواصل المسؤولين التنفيذيين وأعضاء المؤسسة مع بعضهم بعضًا ومع أصحاب المصلحة.
يشير جيمس هسكيت إلى أنَّ وجود ثقافة واضحة يحترمها الأفراد يمكن أن يساهم في تميُّز الشركات وحُسن أدائها بنسبة 20-30% مقارنة بالشركات المنافسة ذات الثقافات غير الواضحة.
على الرغم من نشوء ثقافات فرعية في المؤسسات، إلا أن الثقافة العامة للمؤسسة تؤثِّر على هذه الثقافات الفرعية بدرجة كبيرة، خاصةً مع وجود قيادة قوية وفريق إداري متمكّن يضع القواعد الإدارية ومعايير العمل الأخلاقية بدءًا من المستويات الإدارية العليا ووصولًا إلى الموظفين العاديين. سنذكر فيما يلي العوامل الأخرى التي تساعد على تشكيل ثقافة أخلاقية قوية وتساهم في بنائها، وتستند هذه العوامل إلى خبرة معهد إثيسفير المرموق.
- أن يُوضَّح في ثقافة المؤسسة المبادئ والمعايير الأخلاقية التي تحدِّد طريقة سير العمل.
- أن يكون بإمكان المؤسسة تحديد كلًّا من الأماكن ووحدات العمل والمستويات والمهام الوظيفية التي قد تفتقر إلى وضوح آلية العمل والإدراك الكامل للموراد المتاحة أو تولّد شعورًا بضغط عملٍ شديد وغير مرغوب فيه أو تِلك التي قد تحمل تصوُّرات أو آثار سلبية.
- أن يرى المستثمرون والشركات الأخرى بأنَّ الشركة تتصرَّف بطريقة أخلاقية.
- أن يدرك الموظفون سلوك كبار القادة وقيمهم ووسائل تواصلهم.
- أن يندمج الموظفون ويلتزمون بالعمل، وتتفقَّد المؤسسة عن طريق استبيانات العمل الدوريةالموظفين باستمرار لترى مدى رضاهم واندماجهم في عملهم.
- أن يقل شعور الموظفين بوقوعهم تحت الضغط، وذلك يجعلهم أقل عرضة للإخلال بمعايير الشركة عند سعيهم لتحقيق أهدافها، كما يزيد من احتمالية تبليغهم عن أي إساءة تصرُّف أو خلل يلاحظونه أثناء عملهم.
- أن يدرك الموظفون الأولويات الأخلاقية لزملائهم في العمل والقيم التي تتبنَّاها المؤسسة، وأن يكونوا على أتمِّ الاستعداد لتبادل الآراء مع زملائهم ومديريهم.
الامتثال والأخلاق
كما رأينا سابقًأ، فإنَّ مبدأ الأخلاق المرتكزة على القيم و مبدأ الامتثال يساهمان في الحفاظ على ثقافة أخلاقية للمؤسسة. لقد وُصفت الأخلاق بأنَّها القيام بالأمر الصائب وهي بمثابة قوة دافعة تحفِّز قيم العاملين وسلوكهم (أسلوب الترغيب)، في حين أنَّ الامتثال مرتبط بالحث على القيام بسلوك معين وفقًا للقانون وإلَّا سيكون هناك عواقب (أسلوب الترهيب). تشير الدراسات إلى أنَّ أسلوبي الأخلاق والامتثال مترابطان ويعملان لتحفيز السلوك القانوني والأخلاقي والحفاظ عليه في المؤسسات.
من القوانين التي وضعت أساسًا جديدًا لمساءلة المديرين التنفيذيين والمديرين الماليين قانون ساربينز أوكسلي لعام 2002، وقد كان أول قانون وُضع بعد فضيحة شركة إنرون وفضائح شركات أخرى، وهو يفرض قيودًا وإجراءات عقابية على المديرين التنفيذيين والمديرين الماليين الذين سوف يتعرَّضون للعقاب إذا تعمَّدوا ممارسة الاحتيال وجرائم أخرى، كما أشارت عدة بنود جديدة في هذا القانون إلى حدوث تغيير في مسؤوليات قادة الشركات والتزاماتهم مثل:
- إنشاء مجلس محاسبة مستقل للشركة للإشراف على عمليات التدقيق ومراجعة الحسابات في الشركات العامة.
- يجب أن يكون أحد أعضاء لجنة التدقيق خبيرًا في الشؤون المالية.
- يجب الإفصاح الكامل وتوفير كامل التفاصيل الضرورية لحملة الأسهم فيما يتعلق بالمعاملات المالية المعقدة.
- يجب على المديرين التنفيذيين والمديرين الماليين التصديق خطيًا على صحة البيانات المالية لشركاتهم، ويمكن أن يُسجنوا لمدة 20 سنة وتُفرض عليهم غرامة مالية مقدارها 5 مليون دولار إذا تعمَّدوا التصديق على بيانات مزيّفة.
- يحظر على شركات المحاسبة تقديم خدمات أخرى، مثل الاستشارات عند إجراء عمليات التدقيق.
على الرغم من أنَّ الانضباط الذاتي يلعب دائمًا دورًا رئيسيًا في القيام بالأمر الصائب داخل المؤسسات، إلّا أن ترسيخ مبدأ الامتثال في المؤسسة عنصر ضروري -ولكنَّه ليس كافيًّا لوحدة - في استقامة واستقرار الشركات على كافة المستويات الإدارية، إذ إن الأخلاق والقيم عنصرٌ مكمّل ومتمّم للامتثال؛ سيّما أنَّ القانون لا يمكنه أن يتطرّق إلى كافّة أوجه التصرّفات أو القرارات السيّئة في جميع المواقف.
إنَّ الأبعاد والممارسات الأخلاقية مثل الشفافية والخصوصية والأمانة والموضوعية والنزاهة والتأنِّي والصراحة واحترام الملكية الفكرية والطيبة والسرية والمساءلة والتوجيه المسؤول واحترام الزملاء جميعها أمور ضرورية لتحفيز السلوك الأخلقي وترسيخه في ثقافة المؤسسات.
أصبحت القيم الأخلاقية «موجبة لإقامة دعوى قضائية» نظرًا لأنَّ المؤسسات قد أصبحت مدركة لها ولأنَّها تتحمَّل مسؤولية واجباتها تجاه أصحاب المصلحة وحملة الأسهم. سنتحدَّث في القسم التالي من سلسلة مقالاتنا في هذا الصدد عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الذي نشأ في عام 1953 عندما أشار إليه عالم الاقتصاد هوارد بوين في كتابه «المسؤوليات الاجتماعية لرجل الأعمال».
المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات
ما هي الفوائد التي تعود على المؤسسات والمجتمع من المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات (CSR)؟ تساهم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في دعم الانضباط الذاتي في المؤسسات وتتطلَّب منها اتخاذ إجراءات لمساعدة الناس والبيئة وتحمّل المسوؤليّة الاجتماعية تجاه هذه العناصر. تُوصف المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بأنَّها: «الإيمان بأنَّ للمؤسسات مسؤولية اجتماعية تتجاوز تحقيق الربح المادي فقط». بعبارة أخرى: «الشركات هي كيانات اجتماعية، لذلك ينبغي عليها أن تؤدِّي دورًا في القضايا الاجتماعية لعصرنا الحالي، وينبغي عليها أيضًا أن تأخذ التزاماتها تجاه المجتمع على محمل الجد وأن تحاول تديتها على أكمل وجه.»
ينبغي ألّا تقتصر عملية اتخاذ القرارات في الشركات على تحقيق المزيد من النجاح المالي فقط بل يجب أن تتجاوز ذلك إلى تحقيق المصلحة الاجتماعية العامة، وذلك انطلاقًا من الافتراض بأنَّ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات ضرورية لتقدّمها على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والمؤسساتي، كما أنَّها تعزِّز سمعتها وتدعم نجاحها على المدى الطويل.
أصبحت الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين من الضرورات الاستراتيجية للمؤسسات باعتبارهما قوى سوقية أساسية للسلامة المالية والنجاح، كما أنَّ المستهلكين قد أصبحوا أصحاب مصلحة رئيسيين. لا تُطلق الشركات حول العالم مبادرات المسؤولية الاجتماعية من أجل أن تصبح شركات مواطنة فحسب؛ بل من أجل أن تشارك أنشطتها أيضًا مع أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين.
أظهرت دراسة أجرتها شركة هورايزون ميديا أنَّ 81 بالمائة من جيل الألفية يتوقَّعون من الشركات الالتزام العلني بالمواطنة الصالحة وتحقيق إنجازات اجتماعية تخدم المصلحة العامة، كما أظهرت دراسة (Cone Communications Millennial CSR) لعام 2015 أنَّ أكثر من تسعة من كل عشرة أشخاص من جيل الألفية مستعدون لاستبدال العلامات التجارية التي يتعاملون معها بأخرى تدعم قضية نبيلة وأنَّ ثلثي هؤلاء يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في الأنشطة المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات.
يعدُّ مُصطلح إطار خط الأساس الثلاثي (The triple bottom line أو TBL) أو ما يُعرف بمصطلح 3P's (والذي يرمز لثلاث اختصارات تبدأ بحرف P الإنجليزي وهي الربح (Profit) والأشخاص (People) والكوكب (Planet)) من المفاهيم الأخرى المرتبطة بأنشطة المؤسسات ومسؤوليتها الاجتماعية، ويساعد هذا الإطار الشركات على قياس مدى مسؤوليتها تجاه تمويل ودعم القضايا الاجتماعية والبيئية إلى جانب أرباحها المالية من أجل تحقيق نفع أكبر. لقد بدأت العديد من الشركات تبنّي مُصطلح إطار خط الأساس الثلاثي (TBL) إلى خطط أعمالها من أجل تقييم أدائها العام ومعرفة مدى مساهمتها في المجتمع. من الأمثلة على مبادرات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المعاصرة ما يلي:
- قدَّمت مؤسسة (GE) مبلغًا قدره 88 مليون دولار للبرامج المجتمعية والتعليمية في عام 2016.
- قدَّمت شركة 3MGives تمويلًا مقداره 67 مليون دولار في عام 2016 لدعم الخُطط والبرامج البيئية والاجتماعية، كما قامت بمبادرات تعليمية لزيادة اهتمام الطلاب بالعلوم والتكنولوجيا.
- أطلقت منظمة السلام الأخضر البيئية لقب «الشركة التقنية الأكثر مراعاةً للبيئة في العالم» على شركة أبل على مدار ثلاث سنوات لأنَّ المواد التي تستخدمها في التغليف مُصنَّعة من منتجات الورق المعاد تدويره بنسبة 99%.
- تتمثَّل الرسالة الاجتماعية لشركة والت ديزني الهادفة لتعزيز المجتمع إلى بث الأمل والسعادة والراحة للأطفال والعائلات الذين يحتاجونها بشدة، كما تبرعت شركة والت ديزني بأكثر من 400 مليون دولار لمؤسسات غير ربحية في عام 2016.
- أشارت شركة فيرجن أتلانتيك إلى أنَّ غايتها من إطلاق مبادرة «Change is in the Air» هي: المحافظة على البيئة، ومراعاة الاستدامة عند تصميم وبيع المنتجات، وتعزيز الاستثمار المجتمعي. لقد نجحت الشركة في تخفيض إجمالي انبعاثات الكربون من الطائرات بنسبة 22% منذ عام 2007، وقد عقدت شراكة مع شركة LanzaTech لإنتاج وقود منخفض الكربون في المستقبل. تتبرَّع شركة Virgin Holidays بـِ 200000 جنيه إسترليني سنويًا لمركز برانسون لريادة الأعمال في الكاريبي لدعم رواد الأعمال الشباب في جامايكا.
تبذل شركة هاسبرو جهودًا في المسؤولية الاجتماعية والابتكار والأعمال الخيرية وتطوير المنتجات بالاعتماد بدرجة كبيرة على المخطط الاستراتيجي لعلامتها التجارية، وتتركَّز المسؤولية الاجتماعية لها على أربع مجالات أساسية هي: سلامة المنتج، والاستدامة البيئية، وحقوق الإنسان والتوظيف والاستخدام الأخلاقي للموارد، وخدمة المجتمع. تُظهر الصورة أحد منتجاتها في استعراض عيد الشكر في مدينة نيويورك. (مصدر الصورة: حساب rowenphotography/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي NoDerivs 2.0 Generic (CC BY-ND 2.0))
على الرغم من انسحاب الحكومة الأمريكية الحالية من الاتفاقيات الدولية المتعلِّقة بتغيُّر المناخ وسعيها لدعم وتوسيع إنتاج الوقود الاحفوري واتخاذها إجراءات لإيقاف وكالة حماية البيئة الأمريكية عن عملها وامتناعها عن تمويل مكتب الحماية المالية للمستهلك (CFPB)، إلَّا أنَّ العديد من الشركات ما زالت تمارس مسؤوليتها الاجتماعية وتطبِّق مبادئ إطار خط الأساس الثلاثي من أجل دعم الأهداف البيئية المستدامة والحفاظ عليها.
وعلى الرغم من أنَّ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات ليست حلًّا سحريًا يمكنه إيجاد حلول جذرية لمشاكل التلوّث البيئي (عبر الممارسات البيئية المستدامة) أو القضاء على الفقر بشكل كامل أواستغلال الأرباح لمساعدة المجتمعات ذات الدخل المنخفض والنهوض بها، إلَّا أنَّها تساهم في زيادة وعي أصحاب المصالح الداخليين والخارجيين للقيام بالأمر الصائب، عبر الاقتداء بها والاحتذاء بنهجها.
على سبيل المثال، يقدِّم الباحثان تنغ ويازدانيفارد أدلة على أنَّ بعض المستهلكين يضعون المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في حسبانهم عند اتخاذ قرارات الشراء منها، كما تبيَّن أنَّ إجراءات ومبادرات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات لها تأثير إيجابي على أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين.
لقد أُجريت دراسة في شركات في نيوزيلاندا هدفت إلى معرفة طريقة تناقل مفاهيم المسؤولية الاجتماعية والاستدامة والهوية داخل المؤسسة ومعرفة تصوُّرات أصحاب المصلحة الداخليين عنها، وقد وُجد أنَّ سلوك الموظفين ذو أهمية كبيرة في تعزيز المسؤولية الاجتماعية في المؤسسة، وذلك لأنَّ المؤسسات التي تتمتَّع بسمعة حسنة في المجتمع تحصل على ولاء أكبر ممَّن يتعامل معها وتحظى بعائدات أكثر استقرارًا وتقل الأزمات التي تواجهها.
إنَّ وجود علاقات إيجابية مع طاقم العمل في المؤسسة نتيجة وجود سياسات متعلِّقة بالمسؤولية الاجتماعية لن يؤدِّي إلى جذب موظفين أفضل فحسب؛ بل سيرفع أيضًا الروح المعنوية للموظفين الحاليين ويحفِّزهم ويزيد ولاءهم للمؤسسة.
يعتمد التنفيذ الفعَّال لمبادرات المسؤولية الاجتماعية على مدى تجاوب الموظفين، وإذا كانت الشركات ترغب في اكتساب الشرعية من خلال العمل وفق توقُّعات المجتمع الأخلاقية، فمن الواجب عليها تشجيع الموظفين على ذلك والتأكُّد من أنَّ أنشطة المسؤولية الاجتماعية التي تمارسها جزء لا يتجزَّأ من ثقافة المؤسسة وممارستها اليوميّة، فلن يكون هنالك أي معنى وتأثير لكلام المؤسسة حول التزامها بالمسؤولية الاجتماعية دون أن ينعكس هذا الالتزام عبر تصرّفاتها ومساهماتها الاجتماعية.
هل تنتفع الشركات التي تمارس المسؤولية الاجتماعية؟ لقد أشار تحليل شمل 52 دراسة إلى أنَّ «تحلِّي المؤسسة بالمسؤولية الاجتماعية –وبالمسؤولية البيئية على وجه الخصوص- من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على المؤسسة… من الواضح أنَّ الأداء الاجتماعي للمؤسسات يرتبط بالمقاييس المحاسبية للأداء المالي أكثر من ارتباطه بمؤشرات السوق، وأنَّ مؤشرات سمعة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات ترتبط بالأداء المالي أكثر من ارتباطها بالمؤشرات الأخرى.» يرى العديد من الباحثين أنَّ هذه العلاقات والمقارانات حقيقة وواقعية إلى حدٍّ كبير.
لقد ذكر رون روبينز أنَّ «الدراسات والأبحاث تشير إلى أنَّ معظم المسؤولين التنفيذيين يعتقدون أنَّ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات يمكن أن تؤدِّي إلى زيادة الأرباح، إذ ليس هناك أي شركة عامة ضخمة ترغب بأن يُنظر إليها على أنَّها لا تساهم في المسؤولية الاجتماعية في وقتنا الحالي، وذلك دليل واضح على مدى أهمية المسؤولية الاجتماعية لإيرادات المؤسسات بغض النظر عن مدى صعوبة تحديد مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وربطها بالأرباح.»
عبَّر المديرون دون استثناء عن أهمية إخبار الموظفين بمبادرات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والسياسات المرتبطة بها، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحسين استراتيجيات التواصل الداخلي المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية، كما أشار المديرون إلى دور مبادرات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في حث الجهود وشحذ الهمم من أجل تحسين المؤسسات وخلق بيئة عمل أكثر أخلاقية، وتتضمَّن هذه المبادرات الداخلية (داخل المؤسسة) إعادة التدوير وتشارك وسائل النقل وتطوير قدرات الموظفين والأنشطة الاجتماعية، في حين تتضمَّن المبادرات الخارجية التطوُّع وجمع الأموال والتبرُّعات الخيرية.
إدارة أصحاب المصلحة
إنَّ مفهومي المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وإدارة أصحاب المصلحة يكمِّلان بعضهما بعضًا. تشير نظرية أصحاب المصلحة إلى أنَّه ينبغي على المؤسسات معاملة جميع الجهات المعنية بطريقة عادلة وأنَّ قيامها بذلك من شأنه أن يساعد على تحسين سمعتها وتقوية علاقاتها مع الزبائن ورفع أدائها في الأسواق. إذا كانت المؤسسات ترغب في أن تكون فعَّالة، فإنَّه ينبغي عليها توجيه اهتمامها إلى جميع العلاقات التي يمكن أن تؤثِّر عليها أو تتأثَّر بإنجازها لأهدافها.
يقوم البعد الأخلاقي لنظرية أصحاب المصلحة على فكرة أنَّ زيادة الأرباح ينبغي أن تكون مقيَّدة بالعدالة، وهذا يعني أنَّ الحقوق الفردية ينبغي أن تشمل جميع الجهات المعنية ذات العلاقة بالعمل، وأنَّ طبيعة المؤسسات ليست "اقتصادية" فحسب؛ بل ينبغي على المؤسسات أيضًا أن تتصرَّف بطُرُق مسؤولة من الناحية الاجتماعية لكي تحافظ على شرعيتها ومكانتها الاجتماعية إلى جانب قيامها بالأمر الصائب.
تقتضي إدارة أصحاب المصلحة في البداية تحديد من هم أصحاب المصلحة أو الجهات المستفيدة من الشركة. إنَّ صاحب المصلحة (stakeholder) هو أي فرد أو مجموعة قد يتأثَّر باستراتيجيات المؤسسة وأنشطتها ومعاملاتها الرئيسية. يشمل أصحاب المصلحة كلًّا من الموظفين والمورِّدين والزبائن وحملة الأسهم والحكومة ووسائل الإعلام وغيرها.
لقد أصبح مصطلح أصحاب المصلحة شائعًا في المؤسسات، وإنَّ الشركات والمؤسسات التي تتَّخذ قراراتها واستراتيجياتها بناءً على مبدأ الواجب لكي تكتسب ثقة أصحاب المصلحة غالبًا ما تحظى بعدد من الفوائد الاستراتيجية، كما يساعدها ذلك على التعامل مع المخاطر والأزمات السياسية والاجتماعية والمخاطر المتعلِّقة بالسمعة. يوضِّح الشكل التالي علاقة أصحاب المصلحة بالشركة.
علاقة أصحاب المصلحة بالشركة (مقتبس من كتاب «Strategic management: A Stakeholder approach» بإذن من المؤلف إدوارد فريمان.)
تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين
هناك العديد من الطرق لتحليل تعاملات وعلاقات أصحاب المصلحة مع المؤسسة والتي لا نستطيع الإلمام بها في هذا المقال. من وجهة نظر أخلاقية؛ فإنَّ الهدف من هذا التحليل وهذا التوجّه هو أن توظِّف المؤسسات قيم الشفافية والعدل ومراعاة مصالح جميع الأطراف المشاركة عند اتخاذ قرارات استراتيجية أو القيام بأي تعاملات، ويمكن طرح الأسئلة التالية لبلوغ ذلك الهدف:
- من هم أصحاب المصلحة (الأشخاص الذين لهم مصلحة في تأييد إجراء مقترح أو معارضته وحل مشكلة ومواجهة التغيير)؟
- ما هي المصالح التي سوف يجنونها نتيجة تأييدهم للتغيير أو معارضتهم له؟
- ماذا سيستفيد المؤيِّدون من التغيير وماذا سيخسرون؟
- ماذا سيستفيد المعارضون من التغيير وماذا سيخسرون؟
- ما هي الصلاحيات المتعلّقة بالتغييروالتي يتمتَّع بها المؤيِّدون؟
- ما هي الصلاحيات المتعلّقة بالتغييروالتي يتمتَّع بها المعارضون ؟
- ما الاستراتيجيات التي يمكننا استخدامها للحفاظ على تأييد المؤيِّدين؟
- ما الاستراتيجيات التي يمكننا استخدامها لتخفيف معارضة المعارضين أو التغلُّب عليهم؟
اعتمادًا على هذا النمط من التوجّه يقوم القادة والمسؤولون في المؤسسات بإدارة أصحاب المصلحة عن طريق التواصل معهم ومعرفة آرائهم والتأثير عليهم وإشراكهم فيما يتعلَّق بالاستراتيجيات أو القضايا أو الفرص التي تسعى المؤسسة للحصول عليها. يمكن الاطلاع على منهج شركة كوكا كولا في إدارة أصحاب المصلحة من خلال هذا الرابط.
كان من الممكن منع حدوث أحد أكبر أزمات الانفجار والتسرب النفطي في التاريخ القريب والتي واجهتها شركة بريتيش بتروليوم عام 2010 وأدَّت إلى انفجار منصتها الواقعة في خليج المكسيك ومقتل 11 عاملًا وتضرُّر أكثر من 600 ميل مربع من الأرض والبحر، لو أنَّ هذه الشركة اتَّبعت منهج إدارة أصحاب المصلحة بشكل صحيح. فقد تبيَّن أنَّ ثقافة شركة بريتيش بتروليوم كانت غير واضحة ولم تكن قيادتها تتواصل مع أصحاب المصلحة وحملة الأسهم بشكل دوري، وكان من نتائج ذلك قِدم الآلات والمعدات وعدم صيانتها بشكل دوري، الأمر الذي أدى إلى خلل في عملها.
إنَّ المسؤولية الاجتماعية وإدارة أصحاب المصلحة تحسِّن من سمعة المؤسسات وتزيد أرباحها، كما أنَّ العلاقة بين أداء المؤسسات والأخلاق التي تتبناها ومسؤوليتها الاجتماعية من الأمور التي تهم المديرين والباحثين التنظيميين. لقد بيَّنت الدراسات وجود علاقة طردية بين السلوك الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسة وبين النتائج المالية والأرباح الماديّة لها.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة للأداء المالي لإحدى الشركات الأمريكية الكبيرة المصنَّفة من «أفضل الشركات المواطنة» أنَّ لديها سمعة ممتازة وأدائها المالي مرتفع، كما وجدت وكالة Governance Metrics International أنَّ أداء أسهم الشركات التي تعمل بمبادئ الإيثار أفضل من تلك التي تعمل لخدمة مصالحها الذاتية، وقد تفوَّقت الشركات ذات التصنيف العالي مثل فايزر وجونسون كونترولز وسونوكو على الشركات ذات التصنيف الأقل في العديد من المقاييس مثل: عائدات الأصول، وعائدات الاستثمار، وعائدات رأس المال.
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Ethics, Corporate Culture, and Compliance وCorporate Social Responsibility من كتاب Principles of Management
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: الأخلاق حول العالم
- المقال السابق: القيادة والأخلاق على مستوى المؤسسات
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.